الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يوليو 2022

الطعن 1767 لسنة 34 ق جلسة 22 / 11 / 1992 إدارية عليا مكتب فني 38 ج 1 ق 14 ص 156

جلسة 22 من نوفمبر سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عبد القادر هاشم النشار وإدوارد غالب سيفين وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمد ربيع - نواب رئيس مجلس الدولة.

---------------

(14)
الطعن رقم 1767 لسنة 34 القضائية

قرار إداري - قرار سلبي - الامتناع عن تنفيذ حكم - تعويض.
المادة (10) من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة.
يجب على جهة الإدارة تنفيذ الأحكام القضائية الواجبة التنفيذ طبقاً للقانون - امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام يعد قراراً سلبياً بالمفهوم المقصود في قانون مجلس الدولة - أثر ذلك: استحقاق ذوي الشأن للتعويض - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 28/ 4/ 1988 أودع الأستاذ/ منصف نجيب سليمان المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعنين - جميل وماهر محمد سري وورثة المرحوم وديد محمد سري قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير الطعن رقم 1767 لسنة 34 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود والتعويضات) والذي قضى بأن يدفع للطاعنين مبلغاً وقدره ثلاثون ألف جنيه، وطلب في ختام تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون ضده بأن يؤدي للطاعنين تعويضاً قدره خمسمائة ألف جنيه والمصروفات.
وفي يوم الخميس الموافق 28/ 4/ 1988 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن وزير الداخلية قلم كتاب المحكمة الإدارية تقرير الطعن رقم 1771 لسنة 34 ق في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة العقود والتعويضات) في الدعوى رقم 465 لسنة 40 ق والذي قضى بأن يدفع للطاعنين (في الطعن رقم 1767 لسنة 34 ق) مبلغاً وقدره ثلاثون ألف جنيه، وطلبت في ختام تقرير الطعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري ولائياً بنظر الدعوى واحتياطياً برفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
أودع السيد الأستاذ المستشار/ عادل الشربيني مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضي الدولة بالرأي القانوني في الطعنين ارتأت فيه الحكم بقبول الطعنين شكلاً وبرفض الشق العاجل من الطعن رقم 1771/ 34 ق وفي الموضوع برفض الطعنين وإلزام كل طاعن بمصروفات طعنه.
وعرض الطعنين على دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة، وبجلسة 3/ 6/ 1991 قررت الدائرة ضم الطعن رقم 1767/ 34 ق للطعن رقم 1771/ 34 ق ليصدر فيهما حكم واحد، وبجلسة 2/ 12/ 1991 قررت إحالة الطعنين إلى هذه المحكمة وتدوول نظرهما بجلسات المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات إلى أن تقرر حجزهما للحكم بجلسة اليوم 22/ 11/ 1992 حيث صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن جميل محمد سري، ماهر محمد سري وورثة المرحوم وديد محمد سري (زوجته وأولاده محمد وهشام وشريف وحاتم) كانوا قد أقاموا الدعوى رقم 465/ 40 ق بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 27/ 10/ 1985 طلبوا في ختامها الحكم بإلزام المدعى عليه بصفته (وزير الداخلية) بأن يدفع لهم مبلغ خمسمائة ألف جنية والمصاريف. وقالوا شرحاً لدعواهم أن دولت هانم بهجت وجميل محمد سري ووديد محمد سري باعوا - بمقتضى عقد بيع ابتدائي مؤرخ 23/ 10/ 1957 - أطياناً زراعية مساحتها 38 فدان بناحية كفر المقدام بميت غمر للمشتري محمد يوسف الجبالي الذي تراخى في وفاء باقي الثمن، فأقيمت الدعوى رقم 5227/ 1960 مدني كلي القاهرة وصدر فيها حكم بتاريخ 4/ 12/ 1963 بفسخ العقد المشار إليه، وإلزام المشتري بأن يؤدي للبائعين مبلغ ألفي جنيه والفوائد اعتباراً من 27/ 11/ 1960 حتى تمام السداد، وتأيد الحكم استئنافياً وقد جاء في حيثياته أنه يفيد تسليم الأطيان موضوع العقد، وصدر قرار المحكمة في 20/ 9/ 1967 بإضافة التسليم لمنطوق الحكم بحسبان أن القضاء بالفسخ والتسليم يتضمن بالضرورة انتزاع الأطيان من واضع اليد عليها، وبذلك صار الحكم واجب النفاذ إلا أن معاون قضائي المحكمة المختصة لم يتمكن من التنفيذ وحرر محضراً بذلك أثبت فيه امتناع جهة الأمن المختصة عن تقديم المساعدة، وأنه أوضح للمأمور أن تقاعس الإدارة عن النهوض بالتنفيذ هو أمر مخالف للنظام العام لأن فيه إهدار للقانون وقضاء على الأحكام، وكان ذلك في يوم 9 نوفمبر 1970، ومنذ ذلك اليوم توالت محاولات تنفيذ الحكم ولكن دون جدوى رغم تعليمات النيابة العامة إلى مديرية الأمن المختصة لاتخاذ اللازم نحو إعداد المساعدة اللازمة وتحديد الموعد المناسب.
وأضاف المدعون أن الحكم القضائي ظل مدة طويلة دون تنفيذ وذلك بسبب اتجاه جهة الإدارة إلى إرجاء التنفيذ بل انصراف نيتها منذ وقت مبكر إلى إهدار قوة الحكم وتبني جهة نظر المحكوم ضده، ويبين ذلك من الرأي الذي ارتآه مدير مكتب وزير الداخلية وقت ذلك - العميد محمد النبوي إسماعيل - وهو أن يستمر الوضع كما هو.
ومن حيث إن طعن الطاعنين (1767/ 34 ق) يقوم على أن الحكم المطعون عليه بتقديره التعويض بمبلغ ثلاثين ألف جنيه قد خالف القانون لأن هذا التقدير لم يشمل جميع الأضرار المادية والأدبية التي لحقت الطاعنين، ومن ذلك فإن الحكم رغم نعيه على الإدارة استكانتها لرغبات واضعي اليد في البقاء في الأرض يعود وهو يقدر التعويض فيعطي الشريعة لهذا الاغتصاب ويلقي على المالكين عبء المطالبة بمقابل انتفاع المغتصبين، كما بخس الحكم قيمة الغلة التي تغلها الأرض خاصة وأن الأرض محل النزاع من أجود الأطيان في الجمهورية، وأن الطاعنين قدروا غلة الفدان بواقع 600 جنيه سنوياً فيكون إجمالي الإيراد عن 40 فدان في 14 سنة مبلغ 33600 جنيه كما بخس الحكم تقدير الأضرار التي نجمت عما تكبده الطاعنون من أعباء ونفقات وجهود في سبيل محاولة تنفيذ الحكم، وأورد الطاعنون عناصر هذه الأضرار - على النحو الوارد بتقرير الطعن ثم أبان الطاعنون عن ماهية الأضرار الأدبية وما أصابهم من آلام نفسية، وخلص تقرير الطعن - لما تقدم - ولكل ما ورد فيه إلى أن الحكم خالف القانون حين ترك عناصر الضرر بدون تعويض متكافئ وأنه يتعين إلغاء الحكم الطعين وإلزام المطعون ضده بأن يؤدي للطاعنين تعويضاً قدره خمسمائة ألف جنيه.
ومن حيث إن طعن هيئة قضايا الدولة (1771/ 34 ق) يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، وذلك للأسباب الآتية: -
أولاً: أخطأ الحكم إذ اعتبر أن مسلك الإدارة ينطوي على قرار إداري سلبي يتمثل في امتناع جهة الإدارة عن إصدار قرار كان من الواجب عليها إصداره، لأن الدعوى التي صدر بشأنها الحكم المطعون فيه ليست من دعاوى الإلغاء كما أنها لا تعد منازعة إدارية وإنما هي دعوى تعويض عن عمل مادي هو عدم استعمال القوة الجبرية لتنفيذ الحكم مما تكون معه من اختصاص القضاء العادي، ولما كانت المحكمة حكمت في الدعوى ولم تقض بعدم اختصاصها فإن الحكم يكون متعين الإلغاء.
ثانياًَ: خالف الحكم المطعون فيه مقتضى التطبيق الصحيح للقانون - بفرض اختصاص المحكمة بنظر المنازعة - حين قضى بالتعويض ذلك لأن امتناع الجهة الإدارية عن استخدام القوة التنفيذية الجبرية في تنفيذ الحكم كان بقصد حماية الصالح العام مما ينتفي معه ركن الخطأ من جانب الجهة الإدارية، خاصة وأن الإدارة لم تأل جهداً في تنفيذ الحكم حينما قامت بتسليم جزء من الأرض مع إرجاء تنفيذ الجزء الباقي ليتم بالطرق الودية.
ثالثاً: بالغ الحكم المطعون فيه في تقدير التعويض مما جعل المبلغ المحكوم به فيه إثراء بلا سبب يأباه القانون، لتجاوزه وزر الضرر، وخلص تقرير الطعن - لكل ما جاء به - إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياًَ بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري ولائياً بنظر الدعوى واحتياطياً برفضها وإلزام المطعون ضده المصروفات.
ومن حيث إن الدستور المصري قد نص في المادة 172 منه على أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة وتختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى، وقد صدر قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، ونص في المادة العاشرة منه على أن تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية: ........
عاشراً: طلبات التعويض عن القرارات المنصوص عليها في البنود السابقة سواء رفعت بصفة أصلية أو تبعية..... رابع عشر: سائر المنازعات الإدارية ويعتبر في حكم القرارات الإدارية رفض السلطات الإدارية أو امتناعها عن اتخاذ قرار كان من الواجب اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح.
واتساقاً مع ما تقدم نص قانون السلطة القضائية في المادة 15 على أنه "فيما عدا المنازعات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة تختص المحاكم بالفصل في جميع المنازعات والجرائم.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن محل الدعوى التي صدر بشأنها الحكم الطعين ينحصر في طلب الحكم بإلزام وزارة الداخلية بأن تؤدي للمدعين تعويضاً لقاء ما لحقهم من أضرار نتيجة تراخيها في اتخاذ الإجراءات التي كان من الواجب اتخاذها لتنفيذ الحكم الصادر من المحكمة المدنية لصالح المدعيين.
ومن حيث إن الدستور قد نفى في الباب الرابع منه على أن سيادة القانون هي أساس الحكم في الدولة، وتخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات - كما نصت المادة (68) والمادة (72) على أن تصدر الأحكام وتنفذ باسم الشعب ويكون الامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين المختصين جريمة يعاقب عليها القانون وللمحكوم له في هذه الجلسة حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة إلى المحكمة المختصة - كما نصت المادة 280 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أنه لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي انقضاء لاحق محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء والسندات التنفيذية هي الأحكام ....... إلخ وعلى الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها وعلى السلطات المختصة أن تعين على إجرائه ولو باستعمال القوة متى طلب منها ذلك.
ومن حيث إنه يتبين من هذه النصوص أنه يتعين إعمالاً للشرعية وسيادة القانون اللذين تخضع لهما جميع السلطات وتنزل على مقتضاها جميع الإدارات في الدولة، أن تنفذ الجهات الإدارية المختصة الأحكام القضائية والواجبة التنفيذ طبقاً لأحكام القانون وعلى كل من الموظفين العموميين المختصين بذلك إصدار القرارات الإدارية اللازمة لتحقيق هذا الغرض على سبيل الحكم والإلزام ومن ثم فإن امتناع الجهة الإدارية عن إصدار هذا القرار الذي توجبه صراحة أحكام الدستور والقانون يعد قراراً سلبياً بالمعنى الذي قصده المشرع في المادة العاشرة من القانون رقم (47) لسنة 1972 بتنظيم مجلس الدولة ومن ثم فإن طلب التعويض عن هذا القرار السلبي يكون تعويضاً عن قرار من القرارات الإدارية التي تختص محاكم مجلس الدولة بنظر المنازعات المتعلقة بها ومن ثم فلا ريب في أن التكييف القانوني الصحيح للدعوى هو اعتبارها من دعاوى التعويض عن قرار إداري سلبي بالامتناع عن اتخاذ الإجراءات اللازمة في الوقت الملائم مما يترتب عليه عدم إفادة المدعيين من الأرض المحكوم لهم باستردادها - رغم أحقيتهم لذلك بالإضافة إلى ما لحقهم من أضرار أخرى، وهذا بلا شك يعد منازعة إدارية قوامها النعي على مسلك الجهة الإدارية المدعى عليها (وزارة الداخلية) بصفتها القائمة على المعاونة في تنفيذ الأحكام، والمنوط بها تنفيذها بالقوة الجبرية إذا لزم الأمر، وتدخل الحال كذلك في اختصاص مجلس الدولة بحسبانه القاضي الطبيعي لروابط القانون العام - وما يتفرع عنه من منازعات - وفقاً لصريح نص الدستور والقوانين المنفذة له وأن القول بغير ذلك مؤداه إفراغ النصوص من مضمونها وما استهدفه المشروع منها، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب حينما فصل في الدعوى التي صدر فيها الحكم المطعون فيه بما يعني قضاؤه ضمناً بولاية محاكم مجلس الدولة بنظر هذه المنازعة، فإنه يكون قد أصاب صحيح حكم القانون ويغدو الطعن عليه بمخالفة القانون لأنه قضى ضمناً باختصاصه غير قائم على أساس صحيح.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن حكماً صدر لصالح المدعيين في الدعوى رقم 5227/ 1960 من المحكمة المدنية وتأيد استئنافياً، وتم رفض جميع الإشكالات التي أقيمت ممن صدر ضدهم الحكم، وبعد إعلان الحكم مزيلاً بالصيغة التنفيذية لتنفيذه، إلا أن المدعيين لم يتمكنوا من تنفيذ الحكم - ومعهم معاون المحكمة القضائي - وتوالى إرجاء التنفيذ لتراخي الجهة الإدارية عن تقديم المعاونة الكافية باستعمال القوة الجبرية حسبما يقضي القانون، ورغم مطالبة النيابة العامة لوزارة الداخلية بضرورة تنفيذ الحكم بالقوة الجبرية دون جدوى استناداً إلى ما يترتب على التنفيذ الجبري من إخلال بالأمن العام وصدام بين قوات الشرطة التي سوف تقوم بالتنفيذ وبين واضعي اليد على المساحة محل الحكم، مما يترتب على ذلك من إصابات بين الطرفين وإضرار بالممتلكات، وإخلال واضطراب في الأمن العام، نتيجة لإخلاء واضعي اليد بالقوة من المساحات التي يشغلونها منذ فترات طويلة عند التنفيذ، وقد قامت الإدارة بتوفير القوة اللازمة للتنفيذ الجبري على هذا النحو في 13/ 3/ 1984 ونفذت الحكم تنفيذاً جبرياً وسلمت المحكوم لهم مساحة قدرها 30 س، 19 ط، 11 ف من مجموع المساحة المحكوم بتسليمها إليهم - وأرجأت التنفيذ بالنسبة لباقي المساحة ليتم بالطرق الودية وقدرها (26 فداناً).
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن وزارة الداخلية المسئولة عن الأمن العام مع عدد من الجهات المختصة قد رأت على مدى أربعة عشر عاماً كاملة أن تنفيذ الحكم سوف يرتب اضطرابات في الأمن العام بالمنطقة تهدد السلم الاجتماعي وقد ترتب مضاعفات تهدد مناطق أخرى نتيجة لتأثير التنفيذ الجبري وانتزاع الأرض محل الحكم بالقوة من واضعي اليد المنتفعين بها بعد انقضاء فترة طويلة عليها فيها حياة المئات من هؤلاء وأسرهم وما زالت تلك الجهات المختصة بتقدير ملاءمات الأمن العام ترجئ بعد انقضاء فترة طويلة من سنة 1984 وحتى الآن وجود هذه المحاضر في تسليم باقي مساحة الأرض محل الحكم سالف الذكر.
ومن حيث إنه لا شك في أنه كما أوجب الدستور تنفيذ الأحكام القضائية وجعل عدم تنفيذ جريمة جنائية من جانب الموظفين العموميين المختصين فإنه قد حرص على حماية الملكية الخاصة وجعلها مضمونة في إطار الشرعية وسيادة القانون وأناط بالقانون أداء وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد القومي وفي إطار خطة التنمية دون انحراف أو استقلال، وحظر أن تتعارض في طرق استخدامها مع الخير العام للشعب - كما حظر فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي، كما حظر نزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون (المواد 29، 32، 34) وقد نظم الدستور أيضاً الحفاظ على سلامة وأمن الدولة من الوجهة القومية كما في المواد (73)، (74) حيث منح رئيس الجمهورية السلطات الاستثنائية اللازمة لمواجهة المخاطر التي تهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو تعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري - وبالتالي فإنه إذا تعارضت المصلحة الخاصة للأفراد مع الصالح العام المتمثل في استقرار الأمن العام والنظام العام أو كانت التضحيات الناجمة الواجبة من تحقيق المصالح الفردية جسمية بدرجة يتعذر توافر قبولها مع السلم الاجتماعي فإنه لا شك في وجود ضرورات من الصالح القومي العام تبرر أن يرجأ تحقيق المصالح الفردية بصفة مؤقتة ولو كانت مشروعة ولو كان يساندها أحكام قضائية حتى تتوازن المواجهة بين أضرار ومزايا تحقيق المصلحة الخاصة المشروعة والمصلحة العامة وخاصة لو اتصلت بالأمن العام واستقراره وبالسلام الاجتماعي العام سواء في منطقة معينة بالدولة أو في إقليمها جمعيه فأول مصلحة قومية عامة لأية دولة أو أمة هو حفظ الأمن العام القومي لهذه الدولة والأمة في الداخل وفي الخارج وحفظ النفس، مقدم على كل مصلحة أخرى - ومن ثم فإنه رغم أن الامتناع العمدي بدون مبرر عن تنفيذ الأحكام القضائية وإن كان يتضمن عدواناً على الدستور والقانون وعلى الشرعية وسيادة القانون، ويعد جريمة جنائية بالنسبة لمرتكبيها من الموظفين العموميين المختصين فإن ثبوت أن عدم المبادرة إلى تنفيذ الأحكام التي يترتب على تنفيذها تحقيق مصالح خاصة لأصحاب حق ملكية عقار أو منقول أو ما يماثلها من الخلل والاضطراب في الأمن العام بما يهدد السلام الاجتماعي والاستقرار العام على مستوى منطقة معينة أو على مستوى الدولة وأيضاً ما يتبع ذلك بالضرورة حتماً من صدام بين الجماهير ورجال الأمن وما يقتضيه من إصابات ووفيات بين الطرفين وتدمير للممتلكات لا يعتبر خطأ من جهة الإدارة يبرر التزامها بالتعويض عما يحيق بأصحاب الحقوق الفردية من أضرار خاصة كما هو الشأن في الخطأ المادي الذي يقوم عليه الالتزام المخطئ بالتعويض وفقاً لقواعد المسئولية المدنية التي تحكمها المواد (163)، (170)، (221)، (222) من القانون المدني، وإنما هو تصرف تفرضه الضرورة المتعلقة بحسن سير وانتظام المرافق العامة أو استقرار الأمن العام لفترة مؤقتة تطول أو تقصر بحسب الأوضاع الواقعية التي تفرضها، لصالح المجتمع ولحماية أمنه واستقراره واستمرار الخدمات العامة اللازمة لحياة المواطنين بانتظام واضطراد بدون تضحيات بالأرواح أو الممتلكات ومن ثم فإنه يلتزم المجتمع بناءً على التضامن الاجتماعي الذي يقوم عليه طبقاً للمادة (7) من الدستور بتعويض من يصيبه الضرر من هذا الإجراء الضروري الذي تفرضه الظروف لصالح جميع المواطنين ويتعين على الخزانة العامة للدولة الوفاء بهذا التعويض لمن تحمل من المواطنين عبئ الضرر الخاص مادياً أو أدبياً لوقايتهم من ضرر عام بتعين توقيه للصالح العام والخير العام للشعب.
ومن حيث إنه بناءً على ما سبق بيانه فإن الحكم الطعين حينما قضى بالتعويض للطاعنين إنما شمل قضاءه الأضرار التي أصابتهم من جراء امتناع الوزارة عن تنفيذ الحكم الصادر لصالحهم واستمرار امتناعها عن تنفيذه مدة بلغت خمسة عشرة عاماً وما ترتب على امتناعها للأسباب المتعلقة بالأمن العام والسلم الاجتماعي من أضرار مادية وأدبية لحقت بهم، وإذ قدرت المحكمة تعويضاً جزافياً، فقد أدخلت في تقديرها جميع الأضرار التي حاقت بالمدعين، وهي إذ استطردت في حكمها إلى القول بأن ذلك لا يخل بحقهم في تنفيذ الحكم بالنسبة للقدر الباقي من الأرض الذي لم يتم تسلمه بالقوة الجبرية - فهذا لا يعني حسبما ينعى الطاعنون على الحكم - إضفاء الشريعة على اغتصاب الجزء الباقي من الأرض الذي لم يشمله التنفيذ لأن المحكمة أرادت أن تؤكد أن الجهة الإدارية المختصة المبادرة إلى تنفيذ ما لم ينفذ وعلى الطاعنين متابعة ذلك لحين تحقق الظروف المناسبة لإجرائه دون تضحيات جسمية تهدد الأمن العام والسلام الاجتماعي، وأن ذلك لا يعني أن ما قدرته المحكمة من تعويض لم يدخل الأضرار الناجمة عن عدم تنفيذ ما لم ينفذ من الحكم الصادر لصالح المدعيين - وإنما ووفقاً للأسباب السالف بيانها قد قدرت محكمة أول درجة الاعتبارات التي أدت إلى عدم التنفيذ الكامل للحكم الصادر لصالح المدعيين.
ومن حيث إنه وإن كان من المستقر عليه أن تقدير مبلغ التعويض هو سلطة محكمة الموضوع وحدها وفقاً لما تبينه من ظروف الدعوى وواقع الحال، وحسبما يتكشف لها من خلال المستندات المقدمة إليها وأنه لا رقابة على المحكمة في ذلك ما دام قد اكتمل لحكمها بالتعويض عناصره القانونية، وإذ كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة قدرت ما لحق المدعين من أضرار مادية أو أدبية على النحو الذي أوردته في حكمها وأدخلت في اعتبارها الظروف والملابسات المحيطة بالموضوع، وأحقية المدعيين في مطالبة واضعي اليد قضاء بحقهم في مقابل الانتفاع بأرضهم دون أن يمس ذلك بحقهم القانوني في استلام الأرض طبقاً للقرار - وانتهت إلى أنها ترى التعويض عن كافة الأضرار تعويضاً جزافياً بمبلغ قدره ثلاثون ألف جنيه عن تلك الأضرار حتى تاريخ إقامة الدعوى ويمكن للطاعنين المطالبة بالتعويض عن استمرار الأضرار التي تحيق بهم بعد ذلك التاريخ وحتى إتمام تنفيذ الحكم الصادر لصالحهم بشأن الأرض سالفة الذكر. فمن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه يكون في غير محله ومتعين الالتفات عنه.
ومن حيث إنه بناءً على ما سلف من أسباب فإن الحكم الطعين قد أصاب صحيح حكم القانون فيما انتهى إليه، ويغدو الطعنان غير قائمين على أساس سليم، ومن المتعين رفضهما.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها طبقا لأحكام المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعاً وألزمت كل من الطاعنين بالمصروفات الخاصة بطعنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق