الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 21 يناير 2024

الطعن 1059 لسنة 7 ق جلسة 25 / 5 / 1963 إدارية عليا مكتب فني 8 ج 3 ق 116 ص 1225

جلسة 25 من مايو سنة 1963

برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب وعبد المنعم سالم مشهور ومحمد مختار العزبي المستشارين.

----------------

(116)

القضية رقم 1059 لسنة 7 القضائية

(أ) عقد إداري 

- مميزاته - التفرقة بينه وبين القرار الإداري والعقد المدني.
(ب) عقد إداري 

- العلاقة القائمة بين وزارة التموين والشركة العامة لمصانع التكرير والسكر المصرية في شأن إنتاج السكر الخام وتكريره وتنظيم تصريف هذه الأصناف في ضوء المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين والقرارات الوزارية الصادرة استناداً إليه - عدم توافر عناصر العقد في هذه العلاقة، بل هي ناشئة عن تكليف تشريعي.
(ج) اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري 

- صرف كميات من السكر لموظفيها وعمالها دون التزام القيود المفروضة عليها من الوزارة في صرف وتوزيع السكر بمقتضى البطاقات - اعتباره مخالفة لأحكام القرارات الوزارية المشار إليها وليس مخالفة لعقد تستوجب المسئولية العقدية - عدم اختصاص القضاء الإداري بهذه المنازعة.

---------------
1 - إذا كان القرار الإداري هو عمل قانوني غير تعاقدي يصدر عن إرادة منفردة من جانب إحدى السلطات الإدارية ويحدث بذاته آثاراً قانونية معينة متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً فإن العقد الإداري شأنه شأن العقد المدني من حيث العناصر الأساسية لتكوينه لا يعدو أن يكون توافق إرادتين بإيجاب وقبول لإنشاء التزامات تعاقدية تقوم على تراضي بين طرفين أحدهما هو الدولة أو أحد الأشخاص الإدارية بيد أنه يتميز بأن الإدارة تعمل في إبرامها له بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات لا يتمتع بمثلها المتعاقد معها وذلك بقصد تحقيق نفع عام أو مصلحة مرفق من المرافق العامة كما أنه يفترق عن العقد المدني في كون الشخص المعنوي العام يعتمد في إبرامه وتنفيذه على أساليب القانون العام ووسائله أما بتضمينه شروطاً استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص سواء كانت هذه الشروط واردة في ذات العقد أو مقررة بمقتضى القوانين واللوائح أو بمنح المتعاقد مع الإدارة فيه حقوقاً لا مقابل لها في روابط القانون الخاص بسبب كونه لا يعمل لمصلحة فردية بل يعاون السلطة الإدارية ويشترك معها في إدارة المرفق العام أو تسييره أو استغلاله تحقيقاً للنفع العام فبينما مصالح الطرفين في العقد المدني متساوية ومتوازنة إذا بكفتي المتعاقدين غير متكافئة في العقد الإداري تغليباً للمصلحة العامة على المصلحة الفردية مما يجعل للإدارة في هذا الأخير سلطة مراقبة تنفيذ شروط العقد وتوجيه أعمال التنفيذ واختيار طريقته وحق تعديل شروطه المتعلقة بسير المرفق وتنظيمه والخدمة التي يؤديها وذلك بإرادتها المنفردة حسبما تقتضيه المصلحة العامة دون أن يتحدى الطرف الآخر بقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين وكذا حق توقيع جزاءات على المتعاقد وحق فسخ العقد وإنهائه بإجراء إداري دون رضاء هذا المتعاقد إنهاء مبتسراً ودون تدخل القضاء، هذا إلى أن العقد الإداري.. تتبع في إبرامه أساليب معينة كالمناقصة أو المزايدة العامة أو الممارسة ويخضع في ذلك لإجراءات وقواعد مرسومة من حيث الشكل والاختصاص وشرط الكتابة فيه التي تتخذ عادة صورة دفتر شروط لازم إذا ما أبرم بناء على مناقصة أو مزايدة عامة أو تم بممارسة جاوزت قيمتها قدراً معيناً.
2 - يبين من استقراء نصوص القرارات الوزارية الصادرة من وزارة التموين استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين الذي خولها في مادته الأولى حق فرض قيود على إنتاج المواد الغذائية وغيرها من الحاجات الأولية وخامات الصناعة وتداولها واستهلاكها والاستيلاء عليها وتحديد أسعارها والإشراف على توزيعها. أن العلاقة بين الإدارة وبين الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية قد حددتها وبينت طبيعتها القرارات المشار إليها لذا نصت المادة 16 من القرار الوزاري رقم 504 لسنة 1945 الصادر في 6 من أكتوبر سنة 1945 - وهي التي رددت حكم المادة الأولى من الأمر العسكري رقم 266 الصادر في 31 من مايو سنة 1944 بشأن الاستيلاء على مقادير السكر المخزونة لدى الشركة العامة لمصانع السكر ومعمل التكرير في مصر وعلى ما تنتجه منه - على أن "يجرى الاستيلاء على المقادير المخزونة من السكر الخام والمكرر الموجودة في تاريخ صدور هذا القرار والمملوكة للشركة العامة لمصانع السكر ومعمل التكرير في مصر وكذلك على جميع ما تنتجه الشركة المذكورة من السكر ويكون تصريف مقادير السكر المستولى عليها وتوزيعها وفقاً للأحكام الواردة في هذا القرار". كما نص القرار الوزاري رقم 144 لسنة 1949 الصادر بفرض بعض أحكام خاصة بالسكر في مادته الأولى على أن "يكلف عضو مجلس الإدارة المنتدب للشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية ومديروها وجميع موظفيها وعمالها كل فيما يخصه بتنفيذ ما يأتي: أولاً - إنتاج السكر الخام وإرساله لمصنع التكرير بالحوامدية. ثانياً - تكرير السكر الخام بمصنع التكرير بالحوامدية. ثالثاً - شحن مقررات السكر الشهرية إلى جميع مناطق الاستهلاك طبقاً لما تحدده وتبلغه إليها وزارة التموين..." ونص في مادته الثانية على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام المادة 16 من القرار المشار إليه (رقم 504 لسنة 1945) يحظر على المذكورين في المادة الأولى بغير ترخيص خاص من وزارة التموين التصرف في أصناف السكر الخام والمكرر التي تنتجها الشركة سواء منها والأصناف المسعرة تسعيراً جبرياً أو غير الخاضعة للتسعير الجبري". وقد بينت المادة 7 من هذا القرار الجزاء على مخالفة أحكامه.
ويخلص من استظهار النصوص المتقدمة أن مادة السكر التي تنتجها الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية المدعى عليها - وهي التي لا تزال محتفظة بالطابع الخاص كشركة اقتصاد مختلط بعد فرض الحراسة عليها في 24 من أغسطس سنة 1955 بموجب الأمر العسكري رقم 122 لسنة 1955 وبعد صدور القانون رقم 196 لسنة 1956 بتصفية الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية وشركة التقطير المصرية وإنشاء شركة جديدة هي شركة مساهمة مصرية باسم شركة السكر والتقطير المصرية وصدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 119 لسنة 1961 بتقرير بعض الأحكام الخاصة ببعض الشركات القائمة - يخلص من النصوص المذكورة أن هذه المادة تستولى على كل إنتاج الشركة منها منذ سنة 1942 سواء السكر الخام أو المكرر ما كان منه مسعراً جبرياً أو غير خاضع للتسعير الجبري كما يتضح أن القرارات والأحكام المتعلقة بتنظيم تصريف الأصناف المختلفة من هذا السكر وتوزيعها إنما صدرت من وزارة التموين بإرادتها المنفردة وفرضت على الشركة دون تفاوض معها كطرف ثان أو قبول صريح أو ضمني من جانبها في الشكل وبالإجراءات والأوضاع التي يتم فيها عادة إبرام العقد الإداري بما يتميز به من شروط وخصائص ومقومات على نحو ما سلف بيانه ودون أن تتوافر في الوضع الخاص الذي فرض على الشركة جبراً عناصر التعاقد القائم على الرضا اللازم كركن لانعقاد العقد والذي أساسه الإرادة الحرة المتبادلة للمتعاقدين تلك الإرادة التي لا يسوغ افتراضها على الوجه الذي تذهب إليه الحكومة إزاء افتقاد الدليل عليها وقيام القرينة من ظروف الحال على نقيضها وإذ كان موقف الشركة في إنتاج السكر وتوزيعه بالأسعار المحددة أو تصريفه بالبطاقات في ظل القرارات التنظيمية الصادرة في هذا الشأن إنما يقوم على ضرورة إذعانها لأحكام هذه القرارات ووجوب تنفيذ ما تضمنته من أوامر ونواة وإلا تعرضت للعقوبات الجنائية المنصوص عليها فيها فإن مساهمتها الإجبارية في هذا المرفق ليس أساسها علاقة عقدية رضائية بل تكليف تشريعي بإنتاج السكر الخام وإرساله لمصنع التكرير وتكريره بالمصنع وشحن مقررات السكر الشهرية إلى جميع مناطق الاستهلاك طبقاً لما تحدده وزارة التموين وحظر للتصرف بغير ترخيص خاص من الوزارة في أصناف السكر الخام والمكرر المسعر منه وغير الخاضع للتسعير الجبري وكل أولئك بغير استناد إلى تعاقد سابق أو أصل اتفاق.
3 - إذا كان المنسوب إلى الشركة المدعى عليها هو أنها درجت خلال الفترة من أول سبتمبر سنة 1952 حتى آخر أكتوبر سنة 1955 على صرف كميات من السكر لموظفيها وعمالها بدون بطاقات تموين بزيادة عما ظهر أنهم يستحقونه بموجب البطاقات التي استخرجت لهم فيما بعد يقابلها فرق سعر بين السكر الحر وسكر البطاقات قدر بمبلغ 77717.493 مليمجـ هو موضوع المطالبة في الدعوى الحالية فإن تصرف الشركة على هذا النحو لا يعدو أن يكون مخالفة لأحكام القرارات الوزارية الصادرة في هذا الخصوص تستتبع مساءلتها وفقاً لهذه الأحكام وأخذها بالجزاءات المنصوص عليها فيها لهذه المخالفة ولا يمكن أن يكون أساس الرجوع على الشركة بهذا التكييف هو المسئولية العقدية. ومتى انتفى قيام العقد الإداري انحسرت تبعاً لذلك ولاية القضاء الإداري واختصاصه بنظر المنازعة الراهنة لخروجها من نطاق العقود الإدارية وكذا من نطاق المنازعات الأخرى التي يفصل فيها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بولايته المقررة. وإذ قضت محكمة القضاء الإداري بحكمها المطعون فيه بعدم اختصاصها بنظر الدعوى فإنها تكون قد أصابت الحق في النتيجة التي انتهى إليها قضاؤها.


إجراءات الطعن

في يوم 5 من إبريل سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن السيد وزير التموين بصفته سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة بجدولها تحت رقم 1059 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض" بجلسة 5 من فبراير سنة 1961 في الدعوى رقم 269 لسنة 13 القضائية المقامة من: وزارة التموين ضد الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية القاضي (بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت الوزارة المدعية المصروفات". وطلب السيد الطاعن للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً والحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى والحكم باختصاصها بنظرها وإعادة القضية لمحكمة القضاء الإداري (هيئة العقود الإدارية والتعويضات) للفصل في موضوعها مع إلزام الشركة المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وقد أعلن هذا الطعن إلى الشركة المطعون عليها في 17 من إبريل سنة 1961 وعقبت عليه هيئة مفوضي الدولة بتقرير الرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته به من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفض الطعن مع إلزام الوزارة الطاعنة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة دون أن يقدم أي من الطرفين مذكرة بملاحظاته عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 16 من فبراير سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 15 من يناير سنة 1963 وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 23 من مارس سنة 1963 التي أبلغ بها الطرفان في 18 من فبراير سنة 1963 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن وزارة التموين أقامت ضد الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية الدعوى رقم 269 لسنة 13 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري "دائرة العقود الإدارية وطلبات التعويض" بصحيفة أودعتها سكرتيرية المحكمة في 9 من ديسمبر سنة 1958 ذكرت فيها أنه تبين للوزارة أن الشركة المدعى عليها كانت قد درجت على صرف كميات من السكر لموظفيها وعمالها بدون بطاقات تموين، وقد اعترفت بذلك في كتاب وجهته إلى الوزارة أشارت فيه إلى أنها أوقفت الصرف ابتداء من أول نوفمبر سنة 1955 وقد قررت الوزارة صرف بطاقات تموين لموظفي الشركة وعمالها ممن يدعون عدم وجود بطاقات لديهم على أن تكلف الشركة بتوريد فرق السعر عن الكميات التي كانت قد صرفتها لهؤلاء الموظفين والعمال خلال الفترة من أول سبتمبر سنة 1952 إلى آخر أكتوبر سنة 1955 وقد قامت فعلاً جميع مراقبات التموين الواقعة في دائرتها مصانع الشركة باستخراج بطاقات جديدة لمن ليست لديهم بطاقات من موظفي الشركة وعمالها فبلغت 1499 بطاقة تشمل 7636 فرداً وتتضمن 3818 أقة سكر شهرياً كما قامت إدارة الخبراء بالوزارة بحصر كميات السكر الواجب صرفها بموجب هذه البطاقات في الفترة من أول سبتمبر سنة 1952 حتى آخر أكتوبر سنة 1955 فتبين أن الشركة قامت بصرف 170.146 أقة من السكر الحر يبلغ الفرق بين سعرها وبين سعر البطاقات 84666.253 مجـ وبما أن كميات السكر التي كان يجب صرفها بموجب البطاقات التي تم استخراجها في المدة سالفة الذكر هي 145084 أقة بلغ فرق السعر المستحق عنها 6948.760 مجـ بالنظر إلى اختلاف سعر السكر الحر في تلك المدة. فإن فرق السعر المستحق للوزارة يكون 77717.493 مجـ وإذ لم تجد المطالبة الودية فإن الوزارة تطلب الحكم بإلزام الشركة المدعى عليها بأن تدفع للوزارة مبلغ 77717.493 مجـ "سبعة وسبعين ألفاً وسبعمائة وسبعة عشر جنيهاً وأربعمائة وثلاثة وتسعين مليماً" وفوائده القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية بواقع 4٪ حتى السداد مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد ردت شركة السكر والتقطير المصرية على هذه الدعوى بمذكرة دفعت فيها أصلياً "بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وذلك استناداً إلى نص المادتين 16، 54 من القرار الوزاري رقم 504 لسنة 1945 والمادتين 2، 7 من القرار الوزاري رقم 144 لسنة 1949 إذ يبين من هذه المواد أن مادة السكر التي تنتجها الشركة مستولى عليها جميعها طبقاً للأحكام الواردة تفصيلاً في القرارين المشار إليهما وأن مخالفة أي حكم من أحكام هذين القرارين تقتضي تطبيق الجزاء المقرر لهذه المخالفة، ولما كانت مطالبة الوزارة لا تندرج تحت أية حالة من الحالات التي حددتها المواد 8، 9، 10 من قانون مجلس الدولة، فإن الدفع بعدم الاختصاص يكون في محله ويتعين قبوله. كما دفعت الشركة "احتياطياً" بسقوط حق الوزارة المدعية بالتقادم وذلك تأسيساً على أنه على فرض أن الشركة قامت بتوزيع سكر من إنتاجها على بعض موظفيها وعمالها دون أن تكون لديهم بطاقات تموينية مخالفة بذلك بعض أحكام القرارين الوزاريين آنفي الذكر فإن الوزارة قد علمت بهذا التوزيع بصفة قاطعة من تاريخ الإخطار الوارد لها من الحراسة في 23 من سبتمبر سنة 1955 وهي الحراسة التي فرضت بموجب الأمر العسكري رقم 122 لسنة 1955 المنشور في 24 من أغسطس سنة 1955 ولما كانت الدعوى قد رفعت بعد مضي أكثر من المدة القانونية للتقادم فإن الشركة تتمسك بهذا الدفع الذي يتعين قبوله.
وقد عقبت وزارة التموين على دفاع الشركة المدعى عليها بمذكرة قالت فيها أن الدفع بعدم الاختصاص مردود بأن العلاقة بين الشركة وبين الوزارة فيما يختص بقيام الشركة بتوزيع السكر على موظفيها وعمالها إنما هي علاقة عقد إداري إذ تعتبر الشركة في هذا الخصوص بمثابة التاجر المنوط به توزيع السكر على الجمهور والذي ينضم إلى الوزارة ويسهم معها في إدارة مرفق التموين، ومن ثم يلتزم بأحكام هذه العلاقة العقدية من نصوص لائحية وما يترتب عليها من منازعة تدخل في اختصاص محكمة القضاء الإداري بمقتضى المادة 10 من القانون رقم 165 لسنة 1955 باعتبارها منازعة متعلقة بعقد إداري ذلك أن السكر قد أصبح بموجب القرارات المنظمة لإنتاجه وتداوله مادة مستولى عليها إذ تقوم الحكومة وحدها بتنظيم إنتاجه محلياً واستيراده ولها وحدها الإشراف على تداوله وتوزيعه في أنحاء البلاد لضمان حصول الأفراد والمصانع على حاجتهم منه بمقتضى بطاقات التموين وبسعر مناسب وقد حددت سعراً أعلى للسكر الذي يصرف خارج نظام البطاقات وذلك كله لمنع التلاعب بالأسعار وجعلها في متناول أفراد الشعب مع تعويضها عن شيء مما تتحمله الخزانة في سبيل توفير السكر في السوق بأسعار معتدلة أما دور التجار في هذا التنظيم سواء كانوا تجار جملة أو تجار تجزئة فقد أصبح دور المساهم أو الشريك في إدارة المرفق ينضم إلى الحكومة باختياره ليعاونها في عملية التصريف والتوزيع لقاء ربح معلوم ويلتزم بتوزيع الكميات التي يتسلمها منها بالأذون الخاصة بذلك وبيعها بالأسعار المحددة سواء كان التوزيع بالبطاقات أو بغيرها ومساهمة التاجر على هذا الوجه في إدارة المرفق تجعل علاقته بالحكومة علاقة عقدية من علاقات القانون الإداري تحكمها النصوص التنظيمية الواردة في القرارات الخاصة بتنظيم تداول السكر وتحديد أسعاره. ومن مقتضى هذا العقد أن يلتزم التجار أحكام القرارات المذكورة سواء فيما يتعلق بطريقة التوزيع أو بنظام الصرف بالبطاقات مع التزام الأسعار التي تحددها الحكومة سواء لما يصرف بالبطاقات أو بدونها بحيث إذا باع أحد التجار سكراً بدون بطاقة كان عليه أن يورد للحكومة ثمنه طبقاً للأسعار المحددة للسكر الحر وذلك باعتبارها صاحبة هذا السكر وصاحبة الحق في ثمنه وأن كل إخلال بالنظام الذي تضعه لتوزيعه يعود على خزانتها بخسارة مالية ويزيد من الأعباء التي تتحملها في توفيره بالأسعار المعتدلة التي تحددها والحال أن مدار المنازعة في هذه الدعوى هو مخالفة الشركة لأحكام العقد الإداري الذي يربطها بالحكومة والتزامها نتيجة لذلك بدفع الفرق بين سعر السكر الذي قامت بتوزيعه على موظفيها وعمالها باعتباره سكراً حراً وبين سعره باعتباره سكر بطاقات واستحقاق الحكومة بالتالي لهذا الفرق، ومن ثم فإن الدفع بعدم الاختصاص يكون في غير محله متعيناً رفضه كما لا يكون هناك وجه للدفع بالتقادم الذي ذهبت إليه الشركة من باب الاحتياط دون أن تبين سنده ولا نوع التقادم الذي تعنيه ذلك أن المطالبة الحالية إنما تستند إلى العقد وليس إلى دفع غير المستحق.
وقد أودع السيد مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه لما أبداه به من أسباب إلى أنه يرى أن تحكم المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإلزام رافعها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 5 من فبراير سنة 1961 قضت محكمة القضاء الإداري "بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت الوزارة المدعية المصروفات". وأقامت قضاءها على أنه باستقراء القرارات الصادرة بتنظيم عملية تصريف السكر ومطابقتها على ما هو منسوب للشركة المدعى عليها يبين أن الأمر لا يعدو أن يكون مخالفة من جانب هذه الأخيرة لما نصت عليه المادة الثانية من القرار الوزاري رقم 144 لسنة 1949 التي حظرت على الشركة أن تتصرف في أي صنف من أصناف السكر دون ترخيص من الوزارة المختصة وقد وردت في المادة السابعة من هذا القرار العقوبة المترتبة على مخالفة هذا النص هذا إلى أن جميع القرارات والأوامر كقرارات الاستيلاء وأوامر التكليف وحظر البيع إنما صدرت من الوزارة المدعية بإرادة منفردة لم تكن الشركة المدعى عليها طرفاً فيها كما لم يؤخذ رأيها أو موافقتها على شيء من ذلك حتى يمكن أن تكون هناك شبهة تعاقد بل إن الشركة المذكورة تخضع للعقوبات المنصوص عليها في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 56 من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 إذا ما أقدمت على مخالفة القرارات الإدارية التي أصدرتها الوزارة المدعية وما دام الأمر كذلك فلا يسوغ القول بأن العلاقة بين الوزارة والشركة هي علاقة تعاقدية من أي ونوع كانت ولا سيما إذا ما روعي أن توزيع السكر فرض على الشركة المدعى عليها طبقاً للأحكام والأوامر المنظمة لهذه العملية فلم تكن لها إرادة في التوزيع حتى يمكن القول بأن العلاقة بينها وبين الوزارة علاقة تعاقدية إنما هي علاقة جبرية لا رضائية إذ أن الوزارة قد قامت بالاستيلاء على السكر وكلفت الشركة بأن تستمر في إنتاجه وتكريره وشحنه وصرفه لمن بيده ترخيص وحظرت عليها صرف أي شيء منه لخلاف هؤلاء الأمر الذي يؤخذ منه أن العلاقة المذكورة بعيدة كل البعد عن العلاقة التعاقدية حكماً وعرفاً، ومن ثم فإن المنازعة المعروضة لا تكون مما يختص بنظره مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري طبقاً لأحكام المادة العاشرة من قانونه هذا فضلاً عن أن اختصاص محكمة القضاء الإداري محدد بما نصت عليه المواد 8، 9، 10، 11 من قانون تنظيم مجلس الدولة وليس في المنازعة الراهنة ما يدخل في نطاق هذا الاختصاص إذ أن موضوعها - وقد انتفت العلاقة العقدية - لا يخرج عن كونه عملاً غير مشروع إذا ثبت ذلك في حق الشركة المدعى عليها ومسئولية هذه الأخيرة عنه هي مسئولية جنائية وتقصيرية مما لا يجوز للمحكمة النظر فيه الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 5 من إبريل سنة 1961 طعنت وزارة التموين في هذا الحكم طالبة "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً والحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى والحكم باختصاصها بنظرها وإعادة القضية لمحكمة القضاء الإداري (هيئة العقود الإدارية والتعويضات) للفصل في موضوعها مع إلزام الشركة المطعون ضدها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وأسست طعنها على ما سبق أن أبدته في دفاعها أمام محكمة القضاء الإداري من أن دور التجار سواء كانوا تجار جملة أو تجار تجزئة في التنظيم الخاص بتداول السكر وتصريفه هو دور المساهم في إدارة هذا المرفق يعاون الحكومة باختياره في عملية التوزيع لقاء ربح معلوم ويلتزم بتوزيع الكميات التي يتسلمها من الوزارة ببيعها بالأسعار المحددة سواء كان التوزيع بالبطاقات أو بغيرها ومساهمة التاجر على هذا الوجه تجعل علاقته عقدية من علاقات القانون الإداري تحكمها وتسري عليها النصوص التنظيمية الواردة في القرارات الخاصة بتنظيم تداول السكر وتحديد أسعاره ومن مقتضى هذا العقد أن يلتزم التجار والموزعون أحكام هذه القرارات وكذا الأسعار التي تحددها الحكومة بحيث إذا باع أحد التجار سكراً بدون بطاقة كان عليه أن يورد للحكومة ثمنه طبقاً للأسعار المحددة للسكر الحر وذلك باعتبارها صاحبة هذا السكر وصاحبة الحق في ثمنه فالعلاقة بين الوزارة وبين الشركة فيما يتعلق بقيام هذه الأخيرة بتوزيع السكر على موظفيها وعمالها إنما هي علاقة عقد إداري إذ تعتبر الشركة في هذا الخصوص بمثابة التاجر المنوط به توزيع السكر على الجمهور والذي يساهم مع الوزارة في إدارة مرفق التموين ويلتزم بالتالي بأحكام العلاقة العقدية والنصوص اللائحية الخاصة بتداول السكر وتحديد أسعاره وهذه العلاقة وما يترتب عليها من منازعة تدخل ولا شك في اختصاص محكمة القضاء الإداري طبقاً للمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة باعتبارها متعلقة بعقد إداري وبذلك يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى على خلاف هذا النظر قد جانب الصواب ويتعين والحالة هذه القضاء بإلغائه.
وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على هذا الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً خلصت فيه إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفض الطعن مع إلزام الوزارة الطاعنة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". واستندت في رأيها إلى أن العقد هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني وأن هذا التعريف المصطلح عليه في نطاق القانون الخاص يسري بالنسبة للعقود الإدارية في نطاق القانون العام لأن العقد الإداري هو في جوهره عقد بالمعنى المعروف يقوم على توافق إرادتين ويفترض أن كلاً من الإدارة والمتعاقد معها قد قبل مختاراً الالتزام بما يفرضه عليه العقد من التزامات وهذا هو ما يميز الرابطة التعاقدية عن القرارات الإدارية التي تصدر من الجهة الإدارية بإرادتها المنفردة إذ أن إرادة المتعاقد مع الإدارة ليست أجنبية في تكوين العقد وإبرامه بل يوجد ثمة قبول حقيقي تتوافر فيه عناصر التعاقد والإرادة المشتركة للمتعاقدين، وواقع الحال أن جميع الأحكام والقرارات المنظمة لإنتاج السكر وتداوله وتوزيعه وبيعه إنما صدرت من وزارة التموين بإرادتها المنفردة ولم يصدر من الشركة المدعى عليها أي قبول صريح أو ضمني لها إذ أنها لم تطلع على هذه الأحكام والقرارات مقدماً ولم تدرسها أو تبد ملاحظات أو تحفظات بشأنها كما هو الحال في العقود الإدارية ولا يعدو ما نسب إليها أن يكون مخالفة منها لنص المادة 2 من القرار الوزاري رقم 144 لسنة 1949 الذي حظر على الشركة أن تتصرف في أي صنف من أصناف السكر قبل الحصول على ترخيص بذلك من الوزارة المختصة وحدد العقوبة الجنائية على مخالفة هذا الحكم ولم يبين تقرير الطعن الأساسي الذي يستند إليه للقول بأن علاقة وزارة التموين بالشركة المدعى عليها هي علاقة عقدية من علاقات القانون الإداري تسري عليها النصوص التنظيمية في القرارات الخاصة بتنظيم تداول السكر وتحديد أسعاره فيما عدا ما ذكره من أن دور التاجر هو دور المساهم في إدارة المرفق يعاون الحكومة في عملية التوزيع لقاء ربح معلوم وهو أمر مردود عليه بأن التعاقد لا يمكن افتراضه على هذا النحو بل يجب إثبات الرضاء به سواء صراحة في شروط مكتوبة أو على الأقل ضمناً بأن يستخلص من الظروف ولا شك في أن عنصر الرضا في المنازعة الحالية منعدم تماماً وليست كل مساهمة من جانب الأفراد في تسيير مرفق عام علاقة عقدية ما دامت هذه المساهمة إجبارية مفروضة على الأفراد وليس التزام الشركة لأحكام القرارات التنظيمية التي أصدرتها وزارة التموين سواء فيما يتعلق بطريقة توزيع السكر أو اتباع نظام صرفه بالبطاقات أو التزام الأسعار التي تحددها الحكومة أساسه العقد بل أساسه ضرورة الإذعان لهذه الأحكام وتنفيذها وإلا تعرضت الشركة للعقوبات الجنائية المنصوص عليها وإذا سلم في الجدل بأنه إذا باع أحد التجار سكراً بدون بطاقة كان عليه أن يورد للحكومة ثمنه طبقاً للأسعار المحددة للسكر باعتبارها صاحبة هذا السكر وصاحبة الحق في ثمنه فإن هذا الحكم يصدق بالنسبة إلى الموزع الذي يتقدم برضائه واختياره على وزارة التموين طالباً صرف كمية من السكر ليقوم بتوزيعها على المستهلكين إذ يمكن أن يقال في هذه الحالة أن العلاقة عقدية لأن أساسها رضاء الموزع وقبوله بخلاف الحال في الدعوى الراهنة حيث إن الشركة المدعى عليها بعد أن تم الاستيلاء على ما تنتجه من السكر لم تتقدم برضائها طالبة الترخيص لها بالتوزيع بل كلفت بإنتاج السكر وتكريره وشحنه إلى جميع مناطق الاستهلاك وحظر عليها أن تتصرف في السكر الذي تنتجه بغير ترخيص من وزارة التموين سواء ما كان منه مسعراً أو غير خاضع للتسعير فإذا خالفت هذا الحكم وقامت بتوزيع السكر لموظفيها وعمالها دون ترخيص أو بتوزيعه بسعر سكر البطاقات في حين أنه يدخل ضمن السكر الحر فإن أساس الرجوع يكون المسئولية التقصيرية والجنائية لا المسئولية العقدية كما ذكر الحكم المطعون فيه بحق ولما كانت محكمة القضاء الإداري غير مختصة بنظر المنازعات المترتبة على المسئولية التقصيرية أو الجنائية لأن اختصاصها قد حددته مواد قانون مجلس الدولة ولا يدخل فيه النظر في هذه المنازعات فإن الطعن يكون على غير أساس سليم من القانون. ومن حيث إن مثار المنازعة التي يقوم عليها الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى الحالية هو ما إذا كانت العلاقة بين وزارة التموين والشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية في خصوص تنظيم تداول السكر الذي تنتجه هذه الأخيرة وتوزيعه وبيعه سواء للجمهور أو لموظفيها وعمالها هي علاقة من علاقات القانون العام أساسها عقد إداري مما يدخل النزاع بشأن تنفيذه أو مخالفة أحكامه في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري باعتبار أن الشركة إنما تقوم في هذا الخصوص بدور التاجر المنوط به توزيع السكر على الجمهور والذي ينضم إلى الوزارة ويسهم معها في إدارة مرفق التموين ويلتزم تبعاً لذلك بأحكام هذه العلاقة العقدية والنصوص اللائحية الخاصة بتنظيم تداول السكر وتحديد أسعاره كما تذهب إلى ذلك وزارة التموين في دعواها وفي عريضة طعنها أم أن هذه العلاقة لا تعدو أن تكون مخالفة للقرارات الوزارية المنظمة لإنتاج مادة السكر والتصرف فيها تقتضي تطبيق الجزاء المقرر لهذه المخالفة في تلك القرارات دون أن تستند إلى رابطة عقدية ناشئة عن عقد إداري أو عن عقد آخر من أي نوع كان لكونها علاقة جبرية لا رضائية بعد إذ استولت الوزارة على جميع مقادير السكر التي تنتجها الشركة وكلفت هذه الأخيرة الاستمرار في إنتاج السكر وتكريره وشحنه وصرفه لمن بيده ترخيص خاص وحظرت عليها التصرف في أصناف السكر الخام والمكرر الذي تنتجه سواء ما كان منه مسعراً تسعيراً جبرياً أو غير خاضع لهذا التسعير الأمر الذي يمكن أن يجعل أساس الرجوع هو المسئولية التقصيرية والجنائية لا المسئولية المدنية بوصف أن الشركة بتوزيعها السكر على موظفيها ومستخدميها وعمالها بغير ترخيص خاص من وزارة التموين إنما أتت عملاً غير مشروع يتضمن مخالفة للقواعد التنظيمية الواردة في القرارات الوزارية الصادرة في هذا الشأن وهو ما يخرج عن ولاية القضاء الإداري على نحو ما تذهب إليه الشركة المدعى عليها وما سايرها فيه كل من حكم محكمة القضاء الإداري المطعون فيه ورأي هيئة مفوضي الدولة.
ومن حيث إنه إذا كان القرار الإداري هو عمل قانوني غير تعاقدي يصدر عن إرادة منفردة من جانب إحدى السلطات الإدارية ويحدث بذاته آثاراً قانونية معينة متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً فإن العقد الإداري شأنه شأن العقد المدني من حيث العناصر الأساسية لتكوينه لا يعدو أن يكون توافق إرادتين بإيجاب وقبول لإنشاء التزامات تعاقدية تقوم على التراضي بين طرفين أحدهما هو الدولة أو أحد الأشخاص الإدارية بيد أنه يتميز بأن الإدارة تعمل في إبرامها له بوصفها سلطة عامة تتمتع بحقوق وامتيازات لا يتمتع بمثلها المتعاقد معها وذلك بقصد تحقيق نفع عام أو مصلحة مرفق من المرافق العامة كما أنه يفترق عن العقد المدني في كون الشخص المعنوي العام يعتمد في إبرامه وتنفيذه على أساليب القانون العام ووسائله أما بتضمينه شروطاً استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص سواء كانت هذه الشروط واردة في ذات العقد أو مقررة بمقتضى القوانين واللوائح أو بمنح المتعاقد مع الإدارة فيه حقوقاً لا مقابل لها في روابط القانون الخاص بسبب كونه لا يعمل لمصلحة فردية بل يعاون السلطة الإدارية ويشترك معها في إدارة المرفق العام أو تسييره أو استغلاله تحقيقاً للنفع العام فبينما مصالح الطرفين في العقد المدني متساوية ومتوازنة إذا بكفتي المتعاقدين غير متكافئة في العقد الإداري تغليباً للمصلحة العامة على المصلحة الفردية مما يجعل للإدارة في هذا الأخير سلطة مراقبة تنفيذ شروط العقد وتوجيه أعمال التنفيذ واختيار طريقته وحق تعديل شروطه المتعلقة بسير المرفق وتنظيمه والخدمة التي يؤديها وذلك بإرادتها المنفردة حسبما تقتضيه المصلحة العامة دون أن يتحدى الطرف الآخر بقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين وكذا حق توقيع جزاءات على المتعاقد وحق فسخ العقد وإنهائه بإجراء إداري دون رضاء هذا المتعاقد إنهاء مبتسراً ودون تدخل القضاء هذا إلى أن العقد الإداري تتبع في إبرامه أساليب معينة كالمناقصة أو المزايدة العامة أو الممارسة ويخضع في ذلك لإجراءات وقواعد مرسومة من حيث الشكل والاختصاص وشرط الكتابة فيه التي تتخذ عادة صورة دفتر شروط لازم إذا ما أبرم بناء على مناقصة أو مزايدة عامة أو تم بممارسة جاوزت قيمتها قدراً معيناً.
ومن حيث إنه في خصوص المنازعة الحالية يبين من استقراء نصوص القرارات الوزارية الصادرة من وزارة التموين استناداً إلى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين الذي خولها في مادته الأولى حق فرض قيود على إنتاج المواد الغذائية وغيرها من الحاجات الأولية وخامات الصناعة وتداولها واستهلاكها والاستيلاء عليها وتحديد أسعارها والإشراف على توزيعها أن العلاقة بين الإدارة وبين الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية قد حددتها وبينت طبيعتها القرارات المشار إليها إذ نصت المادة 16 من القرار الوزاري رقم 504 لسنة 1945 الصادر في 6 من أكتوبر سنة 1945 - وهي التي رددت حكم المادة الأولى من الأمر العسكري رقم 266 الصادر في 31 من مايو سنة 1944 بشأن الاستيلاء على مقادير السكر المخزونة لدى الشركة العامة لمصانع السكر ومعمل التكرير في مصر وعلى ما تنتجه منه - على أن "يجرى الاستيلاء على المقادير المخزونة من السكر الخام والمكرر الموجودة في تاريخ صدور هذا القرار والمملوكة للشركة العامة لمصانع السكر ومعمل التكرير في مصر وكذلك على جميع ما تنتجه الشركة المذكورة من السكر ويكون تصريف مقادير السكر المستولى عليها وتوزيعها وفقاً للأحكام الواردة في هذا القرار". كما نص القرار الوزاري رقم 144 لسنة 1949 الصادر بفرض بعض أحكام خاصة بالسكر في مادته الأولى على أن "يكلف عضو مجلس الإدارة المنتدب للشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية ومديروها وجميع موظفيها وعمالها كل فيما يخصه بتنفيذ ما يأتي: أولاً - إنتاج السكر الخام وإرساله لمصنع التكرير بالحوامدية. ثانياً - تكرير السكر الخام بمصنع التكرير بالحوامدية. ثالثاً - شحن مقررات السكر الشهرية إلى جميع مناطق الاستهلاك طبقاً لما تحدده وتبلغه إليها وزارة التموين..." ونص في مادته الثانية على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام المادة 16 من القرار المشار إليه (رقم 504 لسنة 1945) يحظر على المذكورين في المادة الأولى بغير ترخيص خاص من وزارة التموين التصرف في أصناف السكر الخام والمكرر التي تنتجها الشركة سواء منها الأصناف المسعرة تسعيراً جبرياً أو غير الخاضعة للتسعير الجبري". وقد بينت المادة 7 من هذا القرار الجزاء على مخالفة أحكامه.
ومن حيث إنه يخلص من استظهار النصوص المتقدمة أن مادة السكر التي تنتجها الشركة العامة لمصانع السكر والتقطير المصرية المدعى عليها - وهي التي لا تزال محتفظة بالطابع الخاص كشركة اقتصاد مختلط بعد فرض الحراسة عليها في 24 من أغسطس سنة 1955 بموجب الأمر العسكري رقم 122 لسنة 1955 وبعد صدور القانون رقم 196 لسنة 1956 بتصفية الشركة العامة لمصانع السكر والتكرير المصرية وشركة التقطير المصرية وإنشاء شركة جديدة هي شركة مساهمة مصرية باسم شركة السكر والتقطير المصرية وصدور قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 119 لسنة 1961 بتقرير بعض الأحكام الخاصة ببعض الشركات القائمة - يخلص من النصوص المذكورة أن هذه المادة مستولى على كل إنتاج الشركة منها منذ سنة 1942 - سواء السكر الخام أو المكرر ما كان منه مسعراً جبرياً أو غير خاضع للتسعير الجبري كما يتضح أن القرارات والأحكام المتعلقة بتنظيم تصريف الأصناف المختلفة من هذا السكر وتوزيعها إنما صدرت من وزارة التموين بإرادتها المنفردة وفرضت على الشركة دون تفاوض معها كطرف ثان أو قبول صريح أو ضمني من جانبها في الشكل وبالإجراءات والأوضاع التي يتم فيها عادة إبرام العقد الإداري بما يتميز به من شروط وخصائص ومقومات على نحو ما سلف بيانه ودون أن تتوافر في الوضع الخاص الذي فرض على الشركة جبراً عناصر التعاقد القائم على الرضا اللازم كركن لانعقاد العقد والذي أساسه الإرادة الحرة المتبادلة للمتعاقدين تلك الإرادة التي لا يسوغ افتراضها على الوجه الذي تذهب إليه الحكومة إزاء افتقاد الدليل عليها وقيام القرينة من ظروف الحال على نقيضها وإذ كان موقف الشركة في إنتاج السكر وتوزيعه بالأسعار المحددة أو تصريفه بالبطاقات في ظل القرارات التنظيمية الصادرة في هذا الشأن إنما يقوم على ضرورة إذعانها لأحكام هذه القرارات ووجوب تنفيذ ما تضمنته من أوامر ونواة وإلا تعرضت للعقوبات الجنائية المنصوص عليها فيها فإن مساهمتها الإجبارية في هذا المرفق ليس أساسها علاقة عقدية رضائية بل تكليف تشريعي بإنتاج السكر الخام وإرساله لمصنع التكرير وتكريره بالمصنع وشحن مقررات السكر الشهرية إلى جميع مناطق الاستهلاك طبقاً لما تحدده وزارة التموين وحظر للتصرف بغير ترخيص خاص من الوزارة في أصناف السكر الخام والمكرر المسعر منه وغير الخاضع للتسعير الجبري وكل أولئك بغير استناد إلى تعاقد سابق أو أصل اتفاق.
وإذا كان واقع الأمر كذلك وكان المنسوب إلى الشركة المدعى عليها هو أنها درجت خلال الفترة من أول سبتمبر سنة 1952 حتى آخر أكتوبر سنة 1955 على صرف كميات من السكر لموظفيها وعمالها بدون بطاقات تموين بزيادة عما ظهر أنهم يستحقونه بموجب البطاقات التي استخرجت لهم فيما بعد يقابلها فرق سعر بين السكر الحر وسكر البطاقات قدر بمبلغ 77717.493 مجـ هو موضوع المطالبة في الدعوى الحالية فإن تصرف الشركة على هذا النحو لا يعدو أن يكون مخالفة لأحكام القرارات الوزارية الصادرة في هذا الخصوص تستتبع مساءلتها وفقاً لهذه الأحكام وأخذها بالجزاءات المنصوص عليها فيها لهذه المخالفة ولا يمكن أن يكون أساس الرجوع على الشركة بهذا التكييف هو المسئولية العقدية. ومتى انتفى قيام العقد الإداري انحسرت تبعاً لذلك ولاية القضاء الإداري واختصاصه بنظر المنازعة الراهنة لخروجها من نطاق العقود الإدارية وكذا من نطاق المنازعات الأخرى التي يفصل فيها مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بولايته المقررة بالنص. وإذ قضت محكمة القضاء الإداري بحكمها المطعون فيه بعدم اختصاصها بنظر الدعوى فإنها تكون قد أصابت الحق في النتيجة التي انتهى إليها قضاؤها. ومن ثم فإن طعن وزارة التموين في هذا الحكم يكون على غير أساس سليم من القانون حقيقاً بالرفض، مع إلزام الوزارة المدعية بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق