وحيث إن وقائع المنازعة
تتحصل - حسبما جاءت في الأوراق في أنه بتاريخ 11 من أغسطس سنة 1983 تقدم الطاعن عن
نفسه وبصفته وكيلاً عن ستين مواطناً إلى لجنة الأحزاب السياسية بإخطار كتابي عن
تأسيس "الحزب الناصري" تنظيم تحالف قوى الشعب العامل" وأرفق
المستندات التي يتطلبها القانون وبتاريخ 18 من ديسمبر سنة 1983 أصدرت اللجنة
قرارها المطعون فيه بالاعتراض على تأسيس الحزب وأقامت اللجنة قرارها على أنه تبين
من الاطلاع على برنامج الحزب الناصري ولائحته ونظامه الداخلي ما يلي:
أولاً: أن الإعلان
السياسي وبرنامج الحزب ونظامه الداخلي تدل بوضوح على أنه يقوم على النظام الشمولي
ولا يؤمن بالديمقراطية أو بتعدد الأحزاب طبقاً لما جاء بالدستور. فقد نصت المادة
الرابعة في نظامه الداخلي على أن "يلتزم أعضاء الحزب بالمنهج الناصري الموجود
في وثائق ثورة يوليو (الميثاق الوطني - بيان 30 مارس).
كما أكد في الإعلان
السياسي للحزب (ص 2) أن ثورة يوليو رسمت طريقاً واضحاً أمام هذه الجماهير لتكون
لها حركتها الواحدة وتنظيمها الواحد، وهو ما ردده أيضاً برنامج الحزب (ص 2) في أن
الناصرية التي ينتمي إليها الحزب" ترى في الثورة الطريق الذي تستطيع
المجتمعات أن تسير عليه من الماضي إلى المستقبل وأنها "الوسيلة الوحيدة التي
تستطيع بها الشعوب المقهورة أن تخلص نفسها من الأغلال التي كبلتها وأن الثورة هي
الوسيلة الوحيدة لمقابلة التحدي الكبير الذي ينتظر الأمة العربية وغيرها من الأمم
التي تستكمل نموها".
ثانياً: إن ما جاء
ببرنامج الحزب على ما سلف بيانه يتعارض مع الشرعية الدستورية التي يقوم عليها نظام
الحكم في مصر ويرمي إلى عودة الشرعية الثورية التي تستبيح أي تغيير عن غير السبيل
الدستوري لمواجهة ما أسماه التحدي الكبير الذي ينتظر - في المستقبل بداهة - الأمة
العربية.
ثالثاً: أن البرنامج يقرر
(ص 12) أن واقع المجتمع المصري فرض أن تكون الاشتراكية العلمية هي المخرج العلمي
من قيود التخلف وأن الاشتراكية العلمية تختلف عن الاشتراكية المادية لأن صيغة
"العلمية" ترتبط بأسلوب معين للتفكير العلمي والاشتراكية العلمية التي
ينادي بها الحزب هي بعينها الماركسية التي تختلف كلية عن النظام الاشتراكي الديمقراطي
الذي يقوم عليه الأساس الاقتصادي للبلاد طبقاً للمادة الرابعة من الدستور، كما أن
النظام الماركسي الذي يدعو إليه يؤدي في حقيقة الأمر إلى نظام شمولي تتحكم فيه
طريقة واحدة بالمخالفة لأحكام الدستور وقانون الأحزاب.
رابعاً: إن الحزب المطلوب
تأسيسه يرتد في تكوين تصوره الاقتصادي إلى حقبة ماضية في تاريخ مصر هي التي يحكمها
ميثاق العمل الوطني الصادر سنة 1962 فقد اقتبس في برنامجه مقتطفات عديدة من
الميثاق منها (ص 4) تعريفه للديمقراطية بأنها توكيد السيادة للشعب (ص 857) وأنها
ترتكز على الديمقراطية الاجتماعية وأن علاج التناقض بين مصالح العمال والرأسمالية
الوطنية وبين العمال والفلاحين مرهون بتجريد الرجعية من كافة أدواتها.
وبذلك يكون هذا البرنامج
قد خالف ما نصت عليه مبادئ الاستفتاء في الالتزام بالدستور وحده كوثيقة أساسية كما
لم يحدد معنى "الرجعية" مما يفتح الباب لصراعات طبقية عديدة مما يتنافى
مع السلام الاجتماعي الذي نص قانون الأحزاب على وجوب الالتزام به.
خامساً: إن البرنامج يدعو
(ص 8) إلى إلغاء الملكيات الوهمية المفروضة على الصحافة ونقل ملكيتها للشعب ملكية
حقيقية بحيث لا يسمح بسيطرة فرد أو سيطرة قلة عليها، وهو ما يعني حرمان جميع
الأحزاب من حقها في إصدار الصحف بالمخالفة للمادة 15 من قانون الأحزاب ويؤدي
بالتالي إلى مظهر من مظاهر النظام الشمولي الذي يهدف الحزب إلى عودته.
سادساً: إن النظام
الداخلي للحزب (مادة 48) لم يتضمن ما تستوجبه المادة الخامسة من قانون الأحزاب من
وجوب تحديد الجهة التي تؤول إليها أموال الحزب في حالة الحل حتى يخضع ذلك لتقدير
لجنة شئون الأحزاب عند نظر طلب تأسيس الحزب أما ترك أمر تحديد هذه الجهة للمؤتمر
العام للحزب عند حله فإنه يسمح بتوجيه هذه الأموال عندئذ إلى جهات غير شرعية أو
مشروعة.
وأضافت هيئة قضايا الدولة
في مذكرات لاحقه سبباً جديداً (سابعاً) هو ثبوت عدم تميز برنامج الحزب وسياساته أو
أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى وليس عن حزب واحد
منها فقط بما يفقد الحزب شرطاً من الشروط المطلوبة لتأسيسه.
ومن حيث إن الطاعن ينعى
على القرار المطعون فيه مخالفة القانون وأنه مشوب بالبطلان لما يأتي أولاً: عدم
صلاحية رئيس اللجنة الدكتور محمد صبحي عبد الحكيم لتولي رئاسة لجنة شئون الأحزاب
التي أصدرت القرار المطعون فيه باعتباره رئيساً لمجلس الشورى فهو أحد قادة الحزب
الوطني الديمقراطي وأقطابه وعضو المكتب السياسي ورئيس اللجنة الفكرية فيه الذي
يصوغ مبادئه ويشرف على تلقينها وتعليمها للأعضاء وتجميع المواطنين عليها وهي أفكار
ومبادئ متميزة عن أفكار ومبادئ الحزب المعترض عليه بحكم القانون والواقع وأنه لا
يزال على جدية انتمائية إلى الحزب الوطني الديمقراطي والتزام سياسته وانتصاره له
على غيره من الأحزاب وأنه لم يتخل عن نشاطه الحزبي بعد اختياره رئيساً لمجلس
الشورى وبصفته هذه يرأس لجنة شئون الأحزاب السياسية التي لا يصبح رئيساً لها إلا
إذا كان محايداً بين الأحزاب وكان عليه أن يوقف نشاطه الحزبي التزاما بأحكام
القانون حتى يكون صالحاً لرئاسة لجنة شئون الأحزاب وهو حياد مطلوب بحكم الضرورة
القانونية والضرورة السياسية والضرورة الأخلاقية وقد أكد ذلك القانون رقم 40 لسنة
1977 قبل تعديله حيث جعل رئاسة اللجنة لأمين اللجنة المركزية الاشتراكي العربي أو
مساعدة (م 20) القانون أن يكون مستقلاً عن الأحزاب أو أن يوقف نشاطه الحزبي فور
اختياره أميناً كما نص القانون على أن يكون من بين أعضاء اللجنة ثلاثة من رؤساء
الهيئات القضائية السابقين وهم غير منتمين إلى الأحزاب السياسية وهكذا فإن شرط
الحياد والاستقلال مقرر وثابت ومفهوم ضمناً دون حاجة إلى إيراد نص خاص بغرض أن
يكون رئيس اللجنة مستقلاً عن الأحزاب ومثل ذلك الشرط مستقر في مجال القضاء، وأن
انعدام الحيدة بين الأحزاب في رئيس اللجنة التي لا يصح انعقادها بدونه والذي يضعه
القانون موضع المرجع بين الوزراء والأعضاء غير المنتمين إلى أحزاب عند اختلاف الرأي
بما يعنيه هذا من افتراض الحياد بين الآراء المختلفة، يخل بتشكيل اللجنة ذاتها إذ
يجعل الأغلبية فيها من المنتمين إلى الحزب فيتحول إلى لحنة حزبية، كما أن العدالة
تستوجب الحياد بالنسبة إلى الموضوع وإلى الأشخاص في كل من يخوله القانون سلطة
المشاركة في اتخاذ قرار في موضوع تتعلق به مصلحة غيره من الناس بما يحتاج إلى نص
يقررها.
ثانياً: بطلان الإجراءات
فقد أهدرت اللجنة بجرأة ظاهرة قواعد الإجراءات التي ألزمها القانون بإتباعها إذ
أوجب القانون أن يصدر قرار اللجنة بالاعتراض على تأسيس الحزب مسبباً بعد سماع
الإيضاحات اللازمة من ذوي الشأن، والذي حدث أنه تحت تأثير التحيز وخلافاً لما جرت
عليه اللجنة في حالات أخرى، تجاهلت اللجنة ذوي الشأن في الحزب موضوع القرار
المطعون فيه فلا طلبت منهم شيئاً ولا سمعت منهم شيئاً وأصدرت قرار الاعتراض
المطعون فيه مما يؤكد انعدام الحياد ويوقع بالقرار الأثر الحتمي وهو البطلان.
ثالثاً: بطلان الأسباب فقد صدر القرار مستنداً إلى أسباب ملفقة تلفيقاً بعيداً عن
واقع ما جاء في الوثائق التي قدمت إلى اللجنة ومتعسفة في تفسير النصوص تعسفاً
ينحرف بها عن دلالتها الواضحة ومنحرفة عن المصلحة العامة إلى حد شمولها سبباً
مناهضاً للمبادئ الأساسية المقررة في الدستور ومؤثماً في حكم القانون بل إن أكثر
من سبب مما استند إليه القرار قد زور النصوص بالحذف وبالإضافة وجاءت الأسباب
مخالفة للواقع ولحسن النية الذي هو أحد المبادئ الكلية في القانون وفيما يلي بيان
ذلك: السبب الأول: وهو قيام الحزب على النظام الشمولي وأنه لا يؤمن بالديمقراطية
أو بتعدد الأحزاب طبقاً لما جاء في الدستور فهذا السبب يمثل أقصى درجات مخالفة
القانون والانحراف بالسلطة والتعسف في استعمالها وخروجاً على أحكام الدستور إذ أن
اختصاص اللجنة محصور في فحص ودراسة إخطارات تأسيس الأحزاب السياسية طبقاً لأحكام
القانون وليس من سلطتها وضع شروط أو قيود لم يعرفها المشرع وقد حددت المادة
الرابعة من القانون رقم 40 لسنة 1977 تسعة شروط لتأسيس الحزب ليس من بينها السبب
الأول للقرار ولا يمت إليه بصلة قريبة أو بعيدة كما استعملت اللجنة كلمات عامة
مطلقة لا يعرفها القانون ويتعذر ضبط دلالتها كالنظام الشمولي والإيمان
بالديمقراطية كما أن اللجنة لم تنف عن المؤسسين مجتمعين أو منفردين الإيمان
بالديمقراطية ويكفي دليلاً على ذلك تقدمهم لتأسيس هذا الحزب فهو تعبير صريح عن
التقاء إرادتهم على الالتزام بقانون ينظم مبدأ تعدد الأحزاب المنصوص عليه في
الدستور ثم إن اختيارهم لتأسيس حزب خاص بهم على مبادئ متميزة عن مبادئ الأحزاب
الأخرى بشروط محددة للعضوية يؤكد التزامهم بمبدأ تعدد الأحزاب ذلك لأنها التخصص
يناقض الشمول وإرادة التميز كحزب هي ذاتها إرادة تمايز الأحزاب فتعددها، كما أن
اللجنة انتزعت تعسفياً النصوص التي ذكرتها في القرار في مواضع متباينة الموضوع
متباعدة السياق موزعة فيما بين الإعلان والبرنامج والنظام الداخلي وجمعت معاً في
محاولة تلفيق تركيبة لغوية تساند الغاية غير المشروعة التي استهدفت القرار ذلك
المنهج ليس مبادئ ولا سياسات ولكنه طريقة للفهم وأن الفهم غير المتعسف لماهية
التزام الأعضاء يجب أن يكون المنهج الناصري الموجود في ثورة يوليو كما هو معبر عنه
في برامج الحزب ثم أن الإعلان قيد المنهج الناصري بما هو إيجابي ولم يأخذه على
إطلاقه وأن الحزب ينطلق من قاعدة فكرية أصلية على ميثاق الثورة ووثائقها وحصيلة
ممارستها الإيجابية في الواقع المصري والعربي والعالمي وهو مفهوم لا يتعارض مع
قبول تعدد الأحزاب كما أن ما ورد بالإعلان السياسي عن حركة القومية العربية ووحدة
الجماهير العربية إنما يعني الحركة العربية الواحدة وهي ليست حزباً بالمعنى الوارد
في القانون رقم 40 لسنة 1977 يستهدف المشاركة في مسئولية الحكم في مصر ولكنها دعوة
إلى وحدة حركة الجماهير في سبيل وحدة الأمة العربية وحدة تأتي ديمقراطياً لا
بالاعتراض وأن ذلك هو الطريق الذي أختاره الدستور الذي تم الاستفتاء عليه في أول
سبتمبر سنة 1971 وهو دستور إتحاد الجمهوريات العربية الذي لا يزال قائماً رغم قيام
الدستور المصري الذي استفتى عليه في 11 سبتمبر سنة 1971، كما أن النص الوارد بشأن
الثورة يتحدث عن الثورة ضد الرواسب التي أثقلت كاهل الشعوب لمغالبة التخلف الذي
جاء نتيجة القهر والاستغلال ومغالبة الفوارق بين التقدم والتخلف التي تضاعفت فيها
الاكتشافات العلمية الهائلة وأن ذلك هو التحدي الذي تواجهه الشعوب بالثورة بالمعنى
المجازي كالثورة الصناعية أو الزراعية أي مضاعفة الجهد وليس بالمعنى القانوني أو
السياسي بالخروج على الشرعية - ومما سبق يتضح أن السبب الأول للقرار المطعون فيه
غير مشروع مستخلص استخلاصاً من نصوص غير مطابقة لما جاء في وثائق الحزب. السبب
الثاني وهو تعارض برنامج الحزب مع الشرعية الدستورية وأنه يرمي إلى العودة إلى
الشرعية الثورية، فهي كلمات إنشائية غير ذات دلالة وسبق إيضاح بطلانه وهو كلام لا
مكان له عند الحديث عن الحقوق الدستورية والحريات التي كفلها القانون وأن الشرعية
بمعناها القانوني هي مطابقة الدستور، والثورة بمعناها القانوني هي إسقاط الدستور
فهما نقيضان لا يجتمعان في الواقع أما إذا اجتمعا في "جملة" فإن دلالة
كل منهما تهدر دلالة الأخرى فتصبح الجملة بدون دلالة مفيدة.
السبب الثالث: وهو أن
الاشتراكية العلمية التي ينادي بها الحزب هي بعينها الماركسية التي تختلف كلية عن
النظام الاشتراكي الديمقراطي وأن النظام الماركسي الذي يدعو إليه يؤدي إلى نظام
شمولي تتحكم فيه طبقة واحدة، فهذا السبب مفضوح التزوير والتعسف وموغل في عدم
المشروعية ويدخل في دائرة التأميم القانوني بما نسبه إلى المؤسسين من أمور لو صحت
لأوجبت عقابهم إذ لم يثبت لدى اللجنة أن أياً من المؤسسين يدعو أو يروج لمذاهب
ترمي إلى مناهضة النظام الاشتراكي الديمقراطي الذي ينص عليه الدستور، وأن القرار
قد صاغ من عنده أفكار نسبها إلى المؤسسين ثم اتخذها حجة للاعتراض على حزبهم فقد
ورد النص بالبرنامج على أن واقع مجتمعنا قد فرض أن تكون الاشتراكية العلمية هي
المخرج العملي من قيد التخلف، واشتراكيتنا علمية من حيث اعتمادها على المنهج
العلمي في معالجة قضايا الواقع وهي تختلف بالقطع عن الاشتراكية المادية وهي
الماركسية بعينها، وأن هذا ما يتفق وميثاق العمل الوطني الذي تم إقراره شعبياً عام
1962 وما وضع له من شروح وما قاله المرحوم جمال عبد الناصر في الجلسة الافتتاحية
لمجلس الأمة في 12 نوفمبر سنة 1964، كما أن المؤسسين يجعلون من الدين أساساً
للاشتراكية التي وصفوها بأنها علمية ويستهلون برنامجهم بحديث المؤمنين المسلمين عن
القيم الروحية النابعة من الأديان وأنها أساس الإنسانية والقيم الخلقية التي يقوم
عليها السلوك الاشتراكي السليم، وأن جوهر الديمقراطية هو توكيد السيادة للشعب ووضع
السلطة كلها في يده وليس في الطبقة العاملة، كما يدعو الحزب إلى حرية الرأي والقول
والكتابة والاعتقاد والاجتماعات والعمل السياسي والثقافي والاجتماعي بينما تقوم
الماركسية على شعارات منها أنه طالما تستعمل البروليتاريا الدولية فإنها لن
تستعملها من أجل الحرية بل من أجل إسقاط أعدائها، كما يقول برنامج الحزب بضرورة
المحافظة على الدور الذي يقوم به القطاع الخاص وتشجيعه في مجال الإنتاج والتجارة
والتوزيع في إطار الخطة القومية الشاملة مما يخالف الماركسية المتميزة بإلغاء
الملكية الخاصة لأدوات الإنتاج، وأن اصطلاح الاشتراكية العلمية إنما نشأ ابتداء
لمقابلة ما سمي "بالاشتراكية الخيالية" ثم إنه مع التطور والزمن لم يعد
هناك نظام اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي مع العلم، كما أن قصر وصف العلمية على
الديمقراطية بأنها غير علمية وهو خطأ جسيم لم يتحرج القرار المطعون فيه في ارتكابه
لمجرد الاعتراض على الحزب الناصري.
السبب الرابع: وهو ارتداد
الحزب إلى حقبة ماضية من تاريخ مصر واقتباس برنامجه من ميثاق العمل الوطني سنة
1962 وتجريد الرجعية من كافة أدواتها بما تفتح الصراعات الطبقية وتتنافى مع السلام
الاجتماعي والالتزام بالدستور وقانون الأحزاب ذلك أن دستور سنة 1971 وبرنامج العمل
الوطني قد استبقيا بنصهما من ميثاق العمل الوطني ومن دستور سنة 1964 الذي تضمن
مبادئ الميثاق كما أن وثيقة إعلان دستور سنة 71 تقول أنه صدر تتويجاً لمرحلة خاض
فيها الشعب تجربة تلو أخرى وقدم أثناء ذلك واسترشد خلال ذلك بتجارب فنية وقومية
وعالمية عبرت عن نفسها في نهاية مطاف طويل بالوثائق الأساسية لثورة 23 يوليو سنة
1952 وقد أكد أساتذة العلوم الدستورية في مصر العلاقة بين الدستور القائم وبين
ميثاق العمل الوطني كحقيقة دستورية، وقانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 ذاته يشترط
لتأسيس واستمرار أي حزب سياسي عدم تعارض مقوماته وأهدافه وبرامجه وأساليبه مع
مبادئ ثورة 23 يوليو سنة 1952 وهو ما نص عليه القانون رقم 33 لسنة 78 بحظر أية
دعوى يكون هدفها مناهضة المبادئ التي قامت عليها ثورة 23 يوليو سنة 1952 والميثاق
هو المرجع الأساسي في معركة المبادئ التي قامت عليها ثورة 1952 كما ورد بالمذكرة
الإيضاحية لقانون الأحزاب أن الفيصل في تحديد العبارات التي ذكرتها كالسلام
الاجتماعي وتحالف قوى الشعب العاملة والاشتراكية الديمقراطية هو القضاء الذي سوف
يستلهم المعنى المحدد لهذه العبارات من أحكام الدستور والمواثيق السياسية للثورة
منذ 23 يوليو سنة 1952 وعلى قمة المواثيق وأشملها ميثاق العمل الوطني فمبادئ
الميثاق ما تزال تحكم - دستورياً الحقبة الحاضرة من تاريخ مصر وقد ذهب الشراح إلى
أن الميثاق قوة قانونية ملزمة، وأنه رغم عدم وجود ضوابط لما أجرى من استفتاءات في
مصر فإن إضفاء قوة ملزمة للكافة على المبادئ التي وافق عليها الشعب في 20 إبريل
سنة 1979 يجعل القرار المطعون فيه باطلاً شكلاً وموضوعاً بل معدوماً ذلك أن الشعب
وافق على حرية تكوين الأحزاب في استفتاء 10 فبراير سنة 1977 ثم صدر القانون رقم 40
لسنة 77 متضمناً عديداً من القيود ثم أجرى استفتاء في 6 إبريل سنة 1979 على مبدأ
آخر وافق عليه الشعب بما يقرب الإجماع وهو "إطلاق حرية تكوين الأحزاب"
بما يعني إلغاء كل القيود التشريعية والإدارية على حرية تكوين الأحزاب والإطلاق
يعني فك كل القيود فلا يجوز للدستور أو القانون أن يتضمن قيوداً أو تنظيماً لتكوين
الأحزاب ويكفي القانون العام ممارساً لسلوك الأحزاب وأعضائها وهو ما كان كذلك في
تاريخ مصر ودساتيرها حتى عام 1953، كما أن القول بأن الديمقراطية هي توكيد السيادة
للشعب هو بذاته ما قرره الدستور من أن السيادة للشعب كما أن القول بأن الديمقراطية
السليمة يجب أن ترتكز على الديمقراطية الاجتماعية هو ترديد لتعريف ما جاء بالقانون
باسم "النظام الاشتراكي الديمقراطي" وهو النظام الذي يرفض انفصال الحرية
عن الاشتراكية أما عن الرجعية فهي القوي التي تحول بأدواتها دون تحقيق التقدم
السياسي والاجتماعي والاقتصادي للوطن الذي جعله القانون هدف للأحزاب السياسية وهي
قوى غير ثابتة في الزمان وغير محددة الأدوات وأن الرجعية ضد التقدم وأن تطبيقها في
برنامج الحزب لهو تعسف يراد به فصل البرنامج ومبادئه عن الواقع الاجتماعي في زمانه
المقبل وبالنسبة للسلام الاجتماعي فإن الحزب يحترم المشروعية وسيادة القانون ويخضع
للرقابة بعد قيامه ومزاولة نشاطه فإن أخل بالسلام الاجتماعي جاز إيقاف نشاطه أو
حله وليس في برنامج الحزب ولا في لائحته ما يفهم منه أن من مبادئه عدم التزام
الأساليب الشرعية والسليمة والديمقراطية أما أن يكون من غاياته تجريد الرجعية من
أدواتها المعوقة للتقدم بالأساليب الشرعية والسليمة والديمقراطية فهذا حقه المشروع
دفاعاً عن الشرعية.
السبب الخامس وهو ملكية
الصحافة فقد حذفت اللجنة بعض العبارات من نصوص الوثائق المقدمة إليها لتغيير
دلالتها، فالنص يذكر ضمان حرية الصحافة بتحصين الصحفيين ضد الفصل والنقل الإداري
وإلغاء الملكيات الوهمية المفروضة على الصحافة بل ونقل ملكيتها للشعب ملكية حقيقية
عن طريق الاكتتاب الشعبي بحيث لا يسمح بسيطرة فرد أو سيطرة قلة عليها مع مراعاة
تخصيص نسبة ملحوظة للعاملين فواضح أن النص خاص بالصحف القومية التي يملكها الشعب
بمقتضى القانون رقم 156 لسنة 1960 وهي صحف دار الأهرام ودار أخبار اليوم ودار روز
اليوسف ودار الهلال يمثل الشعب في تلك الملكية الإتحاد القومي باعتباره المؤسسة
الدستورية التي تضم كل المواطنين طبقاً للمادة 192 من دستور سنة 1956 ثم أصبح
يمثله فيها الإتحاد الاشتراكي العربي كتحالف لقوى الشعب كنص المادة 3 من دستور سنة
1964 ثم آلت تلك الملكية إلى مجلس الشورى بالقانون رقم 145 لسنة 1980 وأن البرنامج
إنما يعني تلك الصحف حتى يتحدث عن النقل الإداري وعن ملكيتها للشعب أما الصحف
الحزبية أو الخاصة فلا سلطة للإدارة عليها، وأن ملكية الصحف القومية بوضعها الحالي
فهي ملكية موهومة لأن انتخاب أعضاء مجلس الشورى يتم عن طريق قوائم حزبية فيصبح
مؤسسة دستورية يديرها ويسيطر عليها حزب واحد وتكون الملكية لهذا الحزب وليس للشعب
وهذا ما أراد برنامج الحزب أن يعالجه ويكون هذا السبب غير مطابق لما جاء في وثائق
الحزب ومتعسفاً في التأويل ومنحرفاً عن الغاية التي أستهدفها المشرع ويطفح بسوء
النية.
السبب السادس: وهو النظام
الداخلي للحزب لم يتضمن تعيين الجهة التي تؤول إليها أمواله عندما يصفى، فليس
المقصود بنص القانون إلا أن يضع الحزب أو نظامه الداخلي قواعد إجراءات تصفية
أمواله لحماية أموال الحزب من استبداد قياداته، أما الأموال ما هي وكم هي والجهة
التي تؤول إليها فهي التصفية ذاتها التي اشترط القانون النص على إجراءاتها. وما
كان يمكن للقانون أن يطلب تعيين من تؤول إليه تلك الأموال شخصياً وهو متعلق
بمستقبل غير معروف فقد يشمل النظام الداخلي جهة قائمة عند التأسيس لن تكون موجودة
عند الحل، كما أن هذا التشخيص هو تصرف في أموال الحزب التي لا يملكها المؤسسون بل
يملكها الحزب بعد قيامه وأنه تصرف بإرادة منفردة فهو باطل وعقد الهبة يستلزم قبول
الموهوب له أو نائبه ولا يكون لنص المادة الخامسة من قانون الأحزاب أية دلالة
قانونية إلا في حدود الالتزام بتعيين إجراءات التصفية ليتأكد القانون إنها لن تسمح
باستثمار قيادات الحزب لأمواله وهذا ما نص عليه النظام الداخلي للحزب إذ قرر أن
يتولى الأعضاء جميعاً (الجمعية العمومية) تصفية أموال الحزب عند حله.
وفصّل الطاعن في مذكرات
لاحقة الرد على الأسباب الجديدة للقرار (التميز الظاهر) بأن لجنة شئون الأحزاب لم
تجتمع بعد تاريخ الاعتراض على تأسيس الحزب الناصري في 18 ديسمبر سنة 1983 للنظر في
الأسباب الجديدة التي أوردتها هيئة قضايا الدولة بمذكرتها ونسبت صدورها للجنة دون
أن تقدم دليلاً على ذلك وأنها كانت قائمة وقت إصدار القرار وإلا كانت هذه الأسباب
مقدمة من غير ذي صفة ومن غير مختص، فبالنسبة لمناهضة الحزب لاتفاقية كامب ديفيد
وأن وكيل المؤسسين أحد الموقعين على بيانات مناهضة الاتفاقية فإن المحكمة الدستورية
العليا قد حكمت بعدم دستورية البند (سابعاً) من المادة الرابعة من قانون الأحزاب
رقم 40 لسنة 1977 وبذلك تأكد تميز الحزب الناصري عن الأحزاب القائمة في رؤيته
السياسية الخارجية وهو تمايز أضيف بهذا الحكم، كما أن المحكمة الإدارية العليا
أوردت في حكمها بالإحالة إلى المحكمة الدستورية العليا أنه "لا ريب أن هذه
الشروط من الإفاضة والشمول على نحو يجعل الأساسيات والأساليب والمبادئ والبرامج
التي تقوم عليها الأحزاب السياسية ترد من معين واحد وتفيض من منهج محدد الأمر الذي
يجعل التشابه بين مبادئها وبرامجها وأساليبها أمراً وارداً وبالتالي يضحى اشتراط
التمايز الظاهر بين هذه المبادئ والبرامج والأساليب هو أمر جد عسير على نحو يخرج
بهذا الشرط من دائرة التنظيم إلى دائرة القيد كما أن المحكمة الدستورية العليا
أوردت في حكمها أنه لم يشترط البند (ثانياً) من المادة الرابعة من قانون الأحزاب
المشار إليه أن يقع التميز الظاهر في مبادئ وأساسيات وأهداف الحزب كشرط لتأسيسه أو
استمراره وذلك بقصد اتساع المجال لحرية تكوينها بل جاء الشرط مقصوراً على برنامج
الحزب وسياساته أو أساليبه التي يسعى بها لتحقيق مبادئه وأهدافه وبهذا يتم دحض
الإدعاء بأن التشابه في الأساسيات بين الأحزاب يؤدي إلى عدم التمايز بين الأحزاب
ومن ثم لمخالفة البند ثانياً في المادة الرابعة من قانون الأحزاب.
وأوضحت المذكرة المؤرخة
29/ 10/ 1988 ما اعتبرته تمايزاً ظاهراً وواضحاً ومطلقاً في برنامج الحزب الناصري
وسياساته وأساليبه في معالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عن جميع
الأحزاب القائمة وقت تقديم الإخطار بالتأسيس وهي:
1 - حزب الأحرار الاشتراكيين.
2 - حزب التجمع الوطني
التقدمي الوحدوي.
3 - الحزب الوطني الديمقراطي.
4 - حزب العمل الاشتراكي.
5 - حزب الوفد الجديد.
6 - حزب الأمة.
وأوردت في المذكرة جدولاً
بالمقارنة بين التميز بشأن الطاقة من بترول وغازات طبيعية وفحم ويورانيوم ووجوب
تكييف عمليات الاستكشاف وأن يسير الاستغلال وفق معدلات مقدرة كما يتعين الإفادة من
طاقة الرياح والطاقة المائية والطاقة الشمسية والكهرباء وترشيد استهلاك الطاقة واستخدام
الطاقة البديلة، وكذا بشأن سياسات الإعلام وما تقوم عليه من مبادئ عامة كالالتزام
الحقيقي والتوافق الكامل مع القيم والمبادئ المتفق عليها واحترام القانون
والالتزام بالأهداف القومية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وتحرى الصدق
بالكامل في توسطه بين الحقائق الإعلامية والجماهير المتلقية وذلك لتحقيق أهداف
رئيسية منها توفير المعلومات الصحيحة للشعب ومتابعة خطة التنمية القومية وتعميق
عناصر بناء المجتمع والإنشاء الجديد وتأصيل الروح القومية والوطنية والمساهمة في
تكوين الرأي العام المستنير وتعميق التمسك بالقيم الدينية والقومية والوطنية
والاعتماد المباشر على قياس الرأي العام وإقامة غرف إعلامية في القرى تؤدي دور
مراكز الإعلام في المدن، وتحرك الإعلام الخارجي مع التغيرات المستمرة في السياسة
الدولية وإبراز صورة مصر الحضارية القديمة والحديثة وتقديم الخدمات الإعلامية للمصريين
في الخارج وربطهم فكرياً ووجدانياً بوطنهم والانفتاح على التجارب العالمية في مجال
تطوير الاتصالات وفي مجال السياسة الثقافية إحياء التراث وتهيئة الأسباب لنشره
وتشجيع الإبداع والابتكار والتجديد وتوفير متطلبات تنمية العقل والوجدان وصقل سلوك
الإنسان والعناية ببنائه الروحي وتوفير الدولة لفرص الثقافة للجميع وإعطاء أولوية
لفئات المحرومة مع اختيار الوسائل والأدوات اللازمة للتوصل الثقافي والعناية
بالثقافة العربية وإبراز القيم الأصيلة فيها والأخذ بأساليب الاستطلاع والاستقصاء
وأدوات القياس المستخدمة في الإحصاءات الثقافية مع مراعاة الثوابت وأخذ المتغيرات
في الحسبان وأن يراعى في سياسات التنمية الثقافية طابعها القومي العام الذي يتطلب
مركزية التخطيط من الدولة ولمواجهة نقص الموارد يتم تقديم الخدمات الثقافية في
المدارس ودور العبادة والوحدات المجمعة والساحات وغيرها من أماكن التجمعات وأن
نجاح العمل الثقافي يتطلب نوعية خاصة من العاملين يتوافر بهم قدر كبير من الصدق
والحماس مع قدر معادل من الخبرة والدراية، كما أوردت المذكرة ما اعتبرته تمايزاً
ظاهراً في أساليب تحقيق السياسات الواردة في برنامج الحزب الناصري ولم تتناولها
سياسات الأحزاب الأخرى ومن ذلك في مجال السياسات المالية اتباع إستراتيجيات تنمية
غير تقليدية تهدف إلى قيام هيكل إنتاج متوازن داخلياً وترشيد سياسة التعاون
الاقتصادي الإقليمي وتخطيط التجارة الخارجية بهدف الاستثمار وتنظيم سياسة النقد
الأجنبي وسعر الصرف والجمارك وسوق المال والربط بين سياسة الانفتاح الاقتصادي
والخطط وأهدافها والاكتفاء الذاتي من بعض السلع الزراعية والمساواة بين قطاعات
الإنتاج وتطوير القطاع العام بفصل الإدارة عن الملكية والتنسيق بين المخزون من
السلع المحلية وبين الاستيراد وتحقيق مبدأ التخصيص بين الشركات والتنسيق بين
السياسات الاقتصادية المختلفة ومنع التكرار في الأعمال وعلاج وترشيد سياسة الدعم
تدريجياً، وبالنسبة للسياسات الزراعية والغذاء والعمل على سد الفجوة بقدر ما تتيحه
لنا مواردنا الزراعية وحسن استثمار هذه الموارد خاصة الأرض والمياه ورأس المال،
ووضع خطة متحركة للتركيب المحصولي كل ستة شهور أو كل موسم زراعي تقوم على التنبؤ
القصير الأجل أو المتوسط وبما يحقق أقصى عائد اقتصادي واجتماعي للفلاحين والدولة
وحتمية التركيز على الأراضي المستصلحة وزراعة المحاصيل الملائمة للظروف الإنتاجية
المحلية وضرورة المحافظة على المحاصيل الزراعية الإستراتيجية كالقطن وزيادة مساحة
القمح لضمان حد أدنى من احتياجات وترشيد استخدام مياه الري بضبط المقتنيات
المائية. وتبطين الترع وضبط فتحات الري وتجديد الآلات البدائية إلى آلات ميكانيكية
وتنظيم الري والصرف الحقلي وتطهير المصارف وتوفير الإمكانات والمعدات اللازمة لذلك
ومتابعة مستمرة لمشروعات الصرف المغطى، وفي مجال سياسات النقل والمواصلات تضمن
البرنامج التوسع في مشروعات التصنيع المحلي لعربات الركاب والبضائع ورفع نصيب
السكك الحديدية في نقل البضائع وإعادة النظر في تعريفة النقل سنوياً، وإعداد الطرق
الدائرية حول القاهرة وإيقاف الترخيص بإقامة مباني جديدة وسط المدينة، وإعادة
توزيع النقل للبضائع بين الوسائل المختلفة وتأمين سلامة المرور على شبكة الطرق
البعيدة، والأخذ بأسباب تحسين الخدمات البريدية، وتطهير مجرى النيل والقنوات
الملاحية وميكنة أعمال الشحن والتفريغ الملاحي لمواني منطقة قناة السويس، وتحسين
الخدمات التليفزيونية ورفع مستواها والعناية بالتدريب وإعداد الكوادر اللازمة من
المتخصصين في جميع المستويات وإعادة توزيع التجارة الخارجية على كافة موانئ
الجمهورية واستخدام السفن الحديثة ورفع كفاءة شركات الشحن والتفريغ، وإقامة شبكة
صوامع داخلية والتوسع في إنشاء ثلاجات جديدة، وفي مجال الديمقراطية فإن جوهرها هو
توكيد السيادة للشعب ووضع السلطة كلها في يده أما أشكالها فتختلف حسب الزمان
والمكان وأن رد هذا المبدأ إلى فكرة القانون الطبيعي وفكرة العقد الاجتماعي هو
مجرد اجتهاد نظري لاستعمال أساس فكري للمذهب ومن لا يؤدي إنكاره أو إسقاطه إلى
التنكر للمبدأ الديمقراطي وأن الديمقراطية لا يجوز أن تبحث كمشكلة مستقلة منعزلة
عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تحيط بها أدوات الديمقراطية في الفكر
الناصري يجب أن تتسع وتنبع من القاعدة وتصل إلى القمة في كافة المستويات وهذه
الصفة الديمقراطية من ناحية (الكم) تمثل أساساً في التنظيمات الناصرية التي تعبر
عن تحالف قوى الشعب العامل وأنه لقيام الديمقراطية السياسية السليمة أن ترتكز
أساساً على الديمقراطية الاجتماعية وأن الفكر الناصري أبى التصادم بين قوى الشعب
العاملة وجعل البديل له التحالف السياسي والاجتماعي لقوى الشعب العاملة جميعاً، أن
ثمة تناقض بين مصالح العمال والرأسمالية الوطنية وبين العمال والفلاحين غير أن هذا
التناقض ثانوي وتميز عدائي بعلاج أسبابه سلمياً، وفي مجال السياسة العربية فإن الأمر
يقتضي تحرير سيناء كاملة وكفالة الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني ومقاومة
سياسة الهيمنة الإسرائيلية والصهيونية في المنطقة العربية بدعوى السلام، وفي مجال
السياسة الخارجية الحرب ضد الاستعمار والعمل من أجل السلام القائم على العدل
والتعاون الدولي من أجل الرخاء وخدمة مصالحنا الإستراتيجية لشئون استقلال مصر
وتدعيم اتجاهات التحرير والنضال المشترك مع الشعوب المعادية للاستعمار وتدعيم
العلاقة مع الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية وبلاد العالم الثالث والمجموعة
الأوربية باعتبار أن الأمن الأوربي مرتبط بالأمن في الشرق الأوسط، وبذلك فإن تميز
الحزب الناصري عن كافة الأحزاب المصرية وعن حزب التجمع أمر واضح مما سبق ومن مذكرة
الدفاع بتاريخ 1/ 12/ 1984 سواء في برنامجه وأساليبه وسياساته.
وأضاف الطاعن بمذكرة
بتاريخ 7 يناير أنه لا صحة لما دفعت به هيئة قضايا الدولة بجلسة 29/ 10/ 1988 من
انقطاع سير الخصومة في الطعن لزوال صفة الدكتور محمد صبحي عبد الحكيم كرئيس لمجلس
الشورى بصفته رئيساً للجنة شئون الأحزاب السياسية، ذلك أن المركز القانوني في
تمثيل لجنة الأحزاب لا يزال قائماً بالنسبة إلى طبيعة دعوى الإلغاء التي تنتمي إلى
القضاء العيني، كما أن القضاء الإداري يوجه الإجراءات بما يتفق وطبيعة المنازعة
الإدارية وأن صحيفة الدعوى وردت إلى المحكمة صحيحة شكلاً وموضوعاً كما أنه بجلسة
7/ 6/ 1988 حضر المطعون ضده طلب حجز الطعن للحكم ولم يبد فيها أي دفع بشأن انقطاع
الخصومة وأن هيئة قضايا الدولة بحكم نيابتها القانونية عن رئيس مجلس الشورى رئيس
لجنة شئون الأحزاب قد مثلت في الدعوى في جميع مراحلها وقدمت مذكرات الدفاع أمام
المحكمة الإدارية العليا وأمام المحكمة الدستورية العليا عن الخصم الصحيح ذي الصفة
في الطعن، وأنه بالنسبة لتمايز الحزب الناصري عن حزب التجمع فإن التشابه في
المبادئ والأهداف أمر وارد كنص القانون وقد فسرت المحكمة الدستورية العليا بحكم
اختصاصها التفسيري النص بأن الشرط مقصور على برنامج الحزب وسياساته وأساليبه ومعنى
ذلك أن التمايز يقع حقيقة ملماً بها متى وجد خلاف ولو وحيد بين حزبين وقد أوضح
التقرير التكميلي لهيئة مفوضي الدولة تمايز الحزب الناصري تمايزاً ظاهراً بل
ومطلقاً في برنامجه وسياساته وأساليبه عن حزب التجمع الوحدوي وأن بحث مدى جواز
إضافة أسباب للقرار المطعون فيه يرجع إلى قناعة المحكمة فضلاً عن رقابة المحكمة
للتحقق من توافر كافة الشروط التي استوجبها القانون للموافقة على تأسيس الحزب
وإنزال حكم القانون وإنزال القانون على المنازعة.
وبجلسة 20 من أكتوبر سنة
1984 حضر الأستاذ/ عطية سليمان المحامي وطلب تدخله في الطعن منضماً إلى الطاعن
استناداً إلى أنه من المؤمنين بالمنهج الناصري فكراً ومنهجاً وأن يكون للناصريين
حزبهم الذي يعبر عنهم وأن له مصلحة شخصية مباشرة في طلب التدخل وردت هيئة قضايا
الدولة بأن الحكم في الطعن الأصلي برفضه يترتب عليه انهيار طلب التدخل الانضمامي
وطلبت رفض طلب التدخل.
ومن حيث إن (هيئة قضايا
الدولة نيابة عن رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية قدمت مذكرات عدة متتالية منذ 28/
4/ 1984 حتى 7 من مايو سنة 1989 فصّلت أوجه الدفاع عن القرار المطعون فيه وتضمنت
أنه لا صحة لما ينعاه الطاعن على صلاحية رئيس اللجنة ذلك أن القانون رقم 40 لسنة
1977 معدلاً بالقانون رقم 30 لسنة 1981 لم يتضمن نصاً بتنحي رئيس اللجنة عن صفته
الحزبية، كما أن اللجنة تعتبر لجنة إدارية لا تتبع الإجراءات القضائية وأن قرارها
في حقيقته قرار إداري يخضع للطعن بالإلغاء ولا محل لإثارة عدم الحيدة لإبطال
القرار، وأنه بالنسبة لطلب الإيضاحات من ذوي الشأن فهو أمر جوازي للجنة كنص
القانون وبالنسبة للمطاعن الموضوعية على القرار فإن الإعلان السياسي للحزب الناصري
قد فرق بين وحدة الجماهير العربية وحركتها الواحدة وتنظيمها الواحد الذي يكشف عن
التنظيم الواحد للحزب لا في مصر وحدها بل في جميع أنحاء العالم العربي، وأن كلمة
الثورة التي وردت في برنامج الحزب مقصود بها المعنى الحرفي للكلمة وليس المعنى
المجازي الذي تكلم عنه الطاعن وأن ذلك يعني أن طريق الإصلاح في نظره لن يكون من
خلال المؤسسات الدستورية والشرعية القائمة، وأن برنامج الحزب يخالف الدستور
باتخاذه الاشتراكية العلمية مخرجاً علمياً لواقع مجتمعنا فهذا الاصطلاح لا يعني
سوى الماركسية التي ترتكز على الملكية العامة لأدوات الإنتاج مما يخالف ثورة 15
مايو سنة 1971 والحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والنظام الاشتراكي
الديمقراطي ويؤكد تعاطف برنامج الحزب مع النظم العربية التقدمية والاتحاد السوفيتي
وأن التفرقة بين مبادئ ثورتي يوليو سنة 1952 ومايو سنة 1971 وبين وثائق هاتين
الثورتين فالمبادئ التي أعلنتها الثورة هي:
1 - القضاء على الاستعمار
وأعوانه من الخونة المصريين.
2 - القضاء على الإقطاع.
3 - القضاء على الاحتكار
وسيطرة رأس المال على الحكم.
4 - إقامة عدالة اجتماعية.
5 - إقامة جيش وطني.
6 - إقامة حياة ديمقراطية
سليمة.
أما وثائق الثورة فلا
تعدو أن تكون وثائق تاريخية كالميثاق الوطني الذي يعد وثيقة سياسية لثورة 23 يوليو
سنة 1952 وليس دستوراً ولا قانوناً ملزماً وهو ما أكدته المحكمة العليا
(الدستورية) في حكمها الصادر بجلسة 5 من إبريل سنة 1975 وبالنسبة لسيطرة حزب واحد
على الصحف والملكية الوهمية للصحف فإن مرد ذلك القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن
مجلس الشورى وللطاعن الطعن بعدم دستوريته، وأضافت هيئة قضايا الدولة أن للجهة
الإدارية أن تقدم أسباباً جديدة إلى قرارها المطعون فيه أثناء نظر الدعوى أما على
طلب المحكمة أو من تلقاء نفسها مادامت هذه الأسباب كانت قائمة وقت صدور القرار
واستناداً إلى ذلك قدمت سببين جديدين: أولهما أن الحزب الناصري ليس في برنامجه
وسياساته تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى كما يشترط القانون رقم 40 لسنة 1977
معدلاً بالقانون رقم 36 لسنة 1979 بل أن برنامجه يكاد يكون مطابقاً لبرامج حزب
التجمع الوطني التقدمي الوحدوي وخاصة الجوانب السياسية والاقتصادية وتمجيد ثورة 23
يوليو سنة 52 والميثاق الوطني سنة 1962 والمناداة بالثورة كوسيلة لتحقيق أهدافها
والأخذ بالاشتراكية العلمية والعودة إلى الاقتصاد الموجه بسيطرة القطاع العام على
وسائل الإنتاج الرئيسية ونظرة كل منها إلى القطاع الخاص والتعاوني والانفتاح
الاقتصادي والاستثمارات الأجنبية. وثانيهما مناهضة مبادئ الحزب الناصري لمعاهدة
السلام بين مصر وإسرائيل بالمخالفة للمادة الرابعة من قانون الأحزاب، وأن سلطة
المحكمة تمتد لتناول التحقق من توافر الشروط القانونية التي يجب توافرها لقيام
الحزب باعتبار أن ذلك من النظام العام وسلطة القضاء في ذلك لا قيد عليها، وأضافت
أن القرار المطعون فيه لا يزال - بعد الحكم بعدم دستورية البند (سابعاً) من المادة
الرابعة ومن القانون رقم 40 لسنة 1977 - قائماً على الأسباب السبعة سالفة الذكر
وأن المحكمة الإدارية العليا أقرت في حكمها بالإحالة حق لجنة شئون الأحزاب
السياسية في إضافة أسباب جديدة لقرارها وأن المحكمة أصبحت مقيدة بما سبق أن قررته
في حكم الإحالة من أن اشتراط التمايز الظاهر هو أمر جد عسير وقد قضت المحكمة
الدستورية بدستورية النص الذي تضمن ذلك ولا محل للقول بحدته وقسوته، وأنه لما كان
الثابت أن صفة الدكتور محمد صبحي عبد الحكيم في تمثيل لجنة شئون الأحزاب السياسية
قد زالت عنه في 11/ 11/ 1986 تاريخ انتخاب الدكتور علي لطفي رئيساً لمجلس الشورى
ومن ثم أصبح بحكم القانون رئيساً للجنة وممثلاً قانونياً لها أمام القضاء فإنه
ومنذ زوال صفة الدكتور عبد الحكيم في رئاسة اللجنة فقد زالت صفته في تمثيلها في
خصومة الطعن الماثل ومن ثم فقد انقطع سير الخصومة طبقاً للمادة 30/ 1 من قانون المرافعات
وباعتبار أن هذا الطعن وجه أساساً إلى الشخص واسم رئيس اللجنة ولم يوجه إلى من
يمثل لجنة شئون الأحزاب السياسية بصفته، وبالنسبة لشرط التميز فإنه يقتضي تميزاً
في أمرين الأول برنامج الحزب ذاته والثاني سياسات الحزب أو أساليبه في تحقيق هذا
البرنامج وأن يكون تميزاً ظاهراً عن الأحزاب القائمة وأن يكون واضحاً بادياً لكل
من يتناول برنامج الحزب دون حاجة إلى بحث متعمق ذلك لأن الظهور عكس الخفاء وأن
يكون في الأساسيات والركائز وليس في الفرعيات والتفاضل، وأن التميز لا يتحقق لمجرد
اختلاف البرنامج والسياسات والأساليب أو لمجرد عدم التشابه ولكن التميز يتحقق.
ويجب أن يكون تميزاً عن جميع الأحزاب القائمة وقت تقديم طلب تأسيس الحزب الجديد
وهي في خصوص الحزب الناصري.
1 - الحزب الوطني الديمقراطي.
2 - حزب الأحرار الاشتراكيين.
3 - حزب التجمع الوطني
التقدمي الوحدوي.
4 - حزب العمل الاشتراكي.
5 - حزب الوفد الجديد.
6 - حزب الأمة، وأن سلامة
الإجراءات تستوجب أن تبدي هيئة مفوضي الدولة رأيها القانوني في شأن هذه المنازعة
لاستدراك إفادتها في التقريرين السابقين وذلك حتى تتحقق المحكمة من توافر كافة
الشروط التي حددها القانون للموافقة على تأسيس الحزب الخاص ومنها التميز عن جميع
الأحزاب الأخرى وليس حزب التجمع فقط، وقدمت هيئة قضايا الدولة دراسة مقارنة أجرتها
لبرنامج الحزب الناصري تنظيم تحالف قوى الشعب العامل في ضوء برامج الأحزاب القائمة
خلصت منها إلى أن برنامج هذا الحزب جاء في مجمله إما متماثلاً مع غيره من برامج
الأحزاب القائمة وإما لا يخرج في جوهره وعما ورد ببعض هذه البرامج وإما ترديد لما
ورد ببرامج البعض الآخر وحتى الجديد الذي أتى به البرنامج فإنه لا يتصف بالتميز
ومثال ذلك من ورد بشأن نظام الحكم والديمقراطية وسيادة القانون ومباشرة الحقوق
السياسية (الانتخاب) والقيمة الاقتصادية والإنتاجية، والتعليم والبحث العلمي
والرعاية الصحية وتنظيم الأسرة، وسياسية القوى العاملة والسياسة العربية والخارجية
والشئون الاجتماعية والتأمينات والسياسة السكانية والثقافية والإعلام والشباب
والطاقة والزراعة والأمن الغذائي والري، والنقل والمواصلات والسياسة السياحية وأنه
متى تخلف شرط التميز الظاهر في البرنامج ثم في السياسة أو الأساليب فإنه يكون
صحيحاً رفض طلب تأسيس الحزب الطاعن كما أن النظام الداخلي للحزب لم يتضمن صراحة
تحديد الجهة التي تؤول إليها أمواله عند حله أو اندماجه كنص القانون وأنه لا يكفي
تنظيم تحديد هذه الجهة عند إلحاقه إذ النص واضح ويدور مع علته وليس حكمه وانتهت
مذكرات هيئة قضايا الدولة إلى طلب إحالة الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة لإعداد تقرير
تكميلي ثاني بعد دراسة شرط التميز الظاهر في ضوء مقارنة تجريها بين برامج الحزب
الطاعن وبرامج سائر الأحزاب القائمة والحكم أولاً: بانقطاع سير الخصومة في الطعن
لزوال صفة المطعون ضده ثانياً: برفض الطعن وتأييد القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه عن انعقاد
الخصومة في الطعن الماثل فإن المادة الثامنة من القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص
بنظام الأحزاب السياسية معدلة بالقانون رقم 144 لسنة 1980 والقانون رقم 114 لسنة
1983 تنص على أن "تشكل لجنة شئون الأحزاب السياسية.. ويخطر رئيس اللجنة ممثلي
طالبي التأسيس بقرار الاعتراض وأسبابه بكتاب موصى عليه بعلم الوصول خلال عشرة أيام
على الأكثر من تاريخ صدور القرار. وتنشر القرارات التي تصدرها اللجنة بالموافقة
على تأسيس الحزب أو بالاعتراض على تأسيسه في الجريدة الرسمية وفي صحيفتين يوميتين
واسعتي الانتشار خلال ذات الميعاد المحدد في الفقرة السابقة. ويجوز لطالبي تأسيس
الحزب خلال الثلاثين يوماً التالية لنشر قرار الاعتراض في الجريدة الرسمية أن
يطعنوا بالإلغاء في هذا القرار أمام الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا التي
يرأسها رئيس مجلس الدولة.. وإذ كان الثابت أن قرار لجنة الاعتراض على تأسيس الحزب
الناصري صدر بتاريخ 18 من ديسمبر سنة 1983 ونشر في الجريدة الرسمية في 22 من
ديسمبر سنة 1983 وأن وكيل طالبي التأسيس (كمال أحمد محمد) أقام هذا الطعن بتاريخ
18 من يناير سنة 1984 بطلب إلغاء القرار سالف الذكر وفي مواجهة الدكتور محمد صبحي
عبد الحكيم بصفته رئيساً للجنة شئون الأحزاب السياسية مصدر القرار محل الطعن، ومن
ثم يكون هذا الطعن قد أقيم في الميعاد القانوني وانعقدت به الخصومة بين ذوي الصفة
والمصلحة ويكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إنه عن الدفع
بانقطاع سير الخصومة في الطعن بحلول الدكتور علي لطفي (سنة 1986) محل الدكتور محمد
صبحي عبد الحكيم ثم حلول الدكتور مصطفى حلمي (سنة 1989) محل سابقة في رئاسة لجنة
شئون الأحزاب، فإن الثابت من عريضة الطعن ذاتها أنها أقيمت ضد الدكتور/ صبحي بصفته
القانونية كرئيس للجنة شئون الأحزاب وهي لجنة دائمة ومستمرة يمثلها رئيسها أمام
القضاء وتنوب عنه هيئة قضايا الدولة نيابة قانونية وباعتبار أن هذه اللجنة في
حقيقتها لجنة إدارية وما يصدر منها هو قرار إداري ومحل لدعوى الإلغاء بالمعنى
الوارد في قانون مجلس الدولة وكذا بقانون الأحزاب السياسية ومن ثم فإن تغيير شخص
واسم رئيس اللجنة لا يترتب عليه انقطاع سير الخصومة في الطعن فضلاً عن هذا التغيير
لم يمنع المطعون ضده بصفته أو من ينوب عنه في متابعة سير الإجراءات القضائية
والقانونية في الطعن طوال السنوات السابقة خاصة أمام المحكمة الدستورية العليا منذ
21 يوليه سنة 1985 حتى إصدار حكمها في مايو سنة 1977 في القضية رقم 44 لسنة 7 ق في
المقامة من كمال أحمد محمد ضد رئيس لجنة شئون الأحزاب السياسية ويتعين رفض هذا
الدفع.
ومن حيث إنه عن طلب
التدخل المقدم بتاريخ 20/ 10/ 1984 من الأستاذ/ عطية سليمان المحامي منضماً إلى
الطاعن فإن الثابت أنه لم يكون من بين طالبي تأسيس الحزب الناصري وهم من حصر فيهم
قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 الصفة والمصلحة في تقديم إخطارات ومستندات تأسيس
الحزب ومتابعة الإجراءات أمام اللجنة بواسطة وكيل عنهم وأن تكون توقيعاتهم مصدقاً
عليها رسمياً وألا يقل عددهم عن خمسين نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين وأن
لطالبي التأسيس الطعن في القرار الصادر من اللجنة بالاعتراض أمام الدائرة الأولى
بالمحكمة الإدارية العليا التي يرأسها رئيس مجلس الدولة خلال الميعاد القانوني
سالف الذكر، ومن ثم فإن غيرهم لا يثبت له صفة قانونية في متابعة هذه الإجراءات أو
الطعن أو الانضمام إليهم فيه ما لم يكن وكيلاً عنهم أو عن بعضهم بوكالة رسمية
ثابتة، كما أن مصلحة المتدخل في هذا الطعن إنما تنشأ بقيام الحزب الناصري قانوناً
وتمتعه بالشخصية الاعتبارية وله الانضمام إليه والدعاية لبرامجه وأهدافه إن شاء
ويكون تدخله المشار إليه قد جاء من غير ذي صفة ويتعين عدم قبوله.
ومن حيث إنه عما أثاره
الطاعن ببطلان قرار لجنة الأحزاب السياسية الصادر في 18 من ديسمبر سنة 1983
بالاعتراض على تأسيس الحزب الناصري بسبب عدم حيدة رئيس اللجنة في ذلك الحين
(الدكتور صبحي) وانتماءه إلى الحزب الوطني الحاكم وما أدى إليه ذلك من بطلان
الإجراءات التي أتبعتها اللجنة وعدم سماع إيضاحات طالبي التأسيس ومناقشتهم قبل
إصدار قرار الاعتراض سالف الذكر، فإن الثابت أن طالب تأسيس الحزب الناصري قدم إلى
اللجنة في 11 من أغسطس سنة 1983 في ظل العمل بالمادة 8 من القانون رقم 40 لسنة
1977 معدلاً بالقانون رقم 144 لسنة 1980 والقانون رقم 114 لسنة 1983 وتنص على أن
تشكيل لجنة الأحزاب السياسية على النحو التالي: -
1 - رئيس مجلس الشورى رئيساً.
2 - وزير العدل.
3 - وزير الداخلية.
4 - وزير الدولة لشئون مجلس
الشعب.
5 - ثلاثة من غير المنتمين
إلى أي حزب سياسي من بين رؤساء الهيئات القضائية السابقين أو نوابهم أو وكلائهم
يصدر باختيارهم قرار من رئيس الجمهورية - أعضاء.
ويحل محل رئيس مجلس
الشورى في الرئاسة عند غيابة أحد وكيلي هذا المجلس.. ولا يكون اجتماع اللجنة
صحيحاً إلا بحضور رئيسها وأربعة من أعضاء من بينهم الأعضاء المنصوص عليهم في
البنود 2، 3، 4، 5 من الفقرة الأولى من هذه المادة.
وتصدر قرارات اللجنة
بأغلبية أصوات المحاضرين وعند التساوي يرجح رأي الجانب الذي منه الرئيس وللجنة في
سبيل مباشرة اختصاصاتها طلب المستندات والأوراق والبيانات والإيضاحات التي لزومها
من ذوي الشأن في المواعيد التي تحددها لذلك ولها أن تطلب أية مستندات أو أوراق -
أو بيانات أو معلومات من أية جهة رسمية أو عامة وأن تجري ما تراه من بحوث بنفسها
أو بلجنة فرعية منها وأن تكلف من تراه من الجهات الرسمية بإجراء أي تحقيق أو بحث
أو دراسة لازمة للتوصل إلى الحقيقة فيما هو معروض عليها.
ويقوم رئيس اللجنة بإبلاغ
رئيسي مجلسي الشعب والشورى والمدعي الاشتراكي بأسماء المؤسسين المصدق على
توقيعاتهم.
ويتولى كل من رئيسي
المجلسين إعلان تلك الأسماء.
وعلى اللجنة أن تصدر
قرارها بالبت في تأسيس الحزب على أساس ما ورد في إخطار التأسيس الابتدائي وما أسفر
عنه الفحص أو التحقيق.
ويجب أن يصدر قرار اللجنة
بالاعتراض على تأسيس الحزب مسبباً بعد سماع الإيضاحات اللازمة من ذوي الشأن.
ويعتبر انقضاء مدة
الأربعة الأشهر المشار إليها دون إصدار قرار من لجنة البت في تأسيس الحزب بمثابة
قرار بالاعتراض على هذا التأسيس.. ومفاد ذلك وفي ضوء ما نصت عليه المادة الخامسة
من دستور سنة 1971 معدلة في ضوء الاستفتاء الشعبي الذي أجري في 22 مايو سنة 1980
من أن ينظم القانون الأحزاب السياسية أن القانون رقم 40 لسنة 1977 معدلاً لم يرد
فيه نص صريح بشأن عدم انتماء رئيس لجنة الأحزاب إلى أي حزب سياسي قائم أو أنه
يتعين عليه التنحي عن صفته الحزبية عند رئاسة الجلسة وذلك أمر قصده القانون ولم
يكن غافلاً عنه بدليل وضعه هذا القيد بالنسبة لأعضاء اللجنة من رؤساء الهيئات
القضائية السابقين وإذ كانت اللجنة - سالفة الذكر بحسب تكوينها واختصاصاتها
وسلطاتها في البحث والتقصي هي لجنة إدارية وأن ما يصدر عنها من قرارات بالاعتراض
على تأسيس الحزب لا يعدو في حقيقة تكييفه الصحيح أن يكون قراراً إدارياً شكلاً
وموضوعاً وأنه خاضع للرقابة القضائية بالطعن عليه بالإلغاء أمام المحكمة المختصة
ومن ثم لا يسري بشأن أعضاء هذه اللجنة ما هو مقرر بشأن القضاء من أحكام قانونية
تتعلق بالحيدة والتنحي والمنع من المشاركة في الحكم، وباعتبار أن من أسباب الطعن
على القرار الإداري عامة الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها، وإذ كان النص سالف
الذكر ترك للجنة شئون الأحزاب حرية واسعة في البحث والدراسة والتحقيق وأجاز لها
الاتصال بجهات أخرى وطلب ما تراه لازماً للفصل في طلب تأسيس الحزب كما أجاز لها
طلب المستندات والأوراق والبيانات اللازمة من ذوي الشأن ومن ثم فإن سماع إيضاحات
أخرى من ذوي الشأن بعد تقديم طلب التأسيس ومستنداته - هو أمر جوازي للجنة إذا رأت
لزوم ذلك قبل إصدار قرارها بالاعتراض فإذا قدرت أن الفصل في الطلب لا يحتاج إلى
إيضاحات ذوي الشأن كان ذلك وباعتبار أن الطعن على قرارها بالبطلان في هذه الحالة
يثير بالضرورة لدى المحكمة المختصة - التحقق من الأسباب التي استندت إليها اللجنة
في الاعتراض ومدى قيامها على أسباب ثابتة في الأوراق التي كانت تحت نظر اللجنة عند
إصدار القرار الإداري محل الطعن ومؤدية - واقعاً وقانوناً - إلى النتيجة التي
انتهت إليها اللجنة وأقامت عليها قراراها، وإذ كان الثابت من الأوراق أن الأسباب
التي ساقتها اللجنة للاعتراض على تأسيس الحزب الناصري في 18 من ديسمبر سنة 1983 قد
استمدت جميعها - وعلى ما سلف ذكره - من مبادئ الحزب وبرنامجه ونظامه الداخلي
والمقدمة من طالبي التأسيس فمن ثم لا تثريب على اللجنة إن هي قدرت أن ما قدمه ذوو
الشأن مع طلبهم يكفي للبحث وإصدار القرار بالاعتراض دون لزوم سماع إيضاحات أخرى،
وإذ كان عيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها هو من العيوب القصدية التي يتعين
على من يتمسك بها إثباتها أمام المحكمة بأدلة راجحة القبول وإذ خلت الأوراق من ذلك
فيتعين الالتفات عما أثاره الطاعن.
ومن حيث إنه عن الأسباب
التي استند إليها القرار محل الطعن وهي أن الحزب الناصري طبقاً لما جاء بالإعلان
السياسي وبرنامج الحزب ونظامه الداخلي يقوم على النظام الشمولي ولا يؤمن
بالديمقراطية أو بتعدد الأحزاب طبقاً لما جاء بالدستور ويقوم على أن ثورة يوليو
رسمت طريقاً واضحاً أمام هذه الجماهير لتكون لها حركتها الواحدة، وتنظيمها الواحد
وأنه يرى في الثورة الطريق الوحيد الذي تستطيع المجتمعات أن تعبر عليه من الماضي
إلى المستقبل وأن الثورة هي الوسيلة الوحيدة التي تستطيع بها الشعوب المقهورة أن
تخلص نفسها من الأغلال التي تكبلها وأن ذلك يتعارض مع الشرعية الدستورية التي يقوم
عليها نظام الحكم في مصر ويرى الحزب إلى عودة الشرعية الثورية التي تستبيح أي
تغيير عن غير السبيل الدستوري كما يدعو إلى تجريد الرجعية من كافة أدواتها مما
يفتح الباب لصراعات طبقية عديدة وأن برنامجه ومبادئه ترتد إلى حقبة ماضية من تاريخ
مصر وأنه يخالف ما نصت عليه مبادئ الاستفتاء من الالتزام بالدستور فإن المادة
الأولى من دستور سنة 1971 والدائم معدلاً طبقاً للاستفتاء الذي أجري في 22 مايو
سنة 1980 تنص على أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكي ديمقراطي يقوم على
تحالف قوى الشعب العاملة وتنص المادة الرابعة على أن الأساس الاقتصادي لجمهورية
مصر العربية هو النظام الاشتراكي الديمقراطي القائم على الكفاية والعدل.. وتنص
المادة الخامسة على أن يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد
الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليه في
الدستور. وينظم القانون الأحزاب السياسية وتنص المادة 59 على أن حماية المكاسب
الاشتراكية ودعمها والحفاظ عليها واجب وطني وتنص المادة 64 على أن سيادة القانون
أساس الحكم في الدولة وتنص المادة 65 على أن تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء
وحصانته ضمانان أساسيان لحماية الحقوق والحريات وتنص المادة الأولى من القانون رقم
40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية معدلاً بالقانون رقم 36 لسنة 1979
والقانون رقم 144 لسنة 1980 على أن للمصرين حق تكوين الأحزاب السياسية ولكل مصري
الحق في الانتماء لأي حزب سياسي وذلك طبقاً لأحكام هذا القانون وتنص المادة
الثانية على أن يقصد بالحزب السياسي كل جماعة منظمة تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون
وتقوم على مبادئ وأهداف مشتركة وتعمل بالوسائل السياسية الديمقراطية لتحقيق برامج
محددة تتعلق بالشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة وذلك عن طريق
المشاركة في مسئوليات الحكم وتنص المادة الثالثة على أن تسهم الأحزاب السياسية التي
تؤسس طبقاً لأحكام هذا القانون في تحقيق التقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي
للوطن على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعي
والاشتراكية الديمقراطية والحفاظ على مكاسب العمال والفلاحين وذلك كله على الوجه
المبين بالدستور. وتعمل هذه الأحزاب باعتبارها تنظيمات وطنية وشعبية وديمقراطية
على تجميع المواطنين وتمثيلهم سياسياً وتنص المادة الرابعة على أن يشترط لتأسيس أو
استمرار أي حزب سياسي ما يلي (أولاً) عدم تعارض مقومات الحزب أو مبادئه وأهدافه أو
برامجه أو سياساته أو أساليبه في ممارسة نشاطه مع (1) مبادئ الشريعة الإسلامية
باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع. (2) مبادئ ثورتي 23 يوليو 1952، 15 مايو 1971
(3) الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والاشتراكي الديمقراطي والمكاسب
الاشتراكية.
(ثانياً) تميز برنامج
الحزب وسياساته أو أساليبه في تحقيق هذا البرنامج تميزاً ظاهراً عن الأحزاب الأخرى.
(ثالثاً) عدم قيام الحزب
في مبادئه أو برنامجه أو في مباشرة نشاطه أو اختيار قياداته أو أعضائه على أساس
يتعارض مع أحكام القانون رقم 33 لسنة 1978 بشأن حماية الجبهة الداخلية والسلام
الاجتماعي أو على أساس طبقي أو طائفي أو فئوي أو جغرافي أو على أساس التفرقة بسبب
الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة.
(رابعاً) عدم انطواء وسائل
الحزب على إقامة أية تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية.
(خامساً) عدم قيام الحزب
كفرع لحزب أو تنظيم سياسي في الخارج.
(سادساً) عدم انتماء أي من
مؤسسي أو قيادات الحزب أو ارتباطه أو تعاونه مع أحزاب أو تنظيمات أو جماعات مناهضة
للمبادئ المنصوص عليها في البند (أولاً) في هذه المادة أو في المادة 3 من هذا
القانون أو في المادة الأولى من القانون رقم 33 لسنة 1978 المشار إليه أو للمبادئ
التي وافق عليها الشعب في الاستفتاء على معاهدة السلام وإعادة تنظيم الدولة في 20
إبريل سنة 1979 (سابعاً) ألا يكون من بين مؤسسي الحزب.. (قضي بعدم دستورية هذا
البند).
(ثامناً) ألا يترتب على
قيام الحزب إعادة تكوين أي حزب من الأحزاب التي خضعت للمرسوم بقانون رقم 27 لسنة
1952 بشأن حل الأحزاب السياسية.
(تاسعاً) علانية مبادئ
وأهداف وبرامج ونظام وتنظيمات وسياسات ووسائل وأساليب مباشرة نشاط الحزب وعلانية
تشكيلاته وقياداته وعضويته ومصادر تمويله وتنص المادة الأولى من القانون رقم 33
لسنة 1978 المشار إليه على أنه مع عدم الإخلال بحرية العقيدة وحرية الرأي تحظر أية
دعوة يكون هدفها مناهضة المبادئ التي قامت عليها ثورة 23 يوليو سنة 1952 أو
الترويج لمذاهب ترمي إلى مناهضة النظام الاشتراكي الديمقراطي ومبادئ ثورة 15 مايو
1971 التي ينص عليها الدستور والتي تقوم على تحالف قوى الشعب العاملة والسلام
الاجتماعي والوحدة الوطنية والإيمان بالقيم الروحية والدينية والحفاظ على المكاسب
الاشتراكية للعمال والفلاحين واحترام سيادة القانون.
ومفاد ما تقدم - في ضوء
ما قضت المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 7 مايو سنة 1988 - أنه بتعديل المادة
الخامسة من الدستور في 22 مايو سنة 1980 بالنص على أن يقوم النظام السياسي في
جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب قد تحقق تغيير جذري في أحدى ركائز
النظام السياسي في الدولة ذلك أن هذه المادة قبل تعديلها كانت تنص على أن الاتحاد
الاشتراكي العربي هو التنظيم السياسي الذي يمثل بتنظيماته القائمة على أساس مبدأ الديمقراطية
تحالف قوى الشعب العاملة من الفلاحين والعمال والجنود والمثقفين والرأسمالية
الوطنية.. وبموجب هذا التعديل يكون الدستور قد استعاض عن التنظيم الشعبي الوحيد
ممثلاً في الإتحاد الاشتراكي المصري بنظام تعدد الأحزاب وذلك تعميقاً للنظام
الديمقراطي الذي أقام عليه الدستور البنيان السياسي للدولة وبما ردده في كثير من
مواده من أحكام ومبادئ تحدد مفهوم الديمقراطية التي أرساها وتشكل معالم المجتمع
الذي ينشده سواء ما اتصل فيها بتوكيد السيادة الشعبية - وهي جوهر الديمقراطية - أو
بكفالة الحقوق والحريات العامة - وهي هدفها - أو بالاشتراك في ممارسة السلطة - وهي
وسيلتها - كما جاء ذلك التعديل انطلاقاً من حقيقة أن الديمقراطية تقوم أصلاً على
الحرية وأنها تتطلب لضمان إنقاذ محتواها - تعدداً حزبياً بل هي تحتم هذا العدد
كضرورة لازمة لتكوين الإرادة الشعبية وتحديد السياسة الحزبية تحديداً حراً واعياً
وإذ نص الدستور على تعدد الأحزاب ليقوم على أساسه النظام السياسي في الدولة فإنه
يكون قد كفل بالضرورة حرية تكوينها وضمان حق الانضمام إليها إلا أنه لم يشأ أن
يطلق الحرية الحزبية إطلاقاً لا سبيل معه إلى تنظيمها وإنما أرادت حسبما نصت عليه
المادة الخامسة منه أن يكون التعدد الحزبي دائراً في إطار المقومات والمبادئ
الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور كما جعل جانب التنظيم التشريعي
فيه أمراً مباحاً إذ عهد إلى القانون تنظيم الأحزاب السياسية على أن يقف التدخل
التشريعي بناء على هذا التعويض عند حد التنظيم الذي ينبغي ألا يتضمن نقضاً للحرية
الحزبية أو انتقاصاً منها وأن يلتزم بالحدود والضوابط التي نص عليه الدستور فإن
جاوزه إلى حد إهدار الحرية ذاتها أو النيل منها أو خرج على القواعد والضوابط التي
نص عليها الدستور وقع القانون - فيما تجاوز فيه دائرة التنظيم - مخالفاً للدستور
ومن حيث إن الدستور والقانون في تنظيمهما للأحزاب السياسية تنظيمات توافر فيها
شروط محددة في مبادئها وبرامجها وأهدافها ووسائلها باعتبارها تنظيمات تسعى أساساً
إلى المشاركة في مسئوليات الحكم وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري
المنصوص عليها في الدستور ومن ذلك أن دولة مصر جمهورية عربية نظامها اشتراكي
ديمقراطي يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة والإسلام دين الدولة واللغة العربية
لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع والسيادة للشعب
وحده مصدر السلطات وأن الأساس الاقتصادي هو النظام الاشتراكي الديمقراطي القائم
على الكفاية والعدل، وأن الحزب يعمل بالوسائل الديمقراطية ويسهم في تحقيق التقدم
على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعي والاشتراكية
الديمقراطية والحفاظ على المكاسب الاشتراكية للعمال والفلاحين وعدم تعارض مبادئه
أو برامجه أو أهدافه مع مبادئ الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع
أو مبادئ ثورة يوليو 1952 وهي المبادئ الستة التي أعلنت غداة قيام هذه الثورة،
وعدم تعارض مبادئ الحزب ومبادئ ثورة 15 مايو سنة 1971 التي ينص عليها الدستور
والتي تقوم على تحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعي والوحدة الوطنية
والإيمان بالقيم الروحية الدينية والحفاظ على تلك المكاسب الاشتراكية للعمال
والفلاحين واحترام سيادة القانون (ق 33 لسنة 1978) وترتيباً على ذلك متى قام مانع
قانوني يتعارض مبادئه أو برامجه أو أهدافه مع شيء مما تقدم فإنه يتعين رفض طلب
تأسيسه.
ومن حيث إنه بمطالعة بيان
إعلان التنظيم الناصري نجد أنه قد ورد به أننا نحن أبناء ثورة 23 يوليو بجوهرها
الاشتراكي الوحدوي المؤمن بأهدافها في إقامة المجتمع العربي المتكامل الذي تتحرر
فيه الأرض العربية من كل ألوان السيطرة الأجنبية.. ويتحرر فيه الإنسان العربي من
كل ألوان الاستغلال الاقتصادي الاجتماعي والثقافي وتدرك أن واقعنا المصري ما زال
يحتاج إلى نضال شاق من أجل إنجاز التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وأننا
ننطلق من قاعدة فكرية أصلية تعتمد على ميثاق الثورة ووثائقها وحصيلة ممارستها
الإيجابية في الواقع المصري والعربي والعالمي هذه القاعدة الفكرية حددت رؤيتها
الثورية لتحقيق هذه الأهداف وارتكزت على أن الأديان هي في جوهرها ثورات إنسانية
وحتمية الحل الاشتراكي ووضعت تصوراً واضحاً للصراع الطبقي واختارت لحله طريقاً
سليماً عن طريق العلاج الثوري للتناقضات غير العدائية وأن ثورتنا الخالدة رسمت
طريقاً واضحاً أمام الجماهير العربية لتكون لها حركتها الواحدة وتنظيمها الواحد
وأن هذه القاعدة الفكرية الموجودة بوثائق ثورة يوليو التي أقرها الشعب وعلى هذه
المسيرة الثورية لثورة يوليو ندعو نحن الملتزمين لهذا البيان إلى العمل لتحقيقه في
إطار تنظيمي متميز يحتوي الفكر الناصري وأن التنظيم الناصري ليؤمن بالتعاون مع
كافة القوى التي تعمل في سبيل الديمقراطية والتقدم ويؤمن بأن مبادئ ثورة 23 يوليو
على المنهج الناصري بأبعادها الإيجابية هي التي رسمت أمام شعبنا العربي المصري
والأمة العربية طريق النضال والكفاح وأن الناصرية ليست حرفية نص ولكنها مفهوم
لتجربة ومنهج وأن الناصرية هي مذهب سياسي نتاج لمجموعة المعالم والقيم الفكرية
ومحصلاتها التطبيقية التي أرسى دعائمها النظرية وقاد تجربتها العلمية جمال عبد
الناصر طيلة ثمانية عشر عاماً وأن الناصرية ظاهرة من أهم الظواهر التي شهدها الفكر
السياسي في النصف الثاني من القرن العشرين وهي كأسلوب ثوري لما تضع عائقاً يحد من
حركتها في صنع التقدم في التطبيق مع امتلاكها لثوابت أساسية تحكم تيار هذه الحركة وأن
الناصرية تجربة نضالية ترى في الثورة الطريق الوحيد الذي تستطيع المجتمعات أن تعبر
عليه من الماضي إلى المستقبل والوسيلة الوحيدة التي تستطيع بها الشعوب المقهورة أن
تخلص نفسها من الأغلال التي كبلتها ومن الرواسب التي أثقلت كاهلها وهي الوسيلة
الوحيدة لمغالبة التخلف الذي أرغمت عليه هذه الشعوب كنتيجة طبيعية للقهر
والاستغلال والثورة هي الوسيلة الوحيدة لمقابلة التحدي الكبير الذي ينتظر الأمة
العربية وغيرها من الأمم التي تستكمل نموها ذلك التحدي الذي تسببه الاكتشافات
العلمية الهائلة التي تساعد على مضاعفة الفوارق ما بين التقدم والتخلف وتضمن
البرنامج في مجال الديمقراطية أن جوهر الديمقراطية هو توكيد السيادة للشعب ووضع
السلطة كلها في يده أما أشكالها والمنظمات التي تقوم بقصد كفالة هذا التوكيد
عملياً فهي تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان باختلاف الظروف والبيئة التي
تقوم فيها تلك النظم وأن قيام نظام ديمقراطي سليم قد كان منذ قيام ثورة 23 يوليو
هدفاً رئيسياً فمن أهداف التغيير الأساسي الذي قامت تلك الثورة لتحقيقه ومنذ أعلنت
المبادئ الستة المشهورة والتي حدد بها الثوار طريقهم إلى العمل الثوري بدت بالنسبة
للديمقراطية حقيقتان الأولى أن الديمقراطية المنشودة ليست كما ما كان قائماً قبل
الثورة أو ما تعارف عليه في الغرب والثانية إيمان كامل باستحالة إقامة تلك
الديمقراطية السليمة دون تحقيق الأهداف الأخرى التي تتصل بتغيير النظام الاجتماعي
والاقتصادي للبلاد ولقد تبلورت فلسفتنا الناصرية في الديمقراطية السياسية في
النهاية إلى ديمقراطية التحالف الذي يقوم على تناقض من غير تصادم وأن ثمة تناقض
بين مصالح العمال والرأسمالية الوطنية وبين العمال والفلاحين وهو تناقض ثانوي وغير
عدائي ومرهون بعلاج أسبابه سلمياً ولكن سلمية هذا الحل مرهون بتجريد الرجعية من
كافة أدواتها وأن سيادة القانون لا تتم إلا بجعل التشريعات والقوانين في خدمة
الجماهير صاحبة المصلحة في الاشتراكية بحيث لا يكون سيفاً مسلطاً عليها ويستفاد من
ذلك أن مبادئ وبرنامج الحزب الناصري يتخذ من ثورة 23 يوليو سنة 1952 المصدر
الرئيسي لأفكاره وسياساته وذلك على النحو الذي صنعه - فكراً وعملاً - جمال عبد
الناصر حتى وفاته إلى رحمة الله في سبتمبر سنة 1970 وأنه يدعو إلى اعتناق وتطبيق
النظرية الناصرية في السياسة والديمقراطية والحكم وأنه وقف في منهجه عند المرحلة
التي انتهت بوفاة صاحبة النظرية ودون متابعة للمرحلة الانتقالية اللاحقة منذ ثورة
15 مايو سنة 1971 حتى تعديل الدستور في 22 مايو سنة 1980 وهي المرحلة التي صدر
فيها قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 وتعديلاته والقانون رقم 33 لسنة 1978 الذي
حدد مدلولاً واضحاً وصريحاً لمبادئ ثورة 15 مايو سنة 1971 بل لم يشر هذا الإعلان
السياسي للحزب إلى هذه الثورة كما لم يتابع المرحلة التي بدأت بإتمام الاستفتاء
الشعبي في 22 مايو سنة 1980 وما تلاه من تعديل للدستور يجعل تعدد الأحزاب السياسية
أساساً للنظام السياسي في مصر وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع
ومن ثم فإنه يتعين لمراقبة صحة الأسباب التي استندت إليها لجنة الأحزاب السياسية
في 18 ديسمبر سنة 1983 في قرارها بالاعتراض على تأسيس الحزب الناصري ومن مدلولتها
- في ضوء ما ورد بإعلانه والسياسي للحزب وبرنامجه - سالف الذكر - الرجوع إلى
مفاهيم ثورة 23 يوليو سنة 1952 وتجربتها العملية في مجال الديمقراطية والحكم -
التي يهدف الحزب الناصري - إلى تطبيقها عند وصوله للحكم وذلك حتى وفاة صاحب
النظرية في سبتمبر سنة 1970 وبذلك يتبين مدى تعارض هذه النظرية فكراً وعملاً مع
الأوضاع الدستورية والقانونية القائمة في مصر منذ عام 1983 وحتى الآن.
ومن حيث إن هذه المحكمة
بتشكلها الذي أورده القانون رقم 40 لسنة 1977 وإن كانت لا تؤرخ لثورة 23 يوليو سنة
1952 ولا تتقصى كافة إيجابياتها وسلبياتها باعتبار أن ذلك ليس من اختصاصاتها إلا
أنه لما كان التحقق من الشروط الدستورية والقانونية ومدى توافرها في الحزب الناصري
وعدم تعارض مبادئه مع ما سبق ذكره هو أمر يتعلق بنصوص تعالج بطبيعتها موضوعاً
سياسياً ودستورياً هو النظام الشامل لشئون الأحزاب السياسية وأن ما ورد بشأنها من
عبارات كالاشتراكية الديمقراطية والوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي والمكاسب
الاشتراكية والنظام الاشتراكي الديمقراطي وهي عبارات وردت في مقدمة الدستور وفي
بعض نصوصه وفي القوانين وأن الظاهر تداخل المعاني الدستورية والسياسية لهذه
العبارات وهي بحكم طبيعتها يتم تفسيرها من خلال الممارسة والتطبيق وما نشأ عنهما
من عرف دستوري وتشريعي فإنه بالرجوع إلى أعمال اللجان التشريعية بمجلس الشعب والتي
صاحبت إصدار قانون الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 وتعديلاته اللاحقة تبين أنه
بعد قيام ثورة 23 يوليو سنة 1952 أعلنت المبادئ الستة الأساسية وهي:
1 - القضاء على الاستعمار
وأعوانه.
2 - القضاء على الإقطاع.
3 - القضاء على الاحتكار وسيطرة
رأس المال على الحكم.
4 - إقامة جيش وطني قوي.
5 - إقامة عدالة اجتماعية.
6 - إقامة حياة ديمقراطية
سليمة. ثم صدر المرسوم بقانون رقم 179 لسنة 1952 بتنظيم الأحزاب السياسية وفي 10
من ديسمبر سنة 1952 صدر الإعلان الدستوري بإسقاط دستور 1923 وفي 13 من يناير سنة 1953
صدر مرسوم بتشكيل لجنة الخمسين لوضع دستور جديد يتفق وأهداف الثورة، وفي 17 يناير
سنة 1953 أصدر رئيس حركة الجيش إعلاناً دستورياً بفترة انتقال ثلاث سنوات حتى
تتمكن الثورة من إقامة حكم ديمقراطي دستوري سليم وعقب ذلك صدر المرسوم بقانون رقم
37 لسنة 1953 بحل الأحزاب السياسية وإلغاء المرسوم بقانون رقم 179 سنة 1952 وفي 10
من فبراير سنة 1953 صدر إعلان دستوري بالمبادئ الأساسية للحكم في المرحلة
الانتقالية وصدر المرسوم بقانون رقم 36 لسنة 1953 باعتبار التدابير المتخذة لحماية
حركة 23 يوليو سنة 1952 هي أعمال سيادة وأنشئت هيئة التحرير كتجمع وطني شعبي لتحقق
إجلاء المستعمر عن البلاد، وعندما صدر دستور سنة 1956 نص على أن يكون المواطنون
إتحاداً قومياً للعمل على تحقيق أهداف الثورة وبحث الجهود لبناء الأمة بناء سليماً
من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية وترك الدستور تنظيمه وتكونه لقرار من
رئيس الجمهورية واستمر الاتحاد القومي في ظل الدستور المؤقت سنة 1958 بعد الاتحاد
مع سوريا وبوقوع الانفصال سنة 1961 صدر إعلان دستوري في 27 من سبتمبر سنة 1961
بشأن التنظيم السياسي لسلطات الدولة العليا، وفي سنة 1962 أعلن الميثاق القومي
لتعزيز فاعلية وقدرة تحالف قوى الشعب العاملة الذي أصبح يتولى مسئولية قيادة العمل
الوطني ثم نص دستور سنة 1964 على أن هذا التحالف يقيم الاتحاد الاشتراكي العربي
ليكون السلطة الممثلة للشعب والدافعة لإمكانات الثورة والحارسة على قيم
الديمقراطية السليمة، وبعد هزيمة يونيه سنة 1967 صدر بيان 30 مارس سنة 1968
متضمناً أن من بين الأسباب الرئيسية للهزيمة إهدار سيادة القانون وانعدام
الديمقراطية في ظل سيطرة مراكز القوى على الاتحاد الاشتراكي وعلى السلطة في البلاد
وبعد ثورة التصحيح في 15 مايو سنة 1971 أقر المؤتمر العام للاتحاد الاشتراكي في 23
يوليو 1971 برنامج العمل الوطني وقد أبرز هذا البرنامج مشكلة التنظيم السياسي
واستغلال مراكز القوى له وانعدام الديمقراطية فيه وخنقه الديمقراطية خارجة وأنه
يتعين توفير مبدأ سيادة - الديمقراطية داخل التنظيم سياسياً وإيجاد الظروف
الملائمة لممارسة حرية الرأي والتعبير لكل عضو ولكل مستوى وأن الديمقراطية هي
الطريق إلى جماعية القيادة باتخاذ القرار على أساس من الخبرة الجماعية، وأبقى
دستور سنة 1971 على الاتحاد الاشتراكي العربي، وتضمنت ورقة أكتوبر سنة 1974 - التي
وافق عليها الشعب في استفتائه أنه بكل أمانة لابد أن تسلم بأنه إذا كانت ثورة سنة
1952 قد أنجزت الكثير في الحرية الاجتماعية فإن جانب الحرية السياسية لم يتحقق على
الوجه الذي يريده الشعب وأننا لا نقبل نظرية الحزب الواحد الذي يفرض وصايته على
الجماهير ويصادر حرية الرأي ويحرم الشعب من ممارسة حريته السياسية، ثم تضمنت ورقة
أغسطس سنة 1974 وتطويراً للاتحاد الاشتراكي لجعله بوتقة تنصهر فيها الأفكار
المتعارضة وأن فكرة الحزب الواحد لا تتأكد إلا بالتسليم بتعدد الاتجاهات داخل
الاتحاد الاشتراكي وأن مراكز القوى جعلت من التنظيم السياسي جهازاً بيروقراطياً
لخدمة طموحها المتسلط وهذا أمر مرفوض من الشعب لأنه يحول التحالف إلى حزب غير
شرعي، ثم شكلت في 2 مارس سنة 1976 لجان لدراسة كيفية دعم الممارسة الديمقراطية
ومستقبل العمل السياسي وفي خطاب الرئيس المرحوم محمد أنور السادات في نوفمبر سنة
1976 أعلن الأخذ بما أستقر عليه رأي الأغلبية من البدء في تكوين ثلاث تنظيمات تمثل
اليمين والوسط واليسار وأن تتحول هذه التنظيمات إلى أحزاب سياسية وسوف يصبح كل حزب
حراً في إدارة نشاطه في حدود الدستور والقانون، وأضافت اللجنة التشريعية عند تعديل
قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977 وبعد الاستفتاء الذي تم في 20 إبريل سنة 1979 أن
العمل السياسي في مصر سار بعد الأحزاب السياسية سنة 1953 لأسباب متعددة في تكريس
النظام الشمولي الذي لا أحزاب فيه من خلال هيئة التحرير والاتحاد القومي ثم الاتحاد
الاشتراكي العربي وتعطلت مسيرة البناء الديمقراطي حتى إزاحة مراكز القوي بعد ثورة
15 مايو سنة1971 ثم بدأت مرحلة إقامة الحياة الديمقراطية السليمة وتقرر مبدأ سيادة
الدستور والقانون ولا شك أن من أبرز معالم هذا التقدم في طريق تعميق الديمقراطية
وتوطيد أركانها صدور القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية مستهدفاً
إطلاق حرية تكوين الأحزاب السياسية مع استبعاد العيوب التي شابت الحياة الحزبية
قبل الثورة سنة 1952، وكان مما وافق عليه الشعب في هذا الاستفتاء إعادة تنظيم
الدولة ودعماً للديمقراطية على أساس إطلاق حرية الأحزاب السياسية وأن الشرعية
الدستورية في مصر تقوم على مبادئ وإنجازات ثورتي 23 يوليو 1952 و15 مايو 1971
والالتزام في كل الظروف بسيادة القانون وأن الدستور هو الوثيقة الأساسية الوحيدة
التي يقوم عليها نظام الدولة وتعديله بالأسلوب الدستوري هو الطريق الوحيد للتعبير
عن متطلبات مرحلة التطوير للشعب وإنشاء مجلس الشورى يضم ممثلين عن كل فات الشعب
وهيئاته.
ومن حيث إن الواضح مما
تقدم أن النظرية الناصرية التي يعتنقها الحزب الناصري فكراً وعملاً يجعلها القدوة
المثلى لمبادئه وبرامجه وأساليبه عند المشاركة في الحكم أو الوصول إلى سلطة الحكم،
فهذه النظرية - كما سبق وكما أكده بيان 30 مارس سنة 1968 أثناء حياة صاحب النظرية
رحمة الله لم تحقق الديمقراطية بالمعنى البسيط وهو حرية الرأي في أي مستوى ومن باب
أولى بعدت - فكراً وتجربة - عن الديمقراطية السليمة والتي نادت بها الثورة كمبدأ
سادس، ومن مظاهر ذلك إلغاء قانون الأحزاب السياسية سنة 1953 وكثرة الإعلانات
الدستورية وقيام تنظيم واحد بأمر الحاكم بدءاً من هيئة التحرير ومروراً بالاتحاد
القومي وانتهاء بالاتحاد الاشتراكي العربي وجعل الانضمام إليه إجبارياً كشرط لتولي
بعض الوظائف العامة أو المناصب العامة أو الترشيح وانعدام حرية الرأي داخله وخارجه
وعدم الإيمان بتعدد الأحزاب كخطوة أولى وأساسية لمشاركة فئات الشعب في شئون الحكم
كما انعدمت القيادة الجماعية في كل المستويات وسادت الإجراءات الاستثنائية كفرض
الحراسات وتصفية الإقطاع وتعقب ما سمي بفلول الرجعية أو الانتهازية وكثرت مواقع
التقاضي وتوسع في أعمال السيادة وتطهير الإدارة الحكومية عامة ثم جهات القضاء خاصة
وتسلط على الحكم والشعب ما عرف بالجهاز الطليعي السري واختفت سيادة الدستور
والقانون تحت شعارات مختلفة ولم تقم تنظيمات الاتحاد الاشتراكي جبهة عريضة في
الآراء والاتجاهات المتباينة وعزلت فئات متعددة من أبناء مصر من الانضمام إليه بسبب
اتجاهاتها السياسية مما أوجد قوى شعبية محرومة من التعبير السلمي والديمقراطي عن
اتجاهاتها ومصالحها والدفاع المشروع عن وجودها في نظام ما تسمح به أحكام الدستور
وتحول التنظيم السياسي الواحد من تنظيم جماهيري إلى سلطة هرمية تتداخل في ممتلكات
الدولة الأخرى وتسيطر وتهيمن هيمنة تامة عليها وبواسطة مراكز القوي المنشقة
(كتحرير اللجنة التشريعية) وترتيباً على اختيار الحزب الناصري لهذه النظرية -
فكراً وعملاً فأنه يتعين تفسير ما أورده بالإعلان السياسي وبرنامجه ونظامه الداخلي
من عبارات وأفكار بالرجوع إلى الأصل المقيس عليه والذي يهدف إلى إعادة سيرته
الأولى وجعله عقيدة وشريعة لتجميع المواطنين للمشاركة في الحكم ثم وصولاً إليه،
ومن ذلك إيمان الحزب باستحالة إقامة الديمقراطية السليمة دون تحقيق الأهداف الأخرى
التي تتصل بتغيير النظام الاجتماعي والاقتصادي فإن هذا هو ذات الاعتبار الذي أدى
إلى اختفاء الديمقراطية السياسية في مصر طوال الفترة الناصرية اكتفاء بالعدالة
الاجتماعية وتوسيع دائرتها، كما أن الحزب الناصري يرى أن شكل الديمقراطية
وتنظيماتها أمر مختلف عليه حسب ظروف الزمان والمكان وبذلك ينكر الشكل الديمقراطي
الذي أختاره الشعب وأقره الدستور والقانون سنة 1980 والقائم على تعدد الأحزاب
السياسية وبذلك يكون من أهدافه عودة النظام الشمولي الذي ساد الفترة الناصرية
واستئثار تنظيم واحد بمقدرات الشعب والحياة السياسية في مصر، كما أن فكرة الحزب
الناصري عن التناقض بين فئات الشعب وحلها يقوم على أن حل التناقض غير العدائي عن
طريق العلاج الثوري بما يعني التشريعات والإجراءات الاستثنائية وأشار الحزب إلى
كيفية حل التناقضات التي يراها عدائية وذلك عند كلامه عن الديمقراطية إذ رهن الحل
السلمي سالف الذكر على تجريد الرجعية من كل أدواتها وترك تحديد معنى الرجعية مما
يجعله سيفاً مسلطاً على رقاب بعض المواطنين ووسيلة للإرهاب مما يناهض ويخالف ما
أقره الدستور والقانون منذ 1983 من الحفاظ على السلام الاجتماعي بين جميع
المواطنين باحترام المشروعية وسيادة القانون وعدم خروج الحزب على الأساليب الشرعية
والسلمية والديمقراطية وعدم بثه الكراهية والحقد وبما يثير الفتنة والانقسام سواء
بين فئات تحالف قوى الشعب العاملة أو بينها وبين الفئات الأخرى من الشعب وبما يؤدي
إليه ذلك بعد الممارسة العملية من تفتيت الوحدة الوطنية والتي حظرها الدستور
والقانون، كما أن الحزب الناصري ينادي بأن الثورة هي الطريق الوحيد لتحقيق آمال
الشعوب والمجتمعات وأن الناصرية كأسلوب ثوري لم تضع عائقاً من حركتها في صنع
التقدم في التطبيق، ويعني ذلك أن هدف الحزب الناصري هو إعادة سيطرة الفكر الثوري
والممارسة الثورية على النحو الذي كانت طوال ثمانية عشر عاماً من 52 حتى 1970 وهذا
يعني سيادة المشروعية الثورية بتغيير النظام في المجتمع على الوجه الذي يحقق إرادة
الفئة صاحبة المصلحة عن غير الطريق الذي يرسمه النظام القانوني السائد وهذا المعنى
الحقيقي وهو ما التزمته التجربة الناصرية فلم يقف أمامها عائق يدعو إلى التبصر في
العواقب وبذلك يكون ما ينادي به الحزب على هذا النحو يتعارض مع سيادة مبدأ الدستور
والقانون بوثيقة إعلان دستور سنة 1971 من أن سيادة القانون ليست ضماناً مطلوباً
لحرية الفرد فحسب لكنها الأساس الوحيد لمشروعية السلطة في ذات الوقت وهو أيضاً ما
أكده الاستفتاء الشعبي في 20 من إبريل سنة 1979 من الالتزام في كل الظروف بسيادة
القانون وأن الدستور هو الوثيقة الأساسية التي يقوم عليها نظام الدولة. ومن حيث إن
قرار لجنة الأحزاب السياسية الصادر بتاريخ 18 من ديسمبر سنة 1983 بالاعتراض على
تأسيس الحزب الناصري بني على أسباب منها أنه حزب يقوم على النظام الشمولي ولا يؤمن
بالديمقراطية أو بتعدد الأحزاب طبقاً لما جاء بالدستور الصادر سنة 1971 والقانون
رقم 40 لسنة 1977 وأن برنامجه يتعارض مع الشرعية الدستورية التي يقوم عليها نظام
الحكم في مصر ويرمي إلى عودة الشرعية الثورية وأنه يفتح الباب لصراعات طبقية عديدة
بما يتنافي مع السلام الاجتماعي الذي نص قانون الأحزاب على وجوب الالتزام به فإنه
وبالقدر اللازم للفصل في الاعتراض الماثل، وإذ كان الثابت من الوثائق المقدمة من
الحزب المتضمنة أهدافه وبرامجه في العمل السياسي وسياساته والأساليب التي يعتنقها
في سبيل تحقيق هذه السياسات وحسبما يستفاد من إحالة البرامج إلى وثائق العمل
السياسي في مصر من تاريخ قيام ثورة 1952 وحتى بيان 30 مارس سنة 1968 أن مفهومه عن
الديمقراطية هو مفهوم خاص، بغض النظر عن مضمونه ولا يتلاقى مع مفهوم الديمقراطية
التي يقوم عليها النظام السياسي في جمهورية مصر العربية حسبما ورد بالدستور من
قيام هذا النظام على أساس التعددية الحزبية فكل تلك الوثائق تنظر إلى وجوب تحقيق
ظروف اجتماعية خاصة قبل تحقيق الديمقراطية السليمة، بمعنى التعدد الحزبي، إلى وجوب
تجريد ما تعبر عنه بأنه قوى رجعية من كافة أدواتها مما من شأنه أن يفرق، في مجال
العمل السياسي بين قوى تقدمية وقوى رجعية بمعيار ينفرد الحزب، أو التنظيم كما ورد
التعبير عنه بذات البرنامج، بوضعه مما يحيله إلى سلطة وصاية يعملها بإرادته
ويصيغها بمشيئته باعتبار انه يحمل وحده دون سواه لواء الحقيقة، وكل ذلك تنذر بنبت
يحمل صفاتها الشمولية ويثمر صراعاً بين قوى الحق، التي تتمثل في الحزب طالب
التأسيس وبين قوى الرجعية وهي القوى التي تعارض فكرة، وكل ذلك يمثل في حقيقة
الواقع نظرة إلى حقبة مضت من تاريخ جمهورية مصر العربية السياسي، أياً ما يكون
تقييمها، تجاوزتها التطورات الدستورية والقانونية السارية التي تقوم في أساسها على
مبدأ أصولي يتحصل في سيادة القانون وحده وفي حرية الرأي وحرية التعبير عن هذا
الرأي، وبالترتيب على ذلك فإن استخلاص لجنة شئون الأحزاب برامج الحزب طالب التأسيس
وأهدافه مع ما تقدم من أحكام الدستور والقانون يكون استخلاصاً سائغاً من أصول
تنتجه صدقاً وحقاً مما يكفي لقيام القرار بالاعتراض على التأسيس على سبب يكفي
لحمله محل الصحة ويقيمه على مقام الصدق والحق والقانون، ويكون الطعن على هذا
القرار غير قائم على أساس من الواقع أو القانون ويتعين رفضه استناداً إلى ما ذكر
دون حاجة إلى بحث باقي الأسباب.
ومن حيث إن الطاعن خسر
طعنه فيلزم المصروفات عملاً بالمادة 184 مرافعات.