جلسة 5 من يناير سنة 1976
برياسة السيد المستشار
محمد عبد المنعم حمزاوي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ فاروق محمود
سيف النصر، وإسماعيل محمود حفيظ، ومحمد صفوت القاضي، والسيد إبراهيم عيد.
--------------
(3)
الطعن رقم 1289 لسنة 45
"القضائية"
(1و2 و3) إثبات "بوجه عام. شهادة". بطلان.
تفتيش "بطلان التفتيش". دفوع "الدفع ببطلان التفتيش". مراقبة
تليفونية. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل"
(1)بطلان إذني المراقبة والتفتيش. لا يحول دون الأخذ بعناصر الإثبات
الأخرى المستقلة عنهما.
(2)تقدير أقوال متهم على آخر. وتحديد صلتها بتفتيش باطل. موضوعي.
(3) بطلان التفتيش. أثره
استبعاد الأدلة المستمدة منه فحسب.
(4،5) إثبات "بوجه عام.
شهادة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
قول متهم على آخر. حقيقته
شهادة. للمحكمة التعويل عليها.
(5)كفاية إيراد مضمون أقوال الشاهد.
حق المحكمة في إسقاط بعض
أقوال الشاهد. شرطه. عدم تغيير فحوى شهادته أو تحريفها أساس ذلك ؟ سلطتها في تجزئة
الدليل
(6)نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اتصال وجه الطعن بشخص
الطاعن. شرط لقبوله.
---------------
1 - لما كان الحكم بعد أن
انتهى إلى قبول الدفع المبدى من الطاعنة ببطلان إذني المراقبة والتفتيش عرض لأقوال
المتهمة الثانية في تحقيقات النيابة واعتبرها دليلا قائما بذاته مستقلا عن واقعتي
المراقبة والتفتيش الباطلين واعتمد عليها في قضائه بإدانة الطاعنة - وهو معيب في ذلك
- إذ أن بطلان إذني المراقبة والتفتيش لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات
الأخرى المستقلة عنهما والمؤدية إلى النتيجة التي أسفرت عنها المراقبة والتفتيش
ومن هذه العناصر أقوال المتهمة الثانية في حق الطاعنة بمحضر تحقيق النيابة اللاحق
لإجراء التفتيش. كما لا يمنع المحكمة من الاعتماد على ما جاء بمحضر التحريات
السابق على المراقبة والتفتيش الباطلين.
2 - من المقرر أن تقدير
الأقوال التي تصدر من متهم على آخر إثر تفتيش باطل وتحديد صلة هذه الأقوال بواقعة
التفتيش وما ينتج عنها هو من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف
الدعوى بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال صدرت منه صحيحة غير متأثر فيها بهذا الإجراء
الباطل. جاز لها الأخذ بها.
3 - إن كل ما يقتضيه
بطلان التفتيش هو استبعاد الأدلة المستمدة منه لا الوقائع التي حدثت يوم إجرائه.
فإذا كانت المحكمة قد أقامت الدليل على وقوع الجريمة من أدلة أخرى لا شأن للتفتيش
الباطل بها وكان الإثبات بمقتضاها صحيحا لا شائبة فيه، فإن منعى الطاعنة في هذا
الشأن لا يكون له محل.
4 - قول متهم على آخر هو
في حقيقة الأمر شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليها في الإدانة.
5 - من المقرر أنه لا
يلزم قانونا إيراد النص الكامل لأقوال الشاهد الذى اعتمد عليها الحكم بل يكفى أن
يورد مضمونها ولا يقبل النعي على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما
أوردته منها وعولت عليه ما يعنى أنها أطرحت ما لم يشر إليه منها للمحكمة من حرية
في تجزئة الدليل والأخذ بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به - ما دام
أنها قد أحاطت بأقوال الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ
لها بما يحيلها عن معناها أو يحرفها عن مواضعها.
6 - الأصل أنه لا يقبل من
أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلا منها بشخص الطاعن.
الوقائع:
اتهمت النيابة العامة
الطاعنة وأخريات بأنهن في يوم 8 من ديسمبر سنة 1972 بدائرة قسم مصر الجديدة محافظة
القاهرة: المتهمة الأولى (الطاعنة) أولا: أدارت مسكنها للدعارة. ثانيا: حرضت المتهمين
الثانية والثالثة على ارتكاب الدعارة مع الرجال على النحو المبين بالأوراق. ثالثا:
سهلت للمتهمين الثانية والثالثة ارتكاب الدعارة مع الرجال بدون تمييز. رابعا:
استغلت بغاء المتهمين سالفتي الذكر. المتهمين الثانية والثالثة: اعتادتا ممارسة
الدعارة مع الرجال بدون تمييز على النحو المبين بالأوراق. وطلبت عقابهن بالمواد 1/
1 و6 و8 و9/ ج و10 و15 من القانون رقم 10 لسنة 1961. ومحكمة مصر الجديدة الجزئية
قضت في الدعوى حضوريا اعتباريا للثانية وحضوريا للأولى والثالثة عملا بمواد
الاتهام. أولا: بقبول الدفع ببطلان إذني المراقبة والتفتيش وما ترتب عليهما من
إجراءات. ثانيا: بحبس المتهمة الأولى ثلاث سنوات مع الشغل وتغريمها ثلاثمائة جنيه
وكفالة مائة جنيه لوقف التنفيذ وذلك عن التهم المسندة إليهما. ثالثا: بحبس كل من
الثانية والثالثة مدة سنة واحدة مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ وأمرت
بالغلق والمصادرة للأمتعة والأثاث الموجود بمكان الضبط. فاستأنفت كل من الأولى
والثالثة الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت في الدعوى
حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والاكتفاء بحبس
المتهمة الأولى سنة واحدة مع الشغل وتغريمها مائة جنيه وتغريم المتهمة الثانية
خمسة وعشرون جنيها وتأييد الحكم المستأنف فيما عدا ذلك. فطعن الأستاذ ... عن
المحكوم عليها الأولى في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن أن
الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنة بجرائم إدارة مسكنها للدعارة والتحريض والتسهيل
على ارتكابها واستغلال البغاء قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه الفساد في الاستدلال
والقصور في التسبيب، ذلك بأنه بعد أن انتهى إلى بطلان إذنى المراقبة والتفتيش وما
ترتب عليهما من إجراءات عاد وعول في إدانتها على ما تقدمهما من تحريات وما لحقهما
من أقوال للمتهمة الثانية أمام النيابة العامة رغم أنها لا تخرج عن أن تكون تقريرا
لما كشفت عنه الإجراءات الباطلة وتأكيدا له، ودانها عن واقعة غير التى وردت بأمر
الإحالة إذ حدد يوم الضبط تاريخا لما أسند إليها من جرائم في حين أنه وقد قضى
ببطلان التفتيش يكون قد استبعد وقوع الأفعال المؤثمة في ذلك اليوم، واعتبر ما صدر
من الطاعنة اعترافا مع أنه لا يعدو أن يكون حديثا عن واقعة لا يؤثمها القانون،
واستدل على ثبوت الاتهام قبلها بحسن العلاقة بينها وبين المتهمة الثانية مع أن
الدعارة لم تكن قوامه، وأغفل في تحصيله لأقوال المتهمة الثانية ما قررته من أن
الطاعنة إذ استدعتها لمسكنها يوم 6 ديسمبر سنة 1972 لم تخبرها بأنها على موعد مع
أحد الرجال لارتكاب الفاحشة معه، هذا إلى أن الحكم جاء قاصرا في بيانه لأركان
الجرائم التى دانها بها وخاصة ركن الاعتياد كما لم يدلل على توافره في حق المتهمة
الثالثة حين دانها بجريمة ممارسة الدعارة ولم يبين كيف أن مجرد ضبطها مع الشاهد
بغرفة النوم والضوء خافت ينبئ عن اقترافها الفحشاء معه، كما خلا من الإشارة إلى نص
القانون الذى دان الطاعنة بمقتضاه - وذلك كله مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي
- المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه - بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة
العناصر القانونية للجرائم التي دان بها الطاعنة بها وأورد على ثبوتها في حقها
أدلة سائغة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم
بعد أن انتهى إلى قبول الدفع المبدى من الطاعنة ببطلان إذني المراقبة والتفتيش عرض
لأقوال المتهمة الثانية في تحقيقات النيابة واعتبرها دليلا قائما بذاته مستقلا عن واقعتي
المراقبة والتفتيش الباطلين واعتمد عليها في قضائه بإدانة الطاعنة - وهو مصيب في ذلك
- إذ أن بطلان إذني المراقبة والتفتيش لا يحول دون أخذ القاضي بجميع عناصر الإثبات
الأخرى المستقلة عنهما والمؤدية إلى النتيجة التي أسفرت عنها المراقبة والتفتيش
ومن هذه العناصر أقوال المتهمة الثانية في حق الطاعنة بمحضر تحقيق النيابة اللاحق
لإجراء التفتيش، كما لا يمنع المحكمة من الاعتماد على ما جاء بمحضر التحريات
السابق على المراقبة والتفتيش الباطلين فيما نمى من إلى رجال الضبط من معلومات لا
تتصل بهم، لما كان ذلك، وكان تقدير الأقوال التي تصدر من متهم على آخر أثر تفتيش
باطل وتحديد مدى صلة هذه الأقوال بواقعة التفتيش وما ينتج عنها هو من شئون محكمة
الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال صدرت
منه صحيحة غير متأثر فيها بهذا الإجراء الباطل - كما هو الشأن في الدعوى المطروحة
- جاز لها الأخذ به، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الصدد يكون غير سديد. لما
كان ذلك، وكان كل ما يقتضيه بطلان التفتيش هو استبعاد الأدلة المستمدة منه لا
الوقائع التي حدثت يوم إجرائه، وإذا كانت المحكمة قد أقامت الدليل على وقوعها من
أدلة أخرى لا شأن للتفتيش الباطل به، وكان الإثبات بمقتضاها صحيحا لا شائبة فيه،
فإن منعى الطاعنة في هذا الشأن لا يكون له محل - لما كان ذلك، وكان إقرار الطاعنة
بسبق سماحها لسيدتين بارتكاب الفحشاء في مسكنها منذ سنتين وإن كان لا يعد اعترافا
بالجرائم التي أدينت بها إلا أنه يتضمن في الوقت ذاته إقرارا منها بهذه الواقعة،
ومن ثم فإن خطأ المحكمة في تسمية هذا الإقرار اعترافا لا يقدح في سلامة حكمها
طالما أن ذلك الإقرار قد تضمن قرينة تعزز الأدلة الأخرى وما دامت المحكمة لم ترتب
عليه وحده الأثر القانوني للاعتراف وهو الاكتفاء به والحكم على الطاعنة بغير سماع
شهود. لما كان ذلك، وكان ما ساقه الحكم - من استقبال الطاعنة للمتهمة الثانية
بمسكنها وقضائهما سويا وقت طيبا وإقراضها مبلغا من المال - تدليلا على حسن العلاقة
بينهما مما تنتفى معه مظنة تجنى المتهمة الثانية عليها - سليما وسائغا ويؤدى
منطقيا إلى ما انتهى إليه - لما كان ذلك، وكان قول متهم على آخر هو في حقيقة الأمر
شهادة يسوغ للمحكمة أن تعول عليهما في الإدانة، وكان لا يلزم قانونا إيراد النص
الكامل لأقوال الشاهد الذى اعتمد عليه الحكم بل يكفى أن يورد مضمونها ولا يقبل النعي
على المحكمة إسقاطها بعض أقوال الشاهد لأن فيما أوردته منها وعولت عليه ما يعنى
أنها أطرحت ما لم تشر إليه منها لما للمحكمة من حرية في تجزئة الدليل والأخذ منه
بما ترتاح إليه والالتفات عما لا ترى الأخذ به - ما دام أنها قد أحاطت بأقوال
الشاهد ومارست سلطتها في تجزئتها بغير بتر لفحواها أو مسخ لها بما يحيلها عن
معناها أو يحرفها عن مواضعها كما هو الحال في الدعوى المطروحة، ومن ثم فإن ما
تنعاه الطاعنة في هذا الصدد يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان يبين من الحكم
أنه أثبت في حق الطاعنة - بأدلة لها معينها الصحيح ومن شأنها أن تؤدى إلى النتيجة التي
انتهى إليها - أنها أدارت مسكنها للدعارة ودأبت على تحريض المتهمتين الثانية
والثالثة على ارتكابها وقدمتها بمسكنها إلى طالبي المتعة لارتكاب الفحشاء معهما
لقاء أجر تتقاضاه، وكان الحكم قد استظهر ركن العادة بالنسبة إلى جريمة إدارة
المسكن للدعارة بما استخلصه من أقوال المتهمة الثانية من أن الطاعنة استقبلتها
بمسكنها عدة مرات لتمارس الفحشاء مع آخرين لقاء ثلاثة جنيهات لها وجنيهين للطاعنة
وأنها تسهل دعارتها وأخريات منهن المتهمة الثالثة، وبما جاء بمحضر التحريات السابق
على إذن المراقبة، ومن إقرار الطاعنة بسبق تسهيلها دعارة سيدتين بمنزلها منذ
سنتين. لما كان ذلك، وكان القانون لا يستلزم لثبوت ركن الاعتياد طريقا معينة من
طرق الإثبات، وكان ما أورده الحكم كافيا في بيان واقعة الدعوى وظروفها بما تتوافر
به العناصر القانونية لجرائم إدارة محل للدعارة والتحريض والتسهيل على ارتكابها
واستغلال البغاء التي دان الطاعنة بها ومن ثم يضحى النعي على الحكم في هذا الصدد
غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما تنعاه الطاعنة على الحكم من إدانته للمتهمة
الثالثة بجريمة ممارسة الدعارة لمجرد وجودها مع الرجل الذى كان معها بغرفة النوم
وقت الضبط والضوء خافت وعدم استظهاره لركن الاعتياد - مردود بأن الأصل أنه لا يقبل
من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلا منها بشخص الطاعن، ولما كان منعى
الطاعنة - في هذا الخصوص لا يتصل بشخصها ولا مصلحة لها فيه - بل يختص بالمتهمة
الثالثة التي لم تطعن على الحكم - ومن ثم فلا يقبل من الطاعنة ما تثيره في هذا
المعنى. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وإن جاء خاليا في صلبه من ذكر المواد
التي طبقتها المحكمة إلا أنه قضى بتأييد الحكم الابتدائي وإذا كان الحكم الابتدائي
قد سجل في صلبه أنه يطبق على المتهمة - الطاعنة - المواد التي طلبتها النيابة والتي
أشار إليها في صدر أسبابه، فإن ذلك يكفى بيانا لمواد القانون التي عاقب المتهمة
بمقتضاها. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق