الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 10 أكتوبر 2020

الطعن 3 لسنة 6 ق جلسة 14 / 5 / 1936 مج عمر المدنية ج 1 ق 364 ص 1117

جلسة 14 مايو سنة 1936

برياسة سعادة محمد لبيب عطية باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك وعلى حيدر حجازي بك المستشارين.

----------------

(364)
القضية رقم 3 سنة 6 القضائية

(أ) استئناف.

رفض دفوع المدّعى عليه أمام محكمة الدرجة الأولى إلا واحدا منها قبلته المحكمة ورفضت الدعوى. استئناف المدّعى هذا الحكم. طلب المدّعى عليه في الاستئناف تأييد الحكم المستأنف. قضاء محكمة الدرجة الثانية بإلغاء الحكم المستأنف وبطلبات المستأنف. النعي على الحكم الاستئنافي بعدم بحثه الدفوع المرفوضة أمام محكمة الدرجة الأولى والتي لم يتمسك بها أمام محكمة الدرجة الثانية. لا يجوز.
)ب) شفعة.

عرض الثمن والملحقات. خلاف الشفيع والمشفوع منه في مدلول العبارة التي أوردها الشفيع في صحيفة دعواه بخصوص العرض. رأى محكمة الموضوع في ذلك. لا رقابة عليه لمحكمة النقض.

(حـ) استئناف.

إعلان صحيفة الاستئناف. الادعاء بعدم صحته. وجوب إبدائه لدى محكمة الاستئناف. السكوت عنه. الإدلاء به لدى محكمة النقض. لا يجوز.

--------------
1 - إذا قضت محكمة الدرجة الأولى في الدعوى برفض دفوع المدّعى عليه إلا واحدا منها قبلته ورتبت عليه الحكم برفض الدعوى، ولم يطلب المدّعى عليه في الاستئناف المرفوع عليه من خصمه سوى تأييد الحكم المستأنف، وقضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبطلبات المستأنف (المدّعى) فانه لا يجوز لهذا المدّعى عليه (المستأنف عليه) أن يعيب على الحكم عدم البحث في هذه الدفوع المحكوم برفضها ما دام هو لم يتمسك بها لدى محكمة الاستئناف.
2 - إذا اختلف الشفيع والمشفوع منه في مدلول العبارة التى أوردها الشفيع في صحيفة دعواه خاصة بعرض الثمن والملحقات هل كانت تفيد عرض الثمن فقط أم تفيد عرضه مع الملحقات فرأت محكمة الموضوع أنها تفيد عرض الثمن والملحقات معا، فان ما رأته من ذلك لا يخضع لرقابة محكمة النقض.
3 - الادعاء بعدم صحة إعلان صحيفة الاستئناف يجب التمسك به أمام محكمة الاستئناف، فاذا لم يتمسك به لديها امتنع إبداؤه أمام محكمة النقض لجدّة السبب.


الطعن 17 لسنة 1 ق جلسة 19 / 11 / 1931 مج عمر المدنية ج 1 ق 3 ص 12

جلسة 19 نوفمبر سنة 1931

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك وأمين أنيس باشا.

---------------

(3)
القضية رقم 17 سنة 1 القضائية

تكليف بالحضور.

طلب الحكم بمبلغ معين بعد طلب الحكم بما يظهر من الحساب. لا يعتبر طلبا جديدا. لا يشترط فيه مراعاة ميعاد التكليف بالحضور المنصوص عليه في المادة 48 من قانون المرافعات.
(المادة 48 من قانون المرافعات)

-----------
إذا رفع زيد دعوى على عمرو طالبا الحكم عليه بإلزامه بتقديم حساب عن إدارته لأطيانه هو والحكم له بما يظهر في ذمته من الحساب، وعينت المحكمة خبيرا في الدعوى، وبعد أن قدّم الخبير تقريره عدل زيد طلبه إلى الحكم له على عمرو بما ظهر فعلا من الحساب حسبما جاء بتقرير الخبير، وأعلن طلبه الجديد إلى عمرو دون مراعاة المدّة المنصوص عليها في المادة 48 مرافعات، فليس في ذلك مخالفة لحكم هذه المادة؛ لأن هذا الطلب الأخير لا يعدّ طلبا جديدا تجب في إعلانه مراعاة المواعيد المنصوص عليها في تلك المادة، بل هو جزء من الطلب الأوّل يكفى أن يعلن بمقتضى علم خبر، وعلم الخبر لا مواعيد له في القانون. ولا يحتج على ذلك بأن الرسم على الطلبين مختلف، إذ هذا الاختلاف ليس منشؤه مغايرة الطلبين في الماهية والكنه، بل منشؤه أن الطلب الأوّل مجهول القيمة والثاني معيّنها.

الطعن 4 لسنة 1 ق جلسة 19 / 11 / 1931 مج عمر المدنية ج 1 ق 2 ص 6

جلسة 19 نوفمبر سنة 1931

برياسة سعادة عبد الرحمن إبراهيم سيد أحمد باشا وبحضور حضرات: مراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك وأمين أنيس باشا.

----------------

(2)
القضية رقم 4 سنة 1 القضائية

( أ، ب) غش الدخان. 
مناط العقاب. سوء النية.
(الأمر العالي الصادر في 22 يونيه سنة 1891).
(جـ) خبير، 
الأحوال الواجب إجابة طلب تعيينه فيها. متى يجوز رفض هذا الطلب؟
(المواد 30 مرافعات و363 و452 مدنى)

-----------------
1 - إن مناط العقاب في غش الدخان هو خلط الدخان بمواد أخرى وإحرازه أو بيعه أو عرضه للبيع على أنه دخان خال من الغش بأية كيفية كان الخلط وأيا كان نوع المخلوط أو مقداره.
2 - وسوء النية يتحقق بخلط الدخان بمواد أخرى مع العلم بأنها ليست دخانا. ولا يشترط قصد الإضرار بالغير.
3 - ليست المحكمة ملزمة قانونا بإجابة طلب تعيين خبير إلا في الحالات التي أوجب فيها القانون الاستعانة بخبير كالأحوال المنصوص عليها في المواد 30 مرافعات و363 و452 مدنى. ولكن إذا كان طلب تعيين الخبير هو بأمل الحصول على دليل يفيد حسن نية المتهم أو عدم سوء قصده، فان للمحكمة - بما لها من السلطة في تقدير الأدلة وقبول أو عدم قبول تقديم أدلة جديدة اكتفاء بما لديها - الحق في رفض هذا الطلب.


الوقائع

رفع الطاعن دعوى أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية ضدّ مصلحة الجمارك (المطعون ضدّها) قيدت بجدولها رقم 90 سنة 1931 كلى قال في عريضة دعواها المعلنة بتاريخ 4 نوفمبر سنة 1930 إن لجنة جمرك القاهرة أصدرت بتاريخ 20 أكتوبر سنة 1930 القرار رقم 27 في القضية 929 بإدانته بحجة أنه أحرز واتجر في كمية من سجاير توسكانى وأمريكانى ودخان حسن كيف معسل ودخان مدغة قالت عنها اللجنة إنها مغشوشة بمواد غريبة وقضت بتغريمه بمبلغ 458 جنيه ومصادرة الأشياء المضبوطة. لذلك فإنه عارض في هذا القرار طالبا الحكم بقبول المعارضة شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المعارض فيه بكامل أجزائه وبراءته مع إلزام مصلحة الجمارك بكامل المصاريف وأتعاب المحاماة. وبتاريخ 16 مارس سنة 1931 قضت محكمة مصر حضوريا بقبول المعارضة شكلا ورفضها موضوعا وبتأييد قرار اللجنة الجمركية وألزمت المعارض بالمصاريف و200 قرش أتعاب محاماة. فاستأنف الطاعن هذا الحكم بتاريخ 2 أبريل سنة 1931 أمام محكمة استئناف مصر طالبا إلغاءه وبراءته من هذه التهمة والإفراج عن جميع المضبوطات مع إلزام مصلحة الجمارك بكامل المصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين مع حفظ حقه في التعويض المنصوص عليه في قانون الجمارك. وبتاريخ 15 يونيه سنة 1931 قضت المحكمة المذكورة بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف بالمصاريف و300 قرش أتعاب محاماة للمطعون ضدّها ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
وبتاريخ 9 يوليه سنة 1931 قرّر حضرة الأستاذ وهيب بك دوس بتوكيله عن الطاعن بالطعن بطريق النقض والإبرام في هذا الحكم الذى لم يعلن طالبا قبوله ونقض الحكم وتطبيق الفقرة الأخيرة من المادة 29 من القانون رقم 68 سنة 1931 والحكم بإلغاء حكم محكمة مصر الابتدائي وحكم لجنة الجمارك، واحتياطيا إحالة القضية لتحقيق الوجه الثالث من وجوه هذا الطعن. وبعد استيفاء الإجراءات القانونية حدّد لنظر هذه الدعوى جلسة يوم الخميس 19 نوفمبر سنة 1931، وبالجلسة المذكورة سمعت الدعوى كالمدوّن بمحضر الجلسة.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
بما أن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وبما أن الطعن بنى على ثلاثة أوجه: (الأوّل) الخطأ في تطبيق القانون، لأن محكمة الاستئناف طبقت في حكمها المادة الثانية من الأمر العالي الصادر في 22 يونيه سنة 1891 معتبرة أنها تنسحب على حالة لف أوراق الدخان بعد فرمها ضمن ورقة عادية وأن ذلك يعدّ خلطا لمادة الدخان بمادة أخرى في حين أن ديباجة الأمر العالي المذكور صريحة في بيان سبب التشريع، وهو لا يمكن أن يتسع لمعنى ما ذهبت إليه المحكمة، ولأنها لم تثبت في حكمها أن الطاعن خلط الدخان بنية الإضرار مع أنها في صدد شبه جنحة والطاعن قد أثبت عدم توفر نية الإضرار ولم تأخذ المحكمة بذلك، ولأنه يوجد ضمن المضبوطات دخان حسن كيف مخلوط بالعسل وهذا جائز ومسلم بجوازه، وقد ورد في تقرير التحليل عنه وجود قليل من المواد العضوية الغريبة والقانون يقضى ببيان أنواع الخلط ونوع المادة المخلوطة. (الثاني) بطلان جوهري في الحكم لخلوّه من بيان أن ما أثبته التحليل من وجود قليل من المواد العضوية الغريبة في دخان حسن كيف هو ناشئ عن إضافته عمدا على الدخان في حين أن هناك احتمال أن تكون تلك المواد العضوية جاءت من طريق العسل المباح خلطه على الدخان المذكور. (الثالث) بطلان الإجراءات، لأن الطاعن طلب من المحكمة تعيين خبير لبيان إن كانت صناعة السيجار من الصنف الرديء من الدخان تستلزم تغليفها بالورق العادي قبل غلافها الخارجي أم لا، فلم تبحث المحكمة هذا الطلب مع أنه لو ثبت أن الصناعة تستلزم ذلك لثبت حسن نية الطاعن وترتب عليه أثر في الحكم.
عن الوجه الأوّل:
بما أن عنوان الأمر العالي الصادر في 22 يونيه سنة 1891 هو "دكريتو بأن إدخال واصطناع وتداول وبيع وإحراز الدخان المغشوش يعتبر من أعمال التهريب" وديباجته هي "حيث قد علم لحكومتنا أن بعض التجار يصطنعون من أوراق الأشجار والنباتات، بعد تحضيرها أو خلطها بكمية قليلة من الدخان الحقيقي، مزيجا يبيعونه بصفة دخان، وذلك للحصول على أرباح غير قانونية. وحيث إن هذا الغش يضر بصالح الخزينة ضررا جسيما، كما أنه يترتب عليه خسارة عظيمة للتجار ذوى الذمة والاستقامة. وحيث إنه من الواجب وقاية مصلحة الجمهور من هذا الغش الخ". ونص المادة الثانية منه هو "أصناف الدخان التي تخلط بها مواد أخرى بأي مقدار كان تكون واقعة أيضا تحت حكم المصادرة والإعدام والغرامة".
وبما أنه واضح من عنوان الدكريتو أن المشرع قصد به محاربة غش الدخان، وواضح من الديباجة أن الغش يحصل باصطناع أوراق الأشجار والنباتات وتحضيرها بمواد أخرى تقرّبها من شكل الدخان وبيع مزيجها بصفة دخان أو خلط الدخان الحقيقي بأوراق الأشجار والنباتات وبيع مزيجها بصفة دخان، وأن سبب التشريع هو حماية الخزينة وحماية التجار ذوى الذمة والاستقامة والجمهور من نتائج ذلك الغش. وواضح أيضا من نص المادة الثانية من الأمر العالي أن أصناف الدخان التي تخلط بها مواد أخرى بأي مقدار كان تكون واقعة تحت حكم المصادرة والإعدام والغرامة.
وبما أن خلط الدخان بمواد أخرى لم يحدّد في الدكريتو، ولم تبين كيفيته، بل هو مطلق يشمل بإطلاقه كل أنواع الخلط الذى قد يحصل بفرم الدخان وفرم أوراق الأشجار أو النبات ومزجهما ببعض حتى لا يتميز الدخان من غيره، ويشمل خلط أوراق الدخان بأوراق عادية أو بأوراق أشجار ومزج ذلك وبيعه بصفة دخان خال من الغش. وحينئذ يكون السيجار الذى ضبط في محل الطاعن ووجد مشتملا على دخان مفروم محاط بغلاف من الورق العادي ملون بلون الدخان وبغلاف خارجي من ورق الدخان داخلا تحت حكم المادة الثانية من الدكريتو، لأن مناط الحكم في ديباجة الدكريتو ومواده هي خلطة الدخان بمواد أخرى وإحرازه أو بيعه أو عرضه للبيع بصفة دخان خال من الغش؛ وأسباب التشريع تساعد على ذلك لأن القصد من الدكريتو حماية الخزينة والتجار والجمهور، وتحقيق هذه الحماية يكون أتم بجعل النصوص تشمل على إطلاقها كل نوع من أنواع الخلط متى كان مقرونا بالغش.
وبما أن الورق العادي مصنوع من النبات فخلطه بالدخان تشمله الديباجة بصراحة. على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإذا فرض وكان الورق ليس نباتا ولا مصنوعا من نبات فان عموم نص المادة الثانية يدخل الورق تحت عبارة "مواد أخرى" التي تشمل كل شيء من نبات أو خلافه. ولا محل للاعتراض بالسجاير العادية المحاطة بغلاف من الورق العادي لأنها تعرض في الأسواق على أنها مكوّنة من دخان مفروم مغلف بغلاف من الورق، وأجزاؤها معروفة، ومن يتقدّم لمشتراها بعلم أجزاءها فلا غش فيها والقانون لا يحارب سوى الغش في الدخان.
وبما أن سوء النية في غش الدخان هو عبارة عن خلط الدخان بمواد أخرى مع العلم بأن ما يخلط بالدخان ليس دخانا. فمتى تحقق ذلك تتحقق الأركان لشبه الجريمة(1) التي ينطبق عليها دكريتو 22 يونيه سنة 1891. أما قصد الضرر بالغير فغير مشروط في الغش إذ الغالب أن يكون الباعث عليه الوصول عليه الوصول إلى الربح من غير طريقة المشروع.
وبما أن سوء نية الطاعن أو قصد الغش قد ثبت مع ذلك لدى محكمة الاستئناف من تلوين الورق العادي بلون ورق الدخان، ومن وضعه داخل السيجار يحوطه غلاف خارجي من ورق الدخان، ومن وجود ذلك في كل سيجار، ومن عدم استلزام الصناعة إحاطة الدخان من الداخل بورقة عادية قبل الغلاف الخارجي إذ لا ضرورة تدعو إلى صنع السيجار من الورق المثقب، بل يجب عمل السجاير من ورق دخان له قوام من نفسه ولا يحتاج إلى غيره وإلا لما وجد في الأسواق من سيجار التوسكانا بدون إحاطة من الداخل بورق عادى مع أن الواقع يخالف ذلك. وإذن لا محل للقول بأن محكمة الاستئناف لم تثبت سوء نية الطاعن.
وبما أن تقرير التحليل أثبت وجود قليل من المواد العضوية الغريبة في دخان حسن كيف وفى دخان المدغة، ولا نص في القانون يلزم المحكمة أن تبين نوع الخلط ونوع المخلوط الغريب، ونص المادة الثانية مطلق في خلط الدخان بمواد أخرى أيا كان مقدارها سواء أكان الخلط كيماويا أو بسيطا وأيا كان نوع المخلوط، فمرجع العقاب والمصادرة هو خلط الدخان بمادة غريبة عنه وإحرازه أو عرضه للبيع أو بيعه باعتباره دخانا نقيا من كل غريب عنه. وإذن يكون الوجه الأوّل بجملته واجب الرفض.
وبما أن الوجه الثاني لا قيمة له لأن محكمة الاستئناف نصت في حكمها على أنه ثبت لديها أن الطاعن خلط دخان حسن كيف ودخان المدغة بمواد غريبة بقصد الغش والحصول على أرباح بغير طريق شرعي فانتفى بذلك أن يكون حصول الخلط عفوا وبلا إرادة الطاعن، على أن هذا أمر متعلق بالوقائع وتقديرها لا سلطان لمحكمة النقض عليها.
وبما أن المحكمة غير ملزمة قانونا بإجابة الطلب بتعيين خبير إلا في المسائل التي أوجب القانون فيها الاستعانة بخبير كالأحوال المنصوص عليها في المواد 30 مرافعات و363 و452 مدنى، وليست هذه الحالة من ضمنها، إنما طلب تعيين الخبير هنا هو بأمل الحصول على دليل يفيد حسن نية الطاعن أو عدم سوء قصده، والمحكمة - بما لها من السلطة الواسعة في تقدير الأدلة وقبول وعدم قبول السماح بتقديم أدلة جديدة اكتفاء بما لديها - لها الحق في رفض طلب تعيين الخبير. وهذا لا مخالفة فيه للقانون ولا بطلان معه للإجراءات؛ على أنها بحثت الموضوع ورأت أن الأدلة كثيرة ومقنعة على سوء النية، وأن الدليل المطلوب لا يمكن أن يغير ما ثبت لديها، لأن دعوى استلزام الصناعة وضع الورق العادي بديهية البطلان وإلا لما وجد في الأسواق سيجار غير مغشوش مع أن الواقع على خلاف ذلك. وعليه يكون هذا الوجه مرفوضا أيضا.


 (1) المراد طبعا لشبه الجنحة واستعمال لفظ الجريمة هفوة قلم.


الطعن 1 لسنة 5 ق جلسة 31 / 10 / 1935 مج عمر المدنية ج 1 ق 295 ص 912

جلسة 31 أكتوبر سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: مراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك ومحمود سامى بك المستشارين.

---------------

(295)
القضية رقم 1 سنة 5 القضائية

(أ) حكم. تسبيبه. 
وقائع الدعوى وطلبات الخصوم. بيانها في ديباجة الحكم. أخذه بأسباب الحكم التمهيدي الموضحة فيه هذه الوقائع والطلبات بالتفصيل. كفايته.
(المادة 103 مرافعات)
(ب) وضع يد. 
تقدير قيمته من ناحية صفته ومن ناحية استمراره أو عدم استمراره. موضوعي.
)حـ) نقض وإبرام. 
خطأ مادّى غير مؤثر في جوهر الحكم. لا يعتدّ به.

(د) حكر. 
دعوى الحكر. مدلولها. دعوى جهة الوقف. تثبيت ملكيتها الأرض عليها بناء تعهد صاحبه بدفع قيمة الحكر. صفة هذه الدعوى.
(هـ) وقف. 
الدعوى بملكيته. متى تسقط؟
(و) حكر. 
وضع يد المحتكر وورثته من بعده. وضع يد مؤقت. الفرق بين عقد الإيجار وعقد التحكير. (المادة 19 مدنى)
(ز) حكر. 
عقد التحكير. انفساخه لعدم دفع الأجرة. لا يغير صفة وضع اليد. وضع اليد في هذه الصورة مهما طالت مدته لا يكسب الملكية. (المادة 79 مدنى)

----------------
1 - إذا بيّن الحكم في ديباجته وقائع الدعوى وطلبات الخصوم فيها، كما قرّر في أسبابه أنه يأخذ بأسباب الحكم التمهيدي الصادر في الدعوى المبين فيه بالتفصيل كل وقائعها وطلبات الخصوم وأوجه دفاعهم، فذلك كاف لردّ ما يعترض به عليه من جهة عدم توضيحه وقائع النزاع إيضاحا كافيا وعدم ذكره طلبات الخصوم وعدم بيان جوهر دفاعهم.
2 - لمحكمة الموضوع الحق في تقدير قيمة وضع اليد قبل تاريخ العقود المقدّمة للتدليل على تملك الأرض المتنازع عليها ومن بعد تاريخها، من ناحية صفته ومن ناحية استمراره المدّة القانونية المكسبة للملكية أو عدم استمراره. ونقدها في هذا هو مصادرة لها في حقها القانوني.
3 -  إذا تبين أن وجه الطعن قائم على مجرّد خطأ مادّى انزلق إليه الحكم المطعون فيه ولم يكن له تأثير في فهم مراده فمثل هذه المطعن لا يعتدّ به.
4 - دعوى الحكر ليس لها مدلول في العادة سوى دعوى المطالبة بمرتب الحكر، أي أجرة الأرض المحكورة، التي تسقط بعدم المطالبة بما زاد منها على الخمس السنوات. وقد تدل على دعوى النزاع في عقد التحكير نفسه من جهة صحته أو بطلانه ووجوب فسخه أو عدم وجوبه. أما الدعوى المقامة من جهة الوقف بطلب تثبيت ملكيتها لقطعة أرض تابعة لوقف مقام عليها بناء منزل تعهد من اشتراه في حجة الشراء بدفع الحكر لجهة الوقف فإنها دعوى تثبيت ملكية عقارية.
5 - ملكية الوقف لا تسقط الدعوى بها بمجرّد الإهمال فقط مدّة ثلاث وثلاثين سنة، بل إنها تستمرّ حاصلة لجهة الوقف ما لم يكسبها أحد بوضع يده ثلاثا وثلاثين سنة وضعا مستوفيا جميع الشرائط المقرّرة قانونا لاكتساب ملكية العقار بوضع اليد.
6 - وضع يد المحتكر وورثته من بعده هو وضع يد مؤقت مانع من كسب الملكية مما ينطبق عليه نص المادة 79 من القانون المدني التي تنص على عدم إمكان ثبوت ملكية العقار "لمن كان واضعا يده عليه بسبب معلوم غير أسباب التمليك سواء كان ذلك السبب مبتدأ منه أو سابقا ممن آلت منه إليه".
7 - إن المادة 79 من القانون المدني إذا كان قد ذكر فيها أنه "وعلى ذلك فلا تحصل الملكية بوضع اليد للمستأجر والمنتفع والمودع عنده والمستعير ولا لورثتهم من بعدهم" فهذا الذكر ليس واردا بها على سبيل الحصر، بل واضح أنه على سبيل التمثيل فقط.
8 - إن المحتكر ليس في الواقع سوى مستأجر. وليس بين عقد الإيجار وعقد التحكير من فارق سوى كون المحتكر له حق البقاء والقرار ما دام يدفع أجرة مثل الأرض المحكرة. وهذا الفارق لا شأن له في صفة وضع يده من جهة كونه مؤقتا أو غير مؤقت، بل إن أقصى ما ينتج عن هذا الفارق هو أن للمحتكر حق الانتفاع العيني بالأرض، والمنتفع لا يملك بالمدّة لوروده صراحة في نص المادة 79 من القانون المدني.
9 - إن انفساخ عقد التحكير لعدم دفع الأجرة ثلاث سنين أمر إذا كان الشرعيون قرّروه فما ذلك إلا ابتغاء مصلحة الوقف دون مصلحة المحتكر، فألذى يتحدّى به هو جهة الوقف إن أرادته، أما المحتكر فلا يقبل منه التحدّي بذلك في صدد تمسكه بتغير صفة وضع اليد الحاصل ابتداء بسبب التحكير، بل مهما انفسخ عقد التحكير للعلة المذكورة فإن صفة وضع اليد تبقى على حالها غير متغيرة. مثل المحتكر في ذلك كمثل المستأجر العادي لو كان مقرّرا في عقد التأجير له أن العقد يصبح مفسوخا حتما بعدم دفع الأجرة في مواعيدها فانه مهما انقطع عن دفع الأجرة في مواعيدها، ومهما طالب انتفاعه بالعين المؤجرة بغير أن يدفع أجرتها، فانه لا يستطيع أن يكسب الملكية بوضع اليد.


الوقائع

تتحصل وقائع هذه الدعوى - على ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن الأوراق والمستندات المقدّمة لهذه المحكمة - فيما يأتي:
بمقتضى حجة شرعية مؤرّخة في 6 شوال سنة 1288 (1871 ميلادية) اشترى المرحوم خليل عبد القدّوس منزلا واقعا بجهة الخرنفش بمدينة القاهرة ومقاما على أرض تابعة لوقفي الشيخ أحمد القوصونى وبرسباى وتعهد فيه هذه الحجة بالقيام بدفع ما على هذه الأرض من الحكر لجهة الوقف فوضع اليد على هذا المنزل واستمرّ ورثته من بعده واضعي اليد حتى سنة 1892 حيث شرع بعضهم في بيع حصصهم فيه وقد أدخلوا في عقود البيع الأرض المقام عليها هذا المنزل فبلغ ما بيع منه حتى سنة 1900 12 قيراطا و4 أسهم آلت جميعها في آخر الأمر إلى حسن الدمنهوري بمقتضى عقدين مسجلين الأوّل في 31 يوليه سنة 1900 والثاني في 29 أغسطس سنة 1900، وهذا وقفها مع ما وقفه من أعيان أخرى بمقتضى حجة شرعية محرّرة في 11 مايو سنة 1901. أما باقي المنزل وقدره 11 قيراطا و20 سهما فاستمرّ في وضع يد باقي ورثة المرحوم خليل عبد القدّوس حتى آل في نهاية الأمر إلى الست نبيهة هاشم عبد القدّوس بنت ابنه هاشم خليل عبد القدّوس.
وفى يوليه سنة 1923 رفعت وزارة الأوقاف بصفتها ناظرة على الوقفين المذكورين دعوى على السيد حسن الدمنهوري بصفته ناظرا على وقف والده ثم على الست نبيهة هاشم عبد القدّوس باعتبارهما المالكين الحاليين للبناء المقام على الأرض الموقوفة طلبت فيها الحكم بإلزامهما بأن يدفعا لها حكر خمس سنوات سابقة على تاريخ رفع الدعوى بخلاف ما يستجد من الحكر. وقيدت الدعوى المذكورة بجدول محكمة الوايلي برقم 101 سنة 1924 فقضت فيها المحكمة بتاريخ 6 فبراير سنة 1926 - بعد أن عينت خبيرا وأردفته بآخر - بإيقاف الفصل فيها إلى أن يقضى في الملكية. فرفعت وزارة الأوقاف استئنافا عن هذا الحكم والمحكمة الاستئنافية قضت بتأييده بتاريخ 6 نوفمبر سنة 1927.
وفى أبريل سنة 1930 رفعت الوزارة الدعوى الحالية وقيدت بجدول محكمة مصر الأهلية برقم 1044 سنة 1930 كلى طلبت فيها الحكم بثبوت ملكيتها بصفتها لقطعة الأرض المقام عليها بناء المنزل المذكور وتسليمها لها مع إلزام السيد حسن الدمنهوري بصفته والست نبيهة هاشم عبد القدّوس ما لكى البناء بالمصاريف والأتعاب والنفاذ بلا كفالة. فدفع المدّعى عليهما المذكوران هذه الدعوى بجملة دفوع منها أنهما وضعا اليد على الأرض الموقوفة المدّة الطويلة المكسبة لملكيتها وهى 33 سنة. ووزارة الأوقاف ردّت على هذا الدفع بأن الوقف لا يملك بمضي المدّة. وفى 28 أبريل سنة 1932 قضت محكمة مصر بإحالة هذه الدعوى على التحقيق وكان من ضمن الأسباب التي ذكرتها قولها:
إنه لا نزاع في أن إقرار السيد خليل عبد القدّوس بالوقف لا يجب أن يكون سببا مانعا من جواز تملك من بعد من الورثة ملكية صحيحة للأرض موضوع النزاع. فان هذا الإقرار ولو أنه منشئ للوقف (كذا) ملزم لنفس المقرّ من حيث عدم جواز نقضه والادعاء بتملكه للأرض بمضي المدّة، فان هذا الأثر لا يتعدّى إلى غيره من ورثاه أو الغير إذا كانوا قد وضعوا يدهم على الأرض بنية التملك ظاهرين بمظهر المالكين. وقد قدّم المدّعى عليهم دليلا على ذلك سلسلة عقود صادرة من سنة 1892 تتناول التصرف في الأرض والبناء.
وحيث إنه لا يرد على ذلك ما ذهبت إليه وزارة الأوقاف وحاولت التدليل عليه بما قدّمته من الأحكام المرفقة بمذكرتها من أن نية التملك لا يمكن أن يقوم عليها دليل أو تظهر بمظهر خارجي عند مالك البناء المقام على أرض محكرة، فان صعوبة التدليل على واقعة لا يؤثر على القاعدة القانونية في ذاتها، فضلا عن أن نية التملك قد يدل عليها تصرف مالك البناء فيه وفى الأرض معا كما يدعى المدّعى عليهم.
باشرت المحكمة التحقيق وسمعت أقوال الشهود ثم حكمت بتاريخ 2 مايو سنة 1933 برفض الدعوى. فاستأنفت وزارة الأوقاف هذا الحكم بالاستئناف رقم 1081 سنة 50 قضائية، ومحكمة الاستئناف قضت بتاريخ 20 مايو سنة 1934 بإلغاء الحكم المستأنف وثبوت ملكية وزارة الأوقاف بصفتها للأرض موضوع النزاع. وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعنين في 2 أكتوبر سنة 1934، فطعنا فيه بطريق النقض في أوّل نوفمبر سنة 1934 بتقرير أعلن المطعون ضدّها في 4 منه. وقدّم الطرفان مذكرتيهما في الميعاد، وقدّمت النيابة مذكرتها في 23 يونيه سنة 1935.
وبجلسة الخميس 24 أكتوبر سنة 1935 التي تحدّدت لنظر هذا الطعن سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة وتأجل النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد سماع المرافعة الشفوية والاطلاع على الأوراق والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن رفع صحيحا في الميعاد عن حكم قابل له فهو مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن بنى على سببين:
(الأوّل) مخالفة الحكم المطعون فيه للمادة 103 من قانون المرافعات. وفى تفصيل هذا الوجه يقول الطاعنان إن بأسباب الحكم عدّة عيوب مبطلة له مجتمعة أو منفردة فانه: (1) لم يوضح وقائع النزاع إيضاحا كافيا و(2) لم يذكر طلبات الخصوم ولم يبين جوهر دفاعهم و(3) لم يرد على دفع أبداه أوّل الطاعنين في مذكرة مقدّمة منه في 22 فبراير سنة 1934 هو عدم قبول الاستئناف المرفوع من الوزارة لرضائها عن الحكم التمهيدي الصادر في 28 أبريل سنة 1932 وتنفيذها له دون أن تحتفظ بحق استئنافه و(4) مناقضته للمستندات المقدّمة للمحكمة، إذ قد ورد به أن خليل عبد القدوس باع في سنة 1901 جزءا من العقار المتنازع عليه إلى السيد حسن الدمنهوري مع أن خليل عبد القدوس توفى في سنة 1299 هجرية و(5) أخذه بأسباب الحكم التمهيدي الصادر في 28 أبريل سنة 1932 أخذا مطلقا ثم خروجه على ما قضى به الحكم المذكور من اعتبار العقود المقدّمة من الطاعنين دليلا على ملكيتهما للعقار يصح تأييده بالبينة و(6) إلغاؤه الحكم الابتدائي دون أن يبين سببا لعدم الأخذ بالأدلة التي اعتمد عليها ذلك الحكم الابتدائي بل ودون أن يشير إليه بكلمة تشعر أن المحكمة اطلعت عليه.
(الثاني) مخالفة الحكم المطعون فيه للمادة 28 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية والمادة 376 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية والمواد 7 و76 و208 من القانون المدني. وفى تفصيل هذا الوجه يقول الطاعنان ما حاصله أن القانون المدني قرّر في المادتين 76 و208 المبدأ العام لتملك الحقوق وسقوطها بمضي المدّة، وأنه عملا بالمادة 28 من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية والمادة 7 من القانون المدني قد طبق الشراح والمحاكم هذا المبدأ في مادة الوقف على ضوء القواعد الشرعية فأخذوا بما قرّرته المادة 376 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية من أن القضاة ممنوعون من سماع الدعاوى التي مضت عليها 15 سنة مع تمكن المدّعى من رفعها وعدم العذر الشرعي له في عدم إقامتها إلا في الإرث والوقف فان سماعها لا يمنع إلا بعد 33 سنة مع التمكن وعدم العذر. وهذا كله مع إنكار الحق في تلك المدّة. يقول الطاعنان هذا ثم يقولان إن ما يسرى على الوقف يسرى على الحكر، وإنه عملا بهذا المبدأ قضت المحاكم بأن دعوى المطالبة بالحكر تسقط إن أهمل المستحكر رفعها مدّة 33 عاما، وإن الثابت في الدعوى الحالية أن وزارة الأوقاف لم تطالب بالحكر إلا في عام 1914 أى بعد مضى 50 عاما على شراء خليل عبد القدّوس للعقار، وإن هذه الواقعة وحدها تكفى لرفض دعوى الوزارة بغض النظر عن صفة وضع يد كل من خليل عبد القدّوس وورثته على العقار.
ولهذين السببين يطلب الطاعنان نقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصليا بتأييد الحكم الابتدائي الصادر في 2 مايو سنة 1933 من محكمة مصر واحتياطيا إحالة الدعوى لمحكمة الاستئناف للفصل فيها مجدّدا من دائرة أخرى الخ.
عن السبب الأوّل:
حيث إن الطاعنين لم يقدّما دليلا على أن أوّلهما دفع في مذكرة له محرّرة في 22 فبراير سنة 1934 بعدم قبول الاستئناف المرفوع من الوزارة لرضائها عن الحكم التمهيدي الصادر في 28 أبريل سنة 1932. وقد تنازل وكيله فعلا بجلسة المرافعة عن هذا الشطر من طعنه. وكذلك لم يقدّم الطاعنان لهذه المحكمة صورة من الحكم الابتدائي لتعلم محكمة النقض ما هي أدلته التي لم تردّ عليها محكمة الاستئناف. فالشطران الثالث والسادس من هذا الوجه لا اعتداد بهما.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد بين في ديباجته وقائع الدعوى وطلبات الخصوم فيها كما أنه في أسبابه قد قرّر أنه يأخذ بأسباب الحكم التمهيدي الصادر في 28 أبريل سنة 1932 وهذا الحكم مبين فيه بالتفصيل كل وقائع الدعوى وطلبات الخصوم وأوجه دفاعهم، وهذا في ذاته كاف لرد اعتراض الطاعنين في الشطرين الأوّل والثاني من هذا الوجه، ويكون هذان الشطران لا اعتداد بهما أيضا.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذا كان أخذ بأسباب الحكم التمهيدي فانه لم يأخذ بها على إطلاقها كما يقول الطاعنان، بل هو إنما اعتمد من هذه الأسباب ما أثبتت به المحكمة الابتدائية أن الأرض ملك للوقفين اللذين في نظر الوزارة وأنها محكرة إلى خليل عبد القدّوس، وأن ورثة خليل عبد القدّوس هذا (لا خليل نفسه كما ذكر خطأ في الحكم) قد باعوا منها (لا إلى حسن الدمنهوري مباشرة كما ذكر خطأ في الحكم أيضا) بيعا لم تمض عليه المدّة القانونية المكسبة للملكية. ذلك وحده ما أخذت محكمة الاستئناف به من أسباب الحكم التمهيدي كما هو واضح من عبارة حكمها المطعون فيه. وهذا الحكم مع اعتماده ما اعتمده من أسباب الحكم التمهيدي المذكور قد أخذ يبحث في صفة وضع يد ملاك البناء وهل هو قد أوصلهم لكسب ملكية الأرض قانونا أم لا فقرّر أن الحالة التي بصددها البحث قائمة على فساد في وضع اليد لأن المورّث (أى خليل عبد القدّوس) معترف بأن وضع يده هو كمحتكر لا كمالك وهذا الفساد يتعدّى لورثته ما لم يقيموا الدليل على أنهم غيروا صفتهم هذه بصفة ظاهرة غير قابلة للشك، وهذا لا يستفاد من التحقيقات ولم يتقدّم عليه دليل".
وحيث إنه لذلك يكون ما ذكره الطاعنان في الشطر الخامس من الوجه الأوّل من أخذ محكمة الاستئناف بأسباب الحكم التمهيدي إطلاقا ثم خروجها عليه بعدم اعتبارها العقود المقدّمة من الطاعنين دليلا على ملكيتهما لأرض المنزل هو اعتراض غير صحيح من جهة وفيه من جهة أخرى مصادرة لحق محكمة الاستئناف في تقدير قيمة وضع اليد قبل تاريخ هذه العقود ومن بعد تاريخها من ناحية صفته ثم من ناحية استمراره المدّة القانونية أو عدم استمراره.
وحيث إن الشطر الرابع وهو الشطر الباقي من هذا الوجه قائم على مجرّد خطأ مادى انزلق إلى الحكم المطعون فيه. وذلك لأن محكمة الاستئناف بعد أن ذكرت أنه ثبت لديها من الأوراق ومن الحكم التمهيدي الذى تأخذ هي بأسبابه أن الأرض ملك للوقفين اللذين في نظر الوزارة وأنها محكرة إلى خليل عبد القدّوس قد قالت بعد: وإن البيع الصادر من خليل عبد القدّوس إلى حسن الدمنهوري لم يمض عليه المدّة القانونية المكسبة للملكية. ذكرت ذلك وهى تريد بالبداهة أن تتكلم عن البيع الصادر لا من خليل عبد القدوس نفسه الذى كان متوفى من سنة 1299 هجرية (الموافقة سنة 1882 ميلادية) بل من ورثة خليل عبد القدّوس المذكور الذين هم في الواقع البادئون بالبيع دون مورّثهم. وعلى ذلك فهذا الشطر لا يعتدّ به أيضا.
عن السبب الثاني:
حيث إن مجمل ما يقوله الطاعنان في الوجه الثاني أن الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه هي دعوى حكر، وأن إهمال رفعها مدّة 33 سنة يكفى لسقوطها كما تشير إليه عبارة المادة 376 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.
وحيث إنه مما يلاحظ مبدئيا على هذا القول هو انبهامه من جهة ما فيه من أن الدعوى دعوى حكر، إذ دعوى الحكر ليس لها مدلول في العادة سوى دعوى المطالبة بمرتب الحكر، أي أجرة الأرض المحكورة التي تسقط بعدم المطالبة بما زاد منها عن خمس سنوات. وقد تدل على دعوى النزاع في عقد التحكير نفسه من جهة صحته أو بطلانه ووجوب فسخه أو عدم وجوبه. أما الدعوى الحالية فالواقع فيها أنها دعوى تثبيت ملكية عقارية.
وحيث إن ملكية الوقف لا تسقط الدعوى بها بمجرّد الإهمال فقط مدّة 33 سنة كما يقول الطاعنان بل إنها تستمر حاصلة لجهة الوقف ما لم يكسبها أحد بوضع يده 33 سنة وضعا مستوفيا جميع الشرائط المقرّرة قانونا لاكتساب ملكية العقار بوضع اليد. ولقد سبق للدوائر المجتمعة بمحكمة الاستئناف أن بحثت هذا الموضوع من جهة النصوص القانونية والشرعية الخاصة بها وأصدرت فيها حكما بتاريخ 4 مايو سنة 1929 مقرّرا للمبدأ المتقدّم، ومحكمة النقض تسلم تماما بالمقدّمات والنتائج القانونية التي قرّرها الحكم المذكور.
وحيث إن ما يقوله الطاعنان من أن وضع يد المحتكر وورثته من بعده ليس وضع يد مؤقتا مانعا من كسب الملكية كما هو الشأن في المستأجر العادي وورثته وما يستشهدان به على ذلك من بعض الأحكام الأهلية والمختلطة - كل ذلك لا تقرّه محكمة النقض إذ لا شبهة في أن ابتداء وضع يد المحتكر هو بهذا السبب المعلوم وهو التحكير له لا تمليكه العين، فمركزه واضح كل الوضوح أنه مما ينطبق عليه نص المادة 79 من القانون المدني التي تنص على عدم إمكان ثبوت ملكية العقار "لمن كان واضعا يده عليه بسبب معلوم غير أسباب التمليك سواء كان ذلك السبب مبتدأ منه أو سابقا ممن آلت منه إليه". والمادة المذكورة إذا كانت ذكرت من بعد أنه "وعلى ذلك لا تحصل الملكية بوضع اليد للمستأجر والمنتفع والمودع عنده والمستعير ولا لورثتهم من بعدهم" فهذا الذكر ليس واردا بها على سبيل الحصر بل واضح أنه على سبيل التمثيل فقط. على أن المحتكر ليس في الواقع سوى مستأجر، وليس بين عقد الإيجار وعقد التحكير من فارق سوى كون المحتكر له حق البقاء والقرار ما دام يدفع أجرة مثل الأرض المحكرة. وهذا الفارق لا شأن له في صفة وضع يده من جهة كونه مؤقتا أو غير مؤقت، بل إن أقصى ما ينتج عن هذا الفارق هو أن للمحتكر حق الانتفاع العيني بالأرض والمنتفع لا يملك بالمدة لوروده صراحة في ذلك النص.
وحيث إن ما يقوله الطاعنان في مذكرتهما مما حاصله أنه من المقرر شرعا أن عقد التحكير ينفسخ من تلقاء نفسه بمجرّد تأخر المحتكر في دفع الأجرة ثلاث سنين متوالية وأنه بمضي هذه الثلاث السنوات وانفساخ العقد يصبح وضع يد المحتكر حاصلا بغير سبب الحكر، وما يضيفانه من أن وضع اليد هذا إذا طال 33 سنة فقد اكتسب المحتكر الملكية ما دام الغاصب نفسه يكسبها بوضع اليد هذه المدة - ما يقوله الطاعنان من هذا غير مجد وذلك لأن انفساخ عقد التحكير لعدم دفع الأجرة ثلاث سنين أمر إذا كان الشرعيون قرّروه فما ذلك إلا ابتغاء مصلحة الوقف دون مصلحة المحتكر، فالذي يتحدّى به هي جهة الوقف إن أرادته. وهذا على كل حال لا شأن له بكون ابتداء وضع اليد إنما كان حاصلا بسبب التحكير الذى هو سبب مؤقت مهما انفسخ عقد التحكير للعلة المذكورة، بل صفة وضع اليد تبقى على حالها غير متغيرة. ألا ترى أن المستأجر العادي لو كان مقرّرا في عقد التأجير له أن العقد يصبح مفسوخا حتما بعدم دفع الأجرة في مواعيدها فانه مهما انقطع عن دفع الأجرة في مواعيدها ومهما طال انتفاعه بالعين المؤجرة بغير أن يدفع أجرتها، فان أحدا لم يقل إنه يستطيع أن يكسب الملكية بوضع اليد متحدّيا بمثل ما يتحدّى به الطاعنان الآن في شأن الحكر.
وحيث إنه يبين من هذا أن الحكم المطعون فيه لم يخطئ في تطبيقه قاعدة اكتساب الملكية العينية بوضع اليد دون قاعدة سقوط الحق بإهمال طلبه.


الطعن 42 لسنة 5 ق جلسة 14 / 11 / 1935 مج عمر المدنية ج 1 ق 304 ص 955

جلسة 14 نوفمبر سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد لبيب عطية بك ومراد وهبة بك ومحمد فهمى حسين بك وحامد فهمى بك المستشارين.

------------

(304)
القضية رقم 42 سنة 5 القضائية

نقض وإبرام:
) أ) طعن. وجوب المصلحة فيه. حكم صادر من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية. طلب أحد المدّعى عليهم إخراجه من الدعوى بغير مصاريف. طلب المدّعى عليهم الآخرين الحكم بعدم الاختصاص. صدور الحكم بالاختصاص. استئناف المدّعى عليهم الآخرين وحدهم لهذا الحكم. تأييد الحكم استئنافيا. عدم طعنهم في هذا الحكم بطريق النقض. طعن المدّعى عليه الذى لم يستأنف. لا يجوز.
)ب) حكم صادر من محكمة ابتدائية بهيئة استئنافية في قضايا وضع اليد. الطعن فيه بطريق النقض خلوّه من الأسباب. لا يجوز. (المادة العاشرة من قانون محكمة النقض والإبرام)
)حـ) خصم أصيل. سقوط حقه في الطعن. خصم تابع. سقوط حقه في الطعن أيضا.

------------
1 - لا يقبل الطعن لا من غير ذي مصلحة فيه، ولا ممن رضى بالحكم الابتدائي ولم يستأنفه. فإذا كان الطاعن لم يطلب من المحكمة الجزئية سوى الحكم بإخراجه من الدعوى بغير مصاريف، مبينا في مذكرته أن موقفه في الخصومة سلبى وأنه لا يهمه أن تقضى المحكمة باختصاصها أو بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وكان زملاؤه المدّعى عليهم الآخرون هم الذين دفعوا بعدم اختصاص المحاكم الأهلية، وكانوا وحدهم استأنفوا حكم المحكمة باختصاصها فأيدته المحكمة الاستئنافية عليهم ولم يطعنوا بعد في هذا الحكم بطريق النقض، وكان الطاعن نفسه مسلما بأنه لم رفع استئنافا عن الحكم الصادر في مسألة الاختصاص، فلا يصح له أن يدعى لأوّل مرة أمام محكمة النقض بأن الحكم المطعون فيه صادر في حقه في مسألة اختصاص وأنه يجوز له لهذه العلة الطعن فيه بالتطبيق لنص المادة العاشرة من قانون محكمة النقض التي تجيز مثل هذا الطعن في أحكام المحاكم الابتدائية الصادرة منها بهيئة استئنافية.
2 - الأحكام الصادرة من المحاكم الابتدائية بهيئة استئنافية في قضايا وضع اليد هي مما لا يجوز الطعن فيها بالبطلان لخلوّها من الأسباب، لأن المادة العاشرة من قانون محكمة النقض قد قصرت حالات الطعن في هذه الأحكام على حالة مخالفة القانون فقط.
3 - إن ما يكون قضاء على الخصم الأصلي يكون قضاء على من يتبعه بالضرورة، فمتى انقطع حق الأصيل في الطعن زال حق التابع فيه. وإذن فاذا كان شخص قد اختصم في الدعوى بصفته عمدة واعتمد هو نفسه على صفته هذه في طلب الحكم بإخراجه من الدعوى لأنه ليس سوى منفذ للأوامر الإدارية الصادرة له من رجال الحكومة ولاحظت محكمة الدرجة الأولى هذه الصفة أيضا فلم تلزمه بشيء من المصاريف وتابعتها في ذلك محكمة الاستئناف، فلا مصلحة له ولا صفة في رفع طعن على حكم محكمة الاستئناف الصادر عيه بتلك الصفة وعلى وزارة الأشغال وتفتيش الري ومديرية البحيرة التي ينفذ هو الأوامر الصادرة إليه منها.

الطعن 43 لسنة 5 ق جلسة 5 / 12 / 1935 مج عمر المدنية ج 1 ق 306 ص 957

جلسة 5 ديسمبر سنة 1935

برياسة سعادة عبد العزيز فهمى باشا رئيس المحكمة وبحضور حضرات: محمد لبيب عطية بك ومراد وهبة بك وحامد فهمى بك وعبد الفتاح السيد بك المستشارين.

--------------------

(306)
القضية رقم 43 سنة 5 القضائية

المجالس الحسبية:
(أ) مراقبة أعمال الأوصياء والقامة والوكلاء. اختصاص المجالس الحسبية دون غيرها بذلك. إقرارها عمل أيهم. حجية قرار المجلس في حق عديم الأهلية. تقديم المتولي الحساب السنوي أو النهائي للمجلس واعتماد المجلس إياه يمنع من مطالبته بالحساب مرة أخرى. متى يصح الرجوع في أقلام هذا الحساب؟
)ب) المادة 34 من قانون المجالس الحسبية الصادر في سنة 1925. المقصود منها.
)حـ) قرارات المجالس الحسبية باعتماد الحساب. مناط حجيتها. المبالغ التي توجبها قراراتها. كيفية التنفيذ بها. (المواد 3 و21 و24 و34 من قانون المجالس الحسبية الصادر في 13 أكتوبر سنة 1925)

--------------
1 - إن المادة الثالثة من المرسوم بقانون الصادر في 13 أكتوبر سنة 1925 بشأن ترتيب المجالس الحسبية والمادتين 21 و24 منه واضحة الدلالة في أن مراقبة أعمال الأوصياء والقامة والوكلاء وفحص حساباتهم لا يختص به سوى المجالس الحسبية دون مجالس الطوائف التي كان لها مشاركة في هذا الاختصاص من قبل ودون المحاكم العادية أيضا. فمتى نظرت هذه المجالس عمل أيهم وأجازته، ومتى فحصت حساب أيهم واعتمدته، فان إجازتها للعمل واعتمادها للحساب يعتبران حجة نهائية للمتولي يحتج بها على عديم الأهلية كأنها صادرة منه وهو ذو أهلية تامة. ومتى قام متولى شأن عديم الأهلية بواجبه من تقديم الحساب السنوي أو النهائي للمجلس الحسبي فقد سقط عنه واجب تقديم الحساب، ولا تمكن مطالبته مرة أخرى لدى القضاء بتقديم هذا الحساب. على أنه إذا كان طلب الحساب من جديد محظورا بعد تقديم الحساب مرة أولى للجهة المختصة، وإذا كان محظورا أيضا الرجوع للمناقشة عموم أقلام الحساب بعد أن حصلت تلك المناقشة مرة أولى وتقرّرت نتيجته النهائية تقريرا هو حجة على طرفيه، فان من غير المحظور قانونا الرجوع للحساب المعتمد لتصحيح ما يكون وقع في أرقامه من خطأ عملياته الحسابية أو للطعن في أقلام خاصة بعينها من أقلامه تكون قائمة على غلط مادى أو تدليس أو تزوير.
2 - إن المادة 34 من قانون 13 أكتوبر سنة 1925 تشير إلى ما يكون للقاصر أو للمحجور عليه من الدعاوى الشخصية الناشئة عن أمور الوصاية والقوامة بعد انتهائهما وانتهاء مأمورية المجلس الحسبي، كدعاوى تصحيح أرقام الحساب أو المسئولية عما يكون وقع في أقلام منه بعينها من التدليس أو التزوير مما أشير إليه فيما تقدّم، وكدعاوى طلب الحساب في صورة ما إذا كان الوصي أو القيم قد امتنع عن تقديم أى حساب للمجلس على الرغم من تنبيه المجلس عليه ومعاقبته بسبب عدم قيامه بهذا الواجب وغير ذلك، أما في صورة ما إذا قدّم متولى شأن عديم الأهلية الحساب وفحص المجلس الحسبي هذا الحساب واعتمده فلا يجوز التحدّي بهذه المادة.
3 - إن ما يثار عادة من أن قرارات المجالس الحسبية في مسائل الحساب تحوز قوّة الشيء المحكوم فيه أو لا تحوز إنما هو إثارة بحث لا محل له. ذلك بأن المجالس الحسبية لا تصدر أحكاما بالملزومية حتى يكون لها قوّة الشيء المحكوم فيه أو لا يكون، وإنما هي عقب فحصها للحساب إذا ما قرّرت اعتماده فان اعتمادها يكون تتميما لاتفاق رسمي بين عديم الأهلية، الحاّلة هي محله بقوّة القانون من جهة، وبين وليه من جهة أخرى. وهذا الاتفاق هو وحده الذى يحتج به كل طرف من طرفيه على الآخر ككل العقود والاتفاقات. أما نتيجة هذا الاتفاق إذا كانت موجبة لدين على عديم الأهلية أو على وليه فان هذا الدين إن لم يسدّد ودّيا من أحدهما للآخر فالمحاكم العادية هي التي تحكم به تنفيذا لذلك الاتفاق.


الوقائع

تتحصل وقائع الدعوى - بحسب ما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن المذكرات المقدّمة لمحكمة النقض - في أن مجلس حسبي مصر أصدر قرارا بتاريخ 16 فبراير سنة 1913 بتعيين الست أمينة عبد المنعم القاضي (المطعون ضدّها) قيمة على والدتها الست خدوجة على شلبي التي كانت محجورا عليها، فأخذت هذه القيمة تدير الشئون المالية لمحجورتها وتقدّم عن إدارتها حسابات سنوية للمجلس الحسبي المذكور فكان المجلس يفحصها ويصدر قرارات باعتمادها. واستمرّت هكذا إلى أن توفيت والدتها المذكورة في 23 مارس سنة 1927 عن ورثة منهم أولاد ابنها القصر الثلاثة المشمولون بوصاية والدتهم الطاعنة. وقد قدّمت الست أمينة القيمة أيضا للمجلس تكملة حساب بشأن بضعة الأشهر التي مضت من أوّل سنة 1928 إلى تاريخ وفاة المحجور عليها في 23 مارس سنة 1928 واعتمده المجلس بقرار منه. وبعد ذلك قامت والدة القصر فرفعت بوصايتها عليهم الدعوى الحالية ضدّ الست أمينة أمام محكمة مصر الابتدائية الأهلية حيث قيدت بجدولها برقم 1604 سنة 1933 كلى مصر طالبة فيها إلزام المدّعى عليها بأن تقدّم لها حسابا تفصيليا عن جميع المبالغ التي حصلتها لحساب محجورتها المرحومة الست خديجة وما صرف منها، وذلك من تاريخ تعيينها قيمة لغاية وفاة المحجور عليها في 23 مارس سنة 1928، وأن يكون الحساب مشفوعا بالمستندات المؤيدة له وذلك في بحر 15 يوما من تاريخ الحكم الخ. وقد قضت المحكمة المذكورة بتاريخ 6 مارس سنة 1934 بالزام المدّعى عليها بأن تقدّم حسابا تفصيليا بجميع المبالغ التي حصلتها لحساب محجورتها الست خدوجة على شلبي وما صرف منها وذلك من تاريخ تعيينها قيمة لغاية وفاة المحجور عليها في 23 مارس سنة 1928، وأن يكون الحساب مشفوعا بالمستندات في ظرف شهر من تاريخ النطق بهذا الحكم وإلا فتلزم بغرامة قدرها 50 قرشا عن كل يوم من أيام التأخير وأبقت الفصل في المصاريف.... الخ. فاستأنفت الست أمينة عبد المنعم القاضي هذا الحكم وطلبت إلغاءه ورفض دعوى المستأنف عليها مع إلزامها بالمصاريف وأتعاب المحاماة.
وهذا الاستئناف الذى قيد بجدول محكمة استئناف مصر تحت رقم 575 سنة 51 قضائية قضت فيه المحكمة المذكورة بتاريخ 13 يناير سنة 1935 بقبوله شكلا وبإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليها الست أنيسة بنت مصطفى بصفتها مع إلزامها بمصاريف الدرجتين و300 قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وقد أعلن هذا الحكم إلى الطاعنة في 12 مارس سنة 1935، فطعنت فيه بطريق النقض في 9 أبريل سنة 1935 بتقرير أعلنته إلى المطعون ضدّها في 10 أبريل سنة 1935، وقدّم كل منهما مذكرته في الميعاد، كما قدّمت النيابة مذكرتها في 16 نوفمبر سنة 1935.
وقد حدّد لنظر هذا الطعن جلسة يوم الخميس 5 ديسمبر سنة 1935 حيث سمعت الدعوى على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم صدر الحكم الآتي:


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق والمذكرات والمداولة قانونا.
حيث إن الطعن قدّم عن حكم قابل له وقد تمت إجراءاته القانونية في الميعاد فهو مقبول شكلا.
وحيث إن محصل الطعن:
(أوّلا) أن الحكم المطعون فيه إذ منع تقديم الحساب من جديد بعلة سبق تقديمه للمجلس الحسبي واعتماده إياه قد خالف قانون المجالس الحسبية الصادر في 13 أكتوبر سنة 1925 خصوصا المادة 34 منه. وتقول الطاعنة إن قرارات المجالس الحسبية لا تحوز قوّة الشيء المحكوم فيه، وإنه لهذا جرى القضاء على أن للقاصر أو المحجور عليه بعد انتهاء الوصاية أو القوامة أن يطلب من وصيه أو قيمه حسابا تفصيليا عن مدّة وصايته أو قوامته.
(ثانيا) أن أسباب الحكم وقع فيها تناقض إذ بينما هو يقرّر أنه لا يجوز طلب الحساب من جديد إذا به يعود فيقول إن الطاعنة لم تبين وجه طعنها في الحساب السابق تقديمه للمجلس الحسبي.
(ثالثا) أن الحكم مبنى على وقائع غير صحيحة، فان الطاعنة بينت الأسباب التي ترتكن عليها في مطالبة المطعون ضدّها بتقديم الحساب خلافا لما يقوله الحكم.
وحيث إن المادة الثالثة من المرسوم بقانون الصادر في 13 أكتوبر سنة 1925 بخصوص ترتيب المجالس الحسبية نصت على أن تلك المجالس تنظر دون غيرها في أمور ذكرتها ومنها "مراقبة أعمال الأوصياء ووكلاء الغائبين والنظر في حساباتهم الخ". والمادة 21 منه أوجبت على هؤلاء المتولين استئذان المجلس في التصرفات الماسة من قرب أو من بعد برؤوس أموال عديمي الأهلية. والمادة 24 أوجبت عليهم "أن يقدّموا حسابهم بوجه التفصيل في آخر كل سنة إلى المجلس الحسبي التابعين له وأن تكون حساباتهم مرفقا بها جميع المستندات المؤيدة لها"، كما أوجبت عليهم "تقديم الحسابات النهائية إلى المستحقين أو إلى المتولين الذين يعينون للإدارة بدلهم وأن يكون ذلك أمام المجالس الحسبية".
وحيث إن المادتين 21 و24 ليستا سوى تنفيذ للمادة الثالثة. وكل هذه المواد الثلاث واضحة الدلالة في أن مراقبة أعمال الأوصياء والقامة والوكلاء وفحص حساباتهم لا يختص به سوى المجالس الحسبية دون مجالس الطوائف التي كان لها مشاركة في هذا الاختصاص من قبل ودون المحاكم العادية أيضا.
وحيث إنه إذا كان من مصلحة عديمي الأهلية أن تتولى جهة حكومية كالمجالس الحسبية مراقبة أعمال من يتولون أمورهم والنظر في حساباتهم فان هؤلاء المتولين أيضا كل الحق في الحصول أوّلا بأوّل على ما يثبتون به قيامهم بأعمالهم على الوجه المرضى حتى يطمئنوا ويأمنوا على أن عديم الأهلية لن ينازعهم، لا هو بعد استكمال أهليته ولا من يتولى أمره من بعدهم، في حسن قيامهم بتلك الواجبات.
وحيث إن هذا النظر العادل هو الذى تقوم عليه فعلا مهمة المجالس الحسبية فيما يتعلق بمراقبة أعمال الأوصياء والقامة والوكلاء والنظر في حساباتهم. فمتى نظرت عمال أيهم وأجازته، ومتى فحصت حساب أيهم واعتمدته، فان إجازتها للعمل واعتمادها للحساب يعتبران حجة نهائية للمتولي يحتج بها على عديم الأهلية كأنها صادرة منه وهو ذو أهلية تامة. ولو كان في هذا أدنى شك لما قبل أحد أن يتولى شأن عديم الأهلية، ولما كان اختصاص المجالس الحسبية في هذا الصدد ومشقتها في فحص الحساب إلا عبثا في عبث.
وحيث إن ما يثار عادة من أن قرارات المجالس الحسبية في مسائل الحساب تحوز قوّة الشيء المحكوم فيه أو لا تحوز إنما هو إثارة بحث لا محل له في صورة ما إذا كان المجلس اعتمد الحساب نهائيا. ذلك بأن المجالس الحسبية لا تصدر أحكاما بالملزومية حتى يكون لها قوّة الشيء المحكوم فيه أو لا يكون، وإنما هي عقب فحصها للحساب إذا اعتمدته فان اعتمادها يكون تتميما لاتفاق رسمي بين عديم الأهلية الحالة هي محله بقوّة القانون من جهة وبين وليه من جهة أخرى. وهذا الاتفاق هو وحده الذى يحتج به كل طرف من طرفيه على الآخر ككل العقود والاتفاقات. أما نتيجة هذا الاتفاق إذا كانت موجبة لدين على عديم الأهلية أو على وليه، فان هذا الدين إن لم يسدّد ودّيا من أحدهما للآخر، فالمحاكم العادية هي التي تحكم به تنفيذا لذلك الاتفاق.
وحيث إن نتيجة هذا: (أوّلا) أن متولى شأن عديم الأهلية متى قام بواجبه من تقديم الحساب السنوي أو النهائي للمجلس الحسبي فقد سقط عنه واجب تقديم الحساب ولا تمكن مطالبته مرة أخرى لدى القضاء بتقديم هذا الحساب. (ثانيا) أن المجلس الحسبي متى فحص الحساب واعتمده فان اعتماده إياه يكون حجة على عديم الأهلية كما لو كان هذا العديم الأهلية غير عديمها وكان هو الذى اعتمد الحساب.
وحيث إن الثابت في الدعوى الحالية من جهة أن الحسابات المطلوبة سبق تقديمها للمجلس الحسبي وهو الجهة المختصة فلا سبيل لإلزام القيمة بتقديمها مرة أخرى، ومن جهة ثانية أن المجلس اعتمد هذه الحسابات، فاعتماده إياها حجة نهائية للقيمة ملزمة للمحجور عليها ولورثتها من بعدها. وإذن يكون الحكم المطعون فيه لم يخالف القانون، بل هو من هذه الناحية في غاية السلامة ويكون وجه الطعن الأوّل في غير محله.
وحيث إن أسباب الحكم لا تناقض فيها كما تزعم الطاعنة لا من النوع الذى يسقطها جميعا ويجعل الحكم كأنه غير مسبب فيكون داعيا لنقضه، بل ولا من أي نوع آخر ولو بسيط من أنواع التناقض. وذلك لأن طلب الحساب من جديد إذا كان محظورا بعد أن قدّم الحساب مرة أولى للجهة المختصة، وإذا كان محظورا أيضا الرجوع للمناقشة في عموم أقلامه بعد أن حصلت تلك المناقشة مرة أولى وتقرّرت نتيجته النهائية تقريرا هو حجة على طرفيه - إذا كان هذا فان من غير المحظور قانونا الرجوع للحساب المعتمد لتصحيح ما يكون وقع في أرقامه من خطأ عملياته الحسابية أو للطعن في أقلام خاصة بعينها من أقلامه تكون قائمة على غلط مادى أو تدليس أو تزوير. وهذا المعنى هو الذى أرادته محكمة الاستئناف حين قالت في الحكم المطعون فيه إن المستأنف عليها (الطاعنة) لم تبين وجه طعنها على الحسابات التي قدّمت للمجلس واعتمدت. وإذن يكون الوجه الثاني غير جدير بالاعتبار.
وحيث إن الوجه الثالث لا اعتداد به، فان الطاعنة لا تقول إنها بينت ما يدل على وقوع خطأ في أرقام العمليات الحسابية ولا إنها ادعت غلطا ماديا أو تدليسا أو تزويرا في أقلام بعينها من الحساب وأقامت الدليل عليه وإنما تقول إنها بينت الأسباب الموجبة لتقديم الحساب، فكلامها في هذا الصدد هو مجرّد ترديد لما تقوله في الوجه الأوّل مما سبق بيان بطلانه.
وحيث إنه لجميع ذلك يتعين رفض الطعن. على أنه لا يفوت هذه المحكمة الإشارة إلى أن تحدّى الطاعنة بالمادة 34 من قانون أكتوبر سنة 1925 لا يفيدها فان هذه المادة تشير إلى ما يكون للقاصر أو للمحجوز عليه من الدعاوى الشخصية الناشئة عن أمور الوصاية والقوامة بعد انتهائهما وانتهاء مأمورية المجلس الحسبي كدعاوى تصحيح أرقام الحساب أو المسئولية عما يكون وقع في أقلام منه بعينها من التدليس أو التزوير مما أشير إليه فيما تقدّم، وكدعاوى طلب الحساب في صورة ما إذا كان الوصي أو القيم قد امتنع عن تقديم أي حساب للمجلس على الرغم من تنبيه المجلس عليه ومعاقبته بسبب عدم قيامه بهذا الواجب وغير ذلك.