جلسة 14 من أبريل سنة 1953
المؤلفة من حضرة رئيس المحكمة أحمد محمد حسن رئيسا, وحضرات المستشارين مصطفى حسن وحسن داود وأنيس غالي ومصطفى كامل أعضاء.
---------------
(258)
القضية رقم 1365 سنة 22 القضائية
(أ) نصب باتخاذ صفة كاذبة.
يجب أن تكون الصفة الكاذبة هى التي خدعت المجني عليه وحملته على تسليم المال للمتهم.
(ب) نصب.
طرق احتيالية. شرط توفرها. استخلاص المحكمة أن المشروع الذي عرضه المتهم على المجني عليه حقيقي ومربح. لا تتوافر هذه الطرق.
(جـ) دعوى مدنية.
قضاء المحكمة الجنائية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية لكون النزاع مدنيا. لا خطأ في ذلك.
(د) حكم. تسبيبه.
اتهام المتهم في نصب وشروع فيه. إقامة التهمتين على وقائع واحدة. إدانته ابتدائيا في التهمتين وعقابه عليهما بعقوبة واحدة. إلغاء هذا الحكم استئنافيا وتبرئه المتهم. ذلك فصل في التهمين.
---------------
1 - إن جريمة النصب باتخاذ صفة كاذبة لا تتحقق إلا إذا كانت هذه الصفة هى التي خدعت المجني عليه وحملته على تسليم المال للمتهم.
2 - إن القانون قد نص على أن الطرق الاحتيالية في جريمة النصب يجب أن يكون من شأنها الايهام بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي أو غير ذلك من الأمور المبينة على سبيل الحصر في المادة 336 من قانون العقوبات. فما دامت محكمة الموضوع قد استخلصت في حدود سلطتها أن المشروع الذي عرضه المتهم على المجني عليه وحصل من أجله على المال هو مشروع حقيقي جدي فإن أركان جريمة النصب لا تكون متوافرة.
3 - إذا قضى الحكم المطعون فيه بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية بناء على أن النزاع مدني وأن السند الذي يتمسك به الطاعن متنازع على صحته, فإنه لا يكون قد أخطأ.
4 - إذا كان الواضح من الحكم المطعون فيه أن تبرئة المتهم من تهمة النصب قد أسست على انتفاء الاحتيال وسلب مال الطاعن, وكانت الوقائع المؤسسة عليها تهمة النصب هى بذاتها المؤسسة عليها تهمة الشروع في النصب, وكان الحكم الابتدائي إذ أدان المتهم في التهمتين قد عاقبه عليهما بعقوبة واحدة, فإن إلغاء هذا الحكم وبراءة المتهم تأسيسا على إنعدام الاحتيال في الوقائع المسندة إلى المتهم والمبينة في صدر الحكم القاضي بالإلغاء - ذلك يكون فصلا في كلتا التهمتين.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلا من: 1 - أبو زيد سليمان مكاوي (المطعون ضده) و2 - سمحيحه محمود شريف بأنهما: أولا - استوليا بطريق الاحتيال على مبلغ الف جنيه من المدعي بالحق المدني كما هو وارد في عريضة الدعوى. وثانيا - الأول شرع في الاستيلاء على مبلغ ألفي جنيه بطريق النصب وخاب أثر الجريمة لسبب خارج عن إرادته. وطلبت عقابهما بالمادة 336 من قانون العقوبات. وقد ادعى جمال أحمد أبو علي بحق مدني قبل المتهم الأول وطلب القضاء له بمبلغ ألف جنيه على سبيل التعويض وقد ترك المدعي بالحق المدني دعواه المدنية قبل المتهمة الثانية ومحكمة جنح روض الفرج الجزئية قضت فيها حضوريا للمتهم الأول وغيابيا للمتهمة الثانية عملا بالمادة 336/ 1 عقوبات مع تطبيق المادة 32 منه - بالنسبة إلى المتهم الأول - أولا بحبسه ستة شهور مع الشغل وكفالة مائة جنيه لوقف التنفيذ وألزمته بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مبلغ ألف ومائة جنيه على سبيل التعويض وعشرة جنيهات أتعابا للمحاماة والمصروفات المدنية المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات على اعتبار أن مبلغ المائة جنيه المحكوم به زيادة على الألف جنيه هو ربح لمبلغ الألف جنيه بواقع عشرة في المائة. وثانيا - بالنسبة للمتهمة الثانية بإثبات ترك المدعي المدني دعواه قبلها وببراءتها من التهمة المسندة إليها. فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم كما استأنفته النيابة والمدعي بالحق المدني وفي أثناء نظر الاستئنافات دفع المتهم بعدم قبول الدعوى المدنية لرفعها من غير ذي صفة وبعد أن أتمت محكمة مصر الابتدائية بهيئة استئنافية نظرها قضت فيها حضوريا بألغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم وعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية مع الزام رافعها بمصاريفها بلا مصورفات جنائية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.
المحكمة
حيث إن حاصل الوجهين الأول والثالث هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المتهم من جريمة النصب المسندة إليه وبعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية بمقولة إن مجرد انتحال المتهم للقب دكتور في هندسة المسارح والسينما لم يكن هو السبب في استيلاء المتهم على المبلغ من المجني عليه, يكون قد أخطأ في تطبيق القانون - ذلك لأن مجرد اتخاذ صفة غير صحيحة كاف وحده لقيام ركن الاحتيال المنصوص عليه في المادة 336 من قانون العقوبات, وأنه ما دامت المحكمة الاستئنافية لم تبين في حكمها وجود سبب آخر لاستيلاء المتهم على المبلغ فإن التلازم الطبيعي والتسلسل المنطقي للوقائع يؤديان إلى أن الاستيلاء إنما كان نتيجة لازمة لاتخاذ المتهم لتلك الصفة. أما ما قاله الحكم المطعون فيه من أن المشروع الذي كان يعرضه المتهم وكانت زوجته شريكة فيه ليس مشروعا وهميا بل هو مشروع حقيقي وأنه لا جريمة في ذلك, فهو قول غير سديد. إذ أن ثبوت الشركة الأصلية هو صلب الاحتيال على الطاعن لابتزاز ماله بايهامه بوجود مشروع وهمي يقوم على الشركة الأصلية وهو مشروع المحاصة الوهمية - هذا فضلا عن أن الكذب وحده يكفي لتكوين الطرق الاحتيالية إذا كانت صفة من صدر عنه تحمل على الثقة به - فعلاقة المصاهرة بين المتهم والمجني عليه تكفي لتكوين الطرق الاحتيالية في جريمة النصب - وأنه إذا كانت المحكمة في تعرضها لبحث معيار الغش قد رأت أن المجني عليه ذو مستوى عال معين من الثقافة لا يمكن أن تؤدي إلى خدعه, فإن هذا النظر مردود بأن خدع المتعلم أو المثقف يمكن أن ينتج آثاره إذا ارتفعت الوسائل الاحتيالية إلى مرتبته.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قيام جريمه النصب المسندة إلى المتهم لعدم توافر أركانها القانونية استنادا إلى ما قاله في ذلك "من عدم قيام رابطة السبيبة بين طريق الاحتيال الذي سلكه المتهم وبين الاستيلاء على مال الطاعن لأنه وإن تبين من التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة أن المتهم كان ينتحل لقب دكتور وهو غير حاصل عليه إلا أن مجرد انتحال المتهم لهذا اللقب الكاذب لم يكن هو السبب في إعطاء المجني عليه له المبلغ فلا تتوافر به وحده جريمة النصب باتخاذ صفة كاذبة - كما أن المشروع الذي كان يعرضه المتهم والذي كانت زوجته شريكة فيه ليس مشروعا وهميا بل هو مشروع حقيقي ولم يقم الطاعن الدليل على أن المتهم قد تغالى عند عرضه وأوهمه بربح لا يحققه أمثال هذه المشروعات كما أن تردد المتهم على المجني عليه بحكم الصلة العائلية وهو أخو زوج أخت المجني عليه وتقديمه أوراق المشروع السينمائي الصحيحة لا يمكن أن تعد بحال من الأعمال المادية التي تؤيد الكذب وخاصة إذا لوحظ أن المجني عليه وهو طالب بكلية الحقوق على درجة من الثقافة لا يمكن معها سهولة خدعه" إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بذلك يكون قضاؤه صحيحا في القانون لأن جريمة النصب باتخاذ صفة كاذبة لا تتحقق إلا إذا كانت هذه الصفة هى التي خدعت المجني عليه وحملته على تسليم المال للمتهم. كما أن ما قاله الحكم من أن المشروع الذي عرضه المتهم على المجني عليه هو مشروع حقيقي وليس مشروعا وهميا وأنه لم يغال في تقديره وتقدير ما تحققه المشروعات المماثلة له من أرباح - ما قاله الحكم من ذلك تنتفي به جريمة النصب باستعمال الطرق الاحتيالية. ذلك لأن القانون قد نص على أن تلك الطرق يجب أن يكون من شأنها ايهام الناس بوجود مشروع كاذب أو واقعة مزورة أو إحداث الأمل بحصول ربح وهمي أو غير ذلك من الأمور المبينة على سبيل الحصر في المادة 336 من قانون العقوبات, فما دامت محكمة الموضوع قد استخلصت في حدود سلطتها أن المشروع الذي عرضه المتهم على المجني عليه وحصل من أجله على المال, هو مشروع حقيقي جدي, فإن أركان جريمة النصب لا تكون متوافرة وكذلك لم يخطئ الحكم المطعون فيه بقضائه بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية ما دامت المحكمة قد أسست ذلك على أن النزاع مدني وأن السند الذي يتمسك به الطاعن متنازع على صحته. ولما كان ذلك فإن ما يثيره الطاعن على الحكم المطعون فيه لا يكون له محل.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني هو أن المتهم قدم للمحاكمة عن جريمتين الأولى جريمة النصب التامة والثانية جريمة الشروع في النصب, وقد قضت محكمة الدرجة الأولى فيهما بحكم واحد بعد تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات. أما المحكمة الاستئنافية فقد تعرضت للجريمة الأولى وقضت فيها بالبراءة ولم تتعرض للثانية ولم تلغ حكم محكمة الدرجة الأولى فيها ولم تبرئ المتهم من هذه التهمة الأخيرة ولو سلم بأن الحكم قد انصب على الجريمتين معا فقد خلا الحكم من أسباب براءة المتهم من تهمة الشروع في النصب.
وحيث إن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه مردود بما أثبته الحكمان الابتدائي, والاستئنافي المطعون فيه بصدد الوقائع التي انبنى عليها توجيه تهمة الشروع في النصب إلى المتهم إذ الواضح بجلاء أن تبرئة المتهم من تهمة النصب مؤسسة على انتفاء الاحتيال وسلب ثروة الطاعن فما دام هذا الاحتيال منعدما في الجريمة التامة فلا يمكن أن يكون أساسا للشروع في تهمة أخرى إذ أن المشروع والوسائل المؤسسة عليهما واقعة النصب هما بذاتهما المؤسسة عليهما تهمة الشروع في النصب. لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي إذ دان المتهم في التهمتين قد عاقبه عنهما بعقوبة واحدة, فإن الحكم الاستئنافي إذ قضى بإلغاء هذا الحكم وبراءة المتهم تاسيسا على إنعدام الاحتيال في الوقائع المسندة للمتهم والتي بينها في صدره بما يشمل التهمتين معا يكون قد فصل في كلتيهما ولا محل لما يذهب إليه الطاعن من أنه لم يفصل في تهمة الشروع في النصب أو أنه لم يذكر أسبابا خاصة بها.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.