الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 7 يونيو 2022

الدعوى رقم 86 لسنة 22 ق "دستورية" جلسة 14 / 5 / 2022

باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الرابع عشر من مايو سنة 2022م، الموافق الثالث عشر من شوال سنة 1443 ه.

برئاسة السيد المستشار / بولس فهمى إسكندر   رئيس المحكمة

وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز   نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور / عماد طارق البشرى  رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع         أمين السر

أصدرت الحكم الآتى

في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 86 لسنة 22 قضائية "دستورية".

المقامة من

إبراهيم إسماعيل محمد، بصفته رئيس مجلس إدارة الشركة السويدية لأسلاك اللحام

ضد

1 - وزير المالية، بصفته الرئيس الأعلى لمصلحة الضرائب

2 - وزير العدل

3 – رئيس مجلس الوزراء

---------------

الإجراءات

      بتاريخ التاسع والعشرين من أبريل سنة 2000، أودع المدعى بصفته صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص البند (10) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 فيما نص عليه من أنه " يُعد تهربًا من الضريبة يعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة ما يأتى: انقضاء ستين يومًا على انتهاء المواعيد المحددة لسداد الضريبة دون الإقرار عنها وسدادها "، وبسقوط العقوبة المقررة المقابلة للنص المطعون عليه.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

----------------

المحكمة

      بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد قدمت المدعى للمحاكمة الجنائية في الدعوى رقم 5079 لسنة 1999 جنح الدخيلة، طالبة عقابه بالمادتين (43، 44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، بوصف أنه في يوم 4/3/1999، بدائرة قسم العامرية: لم يقم بسداد الضرائب المستحقة عليه عن الفترة من مايو حتى يوليو سنة 1992، ويونيو سنة 1993، خلال المواعيد المقررة قانونًا على النحو المبين بالأوراق. تدوولت الدعوى بالجلسات، وادعى المدعى عليه الأول مدنيًّا بقيمة الضريبة المستحقة والضريبة الإضافية. وبجلسة 25/3/2000، دفع المدعى بعدم دستورية البند (10) من المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات المشار إليه المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 1996. وإذ قدرت المحكمة جدية هذا الدفع، أجلت نظر الدعوى لجلسة 6/5/2000، لإقامة الدعوى الدستورية، فأقام المدعى الدعوى المعروضة.

  وحيث إن نص المادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 المعدل بالقانون رقم 91 لسنة 1996 – مقروءًا في ضوء حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بجلسة 4/11/2007، في الدعوى رقم 9 لسنة 28 قضائية "دستورية" - تنص على أن " مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد، يقضى بها قانون آخر، يعاقب على التهرب من الضريبة بالحبس مدة لا تقل عن شهر وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويحكم على الفاعلين متضامنين بالضريبة والضريبة الإضافية.

      وفى حالة العود يجوز مضاعفة العقوبة والتعويض.

      وتنظر قضايا التهرب عند إحالتها إلى المحاكم على وجه الاستعجال".

  وتنص المادة (44) من القانون ذاته على أن " يُعد تهربًا من الضريبة يعاقب عليه بالعقوبات المنصوص عليها في المادة السابقة ما يأتي: ............

10- انقضاء ستين يومًا على انتهاء المواعيد المحددة لسداد الضريبة دون الإقرار عنها وسدادها ".

   وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا في الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس من معطياتها النظرية، وهو كذلك يقيد تدخلها في هذه الخصومة، فلا تفصل في غير المسائل الدستورية التي يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى. ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع عنصرين، أولهما: أن يقيم المدعى - في حدود الصفة التي اختصم بها النص المطعون فيه - الدليل على أن ضررًا واقعيًّا قد لحق به، سواء كان مهددًا بهذا الضرر، أم كان قد وقع فعلاً. ثانيهما: أن يكون هذا الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه، وليس متوهمًا أو منتحلاً أو مجهلاً، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كان من غير المخاطبين بأحكامه، أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دلّ ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعى في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعى أى فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل في الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها.

لما كان ذلك، وكانت رحى النزاع الموضوعى تدور حول ما نسبته النيابة العامة إلى المدعى من أنه لم يقم بسداد الضريبة المستحقة عن الفترات من مايو حتى يوليو عام 1992، ويونيو عام 1993، وذلك لمدة جاوزت ستين يومًا تالية لانتهاء المواعيد المقررة قانونًا؛ بما يعتبر معه انقضاء تلك المدة إحدى صور التهرب من الضريبة التي أثمها صدر المادة (44) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991، والبند (10) من المادة ذاتها بعد استبداله بالقانون 91 لسنة 1996. ومن ثم فإن الفصل في دستورية هذا النص محددًا نطاقه على النحو المتقدم، يرتب انعكاسًا أكيدًا ومباشرًا على الطلبات في الدعوى الموضوعية، وقضاء محكمة الموضوع فيها، وتتوافر للمدعى مصلحة شخصية مباشرة بالنسبة له. ولا ينال من ذلك، ما نصت عليه المادة الثانية من القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة، من أنه " يلغى قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 كما يلغى كل نص يتعارض مع أحكام هذا القانون ........."، إذ إن المقرر في قضاء هذه المحكمة، أن إلغاء النص التشريعي الجنائي المطعون فيه، متى كان أصلح للمتهم، لا يحول دون النظر والفصل في الطعن بعدم الدستورية من ِقبَلِ من طُبّقَ عليهم ذلك النص خلال فترة نفاذه، وترتبت بمقتضاه آثار قانونية بالنسبة إليهم، وبالتالي توافرت لهم مصلحة شخصية في الطعن عليه. متى كان ما تقدم، وكان التهرب من الضريبة على المبيعات معاقبًا عليه بعقوبة الجنحة، في حين أن الفعل ذاته معاقب عليه في قانون الضريبة على القيمة المضافة بعقوبة الجناية، ومن ثم يُعد القانون الملغى قانونًا أصلح للمدعى من منظور العقوبة، وعلى ذلك يظل مخاطبًا بالنص المطعون فيه، وتتحقق مصلحته الشخصية المباشرة في الطعن عليه بعدم الدستورية.

  وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه إهدار أصل البراءة ومبادئ العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، والمساواة، إذ إنه افترض أن انقضاء ستين يومًا على انتهاء المواعيد المحددة لسداد الضريبة المستحقة على مبيعاته دون الإقرار عنها وسدادها، يشكل جريمة التهرب المعاقب عليها بالمادة (43) من قانون الضريبة العامة على المبيعات، كما أنه ساوى بين من تأخر في تقديم الإقرار وسداد الضريبة، وبين من لم يقدمه مطلقًا، ولم يسدد الضريبة بما يخالف أحكام المواد (8، 38، 40) من دستور 1971، وتقابلها المواد (4، 9، 38، 53) من الدستور الحالي.

وحيث إن من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، تخضع للدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون هذا الدستور، وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور، وعلوها على ما دونها من القواعد القانونية، وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة، تقتضى إخضاع القواعد القانونية جميعها – أيًّا كان تاريخ العمل بها – لأحكام الدستور القائم، لضمان اتساقها والمفاهيم التي أتى بها، فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم مختلفة يناقض بعضها بعضًا، بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية. إذ كان ذلك، وكانت المناعي التي وجهها المدعى إلى النص المطعون فيه تندرج ضمن المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة في الدستور، من حيث محتواها الموضوعي، وكان النص المطعون فيه قد عُمل به حتى تم إلغاؤه بنص المادة الثانية من القانون رقم 67 لسنة 2016 بإصدار قانون الضريبة على القيمة المضافة - على ما سبق بيانه - فإن هذه المحكمة تفصل في دستورية النص المطعون فيه على ضوء أحكام الدستور الصادر سنة 2014.

 وحيث إن الدستور الحالي قد حرص في المادة (4) منه، على النص على مبدأ تكافؤ الفرص، باعتباره من الركائز الأساسية التي يقوم عليها بناء المجتمع، والحفاظ على وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك جعل الدستور بمقتضى نص المادة (9) منه، تحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز، التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة، لا تستطيع منه فكاكًا، واعتبر بموجب نص المادة (27) منه، ضمان هذا المبدأ التزامًا اجتماعيًّا للنظام الاقتصادي الذي تنتهجه الدولة. وقوام هذا المبدأ - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين فيما بينهم تفترض تكافؤها، وتتدخل الدولة إيجابيًّا لضمان عدالة توزيعها بين من يتزاحمون عليها، وضرورة ترتيبهم بالتالي فيما بينهم على ضوء قواعد يمليها التبصر والاعتدال، وهو ما يعنى أن موضوعية شروط النفاذ إليها مناطها تلك العلاقة المنطقية التي تربطها بأهدافها، فلا تنفصل عنها، ولا يجوز بالتالي حجبها عمن يستحقونها، ولا إنكارها لاعتبار لا يتعلق بطبيعتها ومتطلباتها.

  كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن مبدأ المساواة الذي كفله الدستور بمقتضى نصي المادتين (4، 53) منه، لا يعنى معاملة المواطنين جميعًا وفق قواعد موحدة، ذلك أن النظام التشريعي قد ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز، سواء من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أم من خلال المزايا التي يمنحها لفئة دون غيرها، إلا أن مناط دستورية هذا التنظيم ألا تنفصل النصوص التي ينظم بها المشرع موضوعًا معينًا عن أهدافها؛ ليكون اتصال الأغراض التي توخى تحقيقها بالوسائل التي لجأ إليها منطقيًّا، وليس واهيًّا أو واهنًا أو منتحلاً، بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًّا.

  وحيث إن تجريم التهرب الضريبي في الصورة التي عينها النص المطعون فيه، مقتضاه تحصيل المسجل للضريبة المفروضة على المبيعات أو الخدمات، وامتناعه عن الإقرار عنها وسدادها، خلال المواعيد المحددة للإقرار والسداد، وما يعقب ذلك من احتباسه للضريبة المحصلة مدة تجاوز ستين يومًا تالية على انقضاء المواعيد المشار إليها، إنما يهدف إلى تأمين موارد الدولة من الضريبة وتنميتها، تمكينًا لها من أداء دورها في خدمة المجتمع، وتحقيق النفع العام، والمساهمة الفاعلة في التنمية الاقتصادية، وهى الغايات والأغراض التي يمثل بلوغها هدفًا للنظام الضريبي بصريح نص المادة (38) من الدستور، وأحد أوجه الضرورة الاجتماعية المبررة للتجريم في هذه الأحوال، ومن ثم يكون النص المطعون فيه مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا، ولا يخالف مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، اللذين كفلهما الدستور في المواد (4، 9، 27، 53) منه.

 وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه مبدأ العدل باعتباره إلى جانب مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصيانة وحدته الوطنية، ومن أجل ذلك حرص الدستور في المادة (96) منه، على جعله ضابطًا للمحاكمة القانونية العادلة والمنصفة، التي يكفل للمتهم فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، فالعدالة الجنائية في جوهر ملامحها - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هي التي يتعين ضمانها من خلال قواعد محددة تحديدًا دقيقًا، ومنصفًا، يتقرر على ضوئها ما إذا كان المتهم مدانًا أو بريئًا، ويفترض ذلك توازنًا بين مصلحة الجماعة في استقرار أمنها، ومصلحة المتهم في ألا تفرض عليه عقوبة ليس لها من صلة بفعل أتاه، أو تفتقر هذه الصلة إلى الدليل عليها، ولا يجوز بالتالي أن تنفصل العدالة الجنائية عن مقوماتها التي تكفل لكل متهم حدًّا أدنى من الحقوق التي لا يجوز النزول عنها أو التفريط فيها، ولا أن تخل بضرورة أن يظل التجريم مرتبطًا بالأغراض النهائية للقوانين العقابية.

  وحيث إنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يجب أن يقتصر العقاب الجنائي على أوجه السلوك التي تضر بمصلحة اجتماعية ذات شأن لا يجوز التسامح مع من يعتدى عليها، ذلك أن القانون الجنائي، وإن اتفق مع غيره من القوانين في سعيها لتنظيم علائق الأفراد فيما بين بعضهم وبعض، وعلى صعيد صلاتهم بمجتمعهم، فإن هذا القانون يفارقها في اتخاذه الجزاء الجنائي أداة لحملهم على إتيان الأفعال التي يأمرهم بها، أو التخلي عن تلك التي ينهاهم عن مقارفتها، وهو بذلك يتغيا أن يحدد من منظور اجتماعي ما لا يجوز التسامح فيه من مظاهر سلوكهم، بما مؤداه أن الجزاء على أفعالهم لا يكون مخالفًا للدستور، إلا إذا كان مجاوزًا حدود الضرورة التي اقتضتها ظروف الجماعة في مرحلة من مراحل تطورها، فإذا كان مبررًا من وجهة اجتماعية، انتفت عنه شبهة المخالفة الدستورية.

    وحيث إن النطاق الحقيقي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات إنما يتحدد على ضوء عدة ضمانات يأتي على رأسها وجوب صياغة النصوص العقابية بطريقة واضحة محددة لا خفاء فيها أو غموض، فلا تكون هذه النصوص شباكًا أو شراكًا يلقيها المشرع متصيدًا باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، وهي ضمانات غايتها أن يكون المخاطبون بالنصوص العقابية على بينة من حقيقتها، فلا يكون سلوكهم مجافيًا لها، بل اتساقًا معها ونزولاً عليها.

وحيث إن افتراض أصل البراءة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يُعد أصلاً ثابتًا يتعلق بالتهمة الجنائية، وينسحب إلى الدعوى الجنائية في جميع مراحلها وعلى امتداد إجراءاتها، وقد غدا حتمًا عدم جواز نقض البراءة بغير الأدلة الجازمة التي تخلص إليها المحكمة، وتتكون من مجموعها عقيدتها حتى تتمكن من دحض أصل البراءة المفروض في الإنسان، على ضوء الأدلة المطروحة أمامها، التي تثبت كل ركن من أركان الجريمة، وكل واقعة ضرورية لقيامها، بما في ذلك القصد الجنائي بنوعيه إذا كان متطلبًا فيها، وبغير ذلك لا ينهدم أصل البراءة.

وحيث إنه عن النعي بخروج النص المطعون فيه على مبدأ أصل البراءة، فإنه مردود؛ بأن ذلك النص لم يتخذ من تحقق الركن المادي للجريمة التي انتظمها البند رقم (10) منه، قرينة قانونية غير قابلة لإثبات عكسها، تقوم بها – وحدها – مسئولية جنائية مفترضة لمن يخالف الالتزام الوارد فيه، أو يهدر أصل براءة المخالف، بحسبان ذلك النص لم يعف سلطة الاتهام من إثبات وقوع الجريمة بركنيها المادي والمعنوي، ولم يحل بين محكمة الموضوع – في ضوء التزامها المنصوص عليه في المادة (304) من قانون الإجراءات الجنائية – وبين التحقق بصورة يقينية من وقوع ركني جريمة التهرب الضريبي، ولم يصادر حق المتهم بالجرم المذكور في أن يدفع نسبته إليه بكافة أوجه الدفاع التي تواجه أدلة الاتهام التي ساقتها ضده النيابة العامة، سواء ما يتعلق منها بعناصر الركن المادي للجريمة، أو ما يتصل منها بالقصد الجنائي. فضلاً عن أن السلطة التشريعية – التي تختص وحدها بالتجريم – قد حددت نموذج الجريمة التي انتظمها ذلك النص، ملتزمة بالضوابط الدستورية للنص الجنائي من حيث صياغته بصورة جلية ومحددة، لا لبس فيها ولا غموض، وجاءت عبارة هذا النص متضمنة الركن المادى للجريمة، وقوامه انقضاء ستين يومًا على انتهاء المواعيد المحددة لسداد الضريبة – التي أبانتها الفقرة الأولى من المادة (16) من قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991. وقرار وزير المالية رقم 190 لسنة 1991 – دون الإقرار عنها وسدادها. كما أوجب النص توافر قصد عمدى يقارن الركن المادي، جوهره: العلم بعناصر هذا الركن، وإرادة تحقيق النتيجة المترتبة عليه، ممثلة في الإفلات من سداد الضريبة المستحقة على النشاط الخاضع لها. وفى المقابل، لم يتضمن النص المطعون فيه إلزامًا بالقضاء في الدعوى الجنائية المقامة على الفعل الذي انتظمه ذلك النص على وجه محدد، إذ يناط بقاضي الموضوع وحده التحقق من توافر ركني الجريمة، فيحكم بالبراءة إن تخلف أحدهما، وبالإدانة متى تحقق كلاهما، ويستقل بتحديد العقوبة بين حديها الأدنى والأقصى، دون أن يتسلط المشرع عليه – بحال – في تطبيقه لنموذج نص التجريم أو نص العقاب. الأمر الذي يكون معه النص المطعون فيه قد التزم حدود الشرعية الدستورية للنص الجنائي، وانضبط بقواعدها المقررة في شأن عدم افتراض المسئولية الجنائية بقرينة تحكمية تزحزح أصل البراءة، أو مساس بقيم العدل الضابطة لسن نصوص التجريم والعقاب، وقواعد المحاكمة القانونية العادلة، وبما لا مخالفة فيه لأى من نصوص المواد (4، 9، 27، 38، 53، 94، 95، 96، 97، 98) من الدستور القائم، أو أى من أحكامه الأخرى، مما يتعين معه القضاء، في شأن النص المار ذكره، برفض الدعوى.

وحيث إنه عن الطلب المبدى من المدعى بسقوط العقوبة المقابلة للنص المطعون فيه، فقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن طلب السقوط لا يعد طلبًا مستقلاً بعدم الدستورية، وإنما هو من قبيل التقديرات القانونية التي تملكها المحكمة الدستورية العليا، بمناسبة قضائها في الطلبات الأصلية المطروحة عليها، ويتصل بالنصوص القانونية التي ترتبط بها ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى القضاء برفض الدعوى، فإنه يتعين الالتفات عن هذا الطلب.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى، ومصادرة الكفالة، وألزمت المدعى بصفته المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق