الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 22 يناير 2020

الطعن 596 لسنة 35 ق جلسة 25 / 3 / 1972 مكتب فني 23 ج 1 ق 82 ص 521


جلسة 25 من مارس سنة 1972
برياسة السيد المستشار/ محمد صادق الرشيدي، وعضوية السادة المستشارين: محمد شبل عبد المقصود، وأحمد سميح طلعت، ومحمد فاضل المرجوشي، وحافظ الوكيل.
-------------
(82)
الطعن رقم 596 لسنة 35 القضائية

(أ) نقض. "إجراءات الطعن". إيداع الأوراق والمستندات". بطلان.
عدم مراعاة الإجراءات والمواعيد التي كان معمولاً بها قبل إنشاء دوائر الفحص بالنسبة للطعون التي رفعت قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 43 لسنة 1965، والطعون التي رفعت بعده وحتى تاريخ نشر القانون رقم 4 لسنة 1967. لا بطلان.
(ب) إثبات. "شهادة الشهود". محكمة الموضوع. "سلطة محكمة الموضوع في إجابة طلب الإحالة إلى التحقيق".
إجراء التحقيق ليس حقاً للخصوم في كل حالة. للمحكمة أن ترفض إجابته متى رأت أنه لا حاجة بها إليه أو أنه غير مجد.
(ج) تقادم. "تقادم مسقط". دعوى. عمل. "تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد العمل".
تقادم المادة 378 مدني يقوم على قرينة الوفاء. عدم قيام تقادم المادة 698 مدني على هذه القرينة. امتداد هذا التقادم إلى جميع الدعاوى الناشئة عن عقد العمل.
(د) نقض. "أسباب الطعن". تقادم.
تقدير قيام المانع من المطالبة بالحق يقوم على عناصر واقعية يجب طرحها على محكمة الموضوع. عدم جواز عرضها ابتداءً على محكمة النقض.

--------------
1 - وفقاً للمادة الثانية من القانون رقم 4 لسنة 1967 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(1)] - لا يترتب البطلان أو السقوط على عدم مراعاة الإجراءات والمواعيد التي كان معمولاً بها قبل إنشاء دوائر الفحص سواء بالنسبة إلى الطعون التي رفعت قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 43 لسنة 1965 بشأن السلطة القضائية أو الطعون التي رفعت في الفترة من هذا التاريخ إلى تاريخ نشر القانون رقم 4 لسنة 1967 في 11/ 5/ 1967. وإذ كان الطعن قد رفع في الفترة من تاريخ العمل بالقانون رقم 43 لسنة 1965 إلى تاريخ نشر القانون رقم 4 لسنة 1967، وكان الطاعن قد قدم الأوراق التي أوجب القانون إيداعها في خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ العمل بالقانون رقم 4 لسنة 1967 فإنه يتعين رفض الدفع بعدم القبول.
2 - إجراء التحقيق لإثبات وقائع يجوز إثباتها بالبينة هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(2)] - ليس حقاً للخصوم يتحتم إجابتهم إليه في كل حالة، بل هو أمر متروك لمحكمة الموضوع ترفض الإجابة إليه متى رأت بما لها من سلطة التقدير ألا حاجة بها أو أنه غير مجد بالنظر إلى ظروف الدعوى وما هو ثابت فيها من الأدلة والوقائع التي تكفي لتكوين عقيدتها، وحسبها أن تبين في حكمها الأسباب التي اعتمدت عليها في رفض هذا الطلب.
3 - التقادم المنصوص عليه في المادة 378 من القانون المدني - وهو يقتصر على حقوق التجار والصناع عن أشياء وردوها لأشخاص لا يتجرون فيها وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم وحقوق العمال والخدم والإجراء من أجور يومية وغير يومية ومن ثمن ما قاموا به من توريدات - يقوم على قرينة الوفاء، وهي مظنة رأى الشارع توثيقها بيمين المدعى عليه، وأوجب على من يتمسك بأن الحق قد تقادم بسنة أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً، بينما التقادم المنصوص عليه في المادة 698 من القانون المدني لا يقوم على هذه المظنة، ولكن على اعتبارات من المصلحة العامة هي ملاءمة استقرار الأوضاع الناشئة عن عقد العمل والمواثبة إلى تصفية المراكز القانونية لكل من رب العمل والعامل على السواء، وهو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة [(3)] - لا يقتصر على دعاوى المطالبة بالأجور وحدها بل يمتد إلى غيرها من الدعاوى الناشئة عن عقد العمل.
4 - تقدير قيام المانع من المطالبة بالحق، والذي يعتبر سبباً لوقف التقادم عملاً بالمادة 382 من القانون المدني، يقوم على عناصر واقعية يجب طرحها أمام محكمة الموضوع لتقول كلمتها فيها، ولا يجوز عرضها ابتداءً على محكمة النقض. وإذ كان الثابت في الدعوى أن الطاعن لم يسبق أن تمسك بأي سبب من أسباب وقف التقادم أو انقطاعه، وكان الطاعن لم يقدم من جانبه ما يثبت أنه أثار هذا الدفاع أمام محكمة الموضوع، فإن النعي بهذا السبب يكون غير مقبول.


المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام ضد المطعون عليهم الدعوى رقم 111 لسنة 1964 كلي الفيوم وطلب الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا له مبلغ 2758 ج و610 م وقال بياناً لدعواه إنه التحق بدائرة مورثة المطعون ضدهم منذ أول يناير سنة 1937 بمرتب شهري مقداره 24 ج و500 م واستمر يباشر عمله حتى 26/ 3/ 1963 حيث دخل المستشفى لإجراء جراحة استدعت بقاءه تحت العلاج حتى 11/ 5/ 1963 ثم فوجئ بفصله من عمله ابتداءً من هذا التاريخ ليتفرغ لخدمة شركة يوسف مشرقي وشركاه لخليج الأقطان التي كان قد التحق بها بالإضافة إلى عمله في الدائرة منذ 15/ 4/ 1962، وأنه يستحق في ذمة المطعون ضدهم المبلغ المطالب به، وهو عبارة عن 779 ج و660 م قيمة مكافأة نهاية الخدمة، والباقي وقدره 1188 ج قيمة إعانة الغلاء المتأخرة. دفع المطعون ضدهم الدعوى بسقوط حق الطاعن في رفع الدعوى بالتقادم عملاً بالمادة 698 من القانون المدني لرفعه الدعوى بعد مضي أكثر من سنة على فصله، وبجلسة 24/ 3/ 1965 حكمت محكمة الفيوم الابتدائية برفض الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم وبإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ونفي ما جاء بمنطوق الحكم. استأنف المطعون ضدهم هذا الحكم لدى محكمة استئناف بني سويف (مأمورية الفيوم) وقيد الاستئناف برقم 105 سنة 3 قضائية. وبتاريخ 6/ 11/ 1965 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من رفض الدفع بسقوط دعوى الطاعن وبسقوطها. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وبالجلسة المحددة لنظره تمسكت النيابة برأيها.
وحيث إن المطعون ضدهم دفعوا بعدم قبول الطعن شكلاً لعدم إيداع الطاعن الأوراق التي أوجب القانون إيداعها خلال الموعد القانوني.
وحيث إن هذا الدفع في غير محله، ذلك أنه وفقاًَ للمادة الثانية من القانون رقم 4 لسنة 1967 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب البطلان أو السقوط على عدم مراعاة الإجراءات والمواعيد التي كان معمولاً بها قبل إنشاء دوائر الفحص سواء بالنسبة إلى الطعون التي رفعت قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 43 لسنة 1965 بشأن السلطة القضائية أو الطعون التي رفعت في الفترة من هذا التاريخ إلى تاريخ نشر القانون رقم 4 لسنة 1967 في 11/ 5/ 1967 وإذ كان الطعن قد رفع في الفترة من تاريخ العمل بالقانون رقم 43 لسنة 1965 إلى تاريخ نشر القانون رقم 4 لسنة 1967 وكان الطاعن قد قدم الأوراق التي أوجب القانون إيداعها في 20/ 5/ 1967 أي في خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ العمل بالقانون 4 لسنة 1967 فإن يتعين رفض الدفع.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطاعن ينعى بالوجه الأول من السبب الأول وبالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه الإخلال بحقه في الدفاع، ذلك لأن الحكم استقى تاريخ انتهاء عقد العمل في آخر مارس سنة 1962 من بيانات الكشف الذي حرره الطاعن والذي كان معداً لتقديمه إلى ضريبة التركات لتحديد عناصر تركة مورثة المطعون ضدهم، حالة أن الطاعن تقدم بعدة مستندات تثبت أنه واصل الخدمة بعد هذا التاريخ في دائرة المطعون ضدهم حتى 11/ 5/ 1963 مع قيامه بالعمل لدى شركة حليج الأقطان بالفيوم، وأنه لا يوجد ما يحول قانوناً دون قيام الطاعن بعملين في وقت واحد، وأنه كان قد تمسك بطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذه الوقائع إلا أن المحكمة لم تستجب إليه مما يخل بحقه في الدفاع.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك بأنه لما كان إجراء التحقيق لإثبات وقائع يجوز إثباتها بالبينة هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليس حقاً للخصوم تتحتم إجابتهم إليه في كل حالة، بل هو أمر متروك لمحكمة الموضوع ترفض الإجابة إليه متى رأت بما لها من سلطة التقدير ألا حاجة بها إليه أو أنه غير مجد بالنظر إلى ظروف الدعوى وما هو ثابت فيها من الأدلة والوقائع التي تكفي لتكوين عقيدتها وبحسبها أن تبين في حكمها الأسباب التي استندت عليها في رفض هذا الطلب، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في هذا الخصوص على أنه "تبين من مطالعة كشف المكافآت المستحقة لموظفي دائرة المرحومة أنيسه حنا مورثة المستأنفين - المطعون ضدهم - المؤرخ 25/ 3/ 1952 والمقدم ضمن حافظة المستأنف عليه - الطاعن - والموقع عليه من هذا الأخير أنه تضمن أسماء موظفي المورثة المذكورة وتاريخ بدء خدمتهم لديها ونهاية مدة الخدمة والمكافأة المستحقة لكل منهم وقد شمل المستأنف عليه باعتباره أحد موظفي الدائرة وأن تاريخ بدء خدمته 1/ 1/ 1937 ونهايتها آخر مارس سنة 1962 وأن المكافأة المستحقة له مبلغ 689 ج و700 م وقد قدم المستأنفون كشفاً مماثلاً ضمن حافظتهم" ثم قال الحكم "ويبين من مطالعة الكشفين آنفي الذكر أنهما قاطعان في انتهاء عقد عمل المستأنف عليه لدى المرحومة أنيسه حنا ويصا في آخر مارس سنة 1962 أما القول من جانب المستأنف عليه أنه استمر في ذات العمل لدى المورثة حتى فصل في 11/ 5/ 1963 فضلاً عن أنه يعوزه الدليل المقنع فإن كشوف المبالغ المنصرفة من شركة الفيوم للتسليف المؤرخة 10/ 7/ و30/ 9 و1/ 11/ 1962 و4/ 1 و16/ 2/ 1963 والتي يقول المستأنف عليه إنها محررة بخطه باعتباره كاتب أول الدائرة لا تدل على أنه كان يعمل لدى ورثة المرحومة أنيسه حنا ويصا وإنما كان باعتباره موظفاً لدى شركة الفيوم للتسليف، يؤكد ذلك أنه ذكر صراحة في عريضة دعواه أنه كان قد التحق بهذه الشركة منذ 15/ 4/ 1962 ومن ثم يكون ما دفع به المستأنف عليه من استمرار عقد عمله الأصلي لدى الورثة إلى أن فصل في 11/ 5/ 1963 لا يقوم على صحته دليل"، وانتهى الحكم إلى أن المحكمة "لا ترى إجابة المستأنف عليه إلى طلبه إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات مدعاه ما دامت قد اطمأنت من أوراق الدعوى وبخاصة الكشفين الموقع عليهما من المستأنف عليه بتاريخ 25/ 3/ 1962 سالفي الذكر إلى أن مدة خدمته لدى المورثة قد انتهت في مارس سنة 1962" ولما كان الحكم المطعون فيه قد رفض طلب الإحالة على التحقيق اكتفاء بما اقتنع به من أسباب سائغة فإن النعي يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه خالف القانون حين بنى قضاءه على أن التقادم المنصوص عليه في المادة 698 هو تقادم مطلق، ذلك لأن التقادم المنصوص عليه فيها لا يختلف عن تقادم حقوق العمال والخدم والأجراء المنصوص عليه في المادة 378 من القانون المدني كلاهما يقوم على قرينة الوفاء، وإذ كان المستفاد من دفاع المطعون ضدهم أنهم ينكرون الوفاء للطاعن بحقوقه فإنه يمتنع عليهم التمسك بهذا التقادم، هذا إلى أن فروق إعانة الغلاء تدخل في عداد الأجور وهي من الحقوق الدورية المتجددة التي لا يتقادم الحق في المطالبة بها إلا بمضي خمس سنوات طبقاً للمادة 375 من القانون المدني.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن التقادم المنصوص عليه في المادة 378 من القانون المدني - وهو يقتصر على حقوق التجار والصناع عن أشياء وردوها لأشخاص لا يتجرون فيها وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم وحقوق العمال والخدم والأجراء من أجور يومية وغير يومية وعن ثمن ما قاموا به من توريدات - يقوم على قرينة الوفاء، وهي مظنة رأي الشارع توثيقها بيمين المدعى عليه وأوجب على من يتمسك بأن الحق قد تقادم بسنة أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً، بينما التقادم المنصوص عليه في المادة 698 من القانون المدني لا يقوم على هذه المظنة ولكن على اعتبارات من المصلحة العامة هي ملاءمة استقرار الأوضاع الناشئة عن عقد العمل والمواثبة إلى تصفية المراكز القانونية لكل من رب العمل والعامل على السواء وهو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يقتصر على دعاوى المطالبة بالأجور وحدها بل يمتد إلى غيرها من الدعاوى الناشئة عن عقد العمل، وإذ كان ذلك وكان الثابت في الدعوى أن الطاعن فصل من العمل في 31 مارس سنة 1962 بينما لم يرفع الدعوى إلا في 10/ 5/ 1964 وبعد مضي أكثر من سنة من تاريخ الفصل، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بسقوط الحق في رفع الدعوى بالتقادم، فإنه لا يكون قد خالف القانون، وبالتالي يكون النعي عليه بهذا السبب في غير محله.
وحيث إن حاصل الوجهين الثاني والثالث من السبب الأول أن الحكم المطعون فيه شابه قصور، ذلك لأن الطاعن واصل العمل حتى مارس سنة 1963 ثم دخل المستشفى واستطال بقاؤه فيها تحت العلاج حتى 11/ 5/ 1963، مما يستحيل معه وقد كان نزيل المستشفى للمرض أن يتخذ إجراءات المطالبة بحقه، ولا شك في أن هذا المانع كان يبرر وقف التقادم عملاً بالمادة 382 من القانون المدني وإذ التفت الحكم عن ذلك فإنه يكون معيباً بالقصور.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك لأن تقدير قيام المانع من المطالبة بالحق والذي يعتبر سبباً لوقف التقادم عملاً بالمادة 382 من القانون المدني يقوم على عناصر واقعية يجب طرحها أمام محكمة الموضوع لتقول كلمتها فيها، ولا يجوز عرضها ابتداءً على محكمة النقض، وإذ كان الثابت من مراجعة الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي أن الطاعن لم يسبق أن تمسك بأي سبب من أسباب وقف التقادم أو انقطاعه، وكان الطاعن لم يقدم من جانبه ما يثبت أنه أثار هذا الدفاع أمام محكمة الموضوع، فإن هذا النعي يكون غير مقبول.
وحيث إنه لكل ما تقدم يكون الطعن برمته على غير أساس.


[(1)] نقض 4/ 6/ 1969 مجموعة المكتب الفني. السنة 20. ص 880.
[(2)] نقض 23/ 3/ 1966 مجموعة المكتب الفني. السنة 17. ص 666.
[(3)] نقض 7/ 6/ 1967 مجموعة المكتب الفني السنة 18 ص 1212.

الطعن 335 لسنة 31 ق جلسة 12 / 1 / 1966 مكتب فني 17 ج 1 ق 14 ص 102

جلسة 12 من يناير سنة 1966
برياسة السيد المستشار/ أحمد زكي محمد نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: محمد ممتاز نصار، وإبراهيم عمر هندي، ومحمد نور الدين عويس، ومحمد شبل عبد المقصود.
------------
(14)
الطعن رقم 335 لسنة 31 القضائية
(أ ) دعوى. تقادم. "قطع التقادم". نقابات. "دعوى النقابة".
دعوى النقابة. استقلالها عن دعاوى الأعضاء. لا تمنع عضو النقابة من رفع الدعوى بحقه ولا تقطع التقادم بالنسبة له.
(ب) تقادم. "تقادم مسقط". "تقادم الدعاوى الناشئة عن عقد العمل". عمل. "الدعاوى الناشئة عن عقد العمل". "تقادمها".
التقادم المنصوص عليه في المادة 378 مدني. قرينة الوفاء. وجوب توثيقها بيمين الاستيثاق. التقادم المنصوص عليه في المادة 698 مدني لا يقوم على هذه القرينة ولا يقتصر على دعاوى المطالبة بالأجور. عدم اتساعه لتوجيه يمين الاستيثاق.
--------------
1 - دعوى النقابة هي دعوى مستقلة ومتميزة عن دعوى الأعضاء، وتختلف عنها في موضوعها وفي سببها وفي آثارها وفي الأشخاص، إذ هي تتصل بحق الجماعة ويتأثر بها مركزها باعتبارها شخصية معنوية مستقلة عن شخصية أعضائها لا باعتبارها نائبة أو وكيلة عنهم. والدعوى من النقابة بحقها هذا المتميز لا تمنع أحد أعضائها من رفع الدعوى بحقه هو الآخر ولا تتعارض معها، وإذ كان الأصل في الإجراء القاطع للتقادم - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن يكون متعلقاً بالحق المراد اقتضاؤه ومتخذاً بين نفس الخصوم بحيث إذا تغاير الحقان أو اختلف الخصوم لا يترتب عليه هذا الأثر(1) ، فإن دعوى النقابة لا تقطع التقادم في دعوى الأعضاء - إذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى في قضائه إلى أن القرار الصادر من هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة في الطلب المقدم من نقابة عمال شركة ترام القاهرة لا يترتب عليه قطع التقادم في دعوى الطاعنين فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
2 - التقادم المنصوص عليه في المادة 378 من القانون المدني - وهو يقتصر على حقوق التجار والصناع عن أشياء وردوها لأشخاص لا يتجرون في هذه الأشياء، وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم، وحقوق العمال والخدم والأجراء من أجور يومية وغير يومية ومن ثمن ما قاموا به من توريدات - يقوم على قرينة الوفاء، وهي "مظنة" رأى الشارع توثيقها بيمين المدعى عليه وهي يمين الاستيثاق وأوجب "على من يتمسك بأن الحق قد تقادم بسنة أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً"، بينما التقادم المنصوص عليه في المادة 698 - وهو لا يقتصر على دعاوى المطالبة بالأجور وحدها بل يمتد إلى غيرها من الدعاوى الناشئة عن عقد العمل - لا يقوم على هذه المظنة ولكن على اعتبارات من المصلحة العامة هي ملاءمة استقرار الأوضاع الناشئة عن عقد العمل والمواثبة إلى تصفية المراكز القانونية لكل من رب العمل والعامل سواء، ومن ثم فهو لا يتسع لتوجيه يمين الاستيثاق لاختلاف العلة التي يقوم عليها ويدور معها، وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد جرى في قضائه على أن التقادم المنصوص عليه في المادة 698 من القانون المدني "هو تقادم عام ومطلق لم يقيده الشارع بأي إجراء آخر كتوجيه يمين الاستيثاق أو غيرها" فإنه لا يكون قد خالف القانون.

المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة، وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن ورثة المرحوم تاوضروس بخيت أقاموا الدعوى رقم 1346 سنة 1959 تجاري عمال القاهرة الابتدائية ضد شركة ترام القاهرة يطلبون إلزامها بأن تدفع لهم مبلغ 328 جنيهاً والفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقالوا شرحاً لها إن مورثهم التحق بخدمة الشركة في سنة 1907 واستمر إلى أن فصل في فبراير سنة 1950 وإذ بلغ أجره اليومي 36.5 قرشاً مضافاً إليه 75% علاوة غلاء معيشة وقد صرفت لهم الشركة مكافأة نهاية الخدمة على أساس الأجر الأصلي وحده دون علاوة الغلاء بينما هي جزء من الأجر وصدر قرار هيئة التحكيم في النزاع الذي كان قائماً بين النقابة والشركة بإلزامها بدفع قيمة المكافأة على أساس الأجر مضافاً إليه إعانة الغلاء، فقد انتهوا إلى طلب الحكم لهم بها. ودفعت الشركة بسقوط الدعوى بالتقادم وفقاً للمادة 698 من القانون المدني. وبتاريخ 3/ 4/ 1955 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم وبسقوطها وأعفت المدعين من المصاريف واستأنف الورثة هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة طالبين إلغاءه والحكم لهم بطلباتهم وقيد هذا الاستئناف برقم 450 سنة 76 ق. وبتاريخ 11/ 5/ 1961 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأعفت المستأنفين من المصروفات. وطعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض للأسباب الواردة بالتقرير وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون وقررت إحالته إلى دائرة العمال، وفي 15 و19 نوفمبر سنة 1964 أعلن قلم الكتاب كلاً من هيئة النقل العام لمدينة القاهرة والحارس الخاص على الشركة بصورة من تقرير الطعن مؤشراً عليها بقرار الإحالة، وأمام هذه الدائرة لم يحضر الطاعنون، ولم تحضر المطعون عليها ولم تبد دفاعاً، وقدمت هيئة النقل مذكرة قالت فيها إنها لم تكن خصماً في النزاع ولا صلة لها به وقدمت النيابة العامة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن من الطاعن الثالث غالي تاوضروس بخيت وطلبت قبوله بالنسبة للباقين.
وحيث إن النيابة العامة دفعت بعدم قبول الطعن من الطاعن الثالث غالي تاوضروس بخيت للتقرير به من غير ذي صفة وعدم تقديم التوكيل الصادر منه للمحامي الذي قرر بالطعن نيابة عنه.
وحيث إن هذا الدفع في محله ذلك أن المادة السابعة من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض توجب أن يكون المحامي الذي يقرر بالطعن موكلاً عن الطالب وإلا كان الطعن باطلاً وحكمت المحكمة من تلقاء نفسها ببطلانه، وإذ كان الثابت أن المحامي الذي قرر بالطعن عن غالي تاوضروس بخيت لم يقدم ما يثبت وكالته عنه فإن التقرير بالطعن يكون باطلاً ويتعين الحكم بعدم قبوله بالنسبة له.
وحيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة لباقي الطاعنين.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه جرى في قضائه على أن المدة المنصوص عليها في المادة 698 من القانون المدني هي مدة سقوط لا تقبل الوقف ولا الانقطاع وعلته هي رغبة الشارع في سرعة تصفية المنازعات الناشئة عن عقد العمل، وهو خطأ ومخالفة لما نصت عليه الفقرة الأولى منها بقولها "تسقط بالتقادم الدعاوى الناشئة عن عقد العمل بانقضاء سنة من وقت انتهاء العقد" وما نصت عليه الفقرة الثانية من أنه "لا يسري هذا التقادم الخاص" إذ يتضح من هاتين العبارتين أن المدة المنصوص عليها هي مدة تقادم يرد عليها الوقف والانقطاع وليست مدة سقوط، يضاف إلى ذلك أن الحكم لم يبين المصدر الذي استقى منه علة السقوط وهو قصور يعيبه ويبطله.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه - والحكم الابتدائي معه - يبين أنه لم يعتبر المدة المنصوص عليها في المادة 698 من القانون المدني مدة سقوط بل اعتبرها مدة تقادم وصفه بأنه "تقادم مطلق وعام" وبين العلة فيه وهي حرص المشرع على سرعة تصفية المنازعات الناشئة عن عقد العمل بعد انقضاء العلاقة بين طرفيه، وتفريعاً على ذلك ناقش دفاع الطاعنين وما تمسكوا به لديه من أن رفع النزاع أمام هيئة التحكيم يقطع مدة التقادم المسقط لدعواهم.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن نقابة عمال شركة ترام القاهرة سبق أن أقامت الدعوى رقم 1 لسنة 1951 أمام هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة وكان من بين طلباتها إلزام الشركة بدفع مكافأة العمال على أساس الأجر الأصلي مضافاً إليه إعانة الغلاء وصدر قرار الهيئة بإجابة هذا الطلب، والحكم المطعون فيه لم يعتبر دعوى النقابة والقرار الصادر فيها من الإجراءات القاطعة للتقادم في دعوى الطاعنين استناداً إلى أن هيئات التحكيم لجان إدارية - والإجراءات المتخذة أمامها ليست إجراءات قضائية، وهو خطأ ومخالفة للقانون، إذ أن هيئات التحكيم هي هيئات قضائية ناط بها المشرع الفصل في المنازعات الجماعية للعمال وتتبع الإجراءات العادية أمام المحاكم وتطبق في شأنها القوانين واللوائح وتصدر قراراتها على النحو الذي تصدر به سائر الأحكام ويكون لها نفس الحجية ومؤدى ذلك أن الطلبات التي تقدم إليها تكون جازمة بالحق المدعى به ويترتب عليها قطع التقادم وفقاً للمادة 383 من القانون المدني، وإذا كانت النقابة هي الممثلة للعمال، وكان القرار الصادر بشأن احتساب المكافأة على أساس الأجر الأصلي مضافاً إليه إعانة الغلاء هو قرار كاشف بالنسبة لمبدأ المكافأة والقواعد التي تحتسب على أساسها في جميع السنين لا في سنة معينة منها وله حجيته بحيث يمتنع على أطرافه المنازعة فيه من جديد، فإن نزاع النقابة أمام هيئة التحكيم والقرار الصادر فيه يقطع التقادم في دعوى الطاعنين.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن دعوى النقابة هي دعوى مستقلة ومتميزة عن دعوى الأعضاء، وتختلف عنها في موضوعها وفي سببها وفي آثارها وفي الأشخاص، إذ هي تتصل بحق الجماعة ويتأثر بها مركزها باعتبارها شخصية معنوية مستقلة عن شخصية أعضائها لا باعتبارها نائبة أو وكيلة عنهم، والدعوى من النقابة بحقها هذا المتميز لا تمنع أحد أعضائها من رفع الدعوى بحقه هو الآخر ولا تتعارض معها، وإذ كان الأصل في الإجراء القاطع للتقادم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يكون متعلقاً بالحق المراد اقتضاؤه ومتخذاً بين نفس الخصوم بحيث إذا تغاير الحقان أو اختلف الخصوم لا يترتب عليه هذا الأثر، فإن دعوى النقابة لا تقطع التقادم في دعوى الطاعنين وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى في قضائه إلى أن القرار الصادر من هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة في الطلب رقم 1 لسنة 1951 المقدم من نقابة عمال شركة ترام القاهرة لا يترتب عليه قطع التقادم في دعوى الطاعنين فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن الشركة قدمت مخالصة صادرة من الطاعنين تدل على قبضهم مبلغ 376 ج مكافأة مورثهم في يناير سنة 1953 وتعتبر اعترافاً بالالتزام يترتب عليه قطع التقادم وإذ لم يعول الحكم المطعون فيه على هذه المخالصة رغم تمسكهم بدلالتها فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن الطاعنين لم يقدموا ما يفيد تمسكهم لدى محكمة الموضوع بدلالة المخالصة على الاعتراف بالحق من جانب الشركة ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص يكون عارياً عن الدليل.
وحيث إن حاصل السبب الرابع أن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه في الدعوى على أن التقادم المنصوص عليه في المادة 698 من القانون المدني هو تقادم مطلق وغير مقيد بيمين الاستيثاق، وهذا من الحكم خطأ ومخالفة للقانون، إذ أن التقادم المنصوص عليه فيها لا يختلف عن تقادم حقوق العمال والخدم والإجراء المنصوص عليه في المادة 378 وهي توجب على من يتمسك به أن يحلف اليمين بأنه أدى الدين فعلاً فكلاهما مؤسس على قرينة الوفاء ويتعين معه حلف اليمين، وإذا كان الشارع قد نص في المادة 698 على "تقادم الدعوى" بدلاً من "تقادم الحق" فإن ذلك لا يعني اختلاف المقصود من كل منهما، وهو ما أفصحت عنه الأعمال التحضيرية للقانون وردده الفقهاء تأسيساً على أن الرابطة التي تجمع بين الحق والدعوى تجعل من المستحيل وجود فارق بينهما وأن السبب الذي يقوم عليه التقادم السنوي لا يمكن أن يختلف بالنسبة لكل منهما، وإذ كان التقادم المنصوص عليه في المادة 378 يستند على قرينة الوفاء التي لا يمكن إسقاطها إلا باليمين فإنه لا يجوز إسناد تقادم الدعوى المنصوص عليه في المادة 698 - وهو صورة من تقادم الحق - إلى اعتبار آخر يمكن معه استبعاد اليمين.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أن التقادم المنصوص عليه في المادة 378 من القانون المدني - وهو يقتصر على حقوق التجار والصناع عن أشياء وردوها لأشخاص لا يتجرون في هذه الأشياء، وحقوق أصحاب الفنادق والمطاعم عن أجر الإقامة وثمن الطعام وكل ما صرفوه لحساب عملائهم، وحقوق العمال والخدم والأجراء من أجور يومية وغير يومية ومن ثمن ما قاموا به من توريدات - يقوم على قرينة الوفاء، وهي "مظنة" رأى الشارع توثيقها بيمين المدعى عليه - هي يمين الاستيثاق - وأوجب "على من يتمسك بأن الحق قد تقادم بسنة أن يحلف اليمين على أنه أدى الدين فعلاً"، بينما التقادم المنصوص عليه في المادة 698 - وهو لا يقتصر على دعاوى المطالبة بالأجور وحدها بل يمتد إلى غيرها من الدعاوى الناشئة عن عقد العمل - لا يقوم على هذه المظنة ولكن على اعتبارات من المصلحة العامة هي ملاءمة استقرار الأوضاع الناشئة عن عقد العمل والمواثبة إلى تصفية المراكز القانونية لكل من رب العمل والعامل سواء، ومن ثم فهو لا يتسع لتوجيه يمين الاستيثاق لاختلاف العلة التي يقوم عليها ويدور معها، وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد جرى في قضائه على أن التقادم المنصوص عليه في المادة 698 من القانون المدني "هو تقادم عام ومطلق لم يقيده المشرع بأي إجراء آخر كتوجيه يمين الاستيثاق أو غيرها" فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه.
وحيث إن حاصل السبب الخامس أن مكافأة نهاية الخدمة لها طبيعة الأجر وصفاته فتأخذ حكمه وتسري عليها قواعد التقادم الخاصة به، وبالتالي فهي تتقادم بخمس سنوات وفقاً للمادة 375 من القانون المدني لا بسنة ومع تمسك الطاعنين بهذا الدفاع فقد أغفل الحكم المطعون فيه الرد عليه، وهو قصور يعيبه ويبطله.
وحيث إن هذا النعي في غير محله ذلك أنه متى كان الحكم المطعون فيه قد طبق على دعوى الطاعنين أحكام التقادم المنصوص عليه في المادة 698 من القانون المدني فإنه بذلك يكون قد أطرح دفاعهم في هذا الخصوص ولم يعول عليه.

(1) نقض 26/ 4/ 1962. الطعن رقم 256 لسنة 26 ق - السنة 13 ص 506.
ونقض 10/ 12/ 1959. الطعن رقم 102 لسنة 25 ق - السنة 10 ص 756.

الثلاثاء، 21 يناير 2020

الطعن 2460 لسنة 49 ق جلسة 13 / 11 / 1980 مكتب فني 31 ق 190 ص 979


جلسة 13 من نوفمبر سنة 1980
برياسة السيد المستشار/ صلاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حسن جمعه؛ ومحمد عبد الخالق النادي، وصفوت خالد مؤمن، والدكتور علي فاضل.
-----------
(190)
الطعن رقم 2460 لسنة 49 القضائية

(1) اختصاص "الاختصاص الولائي". قانون "تفسيره" .قضاء عسكري. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اختصاص المحاكم العادية بكافة المنازعات والجرائم، إلا ما نص على انفراد غيرها به. المحاكم العسكرية. محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي. مناط اختصاصها. اختصاص المحاكم العادية - معها - بمحاكمة الخاضعين لقانون هيئة الشرطة.
(2) علاقة السببية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
علاقة السببية في المواد الجنائية. مناط تحققها. تقديرها. موضوعي. مثال لتسبيب سائغ على توافر رابطة السببية بين التعذيب والوفاة.
 (3)نقض. "الصفة والمصلحة في الطعن" "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". عقوبة. "العقوبة المبررة".
انعدام مصلحة الطاعن في المجادلة في توافر رابطة السببية بين التعذيب والوفاة، ما دامت العقوبة الموقعة عليه تدخل في الحدود المقررة لجريمة تعذيب متهم بقصد حمله على الاعتراف مجردة من ظرف الوفاة.
(4) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل" دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم. موضوعي.
(5) حكم "بيانات التسبيب". "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "شهود".
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد المتعددة حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. لها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى، ما دامت قد اطمأنت إليها.
تضارب الشاهد في أقواله أو مع غيره. لا يعيب الحكم، متى كانت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال، بما لا تناقض فيه.
 (6)دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الطلب الجازم. ماهيته؟. مثال لطلب غير جازم.
 (7)حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
 (8)موظفون عموميون. تعذيب متهم بقصد حمله على الاعتراف. جريمة "أركانها". قصد جنائي. باعث.
القصد الجنائي في جريمة تعذيب متهم بقصد حمله على الاعتراف. مناط تحققه. تقديره موضوعي.
(9) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام". "قرائن".
حق محكمة الموضوع في أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما يؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها.

----------------
1 - من المقر أن القضاء العادي هو الأصل وأن المحاكم العادية هي المختصة بالنظر في جميع الدعاوى الناشئة عن أفعال مكونة لجريمة وفقاً لقانون العقوبات العام أياً كان شخص مرتكبها حين أن المحاكم العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي مناطه إما خصوصية الجرائم التي تنظرها وإما شخص مرتكبها على أساس صفة معينة توافرت فيه وأنه وإن أجاز قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 اختصاص القضاء العسكري بنظر جرائم من نوع معين ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين، إلا أنه ليس في هذين القانونين ولا في أي تشريع آخر نصاً على انفراد ذلك القضاء بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها، ولما كانت الجريمة التي أسندت إلى الطاعن معاقب عليها بالمادتين 126، 234/ 1 من قانون العقوبات، وكانت النيابة العامة قد قدمته إلى المحاكمة العادية ولم يقرر القضاء العسكري اختصاصه بمحاكمته، فإن الاختصاص بذلك ينعقد للقضاء الجنائي العادي وما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله.
2 و3 - لما كان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن توافر علاقة السببية بين أفعال التعذيب التي ارتكبها وبين النتيجة التي انتهت إليها هذه الأفعال وهي وفاة المجني عليه في قوله: "ولما كانت المحكمة ترى توافر علاقة السببية بين فعل التعذيب الذي وقعه المتهم بالمجني عليه وبين النتيجة التي انتهى إليها هذا التعذيب وهي موت المجني عليه غرقاً فإن حكم الفقرة الثانية من المادة 126 من قانون العقوبات يكون قائماً ومنطبقاً على وقائع الدعوى، ذلك أن فعل التعذيب الذي باشره المتهم على المجني عليه منذ بداية وقائع التعذيب بالضرب والإسقاط في الماء الملوث مع التهديد بالإلقاء في البحر وما أدى إليه ذلك مع استمرار الاعتداء بتلك الصورة على غلام ضئيل البنية ودفعه إلى حافة رصيف المياه في محاولة لإنزاله بها مرة أخرى سبق للمجني عليه التأذي من سابقتها، كل ذلك يستتبع أن يحاول المجني عليه التخلص من قبضة المتهم جذباً كما يستتبع من المتهم دفعاً في محاولة إنزال المجني عليه إلى الماء أو حتى التهديد به وهو غير متيقن من إجادة المجني عليه للسباحة وقد جرى كل ذلك في بقعة على جانب الرصيف ضاقت بوجود مواسير البترول الممتدة بطوله، هذا التتابع الذي انتهى إلى سقوط المجني عليه في مياه البحر وهو متعلق بحزام المتهم ثم غرقه وموته يعتبر عادياً ومألوفاً في الحياة وجارياً مع دوران الأمور المعتاد ولم يداخله عامل شاذ على خلاف السنة الكونية ولذا فلا يقبل ولا يسمع من المتهم أنه لم يتوقع حدوث تلك النتيجة الأخيرة وهي موت المجني عليه غرقاً" وهو تدليل سائغ يؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم ويتفق وصحيح القانون فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد هذا فضلاً عن انتفاء مصلحته في هذا المنعى لأن العقوبة التي أنزلها الحكم به وهي السجن لمدة خمس سنوات تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف المجردة عن ظرف وفاة المجني عليه المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 126 من قانون العقوبات.
4 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعها إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
5 - المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وهي لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه ولها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها كما أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
6 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن طلب إجراء معاينة ليلية لمكان الحادث إلا أن هذا الطلب جاء في سياق مرافعته بقصد التشكيك في أقوال الشهود منتهياً إلى طلب البراءة ولا يفيد معنى الطلب الصريح الجازم الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه لما هو مقرر من أن الطلب الجازم هو الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه.
7 - المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ولا عليها إن هي التفتت عن أي دليل آخر لأن في عدم إيرادها له ما يفيد إطراحه وعدم التعويل عليه.
8 - القصد الجنائي المتطلب في الجريمة المنصوص عليها بالمادة 126 من قانون العقوبات يتحقق كلما عمد الموظف أو المستخدم العمومي إلى تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أياً كان الباعث له على ذلك، وكان توافر هذا القصد مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى.
9 - من المقرر أن للمحكمة أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً النتيجة التي انتهت إليها وأنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: بصفته موظفاً عاماً (أمين شرطة بإدارة شرطة ميناء الإسكندرية) قام بتعذيب........ على النحو المبين بالتحقيقات لحمله على الاعتراف بالاتهام الذي أسنده إليه بسرقة وإخفاء مسروقات من الدائرة الجمركية فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر ذلك. وادعى والد المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ عشرين ألف جنيه على سبيل التعويض ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بالمادتين 126/ 1، 2، 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وبإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أفضى إلى موته قد خالف القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن كان من أفراد هيئة الشرطة وقت وقوع الحادث وقد نسب إليه ارتكابه أثناء تأدية وظيفته وبسببها مما يجعل أمر محاكمته موكولاً للقضاء العسكري إعمالاً لأحكام قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 كما أن الحكم قد خلص إلى أن الإصابات التي أحدثها الطاعن بالمجني عليه هي التي أودت بحياته رغم أن الثابت بتقرير الصفة التشريحية أن تلك الإصابات ليس من شأنها إحداث الوفاة التي نشأت عن إسفكسيا الغرق بما تنتفي معه علاقة السببية بين الأفعال المسندة للطاعن ووفاة المجني عليه وقد أثار الدفاع ذلك في مرافعته بيد أن الحكم لم يعن بالرد عليه وأخذ بأقوال الشهود رغم تناقضها، كما عول على أقوال الطاعن ووجود آثار شحوم بسترته وتحريات الشرطة وهي أدلة لا تؤدي إلى ما انتهى إليه. فضلاً عن أنه أطرح طلب إجراء معاينة لمكان الحادث بما لا يسوغ به إطراحه، والتفت عن المستندات التي قدمها وهي تنبئ عن استحالة حصول الحادث وفق تصوير شهود الإثبات. وأخير فإن الطاعن لم يقصد إلى حمل المجني عليه على الاعتراف وإنما قصد اصطحابه لقسم الشرطة مما ينتفي معه القصد الجنائي لديه، كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن المقرر أن القضاء العادي هو الأصل وأن المحاكم العادية هي المختصة بالنظر في جميع الدعاوى الناشئة عن أفعال مكونة لجريمة وفقاً لقانون العقوبات العام أياً كان شخص مرتكبها حين أن المحاكم العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي مناطه إما خصوصية الجرائم التي تنظرها وإما شخص مرتكبها على أساس صفة معينة توافرت فيه وأنه وإن أجاز قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 اختصاص القضاء العسكري بنظر جرائم من نوع معين ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين إلا أنه ليس في هذين القانونين ولا في أي تشريع آخر نصاً على انفراد ذلك القضاء بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها، ولما كانت الجريمة التي أسندت إلى الطاعن معاقباً عليها بالمادتين 126، 234/ 1 من قانون العقوبات، وكانت النيابة العامة قد قدمته إلى المحاكمة العادية ولم يقرر القضاء العسكري اختصاصه بمحاكمته، فإن الاختصاص بذلك ينعقد للقضاء الجنائي العادي وما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات والمتهم وما ثبت من المعاينة وتقرير الصفة التشريحية وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها ولم ينازع الطاعن في أن لها أصلها الثابت بالأوراق. ولما كان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن توافر علاقة السببية بين أفعال التعذيب التي ارتكبها وبين النتيجة التي انتهت إليها هذه الأفعال وهي وفاة المجني عليه في قوله: "ولما كانت المحكمة ترى توافر علاقة السببية بين فعل التعذيب الذي أوقعه المتهم بالمجني عليه وبين النتيجة التي انتهى إليها هذا التعذيب وهي موت المجني عليه غرقاً فإن حكم الفقرة الثانية من المادة 126 من قانون العقوبات يكون قائماً ومنطبقاً على وقائع الدعوى، ذلك أن فعل التعذيب الذي باشره المتهم على المجني عليه منذ بداية وقائع التعذيب بالضرب والإسقاط في الماء الملوث مع التهديد بالإلقاء في البحر وما أدى إليه ذلك مع استمرار الاعتداء بتلك الصورة على غلام ضئيل البنية ودفعه إلى حافة رصيف المياه في محاولة لإنزاله بها مرة أخرى سبق للمجني عليه التأذي من سابقاتها، كل ذلك يستتبع أن يحاول المجني عليه التخلص من قبضة المتهم جذباً كما يستتبع من المتهم دفعاً في محاولة إنزال المجني عليه إلى الماء أو حتى التهديد به وهو غير متيقن من إجادة المجني عليه للسباحة وقد جرى كل ذلك في بقعة على جانب الرصيف ضاقت بوجود مواسير البترول الممتدة بطوله، هذا التتابع الذي انتهى إلى سقوط المجني عليه في مياه البحر وهو متعلق بحزام المتهم ثم غرقه وموته يعتبر عادياً ومألوفاً في الحياة وجارياً مع دوران الأمور المعتاد ولم يداخله عامل شاذ على خلاف السنة الكونية ولذا فلا يقبل ولا يسمع من المتهم أنه لم يتوقع حدوث تلك النتيجة الأخيرة هي موت المجني عليه غرقاً" وهو تدليل سائغ يؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم ويتفق وصحيح القانون فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد، هذا فضلاً عن انتفاء مصلحته في هذا المنعى لأن العقوبة التي أنزلها الحكم به وهي السجن لمدة خمس سنوات تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف المجردة عن ظرف وفاة المجني عليه المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 126 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديره مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كما أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وهي لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه ولها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها كما أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه وإذ كانت المحكمة قد بينت في حكمها واقعة الدعوى على الصورة التي استقرت في وجدانها وأوردت أدلة الثبوت المؤدية إليها بما استخلصه من أقوال الشهود وسائر عناصر الإثبات الأخرى المطروحة عليها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، فإن ما يثيره في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عول في قضائه ضمن ما عول على أقوال الطاعن في التحقيقات وما وجد من شحوم بسترته وتحريات الشرطة باعتبارها قرائن معززة لأدلة الثبوت التي أوردها، وكان ما أورده من هذه القرائن سائغاً ومن شأنه أن يعزز تلك الأدلة ويؤدي إلى ما رتب عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه والتي دين بها فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون عوداً للجدل في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن طلب إجراء معاينة ليلية لمكان الحادث إلا أن هذا الطلب جاء في سياق مرافعته بقصد التشكيك في أقوال الشهود منتهياً إلى طلب البراءة ولا يفيد معنى الطلب الصريح الجازم الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه لما هو مقرر من أن الطلب الجازم هو الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه فضلاً عن أن المحكمة عرضت لهذا الطلب وردت عليه رداً كافياً وسائغاً لتبرير رفضه. لما كان ذلك وكان لا يقدح في سلامة الحكم إغفاله إيراد مؤدى المستندات المقدمة من الطاعن لما هو مقرر من أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ولا عليها إن هي التفتت عن أي دليل آخر لأن في عدم إيرادها له ما يفيد إطراحه وعدم التعويل عليه هذا فضلاً عن أن الطاعن لم يفصح في أسباب طعنه عن مضمون هذه المستندات وكيف أنها تنبئ - من وجهة نظره - عن استحالة حصول الحادث وفق تصوير الشهود ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي المتطلب في الجريمة المنصوص عليها بالمادة 126 من قانون العقوبات يتحقق كلما عمد الموظف أو المستخدم العمومي إلى تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أياً كان الباعث له على ذلك وكان توافر هذا القصد مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها وأنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر بأسباب سائغة من ظروف الواقعة وما توحي به ملابساتها أن ما أتاه الطاعن من أفعال التعذيب بالمجني عليه كان بقصد حمله على الاعتراف بالاتهام الذي أسند إليه والإرشاد عن المنقولات المقول بالشروع في تهريبها فإن إذ دانه بجناية تعذيب متهم لحمله على الاعتراف يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون النعي عليه في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


الطعن 2991 لسنة 54 ق جلسة 16 / 1 / 1985 مكتب فني 36 ق 10 ص 90


جلسة 16 من يناير 1985
برياسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد ممدوح سالم نائب رئيس المحكمة ومحمد رفيق البسطويسي نائب رئيس المحكمة ومحمود بهى الدين وسرى صيام.
--------------
(10)
الطعن رقم 2991 لسنة 54 القضائية

(1) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا يقدح في سلامة استناده إلى أقوال شاهد بتحقيقات النيابة وقوله خطأ أنها صدرت عنه بالجلسة.
الخطأ في مصدر الدليل لا يضيع أثره.
(2) قتل عمد. أسباب الإباحة "الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل فيها".
تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. موضوعي متى كان سائغا. استمرار الطاعنين في التعدي على المجنى عليه رغم انتهاء المشادة. قصاص وانتقام.
 (3)قتل عمد. علاقة السببية. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير قيام علاقة السببية. موضوعي متى أقيم على أسباب سائغة.
مثال لتسبيب سائغ لاطراح الدفع بانتفاء مسئولية الطاعنين عن وفاة المجنى عليه.
 (4)محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بتتبع المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي.
(5) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالرد استقلالا عن الدفاع باتهام آخر عن الحادث اكتفاء بأدلة الإثبات القائمة في الدعوى.
 (6)محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". قتل عمد. قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل امر خفى إدراكه بالأمارات والمظاهر التي تنبئ عنه. استخلاص توافره موضوعي.

---------------
1 - لئن كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الشاهد لم يشهد في التحقيق الذى أجرته المحكمة بأن الطاعنين كانوا يقصدون قتل المجنى عليه، إلا أنهم لما كانوا لا يمارون في أن ما أثبته الحكم من ذلك للشاهد المذكور بتحقيقات النيابة العامة، له معينه في تلك التحقيقات، فانه لا يقدح في سلامة الحكم أن يكون قد أخطأ في حالة انه شهد بذلك في الجلسة، إذ أن الخطأ في مصدر الدليل لا يضيع أثره.
2 - لما كان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها، متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب، متى كانت الوقائع مؤدية للنتيجة التي رتبها عليها الحكم، كما أن حق الدفاع الشرعي لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه وإنما شرع لرد العدوان، وإذ كان مؤدى مما أورده الحكم في بيان لواقعة الدعوى ولدى نفيه قيام حالة الدفاع الشرعي - وهو ما لا ينازع الطاعنون في صحة إسناد الحكم بشأنه - أن مشادة وقعت بين الطاعنين والمجنى عليه استل على اثرها المتهم الثالث مطواه وأراد التعدي بها على المجنى عليه الذى انتزعها من يده، فما كان من الطاعنين إلا أن أحاطوا بالمجنى عليه والقوه في مياه ترعة الإسماعيلية، وأخذوا يقذفونه بالحجارة كلما حاول الخروج منها واستمروا في ذلك حتى خارت قواه وتوفى غرقا، فان مقارفة الطاعنين لأفعال التعدي تلك واستمرارهم فيها بعد أن القوا بالمجنى عليه في الماء بقصد منعه من مغادرته، وقد صار لا حول له ولا قوه، وحتى خارت قواه ولقى حتفه، تكون من قبيل القصاص والانتقام والعدوان على من لم يثبت انه كان في الوقت ذاك يعتدى أو يحاول التعدي، بل كان يحاول النجاة بنفسه من الموت وهو ما تنتفى به حاله الدفاع الشرعي عن النفس كما هي معرفة به في القانون.
3 - إثبات علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها فلا يجوز مجادلته في ذلك أمام محكمة النقض ما دام الحكم قد أقام قضاءه في هذا الشأن على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه.
4 - لما كان دفاع الطاعنين بعدم معقولية بقاء المجنى عليه في الماء تماشياً لإصابته من الحجارة التي كانوا يقذفونه بها، لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً لا يستأهل من الحكم رداً طالما كان الرد مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها وصحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة ونسبتها إلى الطاعنين، ولا عليه أن لم يتعقبهم في كل جزئية من جزئيات دفاعهم لأن مفاد التفاته عنها أن أطرحها.
5 - لما كان ما يثيره الطاعنون بشأن مسئولية آخرين من المتجمهرين عن الحادث، مردودا بأن هذا الدفاع يتعلق بموضوع الدعوى وتقدير الأدلة بها، مما لا تلتزمه المحكمة بالتعرض له أو الرد عليه استقلالا، اكتفاء بأدلة الثبوت القائمة في الدعوى، التي خلصت منها في منطق سليم وتدليل مقبول على أن الطاعنين وحدهم. هم الذين ارتكبوا الحادث.
6 - من المقرر أن قصد القتل امر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية، موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطته التقديرية.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم قتلوا عمداً... بأن القوة في المياه العميقة وانهالوا عليه قذفا بقطع الأحجار قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة أحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام، فقرر ذلك. وادعى..... مدنيا قبل المتهمين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات..... قضت حضوريا عملا بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وإلزامهم متضامنين بان يدفعوا للمدعى بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض وقضى في الطعن بقبوله شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات بنها لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. وأثناء نظر الدعوى من جديد أمام المحكمة المذكورة ادعى.... بالحق المدني مدنيا قبل المتهمين متضامنين بمبلغ مائة وواحد جنيها على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات بنها قضت حضوريا بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وبإلزامهم على وجه التضامن فيما بينهم بان يدفعوا إلى المدعى بالحق المدني مبلغ مائه وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية)... الخ.


المحكمة
حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة القتل العمد وألزمهم بالتعويض، قد شابه الخطأ في الإسناد والقصور في البيان والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه، نسب إلى الشاهد أنه شهد بالتحقيقات وبالجلسة أن المتهمين كانوا يقصدون بأفعالهم قتل المجنى عليه، حال أن الشاهد لم يشهد بذلك في الجلسة، ورد على الدفاع بقيام حالة الدفاع الشرعي بما لا يصلح ردا، وفصل في سبب إصابات الطاعنين، وهى مسألة فنية صرف، بغير الرجوع إلى أهل الخبرة، وخلط في استخلاصه توافر علاقة بين الركن المادي للجريمة وركنها المعنوي، واغفل الرد على دفاعهم بعدم معقولية أن يفضل المجنى عليه المكوث في الماء تفاديا لإصابته من الطوب الذى كانوا يلقونه عليه، وبأن آخرين من المتجمهرين كانوا يقذفونه بالحجارة لمنعه من الخروج من الماء لذلك من اثر في مسئولية الطاعنين الجنائية، هذا إلى أن الحكم دلل على توافر قصد القتل في حقهم تدليلا غير سائغ، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضة.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومما هو مستفاد من ظروف الدعوى وملابساتها وقرائن الأحوال فيها، وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية للمجنى عليه، وهى أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، ولئن كان البين من محاضر جلسات المحاكمة، أن الشاهد... لم يشهد في التحقيق الذى أجرته المحكمة بان الطاعنين كانوا يقصدون قتل المجنى عليه، إلا انهم لما كانوا لا يمارون في أن ما اثبته الحكم من ذلك للشاهد المذكور بتحقيقات النيابة العامة، له معينة في تلك التحقيقات، فانه لا يقدح في سلامة الحكم أن يكون قد اخطأ في قالة انه شهد بذلك في الجلسة إذ أن الخطأ في مصدر الدليل لا يضيع اثره، ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعنون من انهم كانوا في حالة دفاع شرعي ورد عليه بقوله "لم يشرع الدفاع الشرعي للقصاص والانتقام، وإنما شرع لمنع المتعدي من إيقاع فعل التعدي...... وكانت الواقعة كما استقرت في يقين المحكمة انه اثر النزاع الذى قام بين المتهمين والمجنى عليه وزميليه.... و... بسبب جلوس المجنى عليه وزميليه بالسيارة، قامت مشادة ما بين المتهمين والمجنى عليه وزميله قام على اثرها المتهم الثالث بإخراج مطواة وأراد التعدي بها على المجنى عليه، فانتزعها من يده، فانتوى المتهمون الاعتداء على المجنى عليه وزميليه، ثم قام المتهمون بحمل المجنى عليه إلى ترعة الإسماعيلية - المجاورة لمكان وقوف العربة التي كان يستقلها أطراف النزاع والقوه بها ثم قاموا بقذفه بالحجارة بقصد التخلص منه ومنعوه من الخروج من المياه...، وكلما حاول المجنى عليه الخروج من الترعة قذفوه بالحجارة، وانتظروه على الشط لمنعه من الخروج حتى خارت قواه وغرق في الترعة، فهذه الأسباب هي التي أدت إلى وفاته، ومما تقدم يستفاد ان مسلك المتهمين هذا يقطع على انهم هم المعتدون والمبادرون، فضلا عن أنهم قد استمروا في التعدي على المجنى عليه بعد أن القوه في المياه وكان اعزل بعد أن كان قد القى به في الترعة، ومن ثم يكون حق الدفاع الشرعي منتفيا. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها، متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب، متى كانت الوقائع مؤديه للنتيجة التي رتبها عليها الحكم، كما أن حق الدفاع الشرعي لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه وإنما شرع لرد العدوان، واذ كان مؤدى ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى ولدى نفيه قيام حالة الدفاع الشرعي - وهو ما لا ينازع الطاعنون في صحة استناد الحكم بشأنه - أن مشادة وقعت بين الطاعنين والمجنى عليه استل على اثرها المتهم الثالث مطواه وأراد التعدي بها على المجنى عليه الذى انتزعها من يده، فما كان من الطاعنين إلا أن أحاطوا بالمجنى عليه والقوه في مياه ترعة الإسماعيلية، وأخذوا يقذفونه بالحجارة كلما حاول الخروج منها واستمروا في ذلك حتى خارت قواه وتوفى غرقا، فان مقارفة الطاعنين لأفعال التعدي تلك واستمرارهم فيها بعد ان القوا بالمجنى عليه في الماء بغية منعه من مغادرته، وقد صار لا حول له ولا قوه، وحتى خارت قواه ولقى حتفه، تكون من قبيل القصاص والانتقام والعدوان على من لم يثبت انه كان في الوقت ذاك يعتدى أو يحاول التعدي، بل كان يحاول النجاة بنفسه من الموت وهو ما تنتفى به حالة الدفاع الشرعي عن النفس كما هي معرفة به في القانون. لما كان ذلك، وكان لا يقدح في الحكم المطعون فيه الفصل في مسألة إصابات الطاعنين دون الاستعانة بأهل الخبرة، لعدم تأثير هذا الخطأ في منطق الحكم والنتيجة التي انتهى إليها من انتفاء حالة الدفاع الشرعي، لما استخلصه من ان الطاعنين هم الذين بادروا المجنى عليه بالاعتداء واستمروا فيه لمنعه من الخروج من الماء انتقاما منه حتى لقى حتفه، فان منعى الطاعنين يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر توافر رابطة السببية بين أفعال الطاعنين ووفاة المجنى عليه في قوله "ان عما اثار الدفاع بشأن انقطاع رابطة السببية، فان الثابت أن المتهمين الثلاثة حملوا المجنى عليه وقذفوا به إلى ترعة الإسماعيلية وانتظروه على الشط ثم أخذوا يقذفونه بالحجارة، وكلما حاول الخروج قذفوه بالحجارة وحالوا بينه وبين الخروج إلى الشط حتى خارت قواه ومات غرقا باسفكسيا الغرق، وقد أورى التقرير الطبي الشرعي الموقع على المجنى عليه أن أصابات المجنى عليه رضيه احتكاكية وذلك من المصادمة بجسم أو أجسام صلبة راضة بعضها له ملمس خشن ويحدث من القاء الحجارة والطوب، فان علاقة السببية تكون متوافرة بين فعل كل منهم والنتيجة الإجرامية، ذلك أن كلا منهم له إسهام نسبى لا شك في إحداث النتيجة ذلك ان هذه النتيجة الإجرامية ما كانت تحدث في ذات الظروف اذا لم يكن المتهمون قد ارتكبوا الفعل المسند اليهم والذى ثبت في حقهم، وذلك أن المتهمين بفعلهم قد قصدوا الى النتيجة الإجرامية وهى إزهاق روح المجنى عليه وما انتهى اليه المجنى عليه من غرق، وهى نتيجة مألوفة ومتوقعة عندما يلقى بشخص في المياه ويقذف بالحجارة ويمنع من الخروج وهى ما كان يسعى إليها المتهمون، وما كان في استطاعة المجنى عليه الخروج من المياه والمتهمين مرابطين له على الشط لمعاودة الاعتداء عليه" ولما كان ما قاله الحكم يوفر في حق الطاعنين ارتكابهم أفعالا عمدية ارتبطت بوفاة المجنى عليه ارتباط السبب بالمسبب ويسوغ اطراح ما دفع به الطاعنون من انتفاء مسئوليتهم عن وفاة المجنى عليه، وكان إثبات علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها فلا يجوز مجادلته في ذلك أمام محكمة النقض ما دام الحكم قد أقام قضاءه في هذا الشأن على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه كما الحال في الحكم المطعون فيه، فان منعى الطاعنين على الحكم في هذا الصدد، يغدو على غير سند، لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعنين بعدم معقوليه بقاء المجنى عليه في الماء تحاشيا لإصابته من الحجارة التي كانوا يقذفونه بها، لا يعدو أن يكون دفاعا موضوعيا لا يستأهل من الحكم ردا طالما كان الرد مستفادا من أدلة الثبوت التي أوردها وصحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة ونسبتها إلى الطاعنين، ولا عليه إن لم يتعقبهم في كل جزئية من جزئيات دفاعهم لان مفاد التفاته عنها انه اطرحها. لما كان ذلك وكان ما يثيره الطاعنون بشأن مسئولية آخرين من المتجمهرين عن الحادث، مردودا بان هذا الدفاع يتعلق بموضوع الدعوى وتقدير الأدلة بها، مما لا تلتزمه المحكمة بالتعرض له أو الرد عليه استقلالا، اكتفاء بأدلة الثبوت القائمة في الدعوى، التي خلصت منها في منطق سليم وتدليل مقبول على أن الطاعنين وحدهم. هم الذين ارتكبوا الحادث لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه، قد عرض لقصد القتل واثبت توافره في حق الطاعنين بقوله "انه عن نية القتل، فان هذه النية متوافرة قبل المتهمين، ذلك أن الثابت على ما سلف - ان المتهم الثالث حاول في اول الأمر التعدي على المجنى عليه وزملائه بالمطواة التي كان يحملها، إلا أن المجنى عليه تمكن من انتزاعها منه فعز هذا الأمر على المتهمين، فحاولوا استردادها، فلما أخفقوا، أثار ذلك حفيظتهم وصمموا على قتله والخلاص منه خاصة ان هذا الفعل صدر أمام زملائهم، فاجمعوا أمرهم على الخلاص من المجنى عليه، وأحاطوا به وقذفوا به في ترعة الإسماعيلية بقصد إغراقه وحالوا بينه وبين الخروج، وكان كلما حاول الخروج..... إلى الشاطئ قذفوه بالحجارة حتى خارت قوة المجنى عليه، وكانوا له بالمرصاد على الشاطئ، وأخذ يصارع الموت حتى لفظ أنفاسه ومات غرقا" وكان من المقرر أن قصد القتل امر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية، موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وإذ كان ذلك، وكان الحكم قد دلل على هذه النية تدليلا سائغا، فان ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستباط معتقدها منها، مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا، مع الزام الطاعنين المصاريف المدنية.