الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 20 يوليو 2020

عدم دستورية قصر الدليل الذي يُقبل ويكون حجة على المتهم في جريمة الزنا على حالة وجوده في منزل مسلم


الدعوى رقم 248 لسنة 30 ق "دستورية" جلسة 6/6/ 2020
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت السادس من يونيه سنة 2020، الموافق الرابع عشر من شوال سنة 1441 هـ.

برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو  رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيري طه النجار والدكتور حمدان حسن فهمى ومحمود محمد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل
وطارق عبد العليم أبو العطا      نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / طارق عبد المطلب البحيري  رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع         أمين السر

أصدرت الحكم الآتي

      في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 248 لسنة 30 قضائية "دستورية".



المقامة من
.....
ضــــد
1- رئيس الجمهوريــة
2- رئيس مجلس الشعـب (مجلس النواب حــــاليًّا)
3- وزيـر العــــــــدل
4- .........



الإجـراءات
بتاريخ الثاني عشر من أكتوبر سنة 2008، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (276) من قانون العقوبات.

وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم بعدم قبول الدعوى. وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.

ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.



المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن النيابة العامة كانت قد أسندت إلى كل من .....، والمدعي ، أنهما في يوم 29/3/2008، بدائرة قسم ثان 6 أكتوبر ، المتهمة الأولى : وهي زوجة المدعى عليه الرابع، ارتكبت جريمة الزنا مع المدعى. المتهم الثاني : اشترك بطريق الاتفاق والمساعدة مع المتهمة الأولى في جريمة الزنا التي وقعت بناءً على ذلك الاتفاق وتلك المساعدة، وقدمتهما للمحاكمة الجنائية، في الدعوى رقم 4171 لسنة 2008 جنح قسم ثان 6 أكتوبر، وطلبت عقابهما بالمواد (40/2، 41، 273، 274، 275، 276) من قانون العقوبات، على سند من ضبط المدعى حال وجوده بغرفة نوم المتهمة الأولى، الكائنة بمسكن زوجها المدعى عليه الرابع، مسلم الديانة، وفى غيبته. وأثناء نظر الدعوى، دفع المدعى بعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة (276) من قانون العقوبات، وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع، وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.

وحيث إنه عن الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة، بعدم قبول الدعوى، لسابقة حسم المحكمة الدستورية العليا المسألة الدستورية المثارة في الدعوى المعروضة، بحكمها الصادر بجلسة 3 فبراير سنة 1990، برفض الدعوى الدستورية رقم 34 لسنة 10 قضائية، التي أقيمت نعيًا على مخالفة المادة (276) من قانون العقوبات لمبادئ الشريعة الإسلامية، وقد نشر هذا الحكم بالعدد رقم (8) من الجريدة الرسمية بتاريخ 22 فبراير سنة 1990. وقد تأكد هذا القضاء بما قضت به هذه المحكمة بعدم قبول الدعـوى رقــــــم 226 لسنة 26 قضائيـة "دستورية"، بشأن الطعن على دستورية النص ذاته، مستندة في ذلك إلى سبق حسم المسألة الدستورية عينها بالحكم الأول. فإن هذا الدفع مردود بأن فصل هذه المحكمة في دستورية النص المشار إليه إنما اقتصر على بحث مدى اتفاقه ونص المادة الثانية من دستور سنة 1971، بعد تعديلها بتاريخ 22 مايو سنة 1980، فيما استحدثته من جعل مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ، وقد خلصت المحكمة إلى أن إلزام المشرع بعدم مخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية، لا يتأتى إعماله بالنسبة للتشريعات السابقة على تاريخ هذا التعديل، وإذ كانت المادة (276) من قانون العقوبــات ضمن مواد ذلك القانون، المعمول بأحكامه اعتبارًا من تاريخ 15 أكتوبر سنة 1937، دون أن يطالها التعديل بعد التاريخ المشار إليه، فإن النعي عليها بمخالفة مبادئ الشريعة الإسلامية يكون في غير محله. بما مؤداه: أن قضاء المحكمة في تلك الدعوى لا يعتبر مطهرًا لذلك النص مما قد يكون عالقًا به من مثالب أخرى، ولا يحول بين كل ذى مصلحة وإعادة طرحه على هذه المحكمة، ويضحى الدفع بعدم قبول الدعوى في غير محله، متعينًا الالتفات عنه.

وحيث إن نص المادة (276) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 – المصوغ في فقرة واحدة – يجرى على أن " الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هي القبض عليه حين تلبسه بالفعل أو اعترافـه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم".


وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه إقامته قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس، وتكون حجة على المتهم بالزنا، بما يقيد حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته، ويخل بحق التقاضي، وحق المتهم في المحاكمة المنصفة، ويهدر مبدأي أصل البراءة وشخصية العقوبة، فضلاً عن إخلاله بمبدأ المساواة، وذلك بالمخالفة لنصوص المواد (40، 41، 66، 67، 68، 69) من دستور سنة 1971، المقابلة لنصوص المواد (4، 53، 54، 95، 96، 97، 98) من الدستور القائم.


وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن المدعى قد ضُبِطَ في منزل المدعى عليه الرابع، مسلم الديانة، في غرفة نومه، وهي ضمن مفهوم المحل المخصص للحريم. وكان النص المطعون فيه قد اعتبر ضبط المتهم على هذه الحالة من الأدلة التي تُقبل وتكون حجة على شريك الزوجـــة الزانية، ومن ثم، فإن الفصل في دستورية هذا النص سيكون له أثر مباشر وانعكاس أكيد على موقف المدعى من الاتهام المسند إليه في الدعوى الموضوعية، بما يقيم له مصلحة شخصية ومباشرة في الطعن عليه. ويتحدد نطاق الدعوى المعروضة في عبارة " وجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم"، الواردة بعجز نص المادة (276) من قانون العقوبات، دون سائر أجزاء النص الأخرى.



وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلًا صون هذا الدستور وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل القواعد والأصول التي يقوم عليها نظام الحكم، ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين التزامها، ومراعاتها، وإهدار ما يخالفها من التشريعات، باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت جملة المناعي التي وجهها المدعى إلى النص المطعون فيه تندرج تحت المطاعن الموضوعية التى تقوم في مبناها على مخالفة نص تشريعي لقاعدة موضوعية في الدستور، ومن ثم فإن المحكمة تباشر رقابتها على دستورية النص المطعون فيه، الذي مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه، في ضوء أحكام الدستور الصادر بتاريخ 18/1/2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.

وحيث إن الأصل التاريخي للنص المطعون فيه يعود إلى نص الفقرة الثالثة من المادة (338) من قانون العقوبات الفرنسي القديم، الذى حصر الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا في حالة التلبس بالزنا، وحالة الإثبات بالرسائل والمستندات المنسوب كتابتها للمتهم، وهو عين ما نصت عليه المادة (254) من قانون العقوبات الأهلي المصري الصادر سنة 1883، وقد تبنى المشرع في قانون العقوبات الأهلي الصادر بالقانون رقم 3 لسنة 1904، القاعدة ذاتها، في المادة (238)، وأضاف إلى هاتين الحالتين، حالة اعتراف المتهم، وحالة وجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم. وهو النص عينه الذي تبناه قانون العقوبات الحالي الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، في المادة (276) منه.
وحيث إن مفهوم جريمة الزنا – على النحو الذى أورده المشرع في المواد من (273) إلى (277) من قانون العقوبات – هي تلك التي ترتكبها الزوجة إذا اتصلت جنسيًا برجل غير زوجها، أو يرتكبها الزوج إذا اتصل جنسيًا بامرأة غير زوجته. وعلى الرغم من أن الفعل الذى تقوم به جريمة الزنا – الاتصال الجنسي – يستلزم بطبيعته طرفين، فإن فاعل الجريمة هو المتزوج منهما، أما الآخر، فشريك فيها، ذلك أن جوهر الجريمة ليس الاتصال الجنسي في ذاته، ولكن ما ينطوي عليه هذا الاتصال من إخلال بالإخلاص الزوجي، وهو ما لا يتصور أن يصدر إلا من شخص ملتزم بذلك. وتقتضي مساءلة شريك الزوجة الزانية أن تتوافر في حقه أركان الاشتراك، بقيام أركان جريمة الزنا، وأن يصدر منه فعل الاشتراك، ويتوافر لديه القصد الجنائي. وقد أورد المشرع في المادة (276) من قانون العقوبات حصرًا للأدلة التى تُقبل وتكون حجة على الشريك، من بينها " وجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم ".

وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في مجال تنظيم الحقـوق- على ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة تعتبر حدودًا لها، وفواصل لا يجوز تجاوزها. وعلى ذلك، فليس ثمة تنافض بين كفالة الدستور لحق التقاضي، بحسبانه حقًا دستوريًّا أصيلاً، وبين تنظيمه تشريعيًّا، شريطة ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة إلى حظــر التقاضي أو إهداره، ذلك أن ما نصت عليه المواد (4، 53، 97، 98) من الدستور القائم – وترددت أحكامهــا في الدساتير المصرية السابقة- من أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات العامة، وأن حق التقاضي من الحقوق العامة المكفولة للكافة، وأن حق الدفاع مكفول، مؤداه أن الناس كافة لا يتمايزون فيما بينهم في مجال حقهم في اللجوء إلى قاضيهم الطبيعي؛ ولا في فعالية ضمانة الدفاع للحقوق التي يطلبونها؛ ولا في اقتضائها، وفق مقاييس واحدة عند توافر شروط طلبها؛ ولا في طرق الطعن التي تنظمها، بل يجب أن يكون للحقوق ذاتها قواعد موحدة، سواء في مجال التداعي بشأنها، أو الدفـاع عنها، أو استئدائها، أو الطعن في الأحكام الصادرة فصلاً فيها . ولا يجوز بالتالي أن يُعطل المشرع إعمال هذه القواعد في شأن فئة بذاتها من المواطنين، ولا أن يُقلص دور الخصومة القضائية التي يعتبر ضمان الحق فيها والنفاذ إليها طريقًا وحيدًا لمباشرة حق التقاضي، ولا أن يجرد هذه الخصومة من الترضية القضائية، التي يعتبر إهدارها أو تهوينها إخلالاً بالحماية التى يكفلها الدستور للحقوق جميعها، وأكد عليها بما نص عليه في المادة(92) منه، بأن "الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا، ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها ".

وحيث إنه بشأن ما أثاره المدعى من مناعٍ على النص المطعون فيه، افتراضه قرينة قانونية قاطعة، لا تقبل إثبات العكس، على ارتكاب شريك الزوجة الزانية للجريمة، لمجرد وجوده في المحل المخصص للحريم من المنزل، بما يخل بحق التقاضي، وضمان المحاكمة المنصفة، والإخلال بأصل البراءة، وشخصية العقوبة، والمساواة. فذلك في جملته مردود، أولاً: بأن ربط ما ورد بصدر نص المادة (276) من قانون العقوبــات، من عبارة "الأدلة التي تُقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هى ......"، بما ورد بعجز النص من عبارة "وجوده في منزل ...... في المحل المخصص للحريم"، مؤداه أن ذلك الدليل – شأنه شأن باقي الأدلة الواردة بالنص – لا يخرج عن كونه قيدًا على سلطة النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية قبل شريك الزوجة الزانية، ما لم تتوافر هذه الحالة في حقه، ولا تملك المحكمة الجنائية – إن طُرح الأمر عليها – أن تقضى بإدانته استنادًا لها، بل عليها أن تتيقن ابتداء من توافرها، قبل تكوين عقيدتها في شأن مدى توافر الدليل على مساهمته في ارتكاب الجريمة. ومردود ثانيًّا: بأن ما ورد بالنص المطعون عليه في هذا الشأن يُمثل ضمانة للمتهم، لعدم الزج به إلى ساحة القضاء في مثل هذه النوعية من الجرائم، ما لم يتوافر في حقه إحدى الحالات – الأدلة – الواردة حصرًا بالنص، لكون فاعل تلك الجريمة هو الزوجة الزانية، وما هو إلا شريك فيها. ومردود ثالثًا: بأن ضبط المتهم في المحل المخصص للحريم من المنزل، لا يعدو أن يكون قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس، تُعبر عن الحالة الواقعية لمكان ضبطه، يستطيع نفيها بكافة طرق الإثبات، أو تقديم مبرر مشروع لوجوده في هذا المكان من المنزل، سواء عند مباشرة النيابة العامة التحقيق، أو أمام المحكمة. ومما تقدم جميعه، يَبْرَأُ النص المطعون عليه – في هذا الخصوص – من كافة المطاعن التي وجهها المدعى إليه، فضلاً عن عدم مخالفته لأي من أحكام الدستور الأخرى.




وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في النصوص القانونية التي تنتظمها وحدة الموضوع، هو امتناع فصلها عن بعضها البعض، باعتبار أنها تكون فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها، وتتضافر معانيها، وتتحـــد توجهاتها، لتكـون نسيجًا متآلفًا يُعبر عما رمى المشرع إلى تحقيقه منها، وفقًا للضوابط التي أوردها فيها. متى كان ذلك، وكان النص الذى تحدد فيه نطاق الدعوى المعروضة قد ربط بين وجود المتهم في منزل مسلم، وبين أن يكون هذا الوجود في المحل المخصص للحريم من المنزل، وهما عنصران لازمان لا ينفكان عن بعضهما البعض، ويُكونان فيما بينهما وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها، فلا يُقبل الدليل الذى يُعتبر حجة على شريك الزوجة الزانية إلا باجتماعهما معًا، وذلك حتى يرتب أثره في تحريك النيابة العامة للدعوى الجنائية قبله، وتقديمه للمحاكمة الجنائية، لتتولى المحكمة ابتداء التيقن من توافر هذه الحالة، بعنصريها، في حق المتهم، قبل أن تدلف لتكوين عقيدتها في الدعوى، في ضوء ما يتبارى فيه الخصوم من طرح الأدلة، ثبوتًا ونفيًّا، بكافة طرق الإثبات على مساهمة المتهم في ارتكاب الجريمة.

متى كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد شرع حقًا لسلطة الاتهام، وللمحكمة الجنائية، في تحرى أركان جريمة شريك الزوجة الزانية، وإقامة الدليل عليه وفقًا للقواعد العامة، متى وجُدِ في منزل مسلم، بما مؤداه - بمفهوم المخالفة - أن يكون ارتكابه الإثم في منزل غير المسلم غير منتج في إقامة الدليــل على اشتراكه في الجريمة عينها، إذ يشكل صدر هذه المادة مانعًا يحول دون مساءلته عن المساهمة في هذه الجريمة. وكان من شأن هذه التفرقة إفراد النص المطعون فيه منزل المسلم بحماية، أنكرها على منزل غير المسلم، ويقر لصاحب المنزل المسلم بحرمة لا يُسّلم بها لمنزل غيره. وقد ابتنى هذا التمييز على أساس من الدين، دون مبرر موضوعي، بالمخالفة لأحكام المادتين (4) و(53) من الدستور، التي حظرت ثانيتهما، على نحو جازم، كافة صور التمييز بين المواطنين، وفى مقدمتها التمييز بسبب الديـن، أو العقيدة، لما لهـذه الصورة أو تلك من أهمية عظمى تمثل إحدى القيم الجوهرية التي تؤمن بها المجتمعات المتحضرة، وحرصت على التأكيد عليها في مواثيقها الدولية، ومن بينها ما رددته المادة (2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذى أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب القرار رقم 217 (د-3) بتاريخ 10/12/1948. لما كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد أهدر الحماية الجنائية المتعينة لمنزل غير المسلم عند ارتكاب زوجته جريمة الزنا فيه، وأقرها في الحال ذاته لمنزل المسلم، فإنه يكون قد اتخذ من الدين أساسًا لإقامة تمييز تحكمي جائر، بين حرمة منازل المواطنين عند تحديد المسئولية الجنائية لشريك الزوجة الزانية، لا يستند إلى أسس موضوعية، فضلاً عن تبنيه تقسيمًا تشريعيًّا بين المواطنين لا يرتكن إلى أسس أو مقاييس منطقية، ويخل في الوقت ذاته بحقهم في الحماية القضائية، وذلك بالمخالفة لأحكام المواد (4 و53، 97) من الدستور.
      وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يتعين دومًا أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارها وسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمام القانون إلا على ضوء مشروعية تلك الأغراض، واتصال هذه الوسائل منطقيًا بها. متى كان ذلك، وكانت علة تجريم المشرع للزنا تكمن في حماية كيان الزواج، باعتباره أساس تكوين الأسرة، التى اعتبرها الدستور القائم – في المادة (10) منه- أساس المجتمع، وألزم الدولة بالحرص على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها. وبذلك فإن تجريم الزنا فيه حماية للأسرة، وبالتالى المجتمع، لكونه لا يمثل اعتداء على حق الزوج المجنى عليه وحده، وإنما هو أيضا اعتداء على حق المجتمع. إذ كان ذلك، وكان النص المطعون فيه قد انطوى على تمييز في الحماية الجنائية بين الأسر المصرية بحسب ديانة الزوج صاحب المنزل الذى ارتكبت فيه الزوجة جريمة الزنا، بقصره تلك الحماية على منزل المسلم، وحجبها عن غيره، دون مبرر موضوعى، فإنه فضلاً عن إخلاله بالالتزام الدستورى الواقع على كاهل الدولة، بكافة أجهزتها، في هذا الشأن، فإن الوسيلة التى حددها المشرع – بموجب النص المطعون فيه - لا تؤدى إلى تحقيق الغرض الذى توخاه من تجريم الزنا، بحماية جميع الأسر المصرية، أيًّا كانت ديانتها، وذلك بالمخالفة لأحكام المادة (10) من الدستور.



وحيث إن الدستور قرن العدل بكثير من النصوص التى تضمنها – من ذلك المواد (4، 8، 27، 38، 78، 81، 91، 177) – ليكون العدل قيدًا على السلطة التشريعية في المسائل التى تناولتها هذه النصوص. وإذا كان الدستور قد خلا من تحديد لمعنى العدالة في تلك النصوص، فإن المقصود بها ينبغى أن يتمثل فيما يكون حقًا وواجبًا سواء في علائق الأفراد فيما بينهم، أو في نطاق صلاتهم بمجتمعهم، بما مؤداه، أن العدالة - في غاياتها – لا تنفصل علاقاتها بالقانون باعتباره أداة تحقيقها، فلا يكون القانون منصفًا إلا إذا كان كافلاً لأهدافها. فإذا ما زاغ المشرع ببصره عنها، وأهدر القيم الأصيلة التى تحتضنها، كان مُنهِيًا للتوافق في مجال تنفــيذه، ومسقطًا كل قيمة لوجوده، ومستوجبًا تغييره أو إلغاءه . لما كان ذلك، وكان التمييز الوارد بالنص المطعون فيه، على النحو السالف بيانه، ترتب عليه عدم إمكانية توجيه المساءلة الجنائية لشريك الزوجة الزانية إذا ارتكبت الجريمة في منزل غير مسلم، رغم انتهاكه المصلحة الاجتماعية ذاتها محل الحماية عند ارتكاب نظيره الجريمة عينها في منزل مسلم، فإن المشرع بذلك يكون قد أخل بالعدالة الاجتماعية، على أساس من ديانة صاحب المنزل، كما أخل بالشعور العام بالعدالة، لا سيما من قبل الزوج المجنى عليه غير المسلم الذى ارتكبت الجريمة في منزله، بإفلات المتهم من العقاب، حال أنه من ثلم شرفه بتلك الفعلة المجرمة.



وحيث إن الدستور بموجب نص المادة (189) منه، قد وسد للنيابة العامة اختصاصًا أصيلاً بتولى التحقيق في الدعوى الجنائية، وتحريكها، ومباشرتها، نيابة عن الهيئة الاجتماعية، بغية تحقيق العدالة الجنائية في المجتمع، ولم يسمح للمضرور من الجريمة بالمثول أمام المحكمة الجنائية إلا للدفاع عن حقوقه المدنية المترتبة عن الأضرار الناتجة عن مساس الجريمة به. وإذ كان الدستور قد أجاز للمشرع الاستثناء من هذه القاعدة، فإن نطاق الاستثناء يقتصر على الأحوال التى تستند إلى مبرر موضوعى يقوى على إساغة الخروج على الأصل العام، وبالقدر اللازم لذلك . متى كان ذلك، وكان إدراج النص المطعون فيه حالة وجود شريك الزوجة الزانية في منزل مسلم، ضمن الأدلة التى أوردها حصرًا، وتكون مقبولة وحجة على المتهم، فإن مؤدى ذلك تكبيل صلاحيات النيابة العامة - وهى القوامة على الدعوى الجنائية والخصم الأصيل فيها - في تحريك الدعوى الجنائية، وتقديم الدليل الذى يعتد به قبل المتهم إذا اقترف الجرم في منزل غير المسلم، الأمر الذى يمثل عائقًا يحول دون قيام المجتمع بمباشرة حقه في المطالبة بالقصاص من مرتكب هذه الجريمة في هذه الحالة. ومن جانب آخر، فإن مؤدى النص المطعون فيه – أيضا - غل يد المحكمة الجنائية عن استقاء قناعتها قبل شريك الزوجة الزانية إذا وقعت الجريمة في منزل غير المسلم، متى قصرت ظروف الحال عن أدلة أخرى مما ورد في ذلك النص. ومن ثم فإن اشتراط وقوع الزنا في منزل مسلم لإمكان مساءلة شريك الزوجة الزانية، يخل بضمانة الحق في التقاضى، بتقييده سلطة الاتهام وقضاء الحكم عن مباشرة مهامهما في حماية القيم الاجتماعية التى يقرها ضمير المجتمع على أسس متكافئة بين المواطنين، متخذًا لذلك من اختلاف دياناتهم أساسًا لإهدار حق شريحة اجتماعية في التقاضي، والحصول على الترضية القضائية، بالمخالفة لأحكام المادتين (97، 189) من الدستور.

وحيث إنه من جماع ما تقدم، فإن ما ورد بالنص المطعون فيه من قصر الدليل الذى يُقبل ويكون حجة على الشريك في جريمة الزوجة الزانية على وجوده في منزل مسلم،    دون منزل غير المسلم ، يكون أخل بأحكام المواد ( 4، 10، 53، 97، 189) من الدستور،    وتقضى المحكمة تبعًا لذلك بعدم دستوريته.


فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنه عجز نص المادة (276) من قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937، من قصر الدليل الذي يُقبل ويكون حجة على المتهم في جريمة الزنا على حالة وجوده في منزل مسلم، وألزمت الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق