وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في قوله إنه "في مساء يوم 22/7/1958 وأثناء مرور الأمباشي ........ من قوة مخابرات السواحل بدائرة جمرك بورسعيد شاهد المتهم (الطاعن) بداخل الدائرة الجمركية في طريقه إلى الباب رقم 20 جمرك بورسعيد ودون مروره على حجرة معاون الجمرك فاشتبه في أمره واقتاده للضابط النوبتجي الملازم أول ...... من قوة حرس جمرك بورسعيد الذي أمره بتفتيشه أمامه ففعل وقد عثر في جيب سترته الأيمن الخارجي على علبة سجاير بها سجاير وأربع لفافات من الأفيون زنتها 17.80 جراما كما عثر معه على مهربات جمركية" وأورد الحكم على ثبوت الواقعة لديه على هذا النحو أدلة مستمدة من شهادة الشاهدين سالفي البيان ومما ثبت من تقرير المعامل بمصلحة الطب الشرعي عند تحليل المادة المضبوطة مع الطاعن ومما قرره الأخير في جميع أدوار التحقيقات من ضبط المادة المخدرة معه معللا ذلك بأن أحدا من البحارة قد دسها له, وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وتتوافر بها كافة العناصر القانونية للجريمة التي دين الطاعن بها. لما كان ذلك, وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن الموضوعي القائم على دس المخدر له من أحد زملائه البحارة ورد عليه بما يفنده ثم تناول الدفع ببطلان القبض والتفتيش فرد عليه في قوله "وبما أن الدفع ببطلان القبض والتفتيش في غير محله إذ لا جدال في ضبط المتهم (الطاعن) بداخل الدائرة الجمركية ولائحة الجمارك والمرسوم الصادر في 27/12/1938 صريحان في تخويل موظفي الجمارك وحرسه رجال خفر السواحل الحق في تفتيش الأمتعة والأشخاص في حدود الدائرة الجمركية فإذا عثر أحدهم أثناء التفتيش الذي يجريه عن دليل يكشف عن جريمة غير جمركية معاقب عليها في القانون العام فإنه يصحح الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم في تلك الجرائم لأنه ظهر أثناء إجراء مشروع خولته اللوائح والقوانين ولم ترتكب في سبيل الحصول عليه أية مخالفة" وخلص الحكم من ذلك إلى رفض الدفع وانتهى إلى أن الطاعن قد أحرز الأفيون المضبوط وهو عالم بكنهه وذلك بقصد التعاطي مستبعدا ما جاء بوصف التهمة من أن الإحراز كان بغرض جلبه إلى أراضي الجمهورية العربية, واستدل على ذلك بأنه ضبط بداخل الدائرة الجمركية ولا يوجد ما ينفي اتصاله بأحد بعد نزوله من الباخرة وحصوله على المخدر بقصد التعاطي. لما كان ذلك, وكان الدفاع بأن التهمة ملفقة على المتهم هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستوجب في الأصل ردا صريحا إذ يكفي للرد عليه ما أورده الحكم من أدلة الثبوت السائغة, ومع ذلك فإن ما أورده الحكم وهو في معرض التصدي لتفنيد هذا الدفع يصلح للرد عليه. لما كان ذلك, وكان ما ذكره الحكم ردا على الدفع ببطلان القبض والتفتيش صحيحا في القانون ذلك أنه يبين من استقراء نصوص اللائحة الجمركية الصادرة بالأمر العالي في 2 من أبريل سنة 1884 والقوانين المعدلة لها ومما أصدرته مصلحة الجمارك من تعليمات في خصوص تطبيق أحكام هذه اللائحة أن سواحل "البحر المالح" والحدود الفاصلة بين القطر المصري والبلاد المجاورة له تعتبر خطا للجمارك أما منطقة المراقبة فهي دائرة معينة حددها القانون لإجراء الكشف والتفتيش والمراجعة -وهي دائرة مغلقة وأكد إغلاقها القانون رقم 354 لسنة 1956 بشأن حظر دخول الدوائر الجمركية بالمواني والمطارات الذي حظر دخولها بغير إذن من وزير الحربية أو من ينيبه أو بمقتضى جواز سفر مستوف- وقد أسبغ القانون رقم 9 لسنة 1905 في شأن منع تهريب البضائع صفة الضبط القضائي على موظفي الجمارك وعمالها في أثناء قيامهم بتأدية وظائفهم وبقيت لهم هذه الصفة إعمالا لنص المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 243 لسنة 1953 كما أيد القانون رقم 623 لسنة 1955 بأحكام التهريب الجمركي هذه الصفة بالنسبة إلى موظفي الجمارك ولكل موظف يصدر بتعيينه قرار من "وزير المالية والاقتصاد" وأضفاها القانون رقم 114 لسنة 1953 على الضباط وضباط الصف بمصلحة خفر السواحل وحرس الجمارك والمصائد فيما يتعلق بجرائم التهريب ومخالفة القوانين واللوائح المعمول بها في الأقسام والجهات الخاضعة لاختصاص مصلحة خفر السواحل وحرس الجمارك والمصائد. ومفاد هذه النصوص أن الشارع أخضع دائرة المراقبة الجمركية نظرا إلى طبيعة التهريب الجمركي - لإجراءات وقيود معلومة منها تفتيش الأمتعة والأشخاص الذين يدخلون إليها أو يخرجون منها أو يمرون بها بصرف النظر عن رضاء هؤلاء الأشخاص بهذا التفتيش أو عدم رضائهم به. وهذا الإجراء هو ضرب من الكشف عن أفعال التهريب استهدف الشارع به صالح الخزانة ويجريه عمال الجمرك وحراسه ممن سلف بيانهم لمجرد قيام مظنة التهريب فيمن يوجدون بمنطقة المراقبة دون أن يتطلب الشارع توافر قيود القبض والتفتيش المنظمة بقانون الإجراءات الجنائية واشتراط وجود الشخص المراد تفتيشه في إحدى الحالات المبررة له في نطاق الفهم القانوني للمبادئ المقررة في هذا القانون. وقد أفصح الشارع عن مراده حين نص في المادة الثانية من اللائحة الجمركية المعدلة أخيرا بالقانون رقم 65 لسنة 1959 على أن تخزين ونقل البضائع التي قطعت خط الجمارك في حدود دائرة المراقبة - يكونان تحت "مراقبة" عمال الجمارك وأن للجمرك حق "الكشف" "والتفتيش" على القوافل المارة في الصحراء متى اشتبه بأنها تزاول تجارة يمنعها القانون, وحين نص في المادة السابعة من اللائحة المذكورة على حق الجمرك في "الكشف" على جميع الطرود, وحين نص في البند الرابع من المادة 35 على اعتبار البضائع الأجنبية الموجودة مع أفراد الناس أو بين عفشهم أو في القوارب أو في العربات والبضائع المخفاة داخل طرود المفروشات أو طرود بضائع من جنس آخر - مهربة متى كان وضعها بطريقة تحمل على الظن بتعمد تهريبها من رسوم الجمرك, وحين نص في البنود "خامسا" و"سادسا" و"ثامنا" من المادة المذكورة على اعتبار البضائع الأجنبية المأخوذة من الجمرك بدون إذن إفراج والمودعة الصحراء خارج خط الجمارك في حالة توجب "الشبهة" من قبيل البضائع المهربة, وكذلك الحال بالنسبة إلى جميع البضائع المقرر عليها رسوم صادر التي تخرج أو يشرع في إخراجها بدون إحضارها إلى الجمرك, وحين نص في المادة 41 المعدلة بالقانون رقم 89 لسنة 1937 على أنه في حالة وجود "شبهة احتيال" يجوز للمستخدمين الكشف والتفتيش داخل المساكن والمخازن حتى حدود المراقبة ولا يكون ذلك إلا بقصد البحث عن البضائع الممنوعة أو المهربة من دفع الرسوم وضبطها إذا دعت الحال ونظمت المادة المذكورة وإجراءات هذا الكشف والتفتيش. ومؤدى هذه النصوص مجتمعة هو أن حق عمال الجمارك وحراسه سالفي البيان في الكشف والتفتيش في حدود دائرة المراقبة الجمركية أمر يقره القانون على أن هذا الحق في خصوص تفتيش الأشخاص ليس مطلقا بل يجب أن يمارسه المخاطبون به في نطاق ما يصادفهم من حالات تنم عن شبهة في توافر التهريب الجمركي فيها -في الحدود المعرف بها قانونا طبقا لما نص عليه أخيرا القانون رقم 623 لسنة 1955 بأحكام التهريب الجمركي- لما كان ذلك, وكانت الشبهة المقصودة في هذا المقام هي حالة ذهنية تقوم بنفس المنوط بهم تنفيذ القوانين الجمركية يصح معها في العقل القول بقيام مظنة التهريب من شخص موجود في حدود دائرة المراقبة الجمركية - ومتى أقرت محكمة الموضوع أولئك الأشخاص فيما قام لديهم من اعتبارات أدت إلى الاشتباه في الشخص محل التفتيش -في حدود دائرة المراقبة الجمركية- على توافر فعل التهريب فلا معقب عليها في ذلك. ولا يقدح في هذا النظر زوال الصفة المدنية لأفعال التهريب في ظل خضوعها لأحكام اللائحة الجمركية حين ألحقت بجرائم القانون العام عملا بالقانون رقم 623 لسنة 1955 بأحكام التهريب الجمركي الذي ألغى أحكام التهريب التي كان منصوصا عليها في اللائحة الجمركية وكل ما يخالفه من أحكام ونقل اختصاص الفصل فيها من اللجان الجمركية إلى المحاكمة الجنائية, وما يترتب على ذلك من إخضاع هذه الجرائم للأحكام المقررة في قانون الإجراءات الجنائية من حيث التحقيق وما يندرج تحته من قبض وتفتيش, ذلك بأن أفعال التهريب الجمركي وإن أدخلت في زمرة الجرائم إلا أنها لا تزال تحمل في طياتها طابعا خاصا مميزا لها عن سائر الجرائم وهو ما أشار إليه الشارع في المذكرة الإيضاحية المصاحبة للقانون رقم 623 لسنة 1955 إذ قال تبريرا لإصدار هذا القانون. "ونظرا إلى تقادم العهد على صدور اللائحة الجمركية في 2 أبريل سنة 1884 فقد رؤى سن قانون بتنظيم أحكام التهريب يتمشى مع ما بلغته البلاد في نهضتها الحاضرة ويكفل المحافظة على موارد الخزانة العامة من الرسوم والعوائد الجمركية ويحمل التجارة على احترام القيود المفروضة على الاستيراد أو التصدير". وتمشيا مع هذا الاتجاه إختط الشارع خطة التوسع في تحريم أفعال التهريب الجمركي إلى ما يسبق نطاق الشروع في الجريمة -إذ نص هذا القانون في مادته الثانية على تجريم التهريب والشروع فيه أو محاولة ذلك وهذا الاتجاه من الشارع من تناول مجرد محاولة التهريب بالعقاب- وهي مرحلة دون الشروع تقع بين الأعمال التحضيرية والبدء في التنفيذ بذاته على الطبيعة الخاصة لهذه الجرائم ويؤكد خضوعها لحالات مغايرة للمفاهيم المتواضع عليها بالنسبة إلى باقي الجرائم. ومن الواضح أن إلغاء أحكام التهريب المنصوص عليها في اللائحة الجمركية وكل ما يخالف نصوص القانون رقم 623 لسنة 1955 لا يشمل الأحكام الإجرائية الخاصة بالكشف عنها طبقا لما سلف بيانه. لما كان ذلك, فإن التفتيش الذي وقع على الطاعن في نطاق دائرة المراقبة الجمركية من أمباشي خفر السواحل -وهو من ضباط الصف- بحضور الملازم أول ....... من قوة حرس جمرك بورسعيد, وكليهما من مأموري الضبط القضائي, يكون قد وقع صحيحا لما أثبته الحكم من اشتباه الجندي المذكور في أمر الطاعن بعد أن شاهده بداخل الدائرة الجمركية يسير مساء في طريقه إلى باب الجمرك دون مروره على حجرة معاون الجمرك دون انتظار تفتيش أمتعته مما يبرر تفتيشه لقيام مظنة التهريب في حقه. وإذ أنتج هذا التفتيش دليلا يكشف عن جريمة إحراز جوهر مخدر فإنه يصح الاستشهاد بهذا الدليل على تلك الجريمة على اعتبار أنه نتيجة إجراء مشروع قانونا. لما كان ذلك, وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تتبين الواقعة على حقيقتها وأن ترد الحادث إلى صورته الصحيحة من مجموع الأدلة المطروحة عليها دون أن تتقيد في هذا التصوير بدليل بعينه أو بشهود بذواتهم ولو كان ذلك بطريق الاستنتاج والاستقراء وكافة الممكنات العقلية ما دام ذلك سليما متفقا مع حكم العقل والمنطق, فلا يضير الحكم أن يستنتج إحراز الطاعن للمخدر المضبوط من اتصاله بأحد بعد نزوله من الباخرة وحصوله عليه بقصد التعاطي ما دام هذا الذي استخلصه الحكم لا تنفيه ظروف الواقعة وملابساتها. لما كان ذلك, وكان الحكم قد دلل تدليلا سائغا على إحراز الطاعن للجوهر المخدر المضبوط وعلمه بحقيقته فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو الجدل في سلطة محكمة الموضوع وتقدير الأدلة مما لا معقب عليها فيه. لما كان ما تقدم, فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.