الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 أغسطس 2020

الطعن 5980 لسنة 85 ق جلسة 10 / 12 / 2015 مكتب فني 66 ق 127 ص 858

 جلسة 10 من ديسمبر سنة 2015

برئاسة السيد القاضي / محمد محجوب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / علي فرجاني ، محمد عبد الوهاب ، محمد زغلول وأحمد الوكيل نواب رئيس المحكمة .
-------------

(127)

الطعن رقم 5980 لسنة 85 القضائية

(1) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لا قصور .

(2) دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . تحديدها ".

النعي على الحكم في قول مرسل غير محدد فيه الوقائع بما لا أصل له في الأوراق . غير مقبول .

(3) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . دفوع " الدفع بنفي التهمة " دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . إثبات " بوجه عام " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

الدفع بنفي التهمة . موضوعي . لا يستأهل رداً . استفادة الرد عليه من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .

بحسب الحكم إيراده الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم . تعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه . غير لازم . التفاته عنها . مفاده : اطراحها .

الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير مقبول أمام محكمة النقض .

(4) أسباب الإباحة وموانع العقاب " أسباب الإباحة . الدفاع الشرعي " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره " . دفوع " الدفع بقيام حالة الدفاع الشرعي " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض "أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .

تقدير التزام حدود حق الدفاع الشرعي أو تجاوزها . موضوعي . شرط وأساس ذلك ؟

اعتبار الحكم ترك الطاعن لمسرح الجريمة بعد إصابته من المجني عليه وبحثه عن أداة يقتص بها منه وطعنه للأخير بسكين تعدى بنية سليمة حدود حق الدفاع الشرعي . صحيح . تعييبه الحكم بالقصور بشأن ذلك . جدل في حق محكمة الموضوع في تحصيل الواقعة وفهم الواقع . غير مقبول أمام محكمة النقض .

(5) سلاح . مصادرة . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .

عدم إيراد الحكم للمادة 30 من قانون الأسلحة والذخائر أو قضاءه بالمصادرة . النعي عليه بتطبيقهما دون ضبط السلاح . غير مقبول .

(6) أسباب الإباحة وموانع العقاب " أسباب الإباحة . الدفاع الشرعي " . عقوبة " تطبيقها " . محكمة النقض " سلطتها " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " .

اعتبار الحكم الطاعن متجاوزًا لحدود الدفاع الشرعي بنية سليمة وإدانته بجريمة الضرب المفضي إلى الموت ومعاقبته بالسجن ثلاث سنوات . خطأ في تطبيق القانون . يوجب نقضه جزئيًا لمصلحة المتهم وتصحيحه بمعاقبته بالحبس لذات المدة . أساس وعلة ذلك ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان بها الطاعن وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرَّف الحقيقة ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له .

2- لما كان ما ينعاه الطاعن على الحكم من أن ما أورده بياناً لواقعة الدعوى جاء مرسلاً لا أصل له في الأوراق وخلت منها أدلة الدعوى واتخذها الحكم سنداً لاطراح دفوعه ، هو قول مرسل لم يحدد فيه الوقائع التي لا أصل لها في الأوراق ، ومن ثم فإن وجه الطعن على هذه الصورة يكون مجهلاً غير مقبول .

3- لما كان نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ؛ لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته لدى محكمة النقض .

4- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الطاعن من قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس ورد عليه في قوله : ( .... وكان المتهم على حد قوله أنه عقب إصابته من المجني عليه ترك مسرح الجريمة ليبحث عن أداة يقتص بها من الأخير حتى وجد سكيناً فانقض بها عليه وطعنه كما هو ثابت بالتقرير الطبي الشرعي ، ومن ثم فإنه يكون قد تجاوز بنية سليمة حدود حقه في الدفاع الشرعي عن نفسه أثناء استعمال هذا الحق ؛ ذلك أن الوسيلة التي سلكها المتهم لرد الاعتداء الواقع عليه لم تكن تتناسب مع هذا الاعتداء خاصة أنه نال قسطاً من الوقت في البحث عن الأداة التي استخدمها في رد الاعتداء فزاد سلوكه عن الحد الضروري اللازم لرده متجاوزاً حدود حقه في الدفاع الشرعي عن نفسه ، الأمر المعاقب عليه طبقاً للمادة 251 من قانون العقوبات ) . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء لتقرير ما إذا كان المدافع قد التزم حدود الدفاع الشرعي فلا جريمة فيما أتاه طبقاً لنص المادة 245 من قانون العقوبات ، أم أنه تعدى حدوده - بنية سليمة - فيعامل بمقتضي المادة 251 من هذا القانون ، إنما هو من الأمور الموضوعية البحتة التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيه وفق الوقائع المعروضة عليها بغير معقب ، ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها ، وإذ كان ما أثبته الحكم - فيما تقدم بيانه - من أن الطاعن طعن المجني عليه بالسكين بعد إصابته من المجني عليه ترك مسرح الجريمة ليبحث عن أداة ليقتص منه بها ، من شأنه أن يؤدي إلى ما ارتاه الحكم من أن الوسيلة التي سلكها الطاعن لرد الاعتداء الواقع عليه من المجني عليه لم تكن تتناسب مع هذا الاعتداء ، بل إنها زادت عن الحد الضروري والقدر اللازم لرده ، فإن هذا حسب الحكم لاعتبار الطاعن قد تعدى - بنية سليمة - حدود حق الدفاع الشرعي ، ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم من قصور لا يعدو - في حقيقته - أن يكون جدلاً في تحصيل محكمة الموضوع فهم الواقع في الدعوى في حدود سلطتها التقديرية وفي ضوء الفهم الصحيح للقانون ، وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض .

5- لما كان الحكم المطعون فيه - على خلاف ما يدعي الطاعن - لم يورد نص المادة 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر ولم يقض بمصادرة السلاح ، ومن ثم فلا محل للنعي عليه في هذا الشأن .

6- لما كانت المحكمة قد دانت الطاعن بجريمة الضرب المفضي إلى الموت واعتبرته متجاوزاً حدود الدفاع الشرعي بنية سليمة ورأت معاملته طبقاً للمادة 251 من قانون العقوبات ومع ذلك أوقعت عليه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات ، فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون ، إذ كان عليها ألَّا توقع عليه إلَّا عقوبة الحبس عملاً بالمادة سالفة الذكر ، ولما كانت المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين مما هو ثابت به أنه مبني على خطأ في تطبيق القانون ، مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً ، وتصحيحه بمعاقبة الطاعن بالحبس لمدة ثلاث سنوات بدلاً من السجن لذات المدة .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائـع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :

1- ضرب المجني عليه .... عمداً بأنه على إثر شجار بين المجني عليه وبين المدعو .... تدخل المتهم لنصرة الأخير فأشهر سلاحًا أبيض " سكين " كان بحوزته طعن بها المجني عليه طعنة نافذة في صدره فأحدث إصابته الثابتة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ولم يقصد من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته على النحو المبين بالأوراق .

2- أحرز سلاحًا أبيض " سكين " بدون مسوغ من الضرورة الحرفية أو الشخصية .

        وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .

والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمادة 236/1 من قانون العقوبات ، والمادتين 1/1 ، 25 مكررًا من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 26 لسنة 1978 ، 165 لسنة 1981 والبند رقم 6 من الجدول الأول الملحق ، مع إعمال المادتين 32 ، 251 من قانون العقوبات ، بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات عما أسند إليه .

فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمـة

من حيث إن الطاعن ينعي على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي الضرب المفضي إلى الموت وإحراز سلاح أبيض " سكين " بدون مسوغ ، قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على إخلال بحق الدفاع ومخالفة الثابت بالأوراق ؛ ذلك بأن بيانه لواقعة الدعوى جاء في عبارات مرسلة لا أصل لها في الأوراق ودون أن يوردها في بيان مؤدى الأدلة التي عول عليها في قضائه بالإدانة ، واتخذ منها سنداً في اطراح دفوعه بنفي صلته بالواقعة وإنكار ارتكابه للجريمة ، هذا إلى أنه دفع بقيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس لرد الاعتداء الواقع عليه من المجني عليه إلَّا أن الحكم اطرح هذا الدفع بما لا يسوغ ، وأخيراً أورد الحكم المادة 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر وقضي بمصادرة السلاح دون أن يضبط ، مما يعيبه ويستوجب نقضه .

وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان بها الطاعن وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وجاء استعراض المحكمة لأدلة الدعوى على نحو يدل على أنها محصتها التمحيص الكافي وألمت بها إلماماً شاملاً يفيد أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة ، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون ولا محل له ، هذا فضلاً عن أن ما ينعاه الطاعن على الحكم من أن ما أورده بياناً لواقعة الدعوى جاء مرسلاً لا أصل له في الأوراق وخلت منها أدلة الدعوى واتخذها الحكم سنداً لاطراح دفوعه ، هو قول مرسل لم يحدد فيه الوقائع التي لا أصل لها في الأوراق ، ومن ثم فإن وجه الطعن على هذه الصورة يكون مجهلاً غير مقبول . لما كان ذلك ، وكان نفي التهمة من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ، هذا إلى أنه بحسب الحكم كيما يتم تدليله ويستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهم ولا عليه أن يتعقبه في كل جزئية من جزئيات دفاعه ؛ لأن مفاد التفاته عنها أنه اطرحها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي سلطة المحكمة في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته لدى محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لما أثاره الطاعن من قيام حالة الدفاع الشرعي عن النفس ورد عليه في قوله : ( .... وكان المتهم على حد قوله أنه عقب إصابته من المجني عليه ترك مسرح الجريمة ليبحث عن أداة يقتص بها من الأخير حتى وجد سكيناً فانقض بها عليه وطعنه كما هو ثابت بالتقرير الطبي الشرعي ، ومن ثم فإنه يكون قد تجاوز بنية سليمة حدود حقه في الدفاع الشرعي عن نفسه أثناء استعمال هذا الحق ؛ ذلك أن الوسيلة التي سلكها المتهم لرد الاعتداء الواقع عليه لم تكن تتناسب مع هذا الاعتداء خاصة أنه نال قسطاً من الوقت في البحث عن الأداة التي استخدمها في رد الاعتداء فزاد سلوكه عن الحد الضروري اللازم لرده متجاوزاً حدود حقه في الدفاع الشرعي عن نفسه ، الأمر المعاقب عليه طبقاً للمادة 251 من قانون العقوبات ) . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير القوة اللازمة لرد الاعتداء لتقرير ما إذا كان المدافع قد التزم حدود الدفاع الشرعي فلا جريمة فيما أتاه طبقاً لنص المادة 245 من قانون العقوبات ، أم أنه تعدى حدوده - بنية سليمة - فيعامل بمقتضي المادة 251 من هذا القانون ، إنما هو من الأمور الموضوعية البحتة التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيه وفق الوقائع المعروضة عليها بغير معقب ، ما دامت النتيجة التي انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التي أثبتتها في حكمها ، وإذ كان ما أثبته الحكم - فيما تقدم بيانه - من أن الطاعن طعن المجني عليه بالسكين بعد إصابته من المجني عليه ترك مسرح الجريمة ليبحث عن أداة ليقتص منه بها ، من شأنه أن يؤدي إلى ما ارتاه الحكم من أن الوسيلة التي سلكها الطاعن لرد الاعتداء الواقع عليه من المجني عليه لم تكن تتناسب مع هذا الاعتداء ، بل إنها زادت عن الحد الضروري والقدر اللازم لرده ، فإن هذا حسب الحكم لاعتبار الطاعن قد تعدى - بنية سليمة - حدود حق الدفاع الشرعي ، ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم من قصور لا يعدو - في حقيقته - أن يكون جدلاً في تحصيل محكمة الموضوع فهم الواقع في الدعوى في حدود سلطتها التقديرية وفي ضوء الفهم الصحيح للقانون ، وهو ما لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه - على خلاف ما يدعي الطاعن - لم يورد نص المادة 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 بشأن الأسلحة والذخائر ولم يقض بمصادرة السلاح ، ومن ثم فلا محل للنعي عليه في هذا الشأن . لما كان ما تقدم ، فإنه وإن كان الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً ، إلَّا أنه لما كانت المحكمة قد دانت الطاعن بجريمة الضرب المفضي إلى الموت واعتبرته متجاوزاً حدود الدفاع الشرعي بنية سليمة ورأت معاملته طبقاً للمادة 251 من قانون العقوبات ، ومع ذلك أوقعت عليه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات ، فإنها تكون قد أخطأت في تطبيق القانون ، إذ كان عليها ألَّا توقع عليه إلَّا عقوبة الحبس عملاً بالمادة سالفة الذكر ، ولما كانت المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 تخول محكمة النقض أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين مما هو ثابت به أنه مبني على خطأ في تطبيق القانون ، مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً ، وتصحيحه بمعاقبة الطاعن بالحبس لمدة ثلاث سنوات بدلاً من السجن لذات المدة ، مع رفض الطعن فيما عدا ذلك .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 43 لسنة 3 ق جلسة 21 / 12 / 1933 مج عمر المدنية ج 1 ق 153 ص 290

جلسة 21 ديسمبر سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

------------

(153)
القضية رقم 43 سنة 3 القضائية

نزع ملكية للمنفعة العامة.

إضافة عين إلى المنفعة العامة دون اتخاذ الإجراءات التي يفرضها قانون نزع الملكية. غصب يستوجب التعويض. تقدير هذا التعويض موضوعي.
)المواد 88 و89 و124 من القانون المدني وقانون نزع الملكية نمرة 5 لسنة 1907(

--------------
إذا أضافت الحكومة عينا إلى المنفعة العامة دون أن تتخذ الإجراءات التي يوجبها قانون نزع الملكية، فهذه الإضافة هي بمثابة غصب يستوجب مسئوليتها عن التعويض الذى يستحقه مالك العين وفوائده التعويضية. وقاضى الموضوع يكون في هذه الحالة حرا في تقدير التعويض والحكم به مبلغا واحدا، أو بقيمة العين المنزوعة ملكيتها وبفوائدها التعويضية محسوبة من اليوم الذى يراه هو مبدءا لاستحقاق التعويض.


الطعن 52 لسنة 3 ق جلسة 7 / 12 / 1933 مج عمر المدنية ج 1 ق 151 ص 284

جلسة 7 ديسمبر سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

---------------

(151)
القضية رقم 52 سنة 3 القضائية

إثبات.

سبب الدين. غموض السند. سلطة محكمة الموضوع في التفسير. اعتبار السند مع أوراق أخرى مبدأ ثبوت بالكتابة لإثبات السبب الصحيح. جوازه. (المادة 215 مدنى(

-----------------
إن محكمة الموضوع إذ تفسر غامض السند موضوع النزاع طبقا لمقاصد العاقدين، مسترشدة في ذلك بظروف الدعوى وملابساتها، وإذ تأخذ بما ترجحه من وجوه التفسير، معتمدة على اعتبارات معقولة مقبولة، لا تخضع لرقابة محكمة النقض على ما يجرى به قضاؤها.
فاذا اختلف طرفا الدعوى على تفسير ورقة: قال المدّعى إن المبلغ الوارد بها هو قرض واجب الأداء، وقال المدّعى عليه إنه لم يكن قرضا اقترضه من المدّعى وإنما هو جزء من ثمن قطن تسلمه المدّعى من زراعته بصفته وكيلا عنه وباعه وقبض ثمنه، ورشح المدّعى عليه لهذا الادّعاء بعبارة الورقة المطالب بقيمتها وبأوراق أخرى قدّمها، فحكمت محكمة الاستئناف تمهيديا باستجواب الخصمين وحققت ما ادّعاه كل منهما، وحصّلت مما استظهرته من القرائن ومن جميع ظروف الدعوى أن دعوى المدّعى عليه أرجح من دعوى المدّعى، أو أن هذه القرائن - على أقل تقدير - موجبة للشك في سبب الدين المدّعى به، فرفضت الدعوى، فهذا الحكم صحيح ولا مخالفة فيه لا لحكم المادة 215 ولا لحكم المادة 194 من القانون المدني. لا مخالفة فيه لحكم المادة 215 لأن المحكمة، باعتمادها على عبارة الورقة المطالب بقيمتها وعلى قول المدّعى في محضر استجوابه وعلى الخطابات التي أرسلها هو للمدّعى عليه دالة على أنه كان يقوم له بإدارة أطيانه وتسليم قطنه، قد اعتمدت على ما يصح اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة يجوز لها أن تستكمله بالقرائن الأخرى. ولا مخالفة لنص المادة 194 مدنى، لأن المحكمة لم تقض بمقاصة مّا، وإنما هي قضت برفض دعوى المطالبة بعد أن ثبت لها أن المبلغ المطالب به لم يتسلمه المدّعى عليه إلا على اعتباره جزءا من ثمن قطنه الذى باعه المدّعى حين كان وكيلا عنه.


الوقائع

تتلخص وقائع الدعوى - على ما جاء بالحكم المطعون فيه والأوراق الملحقة به المقدّمة من الطرفين لمحكمة الاستئناف ولهذه المحكمة - في أن إسماعيل نوّار أفندي ادّعى أن بسطوروس بك صليب اقترض منه مائتين وخمسين جنيها مصريا يدفعها وقت الطلب بالسند المؤرّخ في 7 ديسمبر سنة 1922 وطلب من محكمة مصر الابتدائية الأهلية في الدعوى التي رفعها أمامها في 20 ديسمبر سنة 1930 الحكم بالزام مدينه بدفع المبلغ المذكور مع المصاريف والفوائد باعتبار الماية خمسة من تاريخ المطالبة فحكمت له محكمة أوّل درجة بهذه الطلبات في 7 فبراير سنة 1931.
فاستأنف بسطوروس بك صليب هذا الحكم وبيّن بصحيفة استئنافه أنه لم يأخذ هذا المبلغ قرضا وإنما أخذه من أصل ثمن قطنه الذى تسلمه المستأنف عليه (الطاعن) وتولى بيعه وقبض ثمنه الذى يربو على مبلغ السند بكثير. وقد استند في ذلك على نفس السند المطالب به الذى جاء به ما نصه "وقد سبق تحرير جواب منا عن المبلغ المذكور لحضرة أحمد بك خيرى نوّار ولم يقبض المبلغ وصار لاغي لأن المبلغ الذى دفع من أصله صار ردّه ثانيا لحضرة إسماعيل بك" كما استند إلى خطابات وأوراق أخرى صادرة من خصمه. وبعد أن سمعت محكمة الاستئناف المرافعة قضت بتاريخ 29 مارس سنة 1932 بمناقشة الخصوم شخصيا لتفسير ما انبهم عليها من عبارة سند المديونية وتحقيق سبب الدين لمعرفة ما إذا كانت قيمته جزءا من ثمن القطن كما يقول المستأنف أو قرضا كما يقول خصمه، ثم حكمت في 31 ديسمبر سنة 1932 بالانتقال إلى محلج محمد باشا الوكيل للاطلاع على دفاتره الوارد بها شراء عملية القطن المشار إليها في الأسباب، ثم حكمت بتاريخ 19 مارس سنة 1933 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليه وإلزامه بالمصاريف والأتعاب معتمدة في ذلك على سند المداينة ومحضر الاستجواب وباقي القرائن التي بينتها بالحكم.
أعلن هذا الحكم لإسماعيل عبد الحميد نوّار أفندي في 8 مايو سنة 1933 فطعن فيه بطريق النقض والإبرام في 7 يونيه سنة 1933 وطلب قبول الطعن شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإلغائه والحكم في الدعوى لأنها صالحة لصدور قرار المحكمة في موضوعها واحتياطيا الإحالة على دائرة أخرى للفصل فيها من جديد.
وقد قدّم طرفا الخصومة مذكرتيهما الكتابيتين في الميعاد القانوني وقدّمت النيابة مذكرتها في 9 نوفمبر سنة 1933.
وبجلسة يوم الخميس 30 نوفمبر سنة 1933 المحدّدة لنظر هذا الطعن صمم كل من الحاضرين عن طرفي الخصومة والنيابة على ما جاء بمذكرته، ثم أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على أوراق القضية والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
ومن حيث إن وجوه الطعن تتلخص في أن محكمة الاستئناف قد خالفت أحكام المادتين 215 و194 من القانون المدني إذ أخذت بقرائن الأحوال في إثبات ما ادّعاه بسطوروس بك صليب من أن لسند الدين سببا غير السبب الواضح به ثم في إثبات وفائه هذا الدين وإذ قضت بالمقاصة بين دين الطاعن الخالي عن النزاع وبين دين خصمه المتنازع فيه.
ومن حيث إن الثابت بالحكم المطعون فيه أن طرفي الخصومة قد اختلفا في تفسير عبارة السند المطالب به: فزعم الطاعن أن المبلغ الوارد به هو دين عادى سببه القرض فهو لذلك واجب الأداء، وادّعى المدّعى عليه أنه لم يكن قرضا وإنما كان جزءا من ثمن قطنه الذى تسلمه الطاعن وباعه وقبض ثمنه. ولما قدّم المدّعى عليه ما يرشح لهذا الادّعاء من الأوراق والمستندات أصدرت المحكمة حكمها التمهيدي باستجواب الخصمين لتفسير غموض سند الدين ثم انتقلت إلى محلج محمد باشا الوكيل لتحقيق ما ادّعاه الطاعن من أن خصمه هو الذى باع قطنه بنفسه لهذا المحلج ثم حصلت من جميع ظروف الدعوى ما اعتقدت أنه الحق فحكمت به واختتمت حكمها بقولها "وحيث إن كل هذه القرائن كافية لترجيح قول المستأنف من أن المبلغ الذى حرّر به سند 7 ديسمبر سنة 1922 لم يكن قرضا وإنما كان من أصل ثمن القطن الذى استلمه المستأنف عليه والذى تبين أن ثمنه يربو على ضعف هذا المبلغ، أو تكون هذه القرائن على أقل تقدير موجبة للشك في سبب هذا الدين، ومن المقرّر أن الشك يؤول دائما لمصلحة المدين وهو المستأنف، ولذلك يتعين إلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليه وإلزامه بمصاريف الدرجتين".
ومن حيث إن محكمة الموضوع - إذ تفسر غامض السند موضوع النزاع طبقا لمقاصد العاقدين مسترشدة في ذلك بأحوال الدعوى وملابساتها ومستنداتها وإذ تأخذ بما ترجحه من وجوه التفسير معتمدة على اعتبارات معقولة مقبولة - لا تخضع لرقابة محكمة النقض على ما جرى به قضاؤها.
ومن حيث إن محكمة الموضوع فوق ما تقدّم ذكره - باعتمادها على عبارة السند المطالب بقيمته وعلى قول الطاعن في محضر استجوابه وعلى الخطابات التي أرسلها هو لخصمه دالة على أنه كان يقوم له بإدارة أطيانه ويستلم قطنه - لم تخالف نص المادة 215 من القانون المدني لأن كل ما اعتمدت عليه من ذلك يصح اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة يجوز للمحكمة أن تستكمله بالقرائن الأخرى، ولا نص المادة 194 من القانون المدني لأنها لم تقض بمقاصة ما بين دينين أحدهما خال من النزاع والآخر متنازع فيه، وإنما قضت برفض دعوى المطالبة بالسند بعد أن ثبت لها أن المدّعى عليه لم يستلم قيمته إلا على اعتبارها جزءا من ثمن قطنه الذى باعه صاحب السند حين كان وكيلا للمدّعى عليه من نوفمبر سنة 1922 لغاية يوليه سنة 1923.
وحيث إنه لذلك يتعين رفض الطعن وإلزام رافعه بالمصاريف.

الطعن 39 لسنة 3 ق جلسة 30 / 11 / 1933 مج عمر المدنية ج 1 ق 146 ص 269

جلسة 23 نوفمبر سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

--------------

(146)
القضية رقم 39 سنة 3 القضائية

الأشياء المثلية والأشياء القيمية.

تعريف كل من النوعين. 

(المادة 291 مدنى(

--------------
الأشياء المثلية هي التي يعتبر المتعاقدان أن الوفاء بها يتم بتقديم ما يماثلها بدلا منها، والأشياء القيمية هي التي يعتبر المتعاقدان أن الوفاء بها لا يتم إلا بتقديمها هي عينها. وقد يكون الشيء بعينه مثليا في أحوال وقيميا في أحوال أخرى. والفصل في كونه هذا أو ذاك يرجع إلى طبيعة هذا الشيء ونية ذوى الشأن وظروف الأحوال، فعلى أى وجه اعتبره قاضى الموضوع وبنى اعتباره على أسباب منتجة لوجهة رأيه فلا رقابة لمحكمة النقض عليه.

الطعن 27 لسنة 3 ق جلسة 23 / 11 / 1933 مج عمر المدنية ج 1 ق 143 ص 260

جلسة 23 نوفمبر سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

--------------

(143)
القضية رقم 27 سنة 3 القضائية

(أ) طعن بطريق النقض.

التمسك بتطبيق قاعدة قانونية. جواز إبدائه لأوّل مرة لدى محكمة النقض.

(المادة 15 من القانون رقم 68 لسنة 1931(
(ب) إثبات.

اعتراف الخصم بالدعوى. إعفاء المدّعى من إقامة الدليل عليها.
(حـ) تقادم.

وجوب بيان عناصره في الحكم.

(المادتان 44 و76 من القانون المدني(

----------------
1 - التمسك بتطبيق قاعدة قانونية هو سبب قانوني محض فيجوز إبداؤه لأوّل مرة أمام محكمة النقض. وهو لا يعتبر سببا جديدا مما تنطبق عليه المادة 15 من قانون محكمة النقض، لأن الخصوم بطرحهم موضوع دعواهم أمام القضاء إنما يطلبون الفصل فيه طبقا لأحكام القانون، فمن الواجب على القاضي أن يبحث من تلقاء نفسه عن الحكم القانوني المنطبق على الواقعة المطروحة عليه وأن ينزل هذا الحكم عليها.
2 - إن القانون إنما يكلف المدّعى إقامة الدليل على دعواه، إلا إذا سلم له خصمه بها أو ببعضها فانه يعفيه من إقامة الدليل على اعترف به. فاذا اعترف شخص بأن الأرض موضوع النزاع أصلها من أملاك الحكومة الخاصة، ولكنه تملكها بالتقادم، ثم بحثت المحكمة مع ذلك مستندات ملكية الحكومة لهذه الأرض، وقضت بعدم كفايتها لإثبات الملكية، فقد خالفت القانون باقتضائها دليلا على أمر معترف به.
3 - الحكم القاضي بالتمليك بالتقادم يجب أن يبين فيه مظهر وضع اليد ومدّته ومبدؤه حتى يعلم إن كانت العناصر القانونية للتملك بالتقادم متوافرة أم لا. فاذا هو خلا من بيان هذه العناصر كان حكما ناقصا متعينا نقضه.

الطعن 31 لسنة 3 ق جلسة 23 / 11 / 1933 مج عمر المدنية ج 1 ق 144 ص 261

جلسة 23 نوفمبر سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

-----------------

(144)
القضية رقم 31 سنة 3 القضائية

حكم. تسبيبه.

متى يكون عدم كفاية الأسباب مفسدا للحكم؟
(المادة 103 مرافعات(

--------------
إذا كان الحكم وافى الأسباب الواقعية صحيح النتيجة قانونا فلا يفسده مجرّد القصور في أسبابه القانونية، بل لمحكمة النقض أن تستكمل أسبابه القانونية بما ترى استكمالها به. إنما الذى يفسد الحكم هو قصوره عن إيراد الأسباب الموضوعية قصورا يعجز محكمة النقض عن قيامها بمراقبته لتتبين ما إذا كان قد وقعت فيه مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيقه أو في تأويله. فاذا باع أحد شريكين نصيبه مفرزا محدّدا بعد قسمته مع شريكه وأقرّ في عقد البيع أن البيع خال من الرهون والاختصاصات والحقوق العينية، وأنه إذا اتضح وجود حق عيني من أي نوع كان على المبيع يكون للمشترى الحق في اعتبار البيع مفسوخا، ثم ظهر أن الشريك الآخر كان قد رهن نصيبه شائعا قبل عقد القسمة، ورضى المرتهن أن يخصص رهنه على ما أفرز للراهن، وتم تسجيل عقد القسمة وعقد تخصيص الرهن أثناء قيام دعوى الفسخ التي رفعها المشترى على بائعه وقبيل النطق بالحكم فيها، فان محكمة الموضوع إذا قضت برفض دعوى الفسخ بناء على أن تسجيل عقد القسمة بعد الأجل المضروب لم يضر بالمشترى، وبرفض دعوى الضمان بناء على أنه حتى لو تبين أن نصيب البائع هو الذى ظهر أنه هو المرهون فان دعوى الضمان لا تكون مقبولة - إن محكمة الموضوع إذا حكمت بذلك فلا يكون حكمها مخالفا للقانون لأن نتيجة حكمها صحيحة قانونا.

الطعن 38 لسنة 3 ق جلسة 23 / 11 / 1933 مج عمر المدنية ج 1 ق 145 ص 262

جلسة 23 نوفمبر سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى بك وحامد فهمى بك ومحمد نور بك المستشارين.

-------------

(145)
القضية رقم 38 سنة 3 القضائية

(أ ) نزع الملكية للمنفعة العامة. 
إجراءاته. وجوب اتباع أحكام القانون الذى نظمه. متى يرجع إلى أحكام القانون المدني فيه؟
(ب) نزع الملكية. 
معناه. فوائد مقابل العقار المنزوعة ملكيته مع إيداع هذا المقابل بالخزانة. لا إلزام. 
(ج) المعارضة في تقرير الخبير 
الذي قدّر المقابل. متى تكون موجبة للفوائد التعويضية؟
(القانون رقم 5 الصادر في 14 أبريل سنة 1907 المعدّل)
(في 18 يونيه سنة 1931 والمادتان 330 مدني و115 مرافعات(

---------------
1 - إن المشرع المصري قد نظم إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة بقانون خاص هو القانون رقم 5 الصادر في 14 أبريل سنة 1907 المعدّل في 18 يونيه سنة 1931وهذا القانون واجب الاتباع فيما نص عليه فيه. فاذا خلا من النص على مسألة من مسائل نزع الملكية فيرجع في حلها إلى نصوص القانون المدني التي لا تتعارض مع نصوص قانون نزع الملكية.
2 - نزع الملكية في نظر الشارع معناه حرمان مالك العقار من ملكه جبرا عنه للمنفعة العامة مقابل تعويضه عما ناله من الضرر بسبب هذا الحرمان، أو حرمان مالك العقار من ملكه جبرا عنه للمنفعة العامة مقابل ثمنه الذى يشمل أحيانا شيئا آخر زيادة على قيمة العقار. فعلى المعنى الأوّل لا يكون نزع الملكية بيعا ولا شبه بيع، وعلى المعنى الثاني يكون أشبه بالبيعوعلى كلا المعنيين متى أودعت الحكومة المقابل الذى قدّره الخبير للأرض المطلوب نزع ملكيتها للمنفعة العامة قبل استيلائها على هذه الأرض فإنها لا تكون ملزمة - لا بمقتضى قانون نزع الملكية ولا بمقتضى القانون المدني - بدفع فوائد هذا المقابل لمجرّد معارضتها أمام المحكمة في تقرير الخبير الذى قدّره حتى ولو أنذرها رب العقار بالدفع، لأن الفوائد إنما يقضى بها في الديون الحالّة التي يحصل التأخير في سدادها بلا حق أو في الديون المؤجلة إذا حصل اتفاق طرفي العقد على ذلك. والمعارضة في تقدير ثمن العقار أو تعويضه تجعل هذا التقدير مؤجلا إلى أن يحصل الفصل فيه نهائيا، فهو لا يعتبر حالا قبل الفصل نهائيا في المعارضة، ولا تجوز المطالبة بهولا يصح في هذا الصدد التمسك بالمادة 330 مدني، لأن طالب نزع الملكية لم يجمع في يده بين الثمن والمبيع، فشروط استحقاق الفائدة المنصوص عليها في الفقرة الأخيرة من هذه المادة غير متوافرة.
3 - إن استعمال الحق المخوّل قانونا في المعارضة في تقرير الخبير الذى قدّر ثمن العقارات المنزوعة ملكيتها أو التعويض عنها لا يترتب عليه عند عدم النجاح إلزام رافعها بفوائد تعويضية إلا إذا كانت تلك المعارضة حصلت بطريق المكيدة كما تقضي بذلك المادة 115 مرافعات.


الوقائع

بما أن وقائع الدعوى تتلخص، حسب الوارد في الحكم المطعون فيه والأوراق والمستندات المودعة في ملف الطعن، في أنه بتاريخ 18 يناير سنة 1928 صدر مرسوم بنزع ملكية الأرض اللازمة لإنشاء منتزه على ضفة النيل الغربية ببندر المنيا، وبناء عليه نزع مجلس ببلدي المنيا ملكية 4 أفدنة و13 قيراطا و8 أسهم من الدكتور نصيف منقريوس و6 قراريط و7 أسهم من ملك فهيم أفندي سدره و7 قراريط و7 أسهم من ملك نخله بك مرقس و11 قيراطا و8 أسهم من وقف سلطان باشا. ولعدم اتفاق المجلس البلدي أمام المدير على الثمن مع ملاك هذه المقادير أحيلت الأوراق على رياسة المحكمة فانتدبت خبيرا قدّر قيمة الأرض جميعا بمبلغ 11418 جنيها و680 مليما مع أن لجنة التثمين كانت قدّرت قيمتها بمبلغ 2277 جنيها و814 مليما. ولما كان الفرق بين التقديرين جسيما أودع المجلس البلدي المبلغ الذى قدّره الخبير في قلم كتاب المحكمة بتاريخ 20 يناير سنة 1929 طبقا للمادتين 8 و17 من القانون رقم 5 لسنة 1907 الخاص بنزع الملكية للمنفعة العامّة، واشترط في محضر الإيداع أن يكون صرف مبلغ 2277 جنيها و814 مليما، الذى لا يعارض فيه، إلى الملاك بعد تقديمهم شهادة خلو العقارات من الرهن كنص المادة الثامنة، وأن لا يصرف ما زاد على هذا المبلغ حتى يفصل نهائيا في المعارضة التي يرفعها عن تقرير الخبير. ثم عارض في تقرير الخبير طالبا اعتماد الثمن الذى قدّرته لجنة التثمين، وعارض ملاك العقارات المنزوع ملكيتها طالبين اعتبار ثمن المتر 2 جنيه. ضمت المحكمة المعارضات إلى بعضها وقرّرت الانتقال إلى نقطة النزاع لمعاينتها. وفى أثناء قيام المعارضات أمام المحكمة أنذر المدّعى عليهم في الطعن المجلس البلدي بتاريخ 31 مايو سنة 1930 بالموافقة على صرف المبلغ المودع جميعه أو الجزء الذى قدّرته لجنة التثمين وهو مبلغ 2277 جنيها و814 مليما وإلا يلزم المجلس بالفوائد الماية تسعة من تاريخ صدور المرسوم بنزع الملكية أو من 30 أبريل سنة 1928 لغاية السداد.
وبعد المعاينة حكمت المحكمة بقبول المعارضات شكلا وفى الموضوع بتعديل تقرير الخبير وجعل ثمن الأطيان المملوكة للدكتور نصيف منقريوس مبلغ 4048 جنيها و78 مليما وثمن القدر المملوك لنخله بك مرقس 182 جنيها و280 مليما وثمن أطيان فهيم أفندي سدره 129 جنيها و34 مليما وثمن أطيان الوقف 283 جنيها و333 مليما مع إلزام كل معارض بمصاريف معارضته والمقاصة في أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف المجلس الحكم في 19 و25 أغسطس سنة 1931 طالبا الحكم بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتعديل الحكم المستأنف واعتبار ثمن الـ 5 أفدنة و14 قيراطا و6 أسهم المنزوع ملكيتها مبلغ 2277 جنيها و814 مليما مع إلزام المستأنف عليهم بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين مع عدم صرف الثمن إلا بعد تقديم الشهادات العقارية الدالة على خلو العين من جميع التصرفات طبقا للمادة 8 من قانون نزع الملكية. كما استأنفه الدكتور نصيف منقريوس ومن معه بتاريخ 5 سبتمبر سنة 1931 طالبين قبول الاستئناف وتعديل الحكم المستأنف واعتبار ثمن المتر الواحد جنيهين مصريين مع الفوائد من يوم الإيداع حتى السداد بواقع الماية 9 وإلزام المستأنف عليه بالمصاريف والأتعاب عن الدرجتين. ضمت المحكمة الاستئنافات إلى بعضها ثم قرّرت الانتقال إلى الأرض موضوع النزاع لمعاينتها مع الخصوم والخبير الذى سبق تعيينه من محكمة أوّل درجة. وبعد تمام المعاينة، وبعد تعيين خبير جديد لمعاينة الأرض وإثبات حالتها وتقديم تقريره، حكم في 2 مارس سنة 1932 بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع بتأييد الحكم المستأنف مع إلزام المجلس البلدي بأن يدفع أيضا لكل من الدكتور نصيف منقريوس وفهيم سدره ونخله بك مرقس فوائد المبلغ المحكوم به بواقع الماية خمسة سنويا اعتبارا من 25 يوليه سنة 1929 تاريخ المعارضة وهى المطالبة الرسمية حتى السداد، وألزمت كل مستأنف بمصاريف استئنافه مؤسسة الحكم بالفوائد على أن المجلس البلدي لم ينازع في استحقاقهم للفوائد. أعلن هذا الحكم للمجلس البلدي في 2 أبريل سنة 1933، فطعن فيه بطريق النقض والإبرام بتاريخ 30 أبريل سنة 1933، ثم أعلن الطعن للمدّعى عليهم في 6 و9 مايو سنة 1933 وقدّم طرفا الخصومة المذكرات والمستندات في المواعيد القانونية وقدّمت النيابة مذكراتها في 18 أكتوبر سنة 1933.
وبجلسة يوم الخميس 9 نوفمبر سنة 1933 صمم كل من طرفي الخصومة على طلباته وأصرت النيابة على ما تدوّن بمذكرتها ثم أجل الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
بما أن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وبما أن مبنى الطعن يتحصل في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطاء في تطبيقه إذ قضى بالزام المجلس البلدي بأن يدفع لكل من الدكتور نصيف منقريوس وفهيم سدره ونخله بك مرقس فوائد المبلغ المحكوم به بواقع الماية خمسة سنويا اعتبارا من 25 يوليه سنة 1929 حتى السداد مع أن المجلس البلدي قد أودع الثمن حسب تقرير الخبير على ذمة المنزوع ملكيتهم وفقا لأحكام قانون نزع الملكية. لذا يكون الحكم بالفوائد في هذه الحالة مخالفا للقانون المدني الذى يقضى بأن الفوائد لا تستحق إلا على المبالغ الحالة الواجبة الدفع فورا عند التأخير في دفعها، ولأحكام قانون نزع الملكية المدوّنة في المواد 8 و17 و21، 28.
وبما أن المشرع المصري قد نظم إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة بقانون خاص هو قانون نمرة 5 الصادر في 14 أبريل سنة 1907 المعدّل في 18 يونيه سنة 1931 فيجب اتباعه وتطبيقه فيما نص عليه؛ وإذا خلا عن النص على مسألة من مسائل نزع الملكية يرجع في حلها إلى القانون المدني لتطبيق النصوص التي لا تتعارض مع نصوص قانون نزع الملكية.
وبما أن قانون 14 أبريل سنة 1907 عبر عن مقابل العقارات المنزوع ملكيتها تارة بالثمن وتارة أخرى بالتعويض كما جاء في المادة السابعة منه، فيكون نزع الملكية في نظر الشارع هو حرمان مالك العقار من ملكه جبرا عنه للمنفعة العامة مقابل تعويضه عما ناله من الضرر بسبب هذا الحرمان، أو هو حرمان مالك العقار من ملكه جبرا عنه للمنفعة العامة مقابل ثمنه الذى يشمل أحيانا شيئا آخر زيادة عن قيمة العقار. فعلى الاعتبار الأوّل لا يكون نزع الملكية بيعا ولا شبه بيع، وعلى الاعتبار الثاني قد يكون أشبه بالبيع.
وبما أن قانون نزع الملكية يلزم طالب نزع الملكية - في حالة عدم اتفاق ودّيا مع ملاك العقارات المطلوب أخذها للمنفعة العامة على الثمن أو التعويض وبعد تعيين خبير بمعرفة رئيس المحكمة المختصة لتقدير الثمن أو التعويض عن تلك العقارات وبعد تقدير الثمن أو التعويض بواسطة الخبير - بأن يودع في خزينة المحكمة المقابل الذى قدّره الخبير قبل استيلائه على العقار، ويمنح كلا من طالب نزع الملكية ومالك العقار حق المعارضة في تقرير الخبير أمام المحكمة إذا لم يرضه تقديره، ويرتب على معارضة طالب نزع الملكية في تقرير الخبير منع ملاك العقارات من صرف القدر المعارض فيه ولكنه يجيز لهم صرف ما لا معارضة فيه من قبل طالب نزع الملكية بعد تقديم شهادات عقارية بخلو الأعيان المنزوع ملكيتها من الرهن والحقوق العينية.
وبما أنه ثابت من محضر إيداع المجلس البلدي للمبلغ الذى قدّره الخبير ثمنا للعقارات المنزوع ملكيتها المحرّر في 20 يناير سنة 1929 أن المجلس لم يعارض في صرف المدّعى عليهم في الطعن لمبلغ 2277 جنيها و814 مليما بعد القيام بما أوجبته المادة 8 من قانون نزع الملكية من تقديم شهادات عقارية بخلو المنزوع ملكيته من الرهن والحقوق العينية وبعد قيام وقف سلطان باشا بإجراءات الوقف بخصوص 11 قيراطا و8 أسهم المأخوذة من الوقف، وعارض فقط في صرف الباقي مما قدّره الخبير حتى يحكم نهائيا في أمر تقرير الخبير.
وبما أن القضاء بفوائد بالنسبة لمبلغ 2277 جنيها و814 مليما المودع في خزينة المحكمة من المجلس البلدي ضمن ما قدّره الخبير على ذمة الملاك للعقارات المنزوع ملكيتها والمعلوم لهم إيداعه من الإعلان الإداري بقرار الاستيلاء الحاصل في 9 ديسمبر سنة 1929 مخالف للقانون، لأن عدم صرفه إلى المدّعى عليهم ناشئ عن إهمالهم القيام بتقديم شهادات بخلو العقار من الرهن والحقوق العينية الواجب تقديمها بمقتضى المادتين 8 و21 من قانون نزع الملكية، ولم يكن ناشئا عن تقصير المجلس في شيء أو عن اشتراطه شروطا للصرف لم يأمر بها القانون. والإجراءات الخاصة بالوقف لا تعوق المدّعى عليهم من صرف ما يخصهم لأن أرضهم ملك، ولا رابطة بينها وبين الوقف.
وبما أنه بالنسبة للمبلغ الزائد عن 2277 جنيها و814 مليما من القدر المودع في خزينة المحكمة حسب تقرير الخبير فمعارضة المجلس البلدي في صرفه حتى يقضى نهائيا في المعارضة الحاصلة في تقرير الخبير هي حق خوّله له القانون في المادة 20 منه، ويترتب عليها طبقا للمادة 21 عدم جواز صرفه أو تأجيل الصرف إلى أن يقضى في المعارضة نهائيا. وسواء أكان مقابل العقار تعويضا أو ثمنا فان المعارضة جعلت تقديره مؤجلا إلى الوقت الذى يفصل فيه في المعارضة نهائيا، فهو لا يعتبر حالا قبل الفصل النهائي في المعارضة، ولا تجوز المطالبة به ولا صرفه. وعليه لا يلزم طالب نزع الملكية بفوائد ثمن أو تعويض معلق تقديره على حكم المحكمة أو مؤجل إلى ذلك الحكم ولو أنذره المنزوع ملكيته بالدفع، لأن الفوائد يقضى بها في الديون الحالة التي يحصل التأخير في سدادها بلا حق أو في الديون المؤجلة إذا حصل اتفاق طرفي العقد على ذلك.
وبما أنه لا يمكن التمسك بالمادة 330 من القانون المدني على كلا الاعتبارين السابقين، حتى على اعتبار أن نزع الملكية أشبه شيء بالبيع، لأن هذه المادة تلزم المشترى بفائدة الثمن إذا استلم المبيع المثمر ولم يدفع الثمن للبائع حتى لا يجمع بين ثمرة المبيع وفائدة الثمن. والحال هنا غير ذلك لأن طالب نزع الملكية استولى على العقار بعد أن أودع الثمن الذى قدّره الخبير له فلم يجمع بين الثمن والمبيع. وعليه لا تتحقق شروط استحقاق الفائدة المبينة في الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة.
وبما أنه فوق ما تقدّم فان استعمال الحق المخوّل قانونا في المعارضة في تقرير الخبير لا يترتب عليه عند عدم النجاح إلزام رافعها بفوائد تعويضية إلا إذا كانت قد حصلت بقصد المكيدة كما تقضى بذلك المادة 115 من قانون المرافعات، ولم يثبت أن معارضة المجلس البلدي في تقرير الخبير كانت بقصد المكيدة، بل قد قام الدليل في هذه القضية على أن طالب نزع الملكية كان محقا في معارضته في تقرير الخبير من نفس الحكم المطعون فيه الدال على أن المحكمة قد أنقصت قيمة العقارات المنزوع ملكيتها عما قدّره الخبير إلى النصف تقريبا.
وبما أنه مما تقدّم يكون وجه النقض مقبولا ويتعين نقض الحكم المطعون فيه.

الطعن 47 لسنة 3 ق جلسة 9 / 11 / 1933 مج عمر المدنية ج 1 ق 141 ص 255

جلسة 9 نوفمبر سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وزكى برزى بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك المستشارين.

------------

(141)
القضية رقم 47 سنة 3 القضائية

دعوى:
)أ) إنكارها. حق المدّعى عليه في ذلك. إساءة استعمال هذا الحق. جواز الحكم على المنكر بالتعويضات.
)ب) الإنكار الكيدي. معناه.

(المادتان 114 و115 مرافعات)

----------
1 - إن الإجابة على الدعوى بإنكارها هي في الأصل حق مشروع لكل مدعى عليه يقتضى به إلزام خصمه بإثبات مدّعاه. فان سعى بإنكاره في دفع الدعوى وخاب سعيه فحسب الحكم عليه بالمصاريف بالتطبيق لنص المادة 114 من قانون المرافعات. أما إذا أساء استعمال هذا الحق بالتمادي في الإنكار أو بالتغالي فيه أو بالتحيل به ابتغاء مضارة خصمه، فان هذا الحق ينقلب مخبثة تجيز للمحكمة، طبقا للمادة 115 من قانون المرافعات، الحكم عليه بالتعويضات مقابل المصاريف التي تحملها خصمه بسوء فعله هو.
2 - الإنكار الكيدي هو حقيقة قانونية تقوم على أركان ثلاثة: أوّلها خروج المنكر بإنكاره عن حدوده المشروعة بقصد مضارة خصمه، وثانيها كون هذا الإنكار ضارّا فعلا، وثالثها كون الضرر الواقع قد ترتب فعلا على هذا الإنكار وبينهما علاقة السببية. فالحكم الذي يقضي بمسئولية خصم عن الأضرار الناشئة عن إنكاره، إذا اقتصر على التقرير بصدق مزاعم المدّعى في ادّعائه بأن الإنكار كيدي، ولم يوازن بينها وبين دفاع المدّعى عليه، ولم يعن بإيراد العناصر الواقعية والظروف الحاصلة التي يصح استخلاص الكيدية منها بمعناها القانوني، يكون حكما معيبا متعينا نقضه.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على أوراق القضية والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن مبنى الطعن أن السيدة خدوجة على عبد المحسن عمة الطاعنات طلبت من محكمة مصر الابتدائية الأهلية الحكم بالزام بنات أخيها بأن يدفعن لها 800 جنيه قيمة مصاريف وأتعاب المحاماة التي اضطرّت لصرفها في القضايا الكيدية والإجراءات التعسفية التي اتخذت أمام المحاكم الأهلية والشرعية والمختلطة بسبب إنكارهن وراثتها لمورّثهن، فحكمت بتاريخ 18 يونيه سنة 1932 بإلزامهن بأن يدفعن لها هذا المبلغ من المصاريف والأتعاب. ومحكمة استئناف مصر حكمت بتاريخ 18 مارس سنة 1933 بتعديل الحكم المستأنف وجعل المبلغ المحكوم به 666 جنيها فقط مع المصاريف وأتعاب المحاماة. وتدّعى الطاعنات أن بهذين الحكمين قصورا عن بيان الأسباب التي يجب اشتمال كل منهما عليها، وأن هذا القصور يستوجب قانونا نقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى على المحكمة التي أصدرته لتفصل فيها من جديد.
وحيث إن الإجابة على الدعوى بإنكارها هي في الأصل حق مشروع لكل مدّعى عليه يقتضى بها إلزام خصمه بإثبات مدّعاه، فان سعى بإنكاره في دفع الدعوى وخاب سعيه فحسب الحكم عليه بالمصاريف بالتطبيق لنص المادة 114 من قانون المرافعات. أما إذا أساء المدّعى عليه استعمال هذا الحق بالتمادي في الإنكار أو بالتغالي فيه أو بالتحيل به ابتغاء مضارة خصمه فان هذا الحق ينقلب عندئذ مخبثة تجيز للمحكمة الحكم عليه بالتعويضات في مقابلة المصاريف الناشئة عنه والمترتبة عليه بالتطبيق للمادة 115 من قانون المرافعات.
وحيث إن الإنكار الكيدي هو حقيقة قانونية تقوم على أركان ثلاثة: (أوّلها) خروج المنكر بإنكاره عن حدوده المشروعة بقصد مضارة خصمه. (وثانيها) كون هذا الإنكار ضارّا فعلا. (وثالثها) كون الضرر الواقع قد ترتب فعلا على هذا الإنكار وبينهما علاقة السببية.
وحيث إنه لا سبيل لمحكمة النقض إلى مراقبة تكييف ما حصّله قاضي الموضوع من فهم الواقع في الدعوى بحكم ما جاء بالقانون تعريفا للكيد في إجراءات المرافعة (المادة 115 من قانون المرافعات) إلا إذا كان الحكم المطعون فيه قد عنى بإيراد العناصر الواقعية اللازمة على التفصيل الواجب قانونا بنص المادة 103 من قانون المرافعات.
وحيث إن كلا الحكمين قد اقتصر في الواقع على التقرير بصدق مزاعم المدّعى عليها في الدعوى، فقد جاء بالحكم المستأنف "أن المحكمة ترى أن الضرر الذى وقع حقيقة إنما كان لسبب الإجراءات التعسفية بسبب إنكار صفة المدّعى عليها مما اضطرّها هي وأختيها إلى الالتجاء إلى المحاكم الأهلية والشرعية والمختلطة، كما اضطرّها إلى التعاقد مع الأستاذ فلان لمباشرة هذه الدعاوى على حسابه الخاص مقابل دفعهنّ له ألفى جنيه عند استلام نصيبهنّ في التركة نهائيا. وقد قام هذا الأستاذ بتعهده وباشر جملة قضايا بنفسه وبتوكيل آخرين بالمحاكم المختلطة، وكان المدّعى عليهنّ في مختلف هذه الأدوار يحاولن تعطيل وصول حق المدّعية وأخواتها إليهنّ أو إنقاصه بقدر المستطاع". وجاء بالحكم الاستئنافي "أن المحكمة ترى تأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من مسئولية المستأنفات عن الأضرار التي نشأت عن إنكارهنّ وراثة المستأنف عليها وما تلا ذلك من إجراءات كيدية من جانب المستأنفات لعرقلة سير الدعوى حتى اضطرّت المستأنف عليها وأختها إلى الالتجاء إلى المسيو فلان والاتفاق معه على مبلغ ألفى جنيه ليتخذ ما يلزم لإثبات حقوقهن والمحافظة عليها. وفى سبيل ذلك رفعت قضايا حراسة أمام المحاكم المختلطة والأهلية وقضايا قسمة وتثبيت ملكية الخ".
وحيث إن هذه الأسباب قد شارفت الغاية من القصور والإبهام، وأصبحت هذه المحكمة إزاءها لا تعرف ما هي تلك القضايا المختلفة التي قامت أمام المحاكم الشرعية والأهلية والمختلطة، وما كان موقف كل خصم من خصمه فيها ومن الذي أنكر صفة المدّعى عليها، وما هي ظروف هذا الإنكار، وكيف كان، وهل بلغ أن يصير كيديا، وما هي تلك الإجراءات التعسفية التي مر عليها الحكمان بغير بيان، وما إلى ذلك من جميع العناصر الواقعية التي يصح استخلاص الكيدية منها بمعناها القانوني. وقد كان حقا على محكمة الموضوع أن تبين هذه الظروف المتقدّمة الذكر في صورة الدعوى الحالية التي شرح الطاعنات فيها موضوعات هذه القضايا وموقفهنّ في كل منها وما حكم فيه منها لصالح المدّعى عليها وما حكم فيه لغير صالحها وقدّمن بعض الأحكام الصادرة في هذه القضايا واستدللن بها على أن المدّعى عليها هي التي اشتطت في الادّعاء فرفعت بعضا من الدعاوى حكم برفضها وبالغت في دعاوى أخرى حكم فيها على مقتضى دفاع الطاعنات. ثم قلن أن ما نسب إليهنّ من إنكار صفة المدّعى عليها في الإرث فلا وجه له، لأن عمتهنّ لم تكن هي التي رفعت دعوى الإرث، ولم تكن خصما فيها، وإن من رفعتها هي امرأة أجنبية كانت ادّعت الزوجية من مورّثهن فأنكرن دعواها معتقدات بأن والدهن قد كتب جميع أمواله إيثارا لهن على أخواته، وإن لذلك أوراقا تحت يد هذه المرأة، ثم صالحن هذه المرأة إلى آخر تلك التفصيلات الموضحة في المذكرات. فكان على محكمة الموضوع أن تحقق هذا الدفاع وتوازن بينه وبين ما تكون قد أبدته المدّعى عليها هي الأخرى من وجوه الدفاع، ثم تحصل من هذه الموازنة ما تطمئن إليه، ثم تطابق حاصل فهمها في ذلك على ما جاء بالقانون من أحكام الكيدية في التقاضي ليخرج حكمها مسببا مقنعا.
وحيث إنه لذلك يتعين الحكم بقبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى والخصوم إلى محكمة استئناف مصر للحكم فيها بينهم من جديد.

الاثنين، 17 أغسطس 2020

الطعن 14 لسنة 3 ق جلسة 22 / 06 / 1933 مج عمر المدنية ج 1 ق 136 ص 245

جلسة 22 يونيه سنة 1933

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك وأمين أنيس باشا المستشارين.

-------------

(136)
القضية رقم 14 سنة 3 القضائية

موظف.

مأمور قنصلية. حق وزير الخارجية في عزله بقرار منه.
(المرسوم بقانون الصادر في 5 أغسطس سنة 1925 الخاص بالنظام القنصلي(

--------------
لوزير الخارجية - بمقتضى المادتين 2 و4 من المرسوم بقانون الصادر في 5 أغسطس سنة 1925 الخاص بالنظام القنصلي - حق عزل مأمور القنصلية العزل الذى هو بمعنى الفصل المجرّد عن العقوبة دون الالتجاء في ذلك إلى مجلس الوزراء أو إلى مجلس التأديب.


الوقائع

تتلخص وقائع الدعوى حسب الوارد بالحكم المطعون فيه وبالأوراق والمستندات المودعة بملف الطعن في أن الطاعن رفع الدعوى رقم 1663 سنة 1930 إلى محكمة مصر الابتدائية الأهلية ضدّ المدّعى عليها في الطعن قال فيها إنه كان في خدمة وزارة الخارجية بصفته مأمور قنصلية القدس إلى أن أحيل إلى المعاش بقرار وزاري صادر من وزير الخارجية في 18 ديسمبر سنة 1928 خلافا لما تسمح به القوانين واللوائح والأوامر العالية وعلى الأخص القانون الصادر في 5 أغسطس سنة 1925 المتعلق بالنظام القنصلي، وإن هذا الإجراء ألحق به ضررا بليغا يستحق معه تعويضا قدره عشرون ألف جنيه، لأن سنه لا تتجاوز الثلاثين سنة. وفضلا عن ذلك فان الوزارة لم تسلمه إعلان خلوّ طرفه رغم مطالبته مرارا به، الأمر الذى يلزمها بمرتبه من تاريخ الإحالة على المعاش إلى أن يستلم إعلان خلوّ الطرف، وإنه لذلك يطلب الحكم بالزام الوزارة (المدّعى عليها في الطعن) بأن تدفع له الماهية المتأخرة حتى يوم تسليمه إعلان خلوّ الطرف وإلزامها أيضا بدفع مبلغ عشرين ألف جنيه على سبيل التعويض بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة.
ومحكمة مصر الأهلية قضت بتاريخ 29 نوفمبر سنة 1931 برفض دعوى المدعى مع إلزامه بالمصاريف. فاستأنف هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر الأهلية بالاستئناف رقم 496 سنة 49 قضائية طالبا قبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع الحكم له بالطلبات السابق طلبها أمام محكمة أوّل درجة مع إلزام الوزارة بمصاريف الدرجتين والأتعاب. ومحكمة الاستئناف حكمت في 30 مايو سنة 1932 بتأييد الحكم المستأنف.
أعلن هذا الحكم إلى الطاعن في 2 يناير سنة 1933 فطعن فيه بطريق النقض والإبرام في أوّل فبراير سنة 1933 وأعلن تقرير الطعن للوزارة في 13 منه. وقدّم طرفا الخصومة المذكرات الكتابية في المواعيد وقدّمت النيابة مذكرتها في 15 مايو سنة 1933.
وبجلسة 15 يونيه سنة 1933 المحدّدة لنظر هذا الطعن صمم كل من الحاضرين عن طرفي الخصومة والنيابة على ما تدوّن بالمذكرات ثم أجل الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
من حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن محصل الطعن هو: (أوّلا) أن الحكم المطعون فيه قد فسر القانون تفسيرا غير صحيح، وطبقه تطبيقا خاطئا إذ اعتبر قرار وزير الخارجية الصادر بتاريخ 18 ديسمبر سنة 1928 بعزل الطاعن من وظيفة مأمور قنصلية القدس التى كان يشغلها وإحالته إلى المعاش قرارا صحيحا مع أن العزل في القوانين المصرية عقوبة لا يملك الوزير حق توقيعها، ولأن فصل الموظف وإحالته إلى المعاش لا يكون، في غير حالة التأديب، إلا بأمر ملكي أو بقرار من مجلس الوزراء بحسب الأحوال. وقد استند الطاعن في ذلك إلى المادة الرابعة من قانون النظام القنصلي الصادر في 5 أغسطس سنة 1925 قائلا إنه مع تسليمه بأن الحكومة تملك حق إحالة الموظف إلى المعاش بدون أن تلجأ إلى قرار من مجلس التأديب إلا أنه يجب عليها أن تحصل قبل ذلك على قرار من مجلس الوزراء طبقا للقواعد العامة المقرّرة بالقوانين واللوائح ومنها قانون المعاشات الأخير الصادر في سنة 1929 في مادته العشرين أو على أمر ملكي كما هو الحال بالنسبة للقناصل طبقا للمادة الثانية فقرة 2 من قانون النظام القنصلي، وبذا تكون الضمانة الواجبة قانونا قد توفرت في كلتا الحالتين للموظف الدائم الذى حرم من الضمانة التي كان ينتظرها من مجلس التأديب فيما لو قدّم إليه. وقد استدل على صحة رأيه هذا بأمرين: أوّلهما أن قانون المعاشات الجديد الصادر في 28 مايو سنة 1929 راعى في المادة 20 (الخاصة بحق الموظف أو المستخدم الدائم في المعاش عند رفته بسبب إلغاء الوظيفة أو الوفر أو بأمر ملكي أو بقرار خاص من مجلس الوزراء) ما سبقه من تشريع استثنائي فنص على حالة الموظفين الذين يرفتون بأمر ملكي، ولم ينص على حالة الفصل بقرار من وزير الخارجية. ولو كان الشارع قد أراد عند إصدار قانون النظام القنصلي أن يكون لقرار وزير الخارجية ما للأمر الملكي من أثر لنص على ذلك صراحة في قانون المعاشات، وقد صدر هذا القانون بعد قانون النظام القنصلي. الأمر الثاني أن الحكومة لجأت في عزلها أحد أمناء المحفوظات ببعض القنصليات إلى مجلس الوزراء، فاستصدرت قرارا بهذا العزل مع أن هذا الموظف أقل مرتبة من مأمور القنصلية. وقد ذهب الطاعن في تفسير المادة الثانية من قانون النظام القنصلي تفسيرا يتلاءم مع وجهة نظره فقال إن نصها القاضي بأن "يكون تعيين مأموري القنصليات وعزلهم بقرار من وزير الخارجية" ليس له من معنى سوى تنظيم شكل التعيين أو العزل بما يتفق مع القوانين المصرية. ذلك بأن يصدر مجلس الوزراء أو مجلس التأديب قرارا بالعزل ثم ينفذه وزير الخارجية بقرار يصدر منه.
ثانيا - أن الحكم المطعون فيه قد خالف المادة 103 من قانون المرافعات لأن الأسباب التي اشتمل عليها جاءت خالية من الردّ على رفض أحد الطلبات وهو صرف مرتب الطاعن من يوم فصله حتى تسلمه شهادة خلو الطرف، وكذا على ما تمسك به الطاعن من الأدلة والبراهين القاطعة في الدعوى أمام محكمة الاستئناف.
وحيث إن الحكم المطعون فيه رأى أن قرار وزير الخارجية الصادر بعزل الطاعن صحيح قانونا لصدوره من الوزير في حدود سلطته القانونية. وقد استند في ذلك إلى اعتبارات تتلخص فيما يأتي:
(أوّلا) أنه وإن كان يستفاد حقيقة من التشريع المصري المؤيد بقانون المعاشات رقم 5 الصادر في 15 أبريل سنة 1909 بالمادة 12 وبقانون المعاشات الأخير رقم 37 الصادر في 28 مايو سنة 1929 بالمادة 20 أن عزل الموظف في غير حالة التأديب يكون بقرار من مجلس الوزراء إلا أنه يجب أن تراعى مع ذلك نصوص القوانين الأخرى المتعلقة بذلك، ومنها قانون النظام القنصلي الذى جعل بمقتضى المادة الثانية منه تعيين مأمور القنصلية وعزله بقرار يصدر من وزير الخارجية دون حاجة إلى الالتجاء لمجلس الوزراء واستصدار قرار العزل منه. (ثانيا) أن المادة 2 آنفة الذكر إنما أرادت تقرير قاعدة عامة من حيث تعيين وعزل القناصل ومأموري القنصليات، فجعلت ما يخص الطائفة الأولى بأمر ملكي، وما يخص الثانية بقرار وزاري، وبذلك خرجت الطائفتان بهذا النص من حكم القوانين السابقة التي جعلت أمر العزل بمعرفة مجلس الوزراء عند عدم الإحالة إلى مجلس التأديب. وهذا الاستثناء من القوانين واللوائح هو ما نصت عليه من طريق آخر المادة 4 من قانون النظام القنصلي. (ثالثا) أن العزل بأمر ملكي وبقرار من وزير الخارجية دون الحاجة إلى إجراءات التأديب المنوّه عنها بالمادة 28 وما يليها من القانون المتقدّم ذكره إنما أريد به المصلحة العامة لما يحف بموظفي القنصليات من الاعتبارات الخاصة والملابسات التي قد ترى الحكومة معها من المصلحة عدم الجهر بها من طريق المؤاخذة التأديبية. (رابعا) أن العزل المنصوص عليه في المادة 2 من قانون النظام القنصلي هو الفصل من الوظيفة بأمر ملكي أو بقرار من وزير الخارجية، وهو خلاف العزل التأديبي الآتي من طريق المحاكمة والوارد ذكره في المادة 33 من القانون ذاته. وإذا كانت النسخة العربية قد استعملت لفظا واحدا للفصل في الحالتين فان النسخة الفرنسية استعملت لكل نوع منهما اللفظ المناسب له لغة، فعبرت عن الفصل غير التأديبي بفعل (Liceneier)  ومعناه التسريح، وعن الفصل التأديبي بفعل (revoquer) ومعناه الإبعاد كعقوبة لأمر فيه مؤاخذة. ومتى كان مراد الشارع من استعمال لفظ العزل في المادة 2 هكذا ظاهرا فلا يؤثر فيه أن يكون هذا اللفظ هو ذاته الذى استعمله في المعنى الذى نصت عليه المادة 33، ومن جهة أخرى فانه لا يصح القول بجواز العزل على المعنى المتقدّم، معنى التسريح بأمر ملكي للقنصل، وعدم جوازه على هذا المعنى نفسه بقرار وزاري لمأمور القنصلية. إذ التفسير القويم للمادة 2 هو أن ينصرف حكمها العام - وهو عدم الالتجاء لمجلس الوزراء - إلى الفصل بكلتي الطريقتين. وسياق النص ينبئ بأن لكلتي الطريقتين، عزل القنصل بأمر ملكي وعزل مأمور القنصلية بقرار وزاري، اعتبارا واحدا (خامسا) أن الخروج في أمر عزل القناصل ومأموري القنصليات عن قاعدة الرجوع إلى مجلس الوزراء إنما اقتضته الظروف والملابسات المحيطة بالأنظمة القنصلية والتي رأى الشارع المصري مراعاتها عند وضعه النظام القنصلي للدولة.
وحيث إن هذه المحكمة تقرّ ما رأته محكمة الموضوع في تفسيرها نصوص قانون النظام القنصلي التي عرضت لها، وترى ما رأته في أن لوزير الخارجية بمقتضى المادتين 2 و4 من هذا القانون حق عزل مأمور القنصلية ذلك العزل الذى هو بمعنى الفصل المجرّد عن العقوبة دون الالتجاء في ذلك إلى مجلس الوزراء أو مجلس التأديب لما أوردته من الاعتبارات العديدة التي سبق ذكرها ملخصة من أسباب الحكم المطعون فيه. أما ما يقوله الطاعن من أن قانون المعاشات الجديد لم يشر في مادته العشرين إلى حق وزير الخارجية في العزل، كما أشار إليه الأمر الملكي، فلا تأثير له في نفاذ مفعول أحكام قانون النظام القنصلي باعتباره قانونا مستقلا صادرا بأحكام خاصة لطائفة من الموظفين يجب أن يعاملوا بمقتضاه. أما ما يقوله الطاعن من أن أمين المحفوظات بإحدى القنصليات قد عزل بقرار من مجلس الوزراء، وأنه، وهو أرقى من هذا الأمين مرتبة، يجب أن ينال نفس المعاملة فهو استشهاد في غير محله، لأن الأمر هنا متعلق بمأمور قنصلية لا بأمين محفوظات، والمادة 2 من قانون النظام القنصلي تشمل المأمور بصريح النص.
وحيث إنه بالنسبة لما يزعمه الطاعن من عدم تسبيب الحكم المطعون فيه في خصوص رفض محكمة الموضوع طلب المرتب من يوم الفصل حتى تسليم شهادة خلوّ الطرف فإن الحكم المطعون لم يقتصر على ما أورده هو من أسباب، بل استند أيضا إلى أسباب الحكم الابتدائي المؤيد به، وهذا الحكم لم تقدّم صورته حتى كان يتسنى الوقوف على ما يكون قد ذكره من أسباب عن رفض طلب المرتب إذ هو لم يكن طلبا جديدا أمام محكمة الاستئناف، بل كان من ضمن طلبات الطاعن التي طرحت للبحث لدى محكمة أوّل درجة وقضت برفضها. أما ما يزعمه الطاعن من خلو الحكم المطعون فيه من الردّ على حججه القاطعة، فإن كل ما ورد بمذكرته الشارحة لأوجه الطعن متعلقا بذلك لا يخرج عن الجدل في تفسير النصوص.
وبما أن محكمة الموضوع قد فسرت القانون التفسير الصحيح فقد قامت بما يجب عليها قانونا، وكان لها، والحالة هذه، أن تضرب صفحا عن كل ما أدلى به الطاعن تأييدا لوجهة نظره الخاطئة. وعلى أن الواقع هو أن محكمة الموضوع، بافاضتها في التفسير وإشارتها إلى النصوص المتعلقة بالعزل قديمها وحديثها واستطرادها إلى ذكر العوامل التي حدت بالشارع إلى معاملته بعض موظفي القنصليات في ذلك معاملة خاصة، قد ردّت على كل ما تمسك به الطاعن من حجج وقدّم من اعتراضات.