الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 22 يناير 2024

الطعن 25 لسنة 9 ق جلسة 8 / 6 / 1963 إدارية عليا مكتب فني 8 ج 3 ق 122 ص 1292

جلسة 8 من يونيه سنة 1963

برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة/ مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

---------------

(122)

القضية رقم 25 لسنة 9 القضائية

موظف - تأديب 

- جزاء تأديبي - مناط مشروعيته - هو وجوب تناسبه مع الجرم - مثال - تدرج المشرع في قائمة الجزاءات الخاصة بسرقة أموال الهيئة العامة للسكك الحديدية دليل على استهدافه في إنزال العقاب إلى وجود الملاءمة بينه وبين الجرم - الشدة المتناهية في الجزاء تجعل المفارقة ظاهرة بين الجريمة والجزاء - مخالفة الجزاء لروح القانون مما يتعين معه تعديله وإنزاله إلى الحد المتلائم مع الجرم الإداري الثابت في حق المتهم.

------------------
إن الجزاء يجب أن يكون متناسباً مع الجرم وإلا اتسم بعدم المشروعية، والقانون إذ تدرج في قائمة الجزاءات الخاصة بسرقة أموال الهيئة العامة للسكك الحديدية فجعلها تتراوح ما بين خفض المرتب والعزل من الوظيفة فإنما يكون قد هدف من هذا التدرج في إنزال العقاب إلى وجود الملاءمة بينه وبين الجرم الذي يثبت في حق الموظف، ولما كان العقاب الذي أنزلته المحكمة التأديبية بالمتهم هو أقصى العقوبات المقررة في باب الجزاءات عن السرقة دون أن تحتوى الأوراق أو ملابسات الدعوى ما يدعو إلى هذه الشدة المتناهية الأمر الذي يجعل المفارقة ظاهرة بين الجريمة والجزاء وبالتالي مخالفة هذا الجزاء لروح القانون مما يتعين معه تعديله وإنزاله إلى الحد المتلائم مع الجرم الإداري الذي ثبت في حق المتهم.


إجراءات الطعن

في 19/ 11/ 1962 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة المواصلات بجلسة 11/ 10/ 1962 في الدعوى التأديبية رقم 71 لسنة 4 القضائية المقامة من النيابة الإدارية ضد السيد/ عبد العزيز سليمان محمود وجيه والقاضي "بعزل المتهم المذكور من وظيفته مع الاحتفاظ له بما يستحقه من مكافأة أو معاش مع استحقاقه لمرتبه كاملاً عن مدة الوقف بصفة نهائية وقد طلب المحكوم ضده وهو الطاعن "قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه للأسباب التي أوردها في مذكرته المؤرخة 6/ 4/ 1962" وبعد إعلان الطعن لذوي الشأن ونظره أمام دائرة فحص الطعون أحيل إلى المحكمة الإدارية العليا التي بعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات قررت إرجاء النطق بالحكم فيه إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قدم في الميعاد.
ومن حيث إنه يبين من أوراق الطعن أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية ضد الطاعن السيد/ عبد العزيز سليمان محمود وجيه ناسبة إليه أنه بتاريخ 25/ 4/ 1961 بصفته سائق بقسم الديزل بكوبري القبة، خرج على مقتضى الواجب في أداء وظيفته ولم يؤد عمله بأمانة بأن (1) غادر مقر عمله خلسة دون مقتض وفي أثناء ساعات العمل الرسمية من غير الباب المعد للخروج. (2) استولى لنفسه على لوح زجاج مملوك للهيئة بغير وجه حق، وبذلك يكون قد ارتكب المخالفات الإدارية والمالية المنصوص عليها في المادتين 5/ 2، 44 من القرار الجمهوري رقم 2190 لسنة 1959 بشأن نظام موظفي هيئة سكك حديد مصر والمادتين 63، 72 من القرار رقم 1640 لسنة 1960 باللائحة التنفيذية له، وطلبت النيابة الإدارية محاكمة الموظف المذكور طبقاً للمواد السالفة الذكر والمادتين 12، 31 من القانون رقم 117 لسنة 1958 والمواد 45، 46، 48 من القرار رقم 2190 المشار إليه، وتضمنت المذكرة التي انبنى عليها هذا الاتهام أنه بتاريخ 25/ 4/ 1961 شوهد المتهم يخرج من فتحة في السور قريباً من الورشة التي يعمل بها حاملاً لوحاً من الزجاج فسأله الشرطي السري بقسم قضائي الهيئة عن سبب وجود هذا اللوح معه فحاول المتهم أن يهشمه ولكن الشرطي اختطفه منه وقبض عليه فطلب منه المتهم المذكور إخلاء سبيله وقد شهد بذلك أيضاً زميلان لهذا الشرطي، كما شهد مفتش عربات كوبري الليمون بأن الزجاج المستعمل في الهيئة لا يحمل علامة مميزة وأن اللوح المضبوط مع المتهم مقطوع من جانبه ولا يتفق مع المقاسات المستعملة في الهيئة وقد أيد المفتش في أقواله هذه النجار بتفتيش عربات محطة مصر، وقرر مفتش عربات مصر أنه لم يخطر بسرقة وقعت يوم 25/ 4/ 1963 من القطارات، ورأت النيابة العامة بعد الانتهاء من التحقيق إرسال الأوراق إلى الجهة الرئيسية التابع لها المتهم لمجازاته إدارياً لتفاهة قيمة الزجاج المستولى عليه وتأسيساً على أن هذا المتهم قد استولى على قطعة زجاج مملوكة للهيئة بغير وجه حق بدليل أنه خرج من الورشة ومن غير الباب المعد للخروج ومعه قطعة الزجاج وبدليل شهادة رجال الشرطة واستعطافه لهم لإخلاء سبيله ولا يقدح في ذلك عدم اتفاق مقاس اللوح المضبوط ومقاسات الألواح المستعملة في الهيئة إذ تبين أن اللوح المضبوط مقطوع من جانبه، وعدم الإبلاغ عن وقوع سرقة بمحطة القاهرة لا يلغي وقوعها فعلاً... وقد رأت الهيئة إحالة المتهم المذكور إلى المحاكمة التأديبية فطلبت إدارة الدعوى التأديبية إجراء التحقيق اللازم.. وبسؤال المتهم عما هو منسوب إليه قرر أنه وجد لوح الزجاج ملفوفاً في ورقة محزومة بالدوبارة فلما التقطها من باب الاستطلاع شاهده الشرطي السري وأمسك به دون أن يبدي سبباً مقبولاً يقدح في شهادة الشرطي السري وزميلين له، وأما قوله بسبق حدوث مشاجرة بينه وبين مهندس الورشة ربما كانت هي السبب في تدبير هذه التهمة إليه فلم يذكر في تحقيق النيابة...." قدم المتهم مذكرة بدفاعه أمام المحكمة التأديبية جاء فيها أنه يعمل بالهيئة منذ اثنتي عشر عاماً لم يحدث منه خلالها ما يؤخذ عليه. وفي يوم الضبط شعر بالجوع فخرج حوالي الساعة 2 بعد الظهر لاستحضار غذاءه ولم يكن في هذا الوقت يعمل، كما أنه لم تحدث سرقة من مهمات الهيئة وأن اللوح المضبوط عبارة عن زجاج مقاسه 20 × 30 سم عثر عليه المتهم في الشارع وكان يقوم عند ضبطه بوضع هذا اللوح جانباً حتى لا يضار به أحد المارة وقد ظن المخبرين أنه مسروق في الوقت الذي قطع فيه جميع الشهود من موظفي الهيئة أنه ليس من متعلقات المصلحة لا من ناحية المساحة أو النوع فلا يعدو أن يكون من الأشياء المهملة أو المتروكة وبالتالي فلا سرقة ولا عقاب ثم انتهى إلى طلب البراءة..."
وبتاريخ 11 من أكتوبر سنة 1962 قضت المحكمة التأديبية المذكورة "بإدانة المتهم (الطاعن) فيما نسب إليه ومجازاته عن ذلك بالعزل من وظيفته مع الاحتفاظ له بما يستحقه من معاش أو مكافأة - وقررت استحقاقه لمرتبه كاملاً عن مدة الوقف بصفة نهائية" بانية حكمها على أنه بالنسبة إلى التهمة الأولى فإنها ثابتة قبل المتهم من وجوده خارج مقر عمله في أثناء ساعات العمل الرسمية دون مقتض أو إذن يخول له هذا الخروج فضلاً عن ثبوت خروجه من غير الباب المعد لذلك على خلاف التعليمات، والثابت أن هذا المتهم يعمل سائقاً من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساء ومن الواجب إلا يغادر القسم أثناء العمل وأن تكون المغادرة عن طريق الباب المعد للخروج... وبالنسبة إلى التهمة الثانية فإن ما ورد في التحقيق من أن اللوح المضبوط مع المتهم لا يتفق مع المقاسات في الهيئة لا ينهض دليلاً على نفي تهمة الاستيلاء على هذا اللوح، ذلك أنه وأن لم تتفق المقاسات فإن الثابت أن اللوح المضبوط مقطوع من جانبيه مما ينتفي معه الاتفاق في المقاسات، هذا إلى أن خروج المتهم من غير الباب المعد لذلك ومحاولته عند القبض عليه تهشيم اللوح ثم الهرب واستعطاف الشرطي الذي قبض عليه كلها أمور تساند القول بصحة هذا الاتهام ولا ينتقص منه عدم ثبوت الإبلاغ عن سرقة من ورشة الديزل في نفس يوم الحادث إذ أن عدم الإبلاغ عن السرقة أو حتى عدم اكتشاف وقوع سرقة في الورشة لا يقوم دليلاً على انتفاء وقوعها فعلاً.. وأما عن الجزاء المناسب لهذا الجرم فإن جرائم الاستيلاء على الأموال المملوكة للدولة هي من الجرائم الخطيرة الأثر على الجهاز الوظيفي الأمر الذي يستوجب مؤاخذة مرتكبها بالشدة بغض النظر عن تفاهة ثمن المسروقات لأن في ذلك الدلالة الكافية على عدم الأمانة والصلاحية لشغل الوظيفة العامة مما يتعين معه فصل المتهم من الخدمة تطهيراً للجهاز الإداري وردعاً لسواه.
ومن حيث إن الطعن كان بناء على طلب المتهم بالتطبيق لحكم المادة (32) من القانون رقم 117 لسنة 1958 وقد أوردت هيئة المفوضين في مذكرتها المقدمة أنها توافق على الحكم المطعون فيه من ناحية ثبوت الذنب الإداري المنسوب إلى المتهم واقترافه له إلا أنها ترى أن الجزاء الذي وقع عليه من أجل ذلك لا يتلائم وهذا الذنب فالمفارقة بينهما واضحة مما يعتبر الحكم معه مخالفاً لمقتضى التدرج في الجزاء.
ومن حيث إنه قد تبين من الاطلاع على الأوراق أن المتهم الطاعن الحق بخدمة الهيئة العامة للسكك الحديدية في سنة 1950 بوظيفة عطشجي آلات بخارية ثم شغل وظيفة وقاد عادي بالمرتبة الرابعة ووصل مرتبه في 1/ 5/ 1960 - 11.500 جنيه وهو حاصل على الشهادة الابتدائية... وكان المتهم يعمل أخيراً وعند ضبطه في 25/ 4/ 1961 بوظيفة سائق في محطة كوبري الليمون - ويؤخذ من مجموع التحقيقات التي أجريت في شأن ما هو منسوب إليه أنه وجد في هذا اليوم خارجاً من الفتحة الموجودة في السور الشرقي لورشة الديزل التي يعمل فيها حاملاً لوحاً من الزجاج تبلغ قيمته حوالي عشرين قرشاً وكان ذلك في نحو الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر هذا اليوم وإبان عمله الرسمي الذي يبدأ من 8 صباحاً إلى 8 مساء، وعند ضبطه حاول الهرب ثم أخذ يستعطف رجال الضبط لإخلاء سبيله... وبسؤال المتهم قرر أنه وجد اللوح الزجاجي موضوعاً بجوار السور فالتقطه وبعد لحظات قبض عليه، وبعرض اللوح المضبوط في محضر البوليس، على نجار تفتيش العربات قرر أن هذا اللوح من متعلقات الهيئة، كذلك ثبت أنه يمتنع على الموظفين الخروج من المحطة إلا من الباب العمومي وليس من الفتحات الموجودة في السور... وقرر رئيس قسم الديزل بعدم وجود سرقة في هذا القسم ومن الجائز أن تكون السرقة قد وقعت في ورشة العربات... وبسؤال مفتش العربات ذكر بعدم استطاعته الجزم عما إذا كان اللوح المضبوط من متعلقات الهيئة لأنه مقطوع من الطول والعرض مما يتعذر معه معرفة مقاسه الأصلي بالضبط ومقارنته بمقاس الزجاج المستعمل في الهيئة... وقد انتهت النيابة العامة من تحقيق الحادث إلى مساءلة المتهم الطاعن إلا أنها رأت نظراً لتفاهة الشيء المسروق الاكتفاء بمجازاته إدارياً، وعلى ذلك إذا استخلصت المحكمة التأديبية الدليل على إدانة هذا المتهم عما هو منسوب إليه ارتكازاً على الأقوال المتقدمة، فإنها تكون قد بنت حكمها على استخلاص سائغ للوقائع المطروحة عليها مما يؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون بمنأى عن الطعن من حيث ثبوت الواقعة وتكوينها للذنب الإداري المستأهل للعقاب.... وأما من حيث تقدير العقوبة على هذا الفعل فإن الجزاء يجب أن يكون متناسباً مع الجرم وإلا اتسم بعدم المشروعية والقانون إذ تدرج في قائمة الجزاءات الخاصة بسرقة أموال الهيئة فجعلها تتراوح ما بين خفض المرتب والعزل من الوظيفة فإنما يكون قد هدف من هذا التدرج في إنزال العقاب إلى وجود الملاءمة بينه وبين الجرم الذي يثبت في حق الموظف، ولما كان العقاب الذي أنزلته المحكمة التأديبية بالمتهم هو أقصى العقوبات المقررة في باب الجزاءات عن السرقة دون أن تحتوي الأوراق أو ملابسات الدعوى ما يدعو إلى هذه الشدة المتناهية الأمر الذي يجعل المفارقة ظاهرة بين الجريمة والجزاء وبالتالي مخالفة هذا الجزاء لروح القانون مما يتعين معه تعديله وإنزاله إلى الحد الملائم مع الجرم الإداري الذي ثبت في حق المتهم، وترى هذه المحكمة أن الجزاء المناسب هو خفض مرتبه مبلغ مائة وخمسين قرشاً شهرياً.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء جزاء العزل وبمجازاة عبد العزيز سليمان محمود وجيه بخفض مرتبه بمقدار جنيه ونصف شهرياً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق