الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 1 أبريل 2022

الطعن 2790 لسنة 89 ق جلسة 22 / 3 / 2022 مكتب فني 72 هيئة عامة ق 1 ص 5

جلسة 22 من مارس سنة 2022

برئاسة السيد القاضي / عبد الله عمر رئيس محكمة النقض وعضوية السادة القضاة / محمود مسعود، أحمد عبد القوي، محمد محجوب، د. عبد الرحمن هيكل، حمد عبد اللطيف، عبد التواب أبو طالب، عاصم الغايش، منصور القاضي، عابد راشد وخالد الحادي نواب رئيس المحكمة .

----------------------

هيئة عامة (1)

الطعن رقم 2790 لسنة 89 القضائية

هيئة عامة . دعوى مدنية . قانون " تفسيره " . تعويض . محكمة الإعادة .

اختصاص القضاء الجنائي استثناءً بالفصل في دعوى التعويض المدنية التابعة حفاظاً على الحقوق ومنعاً لتضارب الأحكام وتعطيل الإجراءات . حد وأساس ذلك ؟

المواد 251 /1 و 266 و 395 /1 إجراءات جنائية . مفادها ؟

دعاوى الحقوق المدنية . الأصل أن ترفع أمام المحاكم المدنية . إباحة رفعها استثناءً أمام المحاكم الجنائية . متى كان الحق المُدعى به ناشئاً عن الضرر من الجريمة المرفوعة بها الدعوى وتابعة لها وفقاً للحدود المقررة قانوناً . أساس ذلك ؟

وجوب التحرز في تفسير القوانين الجنائية وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل . البحث في حِكمة التشريع ودواعيه تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه . علة ذلك ؟

انصراف لفظ التشديد الوارد بمتن المادة 395 إجراءات جنائية المستبدلة بالقانون11 لسنة 2017 للعقوبة والتعويض معاً .

نص المادة 395 إجراءات جنائية بعد تعديله . تضمنه قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بعدم القضاء بعقوبة جديدة وألَّا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي .

القياس في مسألة أحقية المضرور من الجريمة الادعاء مدنياً لأول مرة في إعادة الإجراءات على أحقيته في ذلك في المعارضة المرفوعة من المتهم أمام محكمة أول درجة . تخصيص للنص دون مُخصص . علة ذلك ؟

مبدأ عدم أحقية المضرور من الجريمة في الادعاء مدنياً لأول مرة في إعادة الإجراءات . صحيح ولا ترى الهيئة العدول عنه .

المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية . مفادها ؟

فصل الهيئة في المسألة المعروضة . يعيد الطعن إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه طبقًا لأحكام القانون .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من المقرر أن الأصل أن الدعوى الجنائية من اختصاص القضاء الجنائي وأن الدعوى المدنية من اختصاص القضاء المدني بيد أن بعض التشريعات - ومنها القانون المصري - لاحظت الطابع الجنائي التبعي لدعوى التعويض المدنية المترتبة على الجريمة وقدرت أن انفصالها عن الدعوى الجنائية وسيرها في طريقها الطبيعي أمام القضاء المدني المختص بنظرها قد يؤدي إلى تعطيل الإجراءات وضياع الحقوق واحتمال تضارب الأحكام فاتجهت إلى تخويل القضاء الجنائي الاختصاص بالفصل في الدعوى المدنية، هذا بالإضافة إلى أن القضاء الجنائي أكثر قدرة على الفصل في النزاع المدني الناشئ عن الجريمة لكن هذا الاختصاص الاستثنائي للقضاء الجنائي مقيد بتبعية الدعوى المدنية للدعوى الجنائية التي حُركت أمامه، كما أن قبول هذه الدعوى يتوقف على عدم كونها معطلة للفصل في الدعوى الجنائية، لذلك فقد نص في الفقرة الأولى من المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه " لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيًا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوى حتى صدور القرار بإقـفـال باب المرافعة طبقـًا للمادة 275، ولا يقبل منه ذلك أمام المحكمة الاستئنافية " . وكان من المقرر أن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية وكان الحق المدعى به ناشئـًا عن ضرر للمدعي من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية، أي أن يكون طلب التعويض ناشئًا مباشرة عن الفعل الخاطئ المكون للجريمة موضوع الدعوى الجنائية المنظورة، ومتى تقرر أن هذه الإجازة مبناها الاستثناء فقد وجب أن تكون ممارستها في الحدود التي رسمها القانون، كما ونص في المادة 266 من ذات القانون على أنه " يتبع في الفصل في الدعوى المدنية التي ترفع أمام المحاكم الجنائية الإجراءات المقررة بهذا القانون " . لما كان ذلك، وكانت الفقرة الأولى من المادة 395 من ذات القانون المستبدلة بالقانون رقم 11 لسنة 2017 قد جرى نصها على أنه " إذا حضر المحكوم عليه في غيبته، أو قبض عليه، أو حضر وكيله الخاص وطلب إعادة المحاكمة قبل سقوط العقوبة بمضي المدة، يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوى، ويُعرض المقبوض عليه محبوسًا بهذه الجلسة، وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطيًا حتى الانتهاء من نظر الدعوى، ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي " . والأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنها يجب أن تعد تعبيرًا صادقًا عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أيًا كان الباعث على ذلك ولا الخروج على النص متى كان واضحًا جلي المعنى قاطعًا في الدلالة على المراد منه بدعوى الاستهداء بالحِكمة التي أملته ؛ لأن البحث في حِكمة التشريع ودواعيه إنما تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، إذ تدور الأحكام مع علتها لا مع حِكمتها، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب تطبيقه، وإذ جاءت عبارة ( ولا يجوز في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي ) مطلقة من كل قيد في نص الفقرة الأولى من المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية سالف الإشارة إليها، كما أن لفظ التشديد لا يمكن أن ينصرف إلى غير المدلول العام الوارد في عبارة النص سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو التعويضات لاسيما وقد أورد ذات النص في متنه عدم سقوط الحكم بالنسبة لكليهما إلَّا بحضور من صدر ضده الحكم الغيابي جلسات المُحاكمة، وكان نص المادة 395 المار ذكرها بعد تعديله وإن كان في ظاهره إجرائي إلَّا أنه يتضمن قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابيًا ألَّا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي، ومن ثم فإنه عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً لا يجوز الإساءة إليه بتشديد العقوبة المقضي بها عليه غيابيًا أو القضاء بعقوبة جديدة كما لا يجوز بالنسبة للتعويضات الحكم بها ابتداءً في إعادة الإجراءات أو بزيادة مقدارها عما قضى به الحكم الغيابي، وهذا التعديل جاء متسقـًا مع أصول المُحاكمة المنصفة التي تحترم مبدأ أن الأصل في المتهم البراءة إعمالًا للشرعية الإجرائية، ورغم أن حضور المحكوم عليه أو القبض عليه وإعادة الإجراءات في الحكم الغيابي السابق صدوره لا يعد طعنًا على الحكم الغيابي حتى يسري عليه مبدأ عدم جواز إضرار الطاعن بطعنه لكن هذا المبدأ في ذاته ينبثق من أن الأصل في المتهم البراءة وينبني على مقتضيات حق الدفاع، وهذا المعنى المتعلق بحظر التشديد في إعادة الإجراءات أمام محكمة الجنايات سواء في الدعوى الجنائية أو المدنية هو الذي كان قائمًا في ذهن المشرع حين أجرى التعديلين للنص سالف البيان بالقانونين رقمي 95 لسنة 2003، 74 لسنة 2007 بما يقطع بأن حظر التشديد في إعادة الإجراءات مطلقًا، يستوي في ذلك أن يكون هذا التشديد من ناحية العقوبة الجنائية أو التعويضات، فإن ما خاض فيه الحكم الذي أجاز الادعاء المدني لأول مرة في إعادة الإجراءات من القول بالتفرقة بين زيادة التعويض والحكم به ابتداءً يكون منه تخصيصًا للنص دون مخصص وبلا سند من القانون كما أن من شأن الأخذ به الانتهاء إلى نتيجة يأباها المنطق وهى أن تعد زيادة مقدار التعويض تشديدًا ولا يعد كذلك الحكم به ابتداءً لأول مرة في إعادة الإجراءات - وهو ما لا يتصور أن يكون الشارع قد قصد إليه – كما أنه لا يمكن قياس مسألة أحقية المضرور من الجريمة الادعاء مدنيًا لأول مرة في إعادة الإجراءات على أحقيته في الادعاء مدنيًا في المعارضة المرفوعة من المتهم أمام محكمة أول درجة، ذلك أن تلك الأحقية الأخيرة مقرره بموجب صريح نص الفقرة الأولى من المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية سالف الإشارة إليه خاصة أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق - ومن ذلك حق التقاضي - أنها سلطة تقديريـة ما لم يقيدها الدستور بضوابط تُعد تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وتتمثل جوهر سلطة المشرع في تنظيم الحقـوق، في المفاضلة التي يجريها بين بدائل متعددة تتزاحم فيما بينها وفق تقديره لتنظيم موضوع معين، فلا يختار منها إلَّا ما يكون مناسبًا أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها أو ما يراه أكفل لتحقيق المصالح التي قصد حمايتها، وإذ كان المشرع قد منح الحق للمضرور من الجريمة في الادعاء مدنيًا في المعارضة المرفوعة من المتهم أمام أول درجة بموجب نص المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية إلَّا أن ذلك النص هو نص استثنائي لا يمكن القياس عليه، لما هو مقرر أن إعمال القياس في تفسير القواعد الإجرائية مشروط بأنه لا قياس على نص استثنائي تطبيقـًا لقاعدة أن الاستثناء لا يقاس عليه .

لما كان ما تقدم، فإن المبدأ الذي قررته الأحكام التي قضت بعدم أحقية المضرور من الجريمة في الادعاء مدنيًا لأول مرة في إعادة الإجراءات يكون في محله ولا ترى الهيئة العدول عنه، وحيث كان النص في المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية على أن : " تشكل الجمعية العامة لمحكمة النقض هيئتين بالمحكمة كل منها من أحد عشر قاضيًا برئاسة رئيس المحكمة أو أحد نوابه إحداهما للمواد الجنائية والثانية للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها وإذا رأت إحدى دوائر المحكمة العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة أحالت الدعوى إلى الهيئة المختصة بالمحكمة للفصل فيها وتصدر الهيئة أحكامها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل .... "، والمستفاد مما ورد في هذه المادة لاسيما ما تعلق منها بتشكيل الهيئة الواحدة " فقرة / ٢ " هو أنه كلما رأت العدول عن مبدأ قررته أحكام سابقة أصدرت حكمها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء بالنسبة للهيئة ولم تلزم تلك الهيئة بعد الفصل في مسألة العدول بالفصل في موضوع الطعن وجوبيًا، إذ إن العدول هو الذي يلزم له نصاب الأغلبية المُشار إليها دون الحكم في الطعن نفسه الذي يكفي فيه بعد ذلك الأغلبية العادية المُقررة لإصدار الأحكام، ومن ثم، فإن الهيئة - بعد الفصل في المسألة المعروضة - تُعيد الطعن إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه طبقًا لأحكام القانون .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه :

1- شرع في قتل المجني عليه / .... عمدًا من غير سبق إصرار أو ترصد بأن قام بالتعدي عليه بالضرب باستخدام أداة " شرشرة " على رأسه فتفاداها بيده اليسرى فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعي المرفق قاصدًا من ذلك قتله إلَّا أنه قد خاب أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو تجمع الأهالي ومداركة المجني عليه بالعلاج وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .

2- أحرز أداة " شرشرة " مما تستخدم في الاعتداء على الأشخاص دون مسوغ من الضرورة الشخصية أو الحرفية .

      وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.

      والمحكمة المذكورة قضت غيابيًا بمعاقبته بالسجن لمدة خمس سنوات .

      وإذ أُعيدت إجراءات المحاكمة، وادعى وكيل المجني عليه مدنيًا قِبَل المتهم بمبلغ عشرة آلاف جنيه وواحد على سبيل التعويض المدني المؤقت .

      ومحكمة الإعادة – محكمة جنايات .... - قضت حضوريًا عملاً بالمواد 45/1، 46/3،2، 234/1 من قانون العقوبات، والمادتين 1/1، 25 مكرراً/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل، والبند رقم " 7 " من الجدول رقم " 1 " الملحق به، وذلك بعد إعمال نص المادة 32/2 من قانون العقوبات، بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات، وألزمته بالمصاريف الجنائية وبأن يؤدي للمدعي بالحق المدني مبلغًا قدره عشرة آلاف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت، مع إلزامه بمصروفات الدعوى المدنية ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة .

      فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .

      وبجلسة .... قررت محكمة النقض دائرة .... الجنائية إحالة الطعن إلى الهيئة العامة  للمواد الجنائية بمحكمة النقض .

      وبجلسة اليوم سمعت المرافعة على النحو المبين بمحضر الجلسة .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الهيئة

حيث إنه بجلسة .... قررت الدائرة الجنائية .... بهذه المحكمة إحالة هذا الطعن إلى الهيئة العامة للمواد الجنائية بطلب العدول عن الأحكام الصادرة من الدوائر الجنائية بالمحكمة التي قررت عدم أحقية المضرور من الجريمة الادعاء مدنيًا أمام محكمة الجنايات لدى نظرها إعادة الإجراءات في الحكم الغيابي السابق صدوره منها مع تأييد الحكم الصادر في الطعن رقم .... لسنة .... ق بجلسة .... والذي قرر بأحقية سالف الذكر في ذلك والأحكام الصادرة في ذات الشأن والمؤيدة للحكم الأخير.

وحيث إن مثار الخلاف بين الأحكام المطلوب العدول عنها وبين تلك المطلوب تأييدها يدور بشأن ما إذا كان قبول محكمة الجنايات الادعاء المدني من المضرور من الجريمة لدى نظرها إعادة الإجراءات في الحكم الغيابي السابق صدوره منها يعد تشديدًا محظورًا عليها وفقـًا لنص المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية في فقرتيها الأولى والثانية المستبدلة بالقانون 11 لسنة 2017 من عدمه . لما كان ذلك، وكان الأصل أن الدعوى الجنائية من اختصاص القضاء الجنائي وأن الدعوى المدنية من اختصاص القضاء المدني بيد أن بعض التشريعات - ومنها القانون المصري - لاحظت الطابع الجنائي التبعي لدعوى التعويض المدنية المترتبة على الجريمة وقدرت أن انفصالها عن الدعوى الجنائية وسيرها في طريقها الطبيعي أمام القضاء المدني المختص بنظرها قد يؤدي إلى تعطيل الإجراءات وضياع الحقوق واحتمال تضارب الأحكام فاتجهت إلى تخويل القضاء الجنائي الاختصاص بالفصل في الدعوى المدنية، هذا بالإضافة إلى أن القضاء الجنائي أكثر قدرة على الفصل في النزاع المدني الناشئ عن الجريمة لكن هذا الاختصاص الاستثنائي للقضاء الجنائي مقيد بتبعية الدعوى المدنية للدعوى الجنائية التي حُركت أمامه، كما أن قبول هذه الدعوى يتوقف على عدم كونها معطلة للفصل في الدعوى الجنائية، لذلك فقد نص في الفقرة الأولى من المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه " لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعيًا بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى الجنائية في أية حالة كانت عليها الدعوى حتى صدور القرار بإقـفـال باب المرافعة طبقـًا للمادة 275، ولا يقبل منه ذلك أمام المحكمة الاستئنافية " . وكان من المقرر أن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية، وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى الجنائية وكان الحق المدعى به ناشئـًا عن ضرر للمدعي من الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية، أي أن يكون طلب التعويض ناشئًا مباشرة عن الفعل الخاطئ المكون للجريمة موضوع الدعوى الجنائية المنظورة، ومتى تقرر أن هذه الإجازة مبناها الاستثناء فقد وجب أن تكون ممارستها في الحدود التي رسمها القانون، كما ونص في المادة 266 من ذات القانون على أنه " يتبع في الفصل في الدعوى المدنية التي ترفع أمام المحاكم الجنائية الإجراءات المقررة بهذا القانون " . لما كان ذلك، وكانت الفقرة الأولى من المادة 395 من ذات القانون المستبدلة بالقانون رقم 11 لسنة 2017 قد جرى نصها على أنه " إذا حضر المحكوم عليه في غيبته، أو قبض عليه، أو حضر وكيله الخاص وطلب إعادة المحاكمة قبل سقوط العقوبة بمضي المدة، يحدد رئيس محكمة الاستئناف أقرب جلسة لإعادة نظر الدعوى، ويُعرض المقبوض عليه محبوسًا بهذه الجلسة، وللمحكمة أن تأمر بالإفراج عنه أو حبسه احتياطيًا حتى الانتهاء من نظر الدعوى، ولا يجوز للمحكمة في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي " . والأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية والتزام جانب الدقة في ذلك وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل، وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنها يجب أن تعد تعبيرًا صادقًا عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أيًا كان الباعث على ذلك ولا الخروج على النص متى كان واضحًا جلي المعنى قاطعًا في الدلالة على المراد منه بدعوى الاستهداء بالحِكمة التي أملته ؛ لأن البحث في حِكمة التشريع ودواعيه إنما تكون عند غموض النص أو وجود لبس فيه، إذ تدور الأحكام مع علتها لا مع حِكمتها، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة نص القانون الواجب تطبيقه، وإذ جاءت عبارة ( ولا يجوز في هذه الحالة التشديد عما قضى به الحكم الغيابي ) مطلقة من كل قيد في نص الفقرة الأولى من المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية سالف الإشارة إليها، كما أن لفظ التشديد لا يمكن أن ينصرف إلى غير المدلول العام الوارد في عبارة النص سواء فيما يتعلق بالعقوبة أو التعويضات لاسيما وقد أورد ذات النص في متنه عدم سقوط الحكم بالنسبة لكليهما إلَّا بحضور من صدر ضده الحكم الغيابي جلسات المُحاكمة، وكان نص المادة 395 المار ذكرها بعد تعديله وإن كان في ظاهره إجرائي إلَّا أنه يتضمن قاعدة موضوعية تقيد محكمة الموضوع عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابيًا ألَّا تزيد بالعقوبة أو بالتعويضات التي تحكم بها عما قضى به الحكم الغيابي، ومن ثم فإنه عند إعادة الإجراءات بمحاكمة المحكوم عليه غيابياً لا يجوز الإساءة إليه بتشديد العقوبة المقضي بها عليه غيابيًا أو القضاء بعقوبة جديدة كما لا يجوز بالنسبة للتعويضات الحكم بها ابتداءً في إعادة الإجراءات أو بزيادة مقدارها عما قضى به الحكم الغيابي، وهذا التعديل جاء متسقـًا مع أصول المُحاكمة المنصفة التي تحترم مبدأ أن الأصل في المتهم البراءة إعمالًا للشرعية الإجرائية، ورغم أن حضور المحكوم عليه أو القبض عليه وإعادة الإجراءات في الحكم الغيابي السابق صدوره لا يعد طعنًا على الحكم الغيابي حتى يسري عليه مبدأ عدم جواز إضرار الطاعن بطعنه لكن هذا المبدأ في ذاته ينبثق من أن الأصل في المتهم البراءة وينبني على مقتضيات حق الدفاع، وهذا المعنى المتعلق بحظر التشديد في إعادة الإجراءات أمام محكمة الجنايات سواء في الدعوى الجنائية أو المدنية هو الذي كان قائمًا في ذهن المشرع حين أجرى التعديلين للنص سالف البيان بالقانونين رقمي 95 لسنة 2003، 74 لسنة 2007 بما يقطع بأن حظر التشديد في إعادة الإجراءات مطلقًا، يستوي في ذلك أن يكون هذا التشديد من ناحية العقوبة الجنائية أو التعويضات، فإن ما خاض فيه الحكم الذي أجاز الادعاء المدني لأول مرة في إعادة الإجراءات من القول بالتفرقة بين زيادة التعويض والحكم به ابتداءً يكون منه تخصيصًا للنص دون مخصص وبلا سند من القانون كما أن من شأن الأخذ به الانتهاء إلى نتيجة يأباها المنطق وهى أن تعد زيادة مقدار التعويض تشديدًا ولا يعد كذلك الحكم به ابتداءً لأول مرة في إعادة الإجراءات - وهو ما لا يتصور أن يكون الشارع قد قصد إليه – كما أنه لا يمكن قياس مسألة أحقية المضرور من الجريمة الادعاء مدنيًا لأول مرة في إعادة الإجراءات على أحقيته في الادعاء مدنيًا في المعارضة المرفوعة من المتهم أمام محكمة أول درجة، ذلك أن تلك الأحقية الأخيرة مقرره بموجب صريح نص الفقرة الأولى من المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية سالف الإشارة إليه خاصة أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق - ومن ذلك حق التقاضي - أنها سلطة تقديريـة ما لم يقيدها الدستور بضوابط تُعد تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها، وتتمثل جوهر سلطة المشرع في تنظيم الحقـوق، في المفاضلة التي يجريها بين بدائل متعددة تتزاحم فيما بينها وفق تقديره لتنظيم موضوع معين، فلا يختار منها إلَّا ما يكون مناسبًا أكثر من غيره لتحقيق الأغراض التي يتوخاها أو ما يراه أكفل لتحقيق المصالح التي قصد حمايتها، وإذ كان المشرع قد منح الحق للمضرور من الجريمة في الادعاء مدنيًا في المعارضة المرفوعة من المتهم أمام أول درجة بموجب نص المادة 251 من قانون الإجراءات الجنائية إلَّا أن ذلك النص هو نص استثنائي لا يمكن القياس عليه، لما هو مقرر أن إعمال القياس في تفسير القواعد الإجرائية مشروط بأنه لا قياس على نص استثنائي تطبيقـًا لقاعدة أن الاستثناء لا يقاس عليه .

لما كان ما تقدم، فإن المبدأ الذي قررته الأحكام التي قضت بعدم أحقية المضرور من الجريمة في الادعاء مدنيًا لأول مرة في إعادة الإجراءات يكون في محله ولا ترى الهيئة العدول عنه، وحيث كان النص في المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية على أن : " تشكل الجمعية العامة لمحكمة النقض هيئتين بالمحكمة كل منها من أحد عشر قاضيًا برئاسة رئيس المحكمة أو أحد نوابه إحداهما للمواد الجنائية والثانية للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها وإذا رأت إحدى دوائر المحكمة العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة أحالت الدعوى إلى الهيئة المختصة بالمحكمة للفصل فيها وتصدر الهيئة أحكامها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل .... "، والمستفاد مما ورد في هذه المادة لاسيما ما تعلق منها بتشكيل الهيئة الواحدة " فقرة / ٢ " هو أنه كلما رأت العدول عن مبدأ قررته أحكام سابقة أصدرت حكمها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء بالنسبة للهيئة ولم تلزم تلك الهيئة بعد الفصل في مسألة العدول بالفصل في موضوع الطعن وجوبيًا، إذ إن العدول هو الذي يلزم له نصاب الأغلبية المُشار إليها دون الحكم في الطعن نفسه الذي يكفي فيه بعد ذلك الأغلبية العادية المُقررة لإصدار الأحكام، ومن ثم، فإن الهيئة - بعد الفصل في المسألة المعروضة - تُعيد الطعن إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه طبقًا لأحكام القانون .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هل يجوز الاحتجاج بصورية العقود المسجلة. زكي خير الأبوتيج

مجلة المحاماة – العدد الرابع

السنة التاسعة عشرة سنة 1939

بحث
هل يجوز الاحتجاج بصورية العقود المسجلة
وبأي نوع من الصورية يجوز ذلك

لحضرة صاحب العزة زكي خير الأبوتيجى بك رئيس النيابة لدى محكمة النقض والإبرام (الدائرة المدنية والتجارية)
1 - تمهيد:
باع زيد إلى بكر عقارًا بعقد لم يسجله المشتري ثم باع زيد أيضًا إلى ابنه خالد نفس العقار بعقد بادر خالد إلى تسجيله قبل أن يسجل المشتري الأول عقده.
هذا هو الغرض الذي يدور حوله هذا البحث والمطلوب الآن معرفة ما إذا كان يسوغ لبكر أن يطعن بالصورية في العقد الثاني الصادر من زيد إلى ولده بالرغم من تسجيل هذا العقد وبالرغم من افتراض نقل الملكية إليه بمجرد التسجيل.
إن نص المادة الأولى من قانون التسجيل رقم (18) سنة 1923 كما قالت محكمة النقض (الدائرة المدنية) في حكمها الصادر في 12 ديسمبر سنة 1935 في الطعن رقم (35) سنة 5 قضائية وفي الحكم الصادر في 21 مايو سنة 1936 في قضية الطعن رقم (10) سنة 6 قضائية قد قضى نهائيًا كل احتجاج على صاحب العقد المسجل بسوء نية المتصرف أو بالتواطؤ لذلك لا يجوز التحدي بعبارة سوء النية أو حسنها أو العلم أو عدم العلم المشار إليهما بالمادة (270) وغيرها من مواد القانون المدني.
وتطبيقًا لهذه القاعدة لا يجوز لبكر أن يطلب إبطال العقد المسجل الصادر من البائع إلى ابنه خالد بحجة أنه تواطأ مع ولده على البيع إليه مرة ثانية أو أن المشتري كان عالمًا بأن البيع الصادر إليه يضر بالمشتري الأول.
ولكن مناط هذا كله أن يكون البيع الذي يشوبه التواطؤ بيعًا جديًا بمعنى أن إرادة العاقدين قد توحدت في أن يكون التصرف حقيقيًا أي أنهما قصدا البيع ظاهرًا وباطنًا وأن البائع أراد حقًا التنازل عن ماله إلى المشتري مقابل قيام المشتري بدفع الثمن المتفق عليه.
أما إذا تبين أن البيع صوري وأن العاقدين لم يقصدا ما يدل عليه ظاهر العقد بل أن نيتهما كانت منصرفة إلى ذر الرماد في عيون الغير وإلى الإيهام بوقوع التصرف مع مخالفة هذا للواقع والحال أن الثمن لم يدفعه المشتري وأن البائع لم يقصد التنازل حقيقة عن ملكه إليه.
إذا ثبت هذا فإن الطعن في العقد المسجل يتخذ شكلاً آخر غير الدفع بالتواطؤ أو سوء النية وسترى فيما يأتي هل يجوز الطعن بالصورية وبأي نوع منها.
2 - رأي محكمة استئناف مصر في هذا الموضوع:
قد طرح هذا الموضوع بالذات أولاً على محكمة المنيا الابتدائية في القضية رقم (340) سنة 1936 فأصدرت حكمها في 22 إبريل سنة 1937 وهو يقضي بعدم جواز الدفع بالصورية لأنها ضرب من ضروب التواطؤ وجاء في أسباب ذلك ما يأتي:
وحيث إن التسجيل نفسه هو الناقل للملكية وسوء النية والتواطؤ الذي يقع بين البائع والمشتري الثاني الذي سجل عقده لا يمنعان من أفضلية عقد المشتري الثاني المسجل على عقد المشتري الأول الذي لم يسجل.
فاستؤنف هذا الحكم أمام محكمة استئناف مصر فأصدرت حكمها في تاريخ 27 ديسمبر سنة 1937 في القضية رقم (712) سنة 54 قضائية بتأييد الحكم الابتدائي وجاء في حيثيات الحكم ما يأتي:
(وحيث إن المشتري (الذي لم يسجل) ليس له في الفترة التي تمضي من تاريخ العقد إلى وقت التسجيل سوى مجرد أمل مستقبلاً في امتلاك ما بيع وهذا الأمل ليس حقًا يصح له أن يحتج به على الغير فلا يترتب عليه إذن أحقية في إبطال عقد المشتري الثاني الذي سجله طبقًا للقانون بدعوى أنه صوري إذ لا ملكية له قد سلبها التواطؤ الحاصل بين بائعه وهذا المشتري الثاني لحرمانه من الصفقة وأنه في هذه الحالة ليس لعقده الغير مسجل من أثر سوى الالتزامات الشخصية بينه وبين المتعاقد معه.
وقد طعن بالنقض في هذا الحكم في القضية رقم (38) سنة 8 قضائية فقد منا مذكرة إلى محكمة النقض ضمناها رأيًا يخالف رأي محكمة الاستئناف وتناولنا البحث فيها في النقط الآتية:
أولاً: أنواع الصورية وآثارها.
ثانيًا: العقد المسجل وبأي نوع من الصورية يطعن فيه.
ثالثًا: هل الصورية ضرب من التواطؤ بحيث لا يجوز الطعن فيها في العقد المسجل.
3 - أنواع الصورية وآثارها القانونية:
إن الصورية في العقد على نوعين أولهما الصورية المطلقة (Simulation absolue) والثاني الصورية النسبية Simulation relative.
والثاني الصورية النسبية simulation relative.
فالصورية المطلقة هي التي تشمل العقد بأكمله أي أن الطرفين المتعاقدين قصدا تحرير عقد خيالي معدوم الأثر كلية وقد عرفها ديموج في كتابه الالتزامات جزء أول ص (259) بند (159) كما يأتي:

Lorsqu’en réalité les parties ont voulu ne faire aucun acte juridique, c’est l’acte fictif ou la simulation absolue.

ومناط استظهار هذا النوع من الصورية ينحصر في استجلاء نية العاقدين من الوقائع وملابسات الدعوى وقرائن الأحوال.
ومتى ثبت أن الصورية المطلقة تغشى العقد يعتبر معدوم الأثر قانونًا ولا وجود له إطلاقًا ووجه هذا ظاهر لأن نية العاقدين هي منشأ العقود فإذا اتحدت إرادتهما على أن يكون العقد خياليًا ولا وجود له فهو كذلك بالنسبة لهما وبالنسبة للغير أيضًا - (يراجع بلانيول وربيير جزء (6) ص (459) بند (333) وديموج كتاب الالتزامات جزء أول ص (261) وحكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 11 إبريل سنة 1911 والمنشور في دالوز سنة 1913 جزء أول ص (423)).
أما الصورية النسبية التي تشمل فهي جزءًا من أجزاء العقد كالثمن أو سبب العقد أو وصفه القانوني إلى غير ذلك كأن يذكر في العقد ثمن أقل من الواقع أو أن يذكر فيه أن الثمن دفع وهو لم يدفع فعلاً أو أن يذكر أن السبب هو ثمن بضائع مع أنه قرض في الواقع وتختلف عن الصورية المطلقة في أن المتعاقدين لم يقصدا أن يكون العقد كله خياليًا بل جديًا.
والأثر القانوني للعقد الصوري نسبيًا أنه يعتبر عقدًا صحيحًا وله وجود قانوني وفي بعض الأحوال يعد باطلاً إذا كان سببه غير مشروع أو مغاير للنظام العام أو الآداب ويلاحظ أيضًا أن الصورية النسبة لذاتها ليست سببًا من أسباب بطلان العقود إذ أن الشارع أجازها ضمنًا بدليل ما ورد في المادة (48) من القانون المدني في النص على صحة عقد الهبة الموصوف بصفة عقد آخر ولكن الذي يبطلها إنما سبب آخر غير الصورية يجوز أن يكون موجبًا للبطلان قانونًا:
4 - العقد المسجل وهل يجوز الطعن فيه بالصورية:
ورد النص في المادة الأولى من قانون التسجيل رقم (18) سنة 1923 على أن جميع العقود الصادرة من الأحياء بعوض أو بغير عوض والتي من شأنها إنشاء حق ملكية أو حق عيني آخر يجب إشهارها بواسطة تسجيلها الخ.
ويؤخذ من هذا النص أن الأثر القانوني الذي يلحق بالتسجيل لا يتصل إلا بالعقد الذي من شأنه إنشاء حق الملكية – والعقد الصوري صورية مطلقة لا وجود له قانونًا ومعدوم الأثر إطلاقًا وبالتالي ليس من شأنه إنشاء حق الملكية أو أي حق آخر لا يجديه التسجيل فتيلاً لأن التسجيل ليس إلى وسيلة للإشهار ولا يزيل ما شاب العقد من وجوه البطلان.
لذلك لا مانع قانوني يمنع الغير من الطعن في العقد المسجل بالصورية المطلقة كما أنه يجوز الطعن فيه من الغير بالصورية النسبية إذا انصبت الصورية على سبب العقد وكان سببه الحقيقي غير مشروع أو مخالفًا للنظام العام كالطعن في عقد البيع بأن سببه الوصية والتحايل على أحكام الإرث مثلاً.
لهذا لا نقر محكمة الاستئناف فيما وضعته كقاعدة عامة في حكمها من أن المشتري الأول لا أحقية له في إبطال عقد المشتري الثاني الذي سجله بدعوى أنه صوري ووجه هذا ظاهر لأن العقد الذي تعتوره الصورية المطلقة إنما هو عقد معدوم الأثر فلا ينقل الملكية من البائع كما سبق البيان ويتفرع عليه أنه متى ثبت هذه الصورية يعتبر أن الملكية لا زالت باقية للبائع ويتراخى انتقالها إلى المشتري الأول إلى يوم تسجيل عقده فيكون إذن للمشتري الأول كل المصلحة والحق في الطعن بهذا النوع من الصورية في عقد المشتري الثاني رغم تسجيله.
وقد جاء في حكم محكمة النقض الصادر في 9 ديسمبر سنة 1937 في قضية الطعن رقم (61) سنة 7 قضائية خير تعليل لهذا المبدأ وكان موضوع الدعوى الطعن في العقد المسجل بالصورية ما يأتي:
(وحيث إن الصورية التي تمسك بها الطاعن هي الصورية المطلقة التي يقصد بها إعدام العقد كليًا وإزالته من الوجود ليتمكن هو من تحقيق أثر الحكم الصادر له بصحة توقيع البائعين له على العقد الصادر إليه.
(وحيث إنه لا مانع قانونًا أن يكون لمثل الطاعن أن يتمسك بصورية عقد المشتري الثاني الصورية المطلقة لأنه سواء أكان باعتباره دائنًا للبائعين في الالتزامات التي ترتبت على العقود الصادرة له منهما من جهة القيام بجميع الإجراءات اللازمة لنقل الملكية أم باعتباره صاحب حق عيني موقوف انتقاله إليه إلى ما بعد التسجيل - له بأي هذين الاعتبارين أن يتمسك بالصورية ليزيل جميع العوائق التي تصادفه لتحقيق أثر عقده.
5 - هل الصورية ضرب من ضروب التواطؤ بحيث لا يجوز الطعن بها في العقد المسجل....
قلنا إن الرأي قد استقر في تطبيق قانون التسجيل على أنه لا يجوز التمسك بالتواطؤ الذي يقترن العقد المسجل للإهدار من أثر التسجيل وتفضيل العقد العرفي أو الذي تسجل تسجيلاً متأخرًا.
والصورية بلا شك إخفاء للحقيقة وإلباس العقد ثوبًا غير ثوبه وقد تكون الصورية مقترنة بقصد الإضرار بالغير باتفاق العاقدين على ذلك كالصورية التدليسية ولكن التواطؤ عنصر عرضي يضاف إلى العقد.
وتحريم الطعن بالصورية كلية لأنها درجة من درجات التواطؤ خلط بين العناصر الجوهرية للعقد والعناصر العرضية التي تطرأ عليه.
ذلك لأن الصورية المطلقة والصورية النسبية التي تبطل العقد بطلانًا جوهريًا لعدم مشروعية سببه مثلاً تنصب على كيان العقد القانوني وعلى عناصره الجوهرية وتؤدي إلى إعدام العقد كليًا وإزالته من الوجود كما تقول محكمتنا العليا في حكمها الذي أشرنا إليه آنفًا.
أما التواطؤ الذي حرم التمسك به ضد العقد المسجل والذي قضى قانون التسجيل على التمسك به ضد العقد المسجل فالمقصود منه إنما العنصر العرضي للعقد وبعبارة أخرى أن يكون العقد صحيحًا وجديًا ومتوفر العناصر الجوهرية وإذا شابه التواطؤ بين البائع والمشتري الثاني فلا سبيل إلى الحط من أثره القانوني كناقل للملكية إذا تسجل طبقًا للقانون والدليل على هذا أن قانون التسجيل لا يحمي إلا العقود التي من شأنها نقل الملكية أو الحقوق العينية الأخرى كما ورد في المادة الأولى منه.
مما تقدم نقول ولو أن الصورية قد تكون ضربًا من ضروب التدليس والتواطؤ من الوجهة الأدبية إلا أنها في الاصطلاح القانوني نوع خاص لها آثار قانونية خاصة تختلف باختلاف أنواعها ويقول فابريجت في كتابه في القضاء ص (273) هامش رقم (1).

Bien que la simulation ait pour but le plus souvent de dissimuler à des tiers, cependant elle différe de la fraude proprement dite, du moins elle en différe commé l’espèce du genre.

وخلاصة الرأي:
أولاً: لا يجب قياس الصورية المعدمة للعقد إعدامًا كليًا على التواطؤ الذي يجوز أن يقترن بالعقد الجدي الذي له وجود قانوني ثانيًا: يجوز الاحتجاج بالصورية المطلقة ضد العقد رغم تسجيله وكذلك بالصورية النسبية إذا كان سبب العقد غير مشروع أو مخالفًا للنظام أو منافيًا للآداب ذلك لأن الصورية المطلقة تعدم العقد كلية بحيث لا يكون له أي وجود قانوني والتسجيل لا يكسب العقود المعدومة وجودًا ولأن الصورية النسبية التي أساسها السبب الغير المشروع أو المخالف للنظام أو المنافي للآداب تبطل العقد بطلانًا جوهريًا مطلقًا فتجعله في حكم المعدوم والتسجيل لا يزيل البطلان ولا الشوائب الجوهرية من العقود.
6 - رأي محكمة النقض:
أصدرت محكمة النقض حكمها بتاريخ 20 أكتوبر سنة 1938 في قضية الطعن رقم (28) سنة 8 قضائية وقضت بما يخالف رأي محكمة الاستئناف وجاء في هذا الحكم الأسباب الآتية:
(وحيث إنه يؤخذ من ذلك أن الطاعن كان يدفع بصورية عقد المشتري الثاني الصورية المطلقة التي يقصد بها إعدام العقد إعدامًا كليًا وإزالته من الوجود ليتسنى له الحكم بصحة التعاقد وبتسجيل ذلك الحكم حتى تنتقل له ملكية العين المبيعة له)
(وحيث إنه لا مانع قانونًا يمنع من أن يكون لمثل الطاعن أن يتمسك بصورية عقد المشتري الثاني بالصورية المطلقة إذ باعتباره دائنًا للبائع في الالتزامات التي تترتب على العقد الصادر له منه من جهة القيام بجميع الإجراءات اللازمة لنقل الملكية فإن له أن يتمسك بالصورية ليزيل جميع العوائق التي تصادفه لتحقيق أثر عقده (يراجع حكم محكمة النقض الرقيم 9 ديسمبر سنة 1937) في الطعن رقم (61) سنة 7 قضائية).
(وحيث إن محكمة الاستئناف قد أخطأت في تطبيق قانون التسجيل للمفاضلة بين عقد الطاعن وعقد المدعى عليه الثاني في الطعن كما أخطأت في رفضها البحث في دعوى الصورية المطلقة ارتكانًا على ألا ملكية للطاعن لعدم تسجيل عقده ومن ثم يكون حكمها متعين النقض.)

زكي خير الأبوتيج

الطعن 214 لسنة 24 ق جلسة 3/ 7/ 1954 مكتب فني 5 ج 3 ق 281 ص 883

جلسة 3 من يوليه سنة 1954

برياسة السيد الأستاذ أحمد محمد حسن رئيس المحكمة، وحضور السادة: إسماعيل مجدي، ومصطفى حسن وحسن داود، ومحمود إبراهيم المستشارين.

-------------

(281)
القضية رقم 214 سنة 24 القضائية

مبان.

تقديم متهم بتهمتي إقامة بناء بغير ترخيص على أرض قابلة للتقسيم ولم تقسم. عدم الحكم بالإزالة استنادا إلى عدم مخالفة المتهم لأحكام القانون رقم 93 لسنة 1948 دون التحدث عن مخالفة أحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 الخاص بالتقسيم. قصور.

--------------
إذا كانت النيابة العامة رفعت الدعوى العمومية على المتهم عن تهمتي إقامة بناء بغير ترخيص على أرض قابلة للتقسيم ولم تقسم، وطلبت عقابه على ذلك تطبيقا للمادتين 1 و18 من القانون رقم 93 لسنة 1948 والمادة الأولى من القانون رقم 52 لسنة 1940، وكان الحكم الابتدائي قد دان المتهم في التهمتين وقضى بالغرامة والإزالة تطبيقا لأحكام هذين القانونين، وقضت محكمة ثاني درجة بتأييد الحكم بالنسبة للغرامة وبإلغائه بالنسبة لإزالة لعدم مخالفة المتهم لأحكام القانون رقم 93 لسنة 1948 دون أن تتحدث عن مخالفته لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 الخاص بالتقسيم - فإن حكمها يكون قاصر البيان.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه: أنشأ البناء المبين بالمحضر دون ترخيص على أرض قابلة للتقسيم ولم تقسم. وطلبت عقابه بالمادتين 1 و18 من القانون رقم 93 لسنة 1948 والمادة 1 من القانون رقم 52 لسنة 1940. ومحكمة جنح الرمل الجزئية قضت حضوريا - عملا بمواد الاتهام - بتغريم المتهم مائة قرش والإزالة على نفقته ومائتي قرش للبلدية والمصاريف المدنية بلا مصاريف جنائية. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية قضت حضوريا بقبوله شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف فيما قضى به من الغرامة، وبإلغائه بالنسبة للإزالة بغير مصروفات. وبتاريخ 31 من أكتوبر سنة 1953 حصلت النيابة على شهادة تدل على عدم ختم الحكم المطعون فيه في الميعاد القانوني. فأعلن قلم الكتاب الأستاذ أمين أبو هاشم وكيل أول نيابة الإسكندرية بإيداع الحكم مختوما في 4 من نوفمبر سنة 1953. فطعن فيه بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه خالف القانون بعدم قضائه بإزالة المخالفة تطبيقا للمادة 20 من القانون رقم 52 لسنة 1940 لأن الواقعة المسندة إلى المطعون ضده تكون تهمتين: الأولى - إقامته بناء بغير ترخيص، والثانية - أنشأ تقسيما على أرض قابله له، بدون موافقة السلطة المختصة.
وحيث إن النيابة العامة رفعت الدعوى العمومية على المطعون ضده عن تهمتي إقامة بناء بغير ترخيص على أرض قابلة للتقسيم ولم تقسم. وطلبت عقابه على ذلك تطبيقا للمادتين 1 و18 من القانون رقم 93 لسنة 1948 والمادة الأولى من القانون رقم 53 لسنة 1940، فقضت محكمة أول درجة بإدانته في التهمتين ومعاقبة من أجلهما، بغرامة قدرها مائة قرش والإزالة على نفقته، وإلزامه بمبلغ مائتي قرش للبلدية فلما أن استأنف، قضت محكمة ثاني درجة بتأييد الحكم بالنسبة للغرامة وبإلغائه بالنسبة للإزالة، بمقولة إن المتهم لم يخالف المادة 18 من القانون رقم 93 لسنة 1948. ولما كان الحكم الابتدائي قد دان المطعون ضده في التهمتين، وقضى بالإزالة تطبيقا لأحكام القانون رقم 93 لسنة 1948 ولم يتحدث عن مخالفته لأحكام القانون رقم 52 لسنة 1940 الخاص بالتقسيم, لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قاصر البيان مما يعيبه ويستوجب نقضه.

الطعن 652 لسنة 24 ق جلسة 3/ 7/ 1954 مكتب فني 5 ج 3 ق 282 ص 885

جلسة 3 من يوليه سنة 1954

برياسة السيد الأستاذ أحمد محمد حسن رئيس المحكمة، وحضور السادة: إبراهيم خليل، وإسماعيل مجدي، ومحمود إسماعيل، ومصطفى كامل المستشارين.

------------------

(282)
القضية رقم 652 سنة 24 القضائية

نقض.

طعن لا مصلحة منه، لا جدوى من إثارته. مثال.

-----------------
إذا كان ما نسب إلي الطاعنين هو جناية شروع في قتل وجناية إتلاف زراعة ليلا مع آخرين، فإنه لا مصلحة لهما فيما يثيرانه بشأن توافر أركان جريمة الشروع في القتل ما دامت العقوبة التي أوقعتها عليهما المحكمة هي المقررة لجناية الإتلاف التي انتهت إلى ثبوتها في حقهما ودللت على ذلك بأدلة سائغة مقبولة. كما أنه لا جدوى مما يثيره الطاعن الثاني عن اعتباره شريكا في جناية الإتلاف أو فاعلا ما دامت العقوبة في الحالين واحدة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من 1 - إبراهيم حسن على و2 - محمود جوده على (الطاعنين) و 3 - حسن منصور على و4 - مصطفى دياب عامر بانهم: المتهمون الثلاثة الأول: (أولا) شرعوا في قتل عبد التواب رشوان عامر عمدا ومع سبق الإصرار والترصد بأن عقدوا النية على قتله وأعدوا لذلك أسلحة نارية وكمنوا له في طريقه وأطلقوا عليه عدة أعيرة قاصدين من ذلك قتله فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي، وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو إسعاف المجنى عليه بالعلاج (ثانيا) شرعوا في قتل مصطفى دياب عامر عمدا ومع سبق الإصرار والترصد بأن عقدوا النية على قتله وأعدّوا لذلك أسلحة نارية وكمنوا له في طريق مروره وأطلقوا عليه مقذوفات نارية قاصدين من ذلك قتله، وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهم فيه وهو عدم إحكام الرماية. والمتهم الرابع: شرع في قتل إبراهيم حسن على ومحمد جوده على عمدا بأن أطلق عليهما عيارين ناريين قاصدا من ذلك قتلهما فأحدث بهما الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي، وقد خاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو إسعاف المجنى عليه بالعلاج. وطلبت من قاضى الإحالة أن يحليهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمة الثلاثة الأول طبقا للمواد 45 و46 و230 و231 و232 من قانون العقوبات، والرابع طبقا للمواد 45 و46 و234/ 1 من القانون المذكور، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات الفيوم قضت حضوريا عملا بالمواد 45 و46 و234/ 2 و367 و368 من قانون العقوبات للأول و 40 و41 و43 و45 و46 و234/ 2 من نفس القانون بالنسبة إلى المتهم الثاني مع تطبيق المادة 17 منه للمتهمين الأثنين. (أولا) بمعاقبة إبراهيم حسن على بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنين، ومعاقبة محمد جوده على بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنين. وقد استبعدت المحكمة ركن سبق الإصرار. (ثانيا) ببراءة كل من حسن منصور على ومصطفى دياب عامر مما أسند إليهما. فطعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعن الأول يقول في طعنه إن الحكم المطعون فيه جاء قاصرا عن بيان ثبوت نية القتل إذ استخلص ذلك من مجرد استعمال آلة قاتلة ومن موضع الإصابة والمسافة التي أطلق منها العيار، وهذا وحده لا يكفى إذ يجب في جريمة القتل العمد أن تورد المحكمة الأدلة على انتواء الجاني إزهاق روح المجنى عليه، والأمر الذي لا وجود له في واقعة الدعوى، خصوصا وأن المجنى عليه الثاني قرر في أقواله بمحضر جلسة المحاكمة أن إطلاق النار عليه وعلى زميله الأول كان بقصد الإرهاب. ويقول الطاعن الثاني إن الحكم جاء قاصرا عن بيان الجريمة التي دين بها لأنه بعد أن تحدث عن الجريمة التي ثبتت لديه في حق المتهم الأول، وهى الشروع في قتل المجنى عليهما مقترنة بجريمة تقدمتها، وهى أنه مع آخرين مجهولين أتلفوا زراعة قطن قال إن المتهم الثاني اشترك مع الأول في تلك الجريمة بطريق الاتفاق والمساعدة، وأن جريمة الشروع في القتل وقعت نتيجة محتملة لذلك الاتفاق وتلك المساعدة دون أن يبين الجريمة التي اعتبره شريكا في اقترافها وهل هى جناية الشروع في القتل أم جناية الإتلاف. ثم إنه اعتبره شريكا في جريمة القتل العمد، وأسند إليه في ذات الوقت ارتكاب جريمة الإتلاف بصفته فاعلا أصليا مما يدل على الاضطراب في مساق الواقعة نتيجة التي انتهى إليها.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين فيما أورده من واقعة الدعوى التي دان بها الطاعن الأول أنه ارتكب جريمة إتلاف الزراعة ليلا هو وآخرون، وكان يحمل سلاحا، كما أثبت أن الطاعن الثاني اشترك معه في ارتكاب تلك الجريمة بطريق الاتفاق والمساعدة، إذ قال في ذلك "إن اشتراك المتهم الثاني (الطاعن الثاني) بطريق الاتفاق والمساعدة ثابت من أقوال الشهود ومن ثبوت وجوده بمحل الحادث وإصابته سواء كان ذلك لشد أزر المتهم الأول أو لحماية أعوانه الذين عهد إليهم بإتلاف الزراعة". لما كان ذلك، وكان لا مصلحة للطاعنين فيما يثيرانه بشأن توافر أركان جريمة الشروع في القتل ما دامت العقوبة التي أوقعتها عليهما المحكمة هي المقررة لجناية الإتلاف التي انتهت إلى ثبوتها في حقهما ودللت على ذلك بأدلة سائغة مقبولة، كما لا جدوى مما يثيره الطاعن الثاني عن اعتباره شريكا في جناية الإتلاف أو فاعلا ما دامت العقوبة في الحالتين واحدة.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه.

الطعن 239 لسنة 24 ق جلسة 5/ 7/ 1954 مكتب فني 5 ج 3 ق 283 ص 888

جلسة 5 من يوليه سنة 1954

برياسة السيد الأستاذ أحمد محمد حسن رئيس المحكمة، وحضور السادة الأساتذة : إبراهيم خليل، ومصطفى حسن، وأنيس غالى، ومصطفى كامل المستشارين.

----------------

(283)
الطعن رقم 239 سنة 24 القضائية

(أ) استئناف.

حكم اعتبر حضوريا. لا يبدأ ميعاد استئنافه بالنسبة للمحكوم عليه إلا من تاريخ إعلانه به ولو كان قد علم بصدوره عن طريق آخر غير الإعلان.
(ب) شاهد.

استعانته بورقة مكتوبة أثناء أدائه الشهادة. تقدير ذلك من شأن قاضي الموضوع.

-------------
1 - إن قانون الإجراءات الجنائية قد فرق في مبدا ميعاد الاستئناف بين الأحكام، فبينما نص في المادة 406 منه على أن يبدأ ميعاد استئناف الأحكام الحضورية أو الصادرة في المعارضة من تاريخ النطق بها فإنه قد قضى في المادة 407 على أن الأحكام الصادرة في غيبة المتهم والمعتبرة حضورية طبقا للمواد 238 - 241 يبدأ ميعاد استئنافها بالنسبة للمتهم من تاريخ إعلانه بها. ولما كان لا محل للتأويل والاجتهاد حيث يكون النص صريحا فإن ميعاد استئناف الحكم المعتبر حضوريا لا يبدأ بالنسبة للمحكوم عليه إلا من تاريخ إعلانه به بغض النظر عما إذا كان قد علم عن طريق آخر غير الإعلان بصدور الحكم. وإذن فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر ميعاد استئناف الحكم المعتبر حضوريا ساريا في حق الطاعنين من تاريخ تقريرهم بالمعارضة فيه يكون مخطئا.
2 - استعانة الشاهد بورقة مكتوبة أثناء أدائه الشاهدة أمر يقدره القاضي حسب طبيعة الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلا من: 1 - لطفى محمد موسى 2 - مسعد أحمد موسى "الطاعن الأول" 2 - محمد عبد الله بكر 4 - وديع جرجس 5 - عبد الفتاح أحمد دويدار 6 - فريد أسعد عبد المسيح 7 - إبراهيم أحمد الهندي 8 - شفيق محمد أحمد 9 - عبد الهادي محمود خروب "الطاعنين الثاني والثالث والرابع" 10 - على إبراهيم محمد 11 - سيد تهامي عبد الرحمن "الطاعن الخامس " 12 - عبد الفتاح محمد العشري 13 - خليل إبراهيم حسني 14 - شحات محمد إبراهيم 15 - سيد محمد حسين 16 - إبراهيم محمد احمد 17 - حسن محمد على 18 - محمد أحمد الجبري. بأنهم: 1 - اشتركوا مع آخرين مجهولين في تجمهر من شأنه أن يجعل السلم العام في خطر ورفضوا إطاعة أمر رجال السلطة بالتفرقة وكان ذلك بقصد التأثير على السلطات في أعمالها باستعمال القوة وارتكبوا في سبيل تنفيذ غرضهم المذكور الذي كانوا عالمين به الجرائم الآتية: أولا - أتلفوا عمدا وبقصد الإساءة زجاج مصنع الكرنك والأشياء الأخرى المبينة الوصف بالمحضر والمملوكة للمصنع والحكومة وثانيا - تعدوا على رجال البوليس زكى محمد منصور وفرج الله الضوي وإلياس خليفة أحمد ومحمد العويس عبد الصبور وعوض الضرم محمد وعبد اللطيف أبو زيد أحمد وياسين خضر عوض وخضر مرجان عبد الله وعبد الفضيل إبراهيم محمد أثناء تأديتهم وظيفتهم وذلك أثناء مطاردتهم ومنعهم من التجمهر بأن قذفوهم بقطع من الحجارة فأحدثوا بهم الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوما بالنسبة للأربعة الأول ولا تحتاج لعلاج بالنسبة للباقين، وثالثا - ضربوا محمد السيد فأحدثوا به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي تقرر لعلاجها مدة لا تزيد على العشرين يوما، ورابعا - سرقوا آلة التليفون والأشياء الأخرى المبينة بالمحضر والمملوكة للمصنع سالف الذكر 2 - أولا استعملوا القوة والعنف والإرهاب في الاعتداء على حق شركة الكرنك للنسيج في الامتناع عن استخدام عمال بمصنع النسيج المملوك لها. ثانيا - حرضوا عمال مصنع الكرنك للنسيج على عدم مزاولة عملهم به. والمتهمون من التاسع إلى الثامن عشر امتنعوا وهم عمال بمصنع يسد حاجة عامة عن مباشرة عملهم مبتغين غرضا مشتركا وهو إعادة المتهمين الثمانية الأول المفصولين إلى عملهم. وطلبت عقابهم بالمواد 1 و2 و3 من قانون التجمهر رقم 10 سنة 1914 والمواد 137/ 1 و317/ 5 و361/ 1 و2 عقوبات و242/ 1 و124/ 1 و347 و375 من قانون العقوبات. ومحكمة جنح قليوب الجزئية قضت غيابيا للمتهمين الأول والثالث والرابع والثالث عشر والسادس عشر وحضوريا للباقين عملا بالمواد 137 و317/ 5 و361/ 1 - 2 و242/ 1 و374 مع تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الإثنى عشر الأول: أولا - بحبس كل منهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة 200 قرش لوقف التنفيذ وذلك عن التهمتين الأولى والثانية المسندتين إليهم وهما الاشتراك في التجمهر الذي ترتب عليه ارتكاب الجرائم الأربع المنوه عنها في الاتهام واستعمال القوة في الاعتداء على حق شركة الكرنك في الامتناع عن استخدام عمال بمصنعها. وثانيا - ببراءة المتهمين الثمانية الأول من التهمة الثالثة المسندة إليهم وهى تحريض العمال على الامتناع عن مزاولة عملهم بمصنع الكرنك. ثالثا - براءة المتهمين من التاسع إلى الثاني عشر من التهمة الأخيرة المسندة إليهم وهى الامتناع عن العمل. ورابعا - ببراءة المتهمين من الثالث عشر إلى الثامن عشر من جميع التهم المسندة إليهم بلا مصاريف جنائية. فعارض المحكوم عليهم غيابيا في هذا الحكم وقضى في معارضتهم حضوريا بتاريخ 8 من يونيه سنة 1953 بعدم قبول المعارضة للتقرير بها عن حكم اعتبرته المحكمة حضوريا ويجوز استئنافه. فاستأنف المتهمون المحكوم عليهم هذا الحكم ومحكمة. بنها الابتدائية قضت حضوريا أولا: بعدم قبول الاستئناف المقدم من المتهمين مسعد أحمد موسى وفريد أسعد عبد المسيح وإبراهيم أحمد الهندي وشفيق محمد أحمد وعلى إبراهيم محمد لرفعه بعد الميعاد بلا مصاريف. وثانيا: قبول الاستئناف المقدم من المتهمين عبد الهادي محمود خروب وسيد تهامي وعبد الفتاح محمد العشري وفى الموضوع برفضه وبتأييد الحكم المستأنف بلا مصروفات. فطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض ....... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعنين الثلاثة الأولين هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بعدم قبول استئنافهم شكلا لرفعه بعد الميعاد محسوبا من يوم تقريرهم بالمعارضة في حكم محكمة أول درجة مع أنهم لم يكونوا قد أعلنوا به وإنما علموا بصدوره عليهم غيابيا فعارضوا فيه فقضت محكمة أول درجة بعدم قبول المعارضة للتقرير بها عن حكم اعتبر حضوريا فقرروا على الفور باستئناف الحكم ولكن المحكمة الاستئنافية قالت إن علمهم بالحكم المعتبر حضوريا مستفاد من قيامهم بالتقرير بالمعارضة فيه وأجرت في حقهم ميعاد الاستئناف من تاريخ التقرير بالمعارضة وقضت بناء على ذلك بعدم قبوله لرفعه بعد الميعاد مع أن العبرة في بدء ميعاد استئناف الحكم المعتبر حضوريا هي بتاريخ إعلانه ولا يجوز القول بسريان الميعاد من تاريخ العلم بصدوره إلا إذا كان علما يقينيا محيطا بحقيقة كاملة وهي أن محكمة أول درجة اعتبرت الحكم بالنسبة إليهم حضوريا الأمر الذي كانوا يجهلونه ولم يتصل علمهم به.
وحيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم قبول استئناف الطاعنين قد قال "إن الحكم صدر في حقهم حضوريا في 11 من مايو سنة 1953 ومع ذلك عارضوا فيه في 12 من مايو سنة 1953 فقضت محكمة أول درجة بتاريخ 8 من يونيه سنة 1953 بعدم قبول المعارضة للتقرير بها عن حكم اعتبرته المحكمة حضوريا ويجوز استئنافه. فرفعوا استئنافها في 8 من يونيه سنة 1953 وبذلك يكون هذا الاستئناف قد رفع بعد الميعاد القانوني ويتعين القضاء بعدم قبوله شكلا ولا عبرة في هذا الصدد بعدم الاستدلال على أوراق إعلان الحكم الحضوري الاعتباري من المتهمين بعد إذ ثبت ثبوتا قاطعا علمهم بهذا الحكم في التاريخ الذي قرروا بالمعارضة فيه والذى يتعين بدء سريان ميعاد الاستئناف منه".
وحيث إن قانون الإجراءات الجنائية قد فرق في ميعاد الاستئناف بين الأحكام فبينما نص في المادة 406 منه على أن يبدأ ميعاد استئناف الأحكام الحضورية أو الصادرة في المعارضة من تاريخ النطق بها فإنه قد نص في المادة 407 على أن الأحكام الصادرة في غيبة المتهم والمعتبرة حضورية طبقا للمواد 238 - 241 يبدأ ميعاد استئنافهما بالنسبة للمتهم من تاريخ إعلانه بها. ولما كان لا محل للتأويل والاجتهاد حين يكون النص صريحا فإن ميعاد استئناف الحكم المعتبر حضوريا لا يبدأ بالنسبة للمحكوم عليه إلا من تاريخ إعلانه به بغض النظر عما إذا كان قد علم عن طريق آخر غير الإعلان بصدور الحكم - لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ اعتبر ميعاد استئناف الحكم المعتبر حضوريا ساريا في حق الطاعنين من تاريخ تقريرهم بالمعارضة فيه يكون مخطئا ويتعين لذلك قبول الطعن المقدم من الطاعنين الثلاثة الأولين ونقض الحكم بالنسبة إليهم.
وحيث إن مبنى طعن الطاعنين الرابع والخامس هو أن الحكم المطعون فيه اعتمد على شهادة الضابط حسين محمد الطلياوي مع أن الثابت من محضر تحقيق النيابة أنه أخرج من جيبة ورقة تلا منها شهادته وأن المحكمة عاقبتهما على اشتراكهما في التجمهر مع أنه لا دليل عليهما سوى شهادة الضابط المذكور في التحقيق وهى غير جائزة قانونا.
وحيث إنه لما كانت استعانة الشاهد بورقة مكتوبة أثناء ادائه الشهادة في التحقيق أمرا يقدره القاضي بحسب طبيعة الدعوى وكانت المحكمة قد بينت واقعة الدعوى وأوردت على ثبوتها أدلة سائغة فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين لذلك رفض طعن هؤلاء الطاعنين موضوعا.

الخميس، 31 مارس 2022

الطعن 7224 لسنة 89 ق جلسة 13 / 2 / 2020 مكتب فني 71 ق 33 ص 245

جلسة 13 من فبراير سنة 2020
برئاسة السيد القاضي/ د. حسن البدراوي "نائب رئيس المحكمة"، وعضوية السادة القضاة/ سمير حسن، عبد الله لملوم، صلاح الدين كامل سعد الله ومحمد عاطف ثابت "نواب رئيس المحكمة".

---------------

(33)

الطعن 7224 لسنة 89 ق

(1 ، 2) دعوى "إجراءات رفع الدعوى: صحيفة افتتاح الدعوى".
(1) التحقق من إعلان الخصوم بصحيفة الدعوى. شرط جوهري لانعقاد الخصومة. استقلال محكمة الموضوع به باعتباره من الأمور الواقعية. شرطه. استنادها على أسباب سائغة.

(2) ثبوت إعلان المطعون ضده الأول للطاعن بأصل صحيفة الدعوى وبصحيفة تصحيح شكل الدعوى إعلانا قانونيا صحيحا. لا محل للتحدي بعدم إعادة إعلانه. علة ذلك. التزام الحكم المطعون فيه هذا النظر. صحيح.

(3) ملكية فكرية "حق المؤلف: الحقوق الأدبية".
التعدي على المصنفات بطريق التقليد. انتهاك لحقوق مؤلفيها. أبرز تلك الحقوق. الحق الأدبي. أهم مكناته. حق الأبوة الذهنية. تعريفه. صور التعدي على المصنفات. الحبكة الدرامية. جوهرها.

(4 ، 5) ملكية فكرية "حق المؤلف: الحبكة الدرامية".
(4) تحويل الفكرة المجردة التي يعالجها المصنف المكتوب إلى فكرة مجسدة منطوية على حبكة درامية مبتكرة يجعلها مصنف جدير بالحماية. تقليد معد العمل المتعدى بطريق المحاكاة الفكرة المجسدة في المصنف محل التعدي دون نسبته إلى صاحبه اقتباسا أو تحويرا فنيا. صورتي المصنف المشتق. تعدي على حق مؤلف المصنف في نسبته إليه. مؤداه. عدم المطالبة بإقامة الدليل على الاطلاع على المصنف.

(5) الحبكة الدرامية المبتكرة. عدم إمكانية توارد الخواطر بشأنها.

(6 ، 7) ملكية فكرية "حق المؤلف: حماية حق المؤلف".
(6) عدم إيداع مؤلف المصنف محل التعدي نسخ من مصنفه لا يترتب عليه المساس بحقوق المؤلف. م 184/ 2،1 ق 82 لسنة 2002. الإيداع قرينة بسيطة أن المصنف المودع ابتكار المودع. القرائن البديلة والقرائن المعززة. حالات تقديمها. مواكبة المشرع المصري للاتفاقيات الدولية المعنية بحماية حقوق المؤلف. اتفاقية برن 1886. وثيقة باريس 1971.

(7) الحماية في مجال الملكية الأدبية والفنية تلقائية. عدم خضوعها لأية إجراءات رسمية واجبة الإتباع مما تقتضيه طبيعة الحماية في مجال الملكية الصناعية.

(8 ، 9) ملكية فكرية "حق المؤلف: حق الأبوة الذهنية".
(8) ركن الخطأ. تمثله في التعدي على المصنف بانتهاك حق الأبوة الذهنية لمبتكره عليه. استخلاص محكمة الموضوع له. شرطه. أن يكون سائغا من أوراق الدعوى ومستنداتها والدليل فيها. قضاؤها بالتعويض عن الضرر الأدبي. أساسه. ضرر مفترض. تحققه بمجرد وقوع هذا التعدي. علة ذلك. رابطة الأبوة.

(9) قضاء الحكم المطعون فيه بالتعويض عن الضرر الأدبي لتوافر ركن الخطأ الموجب للمسئولية في جانب الطاعن تأسيسا على أبوة المطعون ضده الأول للمصنف محل التعدي وأسبقية تصنيفه على العمل المتعدي. صحيح وسائغ.

---------------

1 - المقرر– في قضاء محكمة النقض– أن التحقق من حصول إعلان الخصوم بصحيفة الدعوى– كشرط جوهري أوجبه القانون لانعقاد الخصومة فيها وإعادة الإعلان في الحالات التي نص عليها أو نفى ذلك– من الأمور الواقعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بلا معقب متى كانت تستند في ذلك إلى أسباب سائغة.

2 - إذ كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الأول أعلن الطاعن بأصل صحيفة الدعوى في 7/ 11/ 2017 إعلانا قانونيا صحيحا، كما أعلنه بصحيفة تصحيح شكل الدعوى إعلانا قانونيا صحيحا بذات التاريخ، ومن ثم فلا محل للتحدي بعدم إعادة إعلانه بالدعوى، إذ إن الغاية من الإعلان بأصل الصحيفة وإعادة الإعلان قد تحققت، سيما بعد إعلانه بصحيفة التصحيح، وإذ وافق الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإن النعي عليه بالسبب الأول من أسباب الطعن (مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه) يكون على غير أساس.

3 - التعدي على المصنفات بطريق التقليد "المحاكاة" هو انتهاك لحقوق مؤلفيها لاسيما الحق الأدبي متمثلا في أهم مكناته وهي حق المؤلف في نسبة مصنفه إليه أو ما يسمى "حق الأبوة الذهنية"، وكما يمكن أن يقع هذا التعدي (التعدي على المصنفات) بطريق التقليد الكامل للمصنف الذي قد يصل إلى حد نزع غلاف مصنف مكتوب ووضع اسم المتعدي كمؤلف على غلاف جديد، يمكن أيضا أن يقع بصور أخرى من بينها تحويل المصنف من لون أدبي إلى لون أدبي آخر بغير إذن من مؤلفه، كتحويل قصة تحتويها دفتي كتاب "مصنف مكتوب" إلى مصنف سمعي أو سمعي بصري مع المغايرة في بعض الأحداث مما تقتضيه الاعتبارات الفنية للون المحول إليه المصنف، والإبقاء على حبكته الدرامية من حيث الأحداث وتسلسلها والأماكن التي تقع فيها وتكوين الشخصيات الرئيسية والعلاقات بينها وأدوارها والهدف العام– بحسبانها قوام المصنف المقلد– على حالها، أو إدخال بعض التعديلات عليها بما لا يخل بجوهرها الذي شيدها عليه مبتكرها" مؤلف المصنف محل التعدي".

4 - لا يعزب عن ناظر أن الفكرة التي يعالجها المصنف المكتوب- محل التعدي- بتحويلها من فكرة مجردة يمكن أن تتوارد الخواطر بشأنها- إلى فكرة مجسدة معبر عنها في صورة مصنف جدير بالحماية لانطوائه على حبكة درامية مبتكرة– هي بذاتها الفكرة التي يصدر عنها معد العمل المتعدي والذي لم يبذل جهدا فكريا معتبرا في التعامل مع فكرة مجردة، بل قلد بطريق المحاكاة الفكرة المجسدة في المصنف محل التعدي دون أن ينسبه إلى صاحبه ولو بادعاء الاقتباس منه (adaptation) أو تحويره فنيا (dramatization) " كصورة أو أخرى من صور المصنف المشتق"، متعديا بذلك على حقه في نسبة مصنفه إليه بوجوب ذكر اسمه عليه وعلى أية مواد دعاية أو إعلان عنه أيا كانت طريقة التعبير المستخدمة في ذلك، ومن ثم فلا يسوغ التحدي– والحال هذه– بأن العمل المتعدي لا يتشارك مع المصنف محل التعدي إلا في الفكرة العامة المجردة التي لا تتمتع بالحماية، كما لا تسوغ المطالبة بإقامة الدليل على واقعة الاطلاع على ذلك المصنف بعد أن صدر صاحب العمل المتعدى في عمله عن الفكرة المجسدة المعبر عنها- بما تنطوي عليه من حبكة درامية مبتكرة على نحو ما شيدها عليه مؤلف المصنف محل التعدي– ففي ذلك خير شاهد وأبلغ دليل.

5 - الحبكة الدرامية المبتكرة كتجسيد للفكرة وتعبير عنها لا يمكن أن تتوارد الخواطر بشأنها.

6 - لا وجه للتحدي– بعدم استيفاء مؤلف المصنف– محل التعدي– لشروط إيداع نسخ من مصنفه الجهة التي يحددها القرار الوزاري الذي أحالت الفقرة الأولى من المادة (184) من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية عليه في تحديدها، إذ لا يترتب على عدم الإيداع– وفقا لحكم الفقرة الثانية من ذات المادة– المساس بحقوق المؤلف المنصوص عليها في ذلك القانون، ومؤدى ذلك أن الإيداع ليس شرطا للحماية يترتب على تخلفه عدم استظلال المصنف بوارف ظلها، بل غاية ما يفيده هذا النص أن الإيداع محض قرينة بسيطة على أن المصنف المودعة نسخ منه- استيفاء لأحكام الفقرة الأولى من المادة (184) سالفة البيان– من ابتكار المودع باسمه المصنف، وهي قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس، فإذا لم ينفذ الالتزام بالإيداع أو شابت هذا الإيداع شائبة، فلا يعني ذلك– في حد ذاته– أن المصنف محل التعدي ليس من ابتكاره، إذ للمؤلف أن يقدم من القرائن البديلة "في حالة عدم الالتزام بالإيداع" أو القرائن المعززة "في حالة ما إذا شابت الإيداع شائبة" ما يؤكد أسبقيته في تصنيف مصنفه قبل المصنف المتعدي، والمشرع المصري– بهذا النص المحكم– يكون مواكبا تماما للاتفاقيات الدولية المعنية بحماية حقوق المؤلف– وعلى رأسها الاتفاقية الأم "اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية لسنة 1886" وثيقة باريس 1971 "]Convention de Berne pour la protection des œuvres littéraires et artistiques 1886 ، Acte de paris 1971 [.– وللغالب الأعم من التشريعات المقارنة، وكذا للمستقر عليه في فقه الشراح الثقات.

7 - الحماية في مجال الملكية الأدبية والفنية– حق المؤلف في حدود الطعن المعروض– هي– وبحسب طبيعتها– حماية تلقائية لا تخضع– بحسب الأصل– لأية إجراءات رسمية واجبة الإتباع مما تقتضيه طبيعة الحماية في مجال الملكية الصناعية (براءات– علامات– نماذج صناعية) وغيرها (la propriété industrielle).

8 - بحسب محكمة الموضوع أن تستخلص ركن الخطأ المتمثل في التعدي على المصنف بانتهاك حق الأبوة الذهنية لمبتكره عليه، وذلك من أوراق الدعوى ومستنداتها والدليل فيها استخلاصا سائغا حتى تقضي بالتعويض عن الضرر الأدبي بحسبانه ضررا مفترضا يتحقق بمجرد وقوع هذا التعدي، وهي نتيجة طبيعية تجد سندها في رابطة الأبوة التي تربط المضرور بمصنفه.

9 - إذ كانت محكمة الموضوع– على قاعدة من النظر المتقدم، وبما لها من سلطة تامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والقرائن ومن بينها تقرير الخبرة المقدم فيها، وسلطتها في تقدير قيام ركن الخطأ الموجب للمسئولية بحسبان أن ذلك كله من مسائل الواقع في الدعوى التي تستقل بتقديرها تقديرا قائما على أسباب سائغة لها معينها من الأوراق– قد خلصت إلى أن "ما انتهى إليه الخبير من أنه تبين له– بعد قراءته لقصة "..." والرواية كاملة بعد تعديل اسمها إلى "..."، ومشاهدته مسلسل "...." الذي تم عرضه لأول مرة على الشاشات عام 2016– أنهما مستوحيان من فكرة واحدة وهي قضية صراع الحضارات والتعايش المشترك بين البشر في ظل اختلاف الثقافات والحضارات والبيئة التي ينشأ فيها الفرد، فضلا عن تشابههما في الحبكة الدرامية متمثلة في تسلسل الأحداث والأماكن وتكوين العائلات في العملين والعلاقات الإنسانية بينهما من خلال أدوار كل الشخصيات الرئيسية والجنسيات والديانات وما صاحب ذلك من أحداث، واجتماع الأبناء على هدف واحد وهو مال الأب، بما يقطع أن كاتب سيناريو "..." المدعى عليه "الطاعن" قد اطلع على فكرة مصنف "..." أو "..." سابقا الخاص بالمدعي "المطعون ضده الأول"، واستوحى منه فكرة المسلسل وبعض الأحداث، وأن السيناريو الخاص بالأول "المدعى عليه– الطاعن" ليس خالصا في إبداع فكرته في بعض المواضع التي اقتبس فكرتها وعدل صياغتها بعد اطلاعه على فكرة الأخير ومصنفه، وإن اختلفت المعالجة في كل منهما بما يكشف عن أن المدعي "المطعون ضده الأول" هو صاحب قصة وفكرة مسلسل "...."، إذ لا يمكن توارد الخواطر بين المؤلفين إلى حد الفكرة وبعض الأحداث ما لم يكن المدعى عليه الأول "الطاعن" قد اطلع على العمل الأدبي الخاص بالمدعي "المطعون ضده الأول"، وهو ما يثبت أبوته لفكرة المسلسل"، ودلل الحكم المطعون فيه على أسبقية تصنيف مصنف المدعي "المطعون ضده الأول"- سواء في صورته الأولية "..." أو ما تلاها من تسمية "..."- على العمل المسمى "..." ببعض مما طوته الدعوى من أوراق ومستندات متمثلة في الشهادة الصادرة من مكتب التوثيق النموذجي بالجيزة في 1/ 7/ 2009، وعقد نشر القصة المحرر بين المطعون ضده الأول وإحدى دور النشر في سنة 2010، وإيصال استلام المطعون ضده الأول لمصنفه من دار النشر بعد طباعته في سنة 2011، وخلص من ذلك كله إلى توافر ركن الخطأ الموجب للمسئولية في جانب الطاعن، ورتب على ذلك قضاءه بالتعويض عن الضرر الأدبي، وكان ما خلص إليه الحكم المطعون فيه– استخلاصا وتدليلا وإلزاما- سائغا وله معينه من الأوراق وكافيا لحمل قضائه، فلا على المحكمة مصدرته– من بعد– إن لم تتبع المدعى عليه الأول "الطاعن" في مختلف أقواله وحججه والرد استقلالا على كل قول أو حجة أثارها، إذ في الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج، الأمر الذي يضحى معه هذا النعي محض جدل في سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع في الدعوى، وتقدير الدليل بها، ومن ثم يكون النعي بسببي الطعن (الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب) على غير أساس.

------------

الوقائع

وحيث إن الوقائع- على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن المطعون ضده الأول أقام على الطاعن والشركة المطعون ضدها الثانية الدعوى رقم ….. لسنة 9ق أمام الدائرة الاستئنافية بمحكمة القاهرة الاقتصادية بطلب الحكم أولا: بإثبات حالة التعدي على حقوق الملكية الفكرية خاصته، ثانيا: بإلزام الطاعن بالتعويض عن الأضرار الأدبية والمادية جراء الاستيلاء على مؤلفه، ثالثا: بإلزام الطاعن بأن يدفع له المبلغ الذي تحصل عليه من شركة الإنتاج لنسبته المصنف محل التداعي لنفسه على خلاف الحقيقة، رابعا: تطبيق أقصى عقوبة على الطاعن لاعتدائه على الحق الأدبي له عملا بنص المادة 181 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية. وقال بيانا لدعواه أنه من بين أعماله الروائية قصة وسيناريو وحوار بعنوان "……" المثبت تاريخها والمسجلة بالشهر العقاري عام 2009، وأنه تعاقد مع دار نشر تدعى ….، بقصد طباعتها ونشرها ووزعت الطبعة الأولى باسم "....." في سنة 2011، وأنه- في محاولة منه لتسويقها– قام بتسليمها لعدة شركات إنتاج، ومن بينها الشركة المطعون ضدها الثانية، إلا أنه فوجئ في شهر رمضان عام 2016 بعرض مصنفه كمسلسل بعنوان "……." منسوبا للطاعن دون تصريح أو اتفاق مسبق، وبالمخالفة لأحكام قانون حماية حقوق الملكية الفكرية، فكانت دعواه، ندبت المحكمة خبيرا فيها، وبعد أن أودع تقريره قضت المحكمة بتاريخ 5 من فبراير سنة 2019 بإلزام الطاعن بأن يؤدي للمطعون ضده الأول 300000 جنيه تعويضا أدبيا. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عرض الطعن على دائرة فحص الطعون الاقتصادية ارتأت تحديد جلسة لنظره، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة رأيها.

------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، ورأى دائرة فحص الطعون الاقتصادية، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطاعن ينعي بالسبب الأول من أسباب الطعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، إذ إنه- على نحو ما أورى- لم يعلن بأصل صحيفة الدعوى بتاريخ 28/ 8/ 2017، فتقدم المطعون ضده الأول بجلسة 9/ 11/ 2017 بإعادة إعلان له بأصل الصحيفة وبتصحيح شكل الدعوى، وإذ لم يحضر أو من يمثله بأي جلسة من الجلسات أمام محكمة الموضوع، فقد مضت المحكمة في نظر الدعوى مصدرة حكمها بجلسة 9/ 1/ 2018 بندب خبير فيها، ثم أصدرت حكمها المطعون فيه، بما يكون معه الحكم الأخير قد صدر منعدما، إذ لا يعتبر إعادة إعلانه بأصل الصحيفة بمثابة إعلان له بها لخلو ورقة إعادة الإعلان من البيانات الواجب ذكرها بصحيفة افتتاح الدعوى، الأمر الذي يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب نقضه.

وحيث إن هذا النعي مردود، إذ إنه من المقرر– في قضاء هذه المحكمة– أن التحقق من حصول إعلان الخصوم بصحيفة الدعوى– كشرط جوهري أوجبه القانون لانعقاد الخصومة فيها وإعادة الإعلان في الحالات التي نص عليها أو نفى ذلك– من الأمور الواقعية التي تستقل بها محكمة الموضوع بلا معقب متى كانت تستند في ذلك إلى أسباب سائغة، لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الأول أعلن الطاعن بأصل صحيفة الدعوى في 7/ 11/ 2017 إعلانا قانونيا صحيحا، كما أعلنه بصحيفة تصحيح شكل الدعوى إعلانا قانونيا صحيحا بذات التاريخ، ومن ثم فلا محل للتحدي بعدم إعادة إعلانه بالدعوى، إذ إن الغاية من الإعلان بأصل الصحيفة وإعادة الإعلان قد تحققت لاسيما بعد إعلانه بصحيفة التصحيح، وإذ وافق الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإن النعي عليه بالسبب الأول من أسباب الطعن يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسببين الثاني والثالث على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب، إذ قضى الحكم بإلزامه بالتعويض لاعتدائه على الحق الأدبي للمطعون ضده الأول باعتباره صاحب مصنف "…….."- "......"- استنادا إلى ما ورد بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى من تشابه الفكرة العامة لهذا المصنف مع مصنفه "……" حال أن الأفكار المجردة مثل فكرة "……." لا تحمى بل تحمي الأفكار المعبر عنها، لاسيما وأن المعالجة الفنية والحبكة الدرامية والسمات الشخصية مختلفة في المصنفين، كما أن الحكم لم يدلل على ما أورده الخبير في تقريره من اطلاع الطاعن على مؤلف المطعون ضده الأول وسبق تصنيف الأخير "المطعون ضده الأول" لمصنفه قبل عرض مصنف الطاعن "……"، وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن التعدي على المصنفات بطريق التقليد "المحاكاة" هو انتهاك لحقوق مؤلفيها لاسيما الحق الأدبي متمثلا في أهم مكناته وهي حق المؤلف في نسبة مصنفه إليه أو ما يسمى "حق الأبوة الذهنية"، وكما يمكن أن يقع هذا التعدي بطريق التقليد الكامل للمصنف الذي قد يصل إلى حد نزع غلاف مصنف مكتوب ووضع اسم المتعدي كمؤلف على غلاف جديد، يمكن أيضا أن يقع بصور أخرى من بينها تحويل المصنف من لون أدبي إلى لون أدبي آخر بغير إذن من مؤلفه، كتحويل قصة تحتويها دفتي كتاب "مصنف مكتوب" إلى مصنف سمعي أو سمعي بصري مع المغايرة في بعض الأحداث مما تقتضيه الاعتبارات الفنية للون المحول إليه المصنف، والإبقاء على حبكته الدرامية من حيث الأحداث وتسلسلها والأماكن التي تقع فيها وتكوين الشخصيات الرئيسية والعلاقات بينها وأدوارها والهدف العام– بحسبانها قوام المصنف المقلد– على حالها، أو إدخال بعض التعديلات عليها بما لا يخل بجوهرها الذي شيدها عليه مبتكرها "مؤلف المصنف محل التعدي" ولا يعزب عن ناظر أن الفكرة التي يعالجها المصنف المكتوب- محل التعدي- بتحويلها من فكرة مجردة يمكن أن تتوارد الخواطر بشأنها إلى فكرة مجسدة معبر عنها في صورة مصنف جدير بالحماية لانطوائه على حبكة درامية مبتكرة هي بذاتها الفكرة التي يصدر عنها معد العمل المتعدي والذي لم يبذل جهدا فكريا معتبرا في التعامل مع فكرة مجردة، بل قلد بطريق المحاكاة الفكرة المجسدة في المصنف محل التعدي دون أن ينسبه إلى صاحبه ولو بادعاء الاقتباس منه (adaptation) أو تحويره فنيا (dramatization) "كصورة أو أخرى من صور المصنف المشتق"، متعديا بذلك على حقه في نسبة مصنفه إليه بوجوب ذكر اسمه عليه وعلى أية مواد دعاية أو إعلان عنه أيا كانت طريقة التعبير المستخدمة في ذلك، ومن ثم فلا يسوغ التحدي- والحال هذه- بأن العمل المتعدي لا يتشارك مع المصنف محل التعدي إلا في الفكرة العامة المجردة التي لا تتمتع بالحماية، كما لا تسوغ المطالبة بإقامة الدليل على واقعة الاطلاع على ذلك المصنف بعد أن صدر صاحب العمل المتعدي في عمله عن الفكرة المجسدة المعبر عنها- بما تنطوي عليه من حبكة درامية مبتكرة على نحو ما شيدها عليه مؤلف المصنف محل التعدي- ففي ذلك خير شاهد وأبلغ دليل، إذ إن الحبكة الدرامية المبتكرة كتجسيد للفكرة وتعبير عنها لا يمكن أن تتوارد الخواطر بشأنها، ولا وجه للتحدي- أيضا- بعدم استيفاء مؤلف المصنف– محل التعدي– لشروط إيداع نسخ من مصنفه الجهة التي يحددها القرار الوزاري الذي أحالت الفقرة الأولى من المادة (184) من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية عليه في تحديدها، إذ لا يترتب على عدم الإيداع– وفقا لحكم الفقرة الثانية من ذات المادة– المساس بحقوق المؤلف المنصوص عليها في ذلك القانون، ومؤدى ذلك أن الإيداع ليس شرطا للحماية يترتب على تخلفه عدم استظلال المصنف بوارف ظلها، بل غاية ما يفيده هذا النص أن الإيداع محض قرينة بسيطة على أن المصنف المودعة نسخ منه- استيفاء لأحكام الفقرة الأولى من المادة (184) سالفة البيان– من ابتكار المودع باسمه المصنف، وهي قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس، فإذا لم ينفذ الالتزام بالإيداع أو شابت هذا الإيداع شائبة، فلا يعني ذلك– في حد ذاته– أن المصنف محل التعدي ليس من ابتكاره، إذ للمؤلف أن يقدم من القرائن البديلة "في حالة عدم الالتزام بالإيداع" أو القرائن المعززة "في حالة ما إذا شابت الإيداع شائبة" ما يؤكد أسبقيته في تصنيف مصنفه قبل المصنف المتعدى، والمشرع المصري– بهذا النص المحكم– يكون مواكبا تماما للاتفاقيات الدولية المعنية بحماية حقوق المؤلف– وعلى رأسها الاتفاقية الأم "اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية لسنة 1886" وثيقة باريس 1971"]Convention de Berne pour la protection des œuvres littéraires et artistiques 1886 , Acte de paris 1971 – وللغالب الأعم من التشريعات المقارنة، وكذا للمستقر عليه في فقه الشراح الثقات- من أن الحماية في مجال الملكية الأدبية والفنية– حق المؤلف في حدود الطعن المعروض هي– وبحسب طبيعتها– حماية تلقائية لا تخضع– بحسب الأصل– لأية إجراءات رسمية واجبة الإتباع مما تقتضيه طبيعة الحماية في مجال الملكية الصناعية (براءات –علامات– نماذج صناعية) وغيرها (la propriété industrielle)، كما أنه بحسب محكمة الموضوع أن تستخلص ركن الخطأ المتمثل في التعدي على المصنف بانتهاك حق الأبوة الذهنية لمبتكره عليه، وذلك من أوراق الدعوى ومستنداتها والدليل فيها استخلاصا سائغا حتى تقضي بالتعويض عن الضرر الأدبي بحسبانه ضررا مفترضا يتحقق بمجرد وقوع هذا التعدي، وهي نتيجة طبيعية تجد سندها في رابطة الأبوة التي تربط المضرور بمصنفه، لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع– على قاعدة من النظر المتقدم، وبما لها من سلطة تامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة والقرائن ومن بينها تقرير الخبرة المقدم فيها، وسلطتها في تقدير قيام ركن الخطأ الموجب للمسئولية بحسبان أن ذلك كله من مسائل الواقع في الدعوى التي تستقل بتقديرها تقديرا قائما على أسباب سائغة لها معينها من الأوراق– قد خلصت إلى أن "ما انتهى إليه الخبير من أنه تبين له بعد قراءته لقصة "….." والرواية كاملة بعد تعديل اسمها إلى "....."، ومشاهدته مسلسل "……." الذي تم عرضه لأول مرة على الشاشات عام 2016– أنهما مستوحيان من فكرة واحدة وهي قضية صراع الحضارات والتعايش المشترك بين البشر في ظل اختلاف الثقافات والحضارات والبيئة التي ينشأ فيها الفرد، فضلا عن تشابههما في الحبكة الدرامية متمثلة في تسلسل الأحداث والأماكن وتكوين العائلات في العملين والعلاقات الإنسانية بينهما من خلال أدوار كل الشخصيات الرئيسية والجنسيات والديانات وما صاحب ذلك من أحداث، واجتماع الأبناء على هدف واحد وهو مال الأب، بما يقطع أن كاتب سيناريو "……." المدعى عليه "الطاعن" قد اطلع على فكرة مصنف "…….." أو "….." سابقا الخاص بالمدعي "المطعون ضده الأول"، واستوحى منه فكرة المسلسل وبعض الأحداث، وأن السيناريو الخاص بالأول "المدعى عليه – الطاعن" ليس خالصا في إبداع فكرته في بعض المواضع التي اقتبس فكرتها وعدل صياغتها بعد اطلاعه على فكرة الأخير ومصنفه، وإن اختلفت المعالجة في كل منهما بما يكشف عن أن المدعي "المطعون ضده الأول" هو صاحب قصة وفكرة مسلسل "......."، إذ لا يمكن توارد الخواطر بين المؤلفين إلى حد الفكرة وبعض الأحداث ما لم يكن المدعى عليه الأول "الطاعن" قد اطلع على العمل الأدبي الخاص بالمدعي "المطعون ضده الأول"، وهو ما يثبت أبوته لفكرة المسلسل، ودلل الحكم المطعون فيه على أسبقية تصنيف مصنف المدعي "المطعون ضده الأول"- سواء في صورته الأولية "……" أو ما تلاها من تسمية "………." - على العمل المسمى "………" ببعض مما طوته الدعوى من أوراق ومستندات متمثلة في الشهادة الصادرة من مكتب التوثيق النموذجي بالجيزة في 1/ 7/ 2009، وعقد نشر القصة المحرر بين المطعون ضده الأول وإحدى دور النشر في سنة 2010، وإيصال استلام المطعون ضده الأول لمصنفه من دار النشر بعد طباعته في سنة 2011، وخلص من ذلك كله إلى توافر ركن الخطأ الموجب للمسئولية في جانب الطاعن، ورتب على ذلك قضاءه بالتعويض عن الضرر الأدبي، وكان ما خلص إليه الحكم المطعون فيه– استخلاصا وتدليلا وإلزاما- سائغا وله معينه من الأوراق وكافيا لحمل قضائه، فلا على المحكمة مصدرته- من بعد- إن لم تتبع المدعى عليه الأول "الطاعن" في مختلف أقواله وحججه والرد استقلالا على كل قول أو حجة أثارها، إذ في الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها الرد الضمني المسقط لتلك الأقوال والحجج، الأمر الذي يضحى معه هذا النعي محض جدل في سلطة محكمة الموضوع في فهم الواقع في الدعوى، وتقدير الدليل بها، ومن ثم يكون النعي بسببي الطعن على غير أساس.
ولما تقدم جميعه، يتعين رفض الطعن.