الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 19 يونيو 2022

الطعن 1127 لسنة 40 ق جلسة 27 / 12 / 1970 مكتب فني 21 ج 3 ق 302 ص 1250

جلسة 27 من ديسمبر سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين: محمود عطيفه، والدكتور أحمد محمد إبراهيم، والدكتور محمد محمد حسنين، وطه الصديق دنانة.

--------------

(302)
الطعن رقم 1127 لسنة 40 القضائية

(أ، ب) إسقاط حبلى عمداً. جريمة. "أركانها". إجهاض.
(أ) الإسقاط هو تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان. خروج الحمل من الرحم. ليس ركناً من أركان الجريمة. قيامها ولو ظل الحمل في الرحم بسبب وفاة الحامل.
(ب) رضاء الحامل بالإسقاط. لا يؤثر على قيام الجريمة.
(ج) ضرب أفضى إلى الموت. مسئولية مدنية. تعويض.
التزام كل من ساهم في ارتكاب جريمة الجرح العمدى الذى أفضى إلى وفاة المجنى عليها بدفع التعويض عن ذلك لمن يستحقه قانونا.
(د) اشتراك. "اتفاق". "تحريض". إثبات. "إثبات بوجه عام".
الاشتراك بالاتفاق. ماهيته؟ إثباته؟
(هـ، و) إثبات. "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
(هـ) تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء. أمر موضوعي. للمحكمة الجزم بما لم يجزم به الخبير.
(و) استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. أمر موضوعي.

--------------
1 - الإسقاط هو تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان، ومتى تم ذلك فإن أركان هذه الجريمة تتوافر ولو ظل الحمل في رحم الحامل بسبب وفاتها وليس في استعمال القانون لفظ "الإسقاط" ما يفيد أن خروج الحمل من الرحم - في مثل هذه الحالة - ركن من أركان الجريمة، ذلك بأنه يستفاد من نصوص قانون العقوبات المتعلقة بجريمة الإسقاط أن المشرع افترض بقاء الأم على قيد الحياة ولذلك استخدم لفظ الإسقاط، ولكن ذلك لا ينفى قيام الجريمة متى انتهت حالة الحمل قبل الأوان ولو ظل الحمل في الرحم بسبب وفاة الحامل.
2 - إن رضاء الحامل بالإسقاط لا يؤثر على قيام الجريمة، ذلك أن للنفس البشرية حرمة ولا تستباح بالإباحة. ومن ثم فإن ذهاب المجنى عليها برضاها إلى المحكوم عليه الأول ليجري لها عملية الإسقاط ووفاتها بسبب ذلك لا ينفى خطأ المحكوم عليه المذكور، وليس في مسلك المجنى عليها ما يقطع علاقة السببية بين فعل المسقط وبين وفاة المجنى عليها.
3 - كل من يساهم في ارتكاب جريمة الجرح العمدى الذى أفضى إلى وفاة المجنى عليها يكون مسئولاً عن دفع التعويض عن ذلك لمن يستحقه قانوناً.
4 - الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهذه النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التي لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة، كما أن الاشتراك بالتحريض قد لا توجد له سمات أو شواهد ظاهرة تدل عليه. وللقاضي الجنائي إذا لم يقم على الاتفاق أو التحريض دليل مباشر أن يستدل عليه بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقوم لديه ولا حرج عليه من أن يستنتج حصول الاشتراك من فعل لاحق للجريمة يشهد به ويسوغ وقوعه.
5 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة في الدعوى والفصل فيما يوجه إلى هذه التقارير من اعتراضات والمفاضلة بينها والأخذ بما ترتاح إليه منها وإطراح ما عداه لتعلق هذا الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، كما أن لها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
6 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم في يوم 23 يونيو سنة 1963 بدائرة قسم الوايلي محافظة القاهرة: المتهم الأول: (أولاً) بصفته طبيبا أسقط عمداً امرأة حبلى هى المجنى عليها ..... وكان ذلك باستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك بأن أجرى لها عملية إجهاض أسفرت عن إسقاطها. (ثانياً) أحدث عمداً بالمجنى عليها المذكورة الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يكن يقصد من ذلك قتلها ولكنها أحدثت بها نزيفاً دموياً أودى بحياتها. المتهمان الثاني والثالث: (أولاً) اشتركا مع المتهم الأول بطرق التحريض والاتفاق والمساعدة في إسقاط المجنى عليها عمداً بأن حرضاه على إسقاطها واتفقا معه على ذلك وساعداه بأن أرسلا المتهم الثالث ليعاونه عند إجراء عملية الإجهاض لها فتمت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق وتلك المساعدة. (ثانيا) اشتركا مع المتهم الأول بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة في إحداث الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية بالمجنى عليها عمداً والتي أودت بحياتها بأن حرضاه على إسقاطها واتفقا معه على ذلك وساعداه على ارتكاب جريمته وكان إحداث الجروح العمدية المفضية إلى موتها نتيجة محتملة لهذا التحريض وذلك الاتفاق وتلك المساعدة وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر بذلك وادعت مدنيا والدة المجنى عليها وطلبت القضاء لها قبل المتهمين متضامنين بمبلغ 50000ج (خمسين ألف جنيه) على سبيل التعويض مع المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 40/ 1 - 2 - 3 و41 و43 و236 و261 و263 و32/ 2 و17 و55 و56 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين الأول والثاني بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبمعاقبة المتهم الثالث بالحبس مع الشغل لمدة ستة شهور، وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لكل منهم لمدة ثلاث سنوات وجعلت الإيقاف شاملاً لكافة الآثار الجنائية المترتبة على الحكم، وبإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعية بالحق المدني للسيدة/ ...... مبلغ 1500ج (ألف وخمسمائة جنيه) والمصاريف المدنية المناسبة لهذا المبلغ وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بالاشتراك مع المحكوم عليه الأول في جناية إسقاط امرأة حبلى وإحداثه بها إصابات أودت بحياتها قد انطوى على خطأ في الإسناد وقصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وخطأ في القانون. فأما الخطأ في الإسناد فيتحصل في أن الحكم مما استدل به على أن المحكوم عليه الأول هو الذى أسقط المجنى عليها، أن الجنين لم يكن في حالة تعفن، كما عول في إثبات اشتراك الطاعن في الجريمة على صلة العمل والصداقة التي تربطه بالمحكوم عليه الأول وعلى تبعية المحكوم عليه الثالث له، وهى وقائع لا أصل لها في الأوراق. وأما القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال فيتمثل في أن المحكوم عليهم قد أثاروا أمام محكمة الموضوع أنه لا شأن لهم بإجهاض المجنى عليها ودللوا على ذلك بأن مؤدى ما ورد في تقرير الصفة التشريحية عن حجم الرحم وضيق فتحته أنه مضت عدة أيام بين إسقاط المجنى عليها وبين توجهها إلى عيادة المحكوم عليه الأول وأنه لم يحدث أي تداخل جراحي بمعرفة هذا الأخير. وقد أطرحت المحكمة هذا الدفاع وعولت في ذلك على شهادة الطبيب الشرعي بالجلسة على الرغم من أن أقواله جاءت على وجه الاستنتاج وتتناقض مع ما تضمنه تقريره ومع ما جاء بالتقرير الاستشاري ثم إن الحكم استند في إثبات اشتراك الطاعن إلى أدلة لا تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. فضلا عن أنه عول في هذا الإثبات على وقائع لاحقة على الجريمة. وأما الخطأ في القانون فله وجهان أولهما أن غاية ما يمكن إسناده إلى المحكوم عليه الأول أنه شرع في إسقاط المجنى عليها - والشروع في هذه الجريمة غير معاقب عليه - إذ الثابت من تقرير الصفة التشريحية أن الجنين ظل في رحم أمه إلى أن استخرجه الطبيب الشرعي أثناء التشريح، وجريمة الإسقاط لا تتم إلا بإخراج الجنين من بطن أمه قبل الأوان. والوجه الثاني أنه ما كان للحكم أن يلزم الطاعن - بالتضامن مع باقي المحكوم عليهم - بدفع تعويض لوالدة المجنى عليها، فالحادث لم يقع إلا بخطأ المجنى عليها فهي التي سعت بنفسها إلى عيادة المحكوم عليه الأول ومكنت له من إجهاضها مما أفضى إلى موتها، وقد انقطعت بهذا الخطأ علاقة السببية بين فعل الطبيب وبين وفاة المجنى عليها وكل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن يبين من الاطلاع على المفردات التي أمرت المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن أن كل الوقائع التي نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه في خصوصها، الخطأ في الإسناد لها مأخذ صحيح في الأوراق، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الشأن يكون غير صحيح. لما كان ذلك، وكان الحكم قد بين واقعة الدعوى وأورد الأدلة عليها ومن بينها التقرير الطبي الشرعي التكميلي المؤرخ 6/ 10/ 1964 وأثبت أن التقرير أشار إلى أنه لو فرض أن تداخلا جراحياً أجرى للمجنى عليها قبل حضورها إلى عيادة المتهم الأول فإن مثل هذا التداخل وما تطلبه من تخدير ومع ما نجم عنه من نزيف دموي غزير مصحوب بصدمة عصبية، فإن كل ذلك يجعل المذكورة في حالة صيحة سيئة يتعذر معها أن تنتقل بمفردها إلى حيث عيادة الطبيب إلا بمعاونة جدية من الغير محمولة. كما أشار أيضاً إلى ثبوت عدم تلوث الملابس التي وجدت معلقة بالعيادة بالدم وأن هذا ممكن حدوثه على أحد احتمالين: (أولهما) أن المجنى عليها حضرت إلى العيادة وهى في حالة صحية عادية تمكنها من الانتقال بمفردها وتكون خلعت هي بنفسها ملابسها التي ظلت نظيفة وفى هذه الحالة يتعين أن يكون ما قد أجرى لها من تداخل جراحي قد أجرى لها في عيادة الطبيب المتهم الأول..... (وثانيهما) أن تكون المذكورة قد أحضرت إلى عيادة المتهم الأول وقد توقف نزفها لغزارة ما سبق أن نزفت من الدم عقب التداخل الجراحي الذى سبق إجراؤه لها بعيداً عن عيادته ويتعين في هذه الحالة أن يؤتى بها إلى العيادة محمولة بواسطة الغير لا أن تأتى هي بنفسها، ثم أورد الحكم أن الطبيب الشرعي ذكر عند مثوله أمام المحكمة بجلسة 15/ 5/ 1968 لمناقشته في إجابته عن المدة التي مضت من وقت الإجهاض إلى يوم الوفاة "أن الإجهاض والوفاة حصلا في خلال 24 ساعة" وعلل ضيق فتحة عنق الرحم بأنه "لا بد أن تكون المتوفاة قد حقنت بمادة لمنع النزيف. وعندما سئل عما إذا كان الرحم بحجم الرمانة يتسع للجنين بحجمه الطبيعي أجاب أنه يتسع طبعاً وذكر أن النزيف الذى ماتت به هو نزيف أولى" ثم عرض الحكم لدفاع المحكوم عليه الأول وللتقرير الاستشاري المقدم منه وحصله ورد عليه في قوله "وحيث إن المتهم الأول أنكر ما نسب إليه وذكر أن المتوفاة حضرت إليه ومعها المتهم الثالث وكانت في حالة إعياء تام ونزيف والدماء تلوث ملابسها، ولم يوقع الكشف عليها إلا من ناحية الضغط الذى وجده منخفضاً بطريقة غير عادية ومن ناحية النبض فوجده محسوساً فحاول إسعافها بشتى الطرق ولكنها توفيت بعد حوالى عشرة دقائق من حضورها وتقدم الدفاع عنه بتقرير طبى شرعي استشاري جاء به (1) أن وجود فتحة عنق الرحم بشكل مستدير وغير متمددة ولا تسمح إلا بإدخال طرف الإصبع الخنصر رغم أن الجنين قد قطعت أطرافه السفلية اليمنى بآلة حادة مما يستلزم توسيع الفتحة بحيث تسمح بإدخال الآلة القاطعة التي بترت فخذ الجنين يدل على أن عملية الإجهاض وقطع الطرف السفلى للجنين قد تمت قبل مدة من الوفاة لا تقل عن بضعة أيام قد تصل إلى أسبوع أو عشرة أيام ولا يمكن أن تكون هذه العملية قد أجريت في نفس يوم الوفاة وإلا لوجدت فتحة عنق الرحم متسعة ومستعرضة الشكل وتسمح بإدخال أصبعين اثنين على الأقل (2) وأن وجود الرحم بحجم الرمانة رغم أنه يحتوى على جنين في الشهر السادس من الحمل يدل على أن هذا الرحم قد مضى على إجهاضه مدة تصل إلى أسبوع أو عشرة أيام قبل الوفاة وإلا لوجد حجم الرحم مثل حجم البطيخة وانتهى التقرير في نتيجته إلى أنه لا يمكن أن يكون الطبيب المتهم قد أجرى عملية الإجهاض في نفس يوم الوفاة. وحيث إن المحكمة لا تعول على إنكار المتهم المذكور وترى أن ما ذهب إليه في دفاعه لا يتفق والماديات الثابتة في الدعوى فليس من المتصور عقلاً أن تأتى المتوفاة إلى العيادة بالحالة التي وصفها المتهم من أنها كانت في حالة إعياء شديد ومصابة بنزيف وأنها كانت غارقة في الدماء وترتدى ملابس الخروج العادية، ثم يتضح من المعاينة أن الملابس التي كانت ترتديها سواء منها الداخلية أو الخارجية وكذلك الجورب والحذاء كلها خالية من أية تلوثات دموية وأنها رغم إعيائها الشديد استطاعت الحضور بمفردها إلى العيادة. كما استطاعت خلع ملابسها وارتداء قميص النوم الأمر الذى تقطع معه المحكمة بأن المتوفاة كانت في حالة تسمح لها بالوصول إلى العيادة وقد حضرت خصيصاً لذلك واستعدت بملابس خروج وقميص نوم، وأنها كانت تستطيع خلع ملابسها وارتداء قميص النوم الذى وجد على الجثة في العيادة ولا شيء خلافه على الجثة وبالتالي تكون حالة النزيف قد أصابتها عقب إجراء عملية إجهاضها مما أدى إلى وفاتها. ومما يؤيد هذا النظر ما جاء على لسان المتهم الثاني من أن المتهم الثالث أبلغه بوفاة المجنى عليها عقب إجراء عملية إجهاض لها بعيادة المتهم الأول، فضلاً عن محاولة الأخير إنكار سابق معرفته بالمتوفاة رغم ما ذكره المتهمان الثاني والثالث عن سابقة تعرفه عليها وتأخيره في التبليغ عن وقوع الحادث عدة ساعات إذ لم يبلغ إلا في الساعة التاسعة صباحاً رغم ما قرره أن الوفاة حدثت بعد الساعة الواحدة صباحاً، وكذلك استفساره عما إذا كان في إمكانه إصدار شهادة وفاة لها من عدمه على الوجه الذى جاء على لسان الدكتور محمد شوقي عبد المنعم، كما سلفت الإشارة، كل هذه قرائن تعمل متساندة ضد المتهم الأول، أما ما تضمنه التقرير الاستشاري فقد تكفل بالرد عليه الطبيب الشرعي بمذكرة شرعية مؤرخة 9/ 6/ 1968 تضمنت الرد على الوجه التالي (1) لو أن التداخل الحاد بداخل الرحم قد تم منذ بضعة أيام إلى عشرين يوماً قبل الوفاة - حكماً على أن الرحم مغلق العنق تقريباً - فإن قطع الحبل السرى يترتب عليه ويستتبعه موت الجنين داخل الرحم وتعطنه في حين أن الجنين وجد عند إجراء الصفة التشريحية في حالة عادية دون أي عطن، ويضاف إلى ذلك أنه من المعروف أن إقفال الرحم قد ينتج نتيجة امتداد حدوث حلقة انقباضية تلقائية أو عقب تعاطى مواد قابضة لعضلات الرحم عن طريق الحقن العضلي أو الوريدي أو حتى الموضعي كالأرجوت أو مشتقاته بالإضافة إلى تأثير التيبس الرمي على العضلات (2) كانت أبعاد الرحم عند تشريح الجثة 13×18 سم وقاعدته تصل تقريباً حتى مستوى السرة وهو المستوى الذى يصل إليه قاعدة الرحم في نهاية حمل ستة أشهر. ولعل وجود عضلة الرحم في حالة انقباض نتيجة التيبس الرمي جعلت الرحم يبدو أصغر حجماً" وإذ كانت هذه الأدلة التي اعتمدت عليها الحكم من شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التي انتهى إليها فإن كل مجادلة في هذا الشأن تعد مجادلة موضوعية مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض، ذلك بأنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة في الدعوى والفصل فيما يوجه إلى هذه التقارير من اعتراضات والمفاضلة بينها والأخذ بما ترتاح إليه منها وإطراح ما عداه لتعلق هذا الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، كما أن لها أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها. كما أنه من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من أن ما ذكره الطبيب الشرعي عن حالة الرحم كان من باب الاستنتاج وعن تحديد الحكم لزمان ومكان ارتكاب الجريمة يكون غير مقبول. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد دلل على اشتراك الطاعن في الجريمة بقوله "وحيث إن المتهم الثاني وإن كان قد اعترف بصلته بالمجنى عليها وسابقة اتصاله بها جنسياً إلا أنه أنكر علمه بإجراء عملية الإجهاض مقرراً أن صلته انقطعت بها منذ شهرين سابقين على وقوع الحادث وبعد وضع أمواله تحت الحراسة.. وهذا غير صحيح ذلك لأن قيام المتهم الثالث الذى يعمل بمصانع عوف بمرافقتها إلى عيادة المتهم الأول وهو الطبيب الخاص لنفس المصانع ثم تكليف المتهم الثاني لسائق سيارته أبو الفتوح ياسين أحمد القاضي وبصحبته عبد الله فكرى محمد مدير المصانع بالذهاب إلى الإسكندرية لإحضار والدتها بحجة مرض المتوفاة، كل ذلك قاطع في الدلالة على أن صلته بها لم تنقطع وأنه كان على اتفاق معها ومع المتهم الأول على التخلص من الجنين، فطلب من المتهم الأول الذى تربطه به صلة الصداقة فوق صلة العمل أن يقوم بتلك العملية كما أنه طلب من المتهم الثالث مرافقتها عند ذهابها إلى العيادة، هذا بالإضافة إلى ما قرره خليل جورجى جرجس البوهيجى بالشارع الذى تقيم به المتوفاة والذى كان يخدمها أحياناً من أنه رأى المتهم الثاني قبل أسبوع من الحادث منتظراً إياها بسيارته وأنها ركبت معه، وما قرره البواب محمد خلاف محمد وزميله على عبيد في أقوالهما من أن أولهما شاهد المتهم الثاني بمنزل المتوفاة، منذ ثلاثة أيام أو أربعة سابقة على وقوع الحادث، وكذلك ما قررته السيدة....... والدة المتوفاة من أن ابنتها أخبرتها من حوالى شهر بأنها حامل من المتهم الثاني وأنه سيتزوج منها وسيبنى لها فيلا بمصر الجديدة وقالت أنها لاحظت انتفاخ بطنها بوضوح... وحيث إنه بالإضافة إلى الأدلة القائمة في حق المتهمين الثلاثة.... فإن التحريات التي أجرها النقيب حسن الليثى بمباحث شرق القاهرة قد دلت على أن المتهم الثاني اتفق مع المتهم الأول الطبيب الخاص لمصانعه على إجراء عملية إجهاض بعيادته بحكم صلة الصداقة التي تربط بينهما وصلة العمل أيضاً وذلك ستراً للفضيحة خصوصاً وأن له أولاد من زوجة سابقة كما دلت على أن المتوفاة خرجت من منزلها في الساعة التاسعة مساء يوم 22/ 6/ 1963 مرتدية ملابسها وهى فستان بنى اللون، وأشاعت بين سكان المنزل أنها ستتغيب ثلاثة أيام عن مسكنها ثم توجهت إلى عيادة المتهم الأول صحبة المتهم الثالث ليرافقها وقت إجراء العملية وليرشدها إلى مكان العيادة ثم عاد للمتهم الثاني في منزله حيث انتظر لمنتصف الليل ثم عاد للعيادة حيث كانت العملية قد أجريت وحدثت الوفاة. وحيث إن الأدلة والقرائن سالفة البيان واضحة الدلالة أن المتهم الثاني وهو الذى حملت منه المتوفاة سفاحا قد اتفق مع المتهم الأول وهو الطبيب الخاص بمصانعه على أن يجرى لها عملية إجهاض، وقام المتهم الثالث العامل بمصانعه أيضاً بمرافقتها إلى العيادة ليرشدها إلى مكانها حيث تجرى لها العملية" وما أورده الحكم فيما تقدم كاف وسائغ في التدليل على توافر عناصر الاشتراك في حق الطاعن، ذلك بأن الاشتراك بالاتفاق إنما يتكون من اتحاد نية الفاعل والشريك على ارتكاب الفعل المتفق عليه، وهذه النية من مخبآت الصدور ودخائل النفس التي لا تقع عادة تحت الحس وليس لها أمارات ظاهرة، كما أن الاشتراك بالتحريض قد لا توجد له سمات أو شواهد ظاهرة تدل عليه، وللقاضي الجنائي إذا لم يقم على الاتفاق والتحريض دليل مباشر أن يستدل عليها بطريق الاستنتاج والقرائن التي تقدم لديه ولا حرج عليه من أن يستنتج حصول الاشتراك من فعل لاحق للجريمة يشهد به ويسوغ وقوعه. لما كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لتوافر أركان الجريمة فحصل رأى الدفاع ورد عليه في قوله "وأثار الدفاع أن تهمة الاشتراك في جناية الإسقاط العمد غير متوفرة لأن واقعة الدعوى لا تكون جريمة إسقاط بالنسبة للمتهم الأول. وأن ما تم لا يعدو أن يكون شروعاً في إسقاط. لأن الجنين لم يخرج من الرحم لوفاة الأم، وأن القانون لا يعاقب على الشروع في الإسقاط. إلا أن هذا الدفاع مردود بأن المفهوم في القانون أنه لا يشترط في جريمة الإسقاط أن يكون الجنين حياً فيعتبر الإسقاط جنائياً ولو ارتكب قبل أن يتشكل الجنين أو تدب فيه الحركة، ويعتبر كذلك ولو مات الجنين أثناء العملية قبل إخراجه عمداً" وهذا الذى قرره الحكم صحيح في القانون فالإسقاط هو تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان، ومتى تم ذلك فإن أركان هذه الجريمة تتوافر ولو ظل الحمل في رحم الحامل بسبب وفاتها وليس في استعمال القانون لفظ الإسقاط ما يفيد أن خروج الحمل من الرحم - في مثل هذه الحالة - ركن من أركان الجريمة. ذلك بأنه يستفاد من نصوص قانون العقوبات المتعلقة بجريمة الإسقاط أن المشرع افترض بقاء الأم على قيد الحياة ولذلك استخدم لفظ الإسقاط ولكن ذلك لا ينفى قيام الجريمة متى انتهت حالة الحمل قبل الأوان ولو ظل الحمل في الرحم بسبب وفاة الحامل. لما كان ما تقدم، وكان رضاء الحامل بالإسقاط لا يؤثر على قيام الجريمة. كما أن للنفس البشرية حرمة ولا تستباح بالإباحة، فإن ذهاب المجنى عليها برضاها إلى المحكوم عليه الأول ليجري لها عملية الإسقاط ووفاتها بسبب ذلك لا ينفى خطأ المحكوم عليه المذكور، وليس في مسلك المجنى عليها ما يقطع علاقة السببية بين فعل المسقط وبين وفاة المجنى عليها. ومن ثم فإن كل من ساهم في ارتكاب جريمة الجرح العمدى الذى أفضى إلى وفاة المجنى عليها يكون مسئولاً عن دفع التعويض عن ذلك لمن يستحقه قانوناً. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون غير سديد. لما كان ما تقدم جميعه، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس واجب الرفض موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق