عودة إلى صفحة : المجلة وشرحها لعلي حيدر
(الْمَادَّةُ 69) : الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ.
هَذِهِ الْمَادَّةُ هِيَ نَفْسُ قَاعِدَةِ (الْكِتَابُ كَالْخِطَابِ) الْمَذْكُورَةِ فِي الْأَشْبَاهِ. وَالْمَقْصُودُ فِيهَا هُوَ أَنَّهُ كَمَا يَجُوزُ لِاثْنَيْنِ أَنْ يُعْقَدَ بَيْنَهُمَا مُشَافَهَةً عَقْدُ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ كَفَالَةٍ أَوْ حَوَالَةٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ مَا إلَى ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ، يَجُوزُ لَهُمَا عَقْدُ ذَلِكَ مُكَاتَبَةً أَيْضًا. وَالْكُتُبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: (1) الْمُسْتَبِينَةُ الْمَرْسُومَةُ (2) الْمُسْتَبِينَةُ غَيْرُ الْمَرْسُومَةِ (3) غَيْرُ الْمُسْتَبِينَةِ.
فَالْمُسْتَبِينَةُ الْمَرْسُومَةُ هِيَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مِنْهَا مِمَّا يُقْرَأُ خَطُّهُ، وَيَكُونُ وَفْقًا لِعَادَاتِ النَّاسِ وَرُسُومِهِمْ وَمُعَنْوَنًا. وَقَدْ كَانَ مِنْ الْمُتَعَارَفِ فِي زَمَنِ صَاحِبِ (مَجْمَعُ الْأَنْهُرِ) أَنْ يُكْتَبُ الْكِتَابُ عَلَى وَرِقٍ وَيُخْتَمُ أَعْلَاهُ، وَكُلُّ كِتَابٍ لَا يَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ مَكْتُوبًا عَلَى وَرِقٍ وَمَخْتُومًا لَا يُعَدُّ مَرْسُومًا، أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَالْكِتَابُ يُعَدُّ مَرْسُومًا بِالْخَتْمِ وَالتَّوْقِيعِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (1610) وَلَكِنْ إذَا كُتِبَ كِتَابٌ فِي زَمَانِنَا عَلَى غَيْرِ الْوَرِقِ مَثَلًا يُنْظَرُ إذَا كَانَ الْمُعْتَادُ أَنْ تُكْتَبَ الْكُتُبُ عَلَى غَيْرِ الْوَرِقِ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ الْكِتَابُ، كَمَا لَوْ كُتِبَ عَلَى وَرِقٍ وَإِلَّا فَلَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ كِتَابٍ يُحَرَّرُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ مِنْ النَّاسِ حُجَّةٌ عَلَى كَاتِبِهِ كَالنُّطْقِ بِاللِّسَانِ.
وَالْمُسْتَبِينَةُ غَيْرُ الْمَرْسُومَةِ: هِيَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مَكْتُوبًا عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ بَيْنَ النَّاسِ كَأَنْ يَكُونَ مَكْتُوبًا عَلَى حَائِطٍ أَوْ وَرِقِ شَجَرٍ أَوْ بَلَاطَةٍ مَثَلًا، فَالْكِتَابُ الَّذِي يُكْتَبُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ لَغْوٌ وَلَا يُعْتَبَرُ حُجَّةً فِي حَقِّ صَاحِبِهِ إلَّا إنْ نَوَى أَوْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ حِينَ الْكِتَابَةِ، وَالْإِمْلَاءُ يَقُومُ مَقَامَ الْإِشْهَادِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَاتِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، كَمَا أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِقَصْدِ بَيَانِ الْحَقِيقَةِ تَكُونُ فِي الْغَالِبِ بِقَصْدِ التَّجْرِبَةِ أَوْ عَبَثًا، فَتَحْتَاجُ إلَى مَا يُؤَيِّدُهَا كَالنِّيَّةِ أَوْ الْإِشْهَادِ أَوْ الْإِمْلَاءِ حَتَّى تُعْتَبَرَ حُجَّةً بِحَقِّ كَاتِبِهَا.
وَغَيْرُ الْمُسْتَبِينَةِ: هِيَ كَالْكِتَابَةِ عَلَى الْمَاءِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْكَلَامِ غَيْرِ الْمَسْمُوعِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى كَاتِبِهَا حُكْمٌ وَإِنْ نَوَى مِثَالَ ذَلِكَ، لَوْ كَتَبَ شَخْصٌ عِبَارَةَ (إنَّنِي مَدِينٌ بِكَذَا قِرْشًا لِفُلَانٍ) عَلَى سَطْحِ مَاءِ نَهْرٍ أَوْ فِي الْهَوَاءِ لَا يُعَدُّ مُقِرًّا بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا بِالْكِتَابَةِ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الْهَوَاءِ - كَمَا لَا يَخْفَى - هُوَ تَحْرِيكُ الْيَدِ بِحُرُوفِ الْكَلِمَاتِ، كَمَا تُحَرَّكُ بِالْقَلَمِ عَلَى صَفْحَةِ الْقِرْطَاسِ.
وَفِيمَا يَأْتِي أَمْثِلَةٌ عَلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ: إذَا كَتَبَ شَخْصٌ تَحْرِيرًا مُعَنْوَنًا وَمَرْسُومًا إلَى شَخْصٍ غَائِبٍ قَائِلًا فِيهِ: إنَّنِي قَدْ بِعْت مِنْك الْمَالَ الْفُلَانِيَّ بِكَذَا قِرْشًا وَقَبِلَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَبِيعَ بِذَلِكَ الْمَبْلَغِ فِي مَجْلِسِ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، أَوْ حَرَّرَ كِتَابًا لِلْبَائِعِ يُنْبِئُهُ بِالْقَوْلِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْمَادَّةِ (173) وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ، كَمَا وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (436) تَنْعَقِدُ بِالْمُكَاتَبَةِ، وَكَذَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِمُجَرَّدِ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْكِتَابِ الْمُرْسَلِ مِنْ مُوَكِّلِهِ لِعَزْلِهِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق