جلسة 11 من مايو 1963
برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.
---------------
(109)
القضية رقم 1707 لسنة 7 القضائية
(أ) موظف - قرار إداري
- طلب ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 - عدم موافقة لجنة شئون الموظفين عليه - لا يعدو أن يكون مجرد توصية - البت في هذا الطلب بصفة نهائية يكون بقرار من الوزير.
(ب) موظف
- ترك الخدمة طبقاً للقانون 120 لسنة 1960 - هو بمثابة استقالة - تفيد الإدارة بحكم المادة 110 من قانون الموظفين وهو وجوب الفصل في الطلب خلال 30 يوماً من تاريخ تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بقوة القانون متى توافرت شروطها - القرار الصادر منه بالرفض بعد هذا الميعاد يكون قد ورد على غير محل.
(جـ) موظف - ترك الخدمة
- إجازة القانون رقم 120 لسنة 1960 طلبه لمن بلغ سن الخامسة والخمسين أو يبلغها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه مع ضم سنتين لمدة خدمته وحسابهما في المعاش ولو تجاوز بضمهما سن الستين، ومنحه علاوتين من علاوات درجته على ألا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة - الحكمة التشريعية من إصدار هذا القانون - قصد المشرع أساساً إلى معالجة مشكلة قدامى الموظفين المنسيين ووضع حد لتضخم الدرجات الشخصية والتخلص منها - عدم قصره الاستفادة من هذا القانون على أصحاب الدرجات الشخصية وإباحته طلب ترك الخدمة للموظفين كافة ممن تتوافر فيهم شروط الاستفادة من أحكامه - عدم جواز الحد من إطلاق حكم المادة الأولى من هذا القانون بقاعدة تنظيمية أدنى من الأداة التشريعية التي صدر بها - تقييد الإدارة طلب ترك الخدمة بألا تقل المدة الباقية للموظف حتى إحالته إلى المعاش عن سنة - اعتبار هذا القيد حكماً جديداً لا تملكه الإدارة وانطواؤه على مخالفة لقصد المشرع الذي لم يحدد سناً ما بين الخامسة والخمسين والستين لا تقبل ممن يبلغها الرغبة في اعتزال الخدمة - لا حجة في التذرع باحتمال اختلال سير العمل في الوزارات والمصالح والهيئات الحكومية بسبب خروج كثير من الموظفين بالتطبيق لهذا القانون - إباحة المشرع ترك الخدمة تفترض تقديره مقدماً ما يترتب عليه من نتائج لم تكن لتغيب عنه - عدم جواز التفرقة بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية ما دام القانون لم يقصد إليها ولا تقرها نصوصه.
إجراءات الطعن
في 31 من أغسطس سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد وزير الداخلية بصفته سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1707 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 2 من يوليه سنة 1961 في الدعوى رقم 188 لسنة 8 القضائية المقامة من السيد/ علي المنيري خليل الشعراوي ضد وزارة الداخلية، القاضي "بإلغاء القرار الصادر برفض طلب المدعي اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 واستحقاقه تسوية حالته على مقتضى أحكامه. وما يترتب على ذلك من آثار. وألزمت الحكومة المصروفات". وطلب السيد الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين". وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 16 من سبتمبر سنة 1961، فرد عليه بمذكرة طلب فيها "عدم قبول الطعن ورفضه وتأييد الحكم الصادر من المحكمة الإدارية للرياسة ضد وزارة الداخلية في القضية رقم 188 لسنة 8 القضائية القاضي بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير الداخلية برفض طلب المطعون ضده باعتزال الخدمة من وزارة الداخلية بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 واستحقاقه تسوية حالته على مقتضى أحكامه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام وزارة الداخلية بالمصروفات والرسوم وأتعاب المحاماة عن الدرجتين مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة" وعقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بتقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 23 من فبراير سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 15 من يناير 1963. وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 13 من إبريل سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 13 من مارس سنة 1963. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة. قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 188 لسنة 8 القضائية ضد وزارة الداخلية أمام المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 16 من فبراير سنة 1961 ذكر فيها أنه التحق بخدمة وزارة الداخلية في 16 من أغسطس سنة 1926 بوظيفة كاتب واستمر في خدمتها لغاية 10 من أكتوبر سنة 1960. وقد صدر القانون رقم 120 لسنة 1960 الخاص بتعويض الموظفين القدامى عما أصابهم من رواسب الماضي بضم مدة سنتين إلى مدة خدمتهم المحسوبة في المعاش مع منح علاوتين من علاوات الدرجة للموظف الذي تزيد سنه على 55 سنة ويرغب في الإحالة إلى المعاش حتى ولو تجاوز الموظف بهذا الضم سن الستين. وعلى هذا تقدم في 16 من إبريل 1960 بطلب ترك الخدمة ومعاملته وفقاً لأحكام هذا القانون. إلا أن الوزارة أعلنته في 6 من سبتمبر سنة 1960 عن طريق قسم روض الفرج برفض هذا الطلب. وقد تظلم في 4 من أكتوبر سنة 1960 من هذا القرار لأن القانون أجاز له ذلك، إلا أن تظلمه رفض في 21 من نوفمبر سنة 1960 بدون إبداء أسباب، مع أن الوزارة قد طبقت القانون رقم 120 لسنة 1960 على موظفين أمثاله مع أن الباقي من خدمتهم كان أقل من سنة. ولذا فإنه يطلب "الحكم بإلغاء القرار الخاص برفض طلب خروج المدعي من خدمة وزارة الداخلية طبقاً للقانون 120 لسنة 1960 والآثار المترتبة عليه وإلزام الوزارة بالمصروفات والرسوم ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة".
وقد ردت وزارة الداخلية على هذه الدعوى بمذكرة قالت فيها أن المدعي مولود في 10 من أكتوبر سنة 1900 وحاصل على شهادة البكالوريا في سنة 1930، وأنه دخل الخدمة في 16 من أغسطس سنة 1926، ورقى إلى الدرجة الرابعة الشخصية اعتباراً من 26 من مارس سنة 1960 خصماً على درجة ثامنة كتابية وأنه طلب تطبيق القانون رقم 120 لسنة 1960 الصادر في 26 من مارس على حالته، مع أن هذا القانون أجاز للموظفين اللذين بلغوا سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل به أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة وفقاً للشروط الواردة به للمصالح والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد القانون رقم 210 لسنة 1951. ولما كان القانون المذكور قد أجاز ترك الخدمة للجهة الإدارية سلطة تقديرية في قبول طلب الترك إذا ما توافرت فيه الشروط التي نص عليها القانون في حدود المصلحة العامة، فإنه يكون بذلك قد أنشأ قاعدة تنظيمية عامة واجبة التنفيذ في حق جميع الموظفين في حدود السلطة التقديرية التي خولها للإدارة. ومن ثم فإنه لم ينشئ مركزاً قانونياً للمدعي يستمد منه الحق في المطالبة بوجوب إحالته إلى المعاش بالتطبيق لأحكامه. وقد نظم قرار السيد وزير شئون رياسة الجمهورية القواعد التي يجب الأخذ بها عند تنفيذ هذا القانون، وهي تقضي برفض الطلبات المقدمة من الموظفين الذين تقل المدة الباقية لهم في الخدمة عن سنة. وقد تقدم المدعي بتظلم من قرار رفض طلبه، إلا أنه تقرر رفض تظلمه.
وقد قدم السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه لما أبداه به من أسباب إلى أنه يرى "الحكم بإلغاء القرار الصادر برفض طلب المدعي اعتزال الخدمة مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليها المصروفات".
وبجلسة 2 من يوليه سنة 1961 قضت المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل "بإلغاء القرار الصادر برفض طلب المدعي اعتزاله الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، واستحقاقه تسوية حالته على مقتضى أحكامه وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات". وأقامت قضاءها على أن مفاد الأحكام التي تضمنها القانون رقم 120 لسنة 1960 في ضوء مذكرته الإيضاحية أن المشرع وإن قصد إتاحة الفرصة لطائفة الموظفين الذين بلغوا سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة الأشهر التالية لنفاذ القانون المشار إليه أن يتقدموا بطلبات اعتزال الخدمة خلال تلك المدة لإمكان الانتفاع بالمزايا المنصوص عليها فيه، إلا أنه قيد إجابة هذه الطلبات من جانب الإدارة بسلطة تترخص في تقديرها بما تمليه عليها مقتضيات الصالح العام. وإذا كان لجهة الإدارة أن تقبل أو ترفض طلب اعتزال الخدمة على الرغم من توافر الشروط التي يتطلبها القانون لإمكان الانتفاع بمزاياه وفقاً لاعتبارات المصلحة العامة، فإن هذا الرفض أو القبول مقيد بقيد زمني محدد في المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة ذلك أن طلب اعتزال الخدمة طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 لا يخرج في حقيقته عن كونه استقالة من الخدمة بالاستثناء من أحكام الفقرة الأخيرة من القانون رقم 210 لسنة 1951، ومن ثم فإنه ينبغي الرجوع فيما خرج على هذا الاستثناء إلى القواعد العامة الواردة في هذا القانون، وهي التي تقضي بأن الاستقالة تعتبر مقبولة بقوة القانون إذا لم يفصل فيها خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمها. ومؤدى ذلك أن عدم إجابة جهة الإدارة على طلب اعتزال الخدمة المقدم للانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 خلال المدة المحددة في المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 يعتبر قبولاً ضمنياً لطلب اعتزاله الخدمة يترتب عليه انتهاء خدمة الموظف بقوة القانون متى توافرت في حقه الشروط المتطلبة في المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960، ولا يسوغ لجهة الإدارة بعد انقضاء مدة الثلاثين يوماً دون صدور قرار منها بالفصل في طلب ترك الخدمة أن تصدر قراراً برفض هذا الطلب، فإن هي فعلت ذلك كان قرارها منعدماً لوروده على غير محل، ولا يكون له أثر لمخالفته للقانون. والثابت من الأوراق أن المدعي كان يبلغ من العمر 59 سنة عند صدور القانون رقم 120 لسنة 1960، وأنه قدم طلب اعتزاله الخدمة في الميعاد القانوني، وأن الإدارة لم تفصل فيه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه، وهذا التصرف من جانبها يحمل على معنى قبول اعتزاله الخدمة قبولاً ضمنياً وتعتبر خدمته منتهية بقوة القانون طبقاً للمادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ويترتب له بناء على ذلك حق في الانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 لتوافر شروطه في حالته. ولا قيمة لرفض الإدارة الحاصل في 19 من مايو سنة 1960 أي بعد فوات الثلاثين يوماً المقررة للبت في الاستقالة، لأن رابطة التوظف قد انفصمت بمضي الثلاثين يوماً المذكورة واعتبار الاستقالة مقبولة ضمناً. ومن ثم يكون قرار الرفض قد وقع مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 31 من أغسطس سنة 1961 طعنت وزارة الداخلية في هذا الحكم طالبة "إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين". وأسست طعنها على أن المادة الأولى من القرار الجمهوري الصادر بالقانون رقم 120 لسنة 1960 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة علقت إفادة الموظف من أحكامها على موافقة الإدارة على قبول تسوية حالته على أساسها إذ أن الأصل في القانون إن طلب الاستقالة، وهو الإفصاح عن الرغبة في فصم رابطة التوظف، يجب أن يكون مطلقاً غير مقيد بقيد أو مشروط بشرط، وإلا اعتبرت الاستقالة كأن لم تكن وفقاً لحكم الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951. وقد علق القانون رقم 120 لسنة 1960 تسوية حالة الموظف المستوفى لشروطه على قبول جهة الإدارة، وأشار في ديباجته إلى أنه استثناء من المادة 110 من قانون نظام موظفي الدولة قاصداً بذلك إخراج جميع أحكام هذا القانون بما فيها المادة المذكورة من مجال تطبيقه. وقد تكلمت المذكرة التفسيرية عن نوع من هذا الاستثناء وهو عدم إعمال نص الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 دون أن تقرر أن القانون رقم 120 لسنة 1960 قد صدر استثناء من حكم هذه الفقرة فقط، وإلا لكان الأولى بالمشرع أن ينص على ذلك صراحة دون ترك ذلك للمذكرة التفسيرية لأنها لا يجوز أن ترقى إلى درجة وإضافة حكم جديد لنص قانوني. والواقع أن القانون رقم 120 لسنة 1960 قد رخص للجهة الإدارية في قبول أو رفض الطلبات المقدمة لاعتزال الخدمة بعد الموازنة وترجيح كفة الصالح العام، حتى يمكنها الاحتفاظ بمن تريد الاحتفاظ به من الموظفين ذوي الكفاية الخاصة، وذلك دون مناقشتها في إعمالها لهذا الحق بسلطتها التقديرية، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه.
وقد رد المدعي على هذا الطعن بمذكرة طلب فيها "عدم قبول الطعن ورفضه وتأييد الحكم الصادر من المحكمة الإدارية للرياسة ضد وزارة الداخلية في القضية رقم 188 لسنة 8 القضائية القاضي بإلغاء القرار الصادر من السيد وزير الداخلية ورفض طلب المطعون ضده باعتزاله الخدمة من وزارة الداخلية بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 واستحقاقه تسوية حالته على مقتضى أحكامه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام وزارة الداخلية بالمصروفات والرسوم وأتعاب المحاماة عن الدرجتين، مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وبلا كفالة. واستند في ذلك إلى ما ورد في الحكم المطعون فيه من أسباب وإلى ما سبق أن قضت به المحكمة الإدارية العليا في مثل هذه الخصوصية، وأضاف أن ما جاء بالطعن من أن الإدارة لها حق القبول أو الرفض حتى بعد مضي الثلاثين يوماً المنصوص عليها في المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معناه إهدار القيد الزمني الوارد بهذه المادة وأنه لا سبيل للقول بأن القانون رقم 120 لسنة 1960 قد أهدر جميع مواد القانون رقم 210 لسنة 1951 إذ واضح أن الاستثناء منصب على الفقرة الأخيرة من المادة 110 من هذا القانون فقط مع بقاء الفقرة الأولى من هذه المادة واستمرار إعمال حكمها.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى "قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة بالمصروفات". وأسست رأيها على أنه يتعين القول إعمالاً للمبدأ الذي قررته المحكمة الإدارية العليا في مثل هذه الحالة بأن طلب المدعي ترك الخدمة يعتبر مقبولاً بقوة القانون بانقضاء ثلاثين يوماً على تقديمه إلى الإدارة دون أن تفصل فيه ما دام مستوفياً الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960. أما القرار الصادر برفض هذا الطلب فقد ورد على غير محل بعد انقطاع رابطة التوظف بين المدعي ووزارة الداخلية قبل صدوره واكتساب المذكور بالفعل مركزاً قانوناً ذاتياً يخوله الانتفاع بأحكام القانون المشار إليه. وإذا كان الحكم المطعون فيه قد خالف القانون فيما قضى به من إلغاء القرار الصادر برفض طلب المدعي اعتزال الخدمة بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 بالنظر إلى أن الدعوى الصادر فيها هي دعوى تسوية تتعلق بمنازعته في معاش لا دعوى طعن بالإلغاء، إلا أنه قد أصاب الحق فيما قضى به إلى جانب ذلك من استحقاق المدعي تسوية حالته وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 وما يترتب على ذلك من آثار، ومن ثم فإنه يتعين القضاء برفض الطعن عليه.
وقد عقب المدعي بمذكرة أخرى ردد فيها دفاعه السابق وزاد عليه أنه قدم طلب استقالته في الميعاد القانوني في 16 من إبريل سنة 1960 وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، وأن هذا الطلب عرض على لجنة شئون الموظفين في 14 من مايو سنة 1960 فرأت عدم قبوله، وأن هذا الرفض مجاف لقصد المشرع وروح القانون، فضلاً عن أن اللجنة لا اختصاص لها في قبول أو عدم قبول طلبات ترك الخدمة. وإنما المرجع في ذلك إلى السيد الوزير الذي لم يفصل في الطلب بوصفه الرئيس المختص إلا في 19 من مايو سنة 1960 أي بعد مضي الثلاثين يوماً، الأمر الذي يجعل الاستقالة قائمة بقوة القانون ومنتجة لآثارها ويجعل رفضها وارداً على غير محل.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعي من مواليد 10 من أكتوبر سنة 1900 وأنه حاصل على شهادة البكالوريا سنة 1930 ودخل الخدمة في 16 من أغسطس سنة 1926، ورقى إلى الدرجة الرابعة الكتابية الشخصية اعتباراً من 26 من مارس سنة 1960 خصماً على درجة ثامنة كتابية وأنه تقدم في 16 من إبريل سنة 1960 بطلب أبدى فيه رغبته في ترك الخدمة وتسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960. وقد عرض هذا الطلب على لجنة شئون الموظفين بوزارة الداخلية في 14 من مايو سنة 1960 فرأت عدم الموافقة عليه لأن المدة الباقية لمقدمة لبلوغه السن القانونية تقل عن سنة. وقد وافق السيد وكيل الوزارة على ذلك في 15 من مايو سنة 1960 على أن يعرض الأمر على السيد الوزير ووافق السيد الوزير في 19 من مايو سنة 1960 وأخطر المدعي في 6 من سبتمبر سنة 1960 برفض طلبه، فتظلم من هذا القرار في 4 من أكتوبر سنة 1960، إلا أن تظلمه رفض في 21 من نوفمبر سنة 1960.
ومن حيث إنه ولئن كانت لجنة شئون الموظفين بوزارة الداخلية فقد رأت في 14 من مايو سنة 1960، أي قبل انقضاء ثلاثين يوماً على تاريخ تقديم الطلب الذي أعرب فيه المدعي عن رغبته في ترك الخدمة وتسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960، وهو الطلب المقدم منه في 16 من إبريل سنة 1960 أي بعد الميعاد المقرر الذي نصت عليه المادة الأولى من هذا القانون عدم الموافقة على هذا الطلب، إلا أن رأيها هذا لا يعدو أن يكون مجرد توصية رفعتها إلى السيد وكيل الوزارة الذي وافق عليها في 15 من مايو سنة 1960 على أن يعرض الأمر على السيد الوزير تاركاً لهذا الأخير البت فيه نهائياً بصفته الرئيس الأعلى المختص.
وقد صدر قرار السيد الوزير بالموافقة على رفض الطلب في 19 من مايو سنة 1960 أي بعد مضي ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه وهو الميعاد الذي نصت عليه المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة للفصل في الطلب خلاله وإلا اعتبر مقبولاً.
وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأنه ولئن صح القول بأن طلب ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 خاضع لتقدير الجهة الإدارية التي لها أن تقبله أو ترفضه وفقاً لمقتضيات الصالح العام على نحو ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية، إلا أنه من البديهي أن مثل هذا الطلب هو بمثابة استقالة وآية ذلك ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور من وجوب مراعاة أحكام قانون نظام موظفي الدولة التي تحكم الاستقالة، وعلى الأخص المادة 110 منه. عدا الحكم باعتبار الاستقالة المقيدة بأي قيد أو المعلقة على شرط كأن لم تكن. وبذلك ينبغي على الإدارة أن تراعي ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 10 من القانون رقم 210 لسنة 1951 من وجوب الفصل في طلب ترك الخدمة طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه وإلا اعتبرت الاستقالة مقبولة بقوة القانون ومنتجة لآثارها متى توافرت في حق مقدم الطلب الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960. ومن ثم فإن قرار الرفض الصادر من السيد الوزير بعد ميعاد الثلاثين يوماً المذكورة يكون قد ورد على غير محل.
ومن حيث إنه ثابت من جهة أخرى أن المدعي كان وقت تقديمه طلب اعتزال الخدمة بالاستناد إلى القانون رقم 120 لسنة 1960 بشغل درجة رابعة كتابية شخصية وهي التي رقى إليها اعتباراً من 26 من مارس سنة 1960، وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن المشرع عندما أصدر القانون رقم 120 لسنة 1960 إنما كان هدفه الأساسي هو معالجة مشكلة قدامى الموظفين الراسبين المنسيين بطريق تواجه في الوقت ذاته على نحو أنجع القضاء على ما نتج عن محاولات الإنصاف التي اتبعت في الماضي لرفع الغبن عن هؤلاء المتخلفين من تضخم في الدرجات الشخصية التي كان يلجأ إلى ترقيتهم عليها علاجاً لمشكلتهم مع ما في ذلك من مجافاة للأصول المقررة التي تقضي بالربط بين الدرجة والوظيفة على أساس من الواقع. وقد كانت كراهية هذه الأوضاع المفتعلة والرغبة في اجتثاث منابتها هي الحافز الذي حدا بالمشرع إلى التفكير في إيجاد وسيلة للتخلص من تلك الدرجات الشخصية بإصدار القانون رقم 120 لسنة 1960 الذي قصد به أصلاً إباحة طلب ترك الخدمة بالشروط والأوضاع المنصوص عليها في المادة الأولى منه لمن بلغ من الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية سن الخامسة والخمسين أو يبلغها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه. إلا أنه رؤى عدم قصر هذه الإباحة على أصحاب الدرجات الشخصية والتوسع في تيسير الإفادة منها بإتاحة سبيلها لغير هؤلاء من الموظفين الذين تتوافر فيهم تلك الشروط، على أن يتقدموا بطلب اعتزال الخدمة بذات الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وقد أورد الشارع حكم المادة الأولى هذه استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة والقوانين المعدلة له وأخصها ما ورد في المادة 110 فيما يتعلق بالاستقالة المقترنة بقيد أو المعلقة على شرط، وجعل طلب اعتزال الخدمة في هذه الحالة رخصة مباحة للموظف يستعملها بمشيئته متى تحققت فيه شروطها. وإذا كان هدف المشرع أصلاً هو علاج وضع الموظفين الشاغلين لدرجات شخصية بإيجاد وسيلة للتخلص من درجاتهم الشخصية أو التخفف منها قدر المستطاع عن طريق إصدار التشريع آنف الذكر، ولما كانت هذه الحكمة التشريعية إنما تعتبر بذاتها عن مصلحة عامة ابتغاها الشارع بعد أن وزن ملاءمتها بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة العامة، فإن ثمة قرينة قانونية لا تحتمل إثبات العكس على تحقق المصلحة العامة في ترك أمثال هؤلاء الموظفين خدمة الحكومة لما في ذلك من إلغاء لدرجاتهم الشخصية التي أعرب المشرع صراحة عن حرصه على التخلص منها سواء بهذا الطريق أو بما نص عليه في المادة الثانية من القانون رقم 120 لسنة 1960 من تنظيم لتسوية الدرجات الشخصية الباقية واستهلاكها. ولا يسوغ بقاعدة تنظيمية صادرة بأداة أدنى من الأداة التشريعية التي صدر بها هذا القانون الحد من إطلاق حكم نص المادة الأولى منه فيما يتعلق بالمدة الباقية للموظف لبلوغ سن الإحالة إلى المعاش بإضافة قيد إليها لم يورده المشرع ذاته بل لم يرده بدليل افتراضه في المادة المذكورة أن ضم السنتين لمدة خدمة الموظف وحسابهما في معاشه قد يجاوز به سن الستين، إذ أن هذا يكون حكماً تشريعياً جديداً لا تملكه الجهة الإدارية، وينطوي على مخالفة لصريح قصد الشارع الذي لم يحدد سناً ما بين الخامسة والخمسين والستين لا تقبل ممن بلغه الرغبة في ترك الخدمة. كما لا حجة في التذرع باحتمال اختلال سير العمل بالوزارات والمصالح والهيئات الحكومية بسبب خروج عدد كبير من الموظفين بالتطبيق لأحكام القانون المشار إليه ما دام هذا أمراًً أباحه المشرع وقدر مقدماً ما يمكن أن يترتب عليه من نتائج لم تكن لتغيب عنه. ولا وجه في ضوء ما تقدم للتفرقة بسبب السن أو بدعوى مصلحة العمل بين فريق وآخر من شاغلي الدرجات الشخصية، ما دام القانون لم يقض بهذه التفرقة ولا تقرها نصوصه.
ومن حيث إنه لما تقدم، ونظراً إلى أن طلب المدعي ترك الخدمة بالحكومة وتسوية حالته بالتطبيق لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مستوف الشرائط الشكلية والموضوعية المنصوص عليها في هذا القانون فإن حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه يكون قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها إذ أجاب المدعي إلى طلباته، ويكون الطعن فيه على غير أساس سليم من القانون متعيناً رفضه مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق