الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 مارس 2015

عدم دستورية الاعتداد بملاءة الموكل في تقدير اتعاب المحاماة

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة فى يوم السبت 12 فبراير سنة 1994الموافق 2رمضان سنة 1414ه
برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر   رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين : الدكتور/ محمد إبراهيم أبوالعينين ومحمد ولى الدين جلال وفاروق عبدالرحيم غنيم وعبدالرحمن نصير وسامى فرج يوسف والدكتور/ عبد المجيد فياض
وحضور السيد المستشار/ نجيب جمال الدين علما   رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد              أمين السر
أصدرت الحكم الآتى:
 فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 23 لسنة 14 قضائية "دستورية"
المقامة من
السيد / أمير لطفى المندراوى
السيدة/تغريد فوزى سليمان
ضد
 السيد / رئيس الجمهورية
السيد / رئيس الوزراء السيد المستشار / وزير العدل
السيد / نقيب المحامين
 السيد / عبد الرحمن طه طه
" الإجراءات "
بتاريخ 2 ديسمبر 1992 أودع المدعيان صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا طالبين الحكم بعدم دستورية المادة (82) من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 مع مايترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع –على مايبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعيين أقاما هذه الدعوى بصحيفة خلصا فى ختامها إلى طلب الحكم بعدم دستورية المادة (82) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وقالا شرحاً لذلك أنهما وكلاعنهما المدعى عليه الخامس محامياً لمباشرة بعض الدعاوى المتعلقة بهما، إلا أنه اخل بواجباته المهنية وعرضهما لأخطار فادحة. وإذ تقدما بشكوى ضده إلى النيابة العامة، فقد استصدر ضدهما من نقابة المحامين الفرعية بالقاهرة أمر تقدير لأتعابه بمبلغ خمسة وسبعين ألف جنيه مستغلاً فى ذلك الأوراق التى تحت يده، وحضوره فى القضايا التى كان يقيمها لصالحهما والتى لم تستكمل إجراءاتها بعد. وقد طعنا فى هذا الأمر كما طعن هو فيه وذلك أمام محكمة استئناف القاهرة التى قررت ضم الاستئنافين إلى بعضهما، وإذ دفع الحاضر عنهما بعدم دستورية المادة (82) من قانون المحاماة المشار إليه، وكانت محكمة الموضوع قد قدرت جدية دفاعهما وصرحت لهما بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقاما الدعوى الماثلة.
وحيث إن المادة (82) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنص على مايأتى:
فقرة أولى: "للمحامى الحق فى تقاضى أتعاب لمايقوم به من أعمال المحاماة والحق فى استرداد ماأنفقه من مصروفات فى سبيل مباشرة الأعمال التى وكل فيها".
فقرة ثانية: "ويتقاضى المحامى أتعابه وفقاً للعقد المحرر بينه وبين موكله.وإذ تفرع عن الدعوى موضوع الاتفاق أعمال أخرى، حق للمحامى أن يطالب بأتعابه عنها".
فقرة ثالثة: "ويدخل فى تقدير الأتعاب أهمية الدعوى والجهد الذى بذله المحامى والنتيجة التى حققها وملاءة الموكل وأقدمية درجة قيد المحامى، ويجب ألا تزيد الأتعاب على عشرين فى المائة وألاتقل عن خمسة فى المائة من قيمة ماحققه المحامى من فائدة لموكله فى العمل موضوع طلب التقدير".
فقرة رابعة: "وفى جميع الأحوال لايجوز أن يكون أساس تعامل المحامى مع موكله أن تكون أتعابه حصة عينية من الحقوق المتنازع عليها".   
وحيث إن المدعيين ينعيان على المادة (82) المشار إليها مخالفتها للدستور بمقولة إن الدستور ضمن حق التقاضى للناس كافة فى المادة (68)، ونص فى المادة (69)- التى كفل بها حق الدفاع أصالة أو بالوكالة- على أن يوفر المشرع لغير القادرين مالياً وسائل الإلتجاء إلى القضاء للدفاع عن حقوقهم. غير أن النص التشريعى المطعون فيه أطلق لكل محام العنان فى اقتضاء أتعابه، محدداً عناصر تقديرها بغير حساب، ودون مااعتداد بمقدم الأتعاب أو غيره من المبالغ التى يكون قد تقاضاها أثناء نظر الدعوى، وبغير تربص بالقضايا التى يكون الموكل قد أقامها ضده للفصل فيما هو منسوب إليه من الجرائم التى ارتكبها والمستوجبة لمسئوليته الجنائية والمدنية، هذا بالإضافة إلى أن نقابة المحامين متعاطفه دائماً مع أعضائها مما يعد افتئاتاًعلى حقوق المواطنين مستوجباً تقرير الضوابط اللازمة لإعمال النص التشريعى المطعون عليه.

ومن حيث إن المدعى عليه الخامس دفع بعدم قبول الدعوى الدستورية بمقولة عدم اتصالها بالمحكمة الدستورية العليا وفقاً للأوضاع المنصوص عليها فى قانونها ارتكاناً من جانبه إلى أن الدفع بعدم الدستورية الذى أبداه المدعيان لاتجوز إثارته لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافيه، وكان يتعين - وباعتباره من الدفوع الإجرائية - أن يطرح أمام محكمة أول درجة ابتداء وقبل تعرضها لموضوع النزاع الذى تتولى الفصل فيه.  
وحيث إن هذا الدفع مردود بما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا من أن الشرعية الدستورية التى تقوم بمراقبة التقيد بها، غايتها ضمان أن تكون النصوص التشريعية المطعون عليها أمامها مطابقة لأحكام الدستور. ذلك أن لهذه الشرعية - فى موقعها من البنيان القانونى فى الدولة - مقام الصدارة، وانفاذها وبلوغ مقاصدها فرع من خضوع الدولة -بكافة تنظيماتها- للقانون وإلتزامها بمضمونه وفحواه. ولايجوز بالتالى لأية محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائى - إعمال نص تشريعى لازم للفصل فى النزاع المعروض عليها إذا بدا لها مصادمته للدستور من وجهة مبدئية قوامها ظاهر الأمر فى المطاعن الدستورية الموجهه إليه دون إنزلاق إلى أغوارها، ذلك أن قيام هذه الشبهه لديها، يلزمها أن تستوثق من صحتها عن طريق عرضها على المحكمة الدستورية العليا وفقاً لنص المادة (29) من قانونها لتتولى دون غيرها الفصل فى المسائل الدستورية المطروحة عليها، متقصية أبعادها، محيطه بجوانبها متعمقة دخائلها بالغه ببحثها منتهاه، بمامؤداه: أنه لايجوز لأية جهه تتولى الفصل فى الخصومة القضائية المطروحة عليها أن تتجاهل مظنه الخروج على أحكام الدستور ولا أن تنحيها جانباً، بل يتعيين عليها أن تنزل القواعد الدستورية المنزلة الأعلى التى تتبوؤها، وإلا آل أمر الإعراض عنها إلى إعمالها لنصوص تشريعية لازمة للفصل فى النزاع الموضوعى المعروض عليها ولو داخلتها شبهه ترجح مخالفتها للدستور بخروجها على زواجره ونواهيه، وهو مايناقض سيادة القانون- والدستور على القمة من مدارجه -ويخل كذلك بضرورة أن تكون الشرعية الدستورية راسية أسسها تتكامل عناصرها، وتتواصل حلقاتها دون انقطاع، وينقض من جهة أخرى دور المحكمة الدستورية العليا فى مباشرة رقابتها على هذه الشرعية بوصفها أمينة عليها حافظة لها، غير مجاوزة لتخومها، لتفرض بأحكامها كلمة الدستور على المخاطبين بها، فلاينسلخون منها أو يحيدون عنها. متى كان ذلك، وكان الدفع بعدم دستورية نص تشريعى يطرح بالضرورة -ومن أجل الفصل فى هذا الادعاء- مابين القواعد القانونية من تدرج يفرض عند تعارضها إهدار القاعدة الأدنى تغليباً للقاعدة التى تعلوها، وكان من المقرر وعلى ماسلف البيان - أن القواعد الدستورية تحتل من القواعد القانونية مكاناً علّياً لأنها تتوسد منها المقام الأسمى كقواعد آمره لاتبديل فيها إلا بتعديل الدستور ذاته، فإن الدفع بعدم الدستورية لايكون من قبيل الدفوع الشكلية أو الإجرائية، بل يتغيا فى مضمونه ومرماه مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور ترجيحاً لها على ماعداها وتوكيداً لصلتها الوثقى بالنظام العام، وهى أجدر قواعده وأولاها بالإعمال، بمامؤداه: جواز إثارة هذا الدفع فى أية حالة تكون عليها الدعوى، وأمام أية محكمة أياً كان موقعها من التنظيم القضائى الذى يضمها.
ومن حيث إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهى شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات الموضوعية المرتبطه بها، والمطروحة على محكمة الموضوع.
وحيث إنه لامصلحة للمدعيين فى الطعن على الفقرة الأولى من المادة (82) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، ولا على الفقرتين الثانية والرابعة منها،ذلك إن الفقرة الأولى من المادة (82) المشار إليها تقرر أمرين: أولهما حق المحامى فى الحصول على أتعاب عن أعمال المحاماة التى قام بها: وثانيهما الحق فى أن ترد إليه المصروفات التى يكون قد أنفقها فى سبيل مباشرة الأعمال التى وكل فيها. وكلا الأمرين لاخلاف عليه فى النزاع الراهن، ذلك أن الأعمال القانونية التى يقوم بها المحامى ممثلاً فيها لموكله، تعتبر من أعمال الوكالة وتسرى عليها أحكامها، كأصل عام. وقد يقوم المحامى إلى جانبها ببعض الأعمال المادية، ويظل كذلك - حتى فى هذه الحالة- خاضعاً لقواعد الوكالة ملتزماً ضوابطها كلما كان العنصر الأغلب فى هذين النوعين من الأعمال، متصلاً بالأعمال القانونية والأصل المقرر فى الوكالة أنها تبرعية مالم يوجد اتفاق على الأجربين كل من الموكل والوكيل سواء كان هذا الاتفاق صريحاً أم كان ضمنياً. وتكون الوكالة مأجورة ضمناً إذا كان الوكيل ممن يحترفون مهنة يتكسبون منها، وكان العمل الموكل فيه يدخل فى إطار أعمال هذه المهنه. ويدل الواقع على أن الوكالة المأجورة هى الأكثر وقوعاً فى العمل، وأن الوكيل لايقوم بأعمال الوكالة تفضلاً أو مجاملة إلا بدليل قاطع من الظروف المحيطة بها، وهو يؤجر على مابذل من جهد فى تنفيذ أعمال الوكالة، ولو لم يكن قد بلغ نتيجة بذاتها، باعتبار أن إلتزامه الناشئ عقد الوكالة لايعدو أن يكون إلتزاماً ببذل عناية، وليس بتحقيق غاية. وسواء قام الطرفان بتعيين أجر الوكالة من البداية أم أغفلا تحديده، فإن تقديره فى النهاية مرده إلى القاضى عند الخلاف على مقداره، وهو مالا يتصور إذا كان أجر الوكالة قد دفع تطوعاً بعد تنفيذها.
متى كان كذلك، وكانت الأتعاب التى طلبها محامى المدعيين قد عرض أمرها على مجلس النقابة الفرعية إعمالاً لنص المادة (84) من قانون المحاماه الذى يسرى عند وقوع خلاف بشأنها بين الموكل ومحاميه ولايكون مقدارها محدداً بالاتفاق عليها كتابة، وكان المدعيان قد نعيا على هذا التقدير إرتكانه إلى عناصر بذواتها حددتها الفقرة الثالثة من المادة (82) فى إطلاق لايعتد بما قد يكون المحامى قد اقتضاه بالفعل من موكله من مبالغ يتعين خصمها من الأتعاب المحكوم بها، فإن المدعيين يكونان قد أقرا بأن الوكالة الماثلة غير تطوعية، وليس لهما من بعد أن ينازعا فى أصل الحق فى الأجر عن الأعمال القانونية التى قام بها الوكيل، ولا أن يعارضا حق الوكيل فى أن ترد إليه المصروفات التى يكون قد أنفقها فى سبيل مباشرة الأعمال التى وكل فيها، ذلك أن الأعمال القانونية التى يقوم بها المحامى فى إطار مهنته تعتبر إعمالاً مأجورة ولولم تكن متعلقة بخصومة قضائية، بل منصرفة إلى غيرها من الأعمال التى يفيد منها الموكل، وتكون ضرورية لتأمين الأغراض النهائية للوكالة. أما المصروفات التى يكون قد أنفقها بما لايجاوز متطلبات تنفيذ الأعمال التى وكل فيها، فإن حجبها عنه يعتبر إفقاراً له بمقدارها دون مسوغ من اتفاق أو من نص فى القانون، وهو مالا يجوز بإعتباره إثراء يصيب الموكل بلا سبب.
وحيث إنه لامصلحة أيضاً للمدعيين فى إطراح الفقرتين الثانية والرابعة من المادة (82) من قانون المحاماة المطعون عليهما، ذلك أن ماتنص عليه الفقرة الرابعة منها من أنه لايجوز فى أية حال أن يكون أساس تعامل المحامى مع موكله، أن تكون أتعابه حصة عينية من الحقوق المتنازع عليها، إنما يتمحض عن مزية تعود فائدتها - فى الحدود التى قررتها هذه الفقرة- عليهما. اذ كان ذلك، وكان من المقرر أن الدعوى الدستورية ينبغى أن تؤكد بماهية الخصومة التى تتناولها، التعارض بين المصالح المثارة فيها بما يعكس حدة التناقض بينها، ويبلور من خلال تصادمها ومجابهتها لبعض، حقيقة المسألة الدستورية التى تدعى المحكمة الدستورية العليا للفصل فيها، اذ كان ذلك وكان من المسلم أن الحقوق الدستورية ليس لها قيمة مجردة فى ذاتها، ولا يتصور أن تعمل فى فراغ، وإنه أياً كان وزنها أو دورها أو أهميتها فى بناء النظام القانونى للدولة ودعم حرياته المنظمة، فإن تقريرها تغيا دوماً توفير الحماية التى تقتضيها مواجهة الأضرار الناشئة عن الإخلال بها، يستوى فى ذلك أن تكون هذه الحقوق من طبيعة موضوعية أو إجرائية. ولايكفى بالتالى لتوافر المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية، مجرد إنكار أحد الحقوق المنصوص عليها فى الدستور أو محض الخلاف حول مضمون هذا الحق، بل يجب أن يكون للخصم الذى أقامها مصلحة واضحة فى اجتناء الفائدة التى يتوقعها منها باعتبارها الترضية القضائية التى يرد بها عن الحقوق التى يدعيها مضار فعلية أصابتها أو تهددها من جراء أعمال النص التشريعى المطعون عليه فى حقه، وترتيبه لآثار قانونية بالنسبه إليه. ولاكذلك إفادة المدعيين من مزايا نص تشريعى معين، إذ يكون الطعن عليه من قبلهما غير جائز. وحيث إنه لامصلحة للمدعيين كذلك فى الطعن على الفقرة الثانية من المادة (82) من قانون المحاماة، ذلك أن ماتنص عليه من أن للمحامى أن يتقاضى أتعابه وفقاً للعقد المحرر بينه وبين موكله، وأنه إذ تفرعت عن الدعوى موضوع الاتفاق أعمال أخرى، كان للمحامى أن يحصل على أتعابه عنها، مؤداه: أن الأصل هو ألايتقاضى المحامى أكثر من الأتعاب التى تم الاتفاق عليها كتابة، فإذا لم يكن ثمة اتفاق، أو كان الاتفاق قد تناول دعوى بذاتها، ولكن أعمالاً أخرى غير التى ورد الاتفاق بشأنها قد تفرعت عنها، فإن أتعاب المحامى -فى هاتين الحالتين- تقدر على ضوء العناصرالتى حددتها الفقرة الثالثة من المادة (82) المطعون عليها. وهذه العناصر وحدها هى التى ينحصر نطاق الطعن فيها بالنظر إلى تعلقها بموضوعه، بالإضافة إلى أن ذلك أكفل لمقاصد المدعيين اللذين ركزا مناعيهما عليها بمقولة إطلاقها دون قيد، وأن الغاية منها هى تمكين المحامين من الضغط على موكليهم وتطويعهم لمصالحهم بالمخالفة للواقع والقانون.
وحيث إن الفقرة الثالثة من المادة (82) من قانون المحاماة -التى انحصر فيها نطاق الطعن على النحو المتقدم- تنص على أن يدخل فى تقدير أتعاب المحامى أهمية الدعوى والجهد الذى بذله المحامى والنتيجة التى حققها وملاءة الموكل وأقدمية درجة قيد المحامى ويجب ألا تزيد الأتعاب على عشرين فى المائه وألاتقل عن خمسة فى المائه من قيمة ماحققه المحامى من فائدة لموكله فى العمل موضوع طلب التقدير.
وحيث إن المدعيين ينعيان على الفقرة الثالثة من المادة (82) من قانون المحاماة مخالفتها لنص المادة (69) من الدستور.
وحيث إن هذا النعى مردود بأن الدستور نظم حق الدفاع محدداً بعض جوانبه مقرراً كفالته كضمانه مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصيه ولصون الحرية فى مظاهرها المختلفة و الحقوق جميعها، سواء فى ذلك تلك التى نص عليها الدستور أو التى كفلتها النظم المعمول بها، فاورد فى شأن هذا الحق حكماً قاطعاً حين نص فى الفقرة الأولى من المادة (69) منه على أن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، وكان ضمان هذا الحق يفترض أن يكون الدفاع فعالاً محيطاً بالخصومة التى يتناولها التوكيل، فلا تكون المعاونة التى يقدمها المحامى لموكله دون مستوياتها الموضوعية التى يمليها التبصر وتفرضها العناية الواجبة، ولاينزلق المحامى بتقصيره فى أدائها إلى أخطاء مهنية لوكان قد تداركها فى حينها لكان من الأرجح أن تتخذ الخصومة مساراً مختلفاً، وكان الدستور تعزيزاً منه لضمانه الدفاع على هذا النحو، لم يجز للسلطة التشريعية إهدار هذا الحق أو تقليص محتواه بما يعطل فعاليته أو يحد منها، كاشفاً بذلك عن أن ضمانه الدفاع لم تعد ترفاً يمكن التجاوز عنه، وأن التعلق بأهدابها الشكلية دون تعمق فى حقائقها الموضوعية، يعتبر تراجعاً عن مضمونها الحق مصادماً لمعنى العدالة منافياً لمتطلباتها، وأن إنكار ضمانة الدفاع أوتقييدها بما يخرجها عن الأغراض المقصودة منها،ليس إلا هدماً للعدالة ذاتها بما يحول دون وقوفها سوية على قدميها، سواء كان نقضها أو إعاقتها منصرفاً إلى حق الدفاع بالأصالة بما يقوم عليه من ضمان حق كل فرد فى أن يعرض وجهه نظره فى شأن الواقعة محل التداعى مبيناً حكم القانون بصددها، أم كان متعلقاً بالدفاع بالوكالة حين يقيم الشخص باختياره محامياً يطمئن إليه لخبرته وقدراته ويراه لثقته فيه أقدر على تأمين المصالح التى يرمى إلى حمايتها، وكان الدستور بعد أن قرر أصل الحق فى ضمانة الدفاع - أصالة أو بالوكالة - قد خطا خطوة أبعد بإقراره الفقرة الثانية من المادة (69) منه التى تنص على أن تكفل الدولة لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم مخولاً المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التى يعين بها المعوزين على صون حقوقهم وحرياتهم من خلال تأمين ضمانة الدفاع عنها، وكان المدعيان لايقولان بإنكار حقهما فى اللجوء إلى القضاء للحصول على الترضية القضائية التى يقتضيها رد العدوان الذى ذهبا إلى وقوعه على حقوقهما المالية، ولايدعيان أنهما من المعوزين الذين يلوذون بالمعونه القضائية لتأمين ضمانه الدفاع عن حقوقهم هذه، وكانت الوكالة بالخصومة غايتها أن يقوم محام من اختيارهما بإدارة الدفاع عنهما وتوجيهه، وتفترض هذه الوكالة أنها مأجورة لاتبرعيه باعتبار أن الأعمال موضوعها تدخل فى إطار مهنة المحاماة التى احترفها وكيلهما، وكان المدعيان قد أيدا ذلك بإقرارهما انهما دفعا لهذا الوكيل جزءاً من مقدم أتعابه، فإن قالة سريان الفقرة الثانية من المادة (69) من الدستور فى حقهما- وقوامها معاونة الدولة للمعسرين وفقاً للقانون وبما لايجاوز الحق فى تمثيل ملائم يرعى مصالحهم ويرد غائلة العدوان عنها عن طريق من يندبون المحامين لهذا الغرض- لايكون لها محل.  
وحيث إن المدعيين ينعيان كذلك على الفقرة الثالثة من المادة (82) من قانون المحاماة تحيفها، وممالأتها لمصالح المحامين وتقريرها حقوقاً لهم تجاوز حد الاعتدال مما آل إلى الركون إليها للضغط من خلالها على موكليهم وتطويعهم لإرادتهم بالمخالفة للقانون.   
وحيث إن الأصل المقرر قانوناً هو أن تتكافأ الأتعاب التى يحصل عليها المحامى تنفيذاً لعقد الوكالة مع قيمة الأعمال التى أداها فى نطاقها، ذلك أن الوكالة من عقود القانون الخاص التى تتوازن المصالح فيها، ولا تميل الحقوق الناشئة عنها فى اتجاه أحد طرفيها، ويتعين بالتالى أن يكون تقدير أجر المحامى عن الأعمال التى قام بها - فى إطار عقد الوكالة وتنفيذاً لمقتضاها - معقولاً، فلا يكون أجر الوكيل عنها مبالغاً فيه مرهقاً الموكل فى غيرمقتض وإلاكان تقديره تحكمياً مجاوزاً الأسس الموضوعية التى يتعين أن يتحدد على ضوئها توصلاً إلى تقديره دون زيادة أونقصان، وبعيداً عن شبهة الممالأة أوالتحامل. ولازم ذلك أن يكون أجر المحامى متناسباً مع الأعمال التى أداها، وان يقدر بمراعاة أهميتها، وعلى ضوء مختلف الظروف ذات العلاقة المحيطة بها ويندرج تحتها بوجه خاص القيمه الفنيه لهذه الأعمال، والجهد الذى بذله المحامى فى إنجازها عمقاً وزمناً، والعوارض الاستثنائية التى تكون قد واجهته فى تنفيذها، وصعوبة أو تعقد الأعمال التى أداها ومظاهرتشعبها، والنتائج التى حققها من خلالها، وماعاد على الوكيل منها من فائدة. ومن ثم تكون حقيقة الأعمال التى قام بها المحامى هى ذاتها مناطاً لتحديد أجره، ويتعين بوجه عام أن يكون مرد الاعتداد بها عائداً إلى العناصر الواقعيه المختلفة التى يتحدد بها نطاقها ووزنها، وبما لاإخلال فيه بالظروف الموضوعية المتصلة بها. ودون ذلك، فإن تقدير أجرالمحامى يكون منطوياًعلى عدوان على الحقوق المالية للموكل، وهى حقوق حرص الدستور على صونها، ومن ثم كان ضرورياً أن يقدر أجر المحامى بمراعاة كل العوامل التى تعين على تحديده تحديداً منصفاً، وهى بعد عوامل لاتستغرقها قائمة محددة من أجل ضبطها وحصرها، وإن جاز أن يكون من بينها، أولاً: حقيقة الجهد والزمن الذى بذله المحامى وكان لازماً لإنجاز الأعمال التى وكل فيها. ثانياً: جدة المسائل التى قام ببحثها ودرجة تشابكها أو تعقدها. ثالثاً: ما اقتضاه تنفيذها بالدقة الكافية من الخبرة والمهارة الفنية. رابعاً: ما إذا كان تنفيذ الأعمال التى عهد إليه الموكل بها قد حال دون مزاولته لأعمال أخرى. خامساً: الأجر المقرر عرفاً مقابلاً معقولاً لها. سادساً: القيود الزمنية التى يكون الموكل قد فرضها على المحامى لإنجاز الوكالة وكذلك تلك التى أملتها ظروفها. سابعاً: النتائج التى يكون محاميه قد بلغها فى شأن المبالغ التى يتردد النزاع حولها. ثامناً: مكانة المحامى ومقدرته وشهرته العامة. تاسعاً: طبيعة العلاقة المهنية بين الموكل ومحاميه وعمق امتدادها فى الزمان. عاشرا: الأتعاب التى تقررت لغيره من المحامين فى الدعاوى المماثلة. حادى عشر: ماإذا كان المحامون يعرضون عادة عن قبول الدعوى التى وكل فيها بالنظر إلى ملابساتها.
وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكانت العوامل الموضوعية وحدها هى التى يعتد بها فى تقدير أتعاب المحامى باعتبارها مرتبطة بطبيعة الأعمال التى أداها ومبلغ أهميتها ومحصلتها النهائية وغير ذلك من الظروف ذات العلاقة المحيطة بها، ووثيقة الاتصال بالتالى بقيمة هذه الأعمال منظوراً فى ذلك إلى عناصرها الواقعية والجهد الذى لازمها وكان يلزم عقلاً أن يبذل فيها، وجب استبعاد ماعداها مما لايندرج تحتها.
وحيث إن الفقرة الثالثة من المادة (82) من قانون المحاماة قد أوردت ضمن العناصر التى تدخل فى تقدير أتعاب المحامى أهمية الدعوى والجهد الذى بذله فى سبيلها والنتيجه التى حققها وأقدمية قيده - وجميعها عوامل موضوعية تٌعين على تقدير هذه الأتعاب تقديراً منصفاً، إلا أن نص هذه الفقرة ذاتها - إذ اعتد بملاءة الموكل كأحد عناصر هذا التقدير، فإنه يكون قد جاوز فى هذا النطاق الأسس المعقولة التى يتعين أن تتحدد الأتعاب على ضوئها، ذلك أن ثروة الموكل منقطعة الصلة بالأعمال التى باشرها الوكيل، ولا يجوز أن يكون لها من أثر على تقييمها. وليس منطقياً أو معقولاً أن تزيد قيمة هذه الأعمال وأن تتصاعد أهميتها تبعاً ليسار الموكل وليس بالنظر إلى طبيعتها وفحواها. يؤيد ذلك أنه وإن صح القول بأن الأتعاب المتنازع عليها لا يجوز أن تنحدر على نحو يكون مثبطاً لهمم الأكفاء من المحامين، فإن من الصحيح كذلك أنها لا يجوز أن تكون مستعلية فى غير مقتض بافتقارها إلى العوامل الموضوعية اللازمة لحملها.   
وحيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم، فإن ما قررته الفقرة الثالثة من المادة (82) المشار إليها من أنه لايجوزأن تقل أتعاب المحامى عن 5 % من قيمة ما حققه من فائدة لموكله فى العمل موضوع طلب التقدير، مؤداه: أنه أياً كان مقدارالجهد الذى بذله المحامى فى أداء هذا العمل، فإن الحدود الدنيا لأتعابه لايجوز أن تقل عن 5% من الفائدة التى حققها، وهو مايخرج بتقييم الأعمال التى باشرها عن الأسس الموضوعية التى يجب أن تكون قواماً لها.
وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت الحماية التى أظل بها الدستور الملكية الخاصة لضمان صونها من العدوان وفقاً لنص المادة (34) منه، لاتعتبر منحصرة فى الملكية الفردية كحق عينى أصلى تتفرع عنه الحقوق العينية جميعها ويعتبر جماعهاوأوسعها نطاقاً، بل تمتد هذه الحماية إلى الأموال جميعها دون تمييز بينها باعتبار أن المال هو الحق ذو القيمة المالية سواء كان هذا الحق شخصياً أم عينياً أم كان من حقوق الملكية الأدبية أوالفنية أوالصناعية، وكان ما يميز الملكية الفردية عن الحقوق الشخصية هو أنه بينما تخول الملكية الفردية صاحبها السلطة المباشرة على الشئ محلها تصرفاً واستغلالاً واستعمالاً لتعود إليه دون غيره ثمارها ومنتجاتها وملحقاتها يستخلصها منها دون وساطه أحد، فإن الحقوق الشخصية ترتبط بمدين معين أو بمدينين معينين، وبوساطتهم يكون اقتضاء الدائن لها، وكان التمييز بين الملكية الفردية والحقوق الشخصية على هذا النحو لاينال من كونهما من الأموال، ذلك ان الحقوق العينية التى تقع على عقار -بما فى ذلك حق الملكية- تعتبر مالاً عقارياً أما الحقوق العينية التى تقع على منقول وكذلك الحقوق الشخصية - أياً كان محلها- فانها تعد مالاً منقولاً. ويتعين بالتإلى ان تمتد الحماية المنصوص عليها فى المادة (34) من الدستور إلى الحقوق الشخصية والعينيه على سواء، ذلك أن التمييز بينهما فى مجال هذه الحماية ينافى مقاصد الدستور فى سعيها لتأمين الأموال جميعها من العدوان عليها وبما يردع مغتصبيها.
متى كان ما تقدم، وكان تعيين أتعاب المحامين على ضوء عنصرين غير موضوعيين- أحدهما ملاءة الموكل وثانيهما حد أدنى تقرر بقاعدة عامة مجرده يلزم تطبيقها فى كل حال لضمان عدم النزول بمبلغهاعن قدر معين- مؤداه: اعتبار مايقابلهما من مبالغ إلتزاماً مترتباً فى ذمة الموكل منذ نشوئه، وكان كل إلتزام يعتبر قيمة مالية سلبية حال أن هذين العنصرين منفصمان عن حقيقة الأعمال التى قام بها الوكيل ولايغلان بالتالى أية قيمة مالية يتصور معها أن يقعا عبئاً فى مال المدين بمايجرد ذمته المالية - وهى لا تتناول إلا مجموع الحقوق والديون التى تكون لها قيمة مالية- من بعض عناصرها الإيجابية، إذ كان ذلك، فإن النص التشريعى المطعون فيه يكون مخالفاً من هذه الناحية للمادة (34) من الدستور.
وحيث إن ما قرره المدعيان من أن الفقرة الثالثة من المادة (82 ) آنفة البيان تسقط من حسابها مقدار المبالغ التى يكون قد دفعها مقدماً لمحاميه، مردود بأن حكمها لايفيد ذلك، إذ لا تتناول هذه الفقرة بالتنظيم غير الأسس التى قدر المشرع ضرورة تحديد أتعاب الوكيل على ضوئها بافتراض عدم وجود اتفاق كتابى بشأنها والخلاف عليها، ولايحول بذاته دون استنزال أية مبالغ منها يكون الموكل قد أداها للوكيل كلما قام الدليل عليها.   
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنته الفقرة الثالثة من المادة (82) من قانون المحاماه الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 من الاعتداد بملاءة الموكل كأحد العناصر التى تدخل فى تقديرأتعاب محاميه وكذلك ما قررته من أن لا تقل الأتعاب المستحقه عن 5% من قيمة ما حققه من فائدة لموكله فى العمل موضوع طلب التقدير، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

عدم دستورية لجان تقدير الاتعاب للمحامين 2

القضية رقم 5 لسنة 31 ق " دستورية " جلسة 2 / 1 / 2011
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الأحد الثانى من يناير سنة 2011م ، الموافق السابع والعشرين من المحرم سنة 1432 ه .
برئاسة السيد المستشار / فاروق أحمد سلطان رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ محمد خيرى طه والدكتور عادل عمر شريف ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى ومحمود محمد غنيم والدكتور حسن عبد المنعم البدراوى                      نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار / حاتم حمد بجاتو رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / ناصر إمام محمد حسن    أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 5 لسنة 31 قضائية " دستورية " ، المحالة من محكمة رشيد الجزئية ، بحكمها الصادر بجلسة 30/11/2008 فى الدعوى رقم 404 لسنة 2007 مدنى جزئى رشيد .
المقامة من
السيد / منشاوى غانم جابر
ضد
1- السيد / محمد عبد النبى رمضان إبراهيم     
2- السيد / رمضان محمد عبدالنبى رمضان
3- السيد / محمد عبدالنبى رمضان
4- السيدة / علا محمد عبدالنبى رمضان
5- السيد / شريف محمد عبدالنبى رمضان
6- السيدة / إيمان محمد محمد السكرى
7- السيدة / حنان محمد محمد السكرى
8- السيد / أحمد أحمد حمزه السكرى
9- السيد / ذكى أحمد حمزة السكرى
10- السيدة / حنان أحمد حمزة السكرى
الإجراءات
    بتاريخ السادس من شهر يناير سنة 2009 ، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ، ملف الدعوى رقم 404 لسنة 2007 مدنى جزئى رشيد ، تنفيذًا لحكم محكمة رشيد الجزئية الصادر بجلسة 30/11/2008 ، بوقف الدعوى وإحالتها إلى هذه المحكمة للفصل فى دستورية الفقرتين الأولى والثانية من المادة (84) من قانون المحاماه الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 المعدل بالقانون رقم 197 لسنة 2008 .
         وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين ، طلبت فى الأولى الحكم برفض الدعوى ، وفى الثانية الحكم أصليًا بعدم قبول الدعوى ، واحتياطيًا برفضها .
    وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
   ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم .
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق تتحصل فى أن السيد / منشاوى غانم جابر كان قد أقام الدعوى الموضوعية بداية فى 14/12/2004 ، أمام محكمة رشيد الكلية ، وقيدت برقم 478 لسنة 2004 مدنى كلى رشيد ، بطلب إلزام المدعى عليهم أن يؤدوا له مبلغاً مقداره خمسة عشر ألف جنيه ، مقابل أتعابه عن الأعمال القانونية التى باشرها لصالحهم كمحام ، ووكيل عنهم أمام جهات القضاء المختلفة بموجب توكيلات عامة رسمية ، وذلك بعد أن رفضوا سداد هذا المبلغ إليه . وبجلسة 4/11/2007 ، أحيلت الدعوى إلى محكمة رشيد الجزئية للاختصاص ، وأعيد قيدها برقم 404 لسنة 2007 مدنى جزئى رشيد . وعند نظرها ارتأت المحكمة أن المادة (84) من القانون رقم 17 لسنة 1983 المشار إليه ، فيما تضمنته فقرتاها الأولى والثانية من أحكام تتعلق بتشكيل لجنة لتحديد أتعاب المحامى عند الخلاف مع الموكل حول تقديرها ، ومباشرتها لاختصاصها ، فيه شبهة مخالفة الدستور . ومن ثم ، فقد أوقفت الدعوى ، وأحالت أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية هذا النص .
وحيث إن البين من استعراض تاريخ النص المحال أن المشرع كان قد أورد فى المواد من ( 83 ) إلى ( 87 ) من قانون المحاماه الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنظيمًا لأتعاب المحامى وأوضاع حسم الخلاف بشأنها عند حدوثه ، وعهد بمقتضاه فى المادة (84) مهمة فض النزاع إلى لجنة نقابية يشكلها مجلس النقابة الفرعية التى يتبعها المحامى المتضرر ، وبناء على طلب منه ، على أن تتولى اللجنة مهمة الوساطة بين المحامى وموكله ، فإذا لم يقبل الطرفان ما تعرضه عليهما من تسوية ، فصلت اللجنة فى موضوع الطلب خلال ستين يومًا على الأكثر بقرار مسبب ، وإلا جاز لكل من الطرفين أن يلجأ مباشرة إلى المحكمة المختصة . كما وضع المشرع فى المادة (85) من القانون ذاته تنظيمًا للطعن فى قرارات تلك اللجان ، مقتضاه عدم جواز الطعن فيها إلا بطريق الاستئناف أمام المحكمة الابتدائية التى يقع بدائرتها مكتب المحامى إذا كانت قيمة الطلب خمسمائة جنيه فأقل ، وإلى محكمة الاستئناف إذا جاوزت هذه القيمة ، على أن يتم ذلك خلال عشرة أيام ، ولا يكون التقدير نافذًا إلا بانتهاء ميعاد الاستئناف ، أو صدور حكم فيه . وكان قد طعن بعدم دستورية هذه الأحكام أمام المحكمة الدستورية العليا ، فى القضية الدستورية رقم 153 لسنة 19 القضائية ، وقضت فيها المحكمة بجلسة 5/6/1999 ، بعدم دستورية الفقرتين الأولى والثانية من المادة (84) السالف الإشارة إليها ، وبسقوط كل من فقرتها الثالثة ، والمادة (85) من القانون رقم 17 لسنة 1983 المشار إليه . وقد استندت المحكمة فى ذلك إلى أن اللجنة التى خولها المشرع الفصل فى النزاع يخلو تشكيلها من العنصر القضائى ، وتنتمى إلى التنظيم النقابى كلية ، بما يثير الشكوك حول حيدتها واستقلالها ؛ فضلا عن أن المشرع لم يكفل لطرح النزاع أمامها الضمانات الجوهرية للتقاضى ، بل قصر اللجوء إليها على المحامى دون موكله ، مرهقًا بذلك مباشرة الحق فى التقاضى ؛ ممايزًا فى مجال ممارسة هذا الحق بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية ، دون أن يستند هذا التمييز إلى أسس موضوعية تبرره ؛ ومعتديًا على استقلال السلطة القضائية . وفى توجه للمشرع لعلاج الأوضاع بعد صدور هذا الحكم ، فقد أصدر القانون رقم 197 لسنة 2008 بتعديل بعض أحكام قانون المحاماه ، متضمنًا تعديل المادتين (84) و (85) منه على النحو الآتى :
المادة (84) :
للمحامى أو للموكل إذا وقع خلاف بينهما بشأن تحديد الأتعاب أن يتقدم بطلبه إلى لجنة مكونة من رئيس محكمة ابتدائية رئيسًا وأحد قضاتها عضوًا ينتدبهما رئيس المحكمة الابتدائية التى يوجد بها مقر النقابة الفرعية ، وعضوية أحد أعضاء مجلس النقابة الفرعية يصدر بتعيينه قرار من مجلس النقابة الفرعية المختصة لمدة سنة قابلة للتجديد .
وعلى اللجنة أن تتولى الوساطة بين المحامى وموكله ، فإذا لم يقبل الطرفان ما تعرضه عليهما ، فصلت فى الطلب بقرار مسبب خلال ثلاثين يومًا على الأكثر من تاريخ تقديمه ، وتسرى أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية على ما يتبع أمامها من إجراءات .
وإذا قبل الطرفان ما تعرضه عليهما اللجنة ، حرر ذلك بمحضر يوقع منهما مع رئيس اللجنة ، وتوضع الصيغة التنفيذية على محضر الصلح بواسطة قاضى الأمور الوقتية المختص بدون رسوم .
المادة (85) :
         لا يجوز الطعن فى قرارات التقدير التى تصدرها اللجان المشار إليها فى المادة (84) إلا بالاستئناف الذى يخضع للقواعد المنصوص عليها فى قانون المرافعات من حيث الاختصاص والإجراءات والمواعيد .
         وحيث إنه من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة فى الدعوى الدستورية – قائمة أو محتملة وهى شرط لقبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة فى الدعوى الموضوعية ، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازماً للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع . وهذا الشرط الذى يحدد للخصومة الدستورية نطاقها ، يتغيا أن تفصل المحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية ، وليس من معطياتها النظرية ، أو تصوراتها المجردة . وهو كذلك يقيد تدخلها فى تلك الخصومة القضائية ، فلا يمتد لغير المطاعن التى يؤثر الحكم بصحتها أو بطلانها على النزاع الموضوعى ، وبالقدر اللازم للفصل فيه . ومؤدى ذلك أن يقيم المدعى الدليل على أن ضررًا واقعيًا قد لحق به ، وأن يكون هذا الضرر عائداً إلى النص المطعون فيه ، فإذا كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه أو كان من غير المخاطبين بأحكامه دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة ، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذه الحالة ، لن يُحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعد الفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها . وإذ كان ذلك ، وكان المدعى يهدف من دعواه الموضوعية أن تفصل محكمة الموضوع مباشرة فى طلبه إلزام المدعى عليهم بدفع الأتعاب المطلوبة ؛ الأمر الذى تتوافر معه مصلحته الشخصية المباشرة فى القضاء بعدم دستورية النص المحال ، فيما أوردته فقرتاه الأولى والثانية اللتين شملهما قرار الإحالة ، من إلزام المحامى وموكله باللجوء إلى اللجنة المشكلة طبقًا لأحكامه عند إثارة النزاع حول الأتعاب ، بحسبان أن القضاء فى مدى دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية ، والطلبات المطروحة فيها ، وولاية محكمة الموضوع بنظرها والفصل فيها .
         وحيث إن النص المحال قد عقد الاختصاص للجنة المشكلة طبقًا لأحكامه بحسم الخلاف بين المحامى وموكله حول تحديد الأتعاب ، جاعلا من تلك اللجنة درجة ابتدائية فى التقاضى ، يطعن فى قراراتها أمام محكمة الاستئناف المختصة، بصريح نص المادة (85) من قانون المحاماه السالف الإشارة إليها . وبذلك ، فقد أصبح تحريك المنازعة أمام تلك اللجنة هو الطريق الواجب ولوجه بداية فى مثل هذه المنازعات ، ووفقًا للإجراءات التى رسمها النص المحال ، باعتبار أن هذه اللجنة وحدها هى جهة الاختصاص التى أسند إليها النص المحال دون غيرها الاختصاص بنظر تلك المنازعات والفصل فيها ، وأن اللجوء إلى القضاء إنما يكون للطعن فى القرار الصادر عنها فى هذه المنازعات . ومن ثم ، فإن الدفع المقدم من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول الدعوى لعدم إنغلاق الحق فى اللجوء مباشرة إلى المحاكم العادية ، يكون غير صحيح ، ويتعين – تبعًا لذلك – طرحه .
         وحيث إن حكم الإحالة نعى على النص المحال إفراده الخلاف بشأن تحديد أتعاب المحامى بنظام قضائى خاص دون مبرر منطقى ؛ وإشراكه فى عضوية اللجنة المختصة أحد أعضاء النقابة الفرعية الذى ينتخبه زملاؤه المحامون فى الأصل لرعاية مصالحهم ، دون أن يشرك على التوازى ممثلا للمدعى فى عضوية هذه اللجنة ؛ وتخويله هذه اللجنة أمر الفصل فى النزاع بعد توليها الوساطة فيه ، بما يكشف بالضرورة عن رأيها المسبق بشأنه ؛ وإلزامه باختيار العضوين القضائيين فى تشكيل اللجنة بالمخالفة للقواعد المقرة فى قانون السلطة القضائية ؛ الأمر الذى ينطوى فى مجموعه على إخلال بالحق فى التقاضى ، ومبدأ القاضى الطبيعى ، وينال من استقلال القضاء وحيدته ، ويخل بمبدأ المساواة أمام القانون الواجب توافره بين المحامى وخصمه فى إطار المنازعة بينهما حول تحديد الأتعاب ؛ ويتعارض تبعًا لذلك وأحكام المواد ( 40 و65 و68 و165) من الدستور .
         وحيث إن هذه المناعى سديدة فى جوهرها ، ذلك أن الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة –أنها سلطة تقديرية ، وذلك ما لم يقيد الدستور ممارستها بضوابط محددة تحد من إطلاقها ، وتعتبر تخومًا لها لا يجوز اقتحامها أو تخطيها ؛ وأن الحق فى التقاضى هو أحد الحقوق الدستورية التى يجوز للمشرع أن يتدخل ، وفى دائرة سلطته التقديرية ، بتنظيمها على نحو يكفل بلوغ الغاية منه ، وهى تحقيق العدالة ، ورد الحقوق إلى أصحابها ، دون أن يتجاوز هذا التنظيم حدود غايته ، فينقلب إلى قيد يصيب الحق الدستورى فى أصل مضمونه ، أو جوهر وجوده .
وحيث إنه من المقرر كذلك فى قضاء هذه المحكمة أن الدستور ، فى إطار تنظيمه للولاية القضائية ، وبعد أن قرر فى المادة (68) منه حق كل مواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى ، عهد فى المادة (167) منه إلى القانون بتحديد الهيئات القضائية واختصاصاتها ، فدل بذلك على أن الحق فى التقاضى – فى أصل شرعته – هو حق للناس كافة ، تتكافأ فيه مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعًا عن مصالحهم الذاتية ، وبحيث لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال حقهم فى النفاذ إلى قاضيهم الطبيعى ، ولا فى نطاق القواعد الإجرائية أو الموضوعية التى تحكم الخصومة القضائية ، ولا فى مجال التداعى بشأن الحقوق المدعى بها وفق مقاييس موحدة عند توافر شروطها . إذ إنه ينبغى دومًا أن تكون للخصومة الواحدة قواعد موحدة سواء فى مجال اقتضائها، أو الدفاع عنها ، أو الطعن فى الأحكام التى تصدر فيها . ومقتضى ذلك ، أنه يمتنع على المشرع إيلاء سلطة الفصل فى منازعات بعينها إلى غير قاضيها الطبيعى إلا فى أحوال استثنائية تكون الضرورة فى صورتها الملجئة هى مدخلها ، وصلتها بالمصلحة العامة ، فى أوثق روابطها ، مقطوعًا بها ، ومبرراتها الحتمية لا شبهة فيها ، وهو ما يتم تحت رقابة هذه المحكمة ، والتزامًا بأحكام الدستور ، وضمانًا لعدم الالتفاف حولها . ذلك أن ما قرره الدستور فى المادة (167) منه من أن يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها ، لا يجوز اتخاذه موطئًا لاستنزاف اختصاص المحاكم ، أو التهوين من اختصاص الدستور بعضها بمنازعات بذواتها باعتبارها قاضيها الطبيعى ، وصاحبة الولاية العامة بالفصل فيها . إذ إن الاختصاص المقرر دستوريًا لأية جهة من جهات القضاء ، ليس محض حق لهذه الجهة أو تلك ، وإنما هو ولاية خولها إياها الدستور باعتبارها الجهة القضائية التى ارتأى أنها الأجدر بنظر نوع معين من المنازعات ، والأصلح فى التدقيق فى الحقوق المتنازع عليها أمامها .
وحيث إن الدستور وعلى ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة حين كفل مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون فى المادة (40) منه ، فقد فرض على سلطة التشريع قيدًا مؤداه أن لا تقر هذه السلطة تشريعًا من شأنه أن يخل بالحماية القانونية المتكافئة للحقوق جميعها ، سواء فى ذلك تلك التى نص عليها الدستور ، أو التى كفلها المشرع . ومن ثم ، جاء هذا المبدأ عاصمًا من النصوص القانونية التى يقيم بها المشرع تمييزًا غير مبرر تتنافر به المراكز القانونية التى تتوافق عناصرها ، فلا تكون وحدة بنيانها مدخلا لوحدة تنظيمها ، بل تكون القاعدة التى تحكمها ، إما مجاوزة باتساعها أوضاع هذه المراكز أو قاصرة بمداها عن استيعابها . فتكافؤ المتماثلين فى الحماية القانونية مؤداه أن هذه الحماية ينبغى أن تسعهم جميعًا ، فلا يقصر مداها عن بعضهم ، ولا يمتد لغير فئاتهم ، ولا يجوز تبعًا لذلك أن تكون هذه الحماية تعميمًا مجاوزًا نطاقها الطبيعى ، ولا أن يقلص المشرع من دائرتها بحجبها عن نفر ممن يستحقونها .
         وحيث إن استقلال القضاء وحيدته – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – هما ضمانتان متلازمتان لا ينفصلان فى مجال العدالة ، كفلهما الدستور فى المادتين (165) و (166) منه ، توقيًا لأى تأثير محتمل قد يميل بالقاضى انحرافاً عن ميزان الحق . ونص الدستور كذلك على أنه لا سلطان على القضاة فى قضائهم لغير القانون . وهذا المبدأ الأخير لا يحمى فقط استقلال القضاء ، بل يحول كذلك دون أن يكون العمل القضائى وليد نزعة شخصية غير متجردة . ومن ثم ، تكون حيدة القاضى شرطًا لازمًا لضمان ألا يخضع فى عمله لغير سلطان القانون .
وحيث إن المشرع قد استهدف من استحداثه للنص المحال تلافى العيوب التى اعتورت النص قبل تعديله ، وأدت إلى القضاء بعدم دستوريته بحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بتاريخ 5/6/1999 ، فى القضية الدستورية رقم 153 لسنة 19 القضائية السالف الإشارة إليها ، فاستبدل باللجنة النقابية لجنة ثلاثية يغلب على تشكيلها العنصر القضائى ، وفتح باب اللجوء إليها للمحامى والموكل على حد سواء ، وألزمها فى عملها بمراعاة الإجراءات والضمانات القضائية المقررة ، مخضعًا القرار الصادر عنها للطعن القضائى طبقًا للقواعد العامة . وعلى الرغم من أهمية الإصلاحات التى أتى بها المشرع فى هذا الشأن ، فقد بقى تدخله قاصرًا عن تحقيق شرط الحماية القانونية المتكافئة بين المتماثلين فى مراكزهم القانونية . فقد ميز المحامى عن موكله بوجود ممثل للأول دون الثانى فى عضوية اللجنة الثلاثية ؛ كما خص الخلاف بينهما حول تحديد الأتعاب وهو خلاف بين أصيل ووكيل فى إطار عقد الوكالة بتنظيم خاص قائم بذاته ، ومختلف فى مضمونه عما تخضع له غير ذلك من المنازعات فيما بين الأصيل والوكيل بأجر ، خاصة فى النقابات المهنية الأخرى ، من قواعد حاكمة ، وذلك على الرغم من اتحاد هذه المنازعات جميعها فى جوهرها ، وتماثلها فى طبيعتها ؛ وهو ما يعد افتئاتًا على ولاية المحاكم العادية فى نظر هذه المنازعات ، وانتهاكًا لاستقلالها تبعًا لذلك. وقد جاء ذلك ، وفى غيبة من أية مبررات منطقية ، أو ضرورة ملجئة ، من شأن اجتماعها أن تسمح للمشرع بإحداث هذا التمييز غير المبرر فى أصله .
وحيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم ، فإن النص المحال قد عهد إلى اللجنة الثلاثية بمباشرة الوساطة بين أطراف النزاع المعروض عليها ، وألزمها بعرض تصوراتها لفض النزاع عليهم ، فإن لم يقبلوا بها ، قامت اللجنة بالفصل فى النزاع . وإذ كان ذلك ، فإن قرار اللجنة يأتى بالضرورة متأثرًا بالرأى الذى سبق أن أبداه أعضاؤها فى مرحلة الوساطة ؛ الأمر الذى يتناقض وأسس مباشرة العمل القضائى وضوابطه ، وينال بالضرورة من حيدة القضاء واستقلاله ، بالمخالفة لأحكام الدستور .
وحيث إنه لا يقيل النص المحال من عثرته التذرع بالوضعية الخاصة للرابطة التى تجمع المحامى بموكله فى إطار قدسية مهنة المحاماه ، ودورها فى تحقيق العدالة فى المجتمع . ذلك أن هذه الخصوصية أيًا ما كانت أهميتها ، لا ينبغى أن تؤدى الآثار التى ترتبها إلى تعطيل أحكام الدستور ، ولا المساس بالحقوق التى كفلها .
وترتيبًا على ما تقدم ، ومتى كان النص المحال قد تجاوز الضوابط الدستورية المقررة على ما سبق بيانه ؛ وأخل بالحق فى التقاضى ، وحق المواطن فى أن يحاكم أمام قاضيه الطبيعى ، والحق فى مساواة المواطنين أمام القانون ، ومبدأ استقلال القضاء ، وذلك بالخروج على أحكام المواد ( 40 و 65 و 68 و 165 ) من الدستور ؛ فإنه يتعين القضاء بعدم دستوريته ، مع القضاء بسقوط نصى الفقرة الثالثة من المادة (84) ، والمادة (85) من القانون رقم 17 لسنة 1983 المشار إليه ، معدلاً بالقانون رقم 197 لسنة 2008 ، وذلك لارتباطهما بالنص المقضى بعدم دستوريته ارتباطًا لا يقبل الفصل أو التجزئة .
فلهذه الأسباب
   حكمت المحكمة بعدم دستورية نصى الفقرتين الأولى والثانية من المادة (84) من قانون المحاماه الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 معدلاً بالقانون رقم 197 لسنة 2008 ، وسقوط نص الفقرة الثالثة من المادة ذاتها ، والمادة (85) منه .

(الطعن 4601 لسنة 75 ق جلسة 27 /6/ 2006 س 57 ق 121 ص 635)

برئاسة السيد المستشار / د . رفعت محمد عبد المجيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / على محمد على ، حسين السيد متولى , محمد خليل درويش ومحمد حسن العبادى نواب رئيس المحكمة .
-------------
( 1 – 3 ) تزوير . حكم " عيوب التدليل : القصور في التسبيب ، الفساد في الاستدلال " . خبرة " تقدير عمل الخبير " . دعوى " الدفاع الجوهرى " . محكمة الموضوع " سلطتها في مسائل الواقع وتقدير الأدلة " . نقل " نقل بحرى " .
(1) محكمة الموضوع . لها سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها . شرطه .
(2) إبداء الخصم دفاع جوهرى يتغير به وجه الرأى في الدعوى . أخذ المحكمة بتقرير خبير لا تصلح أسبابه رداً عليه . قصور .
(3) تمسك الطاعن بأن الأسطر الأربعة من الفاتورة المطعون عليها بالتزوير تم اضافتها حسب المتعارف عليه ووقع أسفلها ربان الباخرة . طلبها إلزام الشركة المطعون ضدها الأولى بتقديم ما هو تحت يدها من فواتير مماثلة للتدليل على صحة دفاعه الذي عززه بأسانيد أخرى . إغفال الحكم الرد على ذلك . قصور وفساد في الاستدلال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – المقرر- في قضاء محكمة النقض - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها ومنها تقارير أهل الخبرة متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة ولا تخالف الثابت بالأوراق .
2 - المقرر – في قضاء محكمة النقض - أنه إذا ما أبدى الخصوم أمام محكمة الموضوع دفاعا جوهريا يتغير بالرد عليه وجه الرأى في الدعوى وأخذت بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى وكانت أسبابه لا تصلح رداً على هذا الدفاع فإن حكمها يكون معيباً بالقصور المبطل .
3 - إذا كان الواقع في الدعوى - حسبما حصله الحكم المطعون فيه - أن المطعون ضدها الأولى بعد أن فوجئت بحصول الطاعنة على الأمر الوقتي رقم ...... تجارى جزئي ....... بتقدير دينها بمبلغ ........ وتوقيع الحجز على السفينة المذكورة وقامت تجنبا لهذا الحجز بسداد هذا المبلغ إلى الحاجز وتحصلت منه على مخالصة بالسداد قدمت مع طلب رفع هذا الحجز الذي صدر فيه الأمر الوقتي رقم ... لسنة .... تجارى جزئي السويس وتبين له فيما بعد تزوير هذه الفاتورة ، وإذ خلص تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير إلى أن الجزء الأول من الفاتورة الخاص بإقرار ربان السفينة بأنها لم تلق أية مخلفات بالبحر قد حرر بآلة كاتبة مغايرة للجزء الأخير المتعلق ببيان الخدمات التي قدمت للسفينة وقيمتها فقد رتب الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قضاءه برد وبطلان هذه الفاتورة دون أن يعرض إلى ما تمسك به الطاعن في دفاعه بصحة هذه الفاتورة من أن السطور الأربعة المقول بتزويرها قد أضافها ربان الباخرة حسب المتعارف عليه بآله لديه على السفينة ووقع أسفل منها ووضع خاتم السفينة عليها وطلب للتدليل على صحة هذا الدفاع إلزام المطعون ضدها الأولى بتقديم الفواتير المماثلة الموجودة لديها والسابق صدورها من الطاعن ومطابقتها على الفاتورة موضوع الادعاء بالتزوير ، كما ساندته بدلالة الإقرار المقدم من ربان هذه السفينة المطبوع على الآلة الكاتبة الخاصة بها وصولاً إلى أنها ذات الماكينة التي كتب بها الأسطر الأربعة الموجودة بالفاتورة وإلى أن توقيع الربان وخاتم السفينة عليها لم يكن محل طعن من المطعون ضدها الأولى ، وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه لدلالة هذا الدفاع ولم يُعن بالرد عليه لتقدير مدى جديته وإعمال أثره على الادعاء بتزوير الفاتورة محل النزاع بما يكون معه مشوباً بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة .
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
   وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الشركة المطعون ضدها الأولى أقامت الدعوى رقم ... لسنة .... تجارى السويس الابتدائية بطلب الحكم بإلزام الطاعن بصفته بأن يرد له مبلغ 11400 دولار أمريكي الذي سُدد له بغير حق مع الفوائد من تاريخ سداده حتى الوفاء به ، وقالت بياناً لذلك إن الأخير تحصل على الأمر الوقتي رقم ... لسنة ..... تجارى جزئي السويس بتقدير دينه قبل المطعون ضدها الأولى بمبلغ 11400 دولار أمريكي وبتوقيع الحجز التحفظي على السفينة (........) والذى أوقع بتاريخ 12من أكتوبر سنة 1998 ثم تحصل على الأمر الوقتي رقم ... لسنة .... تجارى جزئي السويس بإيداع مبلغ 40ر38896 جنيه إلا أنه قضى في الإشكال رقم ... لسنة .... تنفيذ السويس الابتدائية بإلغائه ، وأنه لدرء الضرر قامت المطعون ضدها الأولى بسداد المبلغ المطالب به إلى الطاعن ، وتحصلت على الأمر الوقتي رقم ... لسنة ..... تجارى جزئي السويس برفع الحجز التحفظي سالف الذكر بعد أن أرفق بالأوراق مخالصة بالدين ، وإزاء اكتشاف المطعون ضدها الأولى تزوير الفاتورة التي صدر بموجبها الأمر الوقتي رقم ... لسنة .... تجارى جزئي السويس فقد أقامت الدعوى بالطلب سالف الذكر، وادعت بالتزوير على هـــــذه الفاتورة ، وأقام الطاعن دعوى فرعية بطلب إلزام المطعون ضدها الأولى بأن تؤدى له مبلغ40ر38896 جنيه الذي يمثل المقابل بالجنيه المصري للمبلغ محل الدعوى الأصلية على أساس أنه لم يتسلم المبلغ محل الأمر الوقتي رقم 28 لسنة 1998 تجارى جزئي السويس بعد أن قامت الأخيرة بسحبه بعد إيداعه خزانة المحكمة إثر رفع الحجز عن السفينة ، وبعد أن أودع قسم أبحاث التزييف والتزوير تقريره المتضمن أن الأسطر الأولى والأخيرة من الفاتورة كتبت في وقت لاحق بآلة مخالفة لتلك التي كتبت بها باقى العبارات ، حكمت المحكمة برد وبطلان هذه الفاتورة ، وبتاريخ 25من ديسمبر سنة 2002 حكمت المحكمة في الدعوى الأصلية بإلزام الطاعن بأن يؤدى للمطعون ضدها الأولى مبلغ 11400 دولار أمريكي وبرفض الدعوى الفرعية . استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسماعيلية – مأمورية السويس - بالاستئناف رقم .. لسنة 26 ق وبتاريخ 8 من فبراير سنة 2005 قضت بتأييد الحكم المستأنف . طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه ، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب ، إذ أن قضاءه برد وبطلان الفاتورة المؤرخة 3 من يوليه سنة 1998 الصادر بها الأمر الوقتي رقم ... لسنة 1998 تجارى جزئي السويس على سند من أن الأسطر الأولى والأخيرة بها كتبت في وقت لاحق بآلة مغايرة لتلك التي كتبت بها باقي بيانات الفاتورة . في حين أنه تمسك في دفاعه أمام المحكمة بدرجتيها بأن العرف الجاري عليه في التعامل لدى القائمين بخدمة رفع مخلفات السفن أن يقوم مؤدى هذه الخدمة ، بإعداد بعض بيانات الفاتورة مسبقاً ويقوم الربان بكتابه البيانات الخاصة بالخدمات التي قدمت له ثم يمهرها بالتوقيع عليها ويضع خاتم السفينة عليها – وهو ما لم تكن أي منهما محلاً للطعن من المطعون ضدها الأولى - وقد طلب للتدليل على صحة دفاعه إلزام المطعون ضدها الأولى بتقديم الفواتير المماثلة للمطالبات السابقة الخاصة بذات السفينة ، وأنه قدم الشهادة الصادرة من ربان هذه السفينة المتضمن الإفادة بالخدمات المقدمة له من الطاعن والمكتوبة بذات الآلة التي كتبت بها بيانات الفاتورة محل الادعاء بالتزوير ، إلا أن الحكم المطعون فيه لم يُعن ببحث هذا الدفاع ويقسطه حقه في البحث والتمحيص رغم أنه دفاع جوهري وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه .

وحيث إن هذا النعي في محله ، ذلك بأن المقرر- في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها ومنها تقارير أهل الخبرة متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة ولا تخالف الثابت بالأوراق وأنه إذا ما أبدى الخصوم أمامها دفاعًا جوهريًا يتغير بالرد عليه وجه الرأي في الدعوى وأخذت بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى وكانت أسبابه لا تصلح رداً على هذا الدفاع فإن حكمها يكون معيباً بالقصور المبطل . لما كان ذلك ، وكان الواقع في الدعوى - حسبما حصله الحكم المطعون فيه - أن المطعون ضدها الأولى بعد أن فوجئت بحصول الطاعن على الأمر الوقتي رقم ... لسنة ..... تجارى جزئي السويس بتقدير دينها بمبلغ 10400 (عشرة آلاف وأربعمائة دولار) وتوقيع الحجز على السفينة المذكورة وقامت تجنبا لهذا الحجز بسداد هذا المبلغ إلى الحاجز وتحصلت منه على مخالصة بالسداد قدمت مع طلب رفع هذا الحجز الذي صدر فيه الأمر الوقتي رقم ... لسنة .... تجارى جزئي السويس وتبين لها فيما بعد تزوير هذه الفاتورة ، وإذ خلص تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير إلى أن الجزء الأول من الفاتورة الخاص بإقرار ربان السفينة بأنها لم تلق أية مخلفات بالبحر قد حرر بآلة كاتبة مغايرة للجزء الأخير المتعلق ببيان الخدمات التي قدمت للسفينة وقيمتها فقد رتب الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه قضاءه برد وبطلان هذه الفاتورة دون أن يعرض إلى ما تمسك به الطاعن في دفاعه بصحة هذه الفاتورة من أن السطور الأربعة المقول بتزويرها قد أضافها ربان الباخرة حسب المتعارف عليه بآلة لديه على السفينة ووقع أسفل منها ووضع خاتم السفينة عليها وطلب للتدليل على صحة هذا الدفاع إلزام المطعون ضدها الأولى بتقديم الفواتير المماثلة الموجودة لديها والسابق صدورها من الطاعن ومطابقتها على الفاتورة موضوع الادعاء بالتزوير ، كما سانده بدلالة الإقرار المقدم من ربان هذه السفينة المطبوع على الآلة الكاتبة الخاصة بها وصولاً إلى أنها ذات الماكينة التي كتب بها الأسطر الأربعة الموجودة بالفاتورة وإلى أن توقيع الربان وخاتم السفينة عليها لم يكن محل طعن من المطعون ضدها الأولى ، وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه لدلالة هذا الدفاع ولم يُعن بالرد عليه لتقدير مدى جديته وإعمال أثره على الادعاء بتزوير الفاتورة محل النزاع بما يكون معه مشوباً بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن .

الطعن 210 لسنة 68 ق جلسة 27 /6/ 2006 مكتب فني 57 ق 119 ص 623

جلسة 27 من يوليو سنة 2006
برئاسة السيد المستشار / د . رفعت محمد عبد المجيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / على محمد على ، حسين السيد متولي , محمد خليل درويش ومحمد حسن العبادي نواب رئيس المحكمة .
-------------
(119)
الطعن 210 لسنة 68 ق
(1) دعوى " تكييف الدعوى " . محكمة الموضوع " سلطتها في تكييف الدعوى " .
التكييف الصحيح للدعوى وتقصي الحكم القانونى المنطبق على العلاقة بين طرفيها وإنزاله على الواقعة المطروحة . على القاضى أن يقوم به من تلقاء نفسه .
(2 – 5) التزام " التزام البنك الوكيل " . أوراق تجارية . بنوك " القيد العكسي " . تزوير . حكم " تسبيب الأحكام " . مسئولية " المسئولية العقدية " " المسئولية التقصيرية " . وكالة .
(2) اتخاذ المطعون ضده الثانى إجراءات تحصيل شيكين مسحوبين لصالح الطاعنة . مؤداه . اعتبار الأول وكيلاً عن الثانية في تحصيل وإيداع قيمتهما حسابها لديه .
(3) وفاء البنك إلى عميله بقيمة الشيك الذي وكل في تحصيله . شرطه . تمام تحصيله. عدم تحققه . لازمه . رد الشيك للعميل حتى يتمكن من الرجوع على ساحبه . تعجيل البنك قيمة الشيك في صورة قرض بضمان قيمة هذا الشيك . مؤداه . للبنك إجراء قيد بقيمته في حساب مقدمه والتصرف فيه . استمرار ملكية العميل للشيك . أثره . إذا لم تدفع قيمته حل أجل القرض واجرى البنك قيداً عكسياً في حساب العميل .
(4) عدم تحقق علاقة مباشرة بين الطاعنة والمطعون ضده . أثره . عدم جواز الرجوع عليها بما يقع من أخطاء . الاستثناء . الخطأ التقصيرى . استخلاصه من سلطه محكمة الموضوع . شرطه .
(5) رجوع المطعون ضده الثانى على الطاعنة بسبب عدم تحصيل شيكين قدمتهما إليه للتحصيل . شرطه . إما أن يردهما إليها أو أن يحبسهما لديه حتى يستوفى القيمة منها . عدم تحقق أىً من الحالتين . أثره . رفض دعواه بإلزام الطاعنة بأداء ما قضى به عليه في الدعوى الأصلية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – المقرر - في قضاء محكمة النقض - أن تكييف الواقعة كيفها الصحيح أمر يتعين على القاضي أن يقوم به من تلقاء نفسه ولو لم يطلب إليه أي من الخصوم ذلك وأن عليه أن يتقصى من تلقاء نفسه الحكم القانوني المنطبق على العلاقة بين طرفي الدعوى وأن ينزله على الواقعة المطروحة عليه ولو لم ينبه الخصوم له .
2 - قيام الطاعنة - بتقديم الشيكين محل التداعي - إلى المطعون ضده الثاني الذي تتعامل معه للتحصيل والإيداع في حسابها طرفه والذى قام بدوره بإرسالهما إلى غرفة المقاصة بالبنك المركزي لخصم قيمتهما من حساب المطعون ضده الأول لديه بما مفاده أن علاقة الطاعنة بالمطعون ضده الثاني لا تعدو أن تكون علاقة عقدية قوامها توكيلها الأخير في تحصيل قيمة هذين الشيكين وإيداعها حسابها طرفه.
3 - الأصل أن البنك الوكيل لا يدفع إلى عميله الموكل قيمة الشيك الذي وكله في تحصيله إلا عندما يُحصل قيمته فيظل هذا الشيك على ملك العميل حتى يتم التحصيل فإن لم تحصل القيمة رد إليه الشيك بوصفه مالكاً له حتى يكون له الرجوع على ساحبه إلا أن البنك الوكيل قد يبادر من تلقاء ذاته أو بناء على طلب عميله إلى التعجيل بصرف قيمته فيقدم للأخير قرضاً على الحساب – يفتح له به اعتماداً – بضمان قيمة الشيك ويقيد قيمته في حسابه فيكون له حق التصرف فيه إلا أن الشيك يظل في هاتين الصورتين ملكاً للعميل وعليه مخاطره فإذا لم تدفع قيمته حل أجل القرض وأجرى البنك قيداً عكسياً بالقيمة في حساب العميل بشرط أن يرد الشيك إليه .
4 - إذا كانت علاقة الطاعنة بالمطعون ضده الأول ليست علاقة مباشرة تجيز له الرجوع عليها بما يقع منها من خطأ سبب ضرراً له ما لم تكن قد ارتكبت خطأ تقصيرياً في حقه ، وإذ كان استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وإن كان يدخل في نطاق السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدى إليه من واقع الدعوى .
5 - إذ كان مناط رجوع البنك الوكيل (المطعون ضده الثاني) على العميل الموكل (الطاعنة) بقيمة الشيكين إثر عدم تحصيلهما أن يردهما إلى الأخيرة باعتبارها مالكة لهما أو يجرى حبس لهما لديه حتى يستوفى هذه القيمة منها لما يمثله توقيع الساحب غير المنكور عليهما من حجية في مواجهته تجيز للطاعنة مقاضاته بموجبه ، وإذ خلت الأوراق من تحقق أي من هاتين الحالتين فإنه يتعين رفض دعوى المطعون ضده الثاني بإلزام الطاعنة بأداء ما قضى به في الدعوى الأصلية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر , والمرافعة , وبعد المداولة .
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية .
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن البنك المطعون ضده الأول أقام على الشركة الطاعنة والبنك المطعون ضده الثاني الدعوى رقم .... لسنة ..... تجارى جنوب القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بإلزامهما بأن يدفعا له بالتضامن فيما بينهما مبلغ 109000 جنيه وفوائده القانونية بمقدار5%من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد ، وقال بياناً لها إن المطعون ضده الثالث – الذي تم إدخاله في الدعوى للحكم عليه بذات الطلبات – حرر لأمر الطاعنة شيكين مسحوبين على المطعون ضده الأول بمبلغ 1000 جنيه ، والثاني بمبلغ 1615 جنيهاً وبعد أن اعتمدهما مقبولي الدفع وسلمهما للمطعون ضده الثالث قام الأخير بتزوير القيمة المدونة في كل منهما بجعلها 60000 جنيه ،51615 جنيهاً ودفع بهما إلى الطاعنة التي قدمتهما للمطعون ضده الثاني بصفته وكيلا عنها للتحصيل وإيداع قيمتها في حسابها لديه فقام الأخير– من خلال غرفة المقاصة بالبنك المركزي – بطلب خصم قيمتهما من حساب المطعون ضده الأول لديه وإذ رفضت الطاعنة وكذا المطعون ضده الثاني بعد ثبوت تزويرهما إعادة الفرق بين قيمة الشيكين قبل التزوير وبعده فقد أقامت دعواها . أقام المطعون ضده الثاني على باقي الخصوم دعوى فرعية بطلب الحكم بإلزام الطاعنة والمطعون ضده الثالث بالتضامن فيما بينهما بما عسى أن يقضى به عليه في الدعوى الأصلية ، وبتاريخ 30 من يناير سنة 1997 حكمت المحكمة برفض الدعويين الأصلية والفرعية . استأنف المطعون ضده الأول هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم .... لسنة ... ق ، كما استأنفه المطعون ضده الثاني لدى ذات المحكمة بالاستئناف رقم ..... لسنة .... ق ، وبتاريخ 21 من يناير سنة 1998 قضت بإلغاء الحكم المستأنف وحكمت في الدعوى الأصلية بإلزام الطاعنة والمطعون ضدهما الثاني والثالث بأن يدفعوا بالتضامن فيما بينهم للمطعون ضده الأول مبلغ109000 جنيه والفوائد القانونية بمقدار 5% سنوياً اعتباراً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد وفى الدعوى الفرعية بإلزام الطاعنة والمطعون ضده الثالث بأن يؤديا بالتضامن فيما بينهما للمطعون ضده الثاني المبلغ المحكوم به عليه في الدعوى الأصلية في حالة وفائه به . طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكره أبدت فيها الرأي برفض الطعن وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .
وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والقصور في التسبيب ، ذلك بأنه قضى بإلزامها بأن تؤدى للمطعون ضده الأول المبلغ المحكوم به والذى يمثل الفرق بين قيمة الشيكين قبل التزوير وبعده على أساس أن احتفاظها بقيمة الشيكين – بعد ما ثبت تزويرهما من قبل المطعون ضده الثالث – يشكل خطأً تقصيريًّا يستوجب مسئوليتها عن تعويض الضرر الناشئ عنه في حين أنها كانت حسنة النية حال تلقيها هذين الشيكين مقبولي الدفع من المطعون ضده الثالث ، وذلك مقابل بضائع قامت ببيعها له وقام المطعون ضده الثاني الذي وكلته في تحصيل قيمتهما بقيدهما في حسابها دون خطأ منها هذا إلى أن الضرر الذي لحق بالمطعون ضده الأول كان ناجماً عن خطأ تابعه بإهماله في مراجعة الشيكين بغرفة المقاصة بالبنك المركزي قبل صرف قيمتهما وكذا عن الخطأ العمدى للمطعون ضده الثالث بارتكابه فعل التزوير الذي يستغرق بدوره أي خطأ آخر وهو ما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن هذا النعي في أساسه سديد ، ذلك بأن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن تكييف الواقعة بكيفها الصحيح أمر يتعين على القاضي أن يقوم به من تلقاء نفسه ولو لم يطلب إليه أي من الخصوم ذلك وأن عليه أن يتقصى من تلقاء نفسه الحكم القانوني المنطبق على العلاقة بين طرفي الدعوى وأن ينزله على الواقعة المطروحة عليه ولو لم ينبه الخصوم له . لما كان ذلك ، وكان الواقع- حسبما حصله الحكم المطعون فيه - أن المطعون ضده الثالث قام بسحب الشيكين محل التداعي على المطعون ضده الأول وأجرى تزويراً في بياناتهما ودفع بهما إلى الطاعنة التي لم تكتشف تزويرهما ثم حصل منها على بضائع من منتجاتها بقيمتهما وقامت الطاعنة بتقديمهما إلى المطعون ضده الثاني الذي تتعامل معه للتحصيل والإيداع في حسابها طرفه والذى قام بدوره بإرسالهما إلى غرفة المقاصة بالبنك المركزي لخصم قيمتهما من حساب المطعون ضده الأول لديه . بما مفاده أن علاقة الطاعنة بالمطعون ضده الثاني لا تعدو أن تكون علاقة عقدية قوامها توكيلها الأخير في تحصيل قيمة هذين الشيكين وإيداعها حسابها طرفه، وكان الأصل أن البنك الوكيل لا يدفع إلى عميله الموكل قيمة الشيك الذي وكله في تحصيله إلا عندما يُحصل قيمته فيظل هذا الشيك على ملك العميل حتى يتم التحصيل فإن لم تحصل القيمة رد إليه الشيك بوصفه مالكاً له حتى يكون له الرجوع على ساحبه إلى أن البنك الوكيل قد يبادر من تلقاء ذاته أو بناء على طلب عميله إلى التعجيل بصرف قيمته فيقدم للأخير قرضاً على الحساب – يفتح له به اعتماداً – بضمان قيمة الشيك ويقيد قيمته في حسابه فيكون له حق التصرف فيه إلا أن الشيك يظل في هاتين الصورتين ملكا للعميل وعليه مخاطره فإذا لم تدفع قيمته حل أجل القرض وأجرى البنك قيداً عكسياً بالقيمة في حساب العميل بشرط أن يرد الشيك إليه . وكانت علاقة الطاعنة بالمطعون ضده الأول ليست علاقة مباشرة تجيز له الرجوع عليها بما يقع منها من خطأ سبب ضرراً له ما لم تكن قد ارتكبت خطأ تقصيرياً في حقه، وإذ كان استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية وإن كان يدخل في نطاق السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصها سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدى إليه من واقع الدعوى ، وكان الحـكم المطعون فيه طبق أحكام المسئولية التقصيرية على العلاقة بين الطاعنة والمطعون ضده الثاني رغم تحقق العلاقة العقدية بينهما – على نحو ما سلف بيانه - وبعد أن قطع في أسبابه بأن الطاعنة لم تكتشف تزوير الشيكين فور تلقيها لهما وهو ما دفعها إلى الوفاء بما يقابل قيمتهما من البضائع للمطعون ضده الثالث إلا أنه اعتبرها وقد احتفظت بقيمة الشيكين اللذين أصدرهما المطعون ضده الثالث باسمها يشكل خطأًً تقصيرياً من جانبها وأن وفاء المطعون ضده الأول بقيمة هذين الشيكين غير الصحيحين يعد وفاءً بغير المستحق يستوجب إلزامها برده برغم أنها تلقتهما بطريق مشروع من الساحب لهما (المطعون ضده الثالث) بعد أن اعتمدهما من البنك المسحوب عليه (المطعون ضده الأول) باعتبارهما مقبولي الدفع وهو ما حملها على الاعتقاد بصحتهما سيما وأن الساحب مدين لها بالمبالغ المدونة بهما وقد ثبت - بما لا خلاف عليه بين الخصوم – عدم علمها بتزوير قيمتهما مما يدل على حسن نيتها كما أنها اتبعت في سبيل الحصول على قيمة هذين الشيكين الإجراءات المصرفية المعتادة بأن دفعت بهما إلى المطعون ضده الثاني بصفته وكيلاً عنها في تحصيل قيمتهما وإذ تمت جميع تلك الإجراءات من جانب الطاعنة على نحو ينبئ بحسن نيتها بما لا يمكن معه نسبة خطأ في جانبها. ولما كان الثابت - على نحو ما سلف بيانه - أن الضرر الذي لحق المطعون ضده الأول من وفائه الخاطئ بقيمة الشيكين المزورين إلى الطاعنة بإجراءات الخصم في غرفة المقاصة بالبنك المركزي لحساب وكيلها في التحصيل (المطعون ضده الثاني) لا يرجع لخطأ يمكن نسبته إليها ومن ثم لا تتحمل الضرر الذي لحق به ولا تسأل عن جبره . وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وألزمها بالتضامن مع المطعون ضدهما الثاني والثالث في الدعوى الأصلية بأن يؤدوا إلى المطعون ضده الأول مبلغ 109000 جنيه والفوائد فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه ، هذا إلى أن إصباغ الحكم المطعون فيه وصف العلاقة بين الطاعنة والمطعون ضده الثاني بأنها علاقة ينطبق بشأنها أحكام المسئولية التقصيرية في حين أن مردها إلى أحكام المسئولية العقدية والتي تختلف كل منهما في نطاقها ومداها عن الأخرى – على نحو ما سلف بيانه – وكان مناط رجوع البنك الوكيل (المطعون ضده الثاني) على العميل الموكل (الطاعنة) بقيمة الشيكين إثر عدم تحصيلهما أن يردهما إلى الأخيرة باعتبارها مالكة لهما أو يجرى حبس لهما لديه حتى يستوفى هذه القيمة منها لما يمثله توقيع الساحب غير المنكور عليهما من حجية في مواجهته تجيز للطاعنة مقاضاته بموجبه ، وإذ خلت الأوراق من تحقق أى من هاتين الحالتين فإنه يتعين رفض دعوى المطعون ضده الثاني بإلزام الطاعنة بأداء ما قضى به في الدعوى الأصلية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(الطعن 5660 لسنة 65 ق جلسة 27 /6 /2006 س 57 ق 118 ص 618)

برئاسة السيد المستشار / د . رفعت محمد عبد المجيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين / على محمد على ، حسين السيد متولى محمد خليل درويش ومحمد حسن العبادى نواب رئيس المحكمة .
--------------
( 1 ، 2 ) التزام . حكم " عيوب التدليل : الخطأ في تطبيق القانون " . خبرة . عقد . محكمة الموضوع " سلطتها في مسائل الواقع وتقدير الأدلة " " سلطتها في تفسير الإقرارات والعقود والمشارطات والمحررات " . نقل " نقل بحرى " .
(1) محكمة الموضوع . لها سلطة فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها ومنها تقارير الخبرة . تفسيرها للإقرارات والعقود والمشارطات والمحررات . شرطه .
(2) الاتفاق على أن تعويم الناقلة من مكان جنوحها الذي رصد له 75٪ من قيمته هو الالتزام الأصلى وأن الباقى لتنفيذ إصلاحات بهذه الناقلة . اعتبار الحكم المطعون فيه أن القيام بتنفيذ الاصلاحات بما يقرب من 90٪ بمثابة وفاء من المطعون ضده للإتفاق وترتيبه على ذلك رفض دعوى الطاعنة ضده التي حددت طلباتها فيها بإخلاله بتنفيذ التزامه الأساسي . خطأ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – المقرر- في قضاء محكمة النقض - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها ومنها تقارير أهل الخبرة ، وكذلك تفسير الإقرارات والعقود والمشارطات وسائر المحررات بما تراه أوفى بمقصود أصحاب الشأن فيها مستهدية بوقائع الدعوى وظروفها شريطة عدم الخروج عما تحمله عبارات المحرر .
2 - إذ كان الواقع في الدعوى- حسبما حصله الحكم المطعون فيه - أن المطعون ضده قدم خطاباً مؤرخاً بتاريخ 3 من مارس سنة 1977صادراً من رئيس قطاع أشغال الطاعنة موجهاً إلى مدير فرع الشركة بالسويس تضمن الإقرار بقيام المطعون ضده بتنفيذ ما يقارب 90٪ من إجمالى الأعمال المسندة إليه بما يفيد تنفيذه لالتزامه في المواعيد المتفق عليها دون تأخير ، إلا أنه ولما كانت الطاعنة حددت نطاق دعواها وطلباتها فيها بإخلال المطعون ضده بتنفيذ التزاماته المبينة بالعقد المؤرخ31 من أغسطس سنة 1976 وملحقه المؤرخ 2 من مارس سنة 1977 وجاء بالبند الخامس من العقد الأول ما نصه " يُلزم الطرف الأول (الطاعن) بدفع ..... مقابل تنفيذ الطرف الثاني (المطعون ضده) بالتزاماته في هذا العقد على أن يتم السداد على الوجه .... 2 – دفع 25٪ من قيمة العملية للطرف الثاني فور تنفيذ جميع الإصلاحات . 3- باقي المبلغ عند تقديم وتسليم الماعونة صالحة للملاحة وفقاً لشروط الملاحة ويعول في هذا الشأن على قرار الشركة (الطرف الأول) "وفى البند السادس على أنه " يتعهد الطرف الثاني بتسليم الماعونة صالحة للملاحة بميناء السويس وفقاً لشروط الملاحة البحرية في ظرف ثلاثة أشهر اعتباراً من 1/1/1976 " وفى البند التاسع على أنه "يتعهد الطرف الثاني بأنه في حالة التأخير في تسليم الماعونة في الموعد المحدد في العقد يكون ملزماً بغرامة تأخير للطرف الأول بواقع 50 جنيهاً يومياً " ثم ورد تحت بند ثانياً من ذلك الملحق ما نصه "يلزم الطرف الثاني بتنفيذ كافة البنود والأعمال المدرجة بالتعاقد الأساسي المبرم بين الطرفين بتاريخ 31/8/1976 وعدم الإخلال بأي شرط من شروطه أو أي بند من بنوده " بما مؤداه أن طرفي التعاقد قد جعلا الالتزام بتعويم الناقلة من مكان جنوحها وتسليمها صالحة للطاعنة بميناء السويس خلال الأجل المضروب التزاماً أساسياً في الاتفاق الأول وملحقه ورصداً له ما قيمته 75٪ من قيمة العملية بينما قصرا ما يقابل 25٪ منها على تنفيذ جميع الإصلاحات بالناقلة ، وإذ جاء الحكم المطعون فيه واعتبر القيام بتنفيذ الإصلاحات بما يقرب من 90٪ وفاءاً من المطعون ضده بكافة التزاماته الواردة بالعقد وملحقه دون أن يفطن إلى حقيقتها ومداها – على نحو ما سلف بيانه – ورتب على ذلك رفض دعوى الطاعنة ، فإنه يكون معيباً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة .
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق – تتحصل في أن الشركة الطاعنة أقامت الدعوى رقم ... لسنة ..... تجارى السويس الابتدائية بطلب الحكم بإلزام المطعون ضده بصفته بأن يؤدى لها مبلغ 650ر54439 جنيهاً. وقالت بياناً لذلك إنه بموجب العقد المؤرخ 31 من أغسطس سنة 1976 أسندت إلى المطعون ضده عملية إصلاح وتعويم الناقلة ...... خلال ثلاثة أشهر تبدأ من الأول من سبتمبر سنة 1976 ثم أبرمت معه الملحق المؤرخ 2 من مارس سنة 1977 أسندت إليه أعمالاً أخرى في ذات الناقلة ، وسددت له مقدم تنفيذ هذين العقدين مبلغ 65ر10936 جنيه ، وإذ لم يقم بتنفيذ التزامه رغم إنذاره بذلك في 4 من مارس ، و4 من أبريل سنة 1978 كما أنها تطالبه كذلك بأداء مبلغ خمسين جنيهاً عن الفترة من 8 أبريل سنة 1977 وحتى 8 من يونيو سنة 1979 ، وهو ما دعاها إلى إقامة الدعوى بطلبها سالف الذكر . ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن أودع تقريره حكمت بتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1989 بإلزام المطعون ضده بأن يؤدى للطاعنة مبلغ 65ر24989 جنيه. استأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف الإسماعيلية – مأمورية السويس - بالاستئناف رقم ... لسنة ... ق ، وبتاريخ 15 من مارس سنة 1995 قضت بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى ، طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن ، وإذ عُرض على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها .
       وحيث إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه ، مخالفة القانون ، والخطأ في تطبيقه ، والقصور في التسبيب ، إذ أقام قضاءه برفض الدعوى استناداً إلى ما جـــاء بالخطاب الصادر من رئيس قطاع أشغال الطاعنة المؤرخ فى3 من مارس سنة 1977 المتضمن الإقرار بقيام المطعون ضده بتنفيذ ما يقارب 90٪ من الأعمال المسندة إليه في حين أنها تمسكت في دفاعها بإخلال المطعون ضده بالوفاء بالتزامه بإنهاء كافة الأعمال المسندة إليه بموجب العقد المؤرخ 31 من أغسطس سنة 1976 وملحقه المؤرخ 3 من مارس سنة 1977 الذي حرر بعد هذا الإقرار بيوم واحد وتسليم الوحدة صالحة للملاحة بميناء السويس وفقاً لشروط الملاحة البحرية في خلال ثلاثة أشهر تبدأ من الأول من ديسمبر سنة 1976 وهو ما دعاها إثر إخلاله بالوفاء بهذه الالتزامات في المواعيد المتفق عليها إلى إسناد ذلك إلى مقاول آخر لانتشال الناقلة وتعويمها لقاء مبلغ 28 ألف جنيه. وإذ لم يفطن الحكم المطعون فيه إلى حقيقة دفاع الطاعنة في هذا الخصوص فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه .
       وحيث إن هذا النعي في محله ، ذلك بأن المقرر- في قضاء هذه المحكمة - أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى وتقدير الأدلة المقدمة فيها ومنها تقارير أهل الخبرة ، وكذلك تفسير الإقرارات والعقود والمشارطات وسائر المحررات بما تراه أوفى بمقصود أصحاب الشأن فيها مستهدية بوقائع الدعوى وظروفها شريطة عدم الخروج عما تحمله عبارات المحرر . لما كان ذلك ، وكان الواقع في الدعوى - حسبما حصله الحكم المطعون فيه - أن المطعون ضده قدم خطاباً مؤرخاً بتاريخ 3 من مارس سنة 1977صادراً من رئيس قطاع أشغال الطاعنة موجهاً إلى مدير فرع الشركة بالسويس تضمن الإقرار بقيام المطعون ضده بتنفيذ ما يقارب 90٪ من إجمالي الأعمال المسندة إليه بما يفيد تنفيذه لالتزامه في المواعيد المتفق عليها دون تأخير ، إلا أنه ولما كانت الطاعنة حددت نطاق دعواها وطلباتها فيها بإخلال المطعون ضده بتنفيذ التزاماته المبينة بالعقد المؤرخ 31 من أغسطس سنة 1976 وملحقه المؤرخ 2 من مارس سنة 1977 وجاء بالبند الخامس من العقد الأول ما نصه " يُلزم الطرف الأول (الطاعن) بدفع .... مقابل تنفيذ الطرف الثاني (المطعون ضده) بالتزاماته في هذا العقد على أن يتم السداد على الوجه .... 2 – دفع 25٪ من قيمة العملية للطرف الثاني فور تنفيذ جميع الإصلاحات . 3- باقي المبلغ عند تقديم وتسليم الماعونة صالحة للملاحة وفقاً لشروط الملاحة ويعول في هذا الشأن على قرار الشركة (الطرف الأول) " وفى البند السادس على أنه " يتعهد الطرف الثاني بتسليم الماعونة صالحة للملاحة بميناء السويس وفقاً لشروط الملاحة البحرية في ظرف ثلاثة أشهر اعتباراً من 1/1/1976 " وفى البند التاسع على أنه " يتعهد الطرف الثاني بأنه في حالة التأخير في تسليم الماعونة في الموعد المحدد في العقد يكون ملزماً بغرامة تأخير للطرف الأول بواقع 50 جنيهاً يومياً " ثم ورد تحت بند ثانياً من ذلك الملحق ما نصه "يلزم الطرف الثاني بتنفيذ كافة البنود والأعمال المدرجة بالتعاقد الأساسي المبرم بين الطرفين بتاريخ 31/8/1976 وعدم الإخلال بأي شرط من شروطه أو أي بند من بنوده " بما مؤداه أن طرفي التعاقد قد جعلا الالتزام بتعويم الناقلة من مكان جنوحها وتسليمها صالحة للطاعنة بميناء السويس خلال الأجل المضروب التزاماً أساسياً في الاتفاق الأول وملحقه ورصدا له ما قيمته 75٪ من قيمة العملية بينما قصرا ما يقابل 25٪ منها على تنفيذ جميع الإصلاحات بالناقلة ، وإذ جاء الحكم المطعون فيه واعتبر القيام بتنفيذ الإصلاحات بما يقرب من 90٪ وفاءا من المطعون ضده بكافة التزاماته الواردة بالعقد وملحقه دون أن يفطن إلى حقيقتها ومداها – على نحو ما سلف بيانه – ورتب على ذلك رفض دعوى الطاعنة ، فإنه يكون معيباً بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن .
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه ، ولما تقدم ، وكان قضاء محكمة أول درجة قد انتهى سديداً إلى إلزام المستأنف بصفته بأن يؤدى إلى الشركة المستأنف عليها مبلغ 24989,650 جنيهاً في حدود طلباتها الختامية المعلنة للمستأنف فإنه يتعين تأييده .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ