الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 29 نوفمبر 2018

الطعن 1283 لسنة 49 ق جلسة 30 / 12 / 1979 مكتب فني 30 ق 214 ص 994


برياسة السيد المستشار/ محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: أحمد فؤاد جنينه، ومحمد حلمي راغب، وجمال الدين منصور، ومحمد محمود عمر.
-------
- 1 قتل " قتل عمد".
قصد القتل. أمر خفي. استظهاره. موضوعي. إصابة المجني عليه في غير مقتل. لا يترتب عليها قانونا. عدم توافر نية القتل.
من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه كما أن استخلاص هذه النية في عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وإن إصابة المجني عليه في غير مقتل لا تنتفي معه قانونا توفر نية القتل.
- 2  ترصد . سبق اصرار
تقدير توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد. موضوعي.
من المقرر أن البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج، فإن ما أورده الحكم - يتحقق به ظرفا سبق الإصرار والترصد على النحو المعرف قانونا ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد.
- 3  فاعل اصلى . قتل " قتل عمد". مسئولية " مسئولية جنائية".
استظهار الحكم اتفاق المتهمين على القتل من معيتهم في الزمان والمكان ونوع الصلة بينهم وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعا وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلا منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها كفايته لمساءلة كل منهم كفاعل أصلي .
لما كان ما أثبته الحكم كافيا بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على القتل من معيتهم في الزمان والمكان، ونوع الصلة بينهم، وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعا وجهة واحدة في تنفيذها وإن كلا منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها، مما يرتب بينهم في صحيح القانون تضامنا في المسئولية الجنائية ومن ثم فإن كلاً منهم يكون مسئولاً عن جريمة القتل العمد المقترن بجناية الشروع في القتل التي وقعت تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه باعتبارهم فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات.
- 4  قتل " قتل عمد". نقض " اسباب الطعن. ما لا يقبل من الأسباب".
استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها، وقيام المصاحبة الزمنية بينهما بأن تكون الجنايتان قد ارتكبتا في وقت واحد أو في فترة قصيرة من الزمن. يتحقق به حكم المادة 2/234 عقوبات.
لما كان ما يثيره الطاعنون من نعي على الحكم في خصوص عدم توافر ظرف الاقتران مردوداً بأنه يكفي لتغليظ العقاب عملاً بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما وأن تكون الجنايتان قد ارتكبا في وقت واحد أو في فترة قصيرة من الزمن، وتقدير ذلك ما يستقل به قاضي الموضوع، فمتى قدر الحكم قيام رابطة المصاحبة الزمنية هذه لا تجوز إثارة الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.
- 5  إثبات " اعتراف".
تقدير صحة الاعتراف وقيمته في الاثبات من سلطة محكمة الموضوع حقها في الأخذ به متى اطمأنت إلى صدقه .
من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه، ومتى تحققت بأن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ بما لا معقب عليها.
- 6 إثبات " خبرة". مسئولية " مسئولية جنائية".
سلطة المحكمة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى . عدم التزامها بإعادة المهمة إلى ذات الخبير أو بإعادة مناقشته . مثال لرد سائغ على الدفع بانعدام المسئولية بسبب مرض نفسي .
متى كان ما أورده الحكم يستقيم به إطراح دفاع الطاعن ذلك بأنه انتهى في قضاء سليم لا مخالفة فيه للقانون إلى أن المرض الذي يدعيه الطاعن على فرض ثبوته لا يؤثر على سلامة عقله وصحة إدراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن الفعل الذي وقع منه. وكان من المقرر أن للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة أمامها، وأنها الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها، وهي في ذلك ليست ملزمة بإعادة المهمة إلى الخبير أو بإعادة مناقشته ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون وهو الأمر الذي لم يخطئ الحكم المطعون فيه في تقديره، وكانت المحكمة قد كونت عقيدتها مما اطمأنت إليه من أدلة وعناصر في الدعوى سائغة ولها مأخذها الصحيح من الأوراق، وكان تقدير أدلة الدعوى من أطلاقاتها فإن ما يثيره الطاعنون ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.
- 7  دعوى " دعوى مدنية. نظرها والحكم فيها". نقض " اجراءات الطعن . الصفة والمصلحة في الطعن". دعوى " دعوي مدنية . الصفة والمصلحة فيها".
عدم جواز المنازعة في صفة المدعي المدني لأول مرة أمام محكمة النقض .
لما كان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن أحدا من الطاعنين قد نازع في صفة المدعين بالحقوق المدنية أمام محكمة الموضوع، فإنه لا يقبل الحديث عن هذه الصفة لأول مرة أمام محكمة النقض لانطوائه على منازعة تستدعي تحقيقا موضوعيا.
- 8  تعويض . دعوى " دعوى مدنية . نظرها والحكم فيها".
التضامن في التعويض بين الفاعلين الذين أسهموا في إحداث الضرر واجب بنص القانون ما دام قد ثبت اتحاد الفكرة والإرادة لديهم وقت الحادث على إيقاع الضرر بالمجني عليهم .
من المقرر أن التضامن في التعويض بين الفاعلين الذين أسهموا في إحداث الضرر واجب بنص القانون ما دام قد ثبت اتحاد الفكرة والإرادة لديهم وقت الحادث على إيقاع الضرر بالمجني عليهم.
------------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم قتلوا عمدا .... مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتوا النية على قتلة وأعدوا لذلك أداة حادة (بلطة) وترصدوه في الطريق الموصل إلى سوق البلدة والذي أيقنوا مروره فيه في مثل هذا الوقت من النهار حتى إذا ما ظفروا به اعتدى عليه المتهم الأول بأن ضربه بالبلطة في رأسه قاصدا من ذلك قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهم في نفس المكان والزمان سالفي الذكر شرعوا عمدا مع سبق الإصرار والترصد في قتل كل من .... و... ... بأن بيتوا النية على قتلهما وعقدوا العزم المصمم على ذلك وأعدوا لذلك الأدوات سالفة الذكر وكمنوا لهما في الطريق الذي أيقنوا مرورهما فيه وما إن ظفروا بهما حتى فاجؤوهما بالاعتداء عليهما على النحو المبين بالتحقيقات وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو فرار المجني عليهما ومداركتهما بالعلاج. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، فقرر ذلك. وادعى ورثة المجني عليه مدنيا قبل المتهم بمبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض. كما ادعى المجني عليه مدنيا قبل المتهمين بمبلغ خمسة ألاف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضوريا عملا بالمواد 45، 46، 230، 231، 232، 234 من قانون العقوبات بمعاقبة الطاعن الأول بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وبمعاقبة كل من الطاعنين الآخرين بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وبإلزام المتهمين متضامنين بأن يدفعوا إلى المدعيتين ... ...، ... ... مبلغ خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض وأن يدفعوا متضامنين إلى المدعي بالحق المدني مبلغ مائتي جنيه على سبيل التعويض النهائي. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
-----------
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة القتل العمد من سبق الإصرار والترصد المقترن بجنايتي شروع في قتل مع سبق الإصرار والترصد. قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وخطأ في تطبيق القانون وإخلال بحق الدفاع وبطلان في الإجراءات، ذلك بأنه لم يدلل على توافر نية القتل في حق كل من الطاعنين - تدليلاً كافياً - مع أن إصابات المجني عليهما .... و..... مجرد جروح بسيطة ليست في مقتل، كما أنه استدل على توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد بما لا يسوغ به توافرهما، مما كان يقتضي استبعاد هذين الظرفين وبالتالي انتفاء المسئولية التضامنية للطاعنين ليكون كل منهم مسئولا عن فعله وحده بما يغير وجه الرأي في الدعوى، كما أن الحكم آخذ الطاعنين بحكم الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات على الرغم من عدم توافر ظرف الاقتران في الواقعة إذ أن الجرائم المسندة إلى الطاعنين يجمعها سلوك إجرامي وقصد جنائي واحد بما يخضعها لحكم الفقرة الثانية من المادة ... من قانون العقوبات، هذا إلى أن الدفاع تمسك ببطلان اعتراف الطاعن الثالث لأنه جاء وليد إكراه ودفع بعدم مسئوليته عن الحادث لإصابته بمرض عقلي يعفيه من العقاب، وطلب مناقشة الطبيب الشرعي فيما انتهى إليه تقريره في هذا الشأن، بيد أن المحكمة التفتت عن هذا الدفاع ولم تستجب لهذا الطلب - وأخيراً فقد قضت المحكمة في الدعوى المدنية دون أن تتحقق من صفة المدعين بالحقوق المدنية وألزمت الطاعنين متضامنين بتعويض الضرر بغير سند لهذا التضامن، كل ذلك مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد المقترن بجناية شروع في قتل مع سبق الإصرار والترصد التي دان الطاعنين بها، وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، وكانت إصابة المجني عليه في غير مقتل لا تنتفي معه قانوناً توفر نية القتل، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل بقوله "وحيث إنه عن قصد القتل فهو متوافر في حق المتهمين من استعمال آلات قاتلة "بلط" واستهدافهم مقاتل المجني عليهم وتعدد الضربات بالنسبة للمجني عليه .... كما ورد في التحقيقات على لسان الشاهدين ....، ..... أن المتهم الأول .... طلب من باقي المتهمين الإجهاز على باقي المجني عليهم لأنه أجهز على المجني عليه ...، وإذ كان ما أورده الحكم على النحو المتقدم كافياً وسائغاً في التدليل على ثبوت نية القتل لدى الطاعنين فإنه لا محل للنعي عليه في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لظرفي سبق الإصرار والترصد وكشف عن توافرهما في قوله: "وحيث إنه عن ظرف سبق الإصرار فهو قائم في حق المتهمين من أقوال شهود الإثبات الذين تطمئن المحكمة إلى أقوالهم - بقيامهم بإعداد وسيلة الجريمة وتجهيز البندقية التي أطلقت على المجني عليه .... ولكنها كذبت ثم قيامهم بالاعتداء على المجني عليه بالبلط وعلمهم بتوجه المجني عليهم للسوق ولذلك عقدوا العزم على الاعتداء على المجني عليهم في هدوء وروية لما في صدورهم من حقد وضغينة بسبب اتهام المجني عليه .... بقتل .... واستمرار المنازعات بينهم - وحيث إن ظرف الترصد فهو قائم في حق المتهمين وذلك لتربصهم للمجني عليهم أثناء ذهابهم إلى السوق في الطريق الذي أيقنوا أنهم سيمرون منه لبيعهم البقرة وذلك وفقاً لما جاء بأقوال الشهود سالفي الذكر الذي تطمئن إليها هذه المحكمة كل الاطمئنان والانتظار فترة من الزمن حتى قدم المجني عليهم وما أن مر المجني عليهم من ذلك المكان حتى قام المتهمون بالاعتداء عليهم". وكان من المقرر أن البحث في توافر ظرفي سبق الإصرار والترصد من إطلاقات قاضي الموضوع يستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا يتنافر عقلا مع ذلك الاستنتاج، فإن ما أورده الحكم - فيما سلف - يتحقق به ظرفا سبق الإصرار والترصد على النحو المعرف قانوناً ويكون النعي على الحكم في هذا الشأن غير سديد. لما كان ذلك، وكان ما انتهى الحكم - فيما تقدم - كافياً بذاته للتدليل على اتفاق المتهمين على القتل، من معيتهم في الزمان والمكان، ونوع الصلة بينهم، وصدور الجريمة عن باعث واحد واتجاههم جميعاً وجهة واحدة في تنفيذها وأن كلا منهم قصد قصد الآخر في إيقاعها، مما يرتب بينهم في صحيح القانون تضامناً في المسئولية الجنائية ومن ثم فإن كلا منهم يكون مسئولاً عن جريمتي القتل العمد المقترن بجناية الشروع في القتل التي وقعت تنفيذاً لقصدهم المشترك الذي بيتوا النية عليه باعتبارهم فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعنون من نعي على الحكم في خصوص عدم توافر ظرف الاقتران مردوداً بأنه يكفي لتغليظ العقاب عملا بالفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات أن يثبت الحكم استقلال الجريمة المقترنة عن جناية القتل وتميزها عنها وقيام المصاحبة الزمنية بينهما وأن تكون الجنايتان قد ارتكبتا في وقت واحد أو في فترة قصيرة من الزمن، وتقدير ذلك مما يستقل به قاضي الموضوع. فمتى قدر الحكم قيام رابطة المعاصرة الزمنية هذه لا تجوز إثارة الجدل في ذلك أمام محكمة النقض، وإذ كان الثابت من مدونات الحكم أنه تحدث عن توافر ظرف الاقتران في قوله: "وحيث إنه عن ظرف الاقتران فإن الثابت من الأوراق ومن أقوال الشهود سالفي الذكر وفق ما سلف البيان أن المتهمين قد قتلوا المجني عليه .... مع سبق الإصرار والترصد وأعدوا لذلك آلات حادة "بلط" واعتدى عليه المتهم الأول .... بأن ضربه بالبلطة على رأسه قاصداً من ذلك قتله وأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت الجناية بجناية أخرى هي أن المتهمين شرعوا في قتل كل من المجني عليهما السيد .... و.......، وأن هذه الجناية مستقلة عن الجناية السابقة وقد ارتكبتا في فترة قصيرة من الزمن والرابطة الزمنية موجودة بين الجريمتين وأن الجريمتين في مسرح واحد وارتكبت كل جريمة بفعل مستقل تكونت منها جناية قائمة بذاتها. وقد جمعتها رابطة زمنية بما يتحقق من الاقتران المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 234 عقوبات". فإن ما ذهب إليه الحكم من ذلك صحيح في القانون ويتحقق به معنى الاقتران المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 234 من قانون العقوبات، فضلا عن أنه لما كانت العقوبة الموقعة على الطاعنين - وهي الأشغال المؤقتة - تدخل في الحدود المقررة لجناية القتل مجردة عن أي ظرف مشدد فلا مصلحة للطاعنين فيما أثاروه من تخلف ظرفي سبق الإصرار والترصد أو ظرف الاقتران. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الاعتراف في المسائل الجنائية من العناصر التي تملك محكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير صحتها وقيمتها في الإثبات ولها دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد انتزع منه بطريق الإكراه ومتى تحقق أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بما لا معقب عليها، وكان الحكم قد عرض لما دفع به المدافع عن الطاعنين من بطلان اعتراف الطاعن الثالث لأنه كان وليد إكراه ورد عليه بقوله "وحيث إن المحكمة لا ترى أن هناك إكراه قد وقع على المتهم الثالث للإدلاء بهذه الأقوال لأن المحكمة تطمئن إلى ما قرره هذا المتهم من أن اعترافاته لم يملها عليه أحد وكما قرر أن الإصابة التي حدثت به من دفوعه من على دابته وبذلك ترى المحكمة أنه لم يكن ثمة إكراه أو تعذيب وقع عليه للإدلاء باعترافاته والتي لم تأخذ منها المحكمة سوى تواجده هو والمتهم الثاني ... على مسرح الجريمة". وكانت المحكمة بما أوردته فيما سلف قد أفصحت عن اطمئنانها إلى أن اعتراف الطاعن الثالث إنما كان من طواعية واختيار ولم يكن نتيجة أي إكراه، فإن النعي عليه بأنه وليد إكراه يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الحكم قد انتهى إلى رفض الدفع بعدم مسئولية الطاعن الثالث في قوله "وحيث إن المحكمة ترى أنه بالنسبة لمسئولية المتهم ... فإنه من المقرر أن الحالات النفسية ليست في الأصل من موانع العقاب كالجنون والعاهة في العقل اللذين يجعلان الجاني فاقد الشعور والاختيار في عمله وقت ارتكاب الجريمة وفقاً لنص المادة 62 من قانون العقوبات وأن المرض العقلي الذي يوصف بأنه جنون أو عاهة في العقل وتنعدم به المسئولية الجنائية قانوناً هو ذلك المرض الذي من شانه أن يعدم الشعور والإدراك أما سائر الأمراض والأحوال النفسية التي لا تفقد الشخص شعوره وإدراكه فلا تعد سبباً لانعدام المسئولية، وتطمئن المحكمة كل الاطمئنان إلى ما ورد في التقرير الطبي الذي توقع على المتهم ... بتاريخ 15/11/1976 وما جاء في نتيجة من أن هذا المتهم لم يكن يعاني من المرض العقلي إبان الحادث الذي تم في 8/9/1974 وأنه يعتبر مسئول في القضية موضوع التحقيق ومن ثم تلتفت عما أثاره الدفاع في هذا الشأن من طلب مناقشة الطبيب الشرعي في مدى مسئولية المتهم كما تلتفت عما قدمه المتهم من كشوف طبية في هذا الشأن وترى المحكمة أن المتهم وفق ما تقدم مسئول مسئولية كاملة عن فعله". ولما كان ما أورده الحكم فيما سلف يستقيم به إطراح دفاع الطاعن ذلك بأنه انتهى في قضاء سليم لا مخالفة فيه للقانون إلى أن نوع المرض الذي يدعيه الطاعن - على فرض ثبوته - لا يؤثر في سلامة عقله وصحة إدراكه وتتوافر معه مسئوليته الجنائية عن الفعل الذي وقع منه. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن للمحكمة كامل السلطة في تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة أمامها، وأنها الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها أو بالاستعانة بخبير يخضع رأيه لتقديرها، وهي في ذلك ليست ملزمة بإعادة المهمة إلى ذات الخبير أو بإعادة مناقشته ما دام استنادها إلى الرأي الذي انتهت إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون وهو الأمر الذي لم يخطئ الحكم المطعون فيه في تقديره، وكانت المحكمة قد كونت عقيدتها مما اطمأنت إليه من أدلة وعناصر في الدعوى سائغة ولها مأخذها الصحيح من الأوراق، وكان تقدير أدلة الدعوى من إطلاقاتها فإن ما يثيره الطاعنون ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الأدلة لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان لا يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن أحداً من الطاعنين قد نازع في صفة المدعين بالحقوق المدنية أمام محكمة الموضوع فإنه لا يقبل الحديث عن هذه الصفة لأول مرة أمام محكمة النقض لانطوائه على منازعة تستدعي تحقيقاً موضوعياً. لما كان ذلك، وكان ما قضى به الحكم من تضامن الطاعنين في التعويض صحيحاً في القانون ما دام أن مفاد ما أثبته الحكم أن المتهمين قد تطابقت إرادتهم على الاعتداء على المجني عليهم، إذ من المقرر أن التضامن في التعويض بين الفاعلين الذين أسهموا في إحداث الضرر واجب بنص القانون ما دام قد ثبت اتحاد الفكرة والإرادة لديهم وقت الحادث على إيقاع الضرر بالمجني عليهم - كما هو الشأن في الدعوى المطروحة - لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق