جلسة 7 ديسمبر سنة 1944
برياسة حضرة محمد زكي علي بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات: محمد كامل مرسي بك ونجيب مرقس بك وأحمد نشأت بك ومحمد المفتي الجزايرلي بك المستشارين.
-------------
(167)
القضية رقم 43 سنة 14 القضائية
تعويض.
الملاحة النهرية. قواعد السير الخاصة بها. وجوب الأخذ بها فيما يقع من الحوادث بسبب ذلك. مثال في دعوى تعويض عن غرق مركب شراعي.
(القانون رقم 17 لسنة 1941 الخاص بالملاحة الداخلية وقرار وزير المواصلات الصادر بناءً عليه بتنظيم الملاحة في المياه الداخلية)
--------------
إن قواعد السير المذكورة في القوانين واللوائح الخاصة بالملاحة النهرية تلزم ربان المركب ذي المحرك بأن يتفادى الاصطدام مع المراكب الشراعية. كما أنها أبانت خطوط سير المراكب ذوات المحركات وكذلك المراكب الشراعية، وليس فيها السير إلى اليمين أو إلى الشمال، بل هي نصت على أن المراكب النازلة تتخذ مجرى التيار، والصاعدة تتبع المياه الهادئة، وفي حالة التقابل تكون الأولوية للمراكب النازلة. وقد أجازت تلك القواعد أيضاً للمراكب النازلة التي لا محرك لها أن تسير تحت الريح في المياه الهادئة (المياه المخصصة لسير المراكب الصاعدة) إن كانت خالية، وفي هذه الحالة يكون على المراكب الصاعدة السائرة في المياه الهادئة أن تقف انتظاراً لمرور المراكب النازلة. تلك هي قواعد سير المراكب البخارية والشراعية في مياه النيل. وهي الواجبة التطبيق في الدعاوى المتعلقة بذلك. فإذا كانت المحكمة في دعوى تعويض عن غرق مركب شراعي لم تتبع في حكمها تلك القواعد، واعتبرت صاحب المركب الشراعي هو وحده المسئول عن التصادم الذي أدى إلى غرق مركبه، بانية ذلك على أن سائق الوابور لم يكن ملزماً بأن يتجنب الاصطدام بالمركب الشراعي ما دام أنه كان يسير في طريقه إلى اليمين، بل رئيس المركب هو الذي كان عليه أن يتفادى الاصطدام من جانبه هو، فإنها تكون قد أخطأت.
الوقائع
تتلخص وقائع هذا الطعن، كما يبين من أوراقه التي كانت تحت نظر قضاة الموضوع، في أن الطاعن كان مسافراً بمركبه الشراعي المحمل أحجاراً في فرع النيل الغربي من طره إلى رشيد، ولما وصل إلى زمام ناحية شبراريس اصطدام مركبه بالمركب البخاري المسمى (الطيار) المملوك للشركة المطعون ضدها، وترتب على هذا التصادم غرق المركب الشراعي في الحال. وفي 27 من يونيو سنة 1940 رفع الطاعن الدعوى رقم 519 سنة 1940 كلي مصر على الشركة المطعون ضدها وسائق الوابور طالباً الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 1000 ج ألف جنيه على سبيل التعويض. وفي 14 من فبراير سنة 1942 قضت محكمة مصر تمهيدياً بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعن بكافة الطرق القانونية أن قيمة مركبه التي غرقت 600 ج ستمائة جنيه. وقد تنفذ الحكم التمهيدي بسماع بينة الطرفين إثباتاً ونفياً. وفي 13 من يونيو سنة 1942 حكمت محكمة مصر غيابياً بالنسبة لسائق الوابور وحضورياً بالنسبة للشركة المطعون ضدها بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للطاعن مبلغ 600 ج ستمائة جنيه مع المصاريف المناسبة و400 قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
استأنفت الشركة الحكم الابتدائي أمام محكمة استئناف مصر، وطلبت إلغاء الحكم المستأنف بجميع أجزائه والحكم من باب أصلي بعدم قبول دعوى الطاعن، ومن باب الاحتياط برفضها مع إلزام الطاعن بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين، وفي 31 من أكتوبر سنة 1943 حكمت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى الطاعن وإلزامه بالمصاريف عن الدرجتين وخمسمائة قرش أتعاباً للمحاماة، وقد أعلن الحكم الاستئنافي إلى الطاعن في 5 من مارس سنة 1944.
وفي 3 من إبريل سنة 1944 قرر الطاعن في قلم كتاب هذه المحكمة بالطعن في هذا الحكم إلخ.
المحكمة
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه أخطأ في تطبيق القانون على الواقعة الثابتة فيه، لأنه لم يطبق عليها أحكام لائحة الملاحة التي تقضي بأن يتخذ قائد المركب البخاري "الوابور" الحيطة من جانبه لتفادي الاصطدام بالمراكب الشراعية ولو استلزم الأمر إيقاف "الوابور"، وتقضي بأن يكون سيره وهو صاعد بمحاذاة الجانب الشرقي، أي أن سيره يكون إلى الشمال خلافاً لما أخذ به الحكم المطعون فيه، وذكر الطاعن أن قواعد الملاحة النهرية قد وردت في اللائحة الصادرة في 23 من مارس سنة 1890 واستند في ذلك إلى ما ورد في المواد الأولى إلى الثالثة منها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد اعتبر الطاعن مسئولاً وحده عن التصادم الذي أدى إلى غرق مركبه لأن "الوابور" كان يسير في اتجاهه الطبيعي إلى اليمين وكان مركب الطاعن يسير في غير اتجاهه الطبيعي، فبدلاً من أن يسير على اليمين قصد إلى الجانب الغربي تبعاً للريح، ومع أنه كان في استطاعة رئيس المركب رؤية "الوابور" من بعيد وتعرف اتجاهه فإنه استمر في طريقه ليمر أمام "الوابور" فاصطدم به. وقد كان واجباً على رئيس المركب أن يتجنب الاصطدام بالوابور. والقول بأنه كان على سائق الوابور أن يتجنب كل مصادمة محتملة مع المركب الشراعي لأنه يتحكم في سيره بآلة بخارية لا يجعله مسئولاً عن مصادمة لم يتسبب فيها، وإن عدم تجنب المصادمة لا يترتب عليه أي مسئولية مدنية إلا إذا كان هناك تعمد أو إهمال وهما غير ثابتين في الدعوى.
وحيث إن الذي يخلص مما ذكره الحكم المطعون فيه هو أن سائق "الوابور" لم يكن ملزماً بأن يتجنب الاصطدام بالمركب الشراعي، ما دام أنه كان يسير في طريقه إلى اليمين وكان على رئيس المركب أن يتفادى الاصطدام من جانبه هو.
وحيث إن الظاهر مما ذكره الحكم المطعون فيه أنه لم يستند في قضائه إلى قواعد الملاحة النهرية التي تبينت في القوانين واللوائح المعمول بها عند حصول الحادث. فقد صدر في 12 من مايو سنة 1941 القانون رقم 17 لسنة 1941 الخاص بالملاحة الداخلية، ونصت الفقرة الثانية من المادة التاسعة منه على أن وزير المواصلات يصدر قراراً لتنظيم الملاحة في المياه الداخلية وتأمين سلامتها. وقد ورد في المواد الثانية إلى الخامسة والعشرين منه قواعد سير المراكب البخارية والشراعية في مياه النيل.
وحيث إن قواعد السير المذكورة في تلك المواد تلزم ربان المركب ذي المحرك بأن يتفادى الاصطدام مع المراكب الشراعية. كما أنها أبانت خطوط سير المراكب ذوات المحركات والمراكب الشراعية، وليس فيها السير إلى اليمين أو إلى الشمال، بل نصت على أن المراكب النازلة تتخذ مجرى التيار، وأن تتبع الصاعدة المياه الهادئة وفي حالة التقابل تكون الأولوية للمراكب النازلة. وأجازت تلك القواعد أيضاً للمراكب النازلة التي لا محرك لها أن تسير تحت الريح في المياه الهادئة (المياه المخصصة لسير المراكب الصاعدة) إن كانت خالية، وعلى المراكب الصاعدة في هذه الحالة والسائرة في المياه الهادئة أن تقف انتظاراً لمرور المراكب النازلة.
وحيث إن الفصل في هذه القضية يجب أن يكون بتطبيق القواعد المبينة في القرار الوزاري المذكور وهو ما لم تفعله المحكمة الاستئنافية وعليه يكون حكمها معيباً قابلاً للنقض.