جلسة 15 من يونيه سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عبد اللطيف أبو النيل وعمار إبراهيم وأحمد جمال الدين عبد اللطيف ومحمد حسين مصطفى.
----------------
(110)
الطعن رقم 2298 لسنة 58 القضائية
(1) جريمة "أركانها". بلاغ كاذب.
التبليغ في جريمة البلاغ الكاذب. اعتباره متوافراً ولو لم يحصل من الجاني مباشرة. متى كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع الجريمة بقصد إيصال خبرها إلى السلطة العامة ليتهم أمامها من أراد بالباطل.
(2) بلاغ كاذب. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
تقدير صحة التبليغ من كذبه. من شأن محكمة الموضوع التي تنظر البلاغ الكاذب. شرط ذلك؟
(3) بلاغ كاذب. جريمة "أركانها". قصد جنائي.
القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب. قوامه. توافر العلم بكذب الوقائع المبلغ عنها. وانتواء السوء والإضرار بالمبلغ ضده. تقدير توافره. موضوعي.
(4) بلاغ كاذب. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مثال لتسبيب سائغ لتوافر القصد الجنائي بعنصريه في جريمة البلاغ الكاذب.
(5) بلاغ كاذب. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
الجدل في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى. غير جائز أمام النقض .
الوقائع
أقام المدعي بالحقوق المدنية دعواه بطريق الادعاء المباشر أمام محكمة جنح المنشية ضد الطاعن بوصف أنه أبلغ كذباً ضده بأنه اغتصب الشقة المبينة بعريضة الدعوى. وطلب عقابه بالمادة 305 من قانون العقوبات وألزمه بأن يدفع له مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً اعتبارياً عملاً بمادة الاتهام بحبس المتهم شهراً مع الشغل وكفالة خمسين جنيهاً لوقف التنفيذ وإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ 51 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. استأنف المحكوم عليه، ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت غيابياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
عارض، وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع بتعديل الحكم المعارض فيه والاكتفاء بتغريم المتهم خمسين جنيهاً وتأييده فيما عدا ذلك.
فطعن الأستاذ/ ....... المحامي عن الأستاذ/ ...... المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الحكم المطعون فيه بما تبناه من أسباب الحكم الابتدائي وما أضافه من أسباب قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة البلاغ الكاذب التي دان الطاعن بها، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان التبليغ في جريمة البلاغ الكاذب يعتبر متوافراً ولو لم يحصل التبليغ من الجاني مباشرة متى كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع الجريمة بقصد إيصال خبرها إلى السلطة العامة المختصة ليتهم أمامها من أراد اتهامه بالباطل، وكان من المقرر أن تقدير صحة التبليغ من كذبه أمر متروك لمحكمة الموضوع التي تنظر دعوى البلاغ الكاذب متى كانت قد اتصلت بالوقائع المنسوب إلى المتهم التبليغ بها وأحاطت بمضمونها وأن تذكر في حكمها الأمر المبلغ عنه، وكان القصد الجنائي في جريمة البلاغ الكاذب كما هو معرف به في القانون هو أن يكون المبلغ عالماً بكذب الوقائع التي أبلغ عنها وأن يكون منتوياً الكيد والإضرار بالمبلغ ضده، وكان تقدير توافر هذا الركن من شأن محكمة الموضوع التي لها مطلق الحرية في استظهاره من الوقائع المعروضة عليها. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأورد دفاع الطاعن والمدعي بالحقوق المدنية وما قدم فيها من مستندات خلص إلى توافر التبليغ في جريمة البلاغ الكاذب في حق الطاعن بقوله "فالتبليغ في جريمة البلاغ الكاذب يعتبر متوافراً ولو لم يحصل التبليغ من الجاني مباشرة متى كان قد هيأ المظاهر التي تدل على وقوع الجريمة بقصد إيصال خبرها إلى السلطة العامة ليتهم أمامها من أراد اتهامه بالباطل ولا يؤثر في ذلك أنه إنما أبدى أقواله بالتحقيقات بناء على سؤال وجهه إليه المحقق ما دام هو قصد أن يجيء التبليغ على هذه الصورة". ومن ثم فإن ما أثاره الطاعن في هذا الصدد من أنه لم يبلغ بالواقعة وإنما الذي أبلغ عنها هو حارس العقار يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للقصد الجنائي في الجريمة وأثبت توافره بركنيه في حق الطاعن بقوله: "وكان الثابت من مطالعة الأوراق ومن محضر الجنحة رقم...... جنح القسم ومن صحيفة الادعاء المباشر للمدعي بالحق المدني أن المتهم لم يبلغ بالواقعة إنما الذي أبلغ بها بوابي العقار...... و..... من أن المدعي بالحق المدني هو الذي اقتحم شقة النزاع من العقار المملوك للمتهم وأبلغ شرطة النجدة بتلك الواقعة، كما أبلغ المتهم بذلك في محل إقامته بالقاهرة والذي استدعى لسؤاله في المحضر رقم...... جنح القسم ومن قرار النيابة العامة في 4/ 7/ 1981 بتمكين المتهم من شقة النزاع ومنع تعرض المدعي له في ذلك وعدل قرار النيابة العامة في 29/ 7/ 1981 بصدور قرار المحامي العام الأول إلى إعادة الحال إلى ما كان عليه وقت النزاع وقررت النيابة إحالة المدعي للمحاكمة على سند من المادة 370 عقوبات وقضى بجلسة...... ببراءته من التهمة المسندة إليه تأسيساً على أنه الحائز لشقة النزاع وبالرغم من ذلك قرر أن المستأجرة لتلك الشقة كانت مقيمة بالشقة بمفردها في تاريخ وفاتها منذ أربع سنوات وقام بإغلاق الشقة بعد وفاتها وأنكر سكن المدعي المدني بالشقة مقرراً أنه اقتحم الشقة وكسر بابها..... ويحتفظ بحقه في الرجوع بالإجراءات القانونية على المدعي المدني لمحاولته اقتحام الشقة وسرقة المنقولات وإزعاج السلطات - كل ذلك قاطع بكذب بلاغ المتهم وسوء القصد فالغرض من هذا الإضرار بالمدعي المدني... في كونه أبلغ ضده الجهات المختصة باستيلائه على شقة النزاع مما تكون معه التهمة ثابتة قبل المتهم ثبوتاً كافياً وذلك أخذاً بما جاء به الحكم الصادر في الدعوى رقم....... جنح القسم....." لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - كما سلف إيراده - قد أثبت توافر القصد الجنائي بعنصريه لدى الطاعن وهما العلم بكذب الوقائع وقصد الإساءة إلى المجني عليه فإن هذا حسبه ليبرأ من قالة القصور أو الفساد في الاستدلال - لما كان ذلك، وكان باقي ما يثيره الطاعن من أنه لم يكن يقصد بالتبليغ سوى حماية ماله وأنه يقيم بالقاهرة ولم يحرر عقد إيجار للمدعي بالحقوق المدنية وأن محل النزاع كان في حيازته وأنه بفرض صحة ما ادعاه المدعي بالحقوق المدنية من أن والد الطاعن قد سلم عين النزاع فلا علم له بذلك وأنه يجحد الإقرار المنسوب صدروه من مورثه إلى المدعي بالحقوق المدنية في هذا الشأن وأن تقديم المدعي بالحقوق المدنية للمحاكمة لم يتم بطلب منه وإنما كان من النيابة العامة، فإن ذلك كله لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً وجدلاً في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها إليها مما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض بشأنه لدى محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً التقرير بعدم قبوله ومصادرة الكفالة وإلزام الطاعن المصاريف المدنية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق