جلسة 12 من مايو سنة 2013
برئاسة السيد القاضي / أحـمد علي عبد الرحمن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / السعيد برغوث ، توفيق سليم وأشرف محمد مسعد نواب رئيس المحكمة وأحمد رضوان .
--------
(85)
الطعن 12808 لسنة 82 ق
(1) حكم " بيانات حكم الإدانة " " تسبيبه . تسبيب
معيب " . قصد جنائي . غسل أموال .
وجوب ألا يشوب الحكم إجمال أو إبهام يتعذر معه تبين مدى
صحته من فساده . متى يكون كذلك ؟
إغفال الحكم الصادر بالإدانة في جريمة غسل الأموال بيان
أفعال الجريمة وتاريخها وحجم الأموال وتحديد الخاضع منها لعمليات بنكية معقدة وحصر
الشركات الوهمية المؤسسة في الداخل والخارج ومدى العقاب على تلك الجريمة في الخارج
وعدم بيان علاقة السببية والركن المعنوي للجريمة . قصور .
مثال لتسبيب معيب في جريمة غسل أموال .
(2) قصد جنائي . غسل أموال . حكم " تسبيبه .
تسبيب معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما يقبل منها " .
القصد الجنائي في جريمة غسل الأموال . العام : هو علم الجاني بأركان الجريمة
وقت ارتكابها . الخاص : هو نية إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو
صاحب الحق فيه أو تغيير حقيقته . وجوب استظهار الحكم له والتدليل عليه . متى كان
محل منازعة . أساس ذلك ؟
مثال لتدليل غير سائغ على
توافر القصد الجنائي في جريمة غسل أموال .
(3) دعوى جنائية " وقفها " . دفوع "
الدفع بالإيقاف " . غسل أموال . جريمة " أركانها " . قانون "
تفسيره " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " .
المادتان الأولى/ب والثانية من القانون 80 لسنة 2002 بإصدار قانون مكافحة
غسل الأموال المعدل . مفادهما ؟
إثبات جريمة مصدر المال
غير المشروع بحكم بات . شرط مفترض في جريمة غسل الأموال . معيار كفاية الدلائل
على وقوع جريمة المصدر يتنافى ومبدأ الشرعية الجنائية . وجوب تربص المحكمة التي
تنظر جريمة غسل الأموال إلى أن يتم الفصل في تلك الجريمة بحكم بات . مخالفة الحكم
المطعون فيه هذا النظر . خطأ في تطبيق القانون . أساس وعلة ذلك ؟
مثال .
(4) جريمة " أنواعها "
" الجريمة المستمرة " " الجريمة الوقتية " . بطلان. غرامة.
قانون "سريانه " . حكم " ما
يعيبه في نطاق التدليل".
التناقض الذي يعيب الحكم ويبطله . ماهيته ؟
معيار
التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة ؟
اختلاف طبيعة جريمة غسل الأموال
بحسب صورة السلوك الإجرامي الذي اقترفه المتهم .
اتخاذ جريمة غسل الأموال صورة أفعال تتم وتنتهي في لحظة
واحدة . أثره : اعتبارها جريمة وقتية . لا ينال من ذلك الاستعداد لمقارفة تلك
الأفعال في فترة زمنية سابقة على ارتكابها واستمرار آثارها الجنائية في فترة لاحقة
. علة ذلك ؟
محاسبة الطاعن عن وقائع سابقة على سريان قانون غسل
الأموال وحدثت في تاريخ سابق على التاريخ الذي حدده الحكم المطعون فيه للوقائع
التي دانه عنها . انسحاب أثر ذلك إلى تحديد مقدار الغرامة الأصلية والإضافية
المقضي بها . أثر ذلك ؟
مثال لما يعد تناقضاً في الحكم في جريمة غسل أموال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـــ لما كان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في
قوله " .... أن المتهم المذكور في خلال الفترة من عام 2003 حتى عام 2011 قام
بغسل أموال قيمتها ما يزيد عن ستة مليارات جنيه متحصله من نشاطه الإجرامي في
الجريمة الأولية " التربح والاستيلاء على المال العام " موضوع الجناية
.... ، والذى يتمثل في استحواذ المتهم بغير حق بمشاركة موظفين عموميين اتفاقًا
ومساعدةً تارة وفاعلاً أصلياً بصفته موظفاً عمومياً تارة أخرى على زيادة حصته في
أسهم الشركة .... التي تساهم فيها الدولة وتخضع لرقابتها من 3.98 % إلى 20.89 % من
خلال قصر حق الأولوية في الاكتتاب في زيادة رأسمال الشركة على نفسه وتخصيصها
بالكامل باسم شركته .... دون باقي المساهمين واستغلال نفوذه بصفته رئيس مجلس إدارة
شركة .... خلال الفترة من 2003 حتى عام 2005 بعقد جمعية عمومية وتخفيض رأسمال
الشركة على خلاف الحقيقة مما نتج عنه أن تصبح حصته مدفوعة بالكامل .... وعلى الرغم
من امتناعه عن سداد كامل قيمة مقدم ثمن الأسهم التي استولى عليها ، من علاوة
ومصاريف إصدار وعن سداد الغرامة المستحقة عن تأخره في سداد القسطين الأول والثاني
من قيمتها في التاريخ المحدد للسداد .... وخلال الفترة المذكورة أيضاً قام من خلال
مجموعة شركاته بالاستحواذ على نسبة 29.38 % من أسهم شركة .... للصلب بشرائه أسهم
المساهمين القدامى بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية فضلاً عن قيامه بتنفيذ عمليات
مبادلة بين أسهم شركة .... وأسهم شركته الأصلية تحايلاً على القانون رقم 95 لسنة
1992 المنظم للعمل بسوق رأس المال أثناء فترة الحظر القانوني لتداول الأسهم مما
ترتب عليه رفع نسبة تملكه في شركة .... للصلب إلى 50.27 % والتي تربح من خلالها ما
يزيد عن ستة مليارات جنيه ، وقد اتبع التفانين والحيل وألبسها رداء المكر والخديعة
لتطهير هذا المبلغ وغسله بقصد إخفاء حقيقته وإظهاره وكأنه متولد من عمل مشروع ، فولى
وجهه شطر المصارف بالداخل والخارج والتي بدت من خلال عمليات إيداع وسحب وربط ودائع وتحويلات لحسابات خاصة به
واستبدالها بعملات وطنية ثم بأخرى أجنبية ، وبإصدار شيكات لشركات مختلفة
تعمل في مجال تجارة السيارات والمقاولات والعقارات وتأسيس عدد من الشركات الوهمية
بالداخل والخارج والتي لم تمارس أي نشاطاً تجارياً فعلياً وفقاً للغرض من تأسيسها
وبدت من القوائم المالية أنها حققت أرباحاً بالملايين .... وإمعاناً منه في إضفاء
صفة المشروعية على هذا المال الملوث وحتى يسهل التعامل معه قام بضخ جزء منه في
شركات قائمة له بالفعل لزيادة أصولها وتدويرها في أنشطتها التجارية ومزجها بأموال
تلك الأنشطة .... وقد تمكن من خلال هذه التصرفات الشيطانية من غسل الأموال
المستولى عليها من جريمته الأولية المار بيانها ". لما كان ذلك ، وكان من
المقرر أنه يتعين ألا يكون الحكم مشوباً بإجمال أو إبهام مما يتعذر معه تبين مدى
صحة الحكم من فساده في التطبيق القانوني على واقعة الدعوى ، وهو يكون كذلك كلما
جاءت أسبابه مجملة أو غامضة فيما أثبتته أو نفته من وقائع سواء كانت متعلقة ببيان
توافر أركان الجريمة أو ظروفها أو كانت بصدد الرد على أوجه الدفاع الهامة أو
الدفوع الجوهرية أو كانت متصلة بعناصر الإدانة على وجه العموم أو كانت أسبابه
يشوبها الاضطراب الذى ينبئ عن اختلال فكرته من حيث تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر
الواقعة مما لا يمكن معه استخلاص مقوماته سواء ما تعلق منها بواقعة الدعوى أو
بالتطبيق القانوني ويُعجز بالتالي محكمة النقض عن إعمال رقابتها على الوجه الصحيح
. لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة الدعوى لم يبين الأفعال
التي تم بها غسل الأموال ، وتاريخ كل فعل من تلك الأفعال ، وحجم الأموال التي تم
غسلها في كل فعل ، والفترة الزمنية التي تم فيها غسل الأموال ، ومقدار كل جزء من
المال الذى أخضعه الطاعن لعمليات بنكية معقدة ، وكذلك عمليات الاستبدال والتحويلات
المصرفية ، والعقارات والمنقولات التي اشتراها من تلك الأموال ، وكذلك الشركات
الوهمية التي تم تأسيسها بالداخل والخارج حصراً ، كما لم يبين نتائج الأفعال التي
دان الطاعن بها ، وعلاقة السببية بين تلك الأفعال ونتائجها القانونية ، ولم يبين
أفعال الغسل التي تمت داخل جمهورية مصر العربية وتلك التي تمت خارجها ، وعما إذا كانت الأفعال التي تمت في الخارج قد تمت في دول
تعاقب على جريمة غسل الأموال من عدمه ، كما أن الحكم اقتصر في بيانه لواقعة
الدعوى على الحديث عن الأفعال المادية التي قارفها الطاعن ، وأغفل الحديث عن الركن
المعنوي ، كما لم يحدد على وجه الضبط المبالغ محل الجريمة التي ربط لها الشارع
عقوبة تعادل مثلي الأموال كغرامة ، كما خلا من بيان ما إذا كان قد صدر في جريمة
المصدر حكماً من عدمه الأمر الذى ينبئ عن اختلال فكرة الحكم عن عناصر الواقعة وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة
الاستقرار الذى يجعلها في حكم الوقائع الثابتة ، الأمر الذى يتعذر معه على
محكمة النقض تبين مدى صحة الحكم من فساده .
2ـــ لما كانت المادة الثانية من القانون رقم 80 لسنة
2002 بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال المعدل بالقانونين رقمي 78 لسنة 2003 ، 181
لسنة 2008 تنص على أنه " يحظر غسل الأموال المتحصلة .... والجرائم المنصوص
عليها في الأبواب الأول والثاني والثالث والرابع والخامس عشر والسادس عشر من
الكتاب الثاني من قانون العقوبات .... إلخ وذلك سواء وقعت جريمة غسل الأموال أو
الجرائم المذكورة في الداخل أو الخارج بشرط أن يكون معاقباً عليها في كلا
القانونين المصري والأجنبي " ، ونصت المادة الأولى/ب من هذا القانون على أن
" معنى غسل الأموال هو: كل سلوك ينطوي على اكتساب أموال ، أو حيازتها ،
أو التصرف فيها ، أو إدارتها ، أو حفظها ، أو استبدالها ، أو إيداعها ، أو ضمانها
، أو استثمارها ، أو نقلها ، أو تحويلها ، أو التلاعب في قيمتها ، إذا كانت متحصلة
من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون مع العلم
بذلك ، متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال أو تمويه طبيعتــــه أو مصدره أو
مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه ، أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو
عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال " . لما كـان ذلك
، وكان القصد الجنائي في الجريمة التي دين الطاعن بها يقتضى علم الجاني وقت ارتكاب
الجريمة علماً يقينياً بتوافر أركانها ومنها القصد الجنائي ، فإذا ما نازع المتهم
في توافر هذا القصد كان لزاماً على المحكمة استظهاره استظهاراً كافياً ، كما أنه
من المستقر عليه قضاءً أن جريمة غسل الأموال تستلزم فضلاً عن القصد الجنائي العام
قصدًا خاصًا وهو نية إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحب الحق
فيه أو تغيير حقيقته - على نحو ما سلف بيانه - مما يتعين معه على الحكم استظهاره صراحة وإيراد الدليل على توافره متى
كان محل منازعة من الجاني . لما كان ذلك ، وكان الطاعن قد أنكر التهمة المسندة إليه ، ونازع في توافر القصد الجنائي
بشقيه - العام والخاص - في حقه ، وكان القدر الذى أورده الحكم المطعون فيه
في مدوناته على سبيل التدليل على توافر أركان جريمة غسل الأموال عموماً ومنها
القصد الجنائي في حق الطاعـن لا يكفى لتوافر القصد الجنائي بشقيه في حقه ولا يسوغ
الاستدلال به ، إذ اكتفى في ذلك بعبارات عامة
مجملة لا يبين منها حقيقة مقصود الحكم في شأن الواقع المعروض الذى هو مدار الأحكام ولا يتحقق بها الغرض
الذى قصده الشارع من استيجاب تسبيبها .
3ـــ لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه
قد عرض لدفاع الطاعن بطلب وقف دعوى غسل الأموال لحين صيرورة الحكم الصادر ضد
المتهم – الطاعن – بتاريخ 15/9/2011 في القضية .... باتاً ، ولحين صدور حكم في
القضية .... وصيرورته باتاً واطرحه ورد عليه بقوله " بأن نص المادة 222 من
قانون الإجراءات الجنائية قد جرى على أنه إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى
وجب وقف الأولى حتى يتم الفصل في الثانية ويشترط لحق الإيقاف الوجوبي شرطان
الأول : أن تكون الخصومة الجنائية المراد وقفها قائمة أمام قضاء الحكم ، وثانيهما
: أن توجد خصومة جنائية أخرى لها أسبقية قانونية على الخصومة المراد وقفها ، ويراد
بالأسبقية القانونية أن يكون الفصل فيها أمراً أساسياً للفصل في الخصومة موضوع
البحث لاتصاله بأحد أركان الجريمة . لما كان ذلك ، وكانت جريمة غسل الأموال جريمة
قائمة بذاتها لا ترتبط بجريمة المصدر وجوداً وعدماً بل يكفى في جريمة المصدر أن
يتوافر النموذج القانوني للجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية من قانون غسل
الأموال ولا يشترط فيها حكم بالإدانة أو بالبراءة بل تقوم جريمة غسل الأموال رغم
صدور حكم بالبراءة لسبب أو لآخر في جريمة المصدر ، ومن ثم يضحى التربص لحين صدور
حكم في الجريمة الأولى - جريمة المصدر - وصيرورته باتاً غير ذي أثر في جريمة غسل
الأموال التي نحن بصددها ، ومن ثم يكون طلب وقف هذه الدعوى لحين صدور حكم في
الجريمة الأولية لا يصادف صحيح القانون ويتعين الالتفات عنه " وهو رد غير
سائغ ويخالف القانون ، فقد نصت المادة الثانية من القانون رقم 80 لسنة 2002 بإصدار
قانون مكافحة غسل الأموال المعدل بالقانونين رقمي 78 لسنة 2003 ، 181 لسنة 2008
على أنه " يحظر غسل الأموال المتحصلة من .... والجرائم المنصوص عليها في
الأبواب الأول والثاني والثالث والرابع
والخامس عشر والسادس عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ، .... وذلك
كله سواء وقعت جريمة غسل الأموال أو الجرائم المذكورة في الداخل أو في الخارج بشرط
أن يكون معاقباً عليها في كلا القانونين المصري والأجنبي " ، كما نصت المادة
الأولى/ ب من هذا القانون على أن " معنى - غسل الأموال - هو كل سلوك ينطوي
على اكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو
إيداعها أو ضمانها أو استثمارها أو نقلها أو تحويلها أو التلاعب في قيمتها إذا
كانت متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون مع
العلم بذلك ، متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره
أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك
أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال " ومفاد هذين
النصين في واضح عبارتهما وصريح دلالتهما أن المشرع المصري في قانون مكافحة غسل
الأموال لم يبين طريقة إثبات الجريمة " مصدر المال " وكانت تلك الجريمة
الأخيرة تعد شرطاً مفترضاً في جريمة غسل الأموال ، وترتبط معها ارتباطاً وثيقاً بل
وتدور معها وجوداً وعدماً ، فلا مجال للحديث عن جريمة غسل الأموال ما لم توجد
أموال متحصلة من مصدر غير مشروع ويشكل جريمة ، ولذلك يجب إذا لم تكن هناك دعوى
جنائية مرفوعة بشأن جريمة المصدر أن تتولى المحكمة التي تنظر جريمة غسل الأموال
إثبات جريمة المصدر أولاً ثبوتاً يقينياً لأنها شرطاً مفترضاً في جريمة غسل
الأموال أما إذا كانت الدعوى الجنائية قد رفعت بشأن جريمة المصدر فيجب على المحكمة
التي تنظر دعوى غسل الأموال أن تتربص حتى يصدر فيها حكماً باتاً ؛ لأن القاعدة أن
الحكم الذى يفصل في مسألة أولية تكون له الحجية أمام المحكمة الجنائية حتى ولو مع
عدم توافر وحدة الخصوم وفي هذه الحالة - الأخيرة - فيجب وفقًا لنص المادة 222 من
قانون الإجراءات الجنائية وقف دعوى غسل الأموال وتتربص المحكمة إلى أن يتم الحكم
في جريمة المصدر بحكم بات ؛ لأن القول بمعيار كفاية الدلائل على وقوع جريمة المصدر
بمجرد توافر النموذج القانوني هو معيار غير منضبط ويتنافى مع مبدأ الشرعية
الجنائية ويؤدى إلى نتائج غير مقبولة ومتناقضة في أحكام القضاء، ومن ثم يكون الحكم
المطعون فيه إذ لم يتربص إلى أن يصدر حكم جنائي بات في جريمة المصدر والقضاء بوقف
الدعوى يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يعيب الحكم .
4ـــ لما كان من
المستقر عليه قضاءً أن التناقض الذى يعيب الحكم ويبطله هو الذى يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض
الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ، والذى من شأنه أن يجعل الدليل
متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً لنتيجة سليمة يصح
الاعتماد عليها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد في بيانه لواقعة
الدعوى " أن المتهم - الطاعن - في خلال الفترة من 2003 حتى عام 2011 قام بغسل
أموال قيمتها ما يزيد عن ستة مليارات جنيه متحصلة من نشاطه الإجرامي في الجريمة الأولية - التربح والاستيلاء على المال العام - موضوع الجناية .... ثم عاد في معرض تحصيله
لمؤدى الأدلة التي صحت لديه على ثبوت الواقعة على الصورة التي اطمأن إليها وعول
على ما ثبت للمحكمة من اطلاعها على الصورة الرسمية للدعوى .... - الجريمة الأولية
- أنها مقيدة ضد المتهم - الطاعن - .... وآخرين لأنهم في خلال الفترة من سبتمبر
عام 1999 حتى عام 2011 اشتركا مع بعض المتهمين موظفين عموميين اتفاقاً ومساعدة في
الحصول لنفسه ولغيره بغير حق على ربح " ثم عاد وقضى في منطوقه بتغريم الطاعن
أصلياً اثنى عشر مليار وثمانمائة وثمانية
وخمسون مليون وأربعة وسبعين ألف جنيه وإضافياً مبلغ ستة مليارات وأربعمائة وتسعة
وعشرين مليون وسبعة وثلاثين ألف جنيه عن وقائع في الجريمة الأولية عن الفترة من
عام 1999 حتى عام 2011 ، وقضى برفض الدفع بأن الاتهام في قضية غسل الأموال تضمن
وقائع لا تخضع لقانون غسل الأموال على سند أن جريمة غسل الأموال جريمة مستمرة تسرى
على السلوك الإجرامي المستمر حتى وإن بدأ قبل سريان قانون غسل الأموال . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الفيصل في التمييز
بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة هو طبيعة الفعل المادي المكون للجريمة كما
عرفه القانون سواء أكان هذا الفعل إيجابياً أو سلبياً ارتكاباً أو تركاً ، فإذا
كانت الجريمة تتم وتنتهى بمجرد إتيان الفعل كانت وقتية أما إذا استمرت الحالة
الجنائية فترة من الزمن فتكون الجريمة مستمرة طوال هذه الفترة ، والعبرة في
الاستمرار هنا هو تدخل إرادة الجاني في الفعل المعاقب عليه تدخلاً متتابعاً متجدداً
، ولا عبرة بالزمن الذى يسبق هذا العمل في التهيؤ لارتكابه والاستعداد لمقارفته أو
بالزمن الذى يليه والذى تستمر آثاره الجنائية في أعقابه وتحديد الطبيعة القانونية
لجريمة غسل الأموال وهل هي جريمة وقتية أم جريمة مستمرة يعتمد على تحليل السلوك
الإجرامي الذى ارتكبه المتهم في الواقعة المطروحة على المحكمة طبقاً لنص المشرع ،
فإذا اتخذ السلوك الإجرامي صورة الإخفاء أو الحيازة أو النقل ، فإن هذه الأفعال
لها صفة الاستمرار إذ يستغرق تحققها فترة طويلة من الزمن كما أنها تستلزم تدخل
إرادة الجاني طوال فترة الاستمرار ، ومن ثم فهي جريمة مستمرة ، أما إذ اتخذ سلوك
المتهم الإجرامي صورة التعامل أو التحويل أو الإيداع فهي أفعال تتم وتنتهى في لحظة
واحدة ولا تتطلب تدخلاً لاحقاً من الجاني وبها تتحقق الجريمة ، ومن ثم فهي جريمة
وقتية . لما كان ذلك ، وكان السلوك الإجرامي الذى ارتكبه المتهم في الواقعة محل
الطعن يتمثل في الإيداع والسحب وربط ودائع وتحويلات واستبدال عملات محلية بعملات
أجنبية والعكس وإصدار شيكات وشراء عقارات وسيارات وتأسيس شركات وزيادة أصول شركات
قائمة ، ومن ثم فهي أفعال تتم وتنتهى في لحظة واحدة ولا تتطلب تدخلاً لاحقاً من
الجاني - الطاعن - ومن ثم فإن جريمة غسل الأموال في الدعوى المطروحة هي جريمة
وقتية ولا عبرة في هذا الشأن بالزمن الذى يسبق ارتكاب هذه الأفعال في التهيؤ
لارتكابها والاستعداد لمقارفتها ولا عبرة أيضاً بالزمن الذى يلى ارتكابها والذى
تستمر آثاره الجنائية في أعقابه لأنها لا تحتاج إلى تدخلاً متتابعاً متجدداً من
المتهم - الطاعن - لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد حدد تاريخ الوقائع
التي دان الطاعن عنها بأنها خلال الفترة من 2003 حتى 2011 ثم عاد وحاسبه عن وقائع حدثت منذ عام 1999 حتى عام 2011 بما لذلك
من أثر في الغرامة الأصلية والإضافية التي قضى بها وتحديد مقدارها تحديداً
دقيقاً ورد على دفاعه بأن الاتهام المسند إلى الطاعن تضمن وقائع سابقة على تاريخ
سريان قانون غسل الأموال في 23/5/2002 بما يخالف القانون ، فإن ذلك يكشف عن اختلال
فكرة الحكم عن عناصر الدعوى وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذى
يجعلها في حكم الوقائع الثابتة ، مما يعيب الحكم بالتناقض ويكون الأمر ليس مقصوراً
على مجرد خطأ مادى بل يتجاوزه إلى اضطراب ينبئ عن اختلال فكرة الحكم من حيث
تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر الواقعة ، مما يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة
تطبيق القانون على حقيقة الواقعة ، مما يعيب الحكم بالتخاذل والاضطراب والتناقض .
لما كان ما تقدم ، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة ، دون حاجة إلى بحث
باقي أوجه الطعن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة
الطاعن بأنه : ارتكب جريمة غسل أموال قيمتها - ستة مليارات وأربعمائة وتسعه وعشرين
مليون وسبعة وثلاثين ألف جنيه – والمتحصلة من جريمتي التربح والاستيلاء على المال
العام المنصوص عليهما في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات موضوع
القضيتين ....، .... بأن استثمر بعض من هذه الأموال في تأسيس العديد من الشركات
باسمه وزوجته/ .... وأنجاله/ .... و.... وقام بإيداع جزء من تلك الأموال في شركات
قائمة مملوكة له ولسالفي الذكر لزيادة رؤوس أموالها ولتطوير أنشطتها ، وأجرى
تحويلات من تلك الأموال من حساب شركاته إلى حساب شركة .... التي يديرها لدى البنك
.... واستبدل أيضاً جزءاً من تلك الأموال إلى ما يعادلها من عملة بالعملة الأجنبية
وأجرى عليها عدة تحويلات مصرفية للخارج إلى حساب شركة .... بسويسرا وأخرى إلى
حساباته الشخصية وحساب شركته .... لدى بنوك .... و.... بإنجلترا ، .... بسويسرا ،
.... بنك بإمارة .... بألمانيا ، كما أجرى تحويلات مصرفية لتلك الأموال بالداخل
بالعملة الوطنية والأجنبية بين حساباته الشخصية والمشتركة مع زوجته / .... لدى بنك
.... ، وتلقى على تلك الحسابات تحويلات مصرفية من حساباته الشخصية بالخارج ، وقام
بتحويل جانب من حصيلة أمواله موضوع جريمتي التربح والاستيلاء إلى أموال عقارية ومنقولة اشتراها باسمه وزوجته وأنجاله وشركاته
وربط ودائع بجزء منها وحاز المتبقي منها بحساباته وحسابات إحدى شركاته ....
وكان القصد من ذلك السلوك إخفاء حقيقة هذه الأموال وتمويه مصدرها وطبيعتها وإضفاء صفة المشروعية عليها والحيلولة دون
اكتشاف ذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
وأحالته
إلى محكمة جنايات .... لمحاكمته طبقا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة
.
وادعى / .... مدنياً
بمبلغ مائة ألف جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت ، كما ادعى أيضاً / ....
مدنياً بمبلغ أربعين ألف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت
حضورياً عمـلاً بالمواد 1/أ ، ب ، د ، 2 ، 14 ، 16 من
القانون رقم 80 لسنة 2002 بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال المعدل بالقانونين رقمي
78 لسنة 2003 ، 181 لسنة 2008 أولاً :ــــ بمعاقبته بالسجن لمدة سبع سنوات
وبتغريمه أصلياً مبلغ اثنى عشر مليار وثمانمائة وثمانية وخمسون مليون وأربعة
وسبعون ألف جنيه وإضافياً مبلغ ستة مليارات وأربعمائة وتسعة وعشرين مليون وسبعة وثلاثين ألف جنيه ، ثانياً :ــ في
الدعويين المدنيتين بعدم قبولهما وألزمت رافعيهما مصروفاتهما .
فطعن المحكوم عليه في
هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
من حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم
المطعون فيه أنه إذ دانه بجناية غسل الأموال قد
شابه التناقض والبطلان ، والقصور في التسبيب ، والفساد في الاستدلال وأخطأ في
تطبيق القانون ، ذلك بأن أسبابه جاءت مجملة وغامضة لا يبين منها ثبوت
الواقعة بأركانها القانونية ، ولم يدلل تدليلاً سائغاً على توافر القصد الجنائي في
حق الطاعن ، ورفض طلبه بوجوب وقف دعوى غسل الأموال حتى يتم الفصل في جريمة المصدر ، ورد على دفاعه في هذا الشأن رداً غير سائغ
ويخالف القانون ، كما خالف الحكم المطعون فيه قاعدة عدم رجعية القوانين
بمعاقبة الطاعن عن وقائع سابقة على تاريخ صدور قانون غسل الأموال ، كل ذلك مما
يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون
فيه حصل واقعة الدعوى في قوله " .... أن المتهم المذكور في خلال الفترة من
عام 2003 حتى عام 2011 قام بغسل أموال قيمتها ما يزيد عن ستة مليارات جنيه متحصله
من نشاطه الإجرامي في الجريمة الأولية " التربح والاستيلاء على المال العام
" موضوع الجناية .... ، والذى يتمثل في استحواذ المتهم بغير حق بمشاركة
موظفين عموميين اتفاقاً ومساعدةً تارة وفاعلاً أصلياً بصفته موظفاً عمومياً تارة
أخرى على زيادة حصته في أسهم الشركة .... التي تساهم فيها الدولة وتخضع لرقابتها
من 3.98 % إلى 20.89 % من خلال قصر حق الأولوية في الاكتتاب في زيادة رأسمال
الشركة على نفسه وتخصيصها بالكامل باسم شركته .... دون باقي المساهمين واستغلال
نفوذه بصفته رئيس مجلس إدارة شركة .... خلال الفترة من 2003 حتى عام 2005 بعقد
جمعية عمومية وتخفيض رأسمال الشركة على خلاف الحقيقة مما نتج عنه أن تصبح حصته
مدفوعة بالكامل .... وعلى الرغم من امتناعه عن سداد كامل قيمة مقدم ثمن الأسهم
التي استولى عليها ، من علاوة ومصاريف إصدار وعن سداد الغرامة المستحقة عن تأخره
في سداد القسطين الأول والثاني من قيمتها في التاريخ المحدد للسداد .... وخلال
الفترة المذكورة أيضاً قام من خلال مجموعة شركاته بالاستحواذ على نسبة 29.38 % من
أسهم شركة .... للصلب بشرائه أسهم المساهمين القدامى بقيمة أقل من قيمتها الحقيقية
فضلاً عن قيامه بتنفيذ عمليات مبادلة بين أسهم شركة .... وأسهم شركته الأصلية
تحايلاً على القانون رقم 95 لسنة 1992 المنظم للعمل بسوق رأس المال أثناء فترة
الحظر القانوني لتداول الأسهم مما ترتب عليه رفع نسبة تملكه في شركة .... للصلب
إلى 50.27 % والتي تربح من خلالها ما يزيد عن ستة مليارات جنيه ، وقد اتبع
التفانين والحيل وألبسها رداء المكر والخديعة لتطهير هذا المبلغ وغسله بقصد إخفاء
حقيقته وإظهاره وكأنه متولد من عمل مشروع ، فولى وجهه شطر المصارف بالداخل والخارج
والتي بدت من خلال عمليات إيداع وسحب وربط ودائع وتحويلات لحسابات خاصة به
واستبدالها بعملات وطنية ثم بأخرى أجنبية ، وبإصدار شيكات لشركات مختلفة تعمل في
مجال تجارة السيارات والمقاولات والعقارات وتأسيس عدد من الشركات الوهمية بالداخل
والخارج والتي لم تمارس أي نشاطاً تجارياً فعلياً وفقاً للغرض من تأسيسها وبدت من
القوائم المالية أنها حققت أرباحاً بالملايين .... وإمعاناً منه في إضفاء صفة
المشروعية على هذا المال الملوث وحتى يسهل التعامل معه قام بضخ جزء منه في شركات
قائمة له بالفعل لزيادة أصولها وتدويرها في
أنشطتها التجارية ومزجها بأموال تلك الأنشطة .... وقد تمكن من خلال هذه
التصرفات الشيطانية من غسل الأموال المستولى عليها من جريمته الأولية المار بيانها
". لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه يتعين ألا يكون الحكم مشوباً بإجمال أو
إبهام مما يتعذر معه تبين مدى صحة الحكم من فساده في التطبيق القانوني على واقعة
الدعوى ، وهو يكون كذلك كلما جاءت أسبابه مجملة أو غامضة فيما أثبتته أو نفته من
وقائع سواء كانت متعلقة ببيان توافر أركان الجريمة أو ظروفها أو كانت بصدد الرد
على أوجه الدفاع الهامة أو الدفوع الجوهرية أو كانت متصلة بعناصر الإدانة على وجه
العموم أو كانت أسبابه يشوبها الاضطراب الذى ينبئ عن اختلال فكرته من حيث تركيزها
في موضوع الدعوى وعناصر الواقعة مما لا يمكن معه استخلاص مقوماته سواء ما تعلق
منها بواقعة الدعوى أو بالتطبيق القانوني ويُعجز بالتالي محكمة النقض عن إعمال
رقابتها على الوجه الصحيح . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه في بيانه لواقعة
الدعوى لم يبين الأفعال التي تم بها غسل الأموال ، وتاريخ كل فعل من تلك الأفعال ،
وحجم الأموال التي تم غسلها في كل فعل ، والفترة الزمنية التي تم فيها غسل الأموال
، ومقدار كل جزء من المال الذى أخضعه الطاعن لعمليات بنكية معقدة ، وكذلك عمليات
الاستبدال والتحويلات المصرفية ، والعقارات والمنقولات التي اشتراها من تلك
الأموال ، وكذلك الشركات الوهمية التي تم تأسيسها بالداخل والخارج حصراً ، كما لم
يبين نتائج الأفعال التي دان الطاعن بها ، وعلاقة السببية بين تلك الأفعال
ونتائجها القانونية ، ولم يبين أفعال الغسل التي تمت داخل جمهورية مصر العربية
وتلك التي تمت خارجها ، وعما إذا كانت الأفعال التي تمت في الخارج قد تمت في دول
تعاقب على جريمة غسل الأموال من عدمه ، كما أن الحكم اقتصر في بيانه لواقعة الدعوى
على الحديث عن الأفعال المادية التي قارفها الطاعن ، وأغفل الحديث عن الركن
المعنوي ، كما لم يحدد على وجه الضبط المبالغ محل الجريمة التي ربط لها الشارع
عقوبة تعادل مثلي الأموال كغرامة ، كما خلا من بيان ما إذا كان قد صدر في جريمة
المصدر حكماً من عدمه الأمر الذى ينبئ عن اختلال فكرة الحكم عن عناصر الواقعة وعدم
استقرارها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذى يجعلها في حكم الوقائع الثابتة ، الأمر
الذى يتعذر معه على محكمة النقض تبين مدى صحة الحكم من فساده . لما كان ذلك ،
وكانت المادة الثانية من القانون رقم 80 لسنة 2002 بإصدار قانون مكافحة غسل
الأموال المعدل بالقانونين رقمي 78 لسنة 2003 ، 181 لسنة 2008 تنص على أنه "
يحظر غسل الأموال المتحصلة .... والجرائم المنصوص عليها في الأبواب الأول والثاني
والثالث والرابع والخامس عشر والسادس عشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ....
إلخ وذلك سواء وقعت جريمة غسل الأموال أو الجرائم المذكورة في الداخل أو الخارج
بشرط أن يكون معاقباً عليها في كلا القانونين المصري والأجنبي " ، ونصت
المادة الأولى/ب من هذا القانون على أن " معنى غسل الأموال هو: كل سلوك ينطوي
على اكتساب أموال ، أو حيازتها ، أو التصرف فيها ، أو إدارتها ، أو حفظها ، أو استبدالها ، أو إيداعها ، أو ضمانها ، أو
استثمارها ، أو نقلها ، أو تحويلها ، أو التلاعب في قيمتها، إذا كانت
متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية من هذا القانون مع
العلم بذلك ، متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو
مصدره أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه ، أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون
اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل منها المال " .
لما كـان ذلك ، وكان القصد الجنائي في الجريمة التي دين الطاعن بها يقتضى علم
الجاني وقت ارتكاب الجريمة علماً يقينياً بتوافر أركانها ومنها القصد الجنائي ،
فإذا ما نازع المتهم في توافر هذا القصد كان لزاماً على المحكمة استظهاره استظهاراً
كافياً ، كما أنه من المستقر عليه قضاءً أن جريمة غسل الأموال تستلزم فضلاً عن
القصد الجنائي العام قصداً خاصاً وهو نية إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحب الحق فيه أو تغيير
حقيقته - على نحو ما سلف بيانه - مما يتعين معه على الحكم استظهاره صراحة
وإيراد الدليل على توافره متى كان محل منازعة من الجاني . لما كان ذلك ، وكان
الطاعن قد أنكر التهمة المسندة إليه ، ونازع في توافر القصد الجنائي بشقيه - العام
والخاص - في حقه ، وكان القدر الذى أورده الحكم المطعون فيه في مدوناته على سبيل
التدليل على توافر أركان جريمة غسل الأموال عموماً ومنها القصد الجنائي في حق
الطاعـن لا يكفى لتوافر القصد الجنائي بشقيه في حقه ولا يسوغ الاستدلال به ، إذ
اكتفى في ذلك بعبارات عامة مجملة لا يبين منها حقيقة مقصود الحكم في شأن الواقع
المعروض الذى هو مدار الأحكام ولا يتحقق بها
الغرض الذى قصده الشارع من استيجاب تسبيبها . لما كان ذلك ، وكان الحكم
المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن بطلب وقف دعوى غسل الأموال لحين صيرورة الحكم
الصادر ضد المتهم – الطاعن – بتاريخ 15/9/2011 في القضية .... باتاً ، ولحين صدور
حكم في القضية .... وصيرورته باتاً واطرحه ورد عليه بقوله " بأن نص المادة
222 من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى على أنه إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية
يتوقف على نتيجة الفصل في دعوى جنائية أخرى وجب وقف الأولى حتى يتم الفصل في
الثانية ويشترط لحق الإيقاف الوجوبي شرطان الأول : أن تكون الخصومة الجنائية
المراد وقفها قائمة أمام قضاء الحكم ،
وثانيهما : أن توجد خصومة جنائية أخرى لها أسبقية قانونية على الخصومة المراد
وقفها ، ويراد بالأسبقية القانونية أن يكون الفصل فيها أمراً أساسياً للفصل
في الخصومة موضوع البحث لاتصاله بأحد أركان الجريمة . لما كان ذلك ، وكانت جريمة
غسل الأموال جريمة قائمة بذاتها لا ترتبط بجريمة المصدر وجوداً وعدماً بل يكفى في
جريمة المصدر أن يتوافر النموذج القانوني للجرائم المنصوص عليها في المادة الثانية
من قانون غسل الأموال ولا يشترط فيها حكم بالإدانة أو بالبراءة بل تقوم جريمة غسل
الأموال رغم صدور حكم بالبراءة لسبب أو لآخر في جريمة المصدر ، ومن ثم يضحى التربص
لحين صدور حكم في الجريمة الأولى - جريمة المصدر - وصيرورته باتاً غير ذي أثر في
جريمة غسل الأموال التي نحن بصددها ، ومن ثم يكون طلب وقف هذه الدعوى لحين صدور
حكم في الجريمة الأولية لا يصادف صحيح القانون ويتعين الالتفات عنه " وهو رد
غير سائغ ويخالف القانون ، فقد نصت المادة الثانية من القانون رقم 80 لسنة 2002
بإصدار قانون مكافحة غسل الأموال المعدل بالقانونين رقمي 78 لسنة 2003 ، 181 لسنة
2008 على أنه " يحظر غسل الأموال المتحصلة من .... والجرائم المنصوص عليها في
الأبواب الأول والثاني والثالث والرابع والخامس عشر والسادس عشر من الكتاب الثاني
من قانون العقوبات ، .... وذلك كله سواء وقعت جريمة غسل الأموال أو الجرائم
المذكورة في الداخل أو في الخارج بشرط أن يكون معاقباً عليها في كلا القانونين
المصري والأجنبي " ، كما نصت المادة الأولى/ ب من هذا القانون على أن "
معنى - غسل الأموال - هو كل سلوك ينطوي على اكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف
فيها أو إدارتها أو حفظها أو استبدالها أو إيداعها أو ضمانها أو استثمارها أو
نقلها أو تحويلها أو التلاعب في قيمتها إذا كانت متحصلة من جريمة من الجرائم
المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون مع العلم بذلك ، متى كان القصد من هذا
السلوك إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه
أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب
الجريمة المتحصل منها المال " ومفاد هذين النصين في واضح عبارتهما وصريح
دلالتهما أن المشرع المصري في قانون مكافحة غسل الأموال لم يبين طريقة إثبات
الجريمة " مصدر المال " وكانت تلك الجريمة الأخيرة تعد شرطاً مفترضاً في
جريمة غسل الأموال ، وترتبط معها ارتباطاً
وثيقاً بل وتدور معها وجوداً وعدماً ، فلا مجال للحديث عن جريمة غسل الأموال
ما لم توجد أموال متحصلة من مصدر غير مشروع ويشكل جريمة ، ولذلك يجب إذا لم تكن
هناك دعوى جنائية مرفوعة بشأن جريمة المصدر أن تتولى المحكمة التي تنظر جريمة غسل
الأموال إثبات جريمة المصدر أولاً ثبوتاً يقينياً لأنها شرطاً مفترضاً في جريمة
غسل الأموال أما إذا كانت الدعوى الجنائية قد رفعت بشأن جريمة المصدر فيجب على
المحكمة التي تنظر دعوى غسل الأموال أن تتربص حتى يصدر فيها حكماً باتاً ؛ لأن
القاعدة أن الحكم الذى يفصل في مسألة أولية تكون له الحجية أمام المحكمة الجنائية
حتى ولو مع عدم توافر وحدة الخصوم وفي هذه الحالة - الأخيرة - فيجب وفقًا لنص
المادة 222 من قانون الإجراءات الجنائية وقف دعوى غسل الأموال وتتربص المحكمة إلى
أن يتم الحكم في جريمة المصدر بحكم بات ؛ لأن القول بمعيار كفاية الدلائل على وقوع
جريمة المصدر بمجرد توافر النموذج القانوني هو معيار غير منضبط ويتنافى مع مبدأ
الشرعية الجنائية ويؤدى إلى نتائج غير مقبولة ومتناقضة في أحكام القضاء ، ومن ثم
يكون الحكم المطعون فيه إذ لم يتربص إلى أن يصدر حكم جنائي بات في جريمة المصدر
والقضاء بوقف الدعوى يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يعيب الحكم . لما كان ذلك
، وكان من المستقر عليه قضاءً أن التناقض الذى يعيب الحكم ويبطله هو الذى يقع بين
أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة ،
والذى من شأنه أن يجعل الدليل متهادماً متساقطاً لا شيء فيه باقياً يمكن أن يعتبر قواماً
لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد
في بيانه لواقعة الدعوى " أن المتهم - الطاعن - في خلال الفترة من 2003 حتى
عام 2011 قام بغسل أموال قيمتها ما يزيد عن ستة مليارات جنيه متحصلة من نشاطه
الإجرامي في الجريمة الأولية - التربح والاستيلاء على المال العام - موضوع الجناية
.... ثم عاد في معرض تحصيله لمؤدى الأدلة التي صحت لديه على ثبوت الواقعة على
الصورة التي اطمأن إليها وعول على ما ثبت للمحكمة من اطلاعها على الصورة الرسمية
للدعوى .... - الجريمة الأولية - أنها مقيدة ضد المتهم - الطاعن - .... وآخرين
لأنهم في خلال الفترة من سبتمبر عام 1999 حتى عام 2011 اشتركا مع بعض المتهمين
موظفين عموميين اتفاقاً ومساعدة في الحصول لنفسه ولغيره بغير حق على ربح " ثم
عاد وقضى في منطوقه بتغريم الطاعن أصلياً اثنى عشر مليار وثمانمائة وثمانية وخمسون
مليون وأربعة وسبعين ألف جنيه وإضافياً مبلغ ستة مليارات وأربعمائة وتسعة وعشرين مليون وسبعة وثلاثين ألف جنيه عن وقائع في الجريمة
الأولية عن الفترة من عام 1999 حتى عام 2011 ، وقضى برفض الدفع بأن الاتهام
في قضية غسل الأموال تضمن وقائع لا تخضع لقانون غسل الأموال على سند أن جريمة غسل
الأموال جريمة مستمرة تسرى على السلوك الإجرامي المستمر حتى وإن بدأ قبل سريان
قانون غسل الأموال . لما كان ذلك ، وكان من
المقرر أن الفيصل في التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة هو طبيعة
الفعل المادي المكون للجريمة كما عرفه القانون سواء أكان هذا الفعل إيجابياً أو
سلبياً ارتكاباً أو تركاً ، فإذا كانت الجريمة تتم وتنتهى بمجرد إتيان الفعل كانت
وقتية أما إذا استمرت الحالة الجنائية فترة من الزمن فتكون الجريمة مستمرة طوال
هذه الفترة ، والعبرة في الاستمرار هنا هو تدخل إرادة الجاني في الفعل المعاقب
عليه تدخلاً متتابعاً متجدداً ، ولا عبرة بالزمن الذى يسبق هذا العمل في التهيؤ
لارتكابه والاستعداد لمقارفته أو بالزمن الذى يليه والذى تستمر آثاره الجنائية في
أعقابه وتحديد الطبيعة القانونية لجريمة غسل الأموال وهل هي جريمة وقتية أم جريمة
مستمرة يعتمد على تحليل السلوك الإجرامي الذى ارتكبه المتهم في الواقعة المطروحة
على المحكمة طبقاً لنص المشرع ، فإذا اتخذ السلوك الإجرامي صورة الإخفاء أو
الحيازة أو النقل ، فإن هذه الأفعال لها صفة الاستمرار إذ يستغرق تحققها فترة
طويلة من الزمن كما أنها تستلزم تدخل إرادة الجاني طوال فترة الاستمرار ، ومن ثم
فهي جريمة مستمرة ، أما إذ اتخذ سلوك المتهم الإجرامي صورة التعامل أو التحويل أو
الإيداع فهي أفعال تتم وتنتهى في لحظة واحدة ولا تتطلب تدخلاً لاحقاً من الجاني
وبها تتحقق الجريمة ، ومن ثم فهي جريمة وقتية . لما كان ذلك ، وكان السلوك
الإجرامي الذى ارتكبه المتهم في الواقعة محل الطعن يتمثل في الإيداع والسحب وربط
ودائع وتحويلات واستبدال عملات محلية بعملات أجنبية والعكس وإصدار شيكات وشراء
عقارات وسيارات وتأسيس شركات وزيادة أصول شركات قائمة ، ومن ثم فهي أفعال تتم
وتنتهى في لحظة واحدة ولا تتطلب تدخلاً لاحقاً من الجاني - الطاعن - ومن ثم فإن
جريمة غسل الأموال في الدعوى المطروحة هي جريمة وقتية ولا عبرة في هذا الشأن
بالزمن الذى يسبق ارتكاب هذه الأفعال في التهيؤ لارتكابها والاستعداد لمقارفتها
ولا عبرة أيضاً بالزمن الذى يلى ارتكابها والذى تستمر آثاره الجنائية في أعقابه
لأنها لا تحتاج إلى تدخلاً متتابعاً متجدداً من المتهم - الطاعن - . لما كان ذلك ،
وكان الحكم المطعون فيه قد حدد تاريخ الوقائع التي دان الطاعن عنها بأنها خلال
الفترة من 2003 حتى 2011 ثم عاد وحاسبه عن وقائع حدثت منذ عام 1999 حتى عام 2011
بما لذلك من أثر في الغرامة الأصلية والإضافية التي قضى بها وتحديد مقدارها تحديداً
دقيقاً ورد على دفاعه بأن الاتهام المسند إلى الطاعن تضمن وقائع سابقة على تاريخ
سريان قانون غسل الأموال في 23/5/2002 بما يخالف القانون ، فإن ذلك يكشف عن اختلال
فكرة الحكم عن عناصر الدعوى وعدم استقرارها في عقيدة المحكمة الاستقرار الذى
يجعلها في حكم الوقائع الثابتة ، مما يعيب الحكم بالتناقض ويكون الأمر ليس مقصوراً
على مجرد خطأ مادى بل يتجاوزه إلى اضطراب ينبئ عن اختلال فكرة الحكم من حيث
تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر الواقعة ، مما يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة
تطبيق القانون على حقيقة الواقعة ، مما يعيب الحكم بالتخاذل والاضطراب والتناقض .
لما كان ما تقدم ، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة ، دون حاجة إلى بحث
باقي أوجه الطعن .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق