جلسة 20 من نوفمبر سنة 1989
برئاسة السيد المستشار/ نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى طاهر ومقبل شاكر نائبي رئيس المحكمة ومجدي الجندي وحامد عبد الله.
---------------
(162)
الطعن رقم 4407 لسنة 59 القضائية
(1) نقض "التقرير بالطعن. تقديم الأسباب".
التقرير بالطعن دون تقديم الأسباب. أثره. عدم قبوله شكلاً.
(2) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تقدير قيمة الاعتراف واستقلاله عن الإجراء الباطل. موضوعي.
انتهاء المحكمة إلى سلامة اعتراف الطاعنين أمام النيابة باعتباره دليلاً مستقلاً عن الإجراءات السابقة عليه. لا ينال منه تمام الاستجواب في حضور ضباط الشرطة. علة ذلك؟
(3) حكم "بياناته" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم رسم القانون شكلاً معيناً لصياغة الحكم. كفاية أن يكون ما أورده الحكم كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها.
(4) إثبات "تحقيق". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تعذر سماع الشاهد لعدم الاستدلال عليه. لا يمنع من القضاء بالإدانة. ما دامت الأدلة القائمة في الدعوى كافية للثبوت.
(5) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "شهود". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الطلب الجازم. ماهيته؟
حق المحكمة في الاستغناء عن سماع الشاهد. إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً.
(6) مسئولية جنائية. أسباب الإباحة وموانع العقاب "عاهة العقل". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "خبرة".
تقدير حالة المتهم العقلية ومدى تأثيرها على مسئوليته الجنائية. موضوعي.
عدم التزام المحكمة بندب خبير فني في الدعوى إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها تقديرها.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم 1 - سرقوا المبلغ النقدي والأشياء المبينة وصفاً وقيمة بالتحقيقات المملوكة لـ...... بالطريق العام ومن إحدى وسائل النقل البرية (سيارة أجرة) حالة كون المتهمين الأول والثاني يحملان سلاحاً ظاهراً (مطواتان قرن غزال). 2 - المتهمان الأول والثاني: أحرزا بغير ترخيص سلاحين أبيضين (مطواتان قرن غزال) وفي إحدى وسائل النقل البرية. وأحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضورياً عملاً بالمواد 315/ أولاً من قانون العقوبات 1/ 1، 25 مكرراً ( أ )، 30/ 1 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل والبند 10 من الجدول رقم 1 المرفق مع إعمال المادة 32 من قانون العقوبات بمعاقبة كل منهم بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات عما أسند إليه مع مصادرة السلاحين المضبوطين.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.
المحكمة
من حيث إن الطاعن الأول..... إن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنه لم يودع أسباباً لطعنه مما يتعين معه القضاء بعدم قبوله شكلاً عملاً بحكم المادة 34 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون إذ دان الطاعنين بارتكاب جناية سرقة في الطريق العام وبإحدى وسائل النقل البرية مع حمل سلاح قد شابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب وانطوى على الخطأ في الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الدفاع كان قد تمسك ببطلان القبض على الطاعنين لإجرائه دون استئذان النيابة في غير حالات التلبس بالجريمة وبمعرفة مأمور ضبط قضائي غير مختص مكانياً وببطلان ما تلاه من اعترافات معزوة إليهم لصدورها إثر هذا القبض الباطل ووليدة إكراه وقع عليهم من رجال الشرطة وظل متوافراً حتى إدلائهم بها في النيابة العامة لحضور ضابط المباحث معهم أثناء مباشرتها التحقيق وموالاته تهديدهم وتوعدهم، ورغم تسليم الحكم ببطلان جميع إجراءات ضبط الواقعة إلا أنه أخذ الطاعنين باعترافهم في النيابة باعتباره دليلاً مستقلاً عنها في حين أن هذا الاعتراف لم يكن إلا وليد تلك الإجراءات الباطلة ولم يبرأ هو ذاته من الإكراه كما أسند الحكم إلى الطاعنين الثاني والثالث الاعتراف أمام قاضي المعارضات على خلاف الثابت بالأوراق وعول على ما نسبه إلى الطاعن الرابع من اعتراف في حين أن الأقوال التي أدلى بها في التحقيقات لا تعدو أن تكون إقراراً منه بالتواجد أثناء ارتكاب الحادث، هذا فضلاً عن أنه أورد الواقعة وأدلتها بطريقة مجملة مبتسرة، وعول على أقوال المجني عليه برغم تناقضه في تحديد تاريخ الحادث، ودون إجابة الدفاع إلى طلب سماع شهادته بحجة عدم الاستدلال عليه، ويضيف الطاعن الثالث أن المدافع عنه تمسك بانتفاء مسئوليته الجنائية لإصابته بمرض عقلي ودلل على ذلك بتقديم شهادة صادرة من مدرسة...... إلا أن المحكمة لم تعن بتحقيق هذا الدفع الجوهري بواسطة خبير فني وأطرحته بأسباب غير سائغة، كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وأقام عليها في حقهم أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى بطلان القبض على الطاعنين وبطلان اعترافهم في محضر ضبط الواقعة لكونه مترتباً على هذا القبض الباطل فضلاً عما شابه من إكراه وتعذيب تعرض له الطاعن الرابع بواسطة الشرطة وأدى لحدوث إصابات به بيد أن الحكم أخذ الطاعنين باعترافهم في تحقيق النيابة العامة باعتباره دليلاً مستقلاً عن تلك الإجراءات الباطلة ورد على ما أثير من بطلان هذا الاعتراف في قوله "وحيث إن اعتراف المتهمين أمام النيابة العامة هو اعتراف اختياري وصادق أقر به المتهمون بملئ إرادتهم وحريتهم ولم يصدر إثر إكراه أو تهديد وأن حضور ضابط الشرطة التحقيق - على فرض حصوله - والذي حصل فيه الاعتراف لا يعيب هذا الاعتراف ولا يعيب إجراءات التحقيق لأن سلطان الوظيفة ذاته لا يعد إكراهاً طالما لم يستطل بأذى مادي كان أو معنوي ومجرد الخشية من الضابط لا تعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف"، ولما كان من المقرر أن تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهم إثر إجراء باطل وتحديد مدى صلة الاعتراف بهذا الإجراء وما ينتج عنه من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال قد صدرت منه صحيحة غير متأثر فيها بهذا الإجراء جاز لها الأخذ بها، وكانت المحكمة قدرت في حدود سلطتها التقديرية أن اعتراف الطاعنين أمام النيابة كان دليلاً مستقلاً عن الإجراءات السابقة عليه ومنبت الصلة بها واطمأنت إلى أن هذا الاعتراف سليم مما يشوبه فإنها تكون قد مارست السلطة المخولة لها بغير معقب عليها ولو صح ما يثيره الطاعنون من أن استجوابهم تم في حضرة ضابط الشرطة طالما استظهرت المحكمة أنه لم يصدر منه - بفرض حضوره - ما يؤثر في إرادتهم، إذ أن مجرد الخشية من حضوره لا تعد إكراهاً لا معنى ولا حكماً. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما أسنده الحكم إلى الطاعنين الثاني والثالث من الاعتراف أمام قاضي المعارضات وما حصله من اعتراف الطاعن الرابع بالتحقيقات بالمساهمة في ارتكاب الجريمة له مأخذه الصحيح من الأوراق، فإن النعي على الحكم في هذا الشأن يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى - كافياً لتفهم الواقعة بأركانها وظرفها حسبما استخلصتها المحكمة فإن ذلك يكون محققاً لحكم القانون، أما النعي بتناقض المجني عليه في أقواله بشأن تحديد تاريخ الحادث فهو - بفرض حصوله - لا يعيب الحكم أو يقدح في سلامته ما دام أنه استخلص الحقيقة من أقواله ومن باقي الأدلة التي عول عليها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه. لما كان ذلك، وكان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة استجابت لطلب الدفاع تأجيل الدعوى لمناقشة الشهود ومنهم المجني عليه إلا أن النيابة العامة أفادت بعدم الاستدلال على هذا الأخير، ومن ثم لا تثريب على المحكمة إن هي فصلت في الدعوى دون سماعه ولا تكون قد أخطأت في الإجراءات أو أخلت بحق الدفاع، إذ كان من المقرر أن استحالة تحقيق بعض أوجه الدفاع لا يمنع من الإدانة ما دامت الأدلة القائمة في الدعوى كافية للثبوت هذا فضلاً عن أن الدفاع عن الطاعنين لم يعاود التمسك بجلسة المرافعة الأخيرة بطلب سماع المجني عليه بعد أن تعذر الاستدلال عليه مما مفاده أنه عدل عن هذا الطلب، وإذ كانت المادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية قد خولت المحكمة الاستغناء عن سماع الشهود إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمناً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه - كما هو الحال في الدعوى - فإن النعي على الحكم بدعوى الإخلال بحق الدفاع يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن الثالث بانتفاء مسئوليته الجنائية لإصابته بمرض عقلي ورد عليه بقوله "وحيث إن دفاع المتهم الثاني...... من أنه متخلف عقلياً فإن المحكمة تلتفت عن هذا الدفاع إذ أنه غير جدي وقصد به الإفلات من العقاب بعد أن شعر المتهم بجسامة الجرم الذي تردى فيه ذلك أن المحقق ناقش المتهم لفترة طويلة وسرد اعترافه تفصيلاً ولم يلحظ عليه ما يشير إلى أنه متخلف عقلياً، والمستند الذي قدمه الدفاع بالجلسة عبارة عن صورة ضوئية لشهادة مؤرخة...... جاء بها أن العيادة العصبية والنفسية "الصحة المدرسية" تشهد بأن التلميذ...... يعاني من حالة تخلف عقلي وأنه ألحق بمدرسة...... بمعرفة العيادة وعليها ختم مطموس والمحكمة لا تطمئن إلى ما ورد بهذه الشهادة ولا تعول عليها". ولما كان ما أورده الحكم بشأن صورة الشهادة المشار إليها به له مأخذه الصحيح من الأوراق - على ما يبين من المفردات المضمومة وكان تقدير حالة المتهم العقلية ومدى تأثيرها على مسئوليته الجنائية من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها ما دامت تقيم تقديرها على أسباب سائغة، وهي غير ملزمة بندب خبير فني في الدعوى للوقوف على حقيقة إصابة المتهم بالمرض العقلي إلا فيما يتعلق بالمسائل الفنية البحتة التي يتعذر عليها تقديرها، وكان ما ذهب إليه الحكم من إطراح صورة الشهادة المقدمة من الطاعن وعدم التعويل عليها في الدعوى الماثلة لا يمت بصلة لما هو محظور على المحكمة من إقحام نفسها في أمر فني لا تستطيع أن تشق طريقها فيه دون استعانة بأهل الخبرة، بل لا يعدو أن يكون من الأمور التي تتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها فيه إذ المرجع في شأنه إلى ما تطمئن إليه، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق