الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 يناير 2019

الطعن 21 لسنة 38 ق جلسة 13 / 12 / 1972 مكتب فني 23 ج 3 أحوال شخصية ق 215 ص 1377

جلسة 13 من ديسمبر سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ جودة أحمد غيث، وإبراهيم السعيد ذكرى، والدكتور محمد زكي عبد البر، وإسماعيل فرحات عثمان.

---------------

(215)
الطعن رقم 21 لسنة 38 ق "أحوال شخصية"

)أ) نقض. "إجراءات الطعن". أحوال شخصية.
وجوب إيداع الطاعن في مسائل الأحوال الشخصية صورة من الحكم المطعون فيه ومن الحكم الابتدائي الذي أحال إليه. يغنى عن ذلك أمر رئيس المحكمة بضم ملف الدعوى في الميعاد القانوني. علة ذلك.
(ب، ج) إثبات. "قواعد الإثبات الشرعية". أحوال شخصية.
(ب) الإثبات في مسائل الأحوال الشخصية. إجراءات الإثبات الشكلية. خضوعها لقانون المرافعات. قواعد الإثبات الموضوعية المتعلقة بالدليل. خضوعها لأحكام الشريعة الإسلامية.
(ج) الشهادة في المذهب الحنفي. شروط صحتها. تعلق الشهادة بحالة شخص من يسار أو فقر. كفاية تعريف الشاهد بهذا الشخص، دون غيره ممن لا تتصل به وقائع الشهادة.
(د، هـ) إثبات. "البينة". محكمة الموضوع.
(د) الترجيح بين البينات. من سلطة محكمة الموضوع.
(هـ) لا تثريب على المحكمة إن هي ذكرت عبارة "أفهمناه" عند توجيه سؤال للشاهد. علة ذلك.
(و) إثبات. "البينة". بطلان. "بطلان الإجراءات".
إرجاء المحكمة سماع شهود النفي لجلسة أخرى غير التي سمعت فيها شهود الإثبات، إذا حال دون سماعهم مانع. لا بطلان.
(ز) دعوى. "الخصوم في الدعوى". نيابة عامة. أحوال شخصية.
النيابة العامة تعتبر طرفاً أصلياً في قضايا الأحوال الشخصية التي لا تختص بها المحاكم الجزئية. ق 628 لسنة 1955. عدم سريان قواعد رد أعضاء النيابة عليها. جواز إبداء عضو النيابة رأيه أمام أول درجة، ثم أمام محكمة الاستئناف.

------------
1 - إنه وإن كان يتعين على من يطعن بطريق النقض في الأحكام المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية - وفقاً للفقرة الثانية من المادة 881 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات - رقم 77 لسنة 1949 والمادة 432 منه قبل تعديلها بالقانون رقم 401 لسنة 1955 والذى ألغى بموجب المادة 3/ 2 من قانون السلطة القضائية رقم 43 لسنة 1965 - أن يودع قلم كتاب محكمة النقض خلال ميعاد الطعن صورة من الحكم المطعون فيه، وصورة من الحكم الابتدائي إذا كان الحكم المطعون فيه قد أحال إليه في أسبابه، إلا أنه لما كان يبين من الاطلاع على الأوراق أن الطاعن تقدم يوم التقرير بالطعن بطلب ضم ملف الدعوى وأصدر السيد رئيس محكمة النقض أمراً في ذات اليوم - وقبل فوات ميعاد الطعن - بضم هذا الملف استعمالا للرخصة المخولة له بمقتضى المادة 882 من قانون المرافعات، وكان ضم ملف الدعوى بناء على أمر رئيس المحكمة في الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية من شأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يتيح للخصوم في الطعن تأييد وجهات نظرهم استناداً إلى ما حواه من مستندات أو أوراق، دون أن يحاج الطاعن في هذه الحالة بأنه لم يقدم في المواعيد التي حددها القانون المستندات المؤيدة لطعنه، لما كان ذلك فإن الدفع ببطلان الطعن يكون متعين الرفض.
2 - فرق المشرع في الإثبات - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض(1) - بين الدليل وإجراءات الدليل في مسائل الأحوال الشخصية، فأخضع إجراءات الإثبات كبيان الوقائع وكيفية التحقيق وسماع الشهود وغير ذلك من الإجراءات الشكلية لقانون المرافعات، أما قواعد الإثبات المتعلقة بذات الدليل كبيان الشروط الموضوعية اللازمة لصحته وبيان قوته وأثره القانوني، فقد أبقاها المشرع على حالتها، خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية.
3 - من شروط صحة أداء الشهادة في المذهب الحنفي، أن يكون الشاهد عالماً بالمشهود به، ذاكراً له وقت الأداء، فلو نسى المشهود به لم يجز له أن يشهد، وأن يكون المشهود به معلوماً حتى يتيسر القضاء به، ولا يكون كذلك إلا إذا وضح الشاهد للقاضي صاحب الحق ومن عليه الحق، ونفس الحق المشهود به، وعلى هذا إذا شهد الشهود على حاضر بعين حاضرة، وجب عليهم لأجل صحة شهادتهم أن يشيروا لثلاثة أشياء، المدعى والمدعى عليه والعين المدعاة، لأن الغرض التعريف، والإشارة أقوى سبل التعريف، وعند ذلك لا يلزم الشاهد أن يؤكد اسم المدعى أو المدعى عليه ولا نسبهما، لأنه لا يحتاج مع الإشارة إلى شيء آخر، فإن شهدوا على غائب أو ميت وجب ذكر ما يؤدى إلى التعريف به، ويبين من ذلك أنه يجب أن يكون الشاهد عالماً بالمدعى والمدعى عليه اللذين تتصل بهما وقائع الشهادة موضوع التحقيق، أما إذا كانت الشهادة تتعلق بحالة شخص من يسار أو فقر فلا يطلب من الشاهد إلا التعريف بهذا الشخص الذي تتصل به وقائع الشهادة المطلوب إثباتها. ولما كان الثابت أن محكمة أول درجة أحالت الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن أنه من ذوى الاستحقاق في ثلث الوقف أو أنه المستحق الوحيد لذلك الثلث لانطباق شرط الواقفة عليه بأنه لا يكسب قدر كفايته، ولا يوجد من تجب عليه نفقته شرعاً وذلك حتى تاريخ انتهاء الوقف على غير الخيرات، وصرحت المحكمة للمطعون عليهما الأولين بنفي ذلك. وكان المطلوب من شاهدي النفي الشهادة على حالة الطاعن على النحو المبين بالحكم، فلا محل للنعي على شهادتهما بالبطلان لأنهما قررا أنهما لا يعرفان المطعون عليهما، إذ لا يتعلق هذا الأمر بوقائع الشهادة موضوع التحقيق.
4 - لقاضي الدعوى سلطة الترجيح بين البينات واستظهار واقع الحال ووجه الحق فيها، وإذ كان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية رجحت أقوال شاهدي النفي على أقوال شاهدي الإثبات، فإن النعي يكون على غير أساس.
5 - ورود عبارة "أفهمناه" بسؤال وجهته محكمة أول درجة إلى شاهدي النفي. لا تنم عن تلقين أو توجيه للشاهد من المحكمة بالشهادة لصالح أحد الخصوم ولكن يقصد بها إحاطة الشاهد بموضوع الشهادة حتى لا يخرج بها عن الوقائع موضوع التحقيق.
6 - مؤدى نص المادة 194 من قانون المرافعات السابق أنه وإن كان الأصل سماع شهود النفي في نفس الجلسة التي سمع فيها شهود الإثبات، إلا أن هذا ليس أمراً حتماً يترتب على مخالفته البطلان، بل ترك المشرع تنظيمه للمحكمة التي تتولى إجراء التحقيق، فلها أن ترجئ سماع شهود النفي إلى جلسة أخرى غير التي سمعت فيها شهود الإثبات إذا حال دون سماعهم في نفس الجلسة مانع.
7 - أصبحت النيابة العامة بعد صدور القانون 628 لسنة 1955 طرفا أصليا في قضايا الأحوال الشخصية التي لا تختص بها المحاكم الجزئية، فيكون لها ما للخصوم من حقوق وعليها ما عليهم من واجبات، فلها أن تبدى الطلبات والدفوع وتباشر كافة الإجراءات التي يباشرها الخصوم، ولا تسرى عليها قواعد رد أعضاء النيابة، وهو ما يجوز معه أن يكون عضو النيابة الذي يبدى رأيه أمام محكمة أول درجة هو نفسه الذي يبدى رأيه أمام محكمة الاستئناف.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليهما الأولى والثانية أقامتا الدعوى رقم 62 سنة 1963 طنطا الابتدائية للأحوال الشخصية، وطلبتا الحكم ضد المطعون عليه الثالث وفى مواجهة مصلحة الشهر العقاري بثبوت ملكيتهما مناصفة بينهما لحصة قدرها 34 ف و20 ط و15.16 س شيوعاً في مساحة قدرها 125 ف و11 ط و21 س والتسليم، وقالتا بيانا للدعوى إنه بموجب حجة شرعية صدرت من محكمة الإسكندرية الشرعية بتاريخ 29/ 5/ 1927 وقفت المرحومة أوديل بشارة نابلس أطياناً زراعية مساحتها 154 ف و12 ط و8 س على نفسها مدة حياتها ثم من بعدها تكون وقفا على قسطنطين سعادة، ثم من بعده على زوجته إيلين نقولا جاهل، ثم من بعدها على أولاد قسطنطين سعادة المذكور، ثم على أولاد أولاده ذكورا وإناثا بالسوية بينهم، ثم على أولاد أولاد أولاده، ثم على ذريته ونسله إلى آخر ما جاء بكتاب الوقف، كما اشترطت الواقفة شروطاً من بينها أن يبدأ في كل سنة بعد حياتها بصرف ثلث صافى الغلة لمن يكون محتاجاً من أولاد خالها سليمان يعقوب جاهل، ومن أولاد خالتها السيدات آسية وهيلانة ومريم وسوسان بنات يعقوب جاهل، وشرطت أن المحتاج منهم هو من لا يكسب قدر كفايته وليس له أصل ولا فرع ولا أخ ولا أخت ولا زوج من الموسرين تجب نفقته عليه شرعاً، وأن يقدم الأحوج فالأحوج ولو كان من طبقة سفلى مع وجود طبقة عليا، وبتاريخ 21/ 10/ 1945 توفيت الواقفة فآل الاستحقاق إلى المرحوم قسطنطين سعادة الذي اختص بريع الوقف كله لعدم وجود مستحقين من أولاد خالها وخالتها المذكورين بكتاب الوقف، وظل الحال على ذلك إلى أن صدر القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء الوقف على غير الخيرات بتاريخ 14/ 9/ 1952 فآلت ملكية الأطيان الموقوفة بمقتضى القانون الأخير إلى قسطنطين سعادة، وبتاريخ 9/ 2/ 1954 توفى الأخير فآل ثلث تركته إلى ابنتيه المطعون عليهما الأولى والثانية بموجب وصية حررها بتاريخ 12/ 9/ 1952 واختص الورثة بباقي التركة حسب الفريضة الشرعية، وبتاريخ 24/ 9/ 1956 توفيت والدتهما إيلين جاهل وانحصر ميراثها فيهما بحق الثلثين وفى أبناء عمهما نصرى وجورج وفضل الله جاهل - الطاعن - بحق الثلث، وإذ لم تشهر قائمة حل الوقف إلا بالنسبة لثلثي الأطيان وقدرها 83 ف و15 ط و23 س، وكان المطعون عليه الثالث ينازعهما في ملكيتهما للجزء الباقي من الأطيان فقد أقامتا الدعوى بطلباتهما سالفة البيان، وبجلسة 22/ 1/ 1963 طلب كل من الطاعن ونصرى وجورج قسطنطين جاهل دخولهم خصوماً في الدعوى استناداً إلى أنهم يملكون الأطيان المتنازع عليها لانطباق شرط الواقفة عليهم، وبتاريخ 17/ 1/ 1965 حكمت المحكمة بقبول الطاعن خصماً في الدعوى ورفضت تدخل الآخرين. وكان الطاعن قد رفع الدعوى رقم 94 سنة 1963 طنطا الابتدائية للأحوال الشخصية ضد المطعون عليهم طالباً الحكم باستحقاقه لثلث الأطيان الموقوفة وتسليمه نصيبه فيها وقدره 41 ف و91 ط و23 س، وبأن يؤدوا له ريع ذلك النصيب وقدره 1000 ج في السنة، تأسيسا على أنه ابن هيلانة يعقوب خالة الواقفة وكان وقت وفاتها هو المحتاج الوحيد، من أولاد وذرية ونسل خالها وخالتها المذكورين بكتاب الوقف، وأنه لا يوجد من تجب عليه نفقته شرعاً فانطبق عليه وحده شرط الواقفة، واستمر كذلك حتى يوم 14/ 9/ 1952 تاريخ العمل بالمرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952. قررت المحكمة ضم الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد، وبتاريخ 6/ 3/ 1966 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن مدعاه، وبعد أن سمعت المحكمة شهود الطرفين عادت وبتاريخ 16/ 1/ 1968 فحكمت في الدعوى رقم 62 سنة 1963 بطلبات المطعون عليهما الأولى والثانية، وفى الدعوى رقم 94 سنة 1963 برفضها. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 5 سنة 18 ق أحوال شخصية طنطا، وبتاريخ 6/ 5/ 1968 حكمت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. ودفعت المطعون عليها الأولى ببطلان الطعن لأن الطاعن لم يودع خلال الميعاد القانوني صورة رسمية من الحكم المطعون فيه ومن الحكم الابتدائي. وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الدفع وفى الموضوع برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الدفع ببطلان الطعن في غير محله، ذلك أنه وإن كان يتعين على من يطعن بطريق النقض في الأحكام المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية - وفقاً للفقرة الثانية من المادة 881 من الكتاب الرابع من قانون المرافعات رقم 77 لسنة 1949 والمادة 432 منه قبل تعديلها بالقانون رقم 401 لسنة 1955 والذى ألغى بموجب المادة 3/ 2 من قانون السلطة القضائية رقم 43 لسنة 1965- أن يودع قلم كتاب محكمة النقض خلال ميعاد الطعن صورة من الحكم المطعون فيه وصورة من الحكم الابتدائي إذا كان الحكم المطعون فيه قد أحال إليه في أسبابه، إلا أنه لما كان يبين من الاطلاع على الأوراق أن الطاعن تقدم يوم التقرير بالطعن بطلب ضم ملف الدعوى وأصدر السيد رئيس محكمة النقض أمراً في ذات اليوم - وقبل فوات ميعاد الطعن - بضم هذا الملف استعمالاً للرخصة المخولة له بمقتضى المادة 882 من قانون المرافعات، وكان ضم ملف الدعوى بناء على أمر رئيس المحكمة في الدعاوى المتعلقة بالأحوال الشخصية من شأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يتيح للخصوم في الطعن تأييد وجهات نظرهم استناداً إلى ما حواه من مستندات أو أوراق دون أن يحاج الطاعن في هذه الحالة بأنه لم يقدم في المواعيد التي حددها القانون المستندات المؤيدة لطعنه. لما كان ذلك فإن الدفع ببطلان الطعن يكون متعين الرفض.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه البطلان ومخالفة القانون من أربعة وجوه (أولاً) أن الحكم أهدر شهادة شاهدي الطاعن التي أثبتت أن شرط استحقاق الطاعن في الوقف كان متحققاً مع أنها صحيحة شرعاً، وأقام الحكم قضاءه على شهادة شاهدي المطعون عليهما الأولى والثانية رغم بطلانهما لأنهما قررا أنهما يعرفان الطاعن فقط دون المطعون عليهما، ومن المقرر شرعاً أن الشهادة تبطل إذا لم يعرف الشاهد كلاً من المشهود له والمشهود عليه (ثانياً) أن محكمة أول درجة تحدثت مع شاهد النفي سمعان جورجي شلفون في موضوع الدعوى بما يعتبر تلقينا له، وهو أمر غير جائز شرعاً، ذلك أنها أثبتت في محضر التحقيق عبارة "أفهمناه" بعد أن سألته عن معلوماته عن استحقاق الطاعن، مما مفاده أنها استعرضت للشاهد وقائع الدعوى وأفهمته إياها، وإذ يستفيد الشاهد من هذا التلقين والتوجيه أن اتجاه المحكمة يسير في صالح المطعون عليهما الأولين فتقوى عنده فكرة نفى الوقائع التي يدعيها الطاعن، وإذ عول الحكم المطعون فيه على أقوال الشاهد المذكور فإنه يكون معيباً بالإخلال بحق الدفاع ومخالفة القانون (ثالثاً) أن محكمة أول درجة خالفت نص المادة 194 من قانون المرافعات السابق التي تقضى بأن يسمع شهود الإثبات والنفى في جلسة واحدة إلا أذا أحال دون ذلك مانع، ذلك أنها سمعت شهود الطاعن بجلسة 8/ 5/ 1966 ثم سمعت شهود المطعون عليهما الأولين في جلسة تالية، وكان عليها أن تسمع شهود الطرفين في جلسة واحدة حتى لا تعرف المطعون عليهما الوقائع التي شهد بها شهود الإثبات فتعملان على نفيها (رابعاً) أن عضو النيابة العامة الذي أبدى رأيه أمام محكمة الاستئناف هو نفسه الذي أبدى الرأي أمام محكمة أول درجة، وهو ما لا يحقق العدالة ويستوجب بطلان الحكم لأن عضو النيابة شأنه في ذلك شأن القاضي.
وحيث إن النعى في وجهه الأول مردود، ذلك أنه لما كان المشرع قد فرق في الإثبات - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - بين الدليل وإجراءات الدليل في مسائل الأحوال الشخصية فأخضع إجراءات الإثبات كبيان الوقائع وكيفية التحقيق وسماع الشهود وغير ذلك من الإجراءات الشكلية لقانون المرافعات، أما قواعد الإثبات المتعلقة بذات الدليل كبيان الشروط الموضوعية اللازمة لصحته وبيان قوته وأثره القانوني، فقد أبقاها المشرع على حالها خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية، وكان من شروط صحة أداء الشهادة في المذهب الحنفي أن يكون الشاهد عالما بالمشهود به ذاكراً له وقت الأداء فلو نسى المشهود به لم يجز له أن يشهد، وأن يكون المشهود به معلوماً حتى يتيسر القضاء به، ولا يكون كذلك إلا إذا وضح الشاهد للقاضي صاحب الحق ومن عليه الحق ونفس الحق المشهود به، وعلى هذا إذا شهد الشهود على حاضر بعين حاضرة وجب عليهم لأجل صحة شهادتهم أن يشيروا لثلاثة أشياء، المدعى والمدعى عليه والعين المدعاة، لأن الغرض التعريف، الإشارة أقوى سبل التعريف، وعند ذلك لا يلزم الشاهد أن يذكر اسم المدعى أو المدعى عليه ولا نسبهما لأنه لا يحتاج مع الإشارة إلى شيء آخر، فإن شهدوا على غائب أو ميت وجب ذكر ما يؤدى إلى التعريف به، وكان يبين من ذلك أنه يجب أن يكون الشاهد عالماً بالمدعى والمدعى عليه اللذين تتصل بهما وقائع الشهادة موضوع التحقيق، أما إذا كانت الشهادة تتعلق بحالة شخص من يسار أو فقر فلا يطلب من الشاهد إلا التعريف بهذا الشخص الذي تتصل به وقائع الشهادة المطلوب إثباتها، ولما كان الثابت أن محكمة أول درجة أحالت الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن أنه من ذوى الاستحقاق في ثلث الوقف أو أنه المستحق الوحيد لذلك الثلث لانطباق شرط الواقفة عليه بأنه لا يكسب قدر كفايته ولا يوجد من تجب عليه نفقته شرعاً وذلك حتى يوم 14/ 9/ 1952 تاريخ انتهاء الوقف على غير الخيرات، وصرحت المحكمة للمطعون عليهما الأولين بنفي ذلك، وكان المطلوب من شاهدي النفي الشهادة على حالة الطاعن على النحو المبين بالحكم، فلا محل للنعي على شهادتهما بالبطلان لأنهما قررا أنهما لا يعرفان المطعون عليهما، إذ لا يتعلق هذا الأمر بوقائع الشهادة موضوع التحقيق. لما كان ذلك، وكان لقاضى الدعوى سلطة الترجيح بين البينات واستظهار واقع الحال ووجه الحق فيها، وكان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة في حدود سلطتها الموضوعية رجحت أقوال شاهدي النفي على أقوال شاهدي الإثبات، فإن النعي على الحكم بمخالفة القانون بهذا الخصوص يكون على غير أساس. والنعي في وجهه الثاني في غير محله، ذلك أن عبارة "أفهمناه" الواردة بسؤال وجهته محكمة أول درجة إلى شاهد النفي سمعان جورجي شلقون لا تنم عن تلقين أو توجيه للشاهد من المحكمة بالشهادة لصالح أحد الخصوم، ولكن يقصد بها إحاطة الشاهد بموضوع الشهادة حتى لا يخرج بها عن الوقائع موضوع التحقيق. والنعي في وجهه الثالث غير سديد، ذلك أن النص في الفقرة الأولى من المادة 194 من قانون المرافعات السابق على أن "يستمر التحقيق إلى أن يتم سماع جميع شهود الإثبات والنفي في الميعاد، ويجرى سماع شهود النفي في نفس الجلسة التي سمعت فيها شهود الإثبات إلا إذا حال دون ذلك مانع"، يدل على أنه وإن كان الأصل سماع شهود النفي في نفس الجلسة التي سمع فيها شهود الإثبات إلا أن هذا ليس أمراً حتماً يترتب على مخالفته البطلان، بل ترك المشرع تنظيمه للمحكمة التي تتولى إجراء التحقيق، فلها أن ترجئ سماع شهود النفي إلى جلسة أخرى غير التي سمعت فيها شهود الإثبات إذا حال دون سماعهم في نفس الجلسة مانع. لما كان ذلك، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بمخالفة القانون لعدم سماع شهود النفي في نفس الجلسة التي سمع فيها شهود الإثبات يكون في غير محله. والنعي في الوجه الرابع مردود بأنه بعد صدور القانون رقم 628 لسنة 1955 أصبحت النيابة العامة طرفاً أصلياً في قضايا الأحوال الشخصية التي لا تختص بها المحاكم الجزئية، فيكون لها ما للخصوم من حقوق وعليها ما عليهم من واجبات، فلها أن تبدى الطلبات والدفوع وتباشر كافة الإجراءات التي يباشرها الخصوم ولا تسرى عليها قواعد رد أعضاء النيابة، وهو ما يجوز معه أن يكون عضو النيابة الذي يبدى رأيه أمام محكمة أول درجة هو نفسه الذي يبدى رأيه أمام محكمة الاستئناف. لما كان ذلك، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بالبطلان لهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


 (1)نقض 2/ 1/ 1963 مجموعة المكتب الفني السنة 14 صـ 32.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق