جلسة 24 من مارس سنة 1953
المؤلفة من حضرة رئيس المحكمة أحمد محمد حسن رئيسا, وحضرات المستشارين إبراهيم خليل وحسن داود ومحمود إسماعيل وأنيس غالي أعضاء.
---------------
(235)
القضية رقم 1086 سنة 22 القضائية
دعاوي الحقوق المدنية.
الأصل أن ترفع إلى المحاكم المدنية. القانون أباح رفعها استثناء إلى المحاكم الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية. رفع الدعوى العمومية على المتهم لتسببه خطأ في إصابة المجني عليه بالسيارة قيادته. القضاء بالتعويض لمالك سيارة كان يقف بجوارها المجني عليه واصطدمت بها السيارة قيادة المتهم. خطأ.
--------------
الأصل في دعاوي الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية. وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية, وكان الحق المدعي به ناشئا عن ضرر للمدعي من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى العمومية, فإذا لم يكن الضرر ناشئا عن هذه الجريمة, بل كان نتيجة لفعل آخر, ولو كان متصلا بها, سقطت تلك الإباحة, وكانت المحكمة الجنائية غير مختصة بنظر الدعوى المدنية. وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه قد قضى بالتعويض في الدعوى المدنية بسبب ما لحق سيارة المدعي بالحق المدني من أضرار نشأت عن مصادمة سيارة المسئولين عن الحقوق المدنية لها, لا بسبب الفعل المرفوعة عنه الدعوى العمومية, وهو مصادمة تلك السيارة للمجني عليه الذي كان يقف بجوار سيارة المدعي بالحقوق المدنية, فإنه يكون قد خالف القانون مما يستوجب نقضه والقضاء بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية.
الوقائع
اتهمت النيابة العمومية أحمد أحمد محمد سعودي بأنه: تسبب بغير قصد ولا تعمد في قتل رزق علي صالح وكان ذلك ناشئا عن إهماله وعدم احتياطه بأن قاد سيارة نقل بدون رخصة قيادة وبحالة ينجم عنها الخطر وبسرعة غير عادية فاصطدم بسيارة المدعو غبريال فانوس ونشأ عن ذلك إصابة رزق علي صالح بالإصابات المبينة بالتقرير الطبي المرفق والتي أودت بحياته, وطلبت عقابه بالمادة 238 من قانون العقوبات وادعى بحق مدني: 1 - ورثة المجني عليه رزق علي صالح وهم زوجته زينب السيد وأولاده محمود وعبد المنعم وزكية, وطلبوا إدخال إبراهيم حامد محمود متهما في الدعوى وعقابه بالمادة 238 عقوبات لتسببه بإهماله وعدم احتياطه في إصابة مورثهم بالإصابات التي أدت إلى وفاته بأن ترك سيارة النقل قيادته في عرض الطريق فقادها المتهم الأول وصدم مورثهم - كما طلبوا الحكم لهم قبل المتهمين متضامنين مع: 1 - أومير أﭭيرينو و2 - أشيل أﭭيرينو بصفتهما مسئولين عن الحقوق المدنية بمبلغ ألف وخمسمائة جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف وأتعاب المحاماة و2 - الدكتور أديب شنودة, وطلب الحكم له قبل المتهم الأول وحده متضامنا مع المسئولين مدنيا بمبلغ خمسة وعشرين جنيها تعويضا مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة بولاق قضت غيابيا أولا - بحبس المتهم الأول ستة شهور مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ وذلك عملا بالمادة 238 عقوبات. وثانيا - ببراءة المتهم الثاني مما أسند إليه عملا بالمادة 172 من قانون تحقيق الجنايات. وثالثا - بإلزامهما مع المسئولين بالحقوق المدنية متضامنين بأن يدفعوا للمدعين بالحقوق المدنية ورثة رزق علي صالح ثمانمائة جنيه على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة وأربعمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة, ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات, وبالزام المتهم الأول مع المسئولين بالحقوق المدنية متضامنين بأن يدفعوا للمدعي بالحقوق المدنية الثاني الدكتور أديب شنودة خمسة عشر جنيها على سبيل التعويض والمصاريف المدنية المناسبة ومائة قرش مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. فعارض المتهم الأول, والمحكمة قضت في معارضته بتأييد الحكم المعارض فيه. وكان المسئولان عن الحقوق المدنية قد استأنفا الحكم الغيابي وطلبا إلغاءه ورفض الدعوى المدنية قبلهما, ومحكمة مصر الابتدائية نظرت هذا الاستئناف وقضت غيابيا للمتهم والمسئول عن الحقوق المدنية إبراهيم حامد والمدعي بالحقوق المدنية أديب شنودة وحضوريا للمسئولين عن الحقوق المدنية إخوان أﭭيرينو والمدعين بالحقوق المدنية ورثة رزق علي صالح بتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنفين بالمصروفات المدنية الاستئنافية. فطعن في الحكم الأخير بطريق النقض الوكيل عن المسئولين بالحقوق المدنية... الخ.
المحكمة
حيث إن مبنى الوجه الأول من وجهي الطعن هو أن الدعوى العمومية كانت مرفوعة ومطروحة أمام المحكمة عن واقعة القتل الخطأ فقط, ومع ذلك فإن المحكمة قضت للمدعي المدني الآخر وهو الدكتور أديب شنودة بتعويضات عن تلف سيارته, وهذا منها خطأ ظاهر, لأن المحكمة الجنائية ليست مختصة أصلا بأن تحكم بتعويضات إلا إذا كانت عن الأضرار الناشئة مباشرة عن الجريمة المرفوعة بها الدعوى - ومادامت الدعوى لم تكن مرفوعة عن واقعة إتلاف, بل كانت مقصورة على واقعة قتل خطأ, فإن القضاء بالتعويض عن واقعة إتلاف السيارة من المحكمة الجنائية لا يكون جائزا.
وحيث إنه لما كان الأصل في دعاوي الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية, وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية, وكان الحق المدعي به ناشئا عن ضرر للمدعي من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى العمومية, فإذا لم يكن الضرر ناشئا عن هذه الجريمة, بل كان نتيجة لفعل آخر, ولو كان متصلا بها, سقطت تلك الإباحة, وكانت المحكمة الجنائية غير مختصة بنظر الدعوى المدنية - لما كان ذلك, فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بالتعويض في الدعوى المدنية المرفوعة من الدكتور أديب شنودة بسبب ما لحق سيارته من أضرار نشأت عن مصادمة سيارة المسئولين عن الحقوق المدنية لها, لا بسبب الفعل المرفوعة عنه الدعوى العمومية؛ وهو مصادمة تلك السيارة للمجني عليه الذي كان يقف بجوار سيارة الدكتور أديب شنودة - إن الحكم إذ قضى بذلك, يكون قد خالف القانون مما يستوجب نقضه والقضاء بعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر هذه الدعوى المدنية.
وحيث إن الوجه الثاني مبني على أن سائق السيارة المملوكة للمسئولين بالحقوق المدنية وهو إبراهيم حامد لم يقع منه أي خطأ أو تقصير مما يستلزم مساءلته مدنيا وبالتالي فلا يتكون هناك أية مسئولية على الطاعنين ما دام تابعهما وهو المتهم الثاني في الدعوى لم يقع منه أي خطأ - ذلك بأنه ثبت أنه ترك السيارة في موقف السيارات, كما قالت المحكمة نفسها, ثم تمسك الدفاع عنه في المذكرات المقدمة منه وفي أقواله بالجلسة - على ما هو ثابت في محاضر الجلسات - وقال إن المتهم الأول لم يحرك العربة بمفتاح لها كان معه, بل يجوز أن يكون قد أقدم على ذلك بأن استعمل قطعة من السلك, ولكن المحكمة قالت إن المتهم الثاني ترك العربة في الطريق العام, وبها مفتاح القيادة, دون أن ترد على هذا الدفاع وتفنده, وإذن, فإن حكمها يكون مخطئا لعدم وجود تقصير يبرر المسئولية, أو للقصور في بيان التقصير والخطأ.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حين قضى لورثة المجني عليه رزق علي صالح بالتعويض على أساس مساءلة الطاعنين وتابعهما المتهم الثاني مدنيا قال: "وحيث إنه لا نزاع في أن المتهم الثاني تسبب بدوره, وإن كان ذلك بطريق غير مباشر, في وقوع الحادث بإهماله وعدم احتياطه بتركه السيارة في الطريق العام وليس في موقف كما ثبت من المعاينة وتركها دون أن يحكم إغلاقها أو يحتفظ بمفتاحها ودون أن يتخذ من الاحتياط ما يحول بين أي إنسان وبين إمكان إدارة السيارة والسير بها, وأنه إن كان خطؤه لا يرتقي إلى الدرجة التي تخول محاكمته جنائيا, إلا أنه توجب مسئوليته عن الحادث الذي ساهم بإهماله وعدم احتياطه مع المتهم الأول في وقوعه ومن ثم يتعين قبول الدعوى المدنية عملا بالمادتين 163و164 من القانون المدني - وأنه لا شك أن مسئوليته هذه هى مسئولية تضامن مع المتهم الأول - وحيث إن أومير وأشيل أوﭭيرينو المدخلين مسئولين بالحقوق المدنية مسئولان يصفتهما مالكين للسيارة عن تعريض الضرر الذي أصاب المجني عليهما عملا بالمادة 174 من القانون المدني - وأساس المسئولية في هذه الحالة خطأ يفرضه القانون لأن في وقوع الفعل الضار من غير مراقبة قرينة في ذاته على أن المتبوع قد أساء اختيار تابعه ومن ثم يتعين قبول الدعوى المدنية قبل المسئولين بالحقوق المدنية وإلزامهما مع المتهمين متضامنين بالتعويض عملا بالمادة 169 من القانون المدني". ولما كان ما أورده الحكم في استظهار ركن الخطأ الواقع من المتهم الثاني, والذي رتبت عليه المحكمة مسئوليته مدنيا عن تعويض الضرر الناشئ عنه بالتضامن مع المتهم الأول والطاعنين صحيحا في القانون, ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي خلصت إليها, فإن النعي عليه لا يكون مقبولا - أما ما يثيره الطاعنان بصدد عدم الرد على دفاعهما المشار إليه في وجه الطعن, فمردود بأنه متعلق بموضوع الدعوى مما لا يستلزم ردا صريحا خاصا, إذ أن الرد عليه مستفاد من الحكم بالإدانة والتعويض اعتمادا على أدلة الثبوت التي أوردها الحكم, والتي يؤخذ منها ضمنا أنه أطرح هذا الدفاع.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن في شقه الوارد في الوجه الثاني على غير أساس ويتعين رفضه.