برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أحمد الحسيني رئيس مجلس الدولة
ورئيس المحكمة
وعضوية السادة الأساتذة
المستشارين/ أحمد شمس الدين خفاجى، والسيد محمد السيد الطحان، ورمزي عبد الله محمد
أبو الخير، وغبريال جاد عبد الملاك، وأحمد أمين حسان، والصغير محمد محمود بدران، وعصام
عبد العزيز جاد الحق، وسعيد أحمد محمد حسين برغش، ويحيي أحمد راغب دكروري، وحسين
على شحاتة السماك. نواب رئيس مجلس الدولة
وبحضور السيد الأستاذ
المستشار/ مصطفى حسين السيد نائب رئيس مجلس الدولة ومفوض الدولة
-----------------
(1)
جلسة 2 من يناير سنة 2010
الطعن رقم 2190 لسنة 47
القضائية عليا
(دائرة توحيد المبادئ)
( أ
) هيئات قضائية - شئون الأعضاء - عدم قبول الطعون المقامة من أعضاء الهيئات
القضائية أمام المحكمة الإدارية العليا في أمور خاصة بهم دون توقيع محامٍ مقبول
أمام المحكمة.
المواد المطبقة:
- المواد (25) و(44) و(104)
من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقرار بقانون رقم (47) لسنة 1972.
- المادة (58) من قانون
المحاماة، الصادر بالقانون رقم (17) لسنة 1983.
(ب) دعوى - بطلان الصحيفة
لعدم توقيعها من محامٍ مقبول - يجوز تصحيح هذا البطلان بتوقيع المحامي على العريضة
خلال المواعيد المحددة للطعن - إذا تم هذا التوقيع بعد انقضاء هذه المواعيد، فإنه
لا يصحح ما لحق العريضة من بطلان وتظل مشورة به.
الإجراءات
في يوم الثلاثاء الموافق
14/ 11/ 2000 أودع الأستاذ/ ... الطاعن (شخصيًا) قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا
تقريرًا بالطعن، قيد برقم 2190 لسنة 47 ق.ع، مختصمًا فيه المطعون ضدهم بصفاتهم،
وانتهى إلى طلب الحكم بإلغاء قرار رئيس الجمهورية الرقيم 300 لسنة 2000 فيما تضمنه
من استبعاده من التعيين في وظيفة (مندوب مساعد) بمجلس الدولة، مع ما يترتب على ذلك
من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وذكر الطاعن شرحًا لطعنه
أنه حاصل على ليسانس الشريعة والقانون من فرع جامعة الأزهر بأسيوط في دور مايو سنة
1997، بتقدير عام (ممتاز مع مرتبة الشرف)، وبمجموع تراكمي: (5156.5) من (6000)
درجة، بنسبة مئوية 85.94%. وتقدم للتعيين في وظيفة (مندوب مساعد) بمجلس الدولة ضمن
الدفعة التكميلية لسنة 1997، واجتاز الاختبارات والمقابلات الشخصية بنجاح، إلا أنه
فوجئ بصدور القرار الجمهوري رقم 300 لسنة 2000 في 4/ 7/ 2000 بتعيين المندوبين
المساعدين بمجلس الدولة خلوا من اسمه، متضمنًا أسماء من هم أقل منه في التقدير،
على الرغم من تعيينه مندوبًا مساعدًا بهيئة قضايا الدولة آنذاك بالقرار الجمهوري
رقم 59 لسنة 1999، الأمر الذي حداه على التظلم من ذلك القرار إلى رئيس مجلس الدولة
في 18/ 7/ 2000، حيث قيد برقم (2554) ولم يتلق ردًا، فأقام طعنه الماثل بطلبه
المتقدم.
وقد جرى تحضير الطعن
بهيئة مفوضي الدولة على النحو المبين بمحاضر جلسات التحضير، وقدمت الهيئة تقريرًا
بالرأي القانوني، انتهت فيه إلى بطلان عريضة الطعن؛ لعدم توقيعها من محامٍ. وحُددت
لنظر الطعن أمام الدائرة الثانية (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا جلسة 11/ 5/
2002، وفيها حضر الأستاذ... المحامي عن الأستاذ... بالتوكيل الخاص القضائي رقم
3094 لسنة 2002 في 8/ 5/ 2002 توثيق الإسماعيلية، وطلب التوقيع على عريضة الطعن
أمام هيئة المحكمة، فأجابته إلى طلبه، حيث وقع على العريضة. وبجلسة 29/ 6/ 2002
أحالت المحكمة الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير تكميلي في ضوء توقيع
المحامي على عريضة الطعن، فقدمت تقريرًا مسببًا انتهت فيه إلى الحكم ببطلان عريضة
الطعن؛ تأسيسًا على أنه لا يجوز تصحيح هذا العيب حال وجوده، وفق ما استقرت عليه
أحكام المحكمة الإدارية العليا، ومنها حكمها بجلسة 16/ 1/ 1994 في الطعن رقم 976
لسنة 35 ق.ع.
وقد أحيل الطعن إلى
الدائرة السابعة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا للاختصاص، وتدوول بجلساتها على
النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة 30/ 12/ 2007 قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة
27/ 4/ 2008 مع التصريح بمذكرات في أسبوعين، وبهذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل
النطق بالحكم لجلسة 4/ 5/ 2008، وفيها قررت المحكمة إحالة الطعن إلى دائرة توحيد
المبادئ المشكلة بموجب المادة (54 مكررًا) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون
رقم 47 لسنة 1972 للعدول عن المبدأ الذي أقرته الدائرة السابعة بالمحكمة الإدارية
العليا بعدم استلزام توقيع العرائض المقدمة من أعضاء الهيئات القضائية في أي شأن
من شئونهم من محامٍ مقبول لدى هذه المحكمة اكتفاء بتوقيعها منهم (الحكم الصادر
بجلسة 14/ 1/ 2007 في الطعن رقم 21844 لسنة 51 ق. ع)، والذي قام على أسباب حاصلها
تحقق الغاية التي قصدها المشرع من توقيع محامٍ على الصحف والعرائض، وقياسًا على ما
تقضي به كل من المادتين (16) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون
رقم 48 لسنة 1979، و(85) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة
1972.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة
بدائرة توحيد المبادئ تقريرًا بالرأي القانوني، ارتأت فيه بطلان صحيفة الطعن
المقام أمام المحكمة الإدارية العليا من أحد أعضاء الهيئات القضائية في شأن يتعلق
به، وذلك في حالة عدم توقيعها من محامٍ مقبول أمام تلك المحكمة.
وحددت لنظر الطعن أمام
هذه الدائرة جلسة 8/ 11/ 2008، وتم تداوله بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها،
وبجلسة 5/ 12/ 2009 قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم،
وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق،
وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن عناصر
المنازعة تخلص - حسبما يتضح من الأوراق - في أن الطاعن أقام الطعن الماثل بتاريخ
14/ 11/ 2000، طالبًا الحكم بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 300 لسنة 2000 فيما
تضمنه من تخطيه في التعيين بوظيفة (مندوب مساعد) بمجلس الدولة، مع ما يترتب على
ذلك من آثار، استنادًا إلى حصوله على ليسانس الشريعة والقانون من فرع جامعة الأزهر
بأسيوط دور مايو عام 1997 بتقدير عام تراكمي (ممتاز مع مرتبة الشرف) بمجموع
(5156.5) درجة من (6000) درجة، بنسبة مئوية (85.94%)، وتقدم للتعيين في الدفعة
التكميلية لعام 1997، واجتاز الاختبارات والمقابلات الشخصية بنجاح، بيد أنه فوجئ بصدور
القرار الطعين في 4/ 7/ 2000 غير متضمن لاسمه، متضمنًا أسماء ممن هم أقل منه في
التقدير، فبادر بالتظلم منه إلى المطعون ضده الثالث في 18/ 7/ 2000، ولما لم يتلق
ردًا على تظلمه، أقام طعنه الماثل بعريضة موقعة منه شخصيًا. وبعد تقديم هيئة مفوضي
الدولة لتقريرها في الطعن منتهية إلى بطلان عريضة الطعن لعدم توقيعها من محامٍ،
حرر الطاعن توكيلاً خاصًا لمحامٍ في 8/ 5/ 2002. وبجلسة المحكمة في 11/ 5/ 2002
حضر محامٍ عن المحامي الموكل وطلب التوقيع على العريضة، فأجابته إلى طلبه وقام
بالتوقيع على العريضة، فأحيل الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة مرة أخرى لإعداد تقريرها
في ضوء ما تقدم، فانتهت بتقريرها التكميلي إلى ذات رأيها السابق ببطلان عريضة
الطعن؛ لعدم جواز تصحيح هذا العيب.
ومن حيث إن مقطع النزاع
في الطعن الماثل هو مدى جواز قبول الطعون المقامة من أعضاء الهيئات القضائية أمام
المحكمة الإدارية العليا في أمور خاصة بهم، دون توقيع محامٍ مقبول أمام المحكمة
عليها، اكتفاءً بتوقيعها منهم شخصيًا.
ومن حيث إن المادة (25)
من قانون مجلس الدولة، الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، تنص على أن: "يقدم
الطلب إلى قلم كتاب المحكمة المختصة بعريضة موقعة من محامٍ مقيد بجدول المحامين
المقبولين أمام تلك المحكمة...".
وتنص المادة (44) من ذات
القانون في فقرتها الثانية على أن: "... ويقدم الطعن من ذوي الشأن بتقرير
يودع قلم كتاب المحكمة، موقع من محامٍ من المقبولين أمامها، ويجب أن يشتمل
التقرير، علاوة على البيانات العامة المتعلقة بأسماء الخصوم وصفاتهم وموطن كل
منهم، على بيان الحكم المطعون فيه، وتاريخه، وبيان الأسباب التي بني عليها الطعن،
وطلبات الطاعن. فإذا لم يحصل الطعن على هذا الوجه جاز الحكم ببطلانه...".
وتنص المادة (104) من ذات
القانون على أن: "تختص إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا دون غيرها بالفصل
في الطلبات التي يقدمها رجال مجلس الدولة بإلغاء القرارات الإدارية النهائية
المتعلقة بأي شأن من شئونهم، متى كان مبنى الطلب عيبًا في الشكل، أو مخالفة
القوانين واللوائح، أو خطأ في تطبيقها أو تأويلها، أو إساءة استعمال السلطة ...".
ومن حيث إن البين من
مطالعة النصوص المتقدمة أن المشرع كشف فيها عن المقومات الأساسية التي تنظم
إجراءات إقامة الدعاوى والطعون أمام محاكم مجلس الدولة بمختلف أنواعها ودرجاتها؛
بحسبانها إعمالاً لحق التقاضي الذي كفله الدستور، وبما يتمشى والطبيعة المتميزة
للمنازعة الإدارية التي يكون أحد أطرافها دومًا إحدى جهات الدولة، وبما يحقق
التوازن القانوني بين طرفي المنازعة، ويمكن المحكمة من ممارسة اختصاصها بالفصل في
المنازعة المقامة أمامها على النحو المحقق للعدالة. ومن هنا اشترط المشرع أن توقع
عريضة الدعوى أو الطعن من محامٍ مقيد بجدول المحامين المقبولين أمام المحكمة التي
تقام أمامها الدعوى أو الطعن؛ وذلك ضمانًا لتوفر الخبرة المناسبة في هذا الشأن،
والإلمام الكامل بالإجراءات أمام المحكمة المعنية. وهي الحكمة التي تغياها المشرع
في قانون المحاماة المنظم لهذه المهنة المعاونة للقضاء في أداء رسالته السامية،
عندما أنشأ جداول للقيد بها بحسب درجة كل محكمة، وبعد انقضاء مدة خبرة حددها، بما
يضمن تحقق الهدف المبتغى من درجات القيد.
وقد اختص المشرع المحكمة
الإدارية العليا؛ لكونها على قمة مدارج التنظيم القضائي لمجلس الدولة، وبما تحمله
من اختصاص، وما تصدره من أحكام لا معقب عليها - بحكم خاص، وهو جواز الحكم بالبطلان
إذا لم تأت عريضة الطعن أو الدعوى المقامة أمامها على الوجه الذي حدده نص القانون،
وجاءت خلوا من أي بيان اشترطه القانون، مثل توقيع محامٍ من المقبولين أمامها، ومن
ثم فإن اشتراط توقيع العريضة من محامٍ هو أمر جوهري، يترتب على مخالفته البطلان،
ويغدو متعينًا القضاء بذلك.
ومن حيث إنه تأكيدًا
للمبدأ المتقدم نصت المادة (58) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة
1983 على أن: " لا يجوز في غير المواد الجنائية التقرير بالطعن أمام محكمة
النقض أو المحكمة الإدارية العليا إلا من المحامين المقررين لديها، سواء كان ذلك
عن أنفسهم أو بالوكالة عن الغير. كما لا يجوز تقديم صحف الاستئناف أو تقديم صحف
الدعاوى أمام محكمة القضاء الإداري إلا إذا كانت موقعة من أحد المحامين المقررين
أمامها.
وكذلك لا يجوز تقديم صحف
الدعاوى وطلبات أوامر الأداء للمحاكم الابتدائية والإدارية إلا إذا كانت موقعة من
أحد المحامين المقررين أمامها على الأقل. ويقع باطلاً كل إجراء يتم بالمخالفة
لأحكام هذه المادة
".
وعلى ذلك يكون المشرع قد
قرر جزاء البطلان على عدم توقيع الصحف والعرائض من أحد المحامين المقبولين أمام
المحكمة المعنية، فالبطلان منصوص عليه في القانون (قانون مجلس الدولة وقانون
المحاماة)، وهذا إدراكًا من المشرع لأهمية أن تحرر العرائض والصحف بمعرفة محامٍ.
وإزاء صراحة هذه النصوص فإنه يضحى من غير الجائز والمقبول الانحراف عن صريح عبارات
النصوص واعتناق تفسير يناقض هذه العبارات الواضحة الجلية والقاطعة الدلالة على
المقصود منها؛ إذ لا اجتهاد مع صراحة النصوص في هذا الخصوص.
ومن حيث إنه سبق للمحكمة
الدستورية العليا أن قضت بجلستها المعقودة في 7/ 2/ 1998 في القضية رقم (24) لسنة
19 ق دستورية برفض الدعوى المقامة بعدم دستورية الفقرة الخامسة من المادة (58) من
قانون المحاماة المشار إليها، التي تقرر بطلان العريضة أو الصحيفة غير الموقعة من
محامٍ مقبول لدى المحكمة التي تقام أمامها الدعوى أو الطعن، أي أنه قُضي بدستورية
النص على البطلان في هذه الحالة؛ تأسيسًا على أن لكل مرحلة تبلغها الخصومة
القضائية قضاتها ومحاميها، فلا يتولون تبعاتها تباهيًا، وإنما باعتبارهم أمناء
عليها بما مارسوه قبلها من أعمال قانونية تزيد من نضجهم، وتعمق خبراتهم، وتهديهم
إلى الحقائق العلمية التي يقيمون بها الحق، فلا يظلمون. وما المحامون - وعلى ما
تقضي به المادة الأولى من قانون المحاماة - إلا شركاء للسلطة القضائية، يعينونها
على إيصال الحقوق لذويهم، بما يقيم لها ميزانها انتصافًا، فلا يكون اجتهادها
ونظرها فيها مظنونًا، بل واعيًا بصيرًا... كذلك فإن الحكم ببطلان هذه الصحيفة
لخلوها من توقيع تستكمل به أوضاعها الشكلية، ضمان مباشر لمصلحة موكليهم من جهة،
ولضرورة أن تتخذ الخصومة القضائية مسارًا طبيعيًا يؤمنها من عثراتها، فلا يتفرق
جهد قضاتها فيما هو زائد على متطلباتها من جهة، أو قاصر عن استيفاء جوانبها
وحوائجها من جهة ثانية. وحيث إن ما تقدم مؤداه أن نص المادة (58) المطعون عليها
يقع في نطاق السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في موضوع تنظيم الحقوق، بما لا
ينال من أصلها أو يقيد محتواها... ذلك أن الأصل في الأشكال التي يفرضها المشرع
للعمل الإجرائي أن يكون احترامها واجبًا، وإن كان النزول عليها يفترض أن لا يخل
التقيد بها بالأغراض التي توخاها المشرع منها، فلا يحكم بغير نص ببطلان الأعمال
الإجرائية التي تناقض هذه الأشكال، ولا ببطلانها - ولو نص عليه المشرع - إذا كان
إغفالها لا يناهض المصلحة التي قصد المشرع إلى بلوغها من وراء تقريرها. ومتى كان
ذلك، وكان النص المطعون فيه يتوخى أن تتوافر للخصومة القضائية عناصر جديتها من
خلال محامٍ يكون مهيأ لإعداد صحيفتها، وكانت مواعيد الطعن في الأحكام مقررة - في
بدايتها ونهايتها - بقواعد آمرة لا تجوز مخالفتها، فإن تقرير بطلان الصحيفة التي
لا يوقعها محامٍ مقبول أمام المحكمة المعنية، أو لا يصححها بالتوقيع عليها بعد
تقديمها إليها، وقبل انقضاء مواعيد الطعن في هذا الحكم، لا يكون منافيًا للدستور ".
ومن حيث إنه في ضوء ما
سلف فإن عدم توقيع صحف وعرائض الدعاوى أو الطعون أمام المحكمة الإدارية العليا من
محامٍ مقبول أمامها يترتب عليه البطلان؛ التزامًا بصراحة النصوص المتقدمة وتفسيرها
بما يحقق الاتساق والتناغم بين القوانين المعمول بها، التي تشكل في النهاية منظومة
قانونية تتكامل نصوصها وأحكامها ولا تتصادم، وذلك طبقًا للأصل العام.
ومن حيث إن المادة (104)
من قانون مجلس الدولة المشار إليها، التي اختصت إحدى دوائر المحكمة الإدارية
العليا بالفصل في الطلبات المقدمة من أعضاء مجلس الدولة لإلغاء أي من القرارات
المتعلقة بأي شأن من شئونهم الوظيفية، كذلك المادة (40 مكررًا) من القانون رقم 117
لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الإقليم المصري؛
والمادة (25 مكررًا) من قانون هيئة قضايا الدولة الصادر بالقانون رقم 75 لسنة
1963، وكلتاهما اختصت إحدى دوائر المحكمة الإدارية العليا بالفصل في الطلبات التي
يقدمها أعضاء كل من الهيئتين في أي شأن وظيفي؛ يتعين تطبيق أحكامها وتفسيرها في ضوء
ما انتهت إليه هذه الدائرة قبلاً من ضرورة توقيع العريضة المقدمة من أي عضو من هذه
الهيئات القضائية من محامٍ مقبول أمام المحكمة الإدارية العليا، وإلا غدت العريضة
باطلة؛ لأنه وإذا كان المشرع تقديرًا للوظيفة القضائية التي يشغلونها، وما لها من
توقير واحترام، جعل الفصل فيما يتعلق بشئونهم الوظيفية للمحكمة الإدارية العليا
التي تستوي على قمة التنظيم القضائي لمجلس الدولة، وذلك على درجة واحدة، استثناء
من الأصل العام في التقاضي، فإن هذا الاستثناء لا يتعين أن يتوسع فيه، شأنه شأن أي
استثناء، وذلك بمده ليشمل صحف الدعاوى التي يقيمونها أمام هذه المحكمة، بأن تكون
غير موقعة من محامٍ مقبول أمام المحكمة، اكتفاءً بتوقيعهم عليها، بمقولة إنه تتوفر
فيهم الخبرة الواسعة في العمل القانوني مما يمكنهم من إعداد وكتابة صحف دعاواهم
والتوقيع عليها، وتحقق الهدف المنشود من توقيع المحامي؛ ذلك أن هذا القول يتعارض
وصراحة النصوص على النحو السالف؛ فضلاً عن أنه يمايز بينهم ويبين نظائرهم من
القانونيين من غير أعضاء الهيئات القضائية دون سند من القانون، إذ لو أراد المشرع
ذلك الاستثناء لما أعوزه النص على ذلك صراحة، أسوة بما اتبعه في شأنهم بصدد الرسوم
القضائية عندما نص على إعفائهم منها. كما أنه يقيم عدم المساواة بين أعضاء الهيئات
بعضهم البعض؛ لأن العضو الحديث في بداية السلم الوظيفي أو الذي يطالب بالالتحاق
بإحدى الهيئات القضائية، لا تتوافر له الخبرة الواسعة والطويلة في العمل القانوني
والقضائي بما يمكنه من الكتابة إلى المحكمة الإدارية العليا بما لها من مكانة
عالية ينبغي الحفاظ عليها، ومن ثم تكون تفرقة غير مستساغة، حيث تقبل بعض صحف
الدعاوى وتبطل الصحف الأخرى بحسب الحالة الوظيفية لرافع الدعوى.
ومن حيث إنه لا ينال مما
انتهت إليه هذه الدائرة، من استلزام توقيع صحف الدعاوى المقامة من أعضاء مجلس
الدولة وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية أمام المحكمة الإدارية العليا في شأن
من شئونهم الوظيفية من محامٍ مقبول أمام تلك المحكمة، ولا يكتفي في هذا الشأن
بتوقيع أي من هؤلاء الأعضاء - ما ذهبت إليه الدائرة السابعة من هذه المحكمة في
حكمها الصادر بجلستها المعقودة في 14/ 1/ 2007 في الطعن رقم 21844 لسنة 51 ق. ع من
استهداء بما نصت عليه المادة (16) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر
بالقانون رقم 48 لسنة 1979 من أن: " تختص المحكمة دون غيرها بالفصل في
الطلبات الخاصة بالمرتبات والمكافآت والمعاشات بالنسبة لأعضاء المحكمة أو
المستحقين عنهم. كما تختص بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية النهائية
المتعلقة بأي شأن من شئونهم، وكذلك طلبات التعويض المترتبة على هذه القرارات.
واستثناء من أحكام المادة (34) يوقع على الطلبات المشار إليها في الفقرتين
السابقتين من صاحب الشأن "؛ إذ إن هذا النص ورد على سبيل الاستثناء - طبقًا
لصراحة نصه على ذلك - مما استلزمته المادة (34) من قانون المحكمة التي أوجبت أن
تكون الطلبات وصحف الدعاوى التي تقدم إلى المحكمة الدستورية العليا موقعًا عليها
من محامٍ مقبول أمامها، فإذا كان هذا استثناء ورد بنص خاص بأعضاء المحكمة
الدستورية العليا، فلا يسوغ تطبيقه أو الاستدلال به بالنسبة إلى أعضاء مجلس الدولة
وهيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية، وقد خلت القوانين المنظمة لشئونهم من تقرير
استثناء مثيل يقرر لهم مثل ذلك الحكم. كما يصدق ذات القول أيضًا على الاستشهاد
بالمادة (85) من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972 عندما
جرى نصها: " يباشر المدعي جميع الإجراءات أمام الدائرة بنفسه ..."،
وبالأحرى فإن هذين النصين، وقد جاءا استثناء من القواعد العامة، لا يجوز القياس
عليهما أو الاستدلال بهما أمام صراحة نصوص أخرى لم تتضمن مثل هذا الاستثناء.
ومن حيث إنه بناء على ما
تقدم فإنه يكون من المتعين العدول عن المبدأ الذي قضى به في الطعن رقم 21844 لسنة
51 ق. ع، والقضاء ببطلان عرائض الدعاوى المقامة من أعضاء الهيئات القضائية أمام
المحكمة الإدارية العليا دون توقيع محامٍ مقبول أمامها.
ومن حيث إنه ولئن كان عدم
توقيع عريضة الطعن أو الدعوى المقامة أمام المحكمة الإدارية العليا من محامٍ مقبول
أمامها يصمها بالبطلان، بيد أنه يجوز تصحيح هذا البطلان إذا ما تم توقيع المحامي
على العريضة خلال المواعيد المحددة للطعن؛ على ما قضت به المحكمة الدستورية في
حكمها السالف. أما إذا تم هذا التوقيع بعد انقضاء هذه المواعيد، فإنه لا يصحح ما
لحق العريضة من بطلان وتظل مشوبة به، وفق ما جاء بحكم المحكمة الدستورية المشار
إليه والقضاء السابق لهذه المحكمة.
ومن حيث إنه لما كان
الطعن الماثل صالحًا للحكم فيه، فلا تثريب على هذه الدائرة أن تنزل عليه حكم
القانون وتعمل في شأنه ما انتهت إليه من تطبيق صحيح لأحكام القانون، وذلك على ما
اطّرد عليه قضاء هذه الدائرة.
ومن حيث إن الثابت من
أوراق الطعن أن الطاعن قد أودع في 14/ 11/ 2000 تقريرًا بالطعن على قرار رئيس
الجمهورية الرقيم 300 لسنة 2000 فيما تضمنه من تخطيه في التعيين في وظيفة (مندوب
مساعد) بمجلس الدولة، مع ما يترتب على ذلك من آثار. وكان هذا التقرير بالطعن
موقعًا منه وغير موقعٍ من محامٍ مقبول أمام هذه المحكمة، على خلاف ما تقضي به المادة
(44) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، وطبقًا لما انتهت
إليه هذه المحكمة قبلاً من ترتيب جزاء البطلان في هذه الحالة، نزولاً على صراحة
النصوص القانونية على النحو السالف بيانه؛ فإنه يتعين القضاء ببطلان عريضة الطعن.
ولا ينال من ذلك أن عريضة
الطعن قد تم التوقيع عليها من محامٍ إبان نظر الطعن أمام المحكمة بجلستها المعقودة
في 11/ 5/ 2002؛ لأن هذا التوقيع لا يصحح ما لحق العريضة من بطلان؛ لتمامه بعد
انقضاء مواعيد الطعن، ومن ثم فلا ينتج أي أثر في هذا الخصوص.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة:
(أولاً) ببطلان عرائض
الدعاوى والطعون المقامة من أعضاء الهيئات القضائية دون توقيع محامٍ من المقبولين
أمام المحكمة الإدارية العليا عليها.
(ثانيًا) بجواز تصحيح هذا
البطلان بتوقيع العريضة من محامٍ خلال المواعيد المقررة للطعن.
(ثالثًا) في شأن الطعن رقم
2190 لسنة 47 ق. ع، ببطلان عريضة الطعن للتوقيع عليها بعد المواعيد المقررة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق