برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أحمد الحسيني رئيس مجلس الدولة
ورئيس المحكمة.
وعضوية السادة الأساتذة
المستشارين/ أحمد شمس الدين خفاجي، ومحمد منير السيد جويفل، والسيد محمد السيد
الطحان، ورمزي عبد الله محمد أبو الخير، وغبريال جاد عبد الملاك، وأحمد أمين حسان،
وإدوارد غالب سيفين، والصغير محمد محمود بدران، وعصام عبد العزيز جاد الحق، ويحيى
أحمد راغب دكروري. نواب رئيس مجلس الدولة.
بحضور السيد الأستاذ
المستشار/ مصطفى حسين السيد نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة.
---------------
(5)
جلسة 3 من إبريل سنة 2010
الطعن رقم 27412 لسنة 52 القضائية
عليا
(دائرة توحيد المبادئ)
( أ
) إثبات - قرينة النكول - مجال الأخذ بها - القاعدة العامة في الإثبات هي تحمل
المدعي عبء إثبات ما يدعيه، وهذه القاعدة قوامها التكافؤ والتوازن بين طرفي
الخصومة - الأمر يختلف في القضاء الإداري، حيث ينتقل عبء الإثبات إلى المدعى عليه
وهو الجهة الإدارية، ويكون عليها إثبات عدم صحة الواقعات الواردة بعريضة الدعوى أو
الطعن، بينما يكتفي المدعي بالقول بوجودها وتأكيدها - إذا تقاعست الجهة الإدارية
عن تقديم الأوراق والمستندات الدالة على نفي ادعاء المدعي، فإن هذا يكون قرينة على
صحة ما يدعيه، إذا ما أكدتها شواهد وقرائن أخرى من الواقع وصحيح حكم القانون -
القاضي الإداري يحافظ على حياده، ولا يحل محل أحد طرفي المنازعة، ولا ينحاز لأي
منهما في هذا الخصوص.
المواد المطبقة:
- المادة الأولى من قانون
الإثبات في المواد المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم (25) لسنة 1968.
(ب) هيئات قضائية -
التعيين فيها - لجان المقابلات الشخصية لا تتقيد بأي اختبارات سابقة تتعلق
بالقدرات والعناصر الدالة على توافر أو عدم توافر أهلية المتقدم لشغل الوظيفة
القضائية، كما لا تتقيد بأي ضوابط أخرى، ومن ثم فإن سلطتها في الاختيار تكون سلطة
تقديرية لا يحدها سوى استهداف المصلحة العامة - لا يشترط شكل معين لإجراء المقابلة
الشخصية، فليس بلازم أن يكون هناك محضر مكتوب، بل يكفي أن تتاح للمتقدم فرصة
مقابلة اللجنة المعنية لتقييمه، والحكم على مدى صلاحيته لشغل الوظيفة القضائية
التي يتقدم لشغلها - محضر المقابلة هو أحد العناصر التي يستند إليها في التقييم،
فإذا ما حوت الدعوى من الأوراق ما يَمكِّن المحكمة من الفصل فيها، فعليها أن تفصل
فيها دون أن تتذرع بقرينة النكول لعدم تقديم محضر المقابلة الشخصية من جانب الجهة
الإدارية - قرينة النكول لا تجد مجالاً لها إلا إذا كان المستند الذي لم يقدم في
الدعوى هو المستند الوحيد المؤثر واللازم للفصل فيها.
الإجراءات
في يوم الخميس الموافق 6/
7/ 2006 أودع الأستاذ/ ... المحامي، نائبًا عن الأستاذ/ ... بصفته وكيلاً عن
الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرًا بالطعن، قيد برقم 27412 لسنة 52
ق. ع، مختصمًا فيه المطعون ضدهم بصفاتهم، وانتهى إلى طلب الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء
قرار رئيس الجمهورية رقم (27) لسنة 2006 فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين
بوظيفة (مندوب مساعد) بمجلس الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها تعيينه في
هذه الوظيفة مع أقرانه، وتنفيذ الحكم بمسودته ودون إعلان.
وذكر الطاعن شرحًا لطعنه
أنه حصل على ليسانس الشريعة والقانون من جامعة الأزهر في دور مايو 2004 بتقدير عام
جيد جدًا، وأنه في خلال شهر يوليو 2005 أعلن في الصحف عن تعيين مندوبين مساعدين
بمجلس الدولة، ونظرًا لتوافر الشرائط المتطلبة فيه تقدم بطلبه، وأجريت المقابلة
الشخصية معه، وفي 18/ 1/ 2006 صدر قرار رئيس الجمهورية رقم (27) لسنة 2006 خاليًا
من اسمه، فبادر بالتظلم منه في 19/ 2/ 2006، وقيد برقم (408)، ولم يلتق ردًا، فلجأ
إلى لجنة توفيق المنازعات، وقيد طلبه برقم 209 لسنة 2006، وأصدرت توصيتها في 25/
6/ 2006 بإحالة الطلب إلى أمين عام مجلس الدولة لاتخاذ ما يراه في شأنه، فأقام
طعنه الماثل ناعيًا على القرار الطعين مخالفته لأحكام قانون مجلس الدولة، الصادر
بالقانون رقم (47) لسنة 1972، حيث إن جميع الشرائط المتطلبة للتعيين متوافرة في
حقه، فهو حاصل على تقدير تراكمي (جيد جدًا) بنسبة مقدارها 83.5%، بمجموع درجات
(1085) من (1300) درجة، وهو ما يعلو على بعض أقرانه ممن شملهم القرار، وهو ما يشكل
إخلالاً بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص. ومن ثم خلص إلى طلباته السالفة.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة
تقريرًا بالرأي القانوني، انتهت فيه إلى قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء
القرار الطعين فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين بوظيفة (مندوب مساعد) بمجلس
الدولة.
وقد حددت لنظر الطعن أمام
الدائرة السابعة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 13/ 5/ 2007، وتم تداوله
بجلسات المحكمة على النحو الموضح بمحاضرها، وبجلسة 19/ 10/ 2008 تقرر حجز الطعن
للحكم بجلسة 23/ 11/ 2008 مع مذكرات خلال أسبوعين، ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة
28/ 12/ 2008 لإتمام المداولة، وبهذه الجلسة قررت المحكمة إحالة الطعن إلى دائرة
توحيد المبادئ المشكلة بموجب المادة (54) مكررًا من قانون مجلس الدولة، الصادر
بالقانون رقم (47) لسنة 1972؛ للعدول عن المبدأ الذي قررته الأحكام السابق صدورها
عن المحكمة الإدارية العليا من عدم الأخذ بقرينة النكول في الطعون المتعلقة
بقرارات التعيين في الهيئات القضائية، عند عدم تقديمها لمحاضر المقابلات الشخصية،
اكتفاء بما قررته الهيئة القضائية المطعون ضدها من أسباب في دفاعها من عدم اجتياز
الطاعن للمقابلة؛ حتى لا تحل المحكمة محل تلك اللجان في التقييم، ولأن الأخذ بهذه
القرينة يأباه النظام القضائي ويتعارض معه، وسوف يترتب عليه تعيين كافة الطاعنين.
بينما ذهبت تلك الدائرة إلى أنه لا يجوز طرح قرينة النكول في مثل هذه الحالات
والأخذ بها في حالات أخرى، سيما وأن المستندات الدالة على اجتياز أو عدم اجتياز
المقابلة الشخصية لا توجد إلا لدى جهة الإدارة، ويستحيل على الطاعن تقديمها أو
الحصول عليها.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة
بدائرة توحيد المبادئ تقريرًا بالرأي القانوني، انتهت فيه إلى ترجيح الاتجاه الذي
يؤيد الأخذ بالتسليم بطلبات المدعي استنادًا إلى نكول جهة الإدارة عن تقديم محاضر
المقابلات الشخصية التي تجريها اللجان المختصة بالجهات القضائية مع المتقدمين لشغل
وظائف قضائية.
وحددت لنظر الطعن أمام
هذه الدائرة جلسة 11/ 4/ 2009، وتدوول بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة
6/ 2/ 2010 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 6/ 3/ 2010، ثم مد أجل النطق بالحكم
لجلسة اليوم لإتمام المداولة، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه
عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق،
وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن عناصر
المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن أقام طعنه الماثل بتاريخ 6/
7/ 2006، طالبًا في ختامه الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم (27)
لسنة 2006 فيما تضمنه من تخطي الطاعن في التعيين بوظيفة (مندوب مساعد) بمجلس
الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصها تعيينه في هذه الوظيفة، مع تنفيذ
الحكم بمسودته ودون إعلان.
ومن حيث إن مقطع النزاع -
حسبما ارتأته الدائرة السابعة عليا عند إحالة هذا الطعن إلى هذه الدائرة - يدور
حول الأخذ أو عدم الأخذ بقرينة النكول في الطعون المتعلقة بقرارات التعيين في
الوظائف القضائية عند عدم تقديم الجهة الإدارية لمحاضر المقابلات الشخصية التي
تجريها اللجان المختصة بالهيئات القضائية مع المتقدمين لشغل تلك الوظائف، حيث ذهبت
تلك الدائرة إلى الأخذ بقرينة النكول في هذه الطعون، وهو ما يتعارض مع أحكام سابقة
ترى عدم الأخذ بهذه القرينة، ومن ثم العدول عن ذلك.
ومن حيث إن البين مما سبق
أن هناك اتجاهًا في أحكام المحكمة الإدارية العليا ذهب إلى عدم الأخذ بقرينة
النكول في الطعون المشار إليها عند عدم تقديم أو إيداع الهيئة القضائية المعنية
لمحاضر المقابلات الشخصية التي أجريت مع المتقدمين لشغل الوظائف القضائية، سواء
كان ذلك نتيجة صعوبة تقديمها أو العثور عليها لكثرتها بالنسبة إلى مجموع
المتقدمين، والاكتفاء في هذه الحالات بما ذكرته الهيئة القضائية المطعون ضدها من
أسباب في دفاعها؛ لأن القول بغير ذلك يؤدي إلى حلول المحكمة محل تلك اللجان في
التقييم، والتسليم بما يقرره الطاعن عن كفايته للتعيين، وهو ما يأباه نظام التعيين
بالوظائف القضائية ويتعارض معه؛ لكونها ذات طبيعة خاصة (الأحكام الصادرة بجلسات
29/ 1/ 2006 في الطعنين رقمي 6533 لسنة 48 ق. ع و7663 لسنة 48 ق. ع، و15/ 1/ 2006
في الطعن رقم 6901 لسنة 48 ق. ع، و8/ 1/ 2006 في الطعنين رقمي 6933 لسنة 48 ق. ع
و9263 لسنة 48 ق. ع) وهو الاتجاه المطلوب العدول عنه.
ومن حيث إن المادة (1) من
قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم (25) لسنة 1968
تنص على أن: " على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه
". وبذلك حددت القاعدة العامة في الإثبات، وهي تحمل المدعي عبء إثبات ما
يدعيه، أي إثبات الواقعات التي تترتب عليها الآثار القانونية المتنازع عليها. وهذه
القاعدة قوامها التكافؤ والتوازن بين طرفي الخصومة، فكل منهما في ذات المركز القانوني،
وبمكنته إثبات ما يراه بكل الوسائل.
ولئن كانت هذه هي القاعدة
العامة في الإثبات بيد أن الأمر يختلف في القضاء الإداري، لأن الجهة الإدارية، وهي
الطرف في كل دعوى إدارية، تحوز وتمتلك أدلة الإثبات، وفي الأغلب الأعم تكون في
مركز المدعى عليه في الدعاوى الإدارية، في حين يقف الطرف الآخر وهو المدعي أعزل من
هذه الأدلة، الأمر الذي يُفتقد معه التوازن والتكافؤ المفترض بين أطراف الدعوى
الإدارية، وهو ما يجعل عبء الإثبات في الدعاوى الإدارية ينتقل إلى المدعى عليه وهي
الجهة الإدارية، وبات عليها إثبات عدم صحة الواقعات الواردة بعريضة الدعوى أو
الطعن، بينما يكتفي المدعي بالقول بوجودها وتأكيدها. ويترتب على ذلك أنه إذا ما
تقاعست الجهة الإدارية عن تقديم الأوراق والمستندات الدالة على نفي ادعاء المدعي،
فإن هذا يكون قرينة على صحة ما يدعيه رافع الدعوى، إذا ما أكدتها شواهد وقرائن أخرى
من الواقع وصحيح حكم القانون، وهنا يبرز الدور الإيجابي للقاضي الإداري وإمكاناته
في تقصي الحقيقة محافظًا على حياده، فلا يحل محل أحد طرفي المنازعة، ولا ينحاز لأي
منهما في هذا الخصوص.
ومن حيث إنه قد سبق لهذه
الدائرة في حكميها الصادرين بجلستها المعقودة في 6/ 5/ 2004 في الطعنين رقمي 12414
لسنة 46 ق. ع، و5850 لسنة 47 ق. ع أن ذهبت إلى أن لجان المقابلات الشخصية لم تتقيد
بأي اختبارات سابقة تتعلق بالقدرات والعناصر الدالة على توافر أو عدم توافر تلك
الأهلية، كما لم تتقيد بأي ضوابط أخرى، وبالتالي فإن سلطتها في الاختيار تكون سلطة
تقديرية لا يحدها سوى استهداف المصلحة العامة، وليس من شك في أن القول بغير ذلك
إنما يؤدي إلى إهدار كل قيمة لعمل لجان المقابلة، وحلول المحكمة محلها، بناء على
ضوابط يضعها القاضي ليحدد على أساسها مدى توافر الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة،
وتلك نتيجة يأباها التنظيم القضائي، ومبدأ الفصل بين السلطات. وإذا كانت المهمة
التي أُسندت إلى اللجنة لم تقترن بطريقة صريحة قاطعة ومعيار واضح يحدد لها كيفية
أداء مهمتها واستخلاص الأهلية اللازمة لشغل الوظيفة، فإن ذلك لا يعني حتمًا أنها
مارست عملها دون ضوابط أو معايير، فلا جدال في أنها استعانت بالعرف العام الذي
يحيط تولي الوظائف القضائية بسياج منيع من المعايير الدقيقة والقيم الرفيعة
والضوابط القاطعة والصفات السامية والخصال الحميدة، وهي أركان لا تخضع للحصر في
عناصر ثبوتها أو القصر على أسس بعينها دون غيرها؛ لأنها تستخلص من الوسط الذي
ينتمي إليه المتقدم للوظيفة وشخصيته.
ولا وجه للقول بأن السلطة
التقديرية للجان المقابلة تعد امتيازًا يتعين الحد منه برقابة قضائية حاسمة؛ ذلك
أن ممارسة السلطة التقديرية في مجال التعيين في الوظائف القضائية سيظل على وجه
الدوام واجبًا يستهدف الصالح العام باختيار أكفأ العناصر وأنسبها، وهو أمر سيبقى
محاطًا بإطار المشروعية التي تتحقق باستهداف المصلحة العامة دون سواها، وذلك
بالتمسك بضرورة توافر ضمانات شغل الوظيفة والقدرة على مباشرة مهامها في إرساء
العدالة دون ميل أو هوى، وفضلاً عن ذلك فإن تلك السلطة التقديرية هي وحدها التي
تقيم الميزان بين حصر كل من توافرت فيه الشروط العامة لشغل الوظائف القضائية، وبين
فاعلية مرفق القضاء وحسن تسييره، فلا يتقلد وظائفه إلا من توافرت له الشروط
العامة، وحاز بالإضافة إليها الصفات والقدرات الخاصة التي تؤهله لممارسة العمل
القضائي على الوجه الأكمل، ومن ثم فإنه إذا أتيحت للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة
المنوط بها استخلاص مدى أهليته في تولي الوظيفة القضائية والمشكلة من قمم الجهة
التي تقدم لشغل إحدى وظائفها، فإنه لا يكون أمامه إن أراد الطعن في القرار الذي
تخطاه في التعيين سوى التمسك بعيب الانحراف عن المصلحة العامة، وعندئذ يقع على
عاتقه عبء إثبات هذا العيب
".
ومن حيث إن البين من
مطالعة الحكمين السابقين أنه لم يشترط شكل معين لإجراء المقابلة الشخصية، فليس
بلازم أن يكون هناك محضر مكتوب، بل يكفي أن تتاح للمتقدم فرصة مقابلة اللجنة
المعنية لتقييمه، والحكم على مدى صلاحيته لشغل الوظيفة القضائية التي يتقدم
لشغلها، ومن ثم فإن على المحكمة أن تستوثق من إتاحة الفرصة للمتقدم للمثول أمام
اللجنة لتحديد مدى توافر الأهلية المتطلبة لشغل الوظيفة دون تعقيب عليها، طالما
أنها تغيَّت الصالح العام، وإثبات عدم التزامها الصالح العام لا شك يقع على عاتق
المدعي.
كذلك فإن الحكمين المشار
إليهما لم يتضمن أي منهما أن السبيل الوحيد للفصل في الدعوى هو محضر المقابلة
وبغيره يستحيل الفصل فيها، بل إن محضر المقابلة هو أحد العناصر التي يستند إليها
في التقييم، فإذا ما حوت الدعوى من الأوراق ما يَمكِّن المحكمة من الفصل فيها،
فعليها أن تفصل فيها دون أن تتذرع بقرينة النكول لعدم تقديم محضر المقابلة الشخصية
من جانب الجهة الإدارية؛ لأن لجنة المقابلة في هذه الحالة بما تملكه من سلطة
تقديرية في وضع ما تراه من ضوابط لاختيار أصلح المتقدمين لشغل الوظائف القضائية،
بحسبان أنها الأقدر على ذلك، وأنه لا يحدها فيه سوى مراعاة الصالح العام - تكون قد
تخلت وتنازلت عن حقها في إقامة الدليل على سلامة قرارها الطعين، وتعود للمحكمة
سلطتها في تقييم القرار في ضوء باقي أوراق الدعوى ومستنداتها، وما تبديه الجهة
الإدارية في مذكراتها وما تقدمه من مستندات، وكذا ما يقدمه المدعي من مذكرات
ومستندات، لتنزل حكمها وفق عقيدتها على ضوء ذلك كله.
ومن حيث إنه في ضوء ما
تقدم فإن قرينة النكول لا تجد مجالاً لها إلا إذا كان المستند الذي لم يقدم في
الدعوى هو المستند الوحيد المؤثر واللازم للفصل في الدعوى، وفي هذه الحالة يتم
التسليم بطلبات المدعي، أما إذا طويت أوراق الدعوى على مستندات وأوراق تمكن
المحكمة من إنزال حكم القانون عليها، فإن تقاعس الجهة الإدارية عن تقديم أي مستند
غير منتج وحده لا يعد نكولاً يفسر لصالح المدعي، بل يتعين أن تفصل المحكمة في
الدعوى في ضوء باقي الأوراق والمستندات الموجودة بملفها.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بترجيح
الاتجاه السائد في أحكام المحكمة الإدارية العليا، الذي من مقتضاه عدم الأخذ
بقرينة النكول في الطعون الخاصة بقرارات التعيين في الوظائف القضائية، إلا إذا كان
المستند الذي لم يقدم في الدعوى هو المستند الوحيد المؤثر واللازم للفصل في
الدعوى، وذلك على النحو الوارد بالأسباب، وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة
بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه على هدي ما تقدم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق