الدعوى رقم 39 لسنة 31 ق "دستورية" جلسة 6 / 7 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يوليه سنة 2019م، الموافق الثالث من
ذى القعدة سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر
شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمـد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور
طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس
هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا
برقم 39 لسنة 31 قضائية "دستورية".
المقامة من
شركة مياه الشرب بالإسكندرية
ضد
1 – رئيس الجمهوريــة
2 - رئيس مجلس الــــــوزراء
3 - رئيس المجلس القومي للرياضة
4- محافــظ الإسكندريـــة
5- الممثل القانونى لنادى الإسكندرية الرياضى (سبورتنج)
الإجراءات
بتاريخ
التاسع عشر من فبراير سنة 2009، أودعت الشركة المدعية صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب
المحكمة الدستورية العليا، طالبةً الحكم بعدم دستورية نص البند (د) من المادة (16)
من قانون الهيئات الخاصة للشباب والرياضة الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1975 فيما
نص عليه من إعفاء تلك الهيئات من 75% من مقابل استهلاك المياه.
وقدمت هيئة
قضايا الدولة مذكرة، طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير
الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها
بجلسة اليوم، مع التصريح بإيداع مذكرات في أسبوع، قدمت خلاله هيئة قضايا الدولة
مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
المحكمة
بعد الاطلاع
على الأوراق، والمداولة .
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق-
في أن الشركة المدعية كانت قد أقامت الدعوى رقم 11222 لسنة 2006 مدنى كلى
الإسكندرية، ضد نادى الإسكندرية الرياضى (سبورتنج)، طالبةً الحكم بإلزامه بسداد
مبلغ قدره ثلاثمائة وخمسة وثلاثون ألفًا وسبعمائة وتسعون جنيهًا وواحد وثلاثون
قرشًا، قيمة المديونية المستحقة عليه مقابل استهلاكه للمياه حتى شهر أكتوبر 2006،
وكذا سداد الفوائد القانونية المقررة عليه، ثم أضافت الشركة المدعية طلبًا جديدًا
بإلزام النادى المدعى عليه بدفع القيمة الكلية لثمن المياه المباعة له بموجب العقد
المبرم بين الطرفين، دون التمتع بأية إعفاءات. وذكرت الشركة المدعية شرحًا لدعواها
أن النادى المدعى عليه كان قد تعاقد معها على توريد المياه، وأن المادة (3/1) من
العقد المبرم بينهما تقضى بإلزامه بسداد ثمن المياه المستهلكة، في المواعيد التى
تقررها الشركة وفقًا للتعريفة المقررة، إلا أن النادى امتنع عن سداد كامل مقابل
استهلاكه للمياه، واستند في ذلك إلى الإعفاء المقرر للهيئات الخاصة لرعاية الشباب
والرياضة، من أداء 75% من مقابل استهلاك المياه، والمقرر بموجب نص البند (د) من
المادة (16) من قانون الهيئات الخاصة للشباب والرياضة الصادر بالقانون رقم 77 لسنة
1975، فدفع الحاضر عن الشركة المدعية بجلسة 20/10/2008، بعدم دستورية ذلك النص،
وتمسك بمذكرته المقدمة بجلسة 2/2/2009، بالدفع ذاته، وبعد أن قدرت المحكمة جدية
الدفع وصرحت للشركة المدعية بإقامة الدعوى الدستورية، أقامت الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (1) من قانون الهيئات الخاصة للشباب والرياضة الصادر
بالقانون رقم 77 لسنة 1975 المعدل بالقانون رقم 51 لسنة 1978 ( قبل إلغائه بقانون
الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017 وقانون تنظيم الهيئات الشبابية الصادر
بالقانون رقم 218 لسنة 2017) تنص على أنه "تُعتبر هيئة أهلية عاملة في ميدان
رعاية الشباب والرياضة في تطبيق أحكام هذا القانون كل جماعة ذات تنظيم مستمر تتألف
من عدة أشخاص طبيعيين أو اعتباريين لا تستهدف الكسب المادى ويكون الغرض منها تحقيق
الرعاية للشباب وإتاحة الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وذلك عن طريق توفير الخدمات
الرياضية والقومية والاجتماعية والروحية والصحية والترويحية في إطار السياسة
العامة للدولة والتخطيط الذى يضعه المجلس الأعلى للشباب والرياضة".
وتنص المادة (16) من القانون ذاته على أنه "لكل من الهيئات
الأهلية لرعاية الشباب والرياضة التمتع بالإعفاءات والامتيازات الآتية: (أ)
.......... (ب)...............(ج)..........
(د) الإعفاء من 75% من مقابل استهلاك النور والمياه على الأقل، وتسرى
عليها تعريفة الاشتراكات والمكالمات التليفونية الخاصة المقررة للمنازل. (هــ) ........(و)...........
وتنص المادة (72) منه على أنه "النادى الرياضى هيئة تكونها جماعة
من الأفراد بهدف تكوين شخصية الشباب بصورة متكاملة من النواحى الاجتماعية والصحية
والنفسية والفكرية والروحية عن طريق نشر التربية الرياضية والاجتماعية وبث روح
القومية بين الأعضاء من الشباب وإتاحة الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهـــم.
وكذلك تهيئة الوســـائل وتيسير الســـبل لشغل أوقـــات فـــراغ
الأعضـــاء.
وذلك كله طبقًا للتخطيط الذى تضعه الجهة الإدارية المركزية".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية، وهى شرط
لقبولها، مناطها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها
وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة
الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ما
تقدم، وكانت رحى النزاع في الدعوى الموضوعية تدور حول مطالبة الشركة المدعية إلزام
النادى المدعى عليه - وهو أحد الهيئات الأهلية لرعاية الشباب والرياضة - بسداد
مقابل استهلاك المياه التى وردتها الشركة المدعية له، طبقًا للعقد المبرم بينهما،
الذى امتنع عن سداده كاملاً استنادًا لنص الفقرة (د) من المادة (16) من قانون
الهيئات الخاصة للشباب والرياضة الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1975 (قبل إلغائه
بالقانونين المشار إليهما)، الذى أعفى النادى من نسبة 75% من هذا المقابل على
الأقل، ومن ثم فإن المصلحة الشخصية المباشرة للشركة المدعية تكون محققة في الطعن
على هذا النص فيما تضمنه من إعفاء الأندية الرياضية من 75% من مقابل استهلاك
المياه على الأقل، بحسبان الفصل في دستورية ذلك النص من شأنه أن يؤثر على الطلبات
المطروحة على محكمة الموضوع، وقضاء تلك المحكمة فيها.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد اطرد على أن إلغاء النص التشريعى المطعون
فيه لا يحول دون النظر والفصل في الطعن بعدم الدستورية من قبل من طبق عليهم ذلك
القانون خلال فترة نفاذه وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وتوافرت
تبعًا لذلك لهم مصلحة شخصية في الطعن بعدم دستوريته. وإذ كان النص المطعون عليه قد
طُبّق في حق الشركة المدعية، ويمثل سند امتناع المدعى عليه الخامس عن سداد كامل
مقابل استهلاك المياه التى وردتها الشركة المدعية له، فإن إلغاء النص المذكور ضمن
نصوص قانون الهيئات الخاصة للشباب والرياضة بمقتضى قانون الرياضة الصادر بالقانون
رقم 71 لسنة 2017، وقانون تنظيم الهيئات الشبابية الصادر بالقانون رقم 218 لسنة
2018، لا يحول دون بقاء مصلحة الشركة المدعية قائمة في الطعن على هذا النص بعدم
الدستورية.
وحيث إن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتها
للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائـــــم دون
غيـــــره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة -
صون الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، ذلك أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد
والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام
التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى
القواعد الآمرة. متى كان ذلك وكان النص المطعون فيه قد أًلغى بمقتضى نص المادة
السادسة من قانون الرياضة الصادر بالقانون رقم 71 لسنة 2017، وكذا نص المادة
الخامسة من قانون تنظيم الهيئات الشبابية الصادر بالقانون رقم 218 لسنة 2017، وذلك
بعد صدور الدستور الحالى بتاريخ 18/1/2014، وكانت المناعى التى وجهتها الشركة
المدعية للنص المطعون فيه تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التى تقوم في مبناها على
مخالفة نص تشريعى لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعى، ومن ثم فإن هذه
المحكمة تباشر رقابتها القضائية على دستورية النص المطعون عليه من خلال أحكام
الدستور الحالى باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن الشركة المدعية تنعى على النص المطعون فيه إخلاله بالحماية
المقررة لملكيتها بحرمانها من الحصول على 75% من مقابل استهلاك المياه على الأقل
من النادى المدعى عليه الخامس، وهى إحدى شركات قطاع الأعمال العام، والعدوان عليها
باعتبارها ملكية خاصة، والمساس بحرمتها بما يسمح بالاستيلاء عليها، ومصادرة لأموال
كان يتعين أن تدخل في الذمة المالية للشركة، فضلاً عن إهداره لحرية التعاقد، وفرضه
أعباء مالية على الشركة تؤول مباشرة لصالح طائفة معينة بذاتها دون أن تدخل خزانة
الدولة أو تقع ضمن مواردها، وذلك كله بالمخالفة لأحكام المواد (32، 34، 36، 61،
115، 116، 119، 120) من دستور 1971، المقابلة للمواد (33، 35، 38، 40، 124، 126)
من الدستور الحالى.
وحيث إن ما تنعاه الشركة المدعية على النص المطعون فيه أنه يمثل
عدوانًا على الملكية الخاصة، ومساسًا بحرمتها ومصادرةً لها، فمردود بأن المقرر في قضاء
هذه المحكمة أن اضطلاع الملكية الخاصة التى صانها الدستور بمقتضى نص المادة (35) ،
بدورها في خدمة المجتمع، يدخل في إطار أدائها لوظيفتها الاجتماعية، وهى وظيفة لا
يتحـــــدد نطاقهـــــا من فـــراغ، ولا تفرض نفسهـــــا تحكمًا، بل تمليها طبيعة
الأموال محل الملكية، والأغراض التى ينبغى رصدها عليها، وبمراعاة أن القيود التى
يفرضها الدستور على الملكية للحد من إطلاقها، لا تعتبر مقصودة لذاتها، بل يمليها
خير الفرد والجماعة
وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا قد جرى على أن النصوص
القانونية التى ينظم بها المشرع موضوعًا محددًا لا يجوز أن تنفصل عن أهدافها، ذلك
أن كل تنظيم تشريعى لا يصدر عن فراغ، ولا يعتبر مقصودًا لذاته، بل مرماه إنفاذ
أغراض بعينها يتوخاها، وتعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التى أقام المشرع
عليها هذا التنظيم باعتباره أداة تحقيقها، وطريق الوصول إليها.
وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في موضـــوع تنظيم الحقــــوق - على ما
جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدها الدستور بضوابط محددة
تعتبر تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها. ويتمثل جوهر هذه السلطة في المفاضلة
التى يجريها المشرع بين البدائل المختلفة التى تتزاحم فيما بينها على تنظيم موضوع
محدد، فلا يختار من بينها غير الحلول التى يقدر مناسبتها أكثر من غيرها لتحقيق
الأغراض التى يتوخاها، وكلما كان التنظيم التشريعى مرتبطًا منطقيًّا بهذه الأغراض
- وبافتراض مشروعيتها - كان هذا التنظيم موافقًا للدستور.
وحيث إن الدستور قد ألقى بنصى المادتين (82، 84) التزامًا دستوريًّا
على عاتق الدولة بكفالة رعاية الشباب والنشء، وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية
والبدنية والإبداعية، وتشجيعهم على العمل الجماعى والتطوعى، وتمكينهم من المشاركة
في الحياة العامة، وكفالة ممارسة الرياضة كحق لجميع المواطنين، واتخاذ التدابير
اللازمة لتشجيع ممارستهم الرياضة، واكتشاف الموهوبين رياضيًّا ورعايتهم.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الهيئات العاملة في ميدان
الشباب والرياضة، باعتبارها من الهيئات الخاصة ذات النفع العام، تتوخى تنمية
الشباب في مراحل عمره المختلفة، وإتاحة الأوضاع المناسبة لتطوير ملكاتهم عن طريق
توفير الخدمات الرياضية والقومية والاجتماعية والروحية والصحية في إطار السياسة
العامة للدولة، وقد صدر قانون الهيئات الخاصة للشباب والرياضة بالقانون رقم 77
لسنة 1975 متضمنًا تنظيمًا شاملاً لهذه الهيئات، ومؤكدًا بصريح نص المادة (15) منه
أن الهيئات الأهلية لرعاية الشباب والرياضة تعتبر من "الهيئات الخاصة ذات
النفع العام" وأن كلاً منها يتمتع - بنص القانون - بامتيازات السلطة العامة
الواردة بهذا القانون، وذلك تقديرًا منه لأهمية دور هذه الهيئات في مجال رعاية
النشء وتنمية ملكاته وتأهيله للنهوض بمسئولياته، وتحمل تبعاتها في سبيل الارتقاء
بأمته ودعم مكانتها في أكثر الميادين أهمية.
وحيث إن ما تضمنه النص المطعون فيه من إعفاء الأندية الرياضية من 75%
من مقابل استهلاك المياه على الأقل، يستهدف عدم اقتطاع جزء من الموارد المالية
للأندية الرياضية، كى تسددها مقابل استهلاك المياه، وبقائها مخصصة لمزاولة أنشطتها
المتصلة بالمصلحة العامة، التى تُعد رعاية الشباب والنشء وتنمية قدراتهم المختلفة،
وكفالة ممارسة الرياضة لجميع المواطنين - أحد أوجهها المهمة والحيوية، وكان هذا
الإعفاء متناسبًا مع هذا الوجه من أوجه المصلحة العامة التى لا يقتصر مفهومها على
الانحصار في الصالح المباشر المرتبط بالغرض الذى أُنشئت الشركة من أجله فقط، وإنما
بالمصلحة العامة بمعناها الأشمل، وبأوجهه المختلفة، بهدف توفير المياه اللازمة
لإشباع حاجات المواطنين المختلفة، ومن بينها توفير ما يلزم لمباشرة هؤلاء
المواطنين لحقهم في ممارسة الرياضة الذى تتيحه لهم تلك الأندية، وكذا تحقيق رعاية
الشباب وتنمية قدراتهم، بوصفه التزامًا دستوريًّا ألقاه الدستور على عاتق الدولة،
ومن ثم يكون المشرع قد ضمَّن النص المطعون فيه تنظيمًا يتوافق مع الأغراض والأهداف
التى رصدها المشرع له، وسعى إلى تحقيقها من خلاله، وتوافرت فيه الرابطة المنطقية
والعقلية بتلك الأهداف، وذلك في إطار استعمال المشرع لسلطته التقديرية في تنظيم
الهيئات الخاصة بالشباب والرياضة، على نحو يحقق المصلحة العامة، ويمكنها من تحقيق
الأغراض التى حددها لها، وذلك على الوجه الأكمل، باستعمالها لكافة مواردها المالية
ورصدها لتحقيق هذه الأهداف والأغراض، دون أن يقتطع منها أى جزء لتخصيصه لسداد
مقابل استهلاك المياه، ذلك أن المشرع في مجال سلطته في الاختيار بين البدائل
المتاحة أمامه قد فاضل بين وجهين من أوجه المصلحة العامة، أولهما: يتمثل في استيفاء
الشركات المملوكة للدولة ملكية خاصة، كامل مقابل خدمة تقديم المياه للأندية
الرياضية باعتبارها من الهيئات الخاصة ذات النفع العام، الأمر الذى يصب بشكل مباشر
في المصلحة العامة المتعلقة بإيرادات أملاك الدولة، وبقدرة هذه الشركات على
مزاولتها لأنشطتها. وثانيهما: فهو المصلحة العامة المتمثلة في رعاية الشباب
والنشء، وكفالة ممارسة الرياضة، وحق جميع المواطنين في إتاحة الفرص المناسبة لهذه
الممارسة، وهو ما قدر معه المشرع أولوية الوفاء بالالتزام الدستورى الأخير، من
خلال توفير قدر من الإعفاءات للأندية الرياضية باعتبارها من الهيئات الخاصة لرعاية
الشباب والرياضة المضطلعة بهذه المهمة، وأن تتحمل الدولة كمالك للجهات القائمة على
هذا المرفق الحيوى قدرًا من العبء المالى الناتج عن قيمة استهلاك الأندية الرياضية
للمياه بنسبة 75% على الأقل، باعتباره أحد وسائلها لدعم هذه الأندية تمكينًا لها
من أداء دورها، فإنه يكون قد التزم الضوابط الدستورية الحاكمة لسلطته في هذا
المجال، الأمر الذى لا يكون معه النص المطعون فيه مخالفًا لنصوص المواد (27، 32،
33، 34، 35، 40) من الدستور.
وحيث إنه عن نعى الشركة المدعية على النص المطعون فيه إهداره لحرية
التعاقد، فمردود بأن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن حرية التعاقد - أيًّا كان
الأصل الذى تتفرع عنه أو تُرد إليه - لا يعنى على الإطلاق أن يكون لسلطان الإرادة
دور كامل ونهائى، بما مؤداه أن للمشرع أن يرسم للإرادة حدودًا لا يجوز أن يتخطاها
سلطانها، ليظل دورها واقعًا في دائرة منطقية، تتوازن الإرادة في نطاقها بدواعى
العدل وتحقيق الصالح العام.
وحيث إن النص المطعون فيه فيما تضمنه من إعفاء الأندية الرياضية من
75% من مقابل استهلاك المياه على الأقل، قد جاء مقررًا قيدًا عامًا على جميع
العقود التى تبرمها الجهات القائمة على توفير المياه مع الأندية الرياضية،
مستهدفًا تحقيق المصلحة العامة، بهدف عدم الانتقاص من مواردها المالية المعينة لها
على تحقيق أغراضها، التى تتصل برعاية الشباب والنشء، وكفالة ممارسة الرياضة لجميع
المواطنين، وكفالته تحقيق التوازن بين مصالح أطراف العلاقة العقدية المشار إليها،
الذى أوجبت كفالته المادة (27) من الدستور، وفاءً من الدولة بأحد التزاماتها
الدستورية التى قررتها المادتان (82، 84) من الدستور، فإنه يكون غير مناقض لطبيعة
العقد أو اعتبارات العدالة, ومتناسبًا مع المصلحة العامة التى يبتغى تحقيقها، دون
مساس بحرية التعاقد، باعتبارها أحد روافد الحرية الشخصية التى كفلها الدستور في المادة
(54).
وحيث إنه عما تنعاه الشركة المدعية على النص المطعون فيه، في حدود
نطاقه المتقدم، من أنه يتضمن فرض أعباء مالية على الشركة تؤول مباشرة لصالح طائفة
معينة بذاتها، دون أن تدخل خزانة الدولة، أو تعد ضمن مواردها، فمردود؛ بأن المقرر
في قضاء هذه المحكمة أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرًا وبصفة نهائية من
المكلفين بها، لا يملكون التنصل من أدائها باعتبار أن حصيلتها تعينها على النهوض
بخدماتها ومهامها التى يفيد مواطنوها منها بوجه عام، فلا تكون الضريبة التى
يتحملون بها إلا إسهامًا منطقيًّا من جانبهم في تمويل أعبائها، ولا تقابلها
بالتالى خدمة بذاتها أدتها مباشرة لأحدهم. وذلك على نقيض رسومها التى لا تقتضيها
من أيهم إلا بمناسبة عمل أو أعمال محددة بذاتها أتتها بعد طلبها منها، فلا يكون
حصولها على مقابل يناسبها - وإن لم يكن بقدر تكلفتها - إلا جزاءً عادلاً عنها، ومن
ثم تكون هذه الأعمال مناط فرضها، وبما يوازيها.
كما أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن
مؤدى النص في عجز الفقرة الرابعة من المادة (38) من الدستور من أن"يحدد
القانون طـــــــــرق وأدوات تحصيل الضرائب، والرســـــــــوم، وأى متحصـــــلات
سيادية أخــــــــــرى، وما يـــــودع منها في الخزانـــــة العامـــــة
للدولـــــة"، أن الدستور وإن كان قد أوجب أصلاً عامًا يقتضى أن تصب حصيلة
الضرائب العامة وغيرها من الإيرادات العامة للدولة في الخزانــــة العامــــة
للدولــــة، لتتولى تحديـــــد مصارفها تحت رقابـــــة المؤسســـــة
التشريعيـــــة، بقصـــــد تحقيق الصالح العام، على ما نصت عليه المـــــادة (124)
من الدستور، فإن ما يستفاد من هذا النص بدلالة المخالفة - وعلى ما أفصحت عنه
مناقشات لجنة الخمسين التى أعدت مشروع الدستور - أن الدستور قد أجاز للمشرع، على سبيل
الاستثناء، وفى أضيق الحدود، أن يحدد ما لا يودع من حصيلة الموارد المالية في الخزانة
العامة، ليكون إعمال هذه الرخصة – بحسبانها استثناءً من الأصـــــــــــــل العام-
أداته القانون، وفى حدود تنضبط بضوابط الدستور، فلا يصح هذا التخصيص إلا إذا كان
الدستور ذاته قد نص في صلبه على تكليف تشريعى صريح ذى طبيعة مالية، قدَّر لزوم
وفاء المشرع به، وأن يتصل هذا التكليف بمصلحة جوهرية أولاها الدستور عناية خاصة،
وجعل منها أحد أهدافه، وأن يقدر استنادًا إلى أسباب جدية، صعوبة تخصيص هذا المورد
من الموازنة العامة في ظل أعبائها. فمتى استقام الأمر على هذا النحو، جاز للمشرع
تخصيص أحد الموارد العامة إلى هذا المصرف تدبيرًا له، إعمالاً لأحكام الدستور،
وتفعيلاً لمراميه.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه لم يتضمن فرض ضريبة
أو رسم أو أىّ من التكاليف العامة الأخرى تخصص مباشرة لصالح الأندية الرياضية،
وإنما تضمن حكمًا بإعفاء تلك الأندية من سداد 75% من مقابل استهلاكها من المياه
على الأقل، بهدف تحقيق المصلحة العامة التي أوجبها الدستور على وجهها المتقدم، وهو
ما يدخل في نطاق السلطة التقديرية للمشرع، في مجال تنظيم الحقوق والحريات، دون
مساس بأصلها أو جوهرها، باعتباره قيدًا عامًا قرره الدستور بمقتضى نص المادة (92)،
ومن ثم لا يكون النص المطعون فيه متعارضًا ونصوص المواد (38، 92، 124، 126) من
الدستور.
وحيث إن النص المطعون فيه - في حدود نطاقه المتقدم - لا يخالف أى نص
آخر في الدستور، فمن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهــذه الأسبــاب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة،
وألزمت الشركة المدعية المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق