الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 21 يناير 2020

الطعن 2460 لسنة 49 ق جلسة 13 / 11 / 1980 مكتب فني 31 ق 190 ص 979


جلسة 13 من نوفمبر سنة 1980
برياسة السيد المستشار/ صلاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: حسن جمعه؛ ومحمد عبد الخالق النادي، وصفوت خالد مؤمن، والدكتور علي فاضل.
-----------
(190)
الطعن رقم 2460 لسنة 49 القضائية

(1) اختصاص "الاختصاص الولائي". قانون "تفسيره" .قضاء عسكري. نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اختصاص المحاكم العادية بكافة المنازعات والجرائم، إلا ما نص على انفراد غيرها به. المحاكم العسكرية. محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي. مناط اختصاصها. اختصاص المحاكم العادية - معها - بمحاكمة الخاضعين لقانون هيئة الشرطة.
(2) علاقة السببية. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
علاقة السببية في المواد الجنائية. مناط تحققها. تقديرها. موضوعي. مثال لتسبيب سائغ على توافر رابطة السببية بين التعذيب والوفاة.
 (3)نقض. "الصفة والمصلحة في الطعن" "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". عقوبة. "العقوبة المبررة".
انعدام مصلحة الطاعن في المجادلة في توافر رابطة السببية بين التعذيب والوفاة، ما دامت العقوبة الموقعة عليه تدخل في الحدود المقررة لجريمة تعذيب متهم بقصد حمله على الاعتراف مجردة من ظرف الوفاة.
(4) إثبات "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل" دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهاداتهم. موضوعي.
(5) حكم "بيانات التسبيب". "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "شهود".
عدم التزام المحكمة بسرد روايات الشاهد المتعددة حسبها أن تورد منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه. لها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى، ما دامت قد اطمأنت إليها.
تضارب الشاهد في أقواله أو مع غيره. لا يعيب الحكم، متى كانت المحكمة قد استخلصت الحقيقة من تلك الأقوال، بما لا تناقض فيه.
 (6)دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الطلب الجازم. ماهيته؟. مثال لطلب غير جازم.
 (7)حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها.
 (8)موظفون عموميون. تعذيب متهم بقصد حمله على الاعتراف. جريمة "أركانها". قصد جنائي. باعث.
القصد الجنائي في جريمة تعذيب متهم بقصد حمله على الاعتراف. مناط تحققه. تقديره موضوعي.
(9) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام". "قرائن".
حق محكمة الموضوع في أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما يؤدي عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها.

----------------
1 - من المقر أن القضاء العادي هو الأصل وأن المحاكم العادية هي المختصة بالنظر في جميع الدعاوى الناشئة عن أفعال مكونة لجريمة وفقاً لقانون العقوبات العام أياً كان شخص مرتكبها حين أن المحاكم العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي مناطه إما خصوصية الجرائم التي تنظرها وإما شخص مرتكبها على أساس صفة معينة توافرت فيه وأنه وإن أجاز قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 اختصاص القضاء العسكري بنظر جرائم من نوع معين ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين، إلا أنه ليس في هذين القانونين ولا في أي تشريع آخر نصاً على انفراد ذلك القضاء بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها، ولما كانت الجريمة التي أسندت إلى الطاعن معاقب عليها بالمادتين 126، 234/ 1 من قانون العقوبات، وكانت النيابة العامة قد قدمته إلى المحاكمة العادية ولم يقرر القضاء العسكري اختصاصه بمحاكمته، فإن الاختصاص بذلك ينعقد للقضاء الجنائي العادي وما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله.
2 و3 - لما كان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن توافر علاقة السببية بين أفعال التعذيب التي ارتكبها وبين النتيجة التي انتهت إليها هذه الأفعال وهي وفاة المجني عليه في قوله: "ولما كانت المحكمة ترى توافر علاقة السببية بين فعل التعذيب الذي وقعه المتهم بالمجني عليه وبين النتيجة التي انتهى إليها هذا التعذيب وهي موت المجني عليه غرقاً فإن حكم الفقرة الثانية من المادة 126 من قانون العقوبات يكون قائماً ومنطبقاً على وقائع الدعوى، ذلك أن فعل التعذيب الذي باشره المتهم على المجني عليه منذ بداية وقائع التعذيب بالضرب والإسقاط في الماء الملوث مع التهديد بالإلقاء في البحر وما أدى إليه ذلك مع استمرار الاعتداء بتلك الصورة على غلام ضئيل البنية ودفعه إلى حافة رصيف المياه في محاولة لإنزاله بها مرة أخرى سبق للمجني عليه التأذي من سابقتها، كل ذلك يستتبع أن يحاول المجني عليه التخلص من قبضة المتهم جذباً كما يستتبع من المتهم دفعاً في محاولة إنزال المجني عليه إلى الماء أو حتى التهديد به وهو غير متيقن من إجادة المجني عليه للسباحة وقد جرى كل ذلك في بقعة على جانب الرصيف ضاقت بوجود مواسير البترول الممتدة بطوله، هذا التتابع الذي انتهى إلى سقوط المجني عليه في مياه البحر وهو متعلق بحزام المتهم ثم غرقه وموته يعتبر عادياً ومألوفاً في الحياة وجارياً مع دوران الأمور المعتاد ولم يداخله عامل شاذ على خلاف السنة الكونية ولذا فلا يقبل ولا يسمع من المتهم أنه لم يتوقع حدوث تلك النتيجة الأخيرة وهي موت المجني عليه غرقاً" وهو تدليل سائغ يؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم ويتفق وصحيح القانون فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد هذا فضلاً عن انتفاء مصلحته في هذا المنعى لأن العقوبة التي أنزلها الحكم به وهي السجن لمدة خمس سنوات تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف المجردة عن ظرف وفاة المجني عليه المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 126 من قانون العقوبات.
4 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعها إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدرها التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
5 - المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وهي لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه ولها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها كما أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود - على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه.
6 - لما كان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن طلب إجراء معاينة ليلية لمكان الحادث إلا أن هذا الطلب جاء في سياق مرافعته بقصد التشكيك في أقوال الشهود منتهياً إلى طلب البراءة ولا يفيد معنى الطلب الصريح الجازم الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه لما هو مقرر من أن الطلب الجازم هو الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه.
7 - المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ولا عليها إن هي التفتت عن أي دليل آخر لأن في عدم إيرادها له ما يفيد إطراحه وعدم التعويل عليه.
8 - القصد الجنائي المتطلب في الجريمة المنصوص عليها بالمادة 126 من قانون العقوبات يتحقق كلما عمد الموظف أو المستخدم العمومي إلى تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أياً كان الباعث له على ذلك، وكان توافر هذا القصد مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى.
9 - من المقرر أن للمحكمة أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً النتيجة التي انتهت إليها وأنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: بصفته موظفاً عاماً (أمين شرطة بإدارة شرطة ميناء الإسكندرية) قام بتعذيب........ على النحو المبين بالتحقيقات لحمله على الاعتراف بالاتهام الذي أسنده إليه بسرقة وإخفاء مسروقات من الدائرة الجمركية فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته، وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة فقرر ذلك. وادعى والد المجني عليه مدنياً قبل المتهم بمبلغ عشرين ألف جنيه على سبيل التعويض ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملاً بالمادتين 126/ 1، 2، 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات وبإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... إلخ.

المحكمة
حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أفضى إلى موته قد خالف القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن كان من أفراد هيئة الشرطة وقت وقوع الحادث وقد نسب إليه ارتكابه أثناء تأدية وظيفته وبسببها مما يجعل أمر محاكمته موكولاً للقضاء العسكري إعمالاً لأحكام قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 كما أن الحكم قد خلص إلى أن الإصابات التي أحدثها الطاعن بالمجني عليه هي التي أودت بحياته رغم أن الثابت بتقرير الصفة التشريحية أن تلك الإصابات ليس من شأنها إحداث الوفاة التي نشأت عن إسفكسيا الغرق بما تنتفي معه علاقة السببية بين الأفعال المسندة للطاعن ووفاة المجني عليه وقد أثار الدفاع ذلك في مرافعته بيد أن الحكم لم يعن بالرد عليه وأخذ بأقوال الشهود رغم تناقضها، كما عول على أقوال الطاعن ووجود آثار شحوم بسترته وتحريات الشرطة وهي أدلة لا تؤدي إلى ما انتهى إليه. فضلاً عن أنه أطرح طلب إجراء معاينة لمكان الحادث بما لا يسوغ به إطراحه، والتفت عن المستندات التي قدمها وهي تنبئ عن استحالة حصول الحادث وفق تصوير شهود الإثبات. وأخير فإن الطاعن لم يقصد إلى حمل المجني عليه على الاعتراف وإنما قصد اصطحابه لقسم الشرطة مما ينتفي معه القصد الجنائي لديه، كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن المقرر أن القضاء العادي هو الأصل وأن المحاكم العادية هي المختصة بالنظر في جميع الدعاوى الناشئة عن أفعال مكونة لجريمة وفقاً لقانون العقوبات العام أياً كان شخص مرتكبها حين أن المحاكم العسكرية ليست إلا محاكم خاصة ذات اختصاص استثنائي مناطه إما خصوصية الجرائم التي تنظرها وإما شخص مرتكبها على أساس صفة معينة توافرت فيه وأنه وإن أجاز قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 وقانون هيئة الشرطة رقم 109 لسنة 1971 اختصاص القضاء العسكري بنظر جرائم من نوع معين ومحاكمة فئة خاصة من المتهمين إلا أنه ليس في هذين القانونين ولا في أي تشريع آخر نصاً على انفراد ذلك القضاء بالاختصاص على مستوى كافة مراحل الدعوى ابتداء من تحقيقها حتى الفصل فيها، ولما كانت الجريمة التي أسندت إلى الطاعن معاقباً عليها بالمادتين 126، 234/ 1 من قانون العقوبات، وكانت النيابة العامة قد قدمته إلى المحاكمة العادية ولم يقرر القضاء العسكري اختصاصه بمحاكمته، فإن الاختصاص بذلك ينعقد للقضاء الجنائي العادي وما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات والمتهم وما ثبت من المعاينة وتقرير الصفة التشريحية وهي أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها ولم ينازع الطاعن في أن لها أصلها الثابت بالأوراق. ولما كان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الذي اقترفه الجاني وترتبط من الناحية المعنوية بما يجب عليه أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمداً وهذه العلاقة مسألة موضوعية ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، ومتى فصل فيها إثباتاً أو نفياً فلا رقابة لمحكمة النقض عليه ما دام قد أقام قضاءه في ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه، وإذ كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن توافر علاقة السببية بين أفعال التعذيب التي ارتكبها وبين النتيجة التي انتهت إليها هذه الأفعال وهي وفاة المجني عليه في قوله: "ولما كانت المحكمة ترى توافر علاقة السببية بين فعل التعذيب الذي أوقعه المتهم بالمجني عليه وبين النتيجة التي انتهى إليها هذا التعذيب وهي موت المجني عليه غرقاً فإن حكم الفقرة الثانية من المادة 126 من قانون العقوبات يكون قائماً ومنطبقاً على وقائع الدعوى، ذلك أن فعل التعذيب الذي باشره المتهم على المجني عليه منذ بداية وقائع التعذيب بالضرب والإسقاط في الماء الملوث مع التهديد بالإلقاء في البحر وما أدى إليه ذلك مع استمرار الاعتداء بتلك الصورة على غلام ضئيل البنية ودفعه إلى حافة رصيف المياه في محاولة لإنزاله بها مرة أخرى سبق للمجني عليه التأذي من سابقاتها، كل ذلك يستتبع أن يحاول المجني عليه التخلص من قبضة المتهم جذباً كما يستتبع من المتهم دفعاً في محاولة إنزال المجني عليه إلى الماء أو حتى التهديد به وهو غير متيقن من إجادة المجني عليه للسباحة وقد جرى كل ذلك في بقعة على جانب الرصيف ضاقت بوجود مواسير البترول الممتدة بطوله، هذا التتابع الذي انتهى إلى سقوط المجني عليه في مياه البحر وهو متعلق بحزام المتهم ثم غرقه وموته يعتبر عادياً ومألوفاً في الحياة وجارياً مع دوران الأمور المعتاد ولم يداخله عامل شاذ على خلاف السنة الكونية ولذا فلا يقبل ولا يسمع من المتهم أنه لم يتوقع حدوث تلك النتيجة الأخيرة هي موت المجني عليه غرقاً" وهو تدليل سائغ يؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم ويتفق وصحيح القانون فإن ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد يكون غير سديد، هذا فضلاً عن انتفاء مصلحته في هذا المنعى لأن العقوبة التي أنزلها الحكم به وهي السجن لمدة خمس سنوات تدخل في نطاق العقوبة المقررة لجريمة تعذيب متهم لحمله على الاعتراف المجردة عن ظرف وفاة المجني عليه المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 126 من قانون العقوبات. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديره مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه وهي متى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - كما أن المحكمة غير ملزمة بسرد روايات الشاهد إذا تعددت وبيان وجه أخذها بما اقتنعت به منها بل حسبها أن تورد ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه وهي لا تلتزم بأن تورد في حكمها من أقوال الشهود إلا ما تقيم قضاءها عليه ولها أن تعول على أقوال الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى ما دامت قد اطمأنت إليها كما أن تناقض الشاهد وتضاربه في أقواله أو مع أقوال غيره من الشهود على فرض حصوله - لا يعيب الحكم ما دام أنه قد استخلص الإدانة من أقوالهم استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه وإذ كانت المحكمة قد بينت في حكمها واقعة الدعوى على الصورة التي استقرت في وجدانها وأوردت أدلة الثبوت المؤدية إليها بما استخلصه من أقوال الشهود وسائر عناصر الإثبات الأخرى المطروحة عليها استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه، فإن ما يثيره في هذا الشأن ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عول في قضائه ضمن ما عول على أقوال الطاعن في التحقيقات وما وجد من شحوم بسترته وتحريات الشرطة باعتبارها قرائن معززة لأدلة الثبوت التي أوردها، وكان ما أورده من هذه القرائن سائغاً ومن شأنه أن يعزز تلك الأدلة ويؤدي إلى ما رتب عليها من ثبوت مقارفة الطاعن للجريمة المسندة إليه والتي دين بها فإن ما يثيره في هذا الصدد لا يعدو أن يكون عوداً للجدل في واقعة الدعوى وتقدير أدلتها مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وإن طلب إجراء معاينة ليلية لمكان الحادث إلا أن هذا الطلب جاء في سياق مرافعته بقصد التشكيك في أقوال الشهود منتهياً إلى طلب البراءة ولا يفيد معنى الطلب الصريح الجازم الذي تلتزم محكمة الموضوع بإجابته أو الرد عليه لما هو مقرر من أن الطلب الجازم هو الذي يصر عليه مقدمه ولا ينفك عن التمسك به والإصرار عليه فضلاً عن أن المحكمة عرضت لهذا الطلب وردت عليه رداً كافياً وسائغاً لتبرير رفضه. لما كان ذلك وكان لا يقدح في سلامة الحكم إغفاله إيراد مؤدى المستندات المقدمة من الطاعن لما هو مقرر من أن المحكمة غير ملزمة بالتحدث في حكمها إلا عن الأدلة ذات الأثر في تكوين عقيدتها ولا عليها إن هي التفتت عن أي دليل آخر لأن في عدم إيرادها له ما يفيد إطراحه وعدم التعويل عليه هذا فضلاً عن أن الطاعن لم يفصح في أسباب طعنه عن مضمون هذه المستندات وكيف أنها تنبئ - من وجهة نظره - عن استحالة حصول الحادث وفق تصوير الشهود ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي المتطلب في الجريمة المنصوص عليها بالمادة 126 من قانون العقوبات يتحقق كلما عمد الموظف أو المستخدم العمومي إلى تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أياً كان الباعث له على ذلك وكان توافر هذا القصد مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع والتي تنأى عن رقابة محكمة النقض متى كان استخلاصها سليماً مستمداً من أوراق الدعوى، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤدياً عقلاً إلى النتيجة التي انتهت إليها وأنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر بأسباب سائغة من ظروف الواقعة وما توحي به ملابساتها أن ما أتاه الطاعن من أفعال التعذيب بالمجني عليه كان بقصد حمله على الاعتراف بالاتهام الذي أسند إليه والإرشاد عن المنقولات المقول بالشروع في تهريبها فإن إذ دانه بجناية تعذيب متهم لحمله على الاعتراف يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون النعي عليه في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.


الطعن 2991 لسنة 54 ق جلسة 16 / 1 / 1985 مكتب فني 36 ق 10 ص 90


جلسة 16 من يناير 1985
برياسة السيد المستشار/ محمد وجدي عبد الصمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد ممدوح سالم نائب رئيس المحكمة ومحمد رفيق البسطويسي نائب رئيس المحكمة ومحمود بهى الدين وسرى صيام.
--------------
(10)
الطعن رقم 2991 لسنة 54 القضائية

(1) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا يقدح في سلامة استناده إلى أقوال شاهد بتحقيقات النيابة وقوله خطأ أنها صدرت عنه بالجلسة.
الخطأ في مصدر الدليل لا يضيع أثره.
(2) قتل عمد. أسباب الإباحة "الدفاع الشرعي". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل فيها".
تقدير قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. موضوعي متى كان سائغا. استمرار الطاعنين في التعدي على المجنى عليه رغم انتهاء المشادة. قصاص وانتقام.
 (3)قتل عمد. علاقة السببية. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير قيام علاقة السببية. موضوعي متى أقيم على أسباب سائغة.
مثال لتسبيب سائغ لاطراح الدفع بانتفاء مسئولية الطاعنين عن وفاة المجنى عليه.
 (4)محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بتتبع المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي.
(5) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالرد استقلالا عن الدفاع باتهام آخر عن الحادث اكتفاء بأدلة الإثبات القائمة في الدعوى.
 (6)محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". قتل عمد. قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل امر خفى إدراكه بالأمارات والمظاهر التي تنبئ عنه. استخلاص توافره موضوعي.

---------------
1 - لئن كان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن الشاهد لم يشهد في التحقيق الذى أجرته المحكمة بأن الطاعنين كانوا يقصدون قتل المجنى عليه، إلا أنهم لما كانوا لا يمارون في أن ما أثبته الحكم من ذلك للشاهد المذكور بتحقيقات النيابة العامة، له معينه في تلك التحقيقات، فانه لا يقدح في سلامة الحكم أن يكون قد أخطأ في حالة انه شهد بذلك في الجلسة، إذ أن الخطأ في مصدر الدليل لا يضيع أثره.
2 - لما كان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها، متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب، متى كانت الوقائع مؤدية للنتيجة التي رتبها عليها الحكم، كما أن حق الدفاع الشرعي لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه وإنما شرع لرد العدوان، وإذ كان مؤدى مما أورده الحكم في بيان لواقعة الدعوى ولدى نفيه قيام حالة الدفاع الشرعي - وهو ما لا ينازع الطاعنون في صحة إسناد الحكم بشأنه - أن مشادة وقعت بين الطاعنين والمجنى عليه استل على اثرها المتهم الثالث مطواه وأراد التعدي بها على المجنى عليه الذى انتزعها من يده، فما كان من الطاعنين إلا أن أحاطوا بالمجنى عليه والقوه في مياه ترعة الإسماعيلية، وأخذوا يقذفونه بالحجارة كلما حاول الخروج منها واستمروا في ذلك حتى خارت قواه وتوفى غرقا، فان مقارفة الطاعنين لأفعال التعدي تلك واستمرارهم فيها بعد أن القوا بالمجنى عليه في الماء بقصد منعه من مغادرته، وقد صار لا حول له ولا قوه، وحتى خارت قواه ولقى حتفه، تكون من قبيل القصاص والانتقام والعدوان على من لم يثبت انه كان في الوقت ذاك يعتدى أو يحاول التعدي، بل كان يحاول النجاة بنفسه من الموت وهو ما تنتفى به حاله الدفاع الشرعي عن النفس كما هي معرفة به في القانون.
3 - إثبات علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها فلا يجوز مجادلته في ذلك أمام محكمة النقض ما دام الحكم قد أقام قضاءه في هذا الشأن على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه.
4 - لما كان دفاع الطاعنين بعدم معقولية بقاء المجنى عليه في الماء تماشياً لإصابته من الحجارة التي كانوا يقذفونه بها، لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً لا يستأهل من الحكم رداً طالما كان الرد مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها وصحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة ونسبتها إلى الطاعنين، ولا عليه أن لم يتعقبهم في كل جزئية من جزئيات دفاعهم لأن مفاد التفاته عنها أن أطرحها.
5 - لما كان ما يثيره الطاعنون بشأن مسئولية آخرين من المتجمهرين عن الحادث، مردودا بأن هذا الدفاع يتعلق بموضوع الدعوى وتقدير الأدلة بها، مما لا تلتزمه المحكمة بالتعرض له أو الرد عليه استقلالا، اكتفاء بأدلة الثبوت القائمة في الدعوى، التي خلصت منها في منطق سليم وتدليل مقبول على أن الطاعنين وحدهم. هم الذين ارتكبوا الحادث.
6 - من المقرر أن قصد القتل امر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية، موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطته التقديرية.


الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم قتلوا عمداً... بأن القوة في المياه العميقة وانهالوا عليه قذفا بقطع الأحجار قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وطلبت إلى مستشار الإحالة أحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام، فقرر ذلك. وادعى..... مدنيا قبل المتهمين بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات..... قضت حضوريا عملا بالمادة 234/ 1 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وإلزامهم متضامنين بان يدفعوا للمدعى بالحق المدني مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض وقضى في الطعن بقبوله شكلا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى محكمة جنايات بنها لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. وأثناء نظر الدعوى من جديد أمام المحكمة المذكورة ادعى.... بالحق المدني مدنيا قبل المتهمين متضامنين بمبلغ مائة وواحد جنيها على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات بنها قضت حضوريا بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنوات وبإلزامهم على وجه التضامن فيما بينهم بان يدفعوا إلى المدعى بالحق المدني مبلغ مائه وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية)... الخ.


المحكمة
حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجريمة القتل العمد وألزمهم بالتعويض، قد شابه الخطأ في الإسناد والقصور في البيان والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه، نسب إلى الشاهد أنه شهد بالتحقيقات وبالجلسة أن المتهمين كانوا يقصدون بأفعالهم قتل المجنى عليه، حال أن الشاهد لم يشهد بذلك في الجلسة، ورد على الدفاع بقيام حالة الدفاع الشرعي بما لا يصلح ردا، وفصل في سبب إصابات الطاعنين، وهى مسألة فنية صرف، بغير الرجوع إلى أهل الخبرة، وخلط في استخلاصه توافر علاقة بين الركن المادي للجريمة وركنها المعنوي، واغفل الرد على دفاعهم بعدم معقولية أن يفضل المجنى عليه المكوث في الماء تفاديا لإصابته من الطوب الذى كانوا يلقونه عليه، وبأن آخرين من المتجمهرين كانوا يقذفونه بالحجارة لمنعه من الخروج من الماء لذلك من اثر في مسئولية الطاعنين الجنائية، هذا إلى أن الحكم دلل على توافر قصد القتل في حقهم تدليلا غير سائغ، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضة.
ومن حيث ان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة القتل العمد التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومما هو مستفاد من ظروف الدعوى وملابساتها وقرائن الأحوال فيها، وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية للمجنى عليه، وهى أدلة سائغة تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها. لما كان ذلك، ولئن كان البين من محاضر جلسات المحاكمة، أن الشاهد... لم يشهد في التحقيق الذى أجرته المحكمة بان الطاعنين كانوا يقصدون قتل المجنى عليه، إلا انهم لما كانوا لا يمارون في أن ما اثبته الحكم من ذلك للشاهد المذكور بتحقيقات النيابة العامة، له معينة في تلك التحقيقات، فانه لا يقدح في سلامة الحكم أن يكون قد اخطأ في قالة انه شهد بذلك في الجلسة إذ أن الخطأ في مصدر الدليل لا يضيع اثره، ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعنون من انهم كانوا في حالة دفاع شرعي ورد عليه بقوله "لم يشرع الدفاع الشرعي للقصاص والانتقام، وإنما شرع لمنع المتعدي من إيقاع فعل التعدي...... وكانت الواقعة كما استقرت في يقين المحكمة انه اثر النزاع الذى قام بين المتهمين والمجنى عليه وزميليه.... و... بسبب جلوس المجنى عليه وزميليه بالسيارة، قامت مشادة ما بين المتهمين والمجنى عليه وزميله قام على اثرها المتهم الثالث بإخراج مطواة وأراد التعدي بها على المجنى عليه، فانتزعها من يده، فانتوى المتهمون الاعتداء على المجنى عليه وزميليه، ثم قام المتهمون بحمل المجنى عليه إلى ترعة الإسماعيلية - المجاورة لمكان وقوف العربة التي كان يستقلها أطراف النزاع والقوه بها ثم قاموا بقذفه بالحجارة بقصد التخلص منه ومنعوه من الخروج من المياه...، وكلما حاول المجنى عليه الخروج من الترعة قذفوه بالحجارة، وانتظروه على الشط لمنعه من الخروج حتى خارت قواه وغرق في الترعة، فهذه الأسباب هي التي أدت إلى وفاته، ومما تقدم يستفاد ان مسلك المتهمين هذا يقطع على انهم هم المعتدون والمبادرون، فضلا عن أنهم قد استمروا في التعدي على المجنى عليه بعد أن القوه في المياه وكان اعزل بعد أن كان قد القى به في الترعة، ومن ثم يكون حق الدفاع الشرعي منتفيا. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها، متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب، متى كانت الوقائع مؤديه للنتيجة التي رتبها عليها الحكم، كما أن حق الدفاع الشرعي لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتدائه وإنما شرع لرد العدوان، واذ كان مؤدى ما أورده الحكم في بيانه لواقعة الدعوى ولدى نفيه قيام حالة الدفاع الشرعي - وهو ما لا ينازع الطاعنون في صحة استناد الحكم بشأنه - أن مشادة وقعت بين الطاعنين والمجنى عليه استل على اثرها المتهم الثالث مطواه وأراد التعدي بها على المجنى عليه الذى انتزعها من يده، فما كان من الطاعنين إلا أن أحاطوا بالمجنى عليه والقوه في مياه ترعة الإسماعيلية، وأخذوا يقذفونه بالحجارة كلما حاول الخروج منها واستمروا في ذلك حتى خارت قواه وتوفى غرقا، فان مقارفة الطاعنين لأفعال التعدي تلك واستمرارهم فيها بعد ان القوا بالمجنى عليه في الماء بغية منعه من مغادرته، وقد صار لا حول له ولا قوه، وحتى خارت قواه ولقى حتفه، تكون من قبيل القصاص والانتقام والعدوان على من لم يثبت انه كان في الوقت ذاك يعتدى أو يحاول التعدي، بل كان يحاول النجاة بنفسه من الموت وهو ما تنتفى به حالة الدفاع الشرعي عن النفس كما هي معرفة به في القانون. لما كان ذلك، وكان لا يقدح في الحكم المطعون فيه الفصل في مسألة إصابات الطاعنين دون الاستعانة بأهل الخبرة، لعدم تأثير هذا الخطأ في منطق الحكم والنتيجة التي انتهى إليها من انتفاء حالة الدفاع الشرعي، لما استخلصه من ان الطاعنين هم الذين بادروا المجنى عليه بالاعتداء واستمروا فيه لمنعه من الخروج من الماء انتقاما منه حتى لقى حتفه، فان منعى الطاعنين يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر توافر رابطة السببية بين أفعال الطاعنين ووفاة المجنى عليه في قوله "ان عما اثار الدفاع بشأن انقطاع رابطة السببية، فان الثابت أن المتهمين الثلاثة حملوا المجنى عليه وقذفوا به إلى ترعة الإسماعيلية وانتظروه على الشط ثم أخذوا يقذفونه بالحجارة، وكلما حاول الخروج قذفوه بالحجارة وحالوا بينه وبين الخروج إلى الشط حتى خارت قواه ومات غرقا باسفكسيا الغرق، وقد أورى التقرير الطبي الشرعي الموقع على المجنى عليه أن أصابات المجنى عليه رضيه احتكاكية وذلك من المصادمة بجسم أو أجسام صلبة راضة بعضها له ملمس خشن ويحدث من القاء الحجارة والطوب، فان علاقة السببية تكون متوافرة بين فعل كل منهم والنتيجة الإجرامية، ذلك أن كلا منهم له إسهام نسبى لا شك في إحداث النتيجة ذلك ان هذه النتيجة الإجرامية ما كانت تحدث في ذات الظروف اذا لم يكن المتهمون قد ارتكبوا الفعل المسند اليهم والذى ثبت في حقهم، وذلك أن المتهمين بفعلهم قد قصدوا الى النتيجة الإجرامية وهى إزهاق روح المجنى عليه وما انتهى اليه المجنى عليه من غرق، وهى نتيجة مألوفة ومتوقعة عندما يلقى بشخص في المياه ويقذف بالحجارة ويمنع من الخروج وهى ما كان يسعى إليها المتهمون، وما كان في استطاعة المجنى عليه الخروج من المياه والمتهمين مرابطين له على الشط لمعاودة الاعتداء عليه" ولما كان ما قاله الحكم يوفر في حق الطاعنين ارتكابهم أفعالا عمدية ارتبطت بوفاة المجنى عليه ارتباط السبب بالمسبب ويسوغ اطراح ما دفع به الطاعنون من انتفاء مسئوليتهم عن وفاة المجنى عليه، وكان إثبات علاقة السببية في المواد الجنائية مسألة موضوعية ينفرد قاضى الموضوع بتقديرها فلا يجوز مجادلته في ذلك أمام محكمة النقض ما دام الحكم قد أقام قضاءه في هذا الشأن على أسباب تؤدى إلى ما انتهى إليه كما الحال في الحكم المطعون فيه، فان منعى الطاعنين على الحكم في هذا الصدد، يغدو على غير سند، لما كان ذلك، وكان دفاع الطاعنين بعدم معقوليه بقاء المجنى عليه في الماء تحاشيا لإصابته من الحجارة التي كانوا يقذفونه بها، لا يعدو أن يكون دفاعا موضوعيا لا يستأهل من الحكم ردا طالما كان الرد مستفادا من أدلة الثبوت التي أوردها وصحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة ونسبتها إلى الطاعنين، ولا عليه إن لم يتعقبهم في كل جزئية من جزئيات دفاعهم لان مفاد التفاته عنها انه اطرحها. لما كان ذلك وكان ما يثيره الطاعنون بشأن مسئولية آخرين من المتجمهرين عن الحادث، مردودا بان هذا الدفاع يتعلق بموضوع الدعوى وتقدير الأدلة بها، مما لا تلتزمه المحكمة بالتعرض له أو الرد عليه استقلالا، اكتفاء بأدلة الثبوت القائمة في الدعوى، التي خلصت منها في منطق سليم وتدليل مقبول على أن الطاعنين وحدهم. هم الذين ارتكبوا الحادث لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه، قد عرض لقصد القتل واثبت توافره في حق الطاعنين بقوله "انه عن نية القتل، فان هذه النية متوافرة قبل المتهمين، ذلك أن الثابت على ما سلف - ان المتهم الثالث حاول في اول الأمر التعدي على المجنى عليه وزملائه بالمطواة التي كان يحملها، إلا أن المجنى عليه تمكن من انتزاعها منه فعز هذا الأمر على المتهمين، فحاولوا استردادها، فلما أخفقوا، أثار ذلك حفيظتهم وصمموا على قتله والخلاص منه خاصة ان هذا الفعل صدر أمام زملائهم، فاجمعوا أمرهم على الخلاص من المجنى عليه، وأحاطوا به وقذفوا به في ترعة الإسماعيلية بقصد إغراقه وحالوا بينه وبين الخروج، وكان كلما حاول الخروج..... إلى الشاطئ قذفوه بالحجارة حتى خارت قوة المجنى عليه، وكانوا له بالمرصاد على الشاطئ، وأخذ يصارع الموت حتى لفظ أنفاسه ومات غرقا" وكان من المقرر أن قصد القتل امر خفى لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، واستخلاص هذه النية، موكول إلى قاضى الموضوع في حدود سلطته التقديرية. وإذ كان ذلك، وكان الحكم قد دلل على هذه النية تدليلا سائغا، فان ما يثيره الطاعنون في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى واستباط معتقدها منها، مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض لما كان ما تقدم، فان الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا، مع الزام الطاعنين المصاريف المدنية.

الطعن 586 لسنة 44 ق جلسة 2 / 12 / 1974 مكتب فني 25 ق 170 ص 787

جلسة 2 من ديسمبر سنة 1974
برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: محمود كامل عطيفة، ومصطفى محمود الأسيوطى، صلاح الرشيدي، وقصدي إسكندر عزت.
---------------
(170)
الطعن رقم 586 لسنة 44 القضائية
قتل خطأ. خطا. جريمة. "أركانها". رابطة السببية. دفوع. "الدفع بانتفاء رابطة السببية". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب". مسئولية جنائية. مسئولية مدنية.
ادعاء التهم بانتقاء رابطة السببية بين ما يمكن نسبته إليه من خطأ وبين وفاة المجنى عليه بمقولة تسلله إلى حمام السباحة بملابس السباحة وسط السباحين وتوجهه إلى الجزء العميق من الحمام. رغم سبق تحذيره وكونه لا يجيد السباحة. ورغم بذل المتهم غاية جهده لإنقاذه. دفاع جوهري. يوجب على المحكمة أن تعرض له وتدلي برأيها فيه. لما قد يترتب على ثبوته انتفاء المسئوليتين الجنائية والمدنية.
متى تتحقق رابطة السببية كركن في جريمة القتل الخطأ ؟
كون خطأ المجنى عليه كافيا بذاته لإحداث النتيجة. استغراقه خطأ الجاني ونفيه رابطة السببية بين خطأ الأخير والحادث.
------------------
متى كان يبين من المفردات المنضمة أن الطاعنين كانا قد دفعا – لدى المحكمة الاستئنافية – بانتفاء رابطة السببية بين ما قد يمكن نسبته للطاعن الأول من خطأ وبين وقوع الحادث، إذ أن خطأ المجنى عليه وحده هو الذى أدى إلى وقوع الحادث مما من شأنه أن يقطع هذه الرابطة، ذلك أنه تسلل إلى حمام النادي خلسة دون أن يكون معه تصريح بدخوله وكان مرتديا ملابس الاستحمام ونزل إلى المياه وسط السباحين وتوجه إلى الجزء العميق من الحمام على الرغم من أن الطاعن الأول كان قد حذره من ذلك في اليوم السابق، وبرغم أنه لا يجيد السباحة وأن الطاعن الأول قد بذل أقصى ما في استطاعته بأن سارع إلى النزول خلفه بمجرد ان لاحظ أنه غطس ولم يظهر وأخرجه من المياه وأجرى له التنفس الصناعي، ولما لاحظ سوء حالته قام بنقله إلى المستشفى إلا أنه توفى، وما كان بوسع أي شخص آخر في مكانه وظروفه أن يمنع وقوع الحادث، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه سجل بعض هذا الدفاع بقوله أن الطاعنين دفعا بانتفاء الخطأ في جانب المتهم وأنه إذا وجد خطأ فيرجع إلى المجنى عليه لتسلله إلى الحمام وإلقائه بنفسه في الماء وسط زحام من السباحين، وقد أطرح الحكم هذا الدفاع بقوله: إن الحكم المستأنف قد تكفل بالرد عليه ردا كافيا تأخذ المحكمة به أسبابا لها، ولما كان ما تقدم، وكان من المقرر أن رابطة السببية كركن من أركان جريمة القتل خطأ تتطلب إسناد النتيجة إلى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما كانت تتفق والسير العادي للأمور، وأن خطأ المجنى عليه يقطع رابطة السببية متى استغرق خطأ الجاني وكان كافيا بذاته لإحداث النتيجة فقد كان يتعين على المحكمة أن تحيط بدفاع الطاعنين كاملا وتلم به إلماما شاملا بجميع عناصره وتدلى برأيها فيه وتبين مدى أثره على توافر رابطة السببية، لأنه كان دفاعا جوهريا لما قد يترتب على ثبوت صحته من انتفاء مسئولية الطاعن الأول جنائيا ومدنيا مما يستتبع عدم مسئولية الطاعن الثاني، ولا يكفي في الرد على ذلك الدفاع مجرد التعقيب عليه بأن الحكم المستأنف قد تكفل بالرد عليه، طالما أن ذلك الحكم بدوره، وإن كان قد استظهر خطأ الطاعن الأول، إلا أنه لم يكن قد عرض لذلك الدفاع ولم يبد رأيه فيه، ومن ثم فان الحكم المطعون فيه يكون قد جاء قاصرا بما يعيبه ويوجب نقضه.

الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدائرة قسم قصر النيل محافظة القاهرة تسبب خطأ في وفاة..... ونشأ ذلك عن إهماله وعدم احترازه وعدم مراعاته اللوائح بأن توانى في إنقاذه عند غرقه في حمام السباحة الذى يعمل به مراقبا للحمام فحدثت عنده أسفكسيا الغرق وتوفى نتيجة ذلك على النحو المبين بالمحضر، وطلبت عقابه بالمادة 238/ 1 من قانون العقوبات، وادعى مدنيا كلا من (1).... (2)..... (والدا المجنى عليه) قبل المتهم ورئيس مجلس إدارة نادى ضباط الشرطة (وزير الداخلية) بصفتهما مسئولين عن الحقوق المدنية متضامنين ـ (الأول) عن نفسه وبصفته وليا طبيعيا على بناته القاصرات ..... و.... و.... بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض والمصروفات والأتعاب (والثانية) بمبلغ ستة ألاف جنيه على سبيل التعويض المؤقت. وقد أدخل رئيس مجلس إدارة نادى ضباط الشرطة شركة مصر للتأمين طالبا الحكم عليها بما عسى أن يحكم به، ومحكمة قصر النيل الجزئية قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام. (أولا) بعدم قبول دعوى الضمان المرفوعة ضد شركة مصر للتأمين. (ثانيا) برفض الدفع بعدم قبول الدعوى المدنية وقبولها. (ثالثا) في الدعوى الجنائية بتغريم المتهم مائة جنيه وأمرت بإيقاف تنفيذ العقوبة المقضي بها لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صيرورة الحكم نهائيا. (رابعا) إلزام المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية رئيس مجلس إدارة نادى ضباط الشرطة بصفته متضامنين بأن يؤديا إلى المدعين بالحقوق المدنية مبلغ 13000 ج (ثلاثة عشر ألف جنيه) من ذلك مبلغ 5000ج (خمسة آلاف جنيه) للعقيد..... ومبلغ ألف جنيه لكل من .... و.... و ..... المشمولين بولاية والدهم المذكور ومبلغ خمسة ألاف جنيه للسيدة/ ..... وألزمت المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية بالمصاريف ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. فاستأنف كل من المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية. كما استأنفه المدعين بالحقوق المدنية، ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة للشق الجنائي وفى الدعوى المدنية بتعديل الحكم المستأنف وذلك بإلزام المتهم والمسئول عن الحقوق المدنية بأن يدفعا متضامنين للمدعى المدني (الأول) ثلاثة آلاف جنيه وبصفته وليا طبيعيا على بناته القاصرات ألف جنيه لهن وللمدعية بالحقوق المدنية (الثانية) ثلاثة آلاف جنيه والمصروفات المدنية وخمسة جنيهات أتعابا للمحاماة. فطعن المحامي الوكيل عن الطاعن والمسئول عن الحقوق المدنية في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.

المحكمة
حيث إن مما ينعاه الطاعنان أن الحكم المطعون فيه – إذ دان الأول منهما بجريمة القتل الخطأ وألزمه والطاعن الثاني بصفته بالتعويض – قد شابه قصور في التسبيب، ذلك بأنهما كانا قد دفعا بانتفاء رابطة السببية بين الخطأ الذى يمكن نسبته للطاعن الأول وبين وقوع الحادث الذى وقع بخطأ المجنى عليه وحده إلا أن الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفاع رغم جوهريته.
وحيث إن هذا النعي صحيح ذلك أنه يبين من المفردات المنضمة أن الطاعنين كان قد دفعا – لدى المحكمة الاستئنافية – بانتفاء رابطة السببية بين ما قد يمكن نسبته للطاعن الأول من خطأ وبين وقوع الحادث إذ أن خطأ المجنى عليه وحده هو الذى أدى إلى وقوع الحادث مما من شأنه أن يقطع هذه الرابطة، ذلك أنه تسلل إلى حمام النادي خلسة دون أن يكون معه تصريح بدخوله وكان مرتديا ملابس الاستحمام ونزل إلى المياه وسط السباحين وتوجه إلى الجزء العميق من الحمام على الرغم من أن الطاعن الأول كان قد حذره من ذلك في اليوم السابق، وبرغم أنه لا يجيد السباحة، وأن الطاعن الأول قد بذل أقصى ما في استطاعته بأن سارع إلى النزول خلفه بمجرد ان لاحظ أنه غطس ولم يظهر وأخرجه من المياه وأجرى له التنفس الصناعي، ولما لاحظ سوء حالته قام بنقله إلى المستشفى إلا أنه توفى، وما كان بوسع أي شخص آخر في مكانه وظروفه أن يمنع وقوع الحادث، ويبين من الحكم المطعون فيه أنه سجل بعض هذا الدفاع بقوله أن الطاعنين دفعا بانتفاء الخطأ في جانب المتهم وأنه إذا وجد خطأ فيرجع إلى المجنى عليه لتسلله إلى الحمام وإلقائه بنفسه في الماء وسط زحام من السباحين، وقد أطرح الحكم هذا الدفاع بقوله إن الحكم المستأنف قد تكفل بالرد عليه ردا كافيا تأخذ المحكمة به أسبابا لها، ولما من المقرر أن رابطة السببية كركن من أركان جريمة القتل خطأ تتطلب إسناد النتيجة إلى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما كانت تتفق والسير العادي للأمور، وأن خطأ المجنى عليه يقطع رابطة السببية متى استغرق خطأ الجاني وكان كافيا بذاته لإحداث النتيجة، فقد كان يتعين على المحكمة أن تحيط بدفاع الطاعنين كاملا وتلم به إلماما شاملا بجميع عناصره وتدلى برأيها فيه وتبين مدى أثره على توافر رابطة السببية، لأنه كان دفاعا جوهريا لما قد يترتب على ثبوت صحته من انتفاء مسئولية الطاعن الأول جنائيا ومدنيا مما يستتبع عدم مسئولية الطاعن الثاني، ولا يكفى في الرد على ذلك الدفاع مجرد التعقيب عليه بأن الحكم المستأنف قد تكفل بالرد عليه، طالما أن ذلك الحكم بدوره، وإن كان قد استظهر خطأ الطاعن الأول، إلا أنه لم يكن قد عرض لذلك الدفاع ولم يبد رأيه فيه ومن ثم فان الحكم المطعون فيه يكون قد جاء قاصرا بما يعيبه ويوجب نقضه والإحالة دون حاجة للبحث في باقي ما أثاره الطاعنان بطعنهما.

الطعن 5521 لسنة 70 ق جلسة 11 / 4 / 2016


باســـــــم الشـعـــــــــب
محكمـــــــــــة النقـــــــض
الدائـــــــــــرة المــدنيــــــــــــة
دائـــــــــــــرة " الاثنيــــــــن" (هــــ) المدنيـــــــــــــة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
برئاسة السيـــــــــد القاضــــــــي   /  فــــــتحي محمــــــــد حنضـــل       نــــائب رئـــيـس الــمحكمــــــة وعضوية الســـــــادة القضــــــــــاة  / السيــــد الطنطـاوى  ،   أحــمـــــــــد فـــراج
                                 علـــــى كمونــــة    " نـواب رئـيـس المـحـكمـــــة "
                                                 و أحمــــــد عبـــــــد الله .     
وحضور رئيس النيابة السيد / قاسم طاهر المصري .
وأمين السر السيد / محمد محمود الضبع .
في الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة.
في يوم الاثنين 4 من رجب سنة 1437 هـ الموافق 11 من أبريل سنة 2016
أصدرت الحكم الآتي :
في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 5521 لسنة 70 ق .
الـــــمـــــرفـــوع مـــن
1-  فريـال فاروق فؤاد .
2-  نادية فاروق فؤاد .
3-  فوزية فاروق فؤاد .
ومحلهن المختار مكتب الأساتذة/ محمود دردير هاشم ودينا محمود دردير ونجلاء محمود دردير المحامون " 5 " شارع كامل صدقي الفجالة – محافظة القاهرة .
حضر عنهم الأستاذ/ محمود دردير هاشم " المحامى " .
ضــــــــــــــد
1-  وزير الأوقاف بصفته .
ويعلن بهيئة قضايا الدولة بمبنى مجمع المصالح الحكومية بميدان التحرير – قسم قصر النيل – محافظة القاهرة .
2-  رئيس الهيئة العامة للإصلاح الزراعى .
ويعلن بمبنى الإصلاح الزراعى – الدقى – محافظة الجيزة .
3-  رئيس الجمهورية .
ويعلن بهيئة قضايا الدولة بمبنى مجمع المصالح الحكومية بميدان التحرير – قسم قصر النيل – محافظة القاهرة .
4-  نعمة الله محمد على الخواص " الحارسة القضائية على أوقاف أجدادها الأشراف المحروقى والسلامونى والشبراخيتى وغراب المغربى وأقارب ابنائهم واحفادهم " .
والمقيمة 3 شارع محمد عبد الرازق – منشية البكرى – قسم مصر الجديدة .
5-  الهيئة العامة للخدمات الحكومية .
وتعلن فى مواجهة / رئيس مجلس إدارتها بشارع 7 الدكتور/ محمد حامد فهمى بالدقى .
حضر عن المطعون ضدهم 1 ، 3 المستشار / ..... " المستشار بهيئة قضايا الدولة " .
حضر عن المطعون ضده الثانى الأستاذ / .... " المحامى " .
                                          " الوقــــــــــــائــع "
في يـوم 14/10/2000 طُعِـن بطريق النقـض في حكـم محكمـة استئناف القاهرة الصـادر بتاريخ 29/8/2000 في الاستئناف رقم 5498 لسنة 114 ق وذلك بصحيفة طلبت فيها الطاعنات الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والإحالة.
وفى نفس اليوم أودعت الطاعنات مذكرة شارحة.
وفى 26/10/2000 أعلن المطعون ضدهما الأول والثالث بصفتيهما بصحيفة الطعن .
وفى29/10/2000 أعلن المطعون ضدها الثانى والخامس بصفتيهما بصحيفة الطعن .
وفى 6/11/2000 أعلنت المطعون ضدها الرابعة بصفتها  بصحيفة الطعن .
وفى 1/11/2000 أودع المطعون ضدهما الأول والثالث مذكرة بدفاعهما طلبا فيها رفض الطعن .
وفى13/11/2000 أودع المطعون ضده الثانى مذكرة بدفاعه طلب فيها رفض الطعن .
ثم أودعت النيابة مذكرتها وطلبت فيها:ـــ قبول الطعن شكلاً ، وفى الموضوع برفضه .
وبجلسة 26/10/2015 عُرِض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر فحددت لنظره جلسة للمرافعة .
وبجلسة 28/3/2016 سُمعت الدعوي أمام هذه الدائرة علي ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث صممت النيابة على ما جاء بمذكرتها ، والمحكمة أرجأت إصدار الحكم إلى جلسة اليوم .
الـــــمــــحـكمــــــة
بعد الاطلاع علي الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر/ أحمد فراج " نائب رئيس المحكمة " ، والمرافعة ، وبعد المداولة .
      حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
      وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن الطاعنات أقمن الدعوى رقم 10677 لسنة 1995 مدنى محكمة جنوب القاهرة الابتدائية على المطعون ضدهم من الأول إلى الثالث بطلب الحكم بأحقية كل منهن فى مساحة خمسون فدان من المساحة موضوع العقد المشهر رقم 10301 لسنة 1951 وحجة الوقف المنضبطة بالإشهاد رقم 2 متتابعة صفحة 15 بالمضبطة المخصصة لإشهادات الملك فاروق ومساحتها 23 سهم ، 11 ط ، 1744 ف وتثبيت ملكيتهن بالتساوى بينهم فى قصر الطاهرة موضوع عقد الهبة ، وذلك على سند من القول من أنه بموجب عقد هبة مسجل فى 28/12/1944 وهب جدهن لوالدتهن / يوسف ذو الفقار بن على ذو الفقار بصفته وكيلاً عن كريمته الملكة فريدة للملك فاروق الأول ملك مصر فى ذلك الوقت أرض وبناء السراى المعروفة بقصر الطاهرة وبموجب عقد بيع مشهر برقم 10301 لسنة 1951 تملكت الملكة فريدة قطعة أرض معدة للبناء بزمام نزلة السمان بالجيزة وبموجب حجة الوقف المشهرة سالفة الذكر أوقف الملك فاروق ملك مصر سابقاً لزوجته المذكورة ومن بعدها بناتها الطاعنات أطياناً زراعية بمديرية الشرقية والمبينة بالأوراق ولما كانت الدولة قد استولت على هذه العقارات والأطيان دون تعويض أو مقابل انتفاع فقد أقمن الدعوى . تدخلت الهيئة المطعون ضدها الخامسة فى الدعوى بطلب إلزام المطعون ضده الثانى بأن يدفع لها التعويض المستحق عن أعيان النزاع من تاريخ الاستيلاء عليها لحين السداد بصفتها ممثلة لهيئة الأملاك المستردة التى حلت محل أسرة / محمد على بموجب قرار مجلس قيادة الثورة فى 8/11/1953 والقانونين 127 لسنة 1956 ، 634 لسنة 1973 الذى خول وزارة المالية سلطة التصرف فى تلك الأموال ، وإذ سلمت الأطيان المصادرة للإصلاح الزراعى عام 1954 عن طريق لجان المصادرة ومن ثم فقد تدخلت هجومياً فى الدعوى ، وتدخلت المطعون ضدها الرابعة كحارسة قضائية على أوقاف أجدادها المحروقى والسلامونى والشبراخيتى وغراب المغربى وأقارب أبنائهم وأحفادهم بطلب الحكم بعدم أحقية الطاعنات فى الأوقاف التى يطالبن بها ذلك على سند من أن أراضى التداعى هى وقف أهلى من أجدادها منذ عام 1117 ه ، وقد كان الخديوى إسماعيل ناظراً عليه واستمرت النظارة فى عائلة محمد على حتى فاروق الذى صدر له قرار نظارة عام 1936 وهو قرار لا ينقل ملكية الوقف إليه ولانتفاء أحقية الطاعنات فى هذا الوقف فقد تدخلت فى الدعوى . وبتاريخ 18/3/1997 حكمت المحكمة فى موضوع الدعوى والتدخل بعدم سماعها بحكم استأنفته الطاعنات بالاستئناف رقم 5498 لسنة 114 ق القاهرة ، وبتاريخ 12/8/1997 أحالت المحكمة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية المواد 9 ، 12 ، 14/1 ، 15 ، 17 من القانون رقم 598 لسنة 1953 بناء على دفع الطاعنات وأحيلت الدعوى إليها وقيدت برقم 215 لسنة 19 ق والتى حكمت بتاريخ 12/10/1999 بعدم قبول الطعن على المادتين 9 ، 17 والفقرتين الأولى والثانية من المادة 12 من القانون 598 لسنة 1953 وبانتهاء الخصومة بالنسبة للطعن على المادتين 14/1 ، 15 من ذلك القانون وبعدم دستورية نص الفقرة الأخيرة من المادة 12 من القانون المشار إليه فى مجال تطبيقها بالنسبة لحق الملكية ، وبعد أن عجلت الطاعنات السير فى الاستئناف قضت المحكمة بتاريخ 29/8/2000 بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم سماع الدعوى وبسماعها وبجعل تدخل المطعون ضدها الرابعة هجومياً وبتأييد الحكم بقبول تدخل المطعون ضدها الأخيرة وفى موضوع الدعوى والتدخل برفضهما . طعنت الطاعنات فى هذا الحكم بطريق النقض ، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى برفضه . وإذ عُرِض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره ، وفيها التزمت النيابة رأيها .

        وحيث إن مما تنعاه الطاعنات على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه ، وفى بيان ذلك يقولن إن الحكم المطعون فيه قضى برفض طلبهن بأحقية كل منهن فى مساحة الأطيان المبينة بالأوراق وتثبيت ملكيتهن لقصر الطاهرة وقطعة الأرض المعدة للبناء بزمام نزلة السمان على سند من عدم أحقيتهم فى ذلك رغم أن الثابت من الأوراق أنهن كن فى غيبة عن أرض الوطن وقد تمسكوا فى دفاعهم أمام محكمة الموضوع بأن أحكام القرار بقانون رقم 598 لسنة 1953 الصادر بتاريخ 8/11/1953 كانت قيداً مانعاً من المطالبة بحقوقهم التى يكفلها القانون والدستور ، وقد قضت المحكمة الدستورية العليا بحكمها الصادر فى الطعن رقم 13 لسنة 10 ق بتاريخ 4/10/1997 حال نظر النزاع المطروح بعدم دستورية المادة 12 والتى تتضمن ألا يبدأ التقادم وسقوط الحق إلا منذ ذلك التاريخ ، وإذ لم يرد الحكم المطعون فيه على دفاعهم بما يصلح رداً عليه ولم يبحث حقوقهم فى ضوء ما ورد به وبطلباتهن بعد القضاء من المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النص المشار إليه ، مما يعيبه ويستوجب نقضه .

        وحيث إن هذا النعى فى محله ، ذلك لما كان المقرر حسبما انتهت إليه المحكمة الدستورية فى حكمها الصادر فى الطعن المقام من الطاعنات رقم 13 لسنة 10 ق بتاريخ 4/10/1997 أن كل حصانة يضفيها الدستور على أعمال بذواتها بما يحول دون طلب إلغائها أو التعويض عنها ، يتعين أن يتقيد مجالها بما يرتبط عقلاً بالأغراض التى توختها ، وأن ينظر إليها على ضوء طبيعتها الاستثنائية ، وبمراعاة أن الأصل فى نصوص الدستور أنها تتكامل فيما بينها ، فلا يكون لبعضها مضمون أو نطاق يعارض سواها ، وهو ما يعنى أن المصادرة التى قررها الدستور فى شأن أموال أسرة محمد على يجب موازنتها بحقوق الملكية التى كفلها ، والتى ينظر إليها عادة بوصفها أحد العناصر المبدئية لضمان الحرية الشخصية التى لا يستقيم بنيانها إلا إذا تحرر اقتصادياً من يطلبونها ، وكان بوسعهم بالتالى الاستقلال بشئونهم والسيطرة عليها والإخلال بضمانة التقاضى المنصوص عليها فى المادة 68 من الدستور ، قد آل إلى اسقاطها بمقتضى المادتين 14/1 ، 15 المطعون عليهما ، وإلى حرمان السلطة القضائية – بفروعها على اختلافها – من تقديم الترضية القضائية التى يطلبها مواطنون لرد عدوان على الحقوق التى يدعونها ، وعطل بذلك هذه السلطة عن مباشرة مهامها التى ناط الدستور بها ، وأن الفقرة الثانية من المادة 14 المطعون عليها ، تنال كذلك من قيمة الأحكام الصادرة عن السلطة القضائية التى اختصها الدستور بالفصل فى المنازعات جميعها ، ذلك أن أحكامها الصادرة قبل 8/11/1953 ضد الأشخاص المصادرة أموالهم لا تعتبر وفقاً لهذه الفقرة  أكثر من مجرد سندات فلا تكون حجة بما تضمنتها إلا إذا كانت نهائية ، ولا صورية فيها ، وبشرط أن تعتمد تنفيذها اللجنة العليا المنصوص عليها فى المادة 11 من القانون رقم 598 لسنة 1953 المشار إليه ، ولا يعدو ذلك أن يكون امتهاناً للسلطة القضائية من خلال ازدراء أحكامها، وافترض صوريتها بما يصمها بالتواطئ ، وكذلك عن طريق تعليق تنفيذها على قرار يصدر عن لجنة إدارية بتطبيقها ، هى اللجنة العليا التى شكلها مجلس قيادة الثورة وفقاً للمادة 11 من هذا القانون فلا تكون لها حجيتها التى تستمدها من نصوص الدستور ذاتها ، تقديراً إبان تجريدها منها – ولو لم تكن نهائية – إنما يحيل الخصومة القضائية عبثاً ويقوض مدخلها ممثلاً فى حق التقاضى وانتهت من ذلك إلى القضاء بعدم دستورية المادة 12 من القانون رقم 598 لسنة 1953 وكان من مقتضى ذلك أنه يترتب على صدور حكم بعدم دستورية هذا النص إزالة كافة القيود وسائر الموانع التى تحول بين من تم مصادرة أموالهم التى آلت إليهم بغير طريق أسرة محمد على من المطالبة بما لهم من حقوق على هذه الأموال أو المطالبة بالتعويض العادل عنها وفقاً لأحكام الدستور والقانون . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية بإبطال نص قانونى لمخالفته أحكام الدستور ينسحب أثره إلى الأوضاع والعلائق السابقة على صدوره طالما مسها أو أثر فى بنيانها فهو تقرير لزوال ذلك النص نافياً وجوده منذ الميلاد . وحيث إن قضاء المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 3 لسنة 1 ق ، لم يفصل فيما إذا كان التعويض المقدر وفقاً لأحكام القانونين رقمى 187 لسنة 1952 ، 127 لسنة 1961 المشار إليهما ، يعتبر عادلاً أم متدنياً ، ولا كان ذلك من شأنها باعتبار أن النزاع المعروض عليها فى تلك الخصومة كان منحصراً فى أموال نقلتها الدولة إليها بلا مقابل ، وما إذا كان نهجها هذا موافقاً أو مخالفاً للدستور ، فلا يتعداه إلى أسس أو مقدار التعويض التى فصلها هذان القانونان . وحيث إن القرار بقانون رقم 127 لسنة 1961 المشار إليه قد أحال فى شأن أسس التعويض عن الأراضى المستولى عليها وفقاً لأحكامه ، إلى تلك التى تضمنها المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 فى شأن الاصلاح الزراعى ، وكانت أسس التعويض المحددة وفقاً لأحكام هذين القانونين ، هى ذاتها التى تبنتها المادة 9 من القرار بقانون رقم 50 لسنة 1969 المشار إليه ، وهى التى واجهتها المحكمة الدستورية العليا بحكمها الصادر فى الدعوى رقم 24 لسنة 15 ق دستورية منتهية إلى مخالفتها للدستور . وحيث إن المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة النقض من تلقاء نفسها أن تثير الأسباب التى تتعلق بالنظام العام إذ لم يسبق التمسك بها أمام محكمة الموضوع أو فى صحيفة الطعن إلا أن ذلك مشروط بأن تتوافر عناصر الفصل فيها من الوقائع والأوراق التى سبق عرضها على محكمة الموضوع وأن تكون أسباب الطعن واردة على الجزء المطعون فيه من الحكم ، وأن المقرر أنه لئن كان المشرع لم يضع تعريفاً للدفع بعدم القبول تقديراً منه لصعوبة فرض تحديد جامع مانع له – على ما أفصحت عنه المذكرة الايضاحية لمشروع قانون المرافعات السابق فى صدد المادة 142 منه المقابلة للمادة 115 من القانون القائم - إلا أنه وعلى ضوء ما جاء بتلك المذكرة من أنه الدفع الذى يرمى إلى الطعن بعدم توافر الشروط اللازمة لسماع الدعوى وهى الصفة والمصلحة والحق فى رفع الدعوى باعتباره حقاً مستقلاً عن ذات الحق الذى ترفع الدعوى بطلب تقريره ، كانعدام الحق فى الدعوى أو سقوطه لسبق الصلح فيه أو لانقضاء المدة المحددة فى القانون لرفعها ، فإنه حيث يتعلق الأمر بإجراء أوجب القانون اتخاذه حتى تستقيم الدعوى فإن الدفع المبنى على تخلف هذا الإجراء يعد دفعاً شكلياً ويخرج عن نطاق الدفع بعدم القبول وذلك دون اعتداد بالتسمية التى تطلق عليه لأن العبرة فى تكييف الدفع هى بحقيقة جوهره ومرماه . لما كان ذلك ، وكان الظاهر من استقراء القرار بقانون رقم 598 لسنة 1953 أنه قد تضمن النص على عدم سماع الدعاوى المتعلقة بأسرة محمد على وأسند ذلك إلى لجنة المصادرة بما مؤداه عدم اختصاص القضاء بنظرها ، وإذ صدر الحكم فى الدعوى 13 / 10 ق دستورية الذى أزال قيد التقاضى فى النطاق الذى حدته المحكمة الدستورية العليا فى حكمها على نحو ما سلف بما يترتب على ذلك أن الحكم بقبول الدفع الشكلى بعدم سماع الدعوى المطروحة لا يعد فصلاً فى موضوع الدعوى وبالتالى فإن محكمة أول درجة إذ قضت بذلك لا تكون قد استنفدت ولايتها بالفصل فى موضوعها ، وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى فى الموضوع فإن يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بما يوجب نقضه فى هذا الخصوص وإحالة الدعوى برمتها إلى محكمة أول درجة للفصل فى موضوعها .
       
لــــــــــــــــــــــــــــــــــذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه ، وألزمت المطعون ضدهم بصفاتهم المصروفات وحكمت فى موضوع الاستئناف رقم 5498 لسنة 114 ق القاهرة بإلغاء الحكم المستأنف واحالت القضية لمحكمة جنوب القاهرة الابتدائية للفصل فى موضوعها ، وألزمت المستأنف ضدهم المصروفات .

حكم محكمة الاستئناف في قضية تركة الملك فاروق

باسم الشعب
محكمة استئناف القاهرة 
الدائرة {45} مدنى 
حـــكـــم 
بالجلسة المنعقدة علناً بسراى المحكمة الكائن مقرها بدار القضاء العالى بشارع26 يوليو بالقاهرة . 
برئاسة السيد الأستاذ المستشار / عبد الراضى أحمد أبو ليلة ..... رئيس المحكمة 
وعضوية الأستاذين / عبد المجيد محمد الدميرى ....... المستشار 
و محمد عصام الدين عبد المجيد ...... المستشار 
وحضور السيد / عاطف محمد شحاته .......... أمين السر 
" أصدرت الحكم الآتى " 
- فى الاستئناف رقم 5498 لسنة 114 ق استئناف القاهرة المرفوع من : 
السيدة / فريال فاروق فؤاد 
الآنسة / فوزية فاروق فؤاد 
السيدة / فادية فاروق فؤاد 
" ضـــــــــــــــــــــد" 
1- السيد / وزير الأوقاف 
2- السيد / رئيس الإصلاح الزراعى بصفته . 
3- السيد / رئيس الجمهورية بصفته . 
4- السيدة / الحارسة القضائية على أوقاف أجدادها السادة الأشراف المحروقى ، السلامونى ، الشبراخيتى ، غراب المغربي ، و أوقاف أبنائهم و أحفادهم . 
5- الهيئة العامة للخدمات الحكومية ، وتعلن في مواجهة السيد / رئيس مجلس إدراتها . 
استئناف الحكم رقم 10677 لسنة 1995 الصادر من محكمة مدني جنوب القاهرة . 
" الــمـــحــكــمـــــة " 
بعد الاطلاع على الأوراق الرسمية والمداولة 
حيث أن واقعات النزاع منذ بدايته - على ما يبين من الحكم المستأنف ومستندات الطرفين ومذكراتهم وسائر الأوراق - تتحصل في أن المستأنفات أقمن الدعوى المستأنفة رقم 10677/1995 مدني كلى جنوب القاهرة ضد المستأنف عليهم بصحيفة طلبهن بختامها الحكم بأحقية كل منهن لمساحة خمسين فداناً من المساحة المبينة بصدر الصحيفة موضوع العقد رقم 10301 لسنة 1951 وحجة الوقوف بالإشهاد رقم 2 متتابعة صفحة 15 بالمضبطة المخصصة لاشهادات الملك فاروق ومساحتها 23س 11ط 1744ف وبتثبيت ملكيتهن بالتساوي بينهن في قصر الطاهرة موضوع عقد الهبة . وقلن بالصحيفة شرحاً لتلك الطلبات أنه بموجب عقد هبة مسجل ومؤرخ 28/12/1944 وهب - جدهن لأمهن - يوسف ذو الفقار بن على ذو الفقار بصفته وكيلاً عن كريمته الملكة فريدة للملك فاروق الأول ملك مصر في ذلك الوقت أرض وبناء السراي المعروفة بقصر الطاهرة والكائن بشارع سليم الأول قسم مصر الجديدة والبالغ مساحته 20056.30 م2 والمبين الحدود والمعالم بالصحيفة ، وأضافت المدعيات بالصحيفة أنه لما كانت الدولة قد سبق لها أن استولت على هذه العقارات والأطيان دون تعويض أصحابها أو دفع مقابل عدم الانتفاع لهم طبقاً للمادة 19 من القانون 577/1954 ، كما أن التأميم والاستيلاء يترتب عليه نقل ملكية الأفراد إلى الملكية الجماعية مقابل تعويض أصحابها ، كما تمتلك كل من المدعيات مساحة 50 فدان من إجمالى مساحتى قطعتى الأرض سالفي الذكر طبقاً لقانون الإصلاح الزراعي رقم 178/52 وتعديلاته بالميراث عن والدهن الملك فاروق الذي تملك مساحة مائتي فدان ووالدتهن الملكة فريده المتوفاة عام 1988 و التي تملكت مائة فدان طبقا للقانون المذكور ، لذلك أقمن الدعوى الماثلة بطلباتهم سالفة الذكر أو تعويضهن عن القدر المستولى عليه . وحيث أنه عن دفع المستأنفات بعدم الدستورية ، فقد فصلت فيه المحكمة الدستورية العليا بقضائها سالف الذكر تفصيلاً ، و الذي تقضى هذه المحكمة على مقتضاه فيما يرتبط به باقي الدفوع وموضوع النزاع . 
وحيث أنه عن الدفع المبدي من هيئة قضايا الدولة بعدم سماع الدعوى ، فتقضى المحكمة برفضه وبإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم سماع الدعوى وبسماعها . ذلك أن هذا الدفع اقيم فى إبدائه وقضاء الحكم المستأنف به على نص الفقرة الأولى من المادة 14 من القانون 598/53 سالف الذكر بشأن أموال أسرة محمد على المصادرة و التى نصت على عدم جواز سماع الدعوى المتعلقة بتلك الأموال أمام جميع المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ، ولما كانت المحكمة الدستورية سبق لها القضاء بعدم دستورية تلك الفقرة وكذا المادة 15 من القانون المذكور وذلك بحكمها الصادر بجلسة 11/10/1997 فى الدعوى رقم 13/15 ق دستورية حسبما أشارت إليه بحكمها الصادر حول الاستئناف الماثل بجلسة 2/10/1999 السف الذكر ومن ثم يكون الدفع المذكور قد أصبح على غير سند و أصبحت الدعوى مسموعة إعمالاً لحكم الدستورية مما يتعين معه القضاء بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم الدعوى و برفض هذا الدفع وبسماع الدعوى ......" 
وحيث أنه عن تلك الطلبات - أى موضوع الدعوى - فهى كما وردت بختام صحيفة افتتاح الدعوى وصممت عليها المستأنفات بصحيفة الاستئناف وبمذكراتهن الختامية تنحصر كلها فيما يلى : 
1- أحقية كل منهن لمساحة 50ف من مساحتى الأرض البالغ قدر أولاهما 33س 11ط 1744ف المبينة بالصحيفة موضوع اشهاد الوقف المؤرخ 28/12/1944 والثانية موضوع العقد المسجل برقم 10301/51 . 
2- تثبيت ملكيتهن بالتساوى لقصر الطاهره موضوع عقد الهبة المؤرخ 28/12/1994 . 
3- الطلب المضاف : التعويض عما استولت عليه الدولة من الأراضى زائداً عن الحد الأقصى للملكية تطبيقاً لنص المادة 5/1 من قانون الإصلاح الزراعى 178/1952 . وحيث أنه تأصيلاً للفصل فى الطلبات ، فإن حق الملكية هو أوسع الحقوق نطاقاً ، 
وقد بدأت الملكية منذ فجر التاريخ ملكية جماعية Propriete collietive لأفراد القبيلة ثم تطورت إلى ملكية عائلية Propritet Familiale ، ثم انتهت إلى ملكية فردية . وفى غرب أوروبا منذ عهد الرومان إلى قيام الثورة الفرنسية لم يبق حق الملكية على وتيرة واحدة ، ففى عهد الرومان كانت ملكية جماعية وعائلية ، وكانت فردية فى بعض الأشياء المحددة كالمنقولات ، ولما قوى سلطان الدولة قامت الملكية العامة Puplieus ، وفى مصر أخذت الاتجاهات الحديثة و المذاهب الاقتصادية تتاصر تدخل الدولة فى تنظيم الملكية الفردية خاصة العقارية وإحاطتها بالقيود فأصبحت وظيفة اجتماعية غير مقصورة على كونها حقاً ذاتياً يستأثر به صاحب يتصرف فيه على هواه ، فاستولت الدولة على الملكيات الفردية فى سبيل المصلحة العامة عن طريق الإصلاح الزراعى والتأميم والمصادرة فى أحوال خاصة إستأثرت فيها قلة من المجتمع بالملكية وإستغلتها استغلالاً بشعاً فى أزل السواد الأعظم من بقية الشعب المعدم ، فتمت المصادره لصالح هذا الشعب . وقد جاء القانون المدنى الجديد فى يوليو 1948 مسايرا لهذا الاتجاه الحديث ، فنبذ فكرة الصفة المطلقة لحق الملكية - حسبما ورد بالأعمال التحضيرية - إلى فكرة أخرى هى السائدة الآن فى التقنيات الحديثة يجعل حق الملكية ليس حقاً مطلقاً ؛ بل هو وظيفة اجتماعية يتعين على المالك القيام بها ، ويحميه القانون ما دام يفعل و إلا لما استحق الحماية ، و رتبت الأعمال التحضيرية على ذلك تقديم المصلحة العامة على حق إذا تعارضا ، فما ينبغى أن تقف الملكية حجر عثرة فى سبيل تحقيق المصلحة العامة . وقد تصل المصلحة العامة فى التعارض مع حق المالك إلى حد إلغاء هذا الحق بطريق الاستيلاء أو التأميم أو المصادرة . وقد فرضت المادة 806 من القانون المدنى على المالك أن يراعى فى إستعمال حقه ما تقضى به القوانين والمراسيم واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة ، مما مفاده - وعلى ما هو مستقر عليه قضاء - أن حق الملكية ليس حقاً مطلقاً وتقييده بموجب تشريعات خاصة مراعاة للمصلحة العامة أمر جائز لا يؤثر على بقاء حق الملكية وقيامه ، مما مقتضاه أن توزيع الثروة فى المجتمع توزيعاً غير عادل واستئثار طبقة قليلة بالقدر الأكبر من ثروة البلاد يلزمه صدور قوانين لإصلاح هذا النظام إعمالا لعدالة حق الملكية ودون انتقاض منه أو مساس به . فالأرض الزراعية يتكفل المشرع بسن القوانين التى تكفل عدالة توزيعها بوضع حد أقصى للملكية الزراعية على الوجه الذى يراه عادلاً أو يفرض على الملكية حراسة الطوارئ أو التأميم استناداً إلى قانون الطوارئ أو الأحكام العرفية "..... وفى مصر وبتاريخ 9 سبتمبر 1952 صدر المرسوم بقانون الإصلاح الزراعى رقم 78/1952 بفرض قيود على الملكية الزراعية ونصت مادته الأولى على أنه لا يجوز لأى شخص أن يمتلك من الأراضى الزراعية أكثر من مائتى فدان ثم عدل بقوانين لاحقه حتى أصبح الحد الاقصى خمسين فدانا بالقانون 50/1969 ، واستولت الدولة لدى أى مالك على ما يزيد عن هذا القدر لصالح باقى أفراد الشعب المعدم . ثم صدرت بعض تشريعات الطوارئ والأحكام العرفية فصدر قانون الأحكام العرفية 15/ 1923 ،ثم مرسوم أول سبتمبر 1939 ،ثم القانون 533/1954 المعدل بالقانون 414/1955 ، ثم قانون الطوارئ 162/58 المعدل سارياً وأعلنت بناء عليه حالة الطوارئ عام 1981 لمدة سنة مددت لسنوات حتى الآن ، 
واستناداً لتلك القوانين اتخذت بعض الإجراءات الاستثنائية استقرت أحكام القضاء بشأنها على أن المشرع أعفى القائمين على تنفيذ الأحكام العرفية بقانون 533/1954 المعدل بالقانون 414/1955 من المسئولية عما اتخذوه من إجراءات تجاوزا بها حدود القانون باعتبار أنهم فعلوا ما تقضى به المصلحة العامة وما يمليه واجب الدفاع عن البلاد أو واجب الحيطة والطمأنينة ، ولو كانت تلك الإجراءات خاطئة ومجاوزة للسلطة ما دام أن الغاية منها تحقيق مصلحة عامة . 
كما صدرت استناداً إليها عدة قرارات بفرض الحراسة استقرت أحكام القضاء بشأنها على أن المشرع خول رئيس الجمهورية موجب القانون 182/1958 سلطة اتخاذ تدابير منها إصدار الأمر بفرض الحراسة لوضع نظام لإدارة أموال الخاضعين لها بغل يدهم عن إدارتها أو التصرف فيها . ثم قصد برفع الحراسة من تلك الأموال لاعتبارات اقتضتها مصلحة الدولة محافظة على نظامها العام وحماية لأهدافها ، ثم صدرت قرارات عدة بالتأميم استقرت أحكام القضاء بشأنها على أن التأميم إجراء يراد به نقل ملكية المشروعات الخاصة إلى ملكية الدولة وأخيراً استقرت أحكام الدستورية على أن المادة (5) من دستور 1958 نصت على أن الملكية الخاصة مصونة وينظم القانون وظيفتها الاجتماعية مما مقتضاه تقييد حق الملكية الخاصة لمقتضيات الصالح العام باعتبارها وظيفة اجتماعية ينظم القانون أدائها فى خدمة الجماعة بأسرها . 
وحيث أنه استناداً لهذه المبادئ صدر قانون الإصلاح الزراعى 178/1952 يجعل الحد الآقصى للملكية 200 ف وبموجبه تم الاستيلاء لدى الملك فاروق على ما زاد عن هذا الحد من أملاكه ومنها أرض النزاع البالغ مساحتها 23س 11ط 1744ق سالفة الذكر ، ثم بعد ذلك صدر قرار مجلس قيادة الثورة بتاريخ 3/11/1953 بمصادرة كل تلك المساحة مع السراى المعروفة بقصر الطاهرة وذلك ضمن أموال أسرة محمد على المصادرة بموجب هذا القرار . 
وحيث أنه قبل بيان تطبيق هذين التشريعين على واقعات الدعوى تفصيلاً ، تجد المحكمة لزوما أن تعرض فى إيجاز شديد لبعض التاريخ السياسى لأسرة محمد على - فى جانب المرتبط بأسباب هذا الحكم - حتى يكتمل إيضاح الصورة الملحة لإصدار التشريعين المذكورين ، سيما الأخير منهما ، بمصادرة أموال تلك الأسرة ، وذلك من خلال تاريخ الحركة القومية لمصر وتطور نظام حكمها باعتباره من قضايا مصر القومية التى تهم الأمه بأسرها ولا يعتبر تعرض المحكمة لها لثمة اراء سياسية . ذلك الثابت بهذا التاريخ - من خبرة المحكمة بالشئون العامة و إلمامها بالقضايا القومية و مطالعتها لكتابات المؤرخين المتواترة - أن محمد على الألبانى الأصل تركى الجذور تولى حكم مصر بإرادة شعبها بتاريخ 13/5/1805 عقب انتهاء الحملة الفرنسية على مصر . ورغم أنه بنى صرح القومية بها و أرسى قواعد النهضة العلمية ، إلا أن خلفاءه من أسرته ولاة مصر هدموا ما بناه منذ أن تولى ابنه إبراهيم ومن بعده عباس الأول فاشتهر عهده بعهد النكسة والرجعية ، ثم تولى سعيد الذى بدأ فى عهده اسماعيل وهو عهد طويل أدت فيه أخطاؤه إلى التدخل الأجنبى فى شئون مصر المالية والسياسية ، ثم تولى بعده توفيق وفى عهده وقع الاحتلال الإنجليزى لمصر ، ثم تولى الملك فؤاد الذى توفى بتاريخ 28/4/1936 وبعده اعتلى ابنه فاروق - والد المستأنفات - عرش مصر بتاريخ 6/5/1936 إثر عودته من بلاد الفرنجة ، وكان لا يزال صبياً ، وبغض النظر عن التعرض للجوانب المعروفة لمسلكه الشخصى ، مما تعف عن ذكره لغة هذا الحكم ، فهى واقعات ثابتى تفيلاً بكتب التاريخ السياسى لمصر ، فقد استبد فاروق بالحكم و إنتهك الدستور على آلاف الأفدنة من وزراة الأوقاف وشهر ملكيتها باسمه فى " الخاصة الملكية " ، واستغل حرب فلسطين فى المتاجرة بأرواح ضباط وجنود الجيش فارتدت إليهم طلقات الأسلحة الفاسدة التى جلبها من الخارج متقاسماً أرباحها مع مورديها ، ورصداً لهذه الظروف الحالة وشعب مصر مغلوب على أمره ، بدأت صفوة من ضباط الجيش ( الضباط الأحرار) تستوعب الموقف وتتجرع مرارته ، وراعهم ما تعانيه البلاد من فساد الملك وعدوان الاستعمار فكانت إرادتهم إرادة الشعب ، ولما انهزم الجيش فى حرب فلسطين فى مايو 1948 ، كشفت المعارك عن الخيانة والرشوة فى إدارة الجيش ، فسرت روح الانتقام فى نفوس الضباط من هذا النظام لإنقاذ البلاد من الانهيار وكان ذلك إداناً بانتهاء عهد أسرة محمد على والقضاء عليها لكل ذلك قام الضباط بالثورة فى 23 يوليو 1952 معبرين عن أهداف شعب مصر ، وتمت مجابهة كبرى التراكمات وهى فقدان العدالة الاجتماعية بين طبقات الشعب المصرى ، وتحيف طبقة قليلة حقوق السواد الأعظم بسوء توزيع ملكية الأراضى الزراعية حيث كان عدد 61 مالكاً لكل أكثر من ألفى فدان ،28 لكل أكثر من 1500 فدان . أما الغالبية من صغار الملاك ، فلكل ¼ فدان لا يكفيه القوت الضرورى ، ثم باقى أفراد الشعب لا يجدون هذا القوت . وأمام هذه الحالة الاجتماعية المتردية للبلاد تدخل المشرع للمصلحة العامة على ما سلف ،فأصدر بتاريخ 9 سبتمبر 1952 المرسوم بقانون الإصلاح الزراعى 178/1952 المذكور يجعل الحد الأقصى للملكية 200 فدان . ثم وبالنظر إلى ما عانته البلاد من أسرة محمد على فقد أصدر مجلس الثورة قراراً بتاريخ 8/11/1953 سالف الذكر بمصادرة أموال وممتلكات تلك الأسرة وكذلك الأموال والممتلكات التى آلت منهم إلى غيرهم بالوراثة أو المصاهرة أو القرابة ، ثم صدر القانون 598/53 بشأن تلك الاموال ونص المادة 16 منه على أن تصدر إدارة تصفية تلك الأموال المشاه بالمادة 17 منه بياناً بأسماء من شملهم قرار المصادرة فأصدرت ذلك البيان بأسمائهم نشر بالوقائع المصرية 9/12/1953 العدد (98) مكرر غير عادى وعددهم 380 شخص أولهم فاروق ثم أفراد أسرته ومنهم المستأنفات وأمهن فريدة ثم باقى أفراد الأسرة العلوية . 
وحيث أنه بصدور المرسوم بقانون الإصلاح الزراعى المذكور ، فقد آلت إلى الدولة ملكية مازاد عن مائتى فدان من أملاك الملك السابق فاروق ومنها الأرض الزراعية البالغ مساحتها 33س 11ط 1744ف موضوع الدعوى الواردة باشهاد الوقف المؤرخ 28/12/1944 سالف الذكر والمقدم من المستأنفات ، ثم وبعد مرور نحو سنة وشهرين من صدور قانون الإصلاح المذكور لم ثلبث أن انتقلت إلى الدولة نهائيا وبغير مقابل ملكية تلك المساحة جميعها ، وكذا ملكية السراى المعروف بقصر الطاهرة موضوع عقد الهبة المؤرخ 28/12/1944 سالف الذكر، والمقدم من المستأنفات وذلك بمصادرتها ضمن أموال وممتلكات أسرة محمد على ، وكذلك الأموال والممتلكات التى آلت منهم إلى غيرهم عن طريق الوراثة أو المصاهرة أو القرابة بموجب قرار مجلس قيادة الثورة الصادر فى 8/11/1953 . وقد صدر قانون الإصلاح الزراعي باسم الملك فاروق ذاته فالأولى أن يلتزم به وورثته من بعده . أما قرار مجلس الثورة بالمصادره ، فقد صدر من هذا المجلس الذى يمثل السلطة التشريعية فى ذلك الوقت المعاصر لقيام الثورة ،وفى ظل قانون الأحكام العرفية ، حيث كان هذا المجلس قد أصدر إعلاناً دستورياً آخر فى 10/12/1952 بإسقاط دستور 1923 الذى كان ساريا وقت الثورة ، واعلانا دستوريا آخر فى 16/1/1953. بتجديد فترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات لإعداد دستور آخر ديمقراطى . و من ثم ، فإن هذا القرار لا تمارى فيه المستأنفات ، وهو باق لم يلغ أو ينسخ بقانون آخر .ولما صدر دستور 1956 بعد الفترة الانتقالية المذكورة ، أضفى على ذلك القرار- وكذا قانون الإصلاح المذكور - صفة الشرعية الدستورية ، الأمر الذى استقرت عليه أحكام المحكمة الدستورية العليا المتضمنة أن المشرع لم يلتزم فى دستور 1956 موقفاً موحداً من التشريعات السابقة عليه ،بل غاير بينها فيما أسبغه عليها من الحماية ، فاتخذ بالنسبة لبعضها موقفاً اقتضته ضرورة تحصين التشريعات والتدابير و الإجراءات الثورية الاستثنائية التى اتخذت فى ظروف لا تقاس فيها الأمور بالمقياس العادى ،وذلك بالنص على عدم جواز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأى وجه من الوجوه ، وأضافت المحكمة الدستورية أن المادة 191 من دستور 1956 لم تنقل إلى الدساتير التالية ، لأنها استنفذت أغراضها ، إذ أسبغت على التشريعات الثورية الاستثنائية التى صدرت منذ قيام الثورة حتى دستور 1956 حصانة نهائية لا مبرر ولا مسوغ لتكرار النعى عليها ............." 
".............. وحيث أنه ختاماً لأسباب هذا الحكم ،تنوه المحكمة إلى أنه إذا كان القضاء المصرى لا شأن له بالسياسة ، إلا أن ارتباط موضوع الدعوى الماثلة ببعض الجوانب ، السياسة لتاريخ الحركة القومية فى مصر فرض على المحكمة التعرض لبعض هذه الجوانب ، لاعتبارها من القضايا القومية التى لا ينحسر عنها الضمير القضائى دائماً ، وعدم اعتبار إدلائه بدلوه فيها من قبيل ابداء الآراء السياسية . فقد بنى الشعب المصرى قضاءه عبر زمن طويل ، و أرسى قواعد حيدته واستقلاله ، ليقوم بدوره فى حماية الحقوق و مصالح الوطن ، فأصبح الابن النابغ لوطنه وحامى حمى أمنه و راعى مصالحها . ولما كانت العدالة - وهى غاية القضاء - يجب أن تكون انعكاساً لوجدان الشعب وضميره ، ومن ثم وجب أن تمثل المحكمة ضمير الشعب كله . ولقد ظل القضاء المصرى على مر العصور و الأجيال كالطود الشامخ حامياً للحقوق والحريات فى مصر ، فأصبح قضائها فخر أمتهم وثقتها وضميرها ورمز إرادتها ، ومقصد رجائها فى إقرار سيادتها . وها هى أمتهم تشرفهم بالاحتكام إليهم فى إدارة أمرها من أدق أمورها فى مباشرة حقوقها السياسية لانتخاب نوابها فى البرلمان القادم ، سندها فى ذلك قاعدة دستورية أصيلة مفادها أن القضاء كسلطة يستمد كيانه ووجوده من سلطة الشعب ، لأن العدالة فى مصر لصيقة بالشعب طبقاً للمادة الثالثة من الدستور التى تنص على أن السيادة للشعب وهو مصدر السلطات . ومن ثم ، فإن الشعب هو مصدر السلطة القضائية فى مصر ، منه تتبع ، وإليه ترتد ، وتباشر هذه السلطة شطراً من سيادته ، وأحكامها تصدر وتنفذ باسمه والقوانين المنظمة لهذه السلطة القضائية ، وتلك التى تطبقها التزامها بها ، هى من صنع ممثلى الشعب والبرلمان . 
وحيث أنه لذلك تنوه المحكمة إلى أن ثورة 23 يوليو 1952 - تكئة الدعوى الماثلة - هى أساس الحياة الكريمة لشعب مصر على أرضه ، وأياً كان وجه الرأى السياسى فى الضباط الأحرار الذين حملوا لواءها ، فإنهم بتفجيرها كتبوا تاريخاً جديداً لميلاد الشعب فى مصر ، و بدونها لما عرف هذا الشعب طريقاً لحكم نفسه بنفسه ،ولما تذوق أبداً طعم الحرية والديمقراطية وسيادة القانون واستقلال القضاء المصرى الذى يعيش الآن أزهى عصوره ، وبذلك فلن تموت أبدا هذه المعانى الدستورية السامية على أرض مصر . أما الملك السابق فاروق ، الألبانى الأصل تركى الجذور ، فإن أخطاءه فى حقها من جرائم تواترت على تفصيلها كتب التاريخ السياسى ، ولا يتسع هذا المقام لذكرها . أما المتباكون على عهد فاروق ، فهم مشكوك فى كنانتهم ، متخاذلون وطنيتهم ، لم يجر ماء النيل فى عروقهم . 


"فـــلـــهذه الأســـــــباب" 


حكمت المحكمة فى موضوع الاستئناف : 
( أولاً ) بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به من عدم سماع الدعوى وبرفض الدفع المبدى من المستأنف عليهم بعدم سماعها ، وبسماعها . 
(ثانياً) بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به من قبول تدخل نعمة الله الخواص إنضاميا بجعله هجومياً ، وبتأييده فيما تبقى به من قضاء بقبول تدخل هيئة الخدمات الحكومية هجوميا ً. 
(ثالثاً) برفض الدفعين المبديين من المستأنف عليهم بعدم اختصاص المحكمة ولا نيا بنظر الدعوى ، وباختصاصها بنظرها. 
(رابعاً ) برفض الدفع المبدى من المستأنف عليهم بعدم قبول الدعوى لرفعها غير ذى صفة بالنسبة للمستأنف عليهما الأول والثالث ، وبقبولها . 
(خامساً) برفض الدفع المبدى من هيئة الإصلاح الزراعى بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة بالنسبة لها ، وقبولها . 
(سادساً) بسقوط حق المستأنف عليهم إبداء الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها . 
(سابعاً) برفض الدفع المبدى من المستأنف عليهم بسقوط حق المستأنفات فى المطالبة . 
(ثامناً ) وفى موضوعي الدعوى والتدخل :برفضهما ،و ألزمت المستأنفات والمتدخلين بالمصروفات المناسبة و المستأنفات عليهم بباقيها والمتدخلين بمصروفات تدخلهما وأمرت بالمقاصة في أتعاب المحاماة . 
صدر هذا الحكم وتلى علناً بجلسة يوم الثلاثاء الموافق 29/8/2000.