الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 ديسمبر 2023

الطعن 2305 لسنة 32 ق جلسة 12 / 12 / 1992 إدارية عليا مكتب فني 38 ج 1 ق 25 ص 254

جلسة 12 من ديسمبر سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد مجدي محمد خليل وأحمد حمدي الأمير والسيد محمد العوضي ومحمد عبد الحميد مسعود - نواب رئيس مجلس الدولة.

--------------

(25)

الطعن رقم 2305 لسنة 32 القضائية

بنوك - البنك المركزي المصري - تسكين العاملين به.
المادتان 7 و14 من القانون رقم 120 لسنة 1975 في شأن البنك المركزي والجهاز المصرفي، المادة (24) من قرار رئيس الجمهورية رقم 488 لسنة 1976 بالنظام الأساسي للبنك المركزي المصري، المادة (106) من لائحة العاملين بالبنك.
أسند المشرع إلى مجلس إدارة البنك المركزي المصري سلطة اعتماد الهيكل التنظيمي للبنك بناءً على اقتراح المحافظ وسلطة إصدار اللوائح المتعلقة بنظم العاملين وذلك دون التقيد فيما يصدره بالنظم والقواعد المنصوص عليها في قانون العاملين المدنيين بالدولة أو العاملين بالقطاع العام - أثر ذلك: يتمتع مجلس إدارة البنك في هذا الشأن بسلطة تقديرية واسعة - القواعد التنظيمية العامة التي اعتمدها مجلس إدارة البنك والمتعلقة بجدول التعادل بين الدرجات هي قواعد مشروعية لعدم إخلالها بالمبدأ العام العادل الذي يقضي بأن يكون تسكين ونقل العاملين إلى وظائف ودرجات لا تقل عن الوظائف والدرجات التي يشغلونها ولعدم الإخلال بمبدأ المساواة بين العاملين - تتحقق المساواة بتوافر شرطي العموم والتجريد - ومن ثم فهي ليست مساواة حسابية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 27 من مايو سنة 1986 أودع الأستاذ/ عاصم عبده حسن المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ محافظ البنك المركزي المصري بالتوكيل العام الرسمي رقم 1997 لسنة 1985 توثيق الموسكي، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2305 لسنة 32 قضائية ضد:
1) ...... 2) ....... 3) ....... 4) ...... 5) ...... 6) ...... 7) ...... 8) ....... 9) ...... 10) ....... 11) ....... 12) ....... 13) ....... 14) ...... 15) ....... 16) ....... 17) ....... 18) ....... 19) ....... 20) ....... 21) ........ 22) ....... 23) ....... 24) ....... 25) ....... في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات أ) بجلسة 31/ 3/ 1986 في الدعوى رقم 284 لسنة 36 قضائية والقاضي "بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بأحقية المدعين من الأول حتى الثاني عشر في شغل وظيفة نائب مدير عام وبأحقية المدعين من الثالث عشر حتى الخامس والعشرين في شغل وظيفة مدير مساعد من تاريخ العمل بلائحة البنك في 1/ 7/ 1977 مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية وألزمت المدعى عليه بصفته المصروفات".
وطلب الطاعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهم المصاريف والأتعاب عن درجتي التقاضي.
وأعلن الطعن إلى المطعون ضدهم وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه - لما تضمنه من أسباب - قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الإدارة المصروفات.
وتحدد جلسة 22/ 7/ 1991 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة وبها نظر وبما تلاها من جلسات على النحو المبين بمحاضرها إلى أن قررت الدائرة بجلسة 25/ 5/ 1992 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) لنظره بجلسة 4/ 7/ 1992 وفيها نظر وبجلسة 22/ 10/ 1992 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن ترك الخصومة وفقاً لأحكام المواد (141) وما بعدها من قانون المرافعات المدنية والتجارية يتم بإعلان من التارك لخصمه على يد محضر أو ببيان صريح في مذكرة موقعة من التارك أو من وكيله مع اطلاع خصمه عليها أو بإبدائه شفوياً في الجلسة وإثباته في المحضر، وذلك كله طالما أن المطعون ضده لم يكن قد أبدى طلبات أو دفاعاً في موضوع الطعن، فإذا كان قد أبدى شيئاً من ذلك فلا يتم الترك إلا بقبوله.
ومن حيث إن الثابت أن الأستاذ/ محمد قاسم المحامي الحاضر عن البنك الطاعن قرر أمام دائرة فحص الطعون بجلستها المنعقدة بتاريخ 10/ 2/ 1992 وفي مواجهة الحاضر عن المطعون ضدهم أنه يتنازل عن مخاصمة المطعون ضده الثالث عشر، وأثبت ذلك في محضر الجلسة في الطعن بالنسبة للمطعون ضده الثالث عشر (....) مع تحميل الطاعن بمصروفات الطعن في هذا الخصوص عملاً بحكم المادة 143 من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية بالنسبة لباقي المطعون ضدهم فمن ثم فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - على ما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 18/ 11/ 1981 أقام المطعون ضدهم أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة التسويات أ) الدعوى رقم 284 لسنة 36 قضائية ضد الطاعن طالبين الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع أولاً: ببطلان قرار مجلس إدارة البنك المركزي المصري بتاريخ 3/ 9/ 1981 بشأن معادلة وظائف العاملين بالبنك وذلك فيما تضمنته المادة الثانية من معادلة وظائف المدعين من الأول حتى الثاني عشر على وظيفة مدير مساعد. والمادة الثالثة من معادلة وظائف المدعين من الثالث عشر حتى الخامس والعشرين على وظيفة رئيس قسم أو مفتش. ثانياً: بصفة أصلية بتسوية حالة المدعين تعادلاً من الأول حتى الثاني عشر على وظيفة نائب مدير عام وحالة المدعين من الثالث عشر حتى الأخير على وظيفة مدير مساعد وذلك اعتباراً من تاريخ نفاذ قرارات التعادل وصرف الفروق المالية المستحقة لكل منهم بالنسبة للعلاوة والراتب المصرفي وبدل التمثيل والمنح والحوافز ويصفه احتياطية بندب مكتب خبراء وزارة العدل للاطلاع على ملفات المدعين وجداول التعادل بالبنك وتحديد الوظيفة التي يتعين تسكين كل منهم عليها أخذاً بالمعيار المبين بالمادة الأولى من قرار التعادل الصادر من مجلس الإدارة وحساب الفروق المالية المستحقة لكل منهم.
وعلى سبيل الاحتياط الكلي إلزام البنك المدعى عليه بأن يؤدي إلى كل من المدعين تعويضاً مؤقتاً قدره واحد وخمسون جنيهاً مع احتفاظهم بالحق في تعديله.
وقالوا في شرح أسانيد دعواهم أن المدعى عليه (الطاعن) أصدر القرار رقم 33 لسنة 1977 بترقية المدعين من الأول حتى الثاني عشر إلى وظائف بمستوى الإدارة العليا ذات الربط المالي 1200 - 1800 جنيه، بصفة شخصية، وهذه الفئة المالية كانت مخصصة لوظيفة (نائب مدير إدارة عامة) في لائحة نظام العاملين في البنك، كما أصدر القرار رقم 40 لسنة 1977 بترقية المدعين من الثالث عشر حتى الخامس والعشرين إلى وظائف بالفئة الثانية ذات الربط المالي 876 - 1400 جنيه بصفة شخصية المخصصة لوظيفة مدير إدارة فرعية في لائحة العاملين بالبنك التي كانت سارية حين صدور هذا القرار في شهر مارس سنة 1977 وإعمالاً لحكم المادة السابعة من القانون رقم 120 لسنة 1975 في شأن البنك المركزي المصري، والمادة 24 من قرار رئيس الجمهورية رقم 488 لسنة 1976 بإصدار النظام الأساسي للبنك المركزي المصري أصدر مجلس إدارة البنك في شهر يوليو سنة 1977 لائحة العاملين بالبنك، التي نصت المادة (106) منها على أنه اعتباراً من تاريخ العمل بها تلغى مستويات الوظائف والروابط المالية المطبقة على العاملين بالبنك طبقاً لأحكام نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقرار بقانون رقم 61 لسنة 1971 وينقل العاملون الموجودون بخدمة البنك إلى الوظيفة المعادلة للوظيفة التي يشغلونها حالياً، وذلك طبقاً لجدول التعادل الذي يعتمده مجلس الإدارة بناءً على اقتراح المحافظ، وبرغم ذلك فوجئ المدعون بمجلس الإدارة يفوض المحافظ في وضع واعتماد جداول التعادل وأن السيد المحافظ فوض بدوره السيد نائب المحافظ الذي أصدر القرار رقم 25 بتاريخ 14/ 3/ 1978 بمعادلة وظائف كافة العاملين بالبنك بالوظائف التي تضمنتها اللائحة الجديدة للعاملين بالبنك والتي استحدثت نظام المجموعات الوظيفية بدلاً من نظام المستويات والفئات المالية الذي كان متبعاً قبل صدورها، وطعن بالإلغاء على هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بالدعوى رقم 1918 لسنة 32 ق المقامة من المدعين من الأول حتى الثاني عشر وآخرين، وبالدعوى رقم 1919 لسنة 32 ق المقامة من المدعين من الثالث عشر حتى الخامس والعشرين وآخرين وبجلسة 5/ 4/ 1981 حكمت المحكمة في الدعويين بإلغاء القرار المطعون فيه إلغاءً مجرداً، وإلزام البنك بمصروفات الدعويين، وبنت المحكمة قضاءها على أن القرار الطعين صدر من غير مختص، وبتاريخ 9/ 3/ 1981 أصدر مجلس إدارة البنك قراراً بمعادلة وظائف العاملين بالبنك، وهذا القرار يماثل في مضمونه ذات القرار المحكوم بإلغائه ومشوباً بذات أوجه البطلان التي شابت القرار الأول، فيما عدا عيب الاختصاص فهو يخالف القانون إذ أهدر قاعدة المساواة في المعاملة التي تستمد أصولها من أحكام الدستور ذاته، وذلك بتفرقته في المعاملة بين العاملين ذوي المراكز المتماثلة قانوناً، فبينما نص في المادة الأولى منه على نقل العاملين شاغلي الوظائف ذات الربط 1400 - 1800 جنيه (الفئة المالية العالية) سواء بصفة أصلية أو شخصية وشاغلي الوظائف ذات الربط 1200 - 1800 جنيه (الفئة المالية الأولى) بصفة أصلية إلى وظائف مدير عام ذات الربط 1400 - 2000 جنيه بمجموعة وظائف الإدارة العليا إذا بالقرار ذاته يخالف في مادتيه الثانية والثالثة هذا المعيار الذي اعتد بالربط المالي للوظيفة وساوى بين الصفة الأصلية والصفة الشخصية فالمادة الثانية نصت على نقل العاملين شاغلي الوظائف ذات الربط 1200/ 1800 جنيه (الفئة المالية الأولى) بصفة شخصية وشاغلي الوظائف ذات الربط 876 - 1440 جنيه (الفئة المالية الثانية) بصفة أصلية إلى وظيفة مدير مساعد ذات الربط 1200/ 1800 جنيه بمجموعة الوظائف المصرفية والفنية. والمادة الثالثة نصت على نقل العاملين شاغلي وظائف رؤساء الأقسام بصفة أصلية بما فيهم من سبق ترقيته بصفة شخصية إلى (الفئة المالية الثانية) ذات الربط 876/ 1440 جنيه إلى وظيفة رئيس قسم أو مفتش ذات الربط 720/ 1680 جنيه بمجموعة الوظائف المصرفية والفنية حسب الأحوال، كما أن القرار الطعين فيه مساس بالمراكز القانونية والحقوق المكتسبة للمدعين المستمدة من قراري ترقيتهم رقمي 33 و40 لسنة 1977 فضلاً عن أنه صدر مشوباً بعين إساءة استعمال السلطة إذ خصت كبار المديرين بمعاملة خاصة أفصحت عنها المذكرة المقدمة لمجلس الإدارة والتي صدر بناءً عليها والتي يبين منها ومن ذات مضمون القرار أنه استثنى هذه القلة من الخضوع لقواعد تعادل الوظائف ذاهباً إلى أنه لا داع ولا ضرورة لأن يتضمن قواعد تعادل وظائفهم رغم أن القانون واللائحة لم يستثنيا أية وظيفة ولهذا فإنهم أقاموا هذه الدعوى بغية الحكم لهم بطلباتهم.
وبجلسة 31/ 3/ 1986 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بأحقية المدعين من الأول حتى الثاني عشر في شغل وظيفة نائب مدير عام، وبأحقية المدعين من الثالث عشر حتى الخامس والعشرين في شغل وظيفة مدير مساعد من تاريخ العمل بلائحة البنك في 1/ 7/ 1977 مع ما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية وألزمت المدعى عليه بصفته المصروفات وأقامت المحكمة قضاءها على أنه ولئن كان المشرع قد أطلق في الفقرة (د) من المادة السابعة من القانون رقم 120 لسنة 1975 في شأن البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي سلطة مجلس إدارة البنك في اختيار القواعد التي يتبعها في إنشاء الهياكل التنظيمية واتخاذ المعايير اللازمة لوضع جدول تعادل الوظائف بما يراه متفقاً وطبيعة نشاطه، إلا أنه حتى يعمل في ذلك سلطته التقديرية وجب عليه ألا يحيد عن القاعدة التي استنها لنفسه، بأن يطبق هذه القاعدة على ذوي المراكز المتماثلة ولذات المبررات وليس له أن يجنح في قرار واحد فيطبق معياراً على بعض العاملين ويمنع تطبيقه على البعض الآخر منهم وإلا كان قراره مشوباً بمخالفة القانون وكان إخلاله بالمساواة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة هو خير دليل مستمد من تصرفه ذاته على الانحراف بالسلطة وإساءة استعمالها وبناءً على ذلك ولما كان مقتضى نص البند (1) من قرار التعادل المعتمد من مجلس الإدارة بتاريخ 27/ 8/ 1981 أن البنك المدعى عليه قد استمد معياراً للتعادل مقتضاه أساس الدرجة المالية للعامل، فسوى في المعاملة بين شاغلي الوظائف ذات الدرجة المالية 1400/ 1800 جنيه سواء في ذلك شاغلون لها بصفة أصلية أو شاغلون لها بصفة شخصية الأمر الذي يتفق مع المقرر فقهاً وقضاءً من عدم التفرقة بين الدرجات الأصلية والدرجات الشخصية إلا أن البنك قد عدل عن ذلك المعيار في المادة ذاتها ففرق في المعاملة بين شاغلي الفئة ذات الربط 1200/ 1800 جنيه بصفة أصلية الشاغلين لها بصفة شخصية تعادل الأولى بوظيفة نائب مدير عام، ثم عادل الثانية بوظيفة مدير مساعد وعادل في البند (2) كذلك الوظائف ذات الربط 1200/ 1800 جنيه بصفة شخصية وشاغلي وظائف ذات الربط 876/ 1440 جنيه بصفة أصلية بوظيفة مدير مساعد والشاغلين للوظائف ذات الربط 876/ 1440 جنيه بصفة شخصية بوظيفة أقل هي وظيفة رئيس قسم أو مفتش ذات الربط 720/ 1680 جنيه بمجموعة الوظائف المصرفية والفنية، فمن ثم فإن هذا التصرف من جانب الجهة الإدارية يعد إخلالاً بقاعدة المساواة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة، ويغدو القرار المطعون فيه وقد فرق في المعاملة بين شاغلي الوظائف ذات الربط 1200/ 1800 جنيه بصفة أصلية والشاغلين لها بصفة شخصية وبين شاغلي الوظائف ذات الفئة 876/ 1440 جنيه سواء كانوا شاغلين لها بصفة أصلية أو شخصية وعدم سلوكه هذا النهج مع شاغلي الوظائف ذات الربط 1400/ 1800 جنيه وتسويته بين الشاغلين لها بصفة شخصية أو بصفة أصلية يغدو هذا القرار وحالته هذه مخالفاً للقانون ويتعين لذلك الحكم للمدعين بطلباتهم.
ومن حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتفسيره وصدر مشوباً بالقصور في الاستدلال والخطأ في فهم الواقع لأنه خلط بين مرحلتين مرحلة وضع قواعد التعادل، ومرحلة التسكين طبقاً لهذه القواعد فقرار مجلس إدارة البنك المركزي المصري بجلسة 27/ 8/ 1981 هو قرار بوضع قواعد التعادل والهيكل التنظيمي للبنك أصدره بناءً على السلطة المخولة له بالفقرتين (ي)، (ك) من المادة (7) من القانون رقم 120 لسنة 1975، والمادة 106 من لائحة العاملين بالبنك وهي سلطة تشريعية وتقديرية مطلقة وليست مقيدة كما ذهب الحكم المطعون فيه يمارسها مجلس الإدارة وحده دون سواه ولا يجوز من ثم للمحكمة أن تحل محله في وضع قواعد التعادل أو تعديلها، والثابت أن مجلس إدارة البنك وضع قواعد التعادل بصفة عامة مجردة ملتزماً بمعيار موضوعي، هو معيار الوظيفة التي يشغلها العامل وقت إجراء التعادل، وليس على أساس الفئة أو الدرجة المالية التي يندرج فيها.
ونص في هذا القرار على أنه رؤي أن يتم شغل وظيفة مدير عام ووظيفة مدير عام وعضو لجنة الإدارة عن طريق الترقية فبان أعلى وظيفة عند إجراء التعادل هي وظيفة نائب مدير عام ذات الربط 1400/ 2000 جنيه بمجموعة وظائف الإدارة العليا، وينقل إليها العاملون شاغلو الوظائف ذات الربط 1400/ 1800 جنيه سنوياً (الفئة المالية العالية) سواء بصفة أصلية أو بصفة شخصية وشاغلو الوظائف ذات الربط 1200/ 1800 جنيه سنوياً (الفئة المالية الأولى) بصفة أصلية والسبب في هذه المساواة أن من تمت ترقيته إلى الفئة العالية بصفة شخصية كان يشغل أصلاً الفئة المالية الأولى بصفة أصلية لذلك سارت المادة الأولى من القرارين من كان يشغل الفئة المالية العالية بمن كان يشغل الفئة المالية الأولى بصفة أصلية ومن باب أولى من كان يشغل الفئة العالية بصفة شخصية، لأنه كان يشغل الفئة المالية الأولى بصفة أصلية وعند ترقيته إلى الفئة المالية العالية بصفة شخصية احتفظ له بشغل الفئة المالية الأولى بصفة أصلية ولم يكن القصد من قرار مجلس الإدارة تغيير القاعدة التي سار عليها على النحو الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه أما من سبق ترقيتهم من العاملين إلى فئات مالية أخرى بصفة شخصية كما هو الحال بالنسبة إلى المطعون ضدهم، فقد نص القرار الصادر بترقيتهم على احتفاظهم بوظائفهم الأصلية التي يشغلونها عند الترقية، ومن ثم كانت العبرة عند تطبيق قواعد التعادل بالنسبة لهم لهذه الوظيفة وليس بالفئات المالية التي يشغلونها بصفة شخصية، ولم يترتب على إعمال هذا التعادل أي مساس بمرتباتهم أو إنقاص من حقوقهم التي كانوا يتقاضونها عند التعادل، في حين أنه سيترتب على الحكم المطعون فيه أن يتم تسكين من كان يشغل الوظيفة من الفئة المالية الثانية على وظيفة نائب مدير عام وهي وظيفة يسكن عليها طبقاً للمادة الأولى من القرار من كان يشغل الفئة المالية العالية إذ ساوى الحكم في ذلك، وبغير سند بين شاغلي الفئات المالية الثانية بصفة أصلية والأولى بصفة شخصية والأولى بصفة أصلية والعالية بصفة شخصية والعالية بصفة أصلية ومن ثم فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتفسيره، وصدر مشوباً بالقصور في الاستدلال والخطأ في فهم الواقع حرياً بالإلغاء وإذ سيترتب على تنفيذه أضرار يتعذر تداركها لذلك فإن الطاعن يطلب بصفة عاجلة الحكم بوقف تنفيذه لحين الفصل في موضوع الطعن.
ومن حيث إن المادة (7) من القانون رقم 120 لسنة 1975 في شأن البنك المركزي والجهاز المصرفي تنص على أن "مجلس إدارة البنك هو السلطة المختصة بتصريف شئونه..... وللمجلس في سبيل ذلك اتخاذ الوسائل الآتية:...... ى - اعتماد الهيكل التنظيمي بناءً على اقتراح المحافظ. (ك) إصدار اللوائح المتعلقة بتنظيم العاملين ومرتباتهم وأجورهم والمكافآت والمزايا والبدلات الخاصة بهم وتحديد فئات بدل السفر لهم في الداخل والخارج، ولا يتقيد مجلس الإدارة فيما يصدره من قرارات طبقاً للبندين (ي) و(ك) والنظم والقواعد المنصوص عليها في القرار بقانون رقم 58 لسنة 1971 بإصدار نظام العاملين المدنيين بالدولة والقرار بقانون رقم 61 لسنة 1971 بإصدار نظام العاملين بالقطاع العام" وتنص المادة (14) من القانون ذاته على أن "يصدر بالنظام الأساسي للبنك قرار من رئيس الجمهورية....." وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 488 لسنة 1976 بالنظام الأساسي للبنك المركزي المصري ونص في المادة (24) منه على أن "مجلس إدارة البنك هو السلطة المختصة بتصريف شئونه...... ويختص المجلس في مجال نشاطه بما يأتي:....... (ب) اعتماد الهيكل التنظيمي للبنك بناءً على اقتراح المحافظ........ (د) إصدار اللوائح المتعلقة بتنظيم العاملين ومرتباتهم وأجورهم والمكافآت والمزايا والبدلات وتحديد فئات بدل السفر المقرر لهم في الداخل والخارج" وقد أصدر مجلس الإدارة لائحة العاملين وعمل بها اعتباراً من 1/ 7/ 1977. ونصت المادة (106) منها على أن "اعتباراً من تاريخ العمل بهذه اللائحة تلغى مستويات الوظائف والروابط المالية المطبقة على العاملين بالبنك طبقاً لأحكام نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقرار بقانون رقم 61 لسنة 1971 وينقل العاملون الموجودون بخدمة البنك إلى الوظيفة المعادلة للوظيفة التي يشغلونها حالياً وذلك طبقاً لجدول التعادل الذي يعتمده مجلس إدارة البنك بناءً على اقتراح المحافظ. وإذا لم يكن أجر العامل وقت نفاذ هذه اللائحة قد بلغ أول ربط الوظيفة المنقول إليها طبقاً للفقرة السابقة يمنح علاوة من علاوات الوظيفة أو بداية ربطها المالي أيهما أقل".
وبتاريخ 27/ 8/ 1981 اعتمد مجلس إدارة البنك المركزي جدول التعادل الذي اقترحه محافظ البنك في المذكرة المقدمة منه والتي جاء بها "نظراً لأن لائحة العاملين بالبنك المركزي المصري المعمول بها اعتباراً من 1/ 7/ 1977 قد استحدثت وظيفتي مدير عام ومدير عام وعضو لجنة إدارة بربط مالي يبدأ بنهاية الربط المالي لأعلى وظيفة كانت في الهيكل التنظيمي للبنك قبل 1/ 7/ 1977 فقد رؤي أن يتم شغل تلك الوظائف المستحدثة عن طريق الترقية حيث أن طريق التعادل الذي يجرى بطريقة روتينية معيارها مادي مجرد لا تناسب شغل وظائف المدير العام ما يعلوها في اللائحة الجديدة، وأن أنسب الوسائل لشغل هذه الوظائف هي الترقية بمقايسها الشمولية للتاريخ الوظيفي للمرقى، ومعايرها التي تقع في مجلس الإدارة دون أن تشمله الأوراق ولذلك رؤي الاكتفاء بأن يقف التعادل عند وظيفة نائب مدير عام لذلك فالأمر معروض للموافقة على أولاً: معادلة وظائف العاملين بالبنك المركزي المصري التي كانوا يشغلونها في 30/ 6/ 1977 بالوظائف الواردة بلائحة العاملين الجديدة المعمول بها اعتباراً من 1/ 7/ 1977 وذلك وفقاً لما يلي:
1) ينقل العاملون شاغلو الوظائف ذات الربط 1400/ 1800 جنيه سنوياً (الفئة المالية العالية) سواء بصفة أصلية أو بصفة شخصية وشاغلو الوظائف ذات الربط 1200/ 1800 جنيه سنوياً (الفئة المالية الأولى) بصفة أصلية إلى وظائف "نائب مدير عام" ذات الربط 1400/ 2000 جنيه سنوياً بمجموعة وظائف الإدارة العليا.
2) ينقل العاملون شاغلو الوظائف ذات الربط 1200/ 1800 جنيه سنوياً (الفئة المالية الأولى) بصفة شخصية وشاغلوا الوظائف ذات الربط 876/ 1440 جنيه سنوياً (الفئة المالية الثانية) بصفة أصلية إلى وظيفة مدير مساعد بذات الربط 1200/ 1800 جنيه سنوياً بمجموعة الوظائف المصرفية والفنية.
3) ينقل العاملون شاغلو وظائف رؤساء الأقسام بصفة أصلية بما فيهم من سبق ترقيهم بصفة شخصية إلى (الفئة المالية الثانية) ذات الربط 876/ 1440 جنيه سنوياً إلى وظيفة "رئيس قسم" أو "مفتش" ذات الربط المالي 720/ 1680 جنيه سنوياً بمجموعة الوظائف المصرفية والفنية حسب الأحوال....
10) يحتفظ العامل بالأجر والبدلات التي كان يتقاضاه في 30/ 6/ 1977 متى كانت متجاوزة أو تزيد عن نهاية ربط الوظيفة المنقول إليها وفقاً لأحكام المواد السابقة أو عن البدلات المقررة لها.
ثانياً: يعمل بهذا القرار اعتباراً من 1/ 7/ 1977 تاريخ العمل بلائحة العاملين الجديدة".
ومن حيث إنه عن مدى مشروعية قواعد التعادل السالفة والتي طبقت على المطعون ضدهم فيما تضمنه البند (2) من نقل العاملين شاغلي الوظائف ذات الربط 1200 - 1800 جنيه سنوياً (الفئة المالية الأولى) بصفة شخصية، وشاغلي الوظائف ذات الربط 876/ 1440 جنيه سنوياً (الفئة المالية الثانية) بصفة أصلية إلى وظيفة مدير مساعد ذات الربط 1200/ 1800 جنيه سنوياً وما تضمنته البند (3) من نقل العاملين شاغلي وظائف رؤساء الأقسام بصفة أصلية بما فيهم من سبق ترقيته بصفة شخصية إلى (الفئة المالية الثانية) ذات الربط 876/ 1440 جنيه سنوياً إلى وظيفة رئيس قسم أو مفتش ذات الربط المالي 720/ 1680 جنيه سنوياً. فإن البين من المادة السابعة من القانون رقم 120 لسنة 1975 المشار إليه أن المشرع أسند إلى مجلس إدارة البنك المركزي المصري سلطة الاعتماد الهيكل التنظيمي للبنك بناءً على اقتراح المحافظ وسلطة إصدار اللوائح المتعلقة بتنظيم العاملين وذلك دون التقيد فيما يصدره بالنظم والقواعد المنصوص عليها في قانون العاملين المدنيين بالدولة أو العاملين بالقطاع العام ومن ثم فإن مجلس إدارة البنك يتمتع في هذا الشأن بسلطة تقديرية واسعة خولته له بواسطة المشرع لوضع القواعد العامة والنظم اللائحية المشار إليها حسبما يراه ملائماً لحسن سير العمل بالبنك على الوجه الأكمل بما يحقق الصالح العام، وعلى ذلك فلا تثريب على مشروعية القواعد التنظيمية العامة التي اعتمدها مجلس إدارة البنك والمتعلقة بجدول التعادل المشار إليه فيما نصت عليه في البند (2) من نقل العاملين شاغلي الوظائف ذات الربط 1200/ 1800 جنيه (الفئة المالية الأولى) بصفة شخصية، وشاغلي الوظائف ذات الربط 876/ 1440 جنيه (الفئة المالية الثانية) بصفة أصلية إلى وظيفة مدير مساعد وهو البند الذي طبق على المدعين (المطعون ضدهم) من الأول حتى الثاني عشر، وكذلك فيما نص عليه البند (3) من نقل العاملين شاغلي وظائف رؤساء الأقسام بصفة أصلية بما فيهم من سبق ترقيته بصفة شخصية إلى الفئة المالية الثانية ذات الربط 876/ 1440 جنيه سنوياً إلى وظيفة "رئيس قسم" أو"مفتش" ذات الربط 720/ 1680 جنيه سنوياً بمجموعة الوظائف المصرفية والفنية حسب الأحوال، وهو البند الذي طبق على المدعين (المطعون ضدهم من الرابع عشر حتى الخامس والعشرين) لا تثريب على مشروعية هذه القواعد، وذلك لأن سلطة مجلس الإدارة في هذا الشأن هي سلطة لائحية خولت له من المشرع، وقد صدرت هذه القواعد التنظيمية في نطاق هذه السلطة غير مشوبة بأية مخالفة للقانون رقم 120 لسنة 1975 في شأن البنك المركزي المصري، وما نصت عليه المادة السابعة من هذا القانون من عدم تقيد مجلس الإدارة فيما يصدره من نظم ولوائح في هذا الشأن بالقوانين ونظم العاملين المدنيين بالدولة والقطاع العام إنما يدلل على مدى السلطة الواسعة التي اتبعها المشرع على مجلس إدارة البنك المركزي في هذا الشأن ليصدر النظم واللوائح المشار إليها حسبما يراه ملائماً لحسن سير العمل بالبنك على الوجه الأكمل وبما يحقق الصالح العام، ولهذا فلا محل لتقيد هذه السلطة استرشادها بما تجرى عليه نظم العاملين المدنيين بالدولة أو القطاع العام من التسوية بين شاغلي الدرجة المالية بصفة شخصية وشاغليها بصفة أصلية عند النقل إلى الدرجات المعادلة لها في الهيكل التنظيمي الجديد للبنك كما أنه لا حجة فيما ذهب إليه المدعون (المطعون ضدهم) من الأول حتى الثاني عشر من لزوم أن يكون نقلهم إلى وظيفة نائب مدير عام ذات الربط 1400 - 2000 جنيه أسوة بشاغلي الوظائف ذات الربط 1200/ 1800 جنيه (الفئة المالية الأولى) بصفة أصلية، وفيما ذهب إليه المدعون (المطعون ضدهم) من الرابع عشر حتى الخامس والعشرين من لزوم أن يكون نقلهم إلى وظيفة مدير مساعد ذات الربط المالي 1200/ 1800 جنيه سنوياً أسوة بشاغلي الوظيفة ذات الربط 876/ 1440 جنيه سنوياً بصفة أصلية استناداً إلى أن عدم نقلهم على النحو الذي يطالبون به يخل بمبدأ المساواة وهو ما أخذ به الحكم المطعون فيه، لا حجة في هذا الذي يذهب إليه المدعون (المطعون ضدهم) ذلك لأن الوضع الوظيفي للمدعين (المطعون ضدهم) من الأول حتى الثاني عشر يغاير الوضع الوظيفي لمن نقل من العاملين إلى وظيفة نائب مدير. فالثابت من الأوراق أنه قد صدر قرار محافظ البنك رقم 37 لسنة 1977 بتاريخ 29/ 3/ 1977 بترقية المدعين (المطعون ضدهم) وهم من شاغلي وظائف المستوى الأول ذات الربط 876/ 1440 جنيه سنوياً إلى الوظيفة ذات الربط 1200/ 1800 جنيه سنوياً (الفئة المالية الأولى) من مستوى الإدارة العليا وذلك بصفة شخصية مع استمرار شغلهم لوظائفهم الحالية (مدير الإدارة) مع منح كل منهم بدل تمثيل قدره 500 جنيه سنوياً يخفض طبقاً للقانون، وذلك اعتباراً من 24/ 3/ 1977 تاريخ موافقة مجلس الإدارة وسحب قراره رقم 33 لسنة 1977، فمن ثم فإنه باستمرار كل من المدعين من الأول حتى الثاني عشر من شغل وظيفة مدير إدارة وقيام كل منهم بأعبائها لا يعد مركزهم الوظيفي مساوياً للعاملين الشاغلين لوظائف ذات الربط 1200 - 1800 جنيه سنوياً (من الفئة الأولى) بصفة أصلية ممن يقومون بأعباء وظائف نائب مدير إدارة عامة. كما أن الوضع الوظيفي للمدعين (المطعون ضدهم) من الرابع عشر حتى الخامس والعشرين يغاير الوضع الوظيفي لمن نقل من العاملين إلى مدير مساعد ذات الربط 1200/ 1800 جنيه سنوياً. فالثابت من الأوراق أنه قد صدر قرار محافظ البنك رقم 40 لسنة 1977 بتاريخ 21/ 3/ 1977 بترقية المدعين (المطعون ضدهم) من الرابع عشر حتى الخامس والعشرين وهم من شاغلي وظائف المستوى الأول ذات الربط المالي 684/ 1440 جنيه سنوياً (الفئة الثالثة) إلى الفئة الثانية ذات الربط المالي 876 - 1440 جنيه سنوياً بذات المستوى وذلك بصفة شخصية مع استمرار شغلهم لذات وظائفهم الحالية (رئيس قسم) فمن ثم فإنه باستمرارهم في شغل هذه الوظيفة وقيامهم بأعبائها لا يعد مركزهم الوظيفي مساوياً للعاملين شاغلي الوظيفة ذات الربط 876 - 1440 جنيه سنوياً (الفئة المالية الثانية) بصفة أصلية فمن يقومون بأعباء وظيفة مدير إدارة وهي أعلى في التدرج الوظيفي من وظيفة رئيس قسم طبقاً لترتيب الوظائف والدرجات الساري في البنك في هذا الوقف وقبل صدور اللائحة الجديدة المعمول بها اعتباراً من 1/ 7/ 1977 وقبل صدور جدول التعادل والنقل إلى وظائف ودرجات اللائحة الجديدة، ولذلك فإن القاعدة التي استنها جدول التعادل المشار إليه والتي ترتب عليها عدم نقل المدعين من الأول حتى الثاني عشر إلى وظيفة نائب مدير عام، والمدعين من الرابع عشر حتى الخامس والعشرين إلى وظيفة مدير مساعد لا تخل بمبدأ المساواة بأي حال من الأحوال لاختلاف المركز القانوني للمدعين عن المدعين عن المركز القانوني لشاغلي هذه الوظائف.
وفضلاً عن ذلك فإن الثابت أن تطبيق قواعد التعادل المشار إليها على المدعين (المطعون ضدهم) لم تخل بالمبدأ العام العادل الذي يقضي بأن يكون تسكين ونقل العاملين إلى وظائف ودرجات لا تقل عن الوظائف والدرجات التي يشغلونها، ومن ناحية أخرى فإنه لا محل لما ذهب إليه المدعون وأخذ به الحكم المطعون فيه أيضاً من أن قواعد التعادل المشار إليها لن تفرق بين العاملين شاغلي الوظائف ذات الربط المالي 1400/ 1800 جنيه سنوياً سواء بصفة أصلية أو بصفة شخصية فنقلتهم جميعاً إلى وظيفة واحدة ذات ربط واحد، ثم فرقت هذه القواعد بعد ذلك، بالنسبة لشاغلي الوظائف ذات الربط المالي الأدنى بين من يشغلها بصفة أصلية ومن يشغلها بصفة شخصية، ذلك لأن من المبادئ المقررة بأن المساواة تتحقق بتوافر شرطي العموم والتجريد في التشريعات فهي ليست مساواة حسابية لأن المشرع يملك بسلطته التقديرية ولمقتضيات الصالح العام، وضع شروط تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية، وإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر انقضى مناط التسوية بينهم، وعلى هذا المقتضى فإن قواعد التعادل المشار إليها وهي ذات طبيعة لائحية وبمثابة التشريع وقد توافر فيها شرطاً العموم والتجريد وصدرت في نطاق السلطة التقديرية الواسعة التي أناطها المشرع بمصدرها فإنها تعد غير مشوبة بعيب الإخلال بمبدأ المساواة، الأمر الذي تكون معه دعوى المدعين غير قائمة على سند من القانون وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر وأجاب المدعين (المطعون ضدهم) إلى طلباتهم فإنه يتعين الحكم بإلغائه والقضاء برفض الدعوى وإلزام المدعين (المطعون ضدهم) المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة أولاً: بإثبات ترك الطاعن للخصومة في الطعن بالنسبة إلى المطعون ضده الثالث عشر (......) وإلزام البنك الطاعن بالمصروفات.
ثانياً: بالنسبة إلى باقي المطعون ضدهم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.

الطعن 185 لسنة 37 ق جلسة 8 / 12 / 1992 إدارية عليا مكتب فني 38 ج 1 ق 24 ص 241

جلسة 8 من ديسمبر سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. عبد المنعم عبد العظيم جيرة - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأستاذة/ علي شحاته محمد سليمان وعلي رضا عبد الرحمن رضا ومحمد منير جويفل ويحيى أحمد عبد المجيد - نواب رئيس مجلس الدولة.

---------------

(24)

الطعن رقم 185 لسنة 37 القضائية

دعوى - دعوى البطلان الأصلية - حالاتها - ما يخرج من نطاقها.
إذا كان المتقاضي قد استنفد طرق الطعن في الأحكام وعّن له إقامة دعوى بطلان أصلية في حكم نهائي أو طعن بالتزوير في إجراء تعلق به فهذا حقه - شرط ذلك: أن يترفق بأوضاع القضاء ورجاله وأن يتوخى الحيطة والحذر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وعليه ألا يتخذ من إجراءات التقاضي ستاراً للتطاول على أحد أو النيل منه بغير حق وألا يجتزئ من الأوراق نتفاً متفرقة يحاول الجمع بينها برباط واهي العرى ليصنع منها ثوباً يستعصى على الحقيقة لبسه - سبب ذلك: حتى لا تكون دعوى البطلان الأصلية ذريعة للالتفاف حول حجية الأحكام النهائية ومحاولة المساس بها - سرية المداولة في الأحكام شأنها شأن حجيتها - نتيجة ذلك: أن رئيس وأعضاء المحكمة المنوط بهم إصدار حكم في قضية ما عادة ما يخلون إلى أنفسهم للمشورة وتقصي حقيقة المنازعة وساعتها لا يستصحبون معهم سوى رأيهم وعزمهم وذلك ليقطعوا فيها بحكم يحسم المنازعة فإذا ما حاز حجية الأمر المقضي كان عنواناً للحقيقة التي يزول بعدها كل خلاف - توافر كل ذلك بالنسبة للحكم المطلوب القضاء ببطلانه - نتيجة ذلك: لا يحق للطاعن أن يدعي علماً بنوات من تداولوا في الحكم وباشتراك أحد المستشارين خلاف من أصدروا الحكم ووقعوا على مسودته - تطبيق.


إجراءات الطعن

في 27/ 11/ 1990 أودع الأستاذ الدكتور/ محمد عصفور المحامي المنتدب للدفاع عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقرير طعن في الحكم الصادر من المحكمة (الدائرة الثالثة) بجلسة 24/ 4/ 1990 في الطعن رقم 2606 لسنة 33 والذي قضى بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات. وطلب الطاعن - للأسباب الواردة في تقرير الطعن - الحكم ببطلان ما قضت به المحكمة الإدارية العليا في الطعن المشار إليه، والفصل فيه مجدداً في ضوء هذه المطاعن الجوهرية (الواردة بتقرير الطعن).
هذا وقد أعلن تقرير الطعن لجهة الإدارة المطعون ضدها، كما بادرت هيئة مفوضي الدولة إلى إيداع تقرير بالرأي القانوني في الطعن اقترحت فيه الحكم برفض دعوى البطلان الأصلية وإلزام الطاعن بالمصروفات.
بعدها وفي 19/ 2/ 1992 قام الطاعن بالادعاء بالتزوير في محاضر جلسات الطعن رقم 2606 لسنة 33 ق عليا حيث قيد طعنه بالتزوير برقم 656 لسنة 38 ق، وفيه قام بإعلان شواهد التزوير المدعى به في الطعن الماثل "رقم 185 لسنة 37 ق. ع" ومن ثم بادرت هيئة مفوضي الدولة إلى إيداع تقرير تكميلي في خصوص الطعن بالتزوير ارتأت فيه الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعن المصروفات.
وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون، فأمرت بإحالته إلى هذه المحكمة (الدائرة الثالثة) التي تداولت نظره واستمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من ملاحظات وإيضاحات ذوي الشأن على النحو الثابت بالمحاضر، وقررت إصدار الحكم فيه بجلسة 10/ 11/ 1992 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن أقيم في الميعاد مستوفياً أوضاعه الشكلية المقررة قانوناً، لذا فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق في أن الطاعن سبق أن أقام الدعوى رقم 3649 لسنة 38 ق ضد السيد/ وزير الداخلية بصفته بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 16/ 4/ 1984، وطلب فيها الحكم أولاً: بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. ثانياً: بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار. ثالثاً: بإلزام المدعى عليه بصفته بالتعويض عما لحقه من ضرر مادي وأدبي والمصروفات.
وأورد الطاعن (المدعي) بياناً لدعواه أمام محكمة أول درجة، أن السيد/ وزير الداخلية أصدر القرار رقم 149 لسنة 1984 بتاريخ 5/ 3/ 1984 متضمناً ترقيته إلى رتبة لواء مع إحالته إلى المعاش اعتباراً من 1/ 4/ 1984، وأنه تظلم من هذا القرار في المواعيد القانونية، وإزاء عدم إنصافه فقد بادر بإقامة الدعوى ناعياً على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون والانحراف بالسلطة فضلاً عما ترتب على القرار المطعون فيه من أضرار مادية وأدبية لحقت به، ومن ثم فقد خلص إلى التماس إجابته إلى طلباته سالفة الإيراد.
ورداً على الدعوى تقدمت جهة الإدارة المدعى عليها بحافظتي مستندات اشتملتا على ملف خدمة الطاعن وصورة القرار المطعون فيه ومذكرة وزارة الداخلية بخصوصه، كما تقدمت هيئة قضايا الدولة بمذكرتين شارحتين لدفاع هذه الجهة خلصت فيهما إلى طلب الحكم برفض الدعوى.
وبجلسة 19/ 1/ 1987 قضت محكمة القضاء الإداري بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وبنت قضاءها على أسباب وجيزها أن الحكمة التشريعية من وراء تخويل جهة الإدارة سلطة الاختيار المطلق في الترقية إلى رتبة لواء عملاً بنص المادة 19 من قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971 مع إحالة من لا يقع عليه الاختيار للترقية إلى المعاش هو ترك حرية الاختيار لجهة الإدارة، فيتم بتقلد المناصب الرئيسية بحسب ما تقدره وتطمئن إليه من حيث توافر عناصر الكفاية والصلاحية، وحتى ينفسح المجال للترقي أمام عدد كبير من الضباط ابتغاء حسن سير مرفق الأمن العام، وتتميز هذه السلطة التقديرية بأنها سلطة واسعة لا يحدها إلا عيب إساءة استعمل السلطة أو الانحراف بها، وهذا العيب من العيوب القصدية التي يلزم إقامة الدليل عليها، ولا يصح القول بوجود دليل على الانحراف بالسلطة أن تكون المآخذ المأخوذة على الضابط غير ثابتة بشكل قاطع طالما أن ثمة شبهات قوية تحمل الجهة الإدارية على الاعتقاد بعدم صلاحية الضابط للاستمرار في الخدمة. وقد أفصحت الجهة الإدارية عن سبب إحالة المدعي إلى المعاش إلى عدة مخالفات أوردها الحكم تفصيلاً. وبخصوص موضوع الدعوى الماثلة فإن الجهة الإدارية قد استخدمت سلطتها التقديرية لاعتبارات قدرتها وهي ضعف شخصية المدعي وعدم نزاهته وتحقيقه مكاسب شخصية خلال عمله. وأنه لا يجوز الاحتجاج في هذا الشأن بأن الجهة الإدارية لم تتخذ أي إجراء مع المدعي، ولم تحقق معه لأن ذلك لا ينفي أن ثمة وقائع معينة أعطت انطباعاً معيناً في سلوكيات المدعي. ومن ثم تكون الجهة الإدارية قد مارست سلطتها التقديرية في الحدود المرسومة بغير تعسف أو انحراف ويكون طلب إلغاء القرار المطعون فيه غير قائم على أساس متعين الرفض.
لم يرتض المدعي هذا الحكم، وطعن فيه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن المقيد بجدولها العام تحت رقم 2606 لسنة 33 ق عليا، ومبنى طعنه هذا هو مخالفة ذلك الحكم للقانون وما جرى عليه القضاء الإداري من أنه متى أفصحت الجهة الإدارية عن أسباب قرارها فإن هذه الأسباب تخضع لرقابة القضاء. وإذ نسبت الجهة الإدارية إلى الطاعن وقائعاً مرسلة بغير دليل كضعف الشخصية وعدم القدرة على التوجيه والإدارة وسايرها في ذلك الحكم المطعون فيه دون النظر إلى الوقائع الثابتة التي تشهد بكفاءة الطاعن ونزاهته وتقاريره السرية الممتازة وحصوله على علاوات تشجيعية. فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون. ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبإلغاء القرار المطعون فيه.
وبجلسة 24/ 4/ 1990 قضت المحكمة الإدارية العليا بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات، وقوام قضاء هذه المحكمة أن المادة 19 من القانون رقم 109 لسنة 1971 في شأن هيئة الشرطة تقضي بأن الترقية إلى رتبة لواء تكون بالاختيار المطلق. وهذا ينطوي على تخويل جهة الإدارة سلطة تقديرية واسعة في انتقاء أفضل العناصر لتقلد المناصب القيادية بهيئة الشرطة. وأنه يتعين أن يجرى هذا الانتقاء أو الاختيار بين عناصر تتميز كلها بالصلاحية. وهو ما تحتمه طبيعة الأمور أمام حشد من الضباط ينتظرون الترقية لرتبة لواء ويتزاحمون على عدد محدود من الوظائف. وقد منح المشرع جهة الإدارة سلطة تقديرية واسعة في هذا الشأن تمارسها بهدف تحقيق الصالح العام، ويتضح ذلك من عجز المادة ذاتها والتي تقضي بأن من لا يشمله الاختيار يحال إلى المعاش مع ترقيته لرتبة لواء. وبذلك قلب القاعدة التي كان منصوصاً عليها في المادة 17 من قانون هيئة الشرطة السابق رقم 61 لسنة 1964 والتي لم تكن تجيز ترقية الضباط المحال إلى المعاش إلى رتبة لواء......، وبذلك جعل المشرع الترقية إلى رتبة لواء وجوبية إلا إذا كانت هناك أسباب هامة يرى معها المجلس الأعلى للشرطة إحالة الضابط إلى المعاش دون ترقية إلى رتبة لواء. ففي هذه الحالة لا بد أن تتوافر أسباب على درجة من الأهمية يرى معها المجلس الأعلى للشرطة عدم ترقيته ومن هنا يظهر الفارق بين السلطة المخولة لجهة الإدارة في هذا الخصوص. وهي سلطة مقيدة بتوافر الأسباب الهامة، وبين سلطة الترقية بالاختيار التي تمارسها الإدارة بهدف تحقيق الصالح العام بانتقاء أفضل العناصر لتولي المناصب القيادية بهيئة الشرطة.
وبعد أن استعرضت المحكمة المطاعن التي نسبتها جهة الإدارة لسلوك الطاعن - والتي بني عليها قرار إحالته إلى المعاش - خلصت إلى أن في ثبوت بعض هذه المثالب في شأن الطاعن ما يغني عن تعقب باقي المخالفات والتحقيق في كل منها على حده. لأن الأمر يقتصر على النظر لتلك المخالفات في مجموعها وباعتبارها كافية لتكوين عقيدة جهة الإدارة بعدم اختيار الطاعن للترقية إلى رتبة اللواء العامل، وبالتالي يكون قرار إحالته إلى المعاش مع ترقيته إلى رتبة اللواء قد قام عناصر صحيحة وثابتة ولها أصل في الأوراق. وهي عناصر كافية لتكوين عقيدتها في عدم اختيار الطاعن للترقية إلى رتبة لواء عامل.
وحيث إن قوام الطعن الماثل ما يلي: -
أولاً: الخطأ الإجرائي الجسيم. إذ أن الأستاذ المستشار رئيس المحكمة الإدارية العليا لم يوقع محاضر الجلسات أثناء تداول الطعن أمام المحكمة، مما يفقد القرارات التي تصدرها المحكمة قوتها القانونية. بل لم يوقع على مسودة الحكم. وبذلك يفقد الحكم قوته القانونية. لأنه لا يتأكد بصفة قاطعة ورسمية المداولة قبل صدور الحكم وفقاً لما تقضي به المادة 169 مرافعات.
ثانياًَ: الإخلال الجسيم بحق الدفاع. إذ أنه بعد أن حجزت المحكمة الطعن للحكم تبين ضرورة ضم مستندات معينة، فأعادت الدعوى للمرافعة وكلفت الجهة الإدارية بتقديم هذه المستندات، وقد أعطت المحكمة للجهة الإدارية آجالاً امتدت حوالي سنة. إلا أنها لم تقدمها، ورغم ذلك أعفت المحكمة الجهة الإدارية من هذا الالتزام الذي يمثل ضمانات جوهرية للطاعن. فإذا فصلت المحكمة في الطعن رغم عدم تقديم هذه المستندات فإن ذلك يمثل إخلالاً خطيراً بحق الدفاع يبطل الحكم.
ثالثاً: انتفاء صفة الأحكام القضائية، إذ أن المستشار......... قد شارك في حكم محكمة القضاء الإداري الذي صدر في الدعوى رقم 3649 لسنة 38 واستمر سيادته في مباشرة نفس الدعوى عند نظر الطعن في الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالمخالفة لنص المادة 146/ 5 من قانون المرافعات.
لذا تقدم الطاعن بمذكرة شارحة لدفاعه وحافظة بالمستندات اشتملت على صورة طبق الأصل من الطلب المقدم منه بتاريخ 13/ 5/ 1990 للحصول على صور رسمية من محاضر جلسات المحكمة الإدارية العليا في الطعن 2606 لسنة 33 ق، وصور ضوئية طبق الأصل من المحاضر.
وأشار الطاعن في مذكرة دفاعه إلى أن أصول محاضر الجلسات المرسلة من مجلس الدولة إلى هيئة مفوضي الدولة تختلف عن مثيلاتها المسلمة للطاعن كصور رسمية طبق الأصل. وذلك بوضع اسم السيد المستشار........... بين قوسين مع إضافة عبارة صح. واستبدال محضري جلستي 10، 17/ 4/ 1990 الأمر الذي يتضمن تغييراً جوهرياً في أوراق الدعوى بقصد إخفاء اشتراك الأستاذ المستشار......... ضمن تشكيل المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) الذي باشر سماع المرافعة حتى حجز الدعوى بتاريخ 13/ 3/ 1990 للحكم لجلسة 10/ 4/ 1990. ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة 17/ 4/ 1990 ثم لجلسة 24/ 4/ 1990 لإتمام المداولة.
وبجلسة 4/ 2/ 1992 صرحت المحكمة للطاعن بسلوك سبيل الطعن بالتزوير في محاضر جلسات الطعن رقم 2606 لسنة 33 ق عليا. ومن ثم بادر الطاعن إلى إعلان شواهد التزوير المدعى بها في الطعن الماثل "دعوى البطلان الأصلية رقم 185 لسنة 37 ق عليا" وذلك بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة في 19/ 12/ 1992 أشار فيها إلى ما سبق أن أورده بمذكرته. وأضاف أنه يستند في التقرير بالطعن إلى الشواهد التالية:
أن الثابت من مطالعة محاضر الجلسات المقدمة من الطاعن والمستخرجة صوراً رسمية طبق الأصل أن السيد الأستاذ المستشار/ ....... كان من بين أعضاء الهيئة التي نظرت الطعن حتى جلسة 17/ 4/ 1990 حيث سبق له سماعها والاشتراك في نظرها طوال جلسات المرافعة حال نظر الطعن مع احتمال تأثر أعضاء الهيئة التي اشتركت فعلاً في المداولة وإصدار الحكم بما يكون قد أبداه من آراء حال نظر وسماع الدعوى، ولا يقدح في هذا أو ينال منه ما ورد بمحضر جلسة 10/ 4/ 1990 المحرر على النموذج المطبوع من وضع اسم سيادته بين قوسين والتأشير بكلمة (صح) حيث أن ما سبق هذه الجلسة من جلسات تبدأ من جلسة 11/ 10/ 1988 وحتى 13/ 3/ 1990 لم يؤشر على اسم سيادته بمثل هذا الأمر الذي مفاده ثبوت اشتراك سيادته في نظر الدعوى وسماعها وهو مبطل للحكم حتى ولو ثبت فعلاً عدم اشتراكه في المداولة وإصدار الحكم....... إضافة إلى وجود الاختلاف بين الصور الرسمية التي قام المدعي باستخراجها وهي مكتوبة على النموذج المطبوع الذي يبدأ بجلسة 9/ 1/ 1990 وينتهي بجلسة 17/ 4/ 1990 وكلها تحمل عبارة (بالهيئة السابقة) وبين النموذج المطبوع المقدم ضمن أوراق الدعوى والذي يبدأ بجلسة 10/ 4/ 1990........ ومن ثم صار تغيير الحقيقة يجعل واقعة غير صحيحة في صورة واقعة صحيحة مع العلم بذلك. الأمر الذي يكون جريمة التزوير في أوراق رسمية إضافة إلى جريمة اختلاس محاضر الجلسات الأصلية والتي صار تغييرها والعبث بها.
وقد تقدمت هيئة قضايا الدولة بمذكرة شارحة لدفاع جهة الإدارة المطعون ضدها خلصت فيها إلى طلب الحكم بعدم قبول دعوى البطلان الأصلية مع إلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا تختص بالفصل في طلب إلغاء الحكم الصادر منها إذا ما شابه عيب جسيم يسمح بإقامة دعوى البطلان الأصلية، ولا يكون ذلك إلا إذا كان الحكم المطعون فيه يمثل إهداراً للعدالة، ويفقد الحكم فيها وظيفته وتنتفي عنه صفة الحكم القضائي كأن يصدر الحكم عن مستشار قام به سبب من أسباب عدم الصلاحية أو يقترن الحكم بعيب جسيم تقوم به دعوى البطلان الأصلية، ولا ريب أن الطعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا هو استثناء ينطوي على مساس بحجية الحكم المطعون فيه، وبذلك يقف هذا الاستثناء عند الحالات التي تنطوي على عيب جوهري جسيم يصيب الحكم ويفقده صفته كحكم قضائي له حجيته بوصفه قد صدر من المحكمة الإدارية العليا وهي أعلى محكمة طعن في القضاء الإداري "حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر بجلسة 30/ 4/ 1988 في الطعن رقم 3415 لسنة 33 ق عليا مجموعة أحكام السنة 33 ق ج 2 ص 1418".
وحيث إن المادة 146 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تنص على أن "يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد من الخصوم في الأحوال الآتية: 1) ........ 2) ........ 3) ....... 4) ........ 5) إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً، أو كان قد أدى شهادة فيها". كما تقضي المادة 147 من قانون المرافعات بأن "يقع باطلاً عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر ولو تم باتفاق الخصوم". وإذا وقع هذا البطلان في حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى.
وحيث جرى قضاء هذه المحكمة على تطبيق الأسس الواردة في المادة 146 من قانون المرافعات على ما تصدره محاكم القضاء الإداري من أحكام لتعلقها بأسس النظام القضائي وما تقتضيه من اطمئنان الخصوم إلى حيدة القاضي ومن نأى به عن مظنة الشبهة. إلا أن توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية في أحد أعضاء المحكمة الذين لم يشتركوا في إصدار الحكم أو المداولة فيه لا يؤدي إلى بطلان الحكم، نظراً لأن عدم الصلاحية أمر شخصي لا يجاوز شخص القاضي الذي يقوم به، ولا يتأثر به من يجلسون معه في الدائرة التي يزيد عدد أعضائها على النصاب الذي تصدر به في أحكام المحكمة.
"في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارة العليا الصادر بجلسة 17/ 6/ 1979 في الطعن رقم 593 لسنة 24 ق مجموعة أحكام الخمسة عشر عاماً ص 122".
وحيث إن محاضر الجلسات قد أعدت لإثبات ما يجرى في الجلسة من إجراءات، وبيان كيفية تشكيل المحكمة التي تنظر الدعوى، وإذا كان العمل في المحاكم قد جرى على طبع نماذج لمحاضر الجلسات متضمنة أسماء السادة مستشاري المحكمة في بداية كل عام قضائي فإن عدم اشتراك أحد المستشارين في المداولة أو اعتذاره عنها يوجب على كاتب الجلسة أن يؤشر أمام اسمه بما يفيد ذلك، فإذا أغفل كاتب الجلسة اتخاذ هذا الإجراء مع ثبوت عدم اشتراك عضو المحكمة في المداولة وإصدار الحكم، فإن هذا الخطأ المادي لا يترتب عليه بطلان الحكم، إلا أن تصحيح هذا الخطأ يجب أن يستمد ما هو ثابت من محضر جلسة المرافعة السابق على حجز الدعوى للنطق بالحكم والذي يعتبر مكملاً له.
وحيث يبين من مطالعة محضر الجلسة الأخير المنعقدة في 10/ 4/ 1992 أنه قد تأشر بعلامة "صح" قرين اسم السيد الأستاذ المستشار/ ......... الذي لم يشترك في إصدار الحكم المطعون فيه حسبما هو ثابت من مطالعة مسودته. إذ تضمن أسماء هيئة المحكمة التي أصدرت هذا الحكم وتتكون من خمسة مستشارين هم السادة الأساتذة.......، و.....، و......، و......، و......، وهم الذين حضروا جلسة المرافعة الأخيرة بتاريخ 13/ 3/ 1990 الأمر الذي يستفاد منهم اشتراكهم في المداولة دون السيد الأستاذ المستشار/ ..........
وحيث إنه لا يغير من أحداث هذا الأثر عدم حذف اسم الأستاذ المستشار........ بوضعه بين قوسين في محضر الجلسة المطبوع وفي الصورة المسلمة للطاعن بناءً على طلبه، إذ أن هذا الخطأ المادي من كاتب الجلسة لا يؤثر في سلامة الحكم لما هو مسلم به من أن توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية في أحد أعضاء المحكمة الذين لم يشتركوا في إصدار الحكم والمداولة فيه لا يؤدي إلى بطلان الحكم نظراً لأن عدم الصلاحية أمر شخصي لا يجاوز شخص القاضي الذي يقوم به، ولا يتأثر به من يجلسون معه في الدائرة التي يزيد عدد أعضائها على النصاب الذي تصدر به أحكام المحكمة "الحكم الصادر من هذه المحكمة بجلسة 17/ 6/ 1979 في الطعن رقم 593 لسنة 24 ق والآنف بيانه وعليه يكون هذا الوجه من أوجه الطعن في غير محله متعيناً الالتفات عنه.
أما ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من وجود خطأ إجرائي مبني على عدم توقيع رئيس المحكمة على مسودة الحكم ومحاضر الجلسات فهو مردود بما هو ثابت من الاطلاع على هذه المحاضر من حصول توقيع رئيس المحكمة أو من ناب عن سيادته عليها، وكذلك توقيعه على مسودة الحكم.
أما عن الوجه الثاني من أوجه الطعن وما ادعاه الطاعن من عدم تنفيذ قرار المحكمة بضم كامل المستندات التي طلبتها من جهة الإدارة، فمردود بدوره بما ثبت من قيام هذه الجهة بتقديم معظم المستندات التي طلبت منها، وبأن تقدير مدى كفاية هذه المستندات إنما هو أمر راجع للمحكمة، سيما وقد بني الحكم على ما يكفي لحمله من أسباب، وقام على أسانيد تنأى عن معاودة النظر فيها باعتباره حكماً قضائياً نهائياً، لا يجوز الطعن فيه إلا إذا انتفت عنه صفة الأحكام القضائية، وهو ما لم يتحقق مما يتعين معه الالتفات عن هذا الطعن.
وحيث سبق للطاعن أن ادعى بالتزوير في محاضر جلسات الطعن رقم 2606 لسنة 33 ق عليا وباختلاس بعض هذه المحاضر، وإذ تبين أن هذا الطعن بالتزوير لا أثر له في تحديد مدى سلامة الحكم، فحتى مع التسليم بورود عبارة "صح" أمام اسم السيد المستشار/ ......... في محاضر جلسات الطعن المرفقة وخلو الصور الرسمية المقدمة من الطاعن من هذه العبارة فإن الحكم يظل سليماً ولا يلحقه البطلان وعليه يكون الطعن بالتزوير في غير محله متعيناً القضاء برفضه مع إلزام الطاعن مصروفاته.
ولازم ما تقدم أنه إذا كان المتقاضي قد استنفد طرق الطعن في الأحكام، وعّن له إقامة دعوى بطلان أصلية في حكم نهائي، أو طعن بالتزوير في إجراء تعلق به أو غير ذلك من إجراءات ورخص كفلها له القانون، فهذا حقه، ولا لوم عليه أن سعى إلى ممارسته، لكن عليه عند استعمال هذا الحق أن يترفق بأوضاع القضاء ورجاله، وأن يتوخى الحيطة والحذر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وأن يؤثر السلامة والعافية لنفسه وللعدالة. ولا يتخذ من إجراءات التقاضي ستاراً للتطاول على أحد أو النيل منه بغير حق، وألا يجتزئ من الأوراق نتفاً متفرقة يحاول الجمع بينها برباط واهي العرى ليصنع منها ثوباً يستعصى على الحقيقة لبسه.
على المتقاضي إذن - مدعياً كان أم طاعناً - أن يتحرى حقيقة ما عساه يساوره من ظنون ليتثبت من أمره قبل الإقدام على إجراء له ما بعده، وحتى لا تكون دعوى البطلان الأصلية ذريعة للالتفاف حول حجية الأحكام النهائية ومحاولة المساس بها.
وليس من شك في أن سرية المداولة في الأحكام شأنها شأن حجيتها، إنما تعتبر مبدأ من المبادئ التي يرتفع عليها سمك النظام القضائي كله، ومن ثم فإن رئيس وأعضاء المحكمة المنوط بهم إصدار حكم في قضية ما، عادة ما يخلون إلى أنفسهم للمشورة وتقصي حقيقة المنازعة وطرح وجهات نظرهم بشأنها، وساعتها لا يستصحبون معهم سوى رأيهم وعزمهم، فإذا ما خلوا إلى أنفسهم تداولوا فيما يتيسر لهم من أمور متعلقة بهذه القضية ليقطعوا فيها بحكم يحسم المنازعة، فإذا ما حاز حجية الأمر المقضي كان عنواناً للحقيقة التي يزول بعدها كل خلاف.
وإذا كان هذا هو الحاصل بشأن الحكم المطلوب القضاء ببطلانه، وأنه صدر بعد مداولة سرية، فكيف بالطعن يدعي علماً بذوات من تداولوا فيه، وباشتراك أحد المستشارين في ذلك خلاف من أصدورا الحكم ووقعوا على مسودته، وأشير إلى أسمائهم كاملة في ديباجته.
أن الطاعن من رجال القانون غش ساحات القضاء أمداً طويلاً منذ أقام دعواه ابتداءً في 16/ 4/ 1984، ولا ريب أنه لمس طوال سنى نظر منازعته أن ثمة عرفاً قد تواتر في المحاكم على اختلاف طبقاتها، إذ يجلس للقضاء فيها عدد من المستشارين أو القضاة يربو على النصاب المتطلب قانوناً لإصدار أحكامها وأن هذا أمر اقتضاه حسن سير العدالة دون أن يؤثر من قريب أو بعيد على مبدأ سرية المداولات، ومن ثم فقد كان حرياً بالطاعن أن يلتفت عن هذا الدفاع الذي لا ظل له من الواقع أو القانون.
والبادي من دعوى البطلان الأصلية الراهنة أن قوامها هو الإخلال الجسيم بحق الدفاع مع أن الحكم المطلوب القضاء ببطلانه صدر بعد تداع ومرافعة في منازعة استغرق نظرها سنين عدة أمام درجتي التقاضي، وهي وإن اتسمت بطول أمدها، إلا أنها تشهد برحابة صدر القضاء الإداري بطبيعته، وبرويته وأمانته وإمعانه في كفالة حق الدفاع للطاعن حتى ثقل ملف الطعن، وحفل بالعديد من المستندات والصحف والمذكرات التي قدمها الطاعن استهلالاً وشرحاً وتعقيباً، وامتلأت محاضر الجلسات إثباتاً للمرافعات والملاحظات المبداة شفاهة، حتى كاد الطاعن أن يسرف على نفسه في استعماله لحقه هذا فهو تارة يدعي بالتزوير في محاضر الجلسات واختلاس بعضها والعبث بها، وتارة يحاول بث الشك في سرية المداولات، وبعدها يطلب استبدال كاتب الجلسة بكاتب آخر، ثم يجري تقصير موعد نظر هذا الطعن بناءً على التماسه، والمحكمة في هذا وذاك تحمل نفسها على الإنصاف لا تحيد عنه، وتأذن له بكل ممارسة من رخص وإجراءات، رغم ما بدا لها من الوهلة الأولى أن هذه الممارسة قد تتطرق بصاحبها إلى المساس برموز القضاء وقيمه الراسخة وعمده التي يرتكز عليها.
والمحكمة هنا لا تمن ولا تستعلي فهذا واجبها ورسالتها، ولكن حسبها الإشارة إلى أن الطاعن ذهب في ممارسته لحق الدفاع مذهباً بعيداً لم يكون ليتح له، لو لا توفيق من الله ورحابة في الصدر وتذرع بالصبر وإمعان في رعاية هذا الحق الذي زعم الإخلال الجسيم به.
وحيث سبق للطاعن أن ادعى بالتزوير في محاضر جلسات الطعن رقم 2066 لسنة 33 ق عليا، وباختلاس بعض هذه المحاضر على نحو ما سلف بيانه في حينه، وإذ تبين أن هذا الطعن بالتزوير متعين القضاء برفضه.
وحيث تقضي المادة 56 من القانون رقم 25 لسنة 1968 بشأن الإثبات في المواد المدنية والتجارية قبل تعديلها بالقانون رقم 23 لسنة 1992 بأنه "إذا حكم بسقوط حق مدعي التزوير في ادعائه أو برفضه حكم عليه بغرامة لا تقل عن خمسة وعشرين جنيهاً ولا تجاوز مائة جنيه..... إلخ".
وإذ أخفق الطاعن في ادعائه التزوير، لذا فإنه إعمالاً بهذا النص تقضي المحكمة بتغريم الطاعن مبلغ (100 ج) مائة جنيه.
وحيث إن من خسر الدعوى أو الطعن يلزم مصاريفه إعمالاً لنص المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً، وبتغريم الطاعن مبلغ (100 ج) مائة جنيه لما أشير إليه بالأسباب، كما ألزمته المصروفات.

الطعن 2351 لسنة 35 ق جلسة 6 / 12 / 1992 إدارية عليا مكتب فني 38 ج 1 ق 23 ص 232

جلسة 6 من ديسمبر سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد عبد الغني حسن وإدوارد غالب سيفين وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمد ربيع - نواب رئيس مجلس الدولة.

-------------

(23)

الطعن رقم 2351 لسنة 35 القضائية

تراخيص - ترخيص البناء - العلاقة بين طلب الترخيص والملكية.
المادتان 4، 10 من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء.
لا يستلزم القانون في طلب رخصة البناء أن يكون صادراً عن مالك الأرض التي ينصب عليها الطلب ما دام أن الترخيص بالبناء يصدر تحت مسئولية طالبه ولا يمس بحال حقوق الملكية أو الانتفاع أو الإيجار لذوي الشأن المتعلقة بالأرض - أساس ذلك: الترخيص يستهدف في حقيقته كفالة تنفيذ المبادئ والقواعد الخاصة بالنظام العام للمباني أي مطابقة مشروع البناء وتصميمه وتنفيذه لأحكام واشتراطات تنظيم المباني ومخططات المدن وما يقترن بذلك من الأسس والأصول والقواعد الفنية - لا ينال الترخيص على أي وجه من حقوق ذوي الشأن المتعلقة بالملكية الخاصة بالأرض أو المبنى والتي لم يشرع الترخيص أو يشترط أو ينظم صدوره لإثباتها ويبقى دوماً لكل صاحب شأن مالكاً كان أو منتفعاً أو مستأجراً أن يلجأ إلى ما يراه محققاً لمصلحته من الوسائل والإجراءات القانونية والقضائية التي تؤكد حقه وتحميه من التعدي عليه - نتيجة ذلك: لا مدعاة لأن تستغرق جهة الترخيص في البحث والتحري لأسانيد الملكية ومستنداتها بما يترتب عليه أن تستطيل معه إجراءات فحص طلب الترخيص والبت في منحه أو رفض الطلب وذلك طالما أن طلب الترخيص لا تعتوره عيوب جوهرية ظاهرة أو منازعات جادة تنبئ عن أن الطالب للترخيص لا حق له قانوناً في البناء على الأرض - إذا ما باشرت الإدارة المختصة اختصاصها في فحص أوراق ومستندات طلب الترخيص واستندت إلى ما يبين من ظاهر هذه الأوراق من عدم وجود ما يمنع قانوناً من منح الترخيص لطالبه دون إهمال أو انحراف فإنها تكون قد أعملت حكم القانون في إصدار موافقتها على منح الترخيص ولا يعتوره في هذه الحالة قرارها ما يدعو لوقف تنفيذه - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 14/ 5/ 1989 أودع الأستاذ/ مجدي محمد عياد المحامي بالنقض بصفته وكيلاً عن...... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 16/ 3/ 1989 في الدعوى رقم 502 لسنة 41 ق والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ قرار حي غرب الإسكندرية الصادر بالترخيص رقم 132 لسنة 1986 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة المصروفات.
وطلب في ختام التقرير الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه لحين الفصل في الموضوع، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر في الشق المستعجل من محكمة أول درجة وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وقد تم إعلان الطعن قانوناً وقدم المستشار محمود عادل الشربيني مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة ارتأى فيه - للأسباب الواردة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وتحدد جلسة 18/ 12/ 1989 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي قررت بجلسة 18/ 3/ 1991 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة، التي عينت جلسة 6/ 4/ 1991 لنظر الطعن وقد تداولت المحكمة نظره على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 11/ 10/ 1992 قررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة 6/ 12/ 1992 مع التصريح لمن يشاء بتقديم مذكرات والتصريح للمطعون ضده بتقديم صورة طبق الأصل رسمية ومعتمدة من مذكرة إدارة الشئون القانونية المحددة بمحضر الجلسة السابقة وقد قدم الطعون ضده....... مذكرة أوضح فيها أن "موضوع هذه الدعوى" تم التحقيق فيه أمام النيابة الإدارية التي انتهت إلى بطلان التخصيص والتسليم وأوقعت الجزاء على كل من ساهم في الخطأ، وأن الإدارة القانونية بجهاز أملاك الدولة حررت مذكرة انتهت فيها إلى إلغاء كافة الإجراءات الصادرة للسيد/ ...... (الطاعن) وأن المطعون ضده طلب التصريح له بتقديم صورة طبق الأصل من المذكرة المشار إليها وصرحت له المحكمة بذلك، إلا أن جهاز أملاك الدولة رفض إعطائها له وخلص المطعون ضده إلى طلب فتح باب المرافعة حتى يتمكن من الاطلاع على مذكرة الإدارة القانونية وإعداد مذكرة في ضوء ما ورد بها كما طلب الحكم برفض الطعن وتأييد الحكم المطعون فيه وإلزام الطاعن بالمصروفات، وأودع جهاز حماية أملاك الدولة - تنفيذاً لقرار المحكمة - مذكرة مدير الشئون القانونية المعتمدة في 7/ 9/ 1992 وتقرير مدير الأملاك بشأن إجراء معاينة حديثة على قطعة الأرض موضوع النزاع بين الطاعن والمطعون ضده - وبجلسة اليوم 6/ 12/ 1992 صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة، والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانوناً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي........ أقام الدعوى رقم 502 لسنة 41 ق أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية بعريضة أودعت سكرتارية المحكمة المشار إليها في 11/ 12/ 1986 طلب في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بالترخيص رقم 132 لسنة 1986 من حي غرب الإسكندرية وما يترتب على ذلك من آثار.
وقال شارحاً دعواه أنه تقدم بطلب لجهاز حماية أملاك الدولة لتخصيص قطعة أرض بالمنطقة الغذائية لحي غرب الإسكندرية لإقامة مشروع (علف أمن غذائي) وتم فتح ملف له برقم 133 في 27/ 12/ 1984 وسدد جميع الرسوم المقررة وحصل على جميع الموافقات من كافة الجهات المختصة وأقام سوراً حول قطعة الأرض وأقام غرفة بها وجمالون وهي القطعة رقم (12) بالمنطقة الصناعية الغذائية، ولم يبق من الإجراءات سوى العرض على اللجنة الرباعية، إلا أنه فوجئ بأن جهاز حماية أملاك الدولة تواطأ مع المدعى عليه الرابع....... (الطاعن) وسلمه القطعة المخصصة له لإنشاء (مصنع هياكل سيارات) رغم أن الموافقة الصادرة إلى........ كانت على قطعة أخرى برقم 41/ ب بالمنشية الجديدة بحي العامرية بالمنطقة الصناعية وليس بالمنطقة الغذائية، وقام الجهاز بإزالة السور والجمالون بزعم أن ذلك يعتبر تعدياً من المدعي على أرض مخصصة لمشروعات السمكرة بالمحافظة. ولما تقدم المدعي بشكوى إلى الإدارة القانونية انتهت الإدارة إلى أحقيته في القطعة رقم (12) بالمنشية الجديدة بالمنطقة الغذائية، ورغم ذلك قام المدعى عليه (الطاعن) باستخراج الترخيص رقم 132 لسنة 1986 من حي غرب على قطعة الأرض المخصصة للمدعي، وهو ترخيص صدر على موقع غير مخصص للمدعى عليه مما يجعله مخالفاً للقانون.
وقدمت هيئة قضايا الدولة حافظة مستندات طويت على ملف (مشروع إنشاء هياكل سيارات) باسم......، كما قدم المدعى عليه الرابع مذكرة طلب في ختامها الحكم برفض الدعوى، كما قدم حافظة مستندات.
وبجلسة 26/ 3/ 1989 قضت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وبوقف تنفيذ قرار حي غرب الإسكندرية الصادر بالترخيص رقم 132 لسنة 1986 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدعي تقدم بطلب لتخصيص قطعة أرض بالمنشية الجديدة لإقامة (مصنع أعلاف) عليها، وذلك بتاريخ 27/ 12/ 1984 وطلب منه تقديم الرسوم اللازمة للموقع المختار على القطعة رقم 12 مربع 7 بالمنطقة الغذائية بالمنشية الجديدة التابعة لحي غرب بمسطح 1000 م 2 وأنه حصل على كل الموافقات المطلوبة، إلا أن جهاز حماية أملاك الدولة قام بتسليم المدعى عليه الرابع....... ذات القطعة المخصصة للمدعي بموجب محضر التسليم المؤرخ 1/ 7/ 1986 - بالرغم من أن........ سبق له أن تسلم القطعة رقم (41) بجهة المنشية الجديدة بالمنطقة الصناعية تسمى العامرية وقام حي غرب بإصدار الترخيص رقم 132 لسنة 1986 لصالح المدعى عليه الرابع وذلك على خلاف الواقع الأمر الذي يجعل قرار الترخيص المذكور مشوباً - بحسب الظاهر - بعيب مخالفة القانون مما يتوافر معه ركن الجدية بالإضافة إلى توافر ركن الاستعجال المتمثل في عدم تنفيذه للمشروع وتغير معالم الأرض وما أقامه المدعي من منشآت.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله لعدة أسباب أولاً: حين قضى الحكم بقبول دعوى المطعون ضده الأول شكلاً رغم ثبوت رفعها بعد الميعاد المقرر قانوناً ذلك أن الدعوى تنصب على قرار التخصيص الصادر بتاريخ 8/ 5/ 1986 والذي علم به المدعي في 5/ 10/ 1986 إلا أنه لم يقم دعواه إلا بتاريخ 11/ 12/ 1986. ثانياً: أن الحكم المطعون فيه قد شابه قصور في التسبيب لعدم إحاطته بوقائع الدعوى لأن قرار التخصيص الذي على أساسه صدر الترخيص رقم 132 لسنة 1986 تم تسجيله رسمياً بالشهر العقاري وأنه تم بناءً على قرار المجلس التنفيذي للمحافظة في 17/ 6/ 1986 كما أن الطاعن (المدعى عليه الرابع) قد خصص له جزء من القطعة رقم (10) ولا شأن له بالقطعة رقم (12). ثالثاً: فات محكمة أول درجة أن المطعون ضده صدر حكم جنائي بإدانته عن واقعة تعديه على قطعة الأرض المخصصة للطاعن. رابعاً: أخطأت محكمة أول درجة حين قضت بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه لعدم توافر ركني الجدية والاستعجال - وخلص الطاعن لما تقدم - ولكل ما ورد بتقرير الطعن إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه الصادر في الشق المستعجل.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بالوجه الأول من أوجه الطعن المتعلق بأن الحكم المطعون فيه أخطأ حين قضى بقبول الدعوى شكلاً فهذا مردود عليه بأن الثابت من ظاهر الأوراق أن الترخيص رقم 132 لسنة 1986 المطعون عليه صدر بتاريخ 6/ 10/ 1986 وأقام المدعي دعواه بتاريخ 11/ 12/ 1986 وبالتالي فإنها تكون قد أقيمت في الميعاد المقرر قانوناً. وإذ قضى الحكم المطعون فيه بذلك فإنه يكون قد أصاب وجه الحق وصادف صحيح حكم القانون.
ومن حيث إن المنازعة الماثلة تنصب أساساً على القرار الصادر من الجهة الإدارية بمنح الطاعن الترخيص رقم 132 لسنة 1986 لبناء مصنع هياكل سيارات ومسجد وغرفة كهرباء بالمنطقة الصناعية بالمنشية الجديدة، وهو الترخيص الذي صدر الحكم المطعون فيه بوقف تنفيذه.
ومن حيث إن المادة (4) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء تنص على أنه لا يجوز إنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو هدمها...... إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم بالمجلس المحلي.... ولا يجوز الترخيص بالمباني أو الأعمال المشار إليها بالفقرة الأولى إلا إذا كانت مطابقة لأحكام هذا القانون ومتفقة مع الأصول الفنية والمواصفات العامة ومقتضيات الأمن والقواعد الصحية التي تحددها اللائحة التنفيذية.
وتنص المادة العاشرة منه على أن "يكون طالب الترخيص مسئولاً عما يقدمه من بيانات متعلقة بملكية الأرض المبينة في طلب الترخيص، وفي جميع الأحوال لا يترتب على منح الترخيص أو تجديده أي مساس بحقوق ذوي الشأن المتعقلة بهذه الأرض".
ومن حيث إنه قد جرى قضاء هذه المحكمة في تطبيق النصوص المتقدمة على أن القانون لا يستلزم في طلب رخصة البناء أن يكون صادر عن مالك الأرض التي ينصب عليها الطلب ما دام أن الترخيص بالبناء يصدر تحت مسئولية طالبه، ولا يمس بحال حقوق الملكية أو الانتفاع أو الإيجار ذوي الشأن المتعلقة بالأرض وذلك لأن الترخيص يستهدف في حقيقته كفالة تنفيذ المبادئ والقواعد الخاصة بالنظام العام للمباني أي مطابقة مشروع البناء وتصميمه وتنفيذه لأحكام واشتراطات تنظيم المباني ومخططات المدن وما يقترن بذلك من الأسس والأصول والقواعد الفنية، ولا ينال الترخيص على أي وجه من حقوق ذوي الشأن المتعلقة بالملكية الخاصة بالأرض أو المبنى والتي لم يشرع الترخيص أو يشترط أو ينظم صدوره للإثبات ويبقى دوماً لكل صاحب شأن مالكاً كان أو منتفعاً أو مستأجراً أن يلجأ إلى ما يراه محققاً لمصلحته من الوسائل والإجراءات القانونية والقضائية التي تؤكد حقه وتحميه من التعدي عليه، ومن ثم فلا مدعاة لأن تستغرق جهة الترخيص في البحث والتحري لأسانيد الملكية ومستنداتها بما يترتب عليه أن تستطيل معه إجراءات فحص طلب الترخيص والبت في منحه أو رفض الطلب وذلك طالما أن طلب الترخيص لا تعتوره عيوب جوهرية ظاهرة أو منازعات جادة تنبئ عن أن الطالب للترخيص لا حق له قانوناً في البناء على الأرض، كذلك فإنه إذا ما باشرت الإدارة المختصة اختصاصها في فحص أوراق ومستندات طلب الترخيص، واستندت إلى ما يبين من ظاهر هذه الأوراق من عدم وجود ما يمنع قانوناً من منح الترخيص لطالبه دون إهمال أو انحراف فإنها تكون قد أعملت حكم القانون في إصدار موافقتها على منح الترخيص ولا يعتور في هذه الحالة قرارها ما يدعو لوقف تنفيذه.
ومن حيث إن الظاهر من الأوراق أن الطاعن (........) كان قد تقدم لجهاز حماية أملاك الدولة بطلب لتخصيص مساحة قدرها 750 م 2 لإقامة مصنع هياكل سيارات وأن اللجنة الرباعية المشكلة بقرار المجلس التنفيذي لمحافظة الإسكندرية قد اجتمعت يوم 8/ 5/ 1986 وناقشت - من بين ما ناقشته - موضوع نقل محلات السمكرة وأعمال السيارات من منطقة الأزاريطة إلى المنطقة الصناعية بالمنشية الجديدة وتوفير المساحات اللازمة لهذه الورش لنقلها من داخل المناطق السكنية إلى منطقة المنشية الصناعية، وأن رئيس جهاز حماية أملاك الدولة أوضح بأنه تم الاتفاق مع الإدارة العامة للتخطيط العمراني على أن الطلبات السابق تقديمها للجهاز والتي استوفت كافة الإجراءات والموافقات اللازمة في 31/ 12/ 1982 يتم استكمال باقي الإجراءات الخاصة بها أما بالنسبة للطلبات التي قدمت للجهاز بعد 31/ 12/ 1982 فيتم إرجاؤها لحين إتمام عملية نقل هذه الورش، وقد كان طلب الطاعن مدرجاً تحت رقم (8) من الطلبات المقدمة قبل 31/ 12/ 1982 وطلب المطعون ضده........ مدرجاً تحت رقم (واحد) من الطلبات المقدمة بعد 31/ 12/ 1982، كما يبين من ظاهر الأوراق أن المجلس التنفيذي للمحافظة قد وافق على ما أوصت به اللجنة الرباعية وذلك بجلسة 17/ 6/ 1986 وقد تم تخصيص مساحة 750 م 2 للطاعن لإقامة مصنع هياكل سيارات بالمنطقة الصناعية بالمنشية الجديدة، وأنه بتاريخ 1/ 7/ 1986 تم تسليم قطعة الأرض للطاعن بمعرفة المختص بإدارة الأملاك الأميرية وبناءً على ذلك فقد تقدم الطاعن إلى الإدارة العامة الهندسية بحي غرب الإسكندرية بالطلب رقم 139 لسنة 1986 بالترخيص له ببناء مصنع هياكل سيارات ومسجد وغرفة كهرباء بالمنشية الجديدة وعلى قطعة الأرض المخصصة له، وقد تم فحص الطلب بمعرفة الإدارة المختصة التي أوضحت أنها قامت بصرف الترخيص رقم 132 لسنة 1986 تحت مسئولية جهاز حماية أملاك الدولة بناءً على كتابة رقم 3404 بتاريخ 25/ 9/ 1986 الذي يؤكد تخصيص الأرض للطاعن.
ومن حيث إن البادي من كل ما تقدم أن الترخيص الذي تم منحه للطاعن برقم 132 لسنة 1986 قد صدر بحسب الظاهر من الأوراق بعد أن فحصت وتحرت الجهة مانحة الترخيص استيفاء الاشتراطات الواجب توافرها عند منح ترخيص البناء، وبعد أن تم مراجعة جهاز حماية أملاك الدولة للتأكد من تخصيص الأرض المطلوب الترخيص بالبناء عليها للطاعن طالب الترخيص، ومن ثم فإن منازعة المطعون ضده للطاعن أو لجهاز حماية أملاك الدولة في مدى صحة التخصيص من عدمه هو أمر لا ينال من سلامة إصدار الجهة الإدارية المختصة للترخيص المطعون عليه محل المنازعة الماثلة. ولا يؤثر في سلامة الترخيص أن المطعون ضده سبق له أن تقدم بطلب تخصيص ذات المساحة التي صدر بشأنها الترخيص المطعون عليه لإقامة "مشروع غذائي" وأنه قد حصل على الموافقات اللازمة لترشيح هذه القطعة لتخصيصها إليه، فإن الأوراق تخلو من دليل ظاهر لإثبات أن ثمة تسليم نهائي للأرض المذكورة قد تم، وفي ذات الوقت فإن الأوراق تشير إلى أنه قد تم إرجاء البت في طلب المطعون ضده بتخصيص الأرض التي طلب تخصيصها على النحو المشار إليه، كما أن الظاهر من الأوراق أن الجهة الإدارية مانحة الترخيص - قد قامت - بفحص مستندات طالب الترخيص واستوفت من أن الأرض المطلوب الترخيص بالبناء عليها قد خصصت للطاعن طالب الترخيص من الجهة الإدارية المختصة بذلك قانوناً، وأن تلك الأرض قد سلمت للطاعن وأصبحت في حوزته قانوناً، وبعد أن قامت الجهة الإدارية باستيفاء جميع الاشتراطات اللازم توافرها لمنح ترخيص البناء أصدرت الترخيص رقم 132 لسنة 1986 وهي بذلك تكون - بحسب البادي من الأوراق - قد أعملت سلطتها المخولة لها قانوناً وطبقت القانون تطبيقاً صحيحاً والمطعون ضده وشأنه في منازعة وملاحقة الجهة الإدارة المختصة بالطرق القانونية بسبب عدم تخصيصها قطعة الأرض وتسليمها إليه، ولا يؤثر ذلك في أن القرار المطعون فيه بالترخيص للطاعن بالبناء على قطعة الأرض محل النزاع يكون - بحسب الظاهر - قد صدر على أساس سليم من الواقع ومن صحيح حكم القانون، ويغدو طلب وقف تنفيذه مفتقداً لركن الجدية.
ومن حيث إنه يضاف إلى ما سبق أن الظاهر من الأوراق أن الطاعن قد استخدم الترخيص الصادر إليه فعلاً فقام بإنشاء البناء المرخص له، كما تم إدخال المياه والنور إليه على النحو الموضح بتقرير الخبير المقدم بتاريخ 8/ 10/ 1988 في الدعوى رقم 2370 لسنة 1987، كما أن المصنع المرخص به يعمل ويقوم بالإنتاج فعلاً وتم قيده بالسجل التجاري برقم (126060) في 14/ 1/ 1989، وسبق للطاعن أن أبرم عقد إيجار قطعة الأرض المشار إليها بينه وبين محافظة الإسكندرية بتاريخ 20/ 9/ 1987 الأمر الذي يدل على أنه لم يعد ثمة نتائج يتعذر تداركها يراد وقفها بإصدار حكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه الأمر الذي يدل على انتفاء ركن الاستعجال، وإذ فقد طلب وقف التنفيذ شرطي الجدية والاستعجال فقد غدا غير قائم على سند من الواقع أو أساس قانوني صحيح مما يتعين معه الحكم برفض طلب وقف التنفيذ وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب على النحو سالف البيان فإنه يكون غير سديد فيما قضى به وفيما استند إليه ويكون واجب الإلغاء.
وحيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بنص المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المطعون ضده بالمصروفات.

الطعن 152 لسنة 59 ق جلسة 4 / 4 / 1989 مكتب فني 40 ق 81 ص 491

جلسة 4 من إبريل سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ أحمد محمود هيكل نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ عوض جادو نائب رئيس المحكمة وطلعت الاكيابى ومحمود إبراهيم عبد العال ومحمود عبد الباري.

--------------

(81)
الطعن رقم 152 لسنة 59 القضائية

(1) إعدام. نيابة عامة. نقض "نظر الطعن والحكم فيه".
وظيفة محكمة النقض في شأن الأحكام الصادرة بالإعدام؟
اتصال محكمة النقض بالدعوى المحكوم فيها بالإعدام بمجرد عرضها عليها.
(2) مواد مخدرة. جلب. قصد جنائي. جريمة "أركانها".
الجلب في حكم القانون 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون 40 لسنة 1966. معناه؟
(3) مواد مخدرة. قصد جنائي. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التزام المحكمة بالتحدث استقلالاً عن العلم بالجوهر المخدر. غير لازم. طالما كان ما أوردته في حكمها من وقائع وظروف يكفي للدلالة على توافره.
(4) إثبات "شهود". مواد مخدرة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
وزن أقوال الشهود. وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم. موضوعي.
(5) مأمورو الضبط القضائي. تفتيش. تهريب جمركي.
حق موظفي الجمارك الذين لهم صفة الضبط القضائي في تفتيش الأشياء والأشخاص داخل الدائرة الجمركية أو في حدود نطاق الرقابة الجمركية. عدم تقيدهم في ذلك - بالنسبة للأشخاص - بقيود القبض والتفتيش المبينة بقانون الإجراءات الجنائية. أساس ذلك؟
كشف موظفي الجمارك حال إجراء التفتيش على دليل يكشف عن جريمة غير جمركية يعاقب عليها في القانون العام. صحة الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم. لأنه ظهر أثناء إجراء مشروع في ذاته ولم يرتكب في سبيل الحصول عليه أية مخالفة.
(6) مأمورو الضبط القضائي. استدلالات. استجواب.
حق مأمور الضبط القضائي في سؤال المتهم دون استجوابه.
سؤال موظف الجمارك للمتهم بمحضره وإقرار الأخير بالجريمة المسندة إليه. حق المحكمة في التعويل على هذا الإقرار متى اطمأنت إليه.
(7) إجراءات "إجراءات التحقيق" "إجراءات المحاكمة". نيابة عامة. 

الأصل أن تجرى إجراءات المحاكمة باللغة العربية. ما لم تر سلطة التحقيق أو المحاكمة الاستعانة بمترجم. طلب المتهم ذلك يخضع لتقديرها.
لا يعيب إجراءات التحقيق أن تكون الجهة القائمة به قد استعانت بوسيط لتولي ترجمة أقوال المحكوم عليه. تعلق ذلك بظروف التحقيق ومقتضياته وخضوعه دائماً لتقدير من يباشره. طالما أن المحكوم عليه لم يذهب إلى أن أقواله قد نقلت على غير حقيقتها.
العبرة في الأحكام. بالإجراءات والتحقيقات التي تجريها المحكمة. تعييب التحقيق السابق على المحاكمة. غير جائز.
(8) محكمة النقض "سلطتها".
حق محكمة النقض في نقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم. أساس ذلك؟
(9) مواد مخدرة. جلب. تهريب جمركي. ارتباط. عقوبة "تطبيقها" "عقوبة الجرائم المرتبطة" "عقوبة الجريمة الأشد". نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون".
مناط تطبيق كل من فقرتي المادة 32 عقوبات وأثر التفرقة بينهما في تحديد العقوبة؟
قضاء الحكم بإلزام المحكوم عليه بعقوبة التعويض الجمركي المقرر لجريمة الشروع في التهريب بالإضافة إلى ما قضى به من العقوبة المقررة لجريمة الجلب. خطأ في القانون. أساس ذلك؟
(10) إعدام. جلب. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الحكم الصادر بالإعدام. ما يلزم لإقراره؟

---------------
1 - لما كانت النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها طلبت فيها إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على أنه روعي فيها عرض القضية في ميعاد الأربعين يوماً المبين بالمادة 34 من القانون ذاته، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين - من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بمبنى الرأي الذي ضمنته النيابة مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة في الميعاد المحدد أو بعد فواته، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية.
2 - من المقرر أن القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 إذ عاقب في المادة 33 منه على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء أكان الجالب قد استورده لحساب نفسه أم لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركي قصداً من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع الدولي، وهذا المعنى يلابس الفعل المادي المكون للجريمة ولا يحتاج في تقريره إلى بيان ولا يلزم الحكم أن يتحدث عنه على استقلال إلا إذا كان الجوهر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصي أو دفع المتهم بقيام قصد التعاطي أو لدى من نقل المخدر لحسابه وكان ظاهر الحال من ظروف الدعوى وملابساتها تشهد له. يدل على ذلك فوق دلالة المعني اللغوي والاصطلاحي للفظ الجلب أن المشرع نفسه لم يقرن نصه على الجلب بالإشارة إلى القصد منه بعكس ما استنه في الحيازة أو الإحراز لأن ذلك يكون ترديداً للمعنى المتضمن في الفعل مما يتنزه عنه الشارع إذ الجلب بطبيعته لا يقبل تفاوت القصود ولا كذلك حيازة المخدر أو إحرازه.
3 - من المقرر أن المحكمة غير مكلفة بالتحدث استقلالاً عن العلم بجوهر المخدر طالما كان ما أوردته في حكمها من وقائع وظروف يكفي للدلالة على توافره.
4 - من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وكان الحكم قد اطمأن إلى أقوال شهود الإثبات في الدعوى والتي دلت على أن الحقيبة المضبوط بها المخدر من أمتعة المحكوم عليه فإن في ذلك ما يكفي رداً على دفاعه الثابت بمحضر جلسة المحاكمة والقائم على انتفاء صلته بالحقيبة المضبوطة، هذا فضلاً عن أنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يستفاد الرد عليه من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم واطمأن إليها.
5 - لما كان البين من استقراء نصوص المواد من 26 إلى 30 من القانون رقم 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك أن الشارع منح موظفي الجمارك الذين أسبغت عليهم القوانين صفة الضبط القضائي في أثناء قيامهم بتأدية وظائفهم حق تفتيش الأماكن والأشخاص والبضائع ووسائل النقل داخل الدائرة الجمركية، أو في حدود نطاق الرقابة الجمركية، إذ قامت لديهم دواعي الشك في البضائع والأمتعة أو مظنة التهريب فيمن يوجدون بداخل تلك المناطق وأن الشارع بالنظر إلى طبيعة التهريب الجمركي وصلته المباشرة بصالح الخزانة العامة ومواردها أو بمدى الاحترام الواجب للقيود المنظمة للاستيراد والتصدير لم يتطلب بالنسبة للأشخاص توافر قيود القبض والتفتيش المنظمة بقانون الإجراءات الجنائية أو اشتراط وجود المراد تفتيشه في إحدى الحالات المقررة في نطاق الفهم القانوني للمبادئ المقررة في القانون المذكور بل يكفي أن يقوم لدى الموظف المنوط بالمراقبة والتفتيش في تلك المناطق حالة تنم عن شبهة توافر التهريب الجمركي فيها في الحدود المعرف بها في القانون حتى يثبت له حق الكشف عنها، فإذا هو عثر أثناء التفتيش الذي تجريه على دليل يكشف عن جريمة غير جمركية معاقب عليها في القانون العام فإنه يصح الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم في تلك الجريمة لأنه ظهر أثناء إجراء مشروع في ذاته ولم ترتكب في سبيل الحصول عليه أية مخالفة، وإذ كان الثابت من مدونات الحكم والرد على الدفع ببطلان القبض والتفتيش - على نحو ما سلف بيانه - أن واقعة ضبط المحكوم عليه باشرها مأمور جمرك الركاب بميناء...... ورؤساؤهم ومساعدوهم، وهم من يملكون حق التفتيش طبقاً لمواد قانون الجمارك المتقدم ذكرها وقرار وزير الخزانة رقم 71 لسنة 1963 وذلك إثر اشتباههم في أمره أثناء إنهاء الإجراءات الجمركية معه، فإن إجراءات القبض والتفتيش تكون صحيحة ومتفقة مع القانون ويكون دفاع المحكوم عليه بشأنها غير سديد.
6 - من المقرر طبقاً لنص المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن لمأمور الضبط القضائي أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه تفصيلاً وأن يثبت في محضره ما يجيب به المتهم بما في ذلك اعترافه بالتهمة ويكون هذا المحضر عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منه وللمحكمة أن تستند في حكمها إلى ما ورد به ما دام قد عرض مع أوراق الدعوى على بساط البحث والتحقيق أمامها بالجلسة.
7 - الأصل أن تجرى المحاكمة باللغة الرسمية للدولة - وهي اللغة العربية - ما لم يتعذر على إحدى سلطتي التحقيق أو المحاكمة مباشرة إجراءات التحقيق دون الاستعانة بوسيط يقوم بالترجمة أو يطلب منها المتهم ذلك ويكون طلبه خاضعاً لتقديرها فإنه لا يعيب إجراءات التحقيق أن تكون الجهة القائمة به قد استعانت بوسيط تولى ترجمة أقوال المحكوم عليه من الانجليزية إلى العربية إذ هو متعلق بظروف التحقيق ومقتضياته خاضع دائماً لتقدير من يباشره. وإذ كان المحكوم عليه لم يذهب إلى أن أقواله قد نقلت على غير حقيقتها نتيجة الاستعانة بوسيط فإن ما أثاره من تعييب لهذه الإجراءات يكون غير سديد. هذا فضلاً عن أن ما يثيره المحكوم عليه في هذا الشأن لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة بما لا يصلح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، إذ العبرة في الأحكام هي بإجراءات المحاكمة وبالتحقيقات التي تحصل أمام المحكمة.
8 - من المقرر أن الفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض تخول هذه المحكمة أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله.
9 - لما كانت المادة 32 من قانون العقوبات إذ نصت في فقرتها الأولى على أنه "إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها. فقد دلت بصريح عبارتها على أنه في الحالة التي يكون فيها للفعل الواحد عدة أوصاف يجب اعتبار الجريمة التي تمخض عنها الوصف أو التكييف القانوني الأشد للفعل والحكم بعقوبتها وحدها دون غيرها من الجرائم التي قد تتمخض عنها الأوصاف الأخف والتي لا قيام لها البتة مع قيام الجريمة ذات الوصف الأشد، إذ يعتبر الجاني كأن لم يرتكب هذه الجريمة الأخيرة وذلك على خلاف حالة التعدد الحقيقي للجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة التي اختصت بها الفقرة الثانية من المادة 32 سالفة الذكر، إذ لا أثر لاستبعاد العقوبات الأصلية للجرائم الأخف في وجوب الحكم بالعقوبات التكميلية المتعلقة بهذه الجرائم ضرورة أن العقوبة التكميلية إنما تتعلق بطبيعة الجريمة ذاتها لا بعقوبتها، يؤكد هذا النظر صيغة الفقرتين إذ أردف الشارع عبارة "الحكم بعقوبة الجريمة الأشد" بعبارة "دون غيرها" في الفقرة الأولى الخاصة بالتعدد المعنوي بينما أسقط تلك العبارة في الفقرة الثانية الخاصة بالتعدد الحقيقي ولو كان مراده التسوية بينهما في الحكم لجرت صياغتهما بعبارة واحدة وعلى نسق واحد ولما كانت ثمة حاجة إلى فقرة لكيلهما. لما كان ذلك، وكان الفعل الذي قارفه المحكوم عليه يتداوله وصفان قانونيان جلب جوهر مخدر دون الحصول على ترخيص كتابي من الجهة الإدارية المختصة والشروع في تهريب هذا المخدر بالعمل على إخفائه عن أعين السلطات الجمركية المختصة بقصد التخلص من سداد ما استحق عليه من رسوم جمركية مما يقتضي إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات اعتبار الجريمة التي تمخض عنها الوصف الأشد وهي جريمة جلب المخدر والحكم بعقوبتها المنصوص عليها في المادتين 33/ أ، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها دون عقوبة الشروع في التهريب الجمركي المنصوص عليها في المادة 122 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 66 لسنة 1963 أصلية كانت أو تكميلية، فإن الحكم المطروح إذ انتهى إلى القضاء بإلزام المحكوم عليه بعقوبة التعويض الجمركي المقررة لجريمة الشروع في التهريب بالإضافة إلى ما قضى به من العقوبة المقررة لجريمة الجلب ورغم إثباته في مدوناته إعمال حكم المادة 32 من قانون العقوبات يكون قد خلق عقوبة جديدة مستمدة من الجمع بين العقوبة المقررة للجريمتين وليس تطبيقاً لأشدها مما لا سند له من القانون وبما يتنافر مع نص الفقرة الأولى من المادة 32 سالفة الذكر وهو ما يكون معه قد أخطأ في تأويل القانون وفي تطبيقه بما يوجب تصحيحه بإلغاء ما قضى به من تعويض جمركي.
10 - لما كان الحكم المطروح قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة جلب المخدر التي دين المحكوم عليه بالإعدام بها وساق عليها أدلة مردودة إلى أصلها في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. وقد صدر الحكم بالإعدام بإجماع آراء أعضاء المحكمة وبعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم وفقاً للمادة 381/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية، وجاء خلواً من قالة مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وقد صدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغاير ما انتهى إليه هذا الحكم، ومن ثم يتعين مع قبول عرض النيابة إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه (1) جلب لداخل جمهورية مصر العربية جوهراً مخدراً (هيروين) دون الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة الإدارية المختصة. (2) شرع في تهريب البضائع المبينة الوصف بالأوراق بأن أدخلها للبلاد بطريقة غير شرعية بالمخالفة للنظم والقواعد الخاصة بها باعتبارها من البضائع الأجنبية الممنوع استيرادها بأن أخفاها عن أعين السلطات الجمركية المختصة بقصد التهرب من أداء الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة عليها وأوقف أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو ضبطه والجريمة متلبس بها. وأحالته إلى محكمة جنايات القاهرة لمعاقبته طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. والمحكمة المذكورة قررت إحالة الأوراق إلى فضيلة مفتي الجمهورية لإبداء الرأي وحددت جلسة...... للنطق بالحكم.
وبالجلسة المحددة قضت حضورياً وبإجماع الآراء عملاً بالمواد 1، 2، 3، 33/ أ، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند رقم 103 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون الأول المعدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1976 والمواد 5، 13، 28، 30، 121، 122، 124، 124 مكرراً من القانون رقم 66 لسنة 1963 المعدل بالقانون 75 لسنة 1980 والمواد 32 ، 45، 47 من قانون العقوبات أولاً: - بمعاقبة المتهم بالإعدام وبتغريمه ثلاثة آلاف جنيه. ثانياً: - بإلزامه بأن يؤدي إلى مصلحة الجمارك مبلغ 361900.720 جنيه. ثالثاً: - مصادرة الجوهر المخدر المضبوط.
فعرضت النيابة العامة القضية على هذه المحكمة مشفوعة بمذكرة برأيها طلبت فيها إقرار الحكم.


المحكمة

ومن حيث إن النيابة العامة وإن كانت قد عرضت القضية الماثلة على هذه المحكمة عملاً بنص المادة 46 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض مشفوعة بمذكرة برأيها طلبت فيها إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه دون إثبات تاريخ تقديمها بحيث يستدل منه على أنه روعي فيها عرض القضية في ميعاد الأربعين يوماً المبين بالمادة 34 من القانون ذاته، إلا أنه لما كان تجاوز هذا الميعاد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يترتب عليه عدم قبول عرض النيابة بل إن محكمة النقض تتصل بالدعوى بمجرد عرضها عليها لتفصل فيها وتستبين - من تلقاء نفسها دون أن تتقيد بمبنى الرأي الذي ضمنته النيابة مذكرتها - ما عسى أن يكون قد شاب الحكم من عيوب يستوي في ذلك أن يكون عرض النيابة في الميعاد المحدد أو بعد فواته، فإنه يتعين قبول عرض النيابة العامة للقضية.
ومن حيث إن الحكم المعروض فيه بين واقعة الدعوى بقوله "إنه بتاريخ....... وصلت طائرة شركة مصر للطيران قادمة من كراتشي إلى ميناء القاهرة الجوي وكان من بين ركابها...... وأثناء مروره بالخط الأخضر بصالة الوصول رقم 2 لإنهاء الإجراءات الجمركية على أمتعته المكونة من شنطة سمسونيت كبيرة بنية اللون وطلب من....... المأمور إنهاء إجراءاته الجمركية وقدم له جواز سفره رقم...... فطلب من المساعد الإداري بالجمرك...... تفتيش الراكب، وتفتيش الحقيبة اشتبه الاثنان في قاعها لاحتمال وجود جيب سحري بها، وعرضا الأمر على....... مدير إدارة الجمرك الذي أمر بتشكيل لجنة من...... و...... و...... لكسر الحقيبة وتفتيش ما بها وتم ذلك فعثر بقاعها على الجيب السحري به أربعة أكياس، وأربعة أكياس أخرى بغطاء الحقيبة والأكياس بها مادة بيج اللون تشبه الهيروين وتم وزن المخدر بالأكياس فبلغ 2.350 كيلو جرام على ميزان غير حساس وتحرر محضر بالواقعة وبمواجهة المتهم بالمضبوطات فأقر بحيازتها وأن أربعة أشخاص باكستانيين أعطوه خمسمائة دولار مصاريف السفر لكي يوصل هذه الشنطة للقاهرة في فندق الليدو وبمجرد تسليم الحقيبة سيتم استلامه خمسة ألاف دولار". وقد ساق الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة مستمدة مما شهد به........ رئيس قسم الركاب بميناء القاهرة الجوي و........ مساعد إداري بجمرك الركاب بميناء القاهرة الجوي و....... مأمور جمرك الركاب بميناء القاهرة الجوي و...... مساعد إداري بجمرك الركاب بميناء القاهرة الجوي وما أورده تقرير المعامل الكيماوية وحصل الحكم مؤدى هذه الأدلة تحصيلاً سليما له أصله الثابت في الأوراق - وعلى ما تبين من الاطلاع على المفردات - ثم خلص إلى إدانة المتهم بجناية جلب جوهر مخدر الهيروين إلى داخل جمهورية مصر العربية دون الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة الإدارية المختصة وجنحة الشروع في تهريب المخدر سالف الذكر بأن أدخلها إلى البلاد بطريقة غير مشروعة بالمخالفة للنظم والقواعد الخاصة بها باعتبارها من البضائع الأجنبية الممنوع استيرادها بأن أخفاها عن أعين السلطات الجمركية المختصة بقصد التهرب من أداء الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة عليها وأوقف أثر الجريمة بسبب لا دخل لإرادته فيه وهو ضبطه والجريمة متلبس بها وأنزل عليه العقاب المنصوص عليه في المواد 1، 2، 33/ أ، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند رقم 103 من الجدول رقم 1 الملحق بالقانون الأول المعدل بقرار وزير الصحة رقم 295 لسنة 1976 والمواد 5، 13، 28، 30، 121، 122، 124، 124 مكرراً من القانون رقم 66 المعدل بالقانون رقم 75 لسنة 1980 والمواد 32، 45، 47، عقوبات، لما كان ذلك وكان من المقرر أن القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 إذ عاقب في المادة 33 منه على جلب المواد المخدرة فقد دل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو بالوساطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء أكان الجالب قد استورده لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركي قصداً من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع الدولي، وهذا المعنى يلابس الفعل المكون للجريمة ولا يحتاج في تقريره إلى بيان ولا يلزم الحكم أن يتحدث عنه على استقلال إلا إذا كان الجوهر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله الشخصي أو دفع المتهم بقيام قصد التعاطي لديه أو لدى من نقل المخدر لحسابه وكان ظاهر الحال من ظروف الدعوى وملابساتها تشهد له. يدل على ذلك فوق دلالة المعنى اللغوي والاصطلاحي للفظ الجلب أو المشرع نفسه لم يقرن نصه على الجلب بالإشارة إلى القصد منه بعكس ما استنه في الحيازة أو الإحراز لأن ذلك يكون ترديداً للمعنى المتضمن في الفعل مما يتنزه عنه الشارع إذ الجلب بطبيعته لا يقبل تفاوت القصود ولا كذلك حيازة المخدر أو إحرازه. وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن المخدر المجلوب 2.350 كيلو جراماً من مخدر الهيروين أخفاه الطاعن في مخبأين داخل حقيبة ودخل به ميناء القاهرة الجوي قادماً من كراتشي، فإن ما أثبته الحكم من ذلك هو الجلب بعينه كما هو معرف به في القانون بما يتضمنه من طرح الجوهر في التعامل. وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون. لما كان ذلك، وكان الحكم قد استظهر علم الطاعن بوجود المخدر داخل المخبأين بالحقيبة بقوله "وحيث إنه عن علم المتهم بأن ما يحمله مخدر فإن هذا العلم ثابت في حقه، ذلك أن هذه المادة قد ضبطت في قاعين سحريين في قاع الحقيبة وغطائها وأن وزن الحقيبة كان ثقيلاً وهي فارغة ودلالة علمه أنه ارتبك وأصبح لا يركز عندما تم تشكيل لجنة لكسر القاع والغطاء فضلاً عن ذلك ما ذكره المتهم في معرض دفاعه حال ضبطه في محضر الضبط الذي وقع عليه أن أربعة أشخاص أعطوه تلك الحقيبة مقابل خمسمائة دولار لتوصيلها إلى القاهرة إلى فندق الليدو وأنه بعد توصليها سيتقاضى مبلغ خمسة آلاف دولار كل ذلك يقطع بأن هذا المتهم ما قصد إلا إلى تهريب هذه المادة عبر الحدود وأنه كان يعلم تمام العلم بكنه ما يحمله والذي جعل له مبلغ خمسمائة دولار مقدماً أخذها وقبضها وخمسة آلاف دولار عند التسليم كل هذا المال مقابل تسليم شنطة سمسونيت فهذا يقطع أيضاً أنه كان يعلم أن هذا المبلغ الكبير لقاء نقل المخدر وتهريبه وجلبه داخل الشنطة إلى الأراضي المصرية". وكانت المحكمة غير مكلفة بالتحدث استقلالاً عن العلم بجوهر المخدر طالما كان ما أوردته في حكمها من وقائع وظروف يكفي للدلالة على توافره، وكان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً على النحو المتقدم على أن المحكوم عليه كان يعلم بما يحويه المخبأين السريين في الحقيبة الخاصة به، فإن الحكم يكون قد رد على دفاع المحكوم عليه بانتفاء هذا العلم بما يرخصه ما دام هذا الذي استخلصه الحكم لا يخرج عن موجب الاقتضاء العقلي والمنطقي. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن وحام حولها من شبهات مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، وكان الحكم قد اطمأن إلى أقوال شهود الإثبات في الدعوى والتي دلت على أن الحقيبة المضبوط بها المخدر من أمتعة المحكوم عليه فإن في ذلك ما يكفي رداً على دفاعه الثابت بمحضر جلسة المحاكمة والقائم على انتفاء صلته بالحقيبة المضبوطة، هذا فضلاً عن أنه لا يعدو أن يكون دفاعاً موضوعياً يستفاد الرد عليه من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم واطمأن إليها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره الدفاع بجلسة المحاكمة من بطلان الإجراءات ورد عليه بقوله "إن الإجراءات كانت سلمية وقانونية ومشروعة ذلك أن رجال الجمارك لهم الحق في تفتيش الركاب وأمتعتهم داخل الدائرة الجمركية وهو ما حدث فعلاً" وما أورده الحكم على النحو المتقدم سليماً ويتفق وصحيح القانون. ذلك أن البين من استقراء نصوص المواد من 26 إلى 30 من القانون رقم 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك أن الشارع منح موظفي الجمارك الذين أسبغت عليهم القوانين صفة الضبط القضائي في أثناء قيامهم بتأدية وظائفهم حق تفتيش الأماكن والأشخاص والبضائع ووسائل النقل داخل الدائرة الجمركية، أو في حدود نطاق الرقابة الجمركية، إذ قامت لديهم دواعي الشك في البضائع والأمتعة أو مظنة التهريب فيمن يوجدون بداخل تلك المناطق وأن الشارع بالنظر إلى طبيعة التهريب الجمركي وصلته المباشرة بصالح الخزانة العامة ومواردها أو بمدى الاحترام الواجب للقيود المنظمة للاستيراد والتصدير لم يتطلب بالنسبة للأشخاص توافر قيود القبض والتفتيش المنظمة بقانون الإجراءات الجنائية أو اشتراط وجود المراد تفتيشه في إحدى الحالات المقررة في نطاق الفهم القانوني للمبادئ المقررة في القانون المذكور بل يكفي أن يقوم لدى الموظف المنوط بالمراقبة والتفتيش في تلك المناطق حالة تنم عن شبهة توافر التهريب الجمركي فيها في الحدود المعرف بها في القانون حتى يثبت له حق الكشف عنها، فإذا هو عثر أثناء التفتيش الذي يجريه على دليل يكشف عن جريمة غير جمركية معاقب عليها في القانون العام فإنه يصح الاستدلال بهذا الدليل أمام المحاكم في تلك الجريمة لأنه ظهر أثناء إجراء مشروع في ذاته ولم ترتكب في سبيل الحصول عليه أية مخالفة، وإذ كان الثابت من مدونات الحكم والرد على الدفع ببطلان القبض والتفتيش - على نحو ما سلف بيانه أن واقعة ضبط المحكوم عليه باشرها مأمور جمرك الركاب بميناء القاهرة ورؤساؤهم ومساعدوهم، وهم من يملكون حق التفتيش طبقاً لمواد قانون الجمارك المتقدم ذكرها وقرار وزير الخزانة رقم 71 لسنة 1963 وذلك إثر اشتباههم في أمره أثناء إنهاء الإجراءات الجمركية معه، فإن إجراءات القبض والتفتيش تكون صحيحة ومتفقة مع القانون ويكون دفاع المحكوم عليه بشأنها غير سديد. لما كان ذلك، وكان المدافع عن المحكوم عليه قد أثار بجلسة المحاكمة دفعاً ببطلان الإجراءات تأسيساً على أن المحكوم عليه قبض عليه يوم 16/ 3/ 1987 ولم يعرض على النيابة إلا في 18/ 3/ 1987 وقد رد الحكم على هذا الدفع بأن الإجراءات كانت سليمة وقانونية ومشروعة، ولما كان الثابت من المفردات المضمومة أن المحكوم عليه ضبط يوم 16/ 3/ 1987 وعرض على النيابة العامة يوم 17/ 3/ 1987 وليس يوم 18/ 3/ 1987 كما زعم المدافع عن المحكوم عليه - وأن النيابة العامة هي التي أمرت بحجزه لليوم التالي لعدم وجود مترجم ثم أجرت التحقيق معه في الميعاد الذي حددته، ومن ثم فإن ما أثاره الدفاع في هذا الخصوص يكون على غير أساس. هذا فضلاً عن أن هذا الإجراء لم يسفر عن دليل عول عليه الحكم في قضائه. لما كان ذلك، وكان من المقرر طبقاً لنص المادة 29 من قانون الإجراءات الجنائية أن لمأمور الضبط القضائي أن يسأل المتهم عن التهمة المسندة إليه دون أن يستجوبه تفصيلاً وأن يثبت في محضره ما يجيب به المتهم بما في ذلك اعترافه بالتهمة ويكون هذا المحضر عنصراً من عناصر الدعوى تحقق النيابة ما ترى وجوب تحقيقه منه وللمحكمة أن تستند في حكمها إلى ما ورد به ما دام قد عرض مع أوراق الدعوى على بساط البحث والتحقيق أمامها بالجلسة. وإذ كان الثابت من مطالعة المفردات أن رئيس قسم الوصول بجمرك ميناء القاهرة الجوي بصالة رقم 2 - وهو من مأموري الضبط القضائي. قد أثبت في محضره إقرار المحكوم عليه بحيازته للحقيبة التي ضبط بها المخدر والتي تسلمها من أربعة باكستانيين في باكستان لتوصيلها إلى القاهرة بفندق ليدو مقابل خمسمائة دولار مصاريف للسفر، وخمسة آلاف بمجرد تسليم الحقيبة، فإنه لا تثريب على مأمور الضبط القضائي أن أثبت هذا الإقرار في محضره دون أن يستوجب المحكوم عليه تفصيلاً، وللمحكمة أن تعول عليه في حكمها ما دامت قد اطمأنت إليه ومن ثم يكون ما يثيره الدفاع عن المحكوم عليه بجلسة المحاكمة من بطلان في الإجراءات يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان الأصل أن تجرى المحاكمة باللغة الرسمية للدولة - وهي اللغة العربية - ما لم يتعذر على إحدى سلطتي التحقيق أو المحاكمة مباشرة إجراءات التحقيق دون الاستعانة بوسيط يقوم بالترجمة أو يطلب منها المتهم ذلك ويكون طلبه خاضعاً لتقديرها فإنه لا يعيب إجراءات التحقيق أن تكون الجهة القائمة به قد استعانت بوسيط تولى ترجمة أقوال المحكوم عليه من الانجليزية إلى العربية إذ هو متعلق بظروف التحقيق ومقتضياته خاضع دائماً لتقدير من يباشره، وإذ كان المحكوم عليه لم يذهب إلى أن أقواله قد نقلت على غير حقيقتها نتيجة الاستعانة بوسيط فإن ما أثاره من تعييب لهذه الإجراءات يكون غير سديد. هذا فضلاً عن أن ما يثيره المحكوم عليه في هذا الشأن لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة بما لا يصلح أن يكون سبباً للطعن على الحكم، إذ العبرة في الأحكام هي بإجراءات المحاكمة وبالتحقيقات التي تحصل أمام المحكمة.
لما كان ذلك، وكانت باقي أوجه الدفاع التي أثارها المحكوم عليه تعتبر من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً صريحاً من المحكمة بل الرد يستفاد ضمناً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم ومن ثم فلا وجه للنعي على الحكم في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكانت النيابة العامة في مذكرتها بعرض القضية قد طلبت مع إقرار الحكم بإعدام المحكوم عليه، تصحيحه بإلغاء ما قضى به من تعويض لمصلحة الجمارك، ولما كان هذا الطلب في محله، كما أن الفقرة الثانية من المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض تخول هذه المحكمة أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبني على مخالفة القانون أو على خطأ في تطبيقه أو في تأويله. لما كان ذلك، وكانت المادة 32 من قانون العقوبات إذ نصت في فقرتها الأولى على أنه "إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها". فقد دلت بصريح عبارتها على أنه في الحالة التي يكون فيها للفعل الواحد عدة أوصاف يجب اعتبار الجريمة التي تمخض عنها الوصف أو التكييف القانوني الأشد للفعل والحكم بعقوبتها وحدها دون غيرها من الجرائم التي قد تتمخض عنها الأوصاف الأخف والتي لا قيام لها البتة مع قيام الجريمة ذات الوصف الأشد، إذ يعتبر الجاني كأن لم يرتكب هذه الجريمة الأخيرة، وذلك على خلاف حالة التعدد الحقيقي للجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة التي اختصت بها الفقرة الثانية من المادة 32 سالفة الذكر، إذ لا أثر لاستبعاد العقوبات الأصلية للجرائم الأخف في وجوب الحكم بالعقوبات التكميلية المتعلقة بهذه الجرائم ضرورة أن العقوبة التكميلية إنما تتعلق بطبيعة الجريمة ذاتها لا بعقوبتها، يؤكد هذا النظر صيغة الفقرتين إذ أردف الشارع عبارة "الحكم بعقوبة الجريمة الأشد" بعبارة "دون غيرها" في الفقرة الأولى الخاصة بالتعدد المعنوي بينما أسقط تلك العبارة في الفقرة الثانية الخاصة بالتعدد الحقيقي ولو كان مراده التسوية بينهما في الحكم لجرت صياغتهما بعبارة واحدة وعلى نسق واحد ولما كانت ثمة حاجة إلى فقرة لكليهما. لما كان ذلك، وكان الفعل الذي قارفه المحكوم عليه يتداوله وصفان قانونيان جلب جوهر مخدر دون الحصول على ترخيص كتابي من الجهة الإدارية المختصة والشروع في تهريب هذا المخدر بالعمل على إخفائه عن أعين السلطات الجمركية المختصة بقصد التخلص من سداد ما استحق عليه من رسوم جمركية مما يقتضي إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات اعتبار الجريمة التي تمخض عنها الوصف الأشد وهي جريمة جلب المخدر والحكم بعقوبتها المنصوص عليها في المادتين 33/ أ، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها دون عقوبة الشروع في التهريب الجمركي المنصوص عليها في المادة 122 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 66 لسنة 1963 أصلية كانت أو تكميلية، فإن الحكم المطروح إذ انتهى إلى القضاء بإلزام المحكوم عليه بعقوبة التعويض الجمركي المقررة لجريمة الشروع في التهريب بالإضافة إلى ما قضى به من العقوبة المقررة لجريمة الجلب ورغم إثباته في مدوناته إعمال حكم المادة 32 من قانون العقوبات يكون قد خلق عقوبة جديدة مستمدة من الجمع بين العقوبة المقررة للجريمتين وليس تطبيقاً لأشدهما مما لا سند له من القانون وبما يتنافر مع نص الفقرة الأولى من المادة 32 سالفة الذكر وهو ما يكون معه قد أخطأ في تأويل القانون وفي تطبيقه بما يوجب تصحيحه بإلغاء ما قضى به من تعويض جمركي قدره 361900.720 جنيه ومن حيث إنه فيما عدا ذلك، وكان يبين إعمالاً لنص المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن الحكم المطروح قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة جلب المخدر التي دين المحكوم عليه بالإعدام بها وساق عليها أدلة مردودة إلى أصلها في الأوراق ومن شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها. وقد صدر الحكم بالإعدام بإجماع آراء أعضاء المحكمة وبعد استطلاع رأي مفتي الجمهورية قبل إصدار الحكم وفقاً للمادة 381/ 2 من قانون الإجراءات الجنائية، وجاء خلواً من قالة مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله وقد صدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل في الدعوى ولم يصدر بعده قانون يسري على واقعة الدعوى بما يغاير ما انتهى إليه هذا الحكم، ومن ثم يتعين مع قبول عرض النيابة إقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه.

الطعن 1907 لسنة 34 ق جلسة 6 / 12 / 1992 إدارية عليا مكتب فني 38 ج 1 ق 22 ص 224

جلسة 6 من ديسمبر سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ عبد القادر هاشم النشار وإدوارد غالب سيفين وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمد ربيع - نواب رئيس مجلس الدولة.

---------------

(22)

الطعن رقم 1907 لسنة 34 القضائية

تراخيص - ترخيص البناء - غرامة البناء بدون ترخيص - تقدير قيمة الأعمال المخالفة - أسس التقدير.
المادتان الثالثة والرابعة من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء المعدل بالقانون رقم 30 لسنة 1983 والقانون رقم 54 لسنة 1984 والقانون رقم 99 لسنة 1986.
يلزم أن يكون تقدير الأعمال المخالفة الذي تقوم به لجنة التقدير قائماً على عناصر ثابتة واضحة وقائماً على أسس ثابتة من معاينة واقعية للعقار وسعر المتر من الأرض والقيمة الحقيقة لتكلفة المباني على هدي ما هو السائد بالمنطقة وذلك تأكيداً لدقة التقدير وما يترتب عليه من آثار مالية وجنائية يلزم أن يبعد به عن التقدير الجزافي القائم على مخالفة الواقع الحادث - إذا قام القرار المطعون فيه على أسباب صيغت بإيجاز وإجمال إلا أنه يجب أن لا يمثل هذا الإيجاز أو ذلك الإجمال إخلالاً بحقيقة أركان وعناصر الأسباب التي تطلبها القانون وإلا أضحت لم تقم على أساس محدد ومقبول ومستخلص من أصول ثابتة في الواقع أو الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها وإلا انطوى على مخالفة للقانون - أساس ذلك: في تجهيل الأسباب وعدم تحديدها حرمان للسلطات الرئاسية من حقها في مراجعة تلك القرارات والبت في تظلمات ذوي الشأن من جهة ومنع القضاء الإداري من مباشرة ولايته في رقابة مشروعية القرارات الإدارية التي يُطعن فيها بالإلغاء ويطلب وقف تنفيذها أمام المحاكم المختصة الداخلة في تكوين القسم القضائي بالمجلس وحرمانها من التحقق من مدى وجود صحته أو لانعدام الأساس القانوني الذي يجب أن يقوم عليه القرار المطعون فيه ومدى وقوع الخطأ في التطبيق القانوني بسبب الخطأ في تقدير الواقع - قيام القرار الإداري مبنياً على سبب معين قام الدليل على عدم صحته أصبح غير مشروع ومتعين القضاء بإلغائه تحقيقاً للشرعية وسيادة القانون - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 11/ 5/ 1988 أودع الأستاذ/ سلامة علي هنداوي النائب بهيئة قضايا الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن بصفته نائباً عن السيد/ محافظ الجيزة قيد أمامها برقم 1907 لسنة 34 ق. عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 17/ 3/ 1988 في الدعوى رقم 1026 لسنة 42 ق فيما قضى به وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تقدير قيمة الأعمال المخالفة وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم برفض طلب وقف التنفيذ ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وقد أعلن الطعن إلى المطعون ضده بتاريخ 23/ 5/ 1988.
وأودع الأستاذ حسن كمال الدين مفوض الدولة تقريراً برأي هيئة مفوضي الدولة انتهى فيه للأسباب الواردة به - إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً بشقيه مع إلزام الطاعن المصروفات.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 19/ 9/ 1988 وتداولته بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر وبجلسة 18/ 11/ 1991 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة التي نظرته بجلسة 15/ 12/ 1991 والجلسات التالية وفيها استمعت لما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات على النحو المبين بالمحاضر.
قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة 29/ 11/ 1992 ثم قررت مد أجل النطق به لجلسة اليوم 6/ 12/ 1992 وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن الطاعن قد أقام الدعوى رقم 1026 لسنة 45 ق بعريضة أودعها قلم كتاب المحكمة بتاريخ 25/ 11/ 1987 طالباً في ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار رقم 411 لسنة 1987 الصادر من محافظ الجيزة بتاريخ 27/ 8/ 1987 بتقدير قيمة الأعمال المخالفة بالعقار رقم 4 شارع إبراهيم أحمد سليمان من شارع الملك فيصل بمبلغ 21280.500 ج.
وأصلياً في الموضوع: بإلغاء هذا القرار فيما تضمنه من تقدير للأعمال المخالفة.
واحتياطياً: بإحالة الطعن إلى مكتب الخبراء بوزارة العدل ليعهد إلى أحد خبرائه المختصين لمعاينة العقار ملك المدعي وتحديد قيمة الأعمال المخالفة مع إلزام المدعى عليه المصروفات.
وقال المدعي شرحاً لدعواه إنه بتاريخ 27/ 8/ 1987 صدر قرار محافظ الجيزة المطعون عليه رقم 411 لسنة 1987 بناءً على طلب التصالح المقدم من مالك العقار المشار إليه وفقاً لنص المادة الثالثة من القانون رقم 30 لسنة 1983 المعدلة.
وقد نصت الفقرة الثانية من المادة الأولى من هذا القرار على تحديد قيمة الأعمال المخالفة بمبلغ 21280.500 جنيهاً وقد أقيم هذا التقدير على سند من أن العقار مكون من دورين بالأرض وأن الواجهة مبان فقط بدون تشطيب وأنها ترى توقيع غرامة البناء بدون ترخيص للدورين المقامين. وأضاف المدعي قوله أن حقيقة العقار مخالفة لتقرير اللجنة مما يؤكد صوريته وعدم انتقال اللجنة أو معاينتها للعقار وأن العقار مكون من دور أرضي (جراچ - أعمدة خرسانية) والدور فوق الأرضي عبارة عن شقتين إحداهما لم يتم تشطيبها وقد تم بناء العقار سنة 1979 وفقاً للثابت بالمستندات الأمر الذي يجعل تقدير اللجنة مع مخالفته للحقيقة مغالى فيه.
وقدم المدعي إثباتاً لدعواه حافظة مستندات اشتملت على صورة القرار المطعون فيه وتقرير اللجنة الفنية الأولى وبعض إيصالات صادرة باسم المدعي عن المبنى من مرفق مياه القاهرة وشركة توزيع الكهرباء.
وقد ردت الجهة الإدارية على الدعوى بأن التقدير جاء متفقاً مع الواقع وأن المدعي أقام مبنى دورين بدون ترخيص وبالمخالفة للقانون رقم 106 لسنة 1976 وتعديلاته وأنه تقدم بطلب للتصالح وفقاً للقانون رقم 30 لسنة 1983 وتعديلاته وقامت اللجنة بمعاينة العقار وقدرت قيمة الأعمال المخالفة بمبلغ 21280.500 وهو تقدير يتفق مع الواقع والقانون خاصة وأن المبنى أقيم عام 1983 وليس عام 1979 كما ذكر المدعي.
وبجلسة 17/ 3/ 1988 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه وقضت بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
وشيدت المحكمة قضاءها مستندة على أن الظاهر من الأوراق أن تقدير اللجنة لقيمة الأعمال المخالفة بمبلغ 21280.500 جنيهاً قد جاء جزافياً حيث لم يحدد التقرير الأسس التي قام عليها من حيث حساب مساحة العقار المخالف وثمن المتر من مبانيه، وغير ذلك من الأسس التي يمكن على أساسها مناقشة مدى جدية التقدير وهو الأمر الذي يوضح أن اللجنة لم تقم بمعاينة العقار وفق التزامها المشار إليه في المادة الثالثة من القانون رقم 30 لسنة 1983 وبالتالي فإن تقدير الأعمال المخالفة على النحو الذي اتبعته اللجنة موضوع الدعوى لا يبعث على الثقة ويجعل التقدير موضع شك فإذا نزل القرار المطعون فيه على مقتضى ما انتهت إليه اللجنة في هذا الشأن، فإن الحالة الواقعية المكونة لركن السبب تكون غير صحيح ويكون القرار - بحسب الظاهر - قد أقيم على غير سند من القانون - كما أنه عن ركن الاستعجال فإن إلزام المدعي بمبالغ كبيرة دون سند من القانون وإجباره على الوفاء بها دون سند مما ترى المحكمة أنه قد يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها الأمر الذي يتحقق معه ركن الاستعجال. وانتهت المحكمة إلى إصدار حكمها بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المدعى عليه المصروفات.
ومن حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله ذلك أن تقرير الحكم أن تقدير اللجنة الأولى الذي صدر القرار المطعون فيه على سند مما جاء به قد تم جزافاً بدون معاينة للعقار إنما قام على فرض لا سند له من الأوراق. حيث إن المعاينة الواقعية أثبتت أن العقار مكون من دورين كما أدرج بالتقرير بيان تفصيلي للعقار وأن تقدير اللجنة لقيمة الأعمال المخالفة إنما ثبت من بحث أعضائها من المتخصصين في هذا العمل ومن ثم يتمتع تقديرهم بالثقة وهو الأمر الذي استقرت عليه أحكام القضاء الإداري بشأن اختصاصات اللجنة الفنية المنصوص عليها في المادة (16) من القانون رقم 106 لسنة 1976 بشأن تنظيم وتوجيه أعمال البناء وتعديلاته.
ومن حيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 106 لسنة 1976 في شأن توجيه وتنظيم أعمال البناء معدلة بالقانون رقم 30 لسنة 1983 تنص على أن "لا يجوز إنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو هدمها أو إجراء أية تشطيبات خارجية مما تحدده اللائحة التنفيذية إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم أو إخطارها بذلك وفقاً لما تبينه اللائحة التنفيذية لهذا القانون.....".
وتنص المادة الثالثة من القانون رقم 30 لسنة 1983 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 المشار إليه والمعدل بالقانون رقم 54 لسنة 1984، ثم بالقانون رقم 99 لسنة 1986 على أن لا يجوز لكل من ارتكب مخالفة لأحكام القانون رقم 106 لسنة 1976 أو لائحته التنفيذية أو القرارات المنفذة له أن يقدم طلباً إلى الوحدة المحلية المختصة خلال مهلة تنتهي في 7/ 6/ 1985 لوقف الإجراءات التي اتخذت أو تتخذ ضده، وفي هذه الحالة تقف هذه الإجراءات إلى أن تتم معاينة الأعمال موضوع المخالفة بمعرفة اللجنة المنصوص عليها في المادة (16) من القانون رقم 106 لسنة 1976 في مدة لا تجاوز شهراً فإذا تبين أنها تشكل خطراً على الأرواح أو الممتلكات أو تتضمن خروجاً على خط التنظيم أو قيود الارتفاع المقررة في قانون الطيران المدني الصادر بالقانون رقم 28 لسنة 1981، وجب عرض الأمر على المحافظ المختص لإصدار قرار بالإزالة أو التصحيح وفقاً لحكم المادة (16) من ذلك القانون وتكون العقوبة في جميع الأحوال غرامة تحدد على الوجه التالي:
1 - 25% من قيمة الأعمال المخالفة إذا كانت لا تجاوز 50.000 خمسين ألف جنيه.
وتسري الأحكام السابقة على الدعاوى المنظورة أمام المحاكم ما لم يكن قد صدر فيها حكم نهائي. ويوقف نظر الدعاوى المذكورة بحكم القانون للمدة المشار إليها في الفقرتين الأولى والثانية.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى تطبيقاً لأحكام القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن تنظيم مجلس الدولة على أن وقف تنفيذ القرار المطلوب إلغاؤه رهين بتوافر ركنين أولهما: ركن الجدية ويتمثل في قيام الطعن في القرار - بحسب الظاهر - على أسباب جدية من حيث الواقع أو القانون تحمل على ترجيح الحكم بإلغائه عند النظر في الموضوع.
ثانيهما: ركن الاستعجال بأن يكون من شأن استمرار القرار وتنفيذه ترتيب نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى بإلغائه.
ومن حيث إنه بالنسبة لركن الجدية فالبين من الأوراق والمستندات حسبما سلفت الإشارة أن تقرير لجنة التقدير الذي قام القرار المطعون فيه على سند مما جاء به من أسباب وردت به على سبيل الإجمال دون تفصيل أو تحديد للأسس التي قام عليها والتي يلزم قانوناً أن يتضمنها التقرير تأكيداً لدقة التقدير وما يترتب عليه من آثار مالية وجنائية يلزم أن ينأى به عن التقدير الجزافي القائم على مخالفة للواقع الحادث.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الجهات الإدارية غير ملزمة بتسبيب قراراتها إلا حيث يكون ثمة نص يقضي بذلك. والثابت أن نص المادة الثالثة من القانون رقم 30 لسنة 1983 المشار إليه وتعديلاته تتطلب أن يقوم التقدير على عناصر ثابتةً واضحةً وأن يكون قائماً على أسس ثابتة من معاينة واقعية للعقار وسعر المتر من الأرض والقيمة الحقيقية لتكلفة المباني على هدي ما هو السائد بالمنطقة، وإن كان من المقرر أنه إذا قام القرار المطعون فيه على أسباب صيغت بإيجاز وإجمال إلا أنه يجب أن لا يمثل هذا الإيجاز أو ذلك الإجمال إخلالاً بحقيقة أركان وعناصر الأسباب التي تطلبها القانون وإلا أضحت لم تقم على أساس محدد ومقبول ومستخلص من أصول ثابتة في الواقع أو الأوراق ومؤدية إلى النتيجة التي انتهى إليها وإلا انطوى على مخالفة للقانون لما في تجهيل الأسباب وعدم تحديدها من حرمان للسلطات الرئاسية من حقها في مراجعة تلك القرارات والبت في تظلمات ذوي الشأن من وجهة ومنع القضاء الإداري من مباشرة ولايته التي حددتها المادة (172) من الدستور وقانون تنظيم مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 من رقابة مشروعية القرارات الإدارية التي يطعن فيها بالإلغاء ويطلب وقف تنفيذها أمام المحاكم المختصة الداخلة في تكوين القسم القضائي بالمجلس وحرمانها من التحقق من مدى وجوه صحته أو لانعدام الأساس القانوني الذي يجب أن يقوم عليه القرار المطعون فيه ومدى وقوع الخطأ في التطبيق القانوني بسبب الخطأ في تقدير الواقع.
وإذا قام القرار الإداري مبيناً على سبب معين قام الدليل على عدم صحته أصبح غير مشروع ومتعين القضاء بإلغائه تحقيقاً للشرعية وسيادة القانون.
ومن حيث إن الظاهر من الأوراق أن وصف العقار موضوع الدعوى حسبما جاء بتقرير اللجنة الأولى المشكلة بقرار محافظ الجيزة رقم 413 لسنة 1983 قد أورد أن العقار مكون من دورين بالأرضي وأن الواجهة مبان فقط بدون تشطيب وأنها ترى توقيع غرامة البناء بدون ترخيص للدورين المقامين وقدرت هذه الغرامة بمبلغ 21280.500 جنيهاً مستمدة مما عاينته ومن أن المباني أقيمت عام 1983 وجاء هذا التقرير والحال هذه خلواً من العناصر الأساسية الواقعية التي تطلب القانون بيانها فيه وقيامه عليها الأمر الذي يمنع من مباشرة سلطة رقابة المشروعية من القضاء على القرار بعدم تحديد الأسباب والأسس التي يقوم عليها ويرجح بحسب الظاهر من الأوراق افتقاد القرار المطعون فيه لكامل الأسباب التي تبرر الإبقاء عليه وتعصمه من الإلغاء لعدم استناده على أسبابه الصحيحة.
ومن حيث إنه عن ركن الاستعجال فإن البين من الأوراق أن الأثر المترتب على القرار هو تحصيل الغرامات المقررة قانوناً على تقدير قيمة الأعمال المخالفة بمبلغ 21280.500 جنيه وما يتصل بهذا التقدير من فرض غرامة بنسبة تبلغ 25% من القيمة التقديرية للأعمال المخالفة.
وإنه وإن كان الحال أن المنازعات التي تدور حول حقوق مالية يتنازعها أطراف الدعوى غالباً ما ينتفي تصور وقوع نتائج يتعذر تداركها من تنفيذ ما قد يصدر من قرارات في هذه المنازعات. إذ يؤول الأمر بعد حسم موضوع هذه المنازعات إلى أن يسترد كل صاحب حق حقه، ولما كان الطلب المستعجل في هذه الدعوى الماثلة يستهدف أساساً وقف تنفيذ صرف القيمة المالية المترتبة على تقدير قيمة الأعمال المخالفة موضوع طلب التصالح عليها، وما يترتب على فرضها من غرامات إضافية تمثل 25% من قيمتها حتى يقضي في موضوع الدعوى، ومما لا شك فيه أن عدم سداد المبالغ موضوع المطالبة إذا ما بولغ في تقديرها على غير أساس من الواقع مع الغرامة المقدرة عليها بما يخرج عن قدرة مالك العقار سوف يترتب عليه عدم الاستمرار في إجراءات التصالح أو وقف إجراءات إزالة ما تم من أعمال البناء مما قد يرتب نتائج يتعذر تداركها بالنسبة لذوي الشأن طالبي التصالح تنصب على إزالة المباني مادياً بما يزيل وجودها ويهدر قيمتها وملكيتها لطالبي التصالح على نحو تقصر قدرتهم المالية عن إعادة بنائها أو تنفيذها ما داموا قد عجزوا أصلاً عن تدبير قيمة الأعمال المبالغ في تقديرها وسداد الغرامة المشترطة للتصالح ووقف الإزالة لها. ومن ثم فإن ما يترتب فعلاً وقانوناً نتائج يتعذر تداركها في مفهوم حكم المادة (49) من قانون مجلس الدولة آنفة الذكر، لأنه لن يكون بوسع الطاعن في كل الأحوال فيما لو قضي لصالحه في موضوع الدعوى أن يستعيد الحال إلى ما كانت عليه ويسترد ما سبق دفعه من مبالغ ويعيد بناء ما يزال لعدم الصلح لذلك فإن القدر المتعين في المنازعة الماثلة أن طلب وقف التنفيذ قد توفر بشأنه ركن الاستعجال.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى بذلك للأسباب التي أوردها فإنه يضحى والحال هذه قد أصاب في النتيجة التي تضمنها منطوقه والتي تتفق مع صحيح أحكام القانون لما سلف بيانه من أسباب ومن ثم يكون الطعن على هذا الحكم بالإلغاء على غير سند صحيح من القانون واجب الرفض.
وحيث إن من خسر دعواه يلزم مصروفاتها وفقاً للمادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت المطعون ضده المصروفات.

الطعن 973 لسنة 37 ق جلسة 5 / 12 / 1992 إدارية عليا مكتب فني 38 ج 1 ق 21 ص 217

جلسة 5 من ديسمبر سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد مجدي خليل وعلي عوض محمد صالح وحسني سيد محمد وأحمد مجدي الأمير - نواب رئيس مجلس الدولة.

----------------

(21)

الطعن رقم 973 لسنة 37 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - اشتراطات شغل الوظيفة - المؤهل الدراسي - تعدد المؤهلات والمفاضلة فيها - المواد 8 و12 و36 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978.
بطاقة وصف الوظيفة هي وحدها التي تحدد اشتراطات شغلها سواء من حيث التأهيل العلمي أو المدة البينية التي يجب قضاؤها في الوظيفة الأدنى مباشرة أو مدة الخبرة الكلية في مجال العمل - بطاقات وصف الوظائف حين تحدد التأهيل العلمي للوظيفة لا يخرج هذا التحديد عادة عند تطلب المؤهل العالي عن أحد البدائل الآتية "مؤهل عال - مؤهل عال مناسب - مؤهل عال متخصص" تتفاوت السلطة التقديرية للإدارة عند مفاضلتها بين المرشحين لشغل وظيفة معينة وفقاً لأي من هذه البدائل - تتسع سلطة الإدارة عند تطلب مؤهل فقط وتضيق هذه السلطة عند تطلب مؤهل متخصص وتتمتع الإدارة عند تطلب مؤهل عال مناسب بسلطة الموازنة والتقدير بين المؤهلات التي يمكن اعتبارها مناسبة للوظيفة - نتيجة ذلك: خضوع الإدارة وهي بصدد ممارستها سلطاتها المشار إليها لرقابة القضاء الإداري - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 17/ 2/ 1991 أودع الأستاذ/ نعيم عطيه المحامي بصفته وكيلاً عن زينب محمود أبو ريه قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد برقم 973 لسنة 37 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة الترقيات) بجلسة 20/ 12/ 1990 في الدعوى رقم 2028 لسنة 40 ق المقامة من الطاعنة ضد رئيس مجلس الوزراء ووزير الثقافة، والقاضي أولاً: بقبول تدخل وسام إبراهيم أحمد مرزوق خصماً منضماً للجهة الإدارية. ثانياً: بعدم قبول تدخل بانسيه إبراهيم محمود سالم في الدعوى اختصامياً وإلزامها مصروفات هذا الطلب. ثالثاً: بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعية المصروفات، وطلبت الطاعنة للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض دعوى الطاعنة، والحكم لها بإلغاء القرار رقم 1141 لسنة 1985 بتاريخ 11/ 8/ 1985 فيما تضمنه من تعيين السيدة/ وسام إبراهيم مرزوق في وظيفة مدير عام مركز الفنون التشكيلية، وبأحقية الطاعنة في الترقية إلى هذه الوظيفة اعتباراً من التاريخ الأخير وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عن الدرجتين ومقابل أتعاب المحاماة.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانون مسبباً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنة المصروفات.
تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 10/ 2/ 1992 وتدوول نظره حيث قررت بجلسة 25/ 5/ 1992 إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) وحددت لنظره جلسة 27/ 6/ 1992 وفي هذه الجلسة والجلسات التالية تدوول نظر الطعن على الوجه المبين بالمحاضر وبجلسة 10/ 10/ 1992 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل في أنه بتاريخ 6/ 2/ 1986 أقامت السيدة/ زينب محمود أبو ريه الدعوى رقم 2028 لسنة 40 ق أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة الترقيات) ضد وزير الثقافة بصفته رئيس المجلس الأعلى للثقافة طالبة الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1141 الصادر بتاريخ 11/ 8/ 1985 فيما تضمنه من تعيين السيدة/ وسام إبراهيم مرزوق في وظيفة مدير عام بمركز الفنون التشكيلية وكذا الحكم بأحقيتها في الترقية لهذه الوظيفة اعتباراً من تاريخ صدور القرار المطعون فيه مع إلزام الجهة الإدارية المدعى عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ثم صححت المدعية شكل الدعوى باختصام رئيس مجلس الوزراء باعتباره مصدر القرار المطعون فيه، وذكرت المدعية شرحاً لدعواها أنها تشغل وظيفة مراقب عام الأقسام الفنية بمركز الفنون التشكيلية التابعة للمجلس الأعلى للثقافة. وبتاريخ 11/ 8/ 1985 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1141 متضمناً تعيين السيدة/ وسام إبراهيم مرزوق مديراً عاماً لمركز الفنون التشكيلية رغم عدم استيفائها لمتطلبات شغل هذه الوظيفة من حيث الحصول على مؤهل عال في مجال الفنون التشكيلية وقضاء مدة كلية في مجال الفنون التشكيلية لا تقل عن 16 سنة ومدة بينية لا تقل عن سنتين في الدرجة الأولى التخصصية في ذات المجال. ذلك أن السيدة المذكورة لا تحمل مؤهلاً في مجال الفنون ولم تمارس أي عمل في مجال الفنون التشكيلية منذ تعيينها حتى صدور القرار المذكور الأمر الذي يتضمن تخطياً للمدعية في الترقية لهذه الوظيفة رغم استيفائها لمتطلبات شغلها الأمر الذي دعاها للتظلم من هذا القرار ثم إقامة دعواها بطلباتها المشار إليها.
وأثناء نظر الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري تقدمت المطعون في ترقيتها بطلب قبول تدخلها خصماً منضماً للجهة الإدارية. كما تقدمت السيدة/ بانسيه إبراهيم محمود سالم بطلب قبول تدخلها هجومياً في الدعوى بطلب إلغاء القرار المطعون فيه لمصلحتها.
وبجلسة 20/ 12/ 1990 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بقبول تدخل وسام إبراهيم أحمد مرزوق خصماً منضماً للجهة الإدارية وبعدم قبول طلب تدخل بانسيه إبراهيم محمود سالم في الدعوى اختصامياً وبقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وأسست المحكمة قضاءها فيما يتعلق بالشق الأخير على أن الثابت من الأوراق أن المدعية والمطعون في ترقيتها متساويان في مرتبة الكفاية إلا أن المطعون في ترقيتها تسبق المدعية في ترتيب أقدمية الدرجة الأولى حيث تشغل المطعون في ترقيتها هذه الدرجة اعتباراً من 21/ 8/ 1978 في حين ترجع أقدمية المدعية فيها إلى 31/ 5/ 1981. كما أن المطعون في ترقيتها تتوافر في شأنها كافة اشتراطات شغل وظيفة مدير عام مركز الفنون التشكيلية وفقاً لبطاقة وصف هذه الوظيفة والتي تتطلب الحصول على مؤهل عال مناسب دون اشتراط أن يكون هذا المؤهل في الفنون. ومن ثم يكون القرار المطعون فيه فيما تضمنه من ترقيتها لهذه الوظيفة قد صدر سليماً ومتفقاً مع صحيح أحكام القانون.
ويقوم الطعن على الحكم المذكور على أنه جاء مبنياً على مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله لما يلي: -
أولاً: أن وظيفة مدير عام مركز الفنون التشكيلية (المطعون في الترقية عليها) تعتبر من الوظائف المتميزة التي تشترط في شاغلها صلاحية معينة وتأهيل خاص لذلك تتطلب بطاقة وصف هذه الوظيفة الحصول على مؤهل عال مناسب. وبالنظر لواجبات ومسئوليات تلك الوظيفة المحددة في بطاقة الوصف فإنه يتعين تفسير الشرط المذكور بأنه يعني مؤهلاً متخصصاً في مجال الفن التشكيلي بمعنى أن يكون المرشح لشغل هذه الوظيفة حاصلاً على مؤهل عال من إحدى الكليات الفنية المتخصصة وهو ما يتوافر في الطاعنة ولا يتوافر في المطعون على ترقيتها لأنها حاصلة على ليسانس آداب وهو مؤهل غير متخصص في مجال الفن التشكيلي وبذلك لا يعتبر مؤهلاً عالياً مناسباً، ومن ثم فإن ما ورد بالحكم المطعون عليه بأن بطاقة وصف الوظيفة محل الطعن لم تشترط الحصول على مؤهل معين بذاته مردود عليه بأنه لو صح لاقتصر الشرط على الحصول على مؤهل عال فقط دون إضافة كلمة مناسب.
ثانياً: أنه في ضوء ما ورد بالبند أولاً فإن جهة الإدارة لا تملك أية سلطة تقديرية في تحديد مدى ملاءمة ومناسبة المؤهل العالي المطلوب لشغل الوظيفة محل الطعن خارج نطاق وإطار مفهوم المؤهل العالي المناسب بمعنى أنه لا يجوز لها أن تقرر أن أي مؤهل عال بخلاف المؤهلات العالية المتخصصة يعتبر مؤهلاً مناسباً.
ثالثاً: أن ما ذكرته المطعون على ترقيتها من أنها حاصلة على ليسانس آداب قسم فلسفة وأن من بين العلوم التي تدرس في هذا القسم علم الجمال وتاريخ الحضارات بكل ما تستوعبه من فنون وآداب مردود عليه بأن هذه المادة يقصد بها الثقافة ولا تكفي لممارسة الخريج العمل في التخصص الفني فضلاً عن أن مجال عمل السيدة المذكورة اقتصر على أقسام الثقافة الجماهيرية بوظائف لا تدخل في مجال الفنون التشكيلية ومن البديهي أن شرط قضاء مدة بينية في الدرجة الأولى قدرها سنتان للترقية للوظيفة محل الطعن مفهومه أن تكون هذه المدة قد قضيت في مجال الفن التشكيلي وهو ما يتوافر في الطاعنة.
رابعاً: أن القرار المطعون فيه جاء مشوباً بالصورية والانحراف بالسلطة حيث استمرت المطعون على ترقيتها تعمل بالثقافة الجماهيرية بالإسكندرية حتى 19/ 9/ 1985 بينما صدر قرار ترقيتها المطعون عليه بتاريخ 11/ 8/ 1985 أثناء عملها خارج مركز الفنون التشكيلية بل أنه بتاريخ 10/ 12/ 1985 صدر قرار المشرف العام على المركز بتولي السيدة المذكورة الإشراف على قطاعات المركز بالإسكندرية وأنها ظلت تعمل بالإسكندرية ولم تشغل وظيفة المدير العام بمركز الفنون التشكيلية المرقى إليها لا قبل الترقية ولا بعدها.
ومن حيث إن المادة 8 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 تنص في فقرتها الثانية على أن "تضع كل وحدة جدولاً للوظائف مرفقاً به بطاقات وصف كل وظيفة وتحديد واجباتها ومسئولياتها والاشتراطات اللازم توافرها فيمن يشغلها وترتيبها....".
وتنص المادة 12 من ذات القانون على أن "يكون شغل الوظائف عن طريق التعيين أو الترقية أو النقل بمراعاة استيفاء الاشتراطات اللازمة".
وتنص المادة 36 على أنه "مع مراعاة استيفاء العامل لاشتراطات شغل الوظيفة المرقى إليها تكون الترقية إليها من الوظيفة التي تسبقها مباشرة في الدرجة والمجموعة النوعية التي تنتمي إليها...".
وتطبيقاً لذلك جرى قضاء هذه المحكمة على أن بطاقة وصف الوظيفة هي وحدها التي تحدد اشتراطات شغلها سواء من حيث التأهيل العلمي أو المدة البينية التي يجب قضاؤها في الوظيفة الأدنى مباشرة أو مدة الخبرة الكلية في مجال العمل.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على بطاقة وصف وظيفة مدير عام مركز الفنون التشكيلية "محل الطعن" أنها بدرجة مدير عام بالمجموعة النوعية للإدارة العليا وتقع على رأس مركز الفنون التشكيلية وتختص بالعمل على الارتقاء بالفنون التشكيلية المختلفة وربطها بالموقف الحاضر والحركة الفنية الدولية لتعميق الشخصية الفنية المصرية ويشترط لشغلها: مؤهل عال مناسب - قضاء مدة بينية مقدارها سنتان على الأقل في وظيفة من الدرجة الأدنى مباشرة - إجادة إحدى اللغات الأجنبية (الإنجليزية/ الفرنسية) على الأقل.
ومن حيث إن الماثل في الأوراق أن الطاعنة لا تنازع في أقدمية المطعون على ترقيتها في الدرجة الأولى التي تمت الترقية منها إلى الوظيفة محل الطعن حيث كانت الأخيرة أسبق من الطاعنة في الحصول على هذه الدرجة إذ حصلت عليها بتاريخ 21/ 8/ 1978 في حين حصلت عليها الطاعنة بتاريخ 31/ 5/ 1981 كذلك لا تنازع الطاعنة في حصول المطعون على ترقيتها على تقدير كفاية بمرتبة ممتاز في السنوات السابقة على ترقيتها كما لا تنازع أيضاً في أن المطعون على ترقيتها تتوافر في حقها شروط المؤهل العالي وقضاء مدة بينية مقدارها سنتان في وظيفة من الدرجة الأدنى وإجادة إحدى اللغات الأجنبية ولكن الخلاف يتمثل في مدى مناسبة المؤهل العالي الذي تحمله المطعون على ترقيتها للوظيفة المرقى إليها ومدى اكتسابها الخبرات اللازمة لهذه الوظيفة طوال حياتها الوظيفية بصفة عامة وخلال المدة البينية بصفة خاصة.
ومن حيث إن بطاقات وصف الوظائف حين تحدد التأهيل العلمي اللازم للوظيفة في ضوء طبيعتها والمجموعة التي تنتمي إليها والدرجة المالية المخصصة لها والوجبات والمسئوليات المنوطة بشاغلها لا يخرج هذا التحديد عادة عند تطلب المؤهل العالي عن أحد البدائل الآتية: 1 - مؤهل عال. 2 - مؤهل عال مناسب. 3 - مؤهل عال متخصص (فني - هندسي - تجاري - قانوني... إلخ) وتتفاوت السلطة التقديرية لجهة الإدارة عند مفاضلتها بين المرشحين لشغل وظيفة معينة وفقاً لأي من هذه البدائل فيتسع نطاق هذه السلطة عند تطلب مؤهل عال فقط بحيث يجوز شغل الوظيفة من بين حملة أي مؤهل من المؤهلات التي تعتبر قانوناً من المؤهلات العالية دون أفضلية لمؤهل على آخر وتضيق هذه السلطة عند تطلب مؤهل عال متخصص إذ تلتزم الإدارة بشغل الوظيفة من بين حملة هذا المؤهل دون أن يكون لها إحلال مؤهل آخر لا يوازيه من حيث التخصص محله. وفيما بين هذين الحدين تتمتع الإدارة عند تطلب مؤهل عال مناسب بسلطة الموازنة والتقدير بين المؤهلات التي يمكن اعتبارها مناسبة للوظيفة وغني عن البيان أن الإدارة تخضع وهي تمارس سلطاتها المشار إليها - بصورها المختلفة - لرقابة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه في ضوء ما تقدم وإذ حددت بطاقة وصف الوظيفة - محل الطعن - التأهيل العلمي اللازم لها بعبارة مؤهل عال مناسب دون عبارة مؤهل عال فني فإنها بذلك تفيد عدم حصر نطاق الترشيح لشغل هذه الوظيفة من بين حملة المؤهلات العليا الفنية دون غيرهم وإنما تفسح المجال لحملة أي مؤهل عال ترى الإدارة مناسبته للقيام بأعباء هذه الوظيفة وتحمل مسئولياتها الإدارية والفنية وفقاً لما حددته بطاقة الوصف.
ومن حيث إنه يبين الأوراق أن المطعون على ترقيتها حاصلة على ليسانس آداب قسم الدراسات الاجتماعية والفلسفية دور يونيو سنة 1955 وهذا المؤهل غير منقطع الصلة بمجال عمل الوظيفة محل النزاع وكانت تشغل قبل ترقيتها - المطعون عليها - وظيفة من الدرجة الأولى بالمجموعة النوعية لوظائف الفنون بالمجلس الأعلى للثقافة اعتباراً من 21/ 8/ 1978 وإذ قدرت الجهة الإدارية مناسبة المؤهل المذكور وصلاحية المطعون على ترقيتها لشغل الوظيفة - محل الطعن - والقيام بأعبائها وتحمل مسئولياتها بحكم خبراتها السابقة في الوظائف الأدنى خاصة وأن هذه الوظائف كانت بمجموعة الوظائف فإنه لا تثريب عليها في ذلك خاصة وقد توافرت في السيدة المذكورة باقي شروط الترقية من حيث الأقدمية ومرتبة الكفاية وباقي شروط شغل الوظيفة. ومن ثم يكون القرار المذكور متفقاً مع صحيح حكم القانون ولا يؤثر في سلامته وما صاحب تنفيذه بعد صدوره مما ساقه الطعن، ويكون الحكم المطعون عليه إذ قضى برفض دعوى الطاعنة بطلب إلغاء القرار المذكور فيما تضمنه من تعيين السيدة/ وسام إبراهيم مرزوق في وظيفة مدير عام مركز الفنون التشكيلية. قد صدر صحيحاً ويكون الطعن عليه على غير أساس سليم من القانون بما يتعين معه الحكم برفض الطعن وإلزام الطاعنة المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعنة المصروفات.