جلسة الاثنين 9 مايو 2016
برئاسة السيد القاضي/ عبد العزيز عبد الله الزرعوني رئيس الدائرة وعضوية
السادة القضاة: مصطفى عطا محمد الشناوي، مصبح سعيد ثعلوب، محمود مسعود متولي شرف
ومحمود فهمي سلطان.
----------------
(35)
الطعنان رقما 324 و335 لسنة 2016 "جزاء"
(1) إثبات "خبرة". خبرة"
تقدير تقرير الخبير". تمييز "أسباب الطعن: ما لا يقبل منها". محكمة
الموضوع "سلطتها في الإثبات: في الخبرة".
تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات. من
سلطة محكمة الموضوع. عدم التزامها بالرد على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء. ما
دامت قد أخذت بما جاء بها. علة ذلك. اطمئنان محكمة الموضوع إلى ما تضمنته تقارير
اللجنة العليا للمسئولية الطبية. النعي بعدم صحتها وتناقضها. منازعة لما استخلصته
من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات. جدل موضوعي في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر
الدعوى واستنباط معتقدها. غير جائز. أمام محكمة التمييز.
(2) إجراءات. خبرة. إثبات "خبرة".
حضور الخصوم أثناء تأدية الخبير لمأموريته. غير لازم. م 96 إجراءات.
(3) إثبات "خبرة". خبرة. حكم
"تسبيب الحكم: تسبيب غير معيب". تمييز" أسباب الطعن: ما لا يقبل
منها".
النعي بعدم إشارة الحكم إلى المصدر الذي استقت منه اللجنة أن
الطاعنتين هما اللتان قررتا وقف علاج التشنجات للمجني عليه. غير مقبول. طالما أن
البين من الأوراق أن اللجنة قد أشارته في تقاريرها إلى المصدر وهو الملف الطبي
الخاص بالمجني عليه.
(4) مسئولية "مسئولية جنائية: مسئولية
الطبيب" "أركان المسئولية: "
مثال لتسبيب سائغ على توافر ركن الخطأ في مسئولية طبية.
(5) تمييز "أسباب الطعن: ما لا يقبل
منها". محكمة الموضوع "سلطتها في المسئولية: تقدير الخطأ"
"تقدير رابطة السببية". مسئولية "المسئولية الجنائية: أركانها:
الخطأ" "رابطة السببية".
تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه. تعلقه بموضوع الدعوى. تقدير
توافر السببية بين الخطأ والإصابة. من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة
الموضوع. بلا معقب عليها. شرط ذلك. ما يثيره الطاعن في هذا الشأن. جدل في سلطة
محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى. غير جائز. أمام محكمة التمييز. مثال.
(6) جريمة "أركانها".
مسئولية" المسئولية الجنائية: أركانها: الخطأ: تعدد الأخطاء". تمييز
"أسباب الطعن: ما لا يقبل منها". حكم" تسبيبه: تسبيب غير
معيب".
تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع الحادث. يوجب مساءلة كل من أسهم فيها أيا
كان قدر الخطأ المنسوب إليه سواء أكان سببا مباشرا أو غير مباشر. استظهار الحكم
المطعون فيه خطأ المتهم ورابطة السببية بين سلوكه وإصابة المجني عليه. يتحقق به
مسئولية. ما دام قد أثبت قيامها في حقه. ولو أسهم آخرون في إحداثها. النعي بعدم
توافر خطأ المتهم. غير مقبول.
(7) حكم "تسبيبه: تسبيب غير معيب".
تمييز "إجراءات الطعن: الصفة والمصلحة". مسئولية" أركان المسئولية:
الخطأ". خبرة" اللجنة العليا للمسؤولية الطبية".
انتهاء الحكم المطعون فيه إلى تحديد الخطأ في حق الطاعن في صورة واحدة
وتتمثل في إهماله في عدم صرفه العقار المضاد للتشنجات للمجني عليه رغم علمه من
خلال اطلاعه على ملفه الطبي مما أصابه بتشنجات مستمرة بعدم تناوله والتي دلل على
ثبوتها بأقوال الشاهد والطاعن الأول بتحقيقات النيابة وتقارير اللجنة العليا
للمسئولية الطبية. نعيه على الحكم بشأن صور الخطأ الأخرى التي تتمثل في علم الطاعن
بوقف العقار. لا مصلحة فيه.
(8) المسئولية الجنائية" أركانها: الخطأ
: تعدد الأخطاء". حكم "تسبيبه: تسبيب غير معيب".
تعدد صور الخطأ وكفاية كل صورة منها لترتيب المسئولية ولو لم يقع خطأ
آخر. المجادلة في باقي صور الخطأ. لا جدوى منه. طالما اطمأنت المحكمة إلى توافره
في حق المتهم.
(9) تمييز" أسباب الطعن: التناقض".
حكم "عيوب التدليل: التناقض".
التناقض الذي يعيب الحكم. ماهيته. مثال لانتفاء التناقض.
(10) إثبات "شهود". محكمة الموضوع
"سلطتها في الإثبات: في شهادة الشهود". تمييز" أسباب الطعن: ما لا
يقبل منها".
لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفي. ما دامت لا تثق بما شهدوا
به. عدم التزامها بالإشارة إلى أقوالهم. طالما لم تستند إليها. قضاؤها بالإدانة
لأدلة الثبوت التي أوردتها. مفاده إطراحها. النعي في هذا الشأن. غير مقبول.
---------------
1 - المقرر أن الأصل أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى
تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير
القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في
تقدير الدليل، وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء ما دامت
قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها
إليه. ولما كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى ما تضمنته تقارير اللجنة العليا
للمسئولية الطبية، فإن كل ما يثيره الطاعنون بشأن تلك التقارير وما ينعونه بعدم
صحتها وتناقضها يعد منازعة لسلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى
والتحقيقات التي تمت فيها ولا يخرج عن كونه جدلا موضوعيا في سلطة محكمة الموضوع في
وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة التمييز.
2 - إن المشرع لم يستلزم في المادة 96 من
قانون الإجراءات الجزائية، ضرورة حضور الخصوم أثناء تأدية الخبير لمأموريته ومن ثم
يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب صحيح القانون عندما انتهج هذا النظر.
3 - أن البين من الأوراق أن اللجنة العليا
للمسئولية الطبية قد أشارت في تقاريرها إلى المصدر الذي استقت منه المعلومات وهو
الملف الطبي الخاص بالمجني عليه - خلافا لما تزعمه الطاعنتان الثانية والثالثة -
ومن ثم يكون كل ما ينعاه الطاعنون في هذا الشأن غير مقبول.
4 - إذ كان الحكم المطعون فيه قد دلل على
توافر ركن الخطأ في جانب الطاعن الأول متمثلا فيها جاء بتقرير اللجنة العليا
للمسئولية الطبية من أن الطاعن الأول وهو طبيب أعصاب قد تولى علاج المجني عليه
خلال فترة إقامته بالمستشفى ولم يصرف له عقار الفينوتوبين المضاد للتشنجات التي
يعاني منها المجني عليه وكان يتناوله للعلاج وبعد إصابته بالصرع في السابق وفيما
جاء بأقوال الطاعن الأول بتحقيقات النيابة من أنه أشرف على علاج المجني عليه
باعتباره طبيب أعصاب وأنه من خلال اطلاعه على ملف المجني عليه الطبي تبين له أنه
يستخدم عقار الفينوتوبين.
5 - إذ كان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية
مرتكبه مما يتعلق بموضوع الدعوى وكان تقدير توافر السببية بين الخطأ والإصابة أو
عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب
عليها ما دام تقديرها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة ولها أصلها في الأوراق، فإن
الحكم المطعون فيه وقد خلص مما له معينه الصحيح في الأوراق إلى أن ركن الخطأ الذي
نسب إلى الطاعن يتمثل في عدم صرف العقار المضاد للتشنجات للمجني عليه رغم علمه
بأنه يتناوله من خلال اطلاعه على ملفه الطبي مما أدى إلى إصابة المجني عليه
بالتشنجات المستمرة وقدرا كبيرا من المعاناة الجسدية والنفسية يكون سائغا في العقل
والمنطق وهو ما يوفر قيام الخطأ في جانب الطاعن الأول وتتوافر به السببية بين هذا
الخطأ وإصابة المجني عليه فإن ما يثيره الطاعن الأول في سلامة ما استخلصه الحكم من
ذلك، ولا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى
واستنباط معتقدها منها، وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة التمييز.
6 - إذ كان تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع
الحادث يوجب مساءلة كل من أسهم فيها أيا كان قدر الخطأ المنسوب إليه يستوي في ذلك
أن يكون سببا مباشرا أم غير مباشر في حصوله، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر خطأ
الطاعن على السياق المتقدم ورابطة السببية بين سلوك المتهم الخاطئ وإصابة المجني
عليه مما يتحقق به مسئولية الطاعن ما دام قد أثبت قيامها في حقه ولو أسهم آخرون في
إحداثها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الأول من عدم توافر ثمة خطأ في جانبه أدى إلى
إصابة المجني عليه وأن غيره هو السبب في ذلك لا يكون له محل.
7 - إذ كان البين مما أورده الحكم المطعون
فيه أنه انتهى إلى تحديد الخطأ في حق الطاعن في صورة واحدة تتمثل في أنه أهمل في
أداء عمله المسئول عنه ولم يراع صرف العقار المضاد للتشنجات للمجني عليه رغم علمه
بأنه يتناوله من خلال اطلاعه على ملفه الطبي وكونه طبيبا متخصصا في الأعصاب مما
أدى إلى إصابة المجني عليه بتشنجات مستمرة لعدم تناوله ذلك العقار ودلل الحكم على
ثبوت هذه الصورة بأقوال الشاهد والطاعن الأول بتحقيقات النيابة وتقارير اللجنة
العليا للمسئولية الطبية ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فيما ينعاه على الحكم بشأن صورة
الخطأ الأخرى التي تتمثل في علم الطاعن بوقف العقار ولم ينصح باستمراره.
8 - المقرر من أنه إذا تعددت صور الخطأ وكانت
كل صورة منها تكفي لترتيب المسئولية ولو لم يقع خطأ آخر وكانت المحكمة قد اطمأنت
إلى توافر الخطأ في حق المتهم فإنه لا جدوى من المجادلة في باقي صور الخطأ.
9 - المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما
يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته
المحكمة والذي من شأنها أن يجعل الدليل متهادما متساقطا لا شيء فيه باقيا يمكن أن
يعتبر قواما لنتيجة سليمة يمكن الاعتماد عليها - وهو ما خلا الحكم منه - ومن ثم
يكون منعى الطاعن الأول في هذا الخصوص ولا محل لها.
10 - لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود
النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به وهي غير ملزمه بالإشارة إلى أقوالهم طالما لم
تستند إليها وفي قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها دلالة على أنها لا
تطمئن إلى أقوال هؤلاء الشهود فأطرحتها ومن ثم فإن نعي الطاعن الأول في هذا الشأن
يكون غير سديد.
-------------
الوقائع
وحيث إن النيابة العامة اتهمت كل من: 1- .....
2- ...... 3- ..... لأنهم بتاريخ 5/12/2009 ولاحق عليه
بدائرة مركز شرطة الرفاعة.
تسببوا بخطئهم في إصابة المجني عليه ..... وذلك بإخلالهم بما تفرضه
عليهم أصول مهنتهم، بأن قطعوا علاج التشنجات للمجني عليه أثناء تواجده بالمستشفى
الأمر الذي أدى إلى إصابة الأخير بتشنجات متتالية أدت إلى دخوله في غيبوبة على
النحو الثابت بالأوراق.
وطلبت عقابهم بالمادتين 121/ 1، 343/ 1 من قانون العقوبات الاتحادي
المعدل وادعى وكيل المجني عليه مدنيا قبل المتهمين وطلب إلزامهم بأن يؤدوا له مبلغ
21.000 درهم على سبيل التعويض المؤقت.
وبجلسة 17/7/2014 حكمت محكمة أول درجة حضوريا للمتهم الثالث وحضوريا
اعتباريا للمتهمتين الأولى والثانية بمعاقبة المتهمين جميعا بتغريم كل منهم عشرة
آلاف درهم عما نسب إليهم وبإحالة الدعوى المدنية إلى المحكمة المدنية المختصة.
طعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بالاستئنافين رقمي 6096، 6291/ 2014
وبجلسة 21/10/2014 حكمت المحكمة الاستئنافية حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفي
الموضوع بتعديل الحكم المستأنف والقضاء مجددا ببراءة ..... وتأييد الحكم المستأنف
فيما عدا ذلك بشأن إدانة المتهمتين الأولى والثانية.
طعن المحكوم عليهما الأولى .... والثانية .... في هذا الحكم بالتمييز
المقيد برقم 805/ 2014، كما طعنت النيابة العامة بالتمييز المقيد برقم 814/ 2014.
وبجلسة 8/12/2014 حكمت محكمة التمييز بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة
الدعوى إلى محكمة الاستئناف لتقضي فيها من جديد دائرة مشكلة من قضاة آخرين. وبجلسة
15/3/2016 حكمت المحكمة الاستئنافية - بهيئة مغايرة - حضوريا في موضوع الاستئنافين
بإلغاء الحكم المستأنف والقضاء بمعاقبة كل من .... و.... و.... بتغريم كل منهم
مبلغ عشرة آلاف درهم.
طعن المحكوم عليه الثالث .... في هذا الحكم بالتمييز المقيد برقم 324/
2016 بموجب تقرير مؤرخ 12/4/2016 مرفق به مذكرة بأسباب الطعن موقع عليها من محاميه
الموكل طلب فيها نقض الحكم وسدد مبلغ التأمين المقرر.
كما طعن المحكوم عليهما الأولى .... والثانية .... بالتمييز المقيد
برقم 335/ 2016 بموجب تقرير مؤرخ 13/4/2016 مرفق به مذكرة بأسباب الطعن موقع عليها
من محاميهما الموكل طلبا فيها نقض الحكم وسددت كل منهما مبلغ التأمين المقرر.
وحيث إن المحكمة أمرت بضم الطعنين ليصدر فيهما حكم واحد.
-------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وتلاوة تقرير التلخيص الذي أعده السيد القاضي
.... وسماع المرافعة والمداولة قانونا.
وحيث إن الطعنين قد استوفيا الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعنين ينعون في مذكرتي أسباب الطعنين على الحكم المطعون
فيه أنه إذ دانهم بجريمة الإصابة الخطأ قد شابه القصور والتناقض في التسبيب
والفساد في الاستدلال والخطأ في القانون ذلك أن الحكم عول على تقرير اللجنة العليا
للمسئولية الطبية رغم تناقضه واستناده إلى معلومات غير صحيحة ولم يشر إلى المصدر
الذي استقت منه اللجنة أن الطاعنتين الثانية والثالثة هما اللتان قررتا وقف علاج
التشنجات للمجني عليه إذ خلت الأوراق وملفه الطبي مما يدل على ذلك، وأن التقرير لم
يحدد الفعل الذي ارتكبه الطاعن الأول وجاء مبينا على مجرد افتراضات ولم تقم اللجنة
معدة التقرير بسؤال الأطباء الذين أشرفوا على علاج المجني عليه ولم تستدع الطاعن
الأول لمناقشته وتحقيق دفاعه، وأهدر الحكم دفاع الطاعن الأول بانتفاء مسئوليته عن
الخطأ الطبي وأنه قام بتأدية دوره وفق المتعارف عليه طبيا إذ أن المجني عليه كان
يخضع للإشراف الطبي من قبل أطباء آخرين بقسم الباطنية وتم استشارته فقط بخصوص
معاناته من حالة الصداع والدوار وليس لعلاجه من الصرع، وأن الطاعن الأول تمسك أمام
المحكمة بدفاع مؤداه أن ملف المجني عليه الطبي خلا مما يفيد أنه تم وقف إعطائه
دواء الفينوتوين الخاص بعلاج الصرع ولم يتصل علم الطاعن بقرار وقف ذلك الدواء قبل
أن يعرض عليه إلا أن المحكمة لم تعرض لهذا الدفاع إيرادا وردا رغم جوهريته بدلالة
أن المحكمة خاطبت اللجنة العليا للمسئولية الطبية لتحقيقه إلا أن اللجنة امتنعت عن
الرد وأن الطاعن لا يسأل عن خطأ غيره وإهماله في عدم توثيق وقف إعطاء الدواء
للمجني عليه في ملفه الطبي وأن ما أورده الحكم من أن الطاعن الأول كان على علم
بوقف الدواء ولم ينصح باستمراره يخالف الثابت بالأوراق، كما أن ما أورده الحكم من
أن الطاعنين أوقفوا الدواء يتناقض مع ما أورده في موضع آخر من أن الطاعنتين الثانية
والثالثة هما اللتان أوقفتا إعطاء المجني عليه هذا الدواء وأخيرا فقد التفت الحكم
عن شهادة شاهد النفي بشأن انتفاء الخطأ من جانبه الطاعن الأول، كل ذلك مما يعيب
الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد أنشأ لنفسه أسبابا ومنطوق جديدين وبين
واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها
وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن الأصل أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى
تقاريرهم من اعتراضات مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير
القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في
تقدير الدليل، وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء ما دامت
قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها
إليه. ولما كانت محكمة الموضوع قد اطمأنت إلى ما تضمنته تقارير اللجنة العليا
للمسئولية الطبية، فإن كل ما يثيره الطاعنون بشأن تلك التقارير وما ينعونه بعدم
صحتها وتناقضها يعد منازعة لسلامة ما استخلصته المحكمة من واقع أوراق الدعوى والتحقيقات
التي تمت فيها ولا يخرج عن كونه جدلا موضوعيا في سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر
الدعوى واستنباط معتقدها مما لا يجوز الخوض فيه أمام محكمة التمييز، هذا فضلا عن
أن المشرع لم يستلزم في المادة 96 من قانون الإجراءات الجزائية، ضرورة حضور الخصوم
أثناء تأدية الخبير لمأموريته ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب صحيح القانون
عندما انتهج هذا النظر كما أن البين من الأوراق أن اللجنة العليا للمسئولية الطبية
قد أشارت في تقاريرها إلى المصدر الذي استقت منه المعلومات وهو الملف الطبي الخاص
بالمجني عليه - خلافا لما تزعمه الطاعنتان الثانية والثالثة - ومن ثم يكون كل ما
ينعاه الطاعنون في هذا الشأن غير مقبول.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على توافر ركن الخطأ في
جانب الطاعن الأول متمثلا فيها جاء بتقرير اللجنة العليا للمسئولية الطبية من أن
الطاعن الأول وهو طبيب أعصاب قد تولى علاج المجني عليه خلال فترة إقامته بالمستشفى
ولم يصرف له عقار الفينوتوبين المضاد للتشنجات التي يعاني منها المجني عليه وكان
يتناوله للعلاج وبعد إصابته بالصرع في السابق وفيما جاء بأقوال الطاعن الأول
بتحقيقات النيابة من أنه أشرف على علاج المجني عليه باعتباره طبيب أعصاب وأنه من
خلال اطلاعه على ملف المجني عليه الطبي تبين له أنه يستخدم عقار الفينوتوبين. لما
كان ذلك، وكان تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه مما يتعلق بموضوع الدعوى وكان
تقدير توافر السببية بين الخطأ والإصابة أو عدم توافرها هو من المسائل الموضوعية
التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغا مستندا إلى
أدلة مقبولة ولها أصلها في الأوراق، فإن الحكم المطعون فيه وقد خلص مما له معينه
الصحيح في الأوراق إلى أن ركن الخطأ الذي نسب إلى الطاعن يتمثل في عدم صرف العقار
المضاد للتشنجات للمجني عليه رغم علمه بأنه يتناوله من خلال اطلاعه على ملفه الطبي
مما أدى إلى إصابة المجني عليه بالتشنجات المستمرة وقدرا كبيرا من المعاناة
الجسدية والنفسية يكون سائغا في العقل والمنطق وهو ما يوفر قيام الخطأ في جانب
الطاعن الأول وتتوافر به السببية بين هذا الخطأ وإصابة المجني عليه فإن ما يثيره
الطاعن الأول في سلامة ما استخلصه الحكم من ذلك، ولا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في
سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها منها، وهو ما لا يجوز
إثارته أمام محكمة التمييز.
لما كان ذلك، وكان تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مساءلة كل
من أسهم فيها أيا كان قدر الخطأ المنسوب إليه يستوي في ذلك أن يكون سببا مباشرا أم
غير مباشر في حصوله، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر خطأ الطاعن على السياق
المتقدم ورابطة السببية بين سلوك المتهم الخاطئ وإصابة المجني عليه مما يتحقق به
مسئولية الطاعن ما دام قد أثبت قيامها في حقه ولو أسهم آخرون في إحداثها، ومن ثم
فإن ما يثيره الطاعن الأول من عدم توافر ثمة خطأ في جانبه أدى إلى إصابة المجني
عليه وأن غيره هو السبب في ذلك لا يكون له محل.
لما كان ذلك، وكان البين مما أورده الحكم المطعون فيه أنه انتهى إلى
تحديد الخطأ في حق الطاعن في صورة واحدة تتمثل في أنه أهمل في أداء عمله المسئول
عنه ولم يراع صرف العقار المضاد للتشنجات للمجني عليه رغم علمه بأنه يتناوله من
خلال اطلاعه على ملفه الطبي وكونه طبيبا متخصصا في الأعصاب مما أدى إلى إصابة المجني
عليه بتشنجات مستمرة لعدم تناوله ذلك العقار ودلل الحكم على ثبوت هذه الصورة
بأقوال الشاهد والطاعن الأول بتحقيقات النيابة وتقارير اللجنة العليا للمسئولية
الطبية ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فيما ينعاه على الحكم بشأن صورة الخطأ الأخرى التي
تتمثل في علم الطاعن بوقف العقار ولم ينصح باستمراره، لما هو مقرر من أنه إذا
تعددت صور الخطأ وكانت كل صورة منها تكفي لترتيب المسئولية ولو لم يقع خطأ آخر
وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى توافر الخطأ في حق المتهم فإنه لا جدوى من المجادلة
في باقي صور الخطأ.
لما كان ذلك، وكان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع
بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته
المحكمة والذي من شأنها أن يجعل الدليل متهادما متساقطا لا شيء فيه باقيا يمكن أن
يعتبر قواما لنتيجة سليمة يمكن الاعتماد عليها - وهو ما خلا الحكم منه - ومن ثم
يكون منعى الطاعن الأول في هذا الخصوص ولا محل له.
لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت
لا تثق بما شهدوا به وهي غير ملزمه بالإشارة إلى أقوالهم طالما لم تستند إليها وفي
قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها دلالة على أنها لا تطمئن إلى أقوال
هؤلاء الشهود فاطرحتها ومن ثم فإن نعي الطاعن الأول في هذا الشأن يكون غير سديد.
لما كان ما تقدم، فإن الطعنين يكونان على غير أساس متعين رفضهما مع مصادرة مبالغ
التأمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق