جلسة أول يونيه سنة 1963
برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة: مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.
----------------
(119)
القضية رقم 838 لسنة 7 القضائية
(أ) عقد إداري - عقد توريد
- التزام المتعهد بتوريد الأصناف المتعاقد عليها مع الإدارة على دفعات في المواعيد المعينة في العقد - قيامه بتوريد الباقي من هذه الدفعات بعد فوات الميعاد - يجعله مخلاً بالتزاماته التعاقدية ما يجيز للإدارة إلغاء العقد بالتطبيق للشروط المتفق عليها - قيام الإدارة باستلام هذه الدفعات وتحليل عينة منها لا يفترض نزولها عن حقها في التمسك برفض التوريد طبقاً لشروط العطاء لحصوله بعد الميعاد أو أنها وافقت ضمناً على مد مدة العقد، طالما أنها تسلمتها على سبيل الأمانة وتحت مسئوليته بعد أن أخطرته بتقصيره في الوفاء بالتزاماته وأنذرته باتخاذ الإجراءات القانونية ضده لإخلاله بالتزامه.
(ب) عقد إداري - عقد توريد
- عينة - قيام جهة الإدارة بتحليل الأصناف الموردة إليها في معاملها المنشأة لهذا الغرض - لا سبيل إلى إلزامها بإجراء التحليل أمام جهة فنية أخرى ولو كانت حكومية ما لم يلزمها العقد بذلك.
(ج) عقد إداري - عقد توريد
- الأصناف المخالفة للمواصفات وللعينة المعتمدة تبعاً لنتيجة التحليل - قبولها من إطلاقات الإدارة ولا إلزام عليها في ذلك.
(د) عقد إداري - عقد توريد
- رفض الإدارة قبول التوريد الحاصل بعد الميعاد والمخالف للمواصفات والاشتراطات المتفق عليها، ورفضها إعادة التحليل بمعامل جهة أخرى - اتصال المنازعة فيه بالعقد برمته وما ينشأ عن تنفيذه ويتفرغ عنه - لا أثر في هذا الشأن لتكييف الإجراء الذي يتم به هذا الرفض سواء وصف بأنه مجرد إجراء أو تصرف قانوني أو قرار إداري - عدم إمكان الفصل فيه استقلالاً عن العقد بتجريده منه واطراح ما تضمنه من شروط وأحكام هي المرجع في تقدير سلامة التصرف موضوع المنازعة أو تقرير عدم مشروعيته.
إجراءات الطعن
في 16 من فبراير سنة 1961 أودع الأستاذ عبد المجيد الشرقاوي المحامي المقبول أمام المحكمة الإدارية العليا بصفته وكيلاً عن السيد/ سعد زخاري سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 738 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض" بجلسة 18 من ديسمبر سنة 1960 في الدعوى رقم 904 لسنة 12 القضائية المقامة من السيد/ سعد زخاري ضد السيد/ وزير الحربية بصفته الرئيس الأعلى لسلاح الأسلحة والمهمات، القاضي برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات". وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء قرار إدارة العقود والمشتريات الصادر برفض اعتماد توريد 102000 قطعة معدنية المبلغ إلى المدعي في 15 من إبريل سنة 1958 والمؤسس على قرار إدارة العقود والمشتريات برفض طلب المدعي بإحالة العينة المختلف عليها إلى معامل كلية الهندسة". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الحربية في 23 من فبراير سنة 1961. وعقبت هيئة مفوضي الدولة بتقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام الطاعن المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 2 من مارس سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 17 من يناير سنة 1963. وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 11 من مايو سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 6 من إبريل سنة 1963. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 904 لسنة 12 القضائية (ابتداء) ضد السيد/ مدير العقود والمشتريات بسلاح الأسلحة والمهمات أمام محكمة القضاء الإداري "دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض" بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 31 من مايو سنة 1958 ذكر فيها أنه قدم في 23 من ديسمبر عرضاً إلى لجنة الممارسة بإدارة العقود والمشتريات بسلاح الأسلحة والمهمات عن توريد 204000 قطعة معدنية لحاجة الإدارة لتحقيق الشخصية بسعر القطعة الواحدة سبعة مليمات. وفي 20 من يناير سنة 1957 اعتمدت إدارة العقود والمشتريات العينة المقدمة منه وحررت له خطاباً باعتماد التوريد، وقد قام من جانبه بتوريد نصف الكمية ولم تعترض الإدارة على القطع الموردة وقامت بصرف قيمتها إليه. ثم قام بتوريد باقي الكمية المتفق عليها في الميعاد الثابت في خطاب الاعتماد، ولكن الإدارة ردت عليه برفض البضاعة بمقولة أنها تخالف العينة التي قدمها وقد اعترض هو على هذا الرفض مقرراً أن البضاعة الموردة أخيراً تطابق العينة ولا تختلف عنها في شيء، وطلب إيضاح أسباب الرفض فردت عليه الإدارة بأنها قامت بتحليل البضاعة على العينة في معاملها فظهر لها أنها تخالفها. ولكنه أرسل إليها تظلماً أبدى فيه استعداده لتحليل البضاعة والعينة في معمل كلية الهندسة بجامعة القاهرة. وهي الجهة الفنية التي لا غبار عليها. فكان الرد من المدعى عليه أنه لا يوافق على تحليل البضاعة في أية جهة أخرى ولو كانت الحكومة اكتفاء بالتحليل الذي تم في معامله ولو كان القرار الخاص برفض 102000 قطعة الموردة من المدعي حسب (الخطاب) الوارد إليه باعتماد التوريد في 20 من يناير سنة 1957 باطلاً، فإنه يطلب "الحكم بإلغاء القرار الصادر برفض اعتماد توريد 102000 قطعة معدنية المبلغ إلى الطالب في 15 من إبريل سنة 1958 مع إلزام المعلن إليه بالمصاريف والأتعاب".
وقد دفعت الحكومة بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، فقام المدعي بتصحيح شكل الدعوى بأن وجه طلباته المتقدم ذكرها إلى السيد/ وزير الحربية بصفته الرئيس الأعلى لسلاح الأسلحة والمهمات، وذلك بصحيفة أعلنت إلى هذا الأخير في 24 من يناير سنة 1960.
وقد ردت وزارة الحربية على هذه الدعوى بمذكرة قالت فيها أنها قبلت العطاء الذي تقدم به المدعي عن توريد كمية مقدارها 204000 قرص معدني لتحقيق الشخصية بسعر 7 مليمات للقرص، أي مبلغ 1428 جنيهاً لكل الكمية، وذلك بعد إذ ثبت من تقرير المعامل المركزية للجيش أن العينة التي قدمها لتكون أساساً للتوريد هي أصلح من العينات الأخرى التي تقدم بها منافسوه من حيث الصلابة وعدم القابلية للصدأ واعتدال السعر. وعلى هذا أخطر بأمر التوريد من اشتراط أن يكون التوريد حسب العينة المقدمة منه من جميع الوجوه ولا سيما من حيث الخامة والمقاس والحجم، وأن يتم على دفعات شهرية مقدار كل منها 51000 قرص بحيث ينتهي خلال أربعة أشهر من تاريخ تسلم الأمر الصادر به، وهو الذي تسلمه المدعي في 20 من فبراير سنة 1957 وتم قبولها بعد إذ ثبت مطابقتها للعينة. كما قام بتوريد الدفعة الثانية بذات القدر في 25 من مارس سنة 1957 وتم قبولها أيضاً بناء على قرار المعامل المركزية للجيش. إلا أنه تراخى بعد ذلك في تنفيذ العقد ولم يورد شيئاً في المواعيد المتفق عليها مما اضطر سلاح الأسلحة والمهمات إلى إرسال كتاب مسجل إليه في 21 من مايو سنة 1957 يخطره فيه بأن مدة التوريد قد انتهت في 20 من مايو سنة 1957. وأنه سيتخذ ضده الإجراءات القانونية لتقصيره في التوريد وعلى أثر ذلك قام في 25 من مايو سنة 1957 بتوريد 51000 قرص أرسلت منها عشرة أقراص للتحليل وعينة أقراص أخرى للتجربة على الآلات، فوردت نتيجة التحليل للمعامل المركزية للجيش في 4 من سبتمبر سنة 1957 بأنه بالاختبار الكيماوي لوحظ: (1) حول الثقب الذي تمر به السلسلة صدأ. (2) في الزوايا الأخرى والأطراف الجانبية أيضاً صدأ. وعلى أساس هذه النتيجة قررت لجنة الفحص رفض التوريد وأخطرت المدعي لتسلم المرفوض. وفي 3 من يونيه سنة 1957 ورد 51000 قرص صرح بدخولها على مسئوليته على سبيل الأمانة، ولكن لجنة الفحص رفضتها لمخالفتها للعينة نظرياً حيث إنها أقل منها سمكاً. وقد تم إخطاره بذلك في 17 من يونيه سنة 1957 - وطلب منه سحبها. فقام بتوريد 37000 قرص في 27 من يونيه سنة 1957 تم رفضها لذات العيب وأبلغ بذلك في 13 من يونيه سنة 1957 مع تكليفه بسحبها. وأخيراً ورد 51000 قرص في 3 من أغسطس سنة 1957 على سبيل الأمانة لتوريدها بعد الميعاد، وقد قررت لجنة الفحص رفضها تأسيساً على نتيجة التحليل بالمعامل المركزية للجيش وأخطر بالرفض مع التنبيه عليه بتسلمها. وفي 27 من سبتمبر سنة 1957 قدم طلباً لقبول التوريد من الحاصلين في 25 من مايو سنة 1957 و27 من سبتمبر سنة 1957 بالتخفيض. وقد اجتمعت اللجنة وقررت في 3 من نوفمبر سنة 1957 أنها ما زالت عند رأيها الأول في رفض التوريد وعدم قبوله بتخفيض حيث يترتب على قبوله ضرر، وتم إبلاغه ذلك في 4 من نوفمبر سنة 1957. وقد طلب بكتابه المؤرخ 13 من نوفمبر سنة 1957 تحليل التوريد والعينة بكلية الهندسة فرد عليه السلاح في 20 من نوفمبر سنة 1957 بأنه سبق تحليل التوريد ورفضه. وأنه إذا كان يرغب في إعادة التحليل فإن ذلك سيتم بالمعامل المركزية للجيش لكونها الجهة المختصة بمصاريف على حسابه. ولكنه أصر على إعادة التحليل بكتاب مؤرخ 23 من نوفمبر سنة 1957. وقد تم ذلك وجاءت النتيجة أن التوريد غير متجانس وأنه يقل عن درجة الصلابة في العينة المتعاقد عليها وأخطر بذلك وبوجوب سحب المرفوض بكتاب مؤرخ 7 من يناير سنة 1958. ولكنه كرر شكواه في 10 من يناير سنة 1958 طالباً التجاوز عن هذا الاختلاف وقبول التوريد بالتخفيض. وقد استطلعت اللجنة رأي الخدمات الطبية التي ردت بأنه لا يمكن قبول التوريد بالتخفيض لوجود مادة الزرنيخ في الأقراص الموردة. وعلى هذا قررت لجنة الفحص في 7 من إبريل سنة 1958 رفض التوريد وعدم قبوله بتخفيض لهذه الأسباب حيث إن مادة الزرنيخ ينتج عنها ضرر عند الاستعمال وأبلغ المدعي بذلك وطلب منه إرسال مندوب لاستلام المرفوض. ومن ثم فإن الخلاف بينه وبين الوزارة ينحصر في الدفعتين اللتين وردهما في 25 من مايو سنة 1957 و3 من أغسطس سنة 1957، وقد تم توريدهما بعد انتهاء ميعاد التوريد في 20 من مايو سنة 1957 وبعد إخطاره بكتاب مؤرخ 21 من مايو سنة 1957 بأنه قصر في التوريد في الميعاد المقرر في العقد وبأن الإجراءات القانونية ستتخذ ضده، وذلك وفقاً للبند التاسع من شروط المناقصة التي قبلها المدعي ورفعها بشأن التأخير في التوريد. ولم يشر كتاب السلاح إلى منح المذكور أية مهلة جديدة للتوريد ومؤدى ذلك أنه كان على هذا الأخير أن يكف عن التوريد بعد انتهاء مدته يؤكد هذا أن كل كمية من الأقراص تم توريدها بعد انتهاء مدة التوريد كان يصرح بدخولها على سبيل الأمانة وعلى مسئولية صاحبها، وهذا السبب وحده كاف لرفض التوريد من موضوع الدعوى وإذ كان السلاح قد قبل تحليل عينات منهما فلا يعنى هذا سقوط حقه في التمسك برفض التوريد لحصوله بعد الميعاد المتفق عليه في العقد. هذا فضلاً عن مخالفة الأقراص الموردة بعد الميعاد للعينة المتفق عليها وعدم تجانسها ونقص رقم الصلابة فيها ووجود مادة الزرنيخ الضارة بها. ولا حجة فيما يطلبه المدعي من تحليل عينات من التوريد بمعامل كلية الهندسة إذ لا يمكن إلزام السلاح بتحليل تلك العينات بمعامل كلية الهندسة ولديه المعامل المركزية للجيش وهي الجهة المختصة بذلك. على أن السلاح قد أعاد تحليل الأصناف (المرفوضة) لعدم مطابقتها للعينة المعتمدة استجابة لطلب المدعي. فكانت نتيجة التحليل مخالفة التوريد للعينة من حيث درجة الصلابة. بل إن السلاح قد أخذ رأي الخدمات الطبية التي أجابت بأنه لا يمكن قبول التوريد بالتخفيض لاحتواء الأقراص على مادة الزرنيخ الضارة عند الاستعمال. وخلصت وزارة الحربية من هذا إلى طلب "الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بمصروفاتها ومقابل أتعاب المحاماة، مع حفظ كافة الحقوق قبله".
وقد عقب المدعي على دفاع الحكومة بمذكرتين أوضح فيهما أن البضاعة المرفوضة هي من ذات المعدن الذي قدم منه العينة والكمية التي قبلت، وأن سلاح الأسلحة والمهمات طلب إليه بخطابه المؤرخ 16 من نوفمبر سنة 1957 تقديم نوع المعدن المصنوعة منه الأقراص والمواصفات الفنية لهذا المعدن من حيث قوة الطرق والصلابة والصدأ، وهذا دليل على أن السلاح لا يعرف شيئاً عن المعدن المذكور، وأن تحليله كان صورياً لأن البيانات الرئيسية كانت خافية عليه قبل هذا الخطاب، وأنه لم يكن يطلب عينة أو مواصفات معينة بل ترك أمرها للموردين، وأن التحليل السابق لم يكن على أسس سليمة لاختفاء العناصر الرئيسية. هذا إلى أن تناقض السلاح في بيان سبب الرفض، إذ يعزوه مرة إلى مخالفة السمك الأصلي، ومرة ثانية إلى ضعف الصلابة، ومرة ثالثة إلى وجود مادة الزرنيخ التي ينتج عنها ضرر في الاستعمال، فضلاً عن تراخي السلاح في التحليل الذي قام به. ولا حجة له في أن التوريد قد تم بعد الميعاد وأن من حقه إلغاء العقد ومصادرة التأمين، ما دام لم يشر إلى هذا الإلغاء في كتابه المؤرخ 31 من مايو سنة 1957. وما دام قد قبل الكميات التي وردت بعد ذلك في تواريخ متلاحقة تالية. وما كان ثمة محل لأخذ رأي قسم الخدمات الطبية بعد أكثر من عام لكي يقرر أن الأقراص المعدنية الموردة بها مادة الزرنيخ، مع أنه ثابت منذ الوهلة الأولى من تحليل العينة أن بها هذه المادة. وجملة القول أن الحكومة قد قبلت ضمناً مد ميعاد التوريد، إذ لم تعد باقي الكميات فور توريدها مؤشراً عليها بالرفض باعتبار العقد مفسوخاً للتأخير في التوريد، ولم يرد في خطاباتها اللاحقة ما يفيد أنها اعتبرت العقد مفسوخاً لهذا السبب، بل إنها اعتمدت في الرفض على عدم صلاحية الكميات الموردة، ولم تطرح مناقصة أخرى عن توريد كمية من الأقراص بدلاً من المرفوضة واختتم المدعي دفاعه بأنه قبل حسما للنزاع نتيجة التحليل الذي تجريه كلية الهندسة ويصمم على طلباته، ويطلب "احتياطياً إلزام المدعى عليه بمبلغ 714 جنيهاً والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "أن تحكم المحكمة برفض الدعوى، مع إلزام رافعها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وبجلسة 18 من ديسمبر سنة 1960 قضت محكمة القضاء الإداري "برفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات" وأقامت قضاءها على أن تصرف سلاح الأسلحة والمهمات برفض البضاعة الموردة من المدعي بعد الميعاد المحدد والمخالفة للعينة المتفق عليها هو إجراء يدخل في نطاق عقد التوريد وما ينشأ عن تنفيذه من خلافات، فلا تعتبر المنازعة بشأنه داخلة في نطاق قضاء الإلغاء كما صور المدعي طلباته، وإنما يختص بنظرها القضاء الإداري في حدود ولاية القضاء الكامل باعتباره مختصاً بالفصل في المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية. والثابت من الأوراق، بغير منازعة من المدعي، أن هذا الأخير قد قصر في توريد الدفعات الثالثة وما بعدها التي انتهى الموعد المحدد لتوريدها في 20 من مايو سنة 1957، ثم وردها بعد الميعاد دون الحصول على مهلة من السلاح الذي أنذره في 21 من مايو سنة 1957 بالتقصير وبأنه سيتخذ الإجراءات القانونية ضده وقد أعد السلاح في ذات التاريخ مذكرة طلب فيها الموافقة على شراء الكمية الباقية على حساب المذكور، ووافق نائب المدير للشئون المالية على ذلك في 22 من مايو سنة 1957. وأياً كان الوضع بالنسبة لقبول الكميات الموردة من المدعي بعد الميعاد المقرر فإن لجنة الفحص قد انتهت إلى رفضها جميعاً إما لما اتضح من تحليل المعامل المركزية للجيش من وجود صدأ حول الثقب الذي تمر به السلسلة وفي الزوايا والأطراف الجانبية، وإما لمخالفة البضاعة الموردة للعينة المتعاقد عليها نظرياً لكونها أقل منها سمكاً وصلابة، وما دام قرار لجنة الفحص الصادر برفض البضاعة الموردة من المدعي قد اعتمد من مدير السلاح، فإنه يعتبر طبقاً لنصوص الفقرتين الثانية والرابعة من البند الثاني من شروط العطاء والبند التاسع والأربعين من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها بقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من يونيه سنة 1948 نهائياً ولا سيما أنه قام على قرار المعامل المركزية للجيش التي باشرت التحليل وانتهت إلى أن التوريد غير متجانس وأنه يقل عن رقم الصلابة في العينة. هذا فضلاً عن كونه إجراء سليماً مطابقاً لنصوص العقد ومتفقاً مع أحكام لائحة المخازن والمشتريات التي أبرم في ظلها هذا العقد. وقد أعاد السلاح التحليل استجابة لطلب المدعي فكان قرار المعامل المركزية للجيش في هذه المرة مؤيداً لقرارها الأول بعدم مطابقة التوريد للعينة. ومن ثم فلا وجه لإلزام السلاح بإعادة التحليل في معامل كلية الهندسة، ولا سيما أن معامل الجيش المركزية هي المختصة بإجراء الفحص والتحليل في كل ما يتعلق باحتياجات الجيش. كما لا وجه لإلزام السلاح بأن يقبل البضاعة المرفوضة بتخفيض، إذ أن هذا من إطلاقات الإدارة، وهو حق مقرر لها بمقتضى الفقرة الخامسة من البند الثاني من شروط العطاء إذا رأت صلاحية الأصناف الموردة للأقراص المطلوبة من أجلها وأنه لا يترتب على قبولها ضرر ما للمصلحة. وعلى هذا فإن قرار لجنة الفحص الصادر في حدود اختصاصها بعدم قبول الأصناف الموردة بالتخفيض يكون سليماً لا مطعن عليه ولا يغير من ذلك ما ارتآه السلاح من الاستئناس برأي الخدمات الطبية إمعاناً في تحقيق العدالة وفي نفي مظنة إساءة استعمال السلطة. ولا حجة فيما أثاره المدعي من أن السلاح قد أعلن عن أصناف لم يحدد عيناتها تحديداً ثابتاً، إذ أن التعاقد تم على أساس العينة المقدمة منه من جميع الوجوه، وهي التي يتعين التوريد والفحص والتحليل على أساسها، وهو ما تم فعلاً. ولا يقدح في هذا ما طلبه السلاح من المدعي خاصاً بنوع المعدن المصنوعة منه الأقراص والمواصفات الفينة لهذا المعدن من حيث قوة الطرق والصلابة والصدأ، إذ أن ذلك قد تم بناء على طلب إدارة السجلات العسكرية ولم يكن له شأن في رفض الأقراص الموردة، كما لم يكن لوجود مادة الزرنيخ شأن في رفض هذه الأقراص. ومن ثم فإن الدعوى تكون غير قائمة على أساس سليم من العقد أو الواقع أو القانون مما يتعين معه القضاء برفضها مع إلزام المدعي بمصروفاتها.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 16 من فبراير سنة 1961 طعن المدعي في هذا الحكم طالباً "الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإلغاء قرار إدارة العقود والمشتريات - الصادر برفض اعتماد توريد 102000 قطعة معدنية - المبلغ إلى المدعي في 15 من إبريل سنة 1958 والمؤسس على قرار إدارة العقود والمشتريات برفض طلب المدعي بإحالة العينة المختلف عليها إلى معامل كلية الهندسة". واستند في أسباب طعنه إلى أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ قضى بأن دائرة العقود الإدارية هي المختصة بنظر المنازعة موضوع الدعوى باعتبار أنها لا تدخل في نطاق قضاء الإلغاء ذلك أن تصرف سلاح الأسلحة والمهمات برفض التوريد ورفض طلب إجراء التحليل بواسطة معامل كلية الهندسة إنما هو قرار إداري يحق للمتضرر منه طلب إلغائه بسبب ما ترتب عليه من خسارة مادية لحقت بالمدعي. ولا يقدح في هذا حصول التوريد بعد انتهاء مدة العقد، إذ أن قبول الإدارة للصنف المورد ولو على سبيل الاحتياط ثم الموافقة على تحليله للتأكد من مطابقته للعينة إنما معناه قبول التوريد ضمناً. ولما كان العقد لم ينص على طريقة معينة لمطابقة الأصناف الموردة على العينة. فقد كان أحرى بالإدارة إحالة تلك الأصناف إلى جهة محايدة كمعامل كلية الهندسة للقيام بتحليلها. فإذا كان الحكم قد أخطأ في تكييف الدعوى رافضاً التصوير الذي ذهب إليه المدعي بأنها مطالبة بإلغاء قرار، ومكيفاً إياها بأنها دعوى عقدية صرفة، فإنه يكون قد جاء معيباً، إذ أن المحاكم العادية لا تستطيع إلزام الإدارة بأن تقبل معملاً للتحليل غير المعمل الذي ارتضته، وإنما الذي يملك ذلك هو دائرة الإلغاء بمحكمة القضاء الإداري. وإذ أصدرت الإدارة قراراً برفض طلب المدعي إحالة التحليل إلى كلية الهندسة الذي قبل المدعي نتيجته مقدماً، فإنها تكون متعسفة ويكون قرارها واجب الإلغاء.
وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على هذا الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع برفضه مع إلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وأسست رأيها على أن قرار الإدارة برفض البضاعة الموردة من المدعي أياً كان تكييفه إنما تدخل المنازعة بشأنه في نطاق العقد بوصفها منازعة عقدية، ولا تدخل في نطاق قضاء الإلغاء. ما دام القرار قد صدر في مواجهة المتعاقد تنفيذاً لأحكام العقد. وقد أجاب سلاح الأسلحة والمهمات المدعي إلى طلبه إعادة التحليل وأرسل عينات من التوريد إلى المعامل المركزية للجيش التي جاء قرارها الثاني مطابقاً لقرارها الأول، ولا وجه بعد ذلك لإلزام السلاح بأن يعيد التحليل، مرة ثالثة، لأن نص الفقرة السادسة من البند الثامن من عقد التوريد لا يسمح بذلك، إذ أن إعادة التحليل للمرة الثالثة هي حق للسلاح في حالة ما إذا كانت نتيجة التحليل الثاني قد جاءت لصالح المتعهد. وهو ما ليس متوافراً في الدعوى الراهنة كما لا وجه لإلزام السلاح بأن يعيد التحليل في معامل كلية الهندسة بوصفها جهة فنية بعيدة عن الجيش. ذلك أن رفض السلاح لهذا الطلب، مع التسليم بأنه قرار إداري إنما أساسه أحكام العقد، ولا سيما أن معامل الجيش المركزية هي المختصة بإجراء التحليل الخاص باحتياجات الجيش، وهي أدرى من غيرها بهذه الاحتياجات، ولا يوجد أي نص في العقد يجيز إحالة ما يطرأ من خلافات فنية بصدد تنفيذه إلى جهة أجنبية عن طرفيه ولو كانت حكومية، بل إن نصوص العقد تجعل الإدارة هي المرجع في رفض الأصناف المخالفة للمواصفات، وفقاً للتحليل الذي تقوم به ومن ثم فإن قرار إدارة العقود والمشتريات بسلاح الأسلحة والمهمات برفض البضاعة الموردة من المدعي لمخالفتها للمواصفات وللعينة المعتمدة بناء على نتيجة التحليل الذي أجرته المعامل المركزية للجيش، هو قرار يدخل النزاع بشأنه، باعتباره نزاعاً عقدياً، غير نطاق القضاء الكامل، وقد جاء سليماً مطابقاً لأحكام العقد.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن سلاح الأسلحة والمهمات بالجيش تعاقد مع المدعي بناء على عطاء تقدم به وقبلته منه لجنة بالممارسة على توريد 204000 قرص معدني لتحقيق الشخصية بسعر سبعة مليمات للقرص الواحد، أي بمبلغ 1418 جنيهاً للكمية كلها، وذلك طبقاً للعينة المقدمة منه من جميع الوجوه وبالأخص من حيث الخامة والمقاس والحجم والصلاحية للاستعمال وهي العينة التي سبق لكل من إدارة السجلات العسكرية والمعامل المركزية للجيش أن اختبرنا مدى صلابتها واحتمالها للصدأ، وقررتا صلاحيتها على أن يتم التوريد على دفعات شهرية مقدار كل منها 51000 قطعة، بحيث تنتهي مدة التوريد في بحر أربعة شهور من تاريخ تسلم أمر التوريد وقد تسلم المدعي أصل أمر التوريد في 20 من يناير سنة 1957 وقدم خطاب ضمان رقم 919 في 23 من يناير سنة 1957 على بنك الاستيراد والتصدير المصري بقيمة التأمين النهائي عن هذا الأمر وفي 25 من فبراير سنة 1957 قام بتوريد الدفعة الأولى وقدرها 51000 قرص ثبت مطابقتها للعينة وتم قبولها، ثم قام بتوريد الدفعة الثانية وقدرها 51000 قرص في 25 من مارس سنة 1957 وتم قبولها أيضاً لمطابقتها للعينة. وقد انتهت مدة توريد الدفعتين الثالثة والرابعة في 20 من إبريل سنة 1957 و20 من مايو سنة 1957 دون أن يورد شيئاً مما اضطر السلاح إلى إنذاره بأنه سيتخذ الإجراءات القانونية ضده لتقصيره في التوريد، وإلى طلب الموافقة على شراء الكمية الباقية التي تخلف عن توريدها بلجنة الممارسة على حسابه. وقد وافق السيد نائب المدير للشئون المالية على ذلك. وفي 21 من مايو سنة 1957 أرسل إليه السلاح كتاباً يبلغه فيه أن مدة التوريد قد انتهت في 20 من مايو سنة 1957 وأنه سيقوم باتخاذ الإجراءات القانونية ضده لتقصيره في التوريد وفي 25 من مايو سنة 1957 قام المذكور بتوريد 51000 قرص معدني، كما قام في 4 من يونيه سنة 1957 بتوريد 51000 قرص معدني آخر صرح بقبولها على سبيل الأمانة وتحت مسئولية التاجر. كذلك ورد في 27 من يونيه سنة 1957 - 3700 قرص قبلت أيضاً على سبيل الأمانة تحت مسئوليته وفي 3 من أغسطس ورد 51000 قرص قبلت كذلك بذات التحفظ، وقد وردت نتيجة فحص الدفعة الأولى من هذه الدفعات الأربع الموردة بعد الميعاد ثابتاً بها أنه اتضح من التحليل الذي أجرته المعامل المركزية للجيش ومن الاختبار الكيماوي وجود صدأ حول الثقب الذي تمر به السلسلة وكذا في الزوايا والأطراف الجانبية وعلى هذا الأساس قررت لجنة الفحص رفض التوريد وأبلغت المدعي لتسلم المرفوض. أما الدفعتان الثانية والثالثة من الدفعات المشار إليها فقد قررت لجنة الفحص رفضهما لمخالفتهما نظرياً للعينة المتعاقد عليها حيث إنها أقل منها سمكاً وصلابة. وقد أخطر بذلك ودعى إلى سحبها. وأما الدفعة الرابعة فقد قررت لجنة الفحص رفضها بناء على نتيجة التحليل الذي أجرته المعامل المركزية للجيش والذي أسفر عن مخالفتها للعينة التي تم التعاقد عليها. وقد قدم المدعي في 27 من سبتمبر سنة 1957 طلباً لقبول الكميتين الموردتين منه في 25 من مايو سنة 1957 و3 من أغسطس سنة 1957، فرد عليه السلاح في 4 من نوفمبر سنة 1957 بأن لجنة الفحص ما زالت عند رأيها الأول في رفض التوريد وعدم قبوله بتخفيض حيث يترتب على استعمال الأقراص الموردة ضرر كقرار المعامل، إلا أنه عاود الكرة طالباً بكتابه المؤرخ 13 من نوفمبر سنة 1957 إعادة التحليل بمعامل كلية الهندسة، فرد عليه السلاح في 20 من نوفمبر سنة 1957 بأنه سبق إجراء تحليل بمعامل الجيش المختصة بذلك ورفض التوريد لمخالفته للعينة المتعاقد عليها ولم يقبل بالتخفيض لأنه ينجم عن استعمال الأقراص المرفوضة ضرر بالجنود، وأنه كان يرغب في إعادة التحليل للمرة الثانية فإن ذلك سيتم على حسابه بوساطة الجهة التي قامت بالتحليل الأول. وقد أصر المدعي في كتابه المؤرخ 23 من نوفمبر سنة 1957 على إعادة التحليل فكانت النتيجة التي انتهت إليها معامل الجيش المركزية المختصة بعد التحليل الثاني هو الرفض لعدم التجانس حيث إن بعض الأقراص الموردة يعطي رقم صلابة أقل من رقم صلابة العينة المتعاقد عليها وقد كرر المذكور شكواه في 10 من يناير سنة 1958 ملتمساً التجاوز عن هذا الاختلاف وقبول التوريد بالتخفيض وبعد استطلاع رأي الخدمات الطبية قررت لجنة الفحص في 7 من إبريل سنة 1958 عدم قبول التوريد بالتخفيض لوجود مادة الزرنيخ في الأقراص الموردة التي ستكون ملامسة للجلد باستمرار طوال مدة خدمة الجندي الأمر الذي تنتج عنه أضرار من الاستعمال بسبب امتصاص هذه المادة عن طريق الجلد.
ومن حيث إن الفقرة 7 الخاصة بالتأخير في التوريد من البند الثامن المتعلق بالتوريد والفحص والاستلام من شروط المناقصة التي قبلها المدعي ووقعها في 20 من يناير سنة 1957 وقدم عطاءه على أساسها تنص على أنه "إذا تأخر المتعهد في توريد كل الكميات المطلوبة أو جزء منها في الميعاد المحدد بالعقد فيجوز للسلاح اتخاذ أحد الإجراءات الثلاثة التالية، وذلك دون حاجة إلى إنذار أو اتخاذ إجراء ما أو التجاء إلى القضاء:
( أ ) إعطاء مهلة للتوريد مع توقيع غرامة:...
(ب) الشراء على حساب المتعهد:...
(ج) إلغاء العقد ومصادرة التأمين:...
ومن حيث إنه ثابت مما سلف إيراده في مقام سرد الوقائع أنه فيما عدا الدفعتين الأوليين البالغ قدرهما 102000 قرص معدني اللتين وردهما المدعي في 25 من فبراير سنة 1957 و25 من مارس سنة 1957 وتم قبولهما لمطابقتهما للعينة المتعاقد عليها لم يقم المذكور بتوريد الدفعتين الباقيتين في المواعيد المقررة في العقد. وإنما تراخى في هذا التوريد وقصر في تنفيذ التزاماته إخلالاً بشروط العقد حتى انقضى الميعاد المحدد فيه لإتمام التوريد وقد سجل سلاح الأسلحة والمهمات عليه في كتابه المؤرخ 21 من مايو سنة 1957، هذا التقصير بعد أن انتهت مدة التوريد في 20 من مايو سنة 1957، وأنذره باتخاذ الإجراءات القانونية ضده، ولم يشر في هذا الكتاب إلى منحه أية مهلة جديدة للتوريد، بل إنه طلب الموافقة على شراء الكمية الباقية التي تخلف عن توريدها بوساطة لجنة ممارسة على حسابه، وحصل على هذه الموافقة من السيد نائب المدير للشئون المالية في 5 و22 من مايو سنة 1957، ولم يسمح بدخول الدفعات الأربع التي قام المدعي بتقديمها بعد انتهاء ميعاد التوريد وبعد إخطاره بتقصيره في الوفاء بالتزاماته الناشئة عن عطائه إلا على سبيل الأمانة وتحت مسئولية مقدمها. فإذا كان السلاح قد قام من قبيل التسامح بتحليل عينات من الأقراص التي وردها المدعي بعد الميعاد، فإن هذا الإجراء من جانبه - إزاء الإنذار بالتقصير وطلب إعادة الشراء على حساب المتعهد المتخلف والمتحفظ في الاستلام - لا يلزمه بشيء قبل هذا الأخير ولا يفترض نزوله عن حقه في التمسك برفض التوريد طبقاً لشروط العطاء، إذ أن المد بحسب شروط العطاء يستلزم الإفصاح عن اتجاه الرغبة إليه لتطلبه شروطاً وأوضاعاً خاصة منها توقيع غرامة لزوماً وهو ما لم يفعله السلاح، ولا سيما أن البند الثاني عشر من نصوص العطاء، وهو الخاص بإلغاء العقد، يخول السلاح الحق في أن يلغي العقد لأي سبب من الأسباب التي أورد بيانها ومنها ما ذكره في الفقرة 1/ هـ من هذا البند، وهي حالة عدم قيام المتعهد بتوريد الكميات المطلوبة أو أي جزء منها في المدة المحددة في البند الثامن، كما ينص في الفقرة 4 منه على أن "حق إلغاء العقد سواء أكان ذلك بموجب نص صريح في العقد أو خلافه لا يمكن أن يؤثر عليه سابقة تنازل عن أي حق أو تساهل سبق منحه للمتعهد أو خصم أي شيء من ثمن العقد".
ومن حيث إن الفقرة 2 من البند الثامن من شروط المناقصة وهو الخاص بالتوريد والفحص والاستلام، تنص على أن "يقوم المتعهد بتسليم الأصناف المتعاقد عليها، وذلك في المواعيد والأماكن المبينة بقائمة الأثمان خالصة من جميع المصاريف والرسوم ومطابقة لأمر التوريد عداً أو وزناً أو مقاساً طبقاً للمواصفات والبيانات المعتمدة والموقع عليها منه". كما تنص الفقرة 4 من البند ذاته على أنه: "إذا وجدت الأصناف غير مطابقة للشروط المتفق عليها رفض قبولها، وعلى المتعهد أن يستردها بعد إخطاره كتابة بالبريد الموصى عليه بأسباب الرفض وبوجوب سحب الأصناف المرفوضة كذلك تنص الفقرة 6 من البند عينه على أنه "إذا طلب المتعهد إعادة تحليل الأصناف المرفوضة لعدم مطابقتها للمواصفات وللعينة المعتمدة معاً، وقبل السلاح طلبه، فتكون مصاريف التحليل الثاني على حساب المتعهد، إلا إذا كانت النتيجة لصالح المتعهد. وللسلاح في هذه الحالة أن يعيد التحليل للمرة الثالثة على حسابه". وثابت من الأوراق أن جميع الدفعات الأربع التي وردها المدعي بعد الميعاد قد اتضح من التحليل المتكرر الذي أجرته المعامل المركزية للجيش ومن الاختبار الكيماوي، ومن الفحص الذي قامت به الخدمات الطبية عدم مطابقة أي منها للعينة المتعاقد عليها، وعدم صلاحيتها للاستعمال، إما لوجود صدأ حول الثقب الذي تمر به السلسلة وفي الزوايا والأطراف الجانبية وإما لأنها أقل سمكاً وصلابة من تلك العينة وإما لعدم تجانسها ونقص معدل الصلابة واحتوائها على مادة الزرنيخ الذي يؤذي الجلد عند الاستعمال. وقد أعاد السلاح التحليل للمرة الثانية استجابة لطلب المدعي وكانت النتيجة في غير صالحه. وقد تم هذا التحليل في المعامل المركزية للجيش وهي الجهة المختصة بذلك لكونها منشأة لمثل هذا الغرض وكونها أدرى من غيرها باحتياجات الجيش. وليس في العقد ما يلزم السلاح بإجراء التحليل لدى جهة فنية أخرى أجنبية عن طرفيه ولو كانت حكومية كمعامل كلية الهندسة أو سواها بل أن إعادة التحليل للمرة الثالثة التي يتمسك بها المدعي في دعواه وفي تقرير طعنه بعد إذ استنفذ حقه في إعادة التحليل للمرة الثانية، وبعد إذ أيد قرار التحليل الثاني نتيجة التحليل الأول، ليست حقاً له بمقتضى شروط العقد بل هي حق للسلاح وحده مقصور عليه في حالة ما إذا كانت نتيجة التحليل الثاني في صالح المتعهد، وهو ما لم يتحقق في الخصوصية المعروضة ومهما يكن من أمر فإن نصوص العقد تجعل الإدارة هي المرجع في رفض الأصناف المخالفة للمواصفات وللعينة المعتمدة تبعاً لنتيجة التحليل الذي تقوم به بوسائلها وأجهزتها التي تنشئها أو تختارها لهذا الغرض، وليس في هذه النصوص ما يفرض عليها أن تقبل التوريد غير المطابق بسعر مخفض على نحو ما عرضه عليها المدعي مسلماً بذلك ضمناً وبمتابعته توريد كمية جديدة بدلاً من أخرى مرفوضة بما أسفر عنه التحليل من مخالفة الأقراص الموردة للمواصفات المتفق عليها. لا إلزام على الإدارة في شيء من ذلك لأن هذا من إطلاقاتها التي تخضع لتقديرها وإرادتها إذا ما تعذر الحصول على الأصناف المتعاقد عليها بطريقة أخرى وقررت لجنة الفحص صلاحية الأصناف الموردة على خلاف العينة للأغراض المطلوبة من أجلها وأنه لا يترتب على قبولها ضرر ما للمصلحة، وذلك وفقاً لنص الفقرة 5 (ثالثاً) من البند الثامن من شروط العقد ولا دليل على صحة ما يزعمه المدعي من أن التحليل الذي تم كان صورياً بمقولة أن البيانات الرئيسية الخاصة بنوع المعدن المصنوعة منه الأقراص والمواصفات الفنية لهذا المعدن من حيث قوة الطرق والصلابة والصدأ كانت خافية على السلاح لعدم اشتراطه مواصفات معينة أو تطلبه عينة بذاتها وتركه الأمر في هذا لمشيئة الموردين، لا دليل على صحة هذا الزعم لأن الواقع يدحضه، إذ أن التعاقد قد تم على أساس العينة المقدمة من المدعي من جميع الوجوه ولا سيما من حيث الخامة والمقاس والحجم والصلاحية للاستعمال، وهي العينة التي سبق قبل التعاقد أن قامت المعامل المركزية للجيش باختبار مدى صلاحيتها واحتمالها للصدأ وصلاحيتها للاستعمال ووافقت عليها، والتي كان يتعين التوريد طبقاً لها، والتي تم الفحص والتحليل على أساسها. أما الاستعلام عن بعض المواصفات الفنية للمعدن المصنوعة منه الأقراص فيما بعد فقد كان بناء على طلب إدارة السجلات العسكرية بكتابها المؤرخ 3 من نوفمبر سنة 1957، ولم يكن له ولا لوجود مادة الزرنيخ أي تأثير في رفض التوريد الذي استند إلى أسباب أخرى. ومن ثم فإن رفض الإدارة قبول هذا التوريد الحاصل بعد الميعاد والمخالف للمواصفات والاشتراطات المتفق عليها. وكذا رفضها إعادة التحليل بمعامل كلية الهندسة يكون كلاهما قائماً على سببه المبرر له. وقرار لجنة الفحص في هذا الشأن هو قرار نهائي وفقاً لنص البند 49 من المادة 137 من لائحة المخازن والمشتريات المصدق عليها من مجلس الوزراء في 6 من يونيه سنة 1948 بعد أن اعتمده مدير السلاح، وذلك كله بقطع النظر عن تكييف الإجراء الذي تم به هذا الرفض، سواء وصف بأنه مجرد إجراء أو تصرف قانوني أو قرار إداري. إذ أن المنازعة القائمة بشأنه، سواء كان مردها ورود البضاعة بعد الميعاد المحدد في العقد للتوريد، أو مخالفة هذه البضاعة للعينة أو للمواصفات المتفق عليها، أو رفض إعادة التحليل بوساطة معامل كلية الهندسة، إنما هي منازعة تتصل بالعقد برمته وما ينشأ عن تنفيذه ويتفرع عنه، ولا يمكن الفصل فيها أياً كان وصفها وتكييفها استقلالاً عن العقد بتجريدها منه واطراح ما تضمنه من شروط وأحكام هي المرجع في تقدير سلامة التصرف موضوع المنازعة أو تقرير عدم مشروعيته. وقد استبان مما تقدم أنه صحيح سليم مطابق للقانون ولأحكام العقد.
ومن حيث إنه لكل ما سلف يكون المدعي على غير حق في دعواه، سواء فيما يتعلق بطلبه الأصلي الخاص بإلغاء القرار الصادر برفض اعتماد التوريد تأسيساً على رفض طلبه إعادة التحليل بمعامل كلية الهندسة، أو بطلبه الاحتياطي الخاص بإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها بأن تدفع له مبلغ 714 جنيهاً وهو الذي أبداه بمذكرته المودعة في 23 من نوفمبر سنة 1958 وإذ قضى حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه برفض هذه الدعوى مع إلزام المدعي بمصروفاتها، فإنه يكون قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها، ويكون الطعن في هذا الحكم، والحالة هذه على غير أساس من القانون متعيناً رفضه، مع إلزام المدعي بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق