بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
باسم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي
محكمة التمييز
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 07-07-2025 بمقر محكمة التمييز بدبي
في الطعــن رقــم 5 لسنة 2025 قرارات الهيئة العامة - التمييز
طاعن:
ر. ا. ا. ل. ا.
مطعون ضده:
ا. ا. ل. ا.
الحكم المطعون فيه:
0/0 بتاريخ
أصدرت القرار التالي
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
وبناءً على طلب السيد القاضي رئيس محكمة التمييز باستطلاع رأي الهيئة العامة لمحكمة التمييز بشأن تفسير وتطبيق المادة (41) من القانون الاتحادي رقم (41) لسنة 2024 بشأن الأحوال الشخصية، وعلاقتها بالضوابط الصحية لعقد الزواج، لاسيما أن الفقرة (2) من المادة (27) من القانون الاتحادي رقم (28) لسنة 2005 بشأن الأحوال الشخصية المُلغى كانت تنص على اشتراط تقديم تقرير طبي يفيد الخلو من الأمراض التي نص القانون على طلب التفريق بسببها، في حين نصت المادة (41) من القانون الجديد على اشتراط "استيفاء المتطلبات وتقديم الوثائق والتقارير الطبية التي تحددها التشريعات السارية في هذا الشأن" دون النص صراحة على سلطة المحكمة في عدم توثيق العقد حال إصابة أحد الطرفين بأمراض موجبة للفسخ أو التفريق، وهو الأمر الذي قد يُفهم معه من ظاهر النص الموافقة على تزويج شخصين لمجرد قيامهما بتقديم تقارير طبية دون النظر إلى إصابتهما بإحدى الأمراض المذكورة من عدمه. لما كان ما تقدم، وكانت المادة الأولى من مواد إصدار القانون الاتحادي رقم (41) لسنة 2024 قد نصت على أنه: "يُعمل بقانون الأحوال الشخصية المرافق لهذا المرسوم بقانون الاتحادي، وتسري أحكامه على جميع المسائل التي تتناولها المواد الواردة فيه، فإذا لم يجد القاضي نصاً فيه حَكم بمقتضى الشريعة الإسلامية على أن تُراعى تخيّر أنسب الحلول حسبما تقتضيه المصلحة، فإذا لم يجد حَكم القاضي بمقتضى العرف على ألا يكون متعارضاً مع أحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الآداب العامة." وبما أن المادة (41) من القانون الاتحادي رقم (41) لسنة 2024 لم تتضمن نصاً صريحاً يحدد سلطة المحكمة في رفض توثيق عقد الزواج استناداً إلى نتائج التقارير الطبية التي تفيد وجود أمراض موجبة للتفريق، فإن القاضي ملزم بالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية التي تُراعى فيها المصلحة. وحيث إنه ولئن كان لا يوجد نص شرعي مباشر يوجب الفحص الطبي قبل الزواج، إلا أنه يستند جواز الفحص الطبي واستحبابه، وفي بعض الحالات إلزاميته، إلى مقاصد الشريعة الإسلامية العامة، والتي تتمثل أهمها في هذا الشأن فيما يلي:
1- حفظ النسل وحمايته: من أهم مقاصد الزواج إنجاب ذرية صالحة ومعافاة، والفحص الطبي يُسهم في الكشف عن الأمراض الوراثية والمعدية التي قد تنتقل إلى الأبناء. 2 - درء المفاسد وجلب المصالح: دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة، والفحص الطبي يجنّب الزوجين وذريتهما الأمراض والمشاكل الناتجة عنها. 3 - حفظ الصحة والعافية: يُعد الفحص الطبي إجراءً وقائياً يحمي صحة الزوجين ويقيهما من الأمراض المعدية. 4 - المودة والرحمة: الزواج مبني على المودة والرحمة والسكن، ووجود أمراض قد تعيق هذه المقاصد يبرر العلم بها مسبقاً لاتخاذ قرار مستنير. 5 - الشفافية وعدم الغش: ذلك أن كتمان الأمراض الخطيرة يُعتبر غشاً يتنافى مع مبادئ الإسلام. ولما كان ذلك، وكانت الشريعة الإسلامية قد منحت أياً من الزوجين حق طلب الفسخ حال وجود عيوب معينة في الطرف الآخر (خاصة المعدية أو التي تمنع الوطء)، فإن الفحص الطبي يُجنّب الدخول في نزاعات قد تؤدي للفسخ أو التفريق، ويُحقق معه مصلحة الدولة والمجتمع. لذا، اتجه أغلبية الفقهاء المعاصرين إلى استحباب الفحص الطبي وتشجيعه لما فيه من مصالح جمة، بل يرى بعض الفقهاء وجوبه إذا قررته الدولة لتحقيق مصلحة عامة، خاصة في ظل انتشار الأمراض الوراثية والمعدية. بناءً على ما تقدم، وحيث إن المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية تهدف إلى جلب المصالح ودرء المفاسد وحفظ الضروريات (النفس والنسل)، فإن النص على تقديم التقارير الطبية في المادة (41) من القانون الاتحادي رقم (41) لسنة 2024 يجب أن يُفسر بما يتوافق مع هذه المقاصد السامية. مما ترى معه الهيئة العامة تفسير المادة (41) من القانون الاتحادي رقم (41) لسنة 2024 بشأن الأحوال الشخصية، فيما يتعلق بتقديم التقارير الطبية، على أنها تُلزم المحكمة بالتحقق من خلو طالبي الزواج من الأمراض التي نص القانون على طلب التفريق بسببها، وذلك إعمالاً لمقاصد الشريعة الإسلامية والمصلحة العامة، وتجنباً للمفاسد المحتملة التي قد تنشأ عن إبرام مثل هذه العقود.
فلهذه الأسباب
قررت الهيئة أنه يقع ضمن اختصاص المحكمة رفض توثيق معاملات الزواج التي يثبت من التقارير الطبية المرفقة فيها إصابة أحد الزوجين أو كليهما بأي من الأمراض التي نص القانون على طلب التفريق بسببها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق