جلسة 21 من يناير سنة 1956
برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وحسن جلال ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.
---------------
(49)
القضية رقم 285 لسنة 1 القضائية
سكك حديدية
- سائقو ووقادو القطارات وغيرهم من الطوائف الواردة بقراري مجلس الوزراء الصادرين في 16/ 3/ 1938 و13/ 1/ 1943 - نقل من يفقد اللياقة الطبية منهم إلى وظيفة خالية بنفس ماهيته الأصلية - استثناء من أحكام كادري 1931 و1939 - منوط بأن يكون فقدان اللياقة الطبية راجعاً إلى ضعف الإبصار أو الصدر أو القلب - ورود هذه الأمراض بالقرارين على سبيل الحصر - امتناع القياس عليها - أساس ذلك.
إجراءات الطعن
في 21 من أغسطس سنة 1955 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة) بجلسة 20 من يونيه سنة 1955 في الدعوى رقم 4683 لسنة 8 القضائية المقامة من وزارة المواصلات ضد السيد/ أحمد محمد أبو العينين والقاضي "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وفي الموضوع برفض الدعوى وألزمت الحكومة بالمصروفات". وهي الدعوى التي كانت الوزارة قد طلبت فيها الحكم "بإلغاء قرار اللجنة القضائية الصادر في التظلم المقيد تحت رقم 62 لسنة 2 القضائية" المرفوع من السيد/ أحمد محمد أبو العينين ضدها، والذي أصدرت فيه اللجنة القضائية للنظر في المنازعات الخاصة بموظفي الدولة لوزارة المواصلات بجلسة 7 من نوفمبر سنة 1953 قرارها بـ "استفادة المتظلم من قرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من يناير سنة 1943 واستحقاقه للعودة للخدمة بمرتبه الذي كان يتقاضاه قبل فصله وقدره 240 م يومياً وما يترتب على ذلك من آثار". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضته "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء قرار اللجنة القضائية ورفض طلب المتظلم وإلزامه المصروفات". وقد أعلن كل من وزارة المواصلات والمطعون عليه بعريضة هذا الطعن في 31 من أغسطس و8 من سبتمبر سنة 1955 على التوالي. فأودع المطعون عليه سكرتيرية المحكمة في 27 من سبتمبر سنة 1955 مذكرة بملاحظاته انتهى فيها إلى طلب "الحكم برفض الطعن وإلزام المصلحة المصروفات والأتعاب". ولم تقدم الجهة الإدارية مذكرة بملاحظاتها في الميعاد القانوني. وقد عين لنظر الطعن جلسة 17 من ديسمبر سنة 1955، وأخطر الطرفان بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 20 من يونيه سنة 1955، وقد رفع الطعن الحالي بإيداع صحيفته سكرتيرية هذه المحكمة في 21 من أغسطس سنة 1955. ولما كان يوم 20 من أغسطس سنة 1955 يوافق عطلة رسمية بمناسبة عيد رأس السنة الهجرية الذي سبقه يوم جمعة، فإن هذا الطعن يكون - طبقاً للمادة 23 من قانون المرافعات المدنية والتجارية - قد رفع في الميعاد القانوني، ويكون قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المطعون عليه أقام أمام اللجنة القضائية لوزارة المواصلات التظلم رقم 62 لسنة 2 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية اللجنة في 4 من أكتوبر سنة 1953 شفعها بأخرى في 8 منه، وذكر فيهما أنه عين بمصلحة السكك الحديدية في وظيفة خفير مزلقان في سنة 1928، ثم محولجي في سنة 1929، ثم عامل مناورة في سنة 1942، وأنه كان بمحطة بولاق الدكرور في سنة 1947 حين أصابه مرض فحول على القومسيون الطبي الذي قرر عدم لياقته لأشغال المناورة فصدر قرار في 18 من يونيه سنة 1947 بفصله من الخدمة. ثم أعيد تعيينه في 5 من أغسطس سنة 1947 في وظيفة فراش استراحة بحركة أقسام مصر، واعتبر مستجداً فخفضت أجرته اليومية من 240 م إلى 140 م، ومن ثم فإنه يطلب رفع أجرته إلى ما كانت عليه؛ حيث إن وظيفته التي نقل منها تتكافأ مع وظيفته الحالية وتتحد معها في المربوط. وقد ردت المصلحة على هذا التظلم بأن المتظلم فصل من الخدمة في 18 من يونيه سنة 1947 لعدم لياقته الطبية لوظيفة عامل مناورة التي كان معيناً فيها، ولما لم يكن "تشريكه" يسبب إصابته بأحد الأمراض التي نص عليها قرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من يناير سنة 1943، وهي القلب والصدر والبصر، فلم يطبق عليه هذا القرار من حيث إعادته للخدمة بأجرته، وإنما أعيد للخدمة بصفته مستجداً من جميع الوجوه، بوظيفة فراش سفري في الفئة (140/ 300 م). وخلصت المصلحة من هذا إلى طلب رفض التظلم. وبجلسة 7 من نوفمبر سنة 1953 أصدرت اللجنة القضائية قرارها "باستفادة المتظلم من قرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من يناير سنة 1943، واستحقاقه للعودة للخدمة بمرتبه الذي كان يتقاضاه قبل فصله وقدره 240 م يومياً وما يترتب على ذلك من آثار". واستندت في ذلك إلى أن قضاء محكمة القضاء الإداري قد استقر على أن أمراض القلب والبصر والصدر التي وردت في قرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من يناير سنة 1943 إنما جاءت على سبيل المثال لا على سبيل الحصر. وقد طعنت وزارة المواصلات في هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعتها سكرتيرية المحكمة في أول مارس سنة 1954، طالبة الحكم بإلغائه مع إلزام المتظلم بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وأسست دعواها على أن المتظلم لا يفيد من قرار مجلس الوزراء المتقدم ذكره لأن "تشريكه" لم يكن بأحد الأمراض التي نص عليها هذا القرار على سبيل الحصر والتحديد وهي القلب والصدر والبصر. وقد أودع المتظلم في 31 من مارس سنة 1954 مذكرة بدفاعه طلب فيها الحكم (أصلياً) بعدم قبول الطعن شكلاً لإعلانه به بعد الميعاد و(احتياطياً) برفضه موضوعاً وتأييد قرار اللجنة القضائية مع إلزام الحكومة بالمصروفات وبمقابل أتعاب المحاماة؛ وذلك استناداً إلى ذات الأسباب التي بنت عليها اللجنة قرارها. وبجلسة 20 من يونيه سنة 1955 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة) "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وفي الموضوع برفض الدعوى وألزمت الحكومة بالمصروفات". وأقامت قضاءها - في الدفع - على أن الدعوى رفعت بإيداع صحيفتها سكرتيرية المحكمة في الميعاد القانوني بصرف النظر عن تاريخ إعلانها للمدعى عليه - وفي الموضوع - على أنه يتضح من مذكرة مصلحة السكك الحديدية التي بني عليها قرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من يناير سنة 1943 أن ما جاء بالقرار المذكور من الإشارة إلى أمراض الصدر والقلب والبصر فقط لم يقصد منه تحديد هذه الأمراض على سبيل الحصر، بل جعل مناط النظر هو أن عدم اللياقة الطبية للعمل في الوظيفة بسبب المرض يتنافى مع طبيعة العمل فيها خصوصاً وقد شرط لإسناد العمل الجديد أن تتضح لياقة الموظف طبياً له. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 21 من أغسطس سنة 1955 استعرض فيها الأسباب التي جاءت بمذكرة مصلحة السكك الحديدية التي وافق عليها مجلس الوزراء في 13 من يناير سنة 1943. وخلص منها إلى أن طلب المصلحة الذي وافق عليه المجلس قد اقتصر على إعادة العمل بما سبق أن وافق عليه مجلس الإدارة بالمذكرة رقم 25، وهو الإذن بنقل من يرسب في الكشف الطبي بسبب ضعف الإبصار والصدر والقلب إلى الوظيفة الخالية التي يمكن إسنادها إليه على أن يمنح راتبه الأصلي على التفصيل وبالشروط التي بينتها المذكرة. ومفاد هذا أن المصلحة حددت في طلبها الذي وافق عليه مجلس الوزراء الأمراض التي يجوز نقل من يرسب بسببها إلى وظيفة خالية، وهي على سبيل الحصر ضعف الإبصار والصدر والقلب. وبذا يكون الحكم المطعون فيه بني على مخالفة القانون والخطأ في تأويله وتطبيقه، وتكون قد قامت به حالة من أحوال الطعن في الأحكام المنصوص عليها في المادة 15 فقرة أولى من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة. وانتهى السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء قرار اللجنة القضائية ورفض طلب المتظلم وإلزامه المصروفات". وقد أودع المطعون عليه سكرتيرية هذه المحكمة في 27 من سبتمبر سنة 1955 مذكرة بملاحظاته طلب فيها "الحكم برفض الطعن وإلزام المصلحة بالمصروفات والأتعاب" مستنداً في ذلك إلى ما استهلت به مصلحة السكك الحديدية مذكرتها التي وافق عليها مجلس الوزراء في 13 من يناير سنة 1943 من إشارة إلى ما يصيب بعض الفئات من المستخدمين والعمال بقسمي هندسة الوابورات والحركة من أمراض مختلفة كمرض الصدر أو ضعف الإبصار وغير ذلك مما يجعلهم غير لائقين طبياً لوظائفهم الأصلية قبل أن يبلغوا سن الستين، الأمر الذي ينفي تخصيص مرض معين أو التفرقة بين مرض وآخر ما دام كلاهما ناشئاً عن العمل ذاته، والذي يجعل مناط العودة إلى عمل آخر مع استحقاق المرتب الأصلي هو عدم اللياقة الطبية للعمل في الوظيفة بسبب المرض، مع اشتراط لياقة الموظف طبياً للعمل الجديد الذي سيسند إليه.
ومن حيث إنه يبين من قرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من يناير سنة 1943 في شأن تعيين سائقي ووقادي القطارات وبعض عمال الحركة عندما تتضح عدم لياقتهم الطبية لوظائفهم في وظائف أخرى أخف عملاً بماهياتهم الأصلية، أنه بني على المذكرة رقم 28 المرفوعة من مدير عام مصلحة السكك الحديدية في 9 من سبتمبر سنة 1942 إلى مجلس إدارة المصلحة، والتي وافق عليها مجلس الإدارة في 27 منه. وقد ورد بهذه المذكرة أنه "توجد بالمصلحة بعض الفئات من المستخدمين والعمال بقسمي هندسة الوابورات والحركة ممن يرسلون للكشف الطبي بصفة دورية كل ثلاث سنوات للتحقق من سلامتهم من الوجهة الصحية نظراً لارتباط أعمالهم بسلامة الخطوط، وهم ببيعة أعمالهم الشاقة معرضون للأخطار، فضلاً عما يصيبهم من أمراض مختلفة كمرض الصدر أو ضعف الإبصار وغير ذلك مما يجعلهم غير لائقين طبياً للعمل بوظائفهم الأصلية قبل أن يبلغوا سن الستين. ونظراً لأن في فصل هؤلاء المستخدمين بعد أن أمضوا زهرة شبابهم في خدمة المصلحة إجحافاً ظاهراً بهم، رأت المصلحة التقدم للمجلس ببعض المقترحات التي من شأنها التخفيف عنهم والرأفة بهم من جهة الاستفادة بخبرتهم في وظائف أخرى أخف عملاً، ولا تحتاج إلى درجة اللياقة المطلوبة لوظائفهم الأصلية من جهة أخرى. ولذلك تقدمت للمجلس بالمذكرة رقم 25 بطلب الإذن في نقل من يرسب في الكشف الطبي بسبب ضعف الإبصار والصدر والقلب إلى الوظيفة الخالية التي يمكن إسنادها إليه على أن يمنح ماهيته الأصلية ولو زادت عن أقصى مربوط الدرجة المخصصة للوظيفة التي يعين فيها، على أن تكون الماهية بصفة شخصية له تسوى بمجرد وجود وظيفة خالية تتناسب درجتها مع ماهيته وبشرط أن تتضح لياقته الطبية للوظيفة الجديدة وأن يوضع أيضاً في الوظيفة التي تتناسب ومقدرته الفنية والإدارية. وقد وافق المجلس بجلسته المنعقدة في 16 من مارس سنة 1938 على هذا الاقتراح استثناء من كادر سنة 1931 - غير أنه قد صدر كادر سنة 1939 وبه نفس القيود الخاصة بإعادة الموظفين السابقين إلى الخدمة من حيث الماهية والدرجة، وبذلك نسخ جميع القرارات الاستثنائية التي سبق أن استصدرتها المصلحة في حالات خاصة. ولما كان الغرض الأصلي من استصدار هذه القرارات لا يزال قائماً، ولم يكن المشرع قد قصد إلى إلغاء مثل هذه القرارات الاستثنائية التي أملتها الظروف الخاصة لهذه المصلحة والتي لا مثيل لها في المصالح الأخرى. لذلك أتقدم بطلب الموافقة على إعادة العمل بما سبق أن قرره المجلس بالمذكرة رقم 25 المشار إليها تمهيداً للحصول على تصديق مجلس الوزراء". وظاهر من هذا أنه ولئن كانت مصلحة السكك الحديدية قد استهلت مذكرتها التي وافق عليها مجلس إدارتها وأقرها مجلس الوزراء بالإشارة بصفة عامة، في معرض شرح الموضوع والتمهيد لبيان الاعتبارات التي حدت بها إلى التقدم بهذه المذكرة، إلى ما يصيب بعض الفئات من مستخدميها وعمالها بقسمي هندسة الوابورات والحركة "من أمراض مختلفة كمرض الصدر أو ضعف الإبصار وغير ذلك مما يجعلهم غير لائقين طبياً للعمل بوظائفهم الأصلية"، إلا أنها لم تقصد من هذا التمهيد القائم على التشبيه إلى وضع القاعدة التي اقترحتها في شأن هؤلاء المستخدمين والعمال، وإنما قررت هذه القاعدة وضبطت أسسها وحددت الحالات التي تصدق عليها فيما أوردته من إحالة إلى المذكرة رقم 25 التي سبق أن تقدمت بها إلى المجلس وطلبت فيها الإذن في نقل من يرسب في الكشف الطبي بسبب أمراض معينة هي "ضعف الإبصار والصدر والقلب" إلى الوظيفة الخالية التي يمكن إسنادها إليه مع منحه راتبه الأصلي بصفة شخصية ولو جاوز أقصى مربوط الدرجة المخصصة لهذه الوظيفة. وقد أبانت المصلحة أنها لا تهدف إلى استحداث قواعد مغايرة أو معدلة لتلك التي تضمنتها مذكرتها رقم 25 التي سبق أن وافق مجلس الإدارة في 16 من مارس سنة 1938 على ما جاء بها من مقترحات، وإنما ترمى إلى إعادة العمل بالقواعد المذكورة بحالتها كما سبق لمجلس الإدارة أن وافق عليها، وأفصحت عن العلة في ذلك، وهي أن هذه القواعد كانت استثناء من أحكام كادر سنة 1931، فلما صدر كادر سنة 1939 مردداً ذات القيود الخاصة بإعادة الموظفين السابقين إلى الخدمة من حيث المرتب والدرجة، نسخ بذلك جميع القرارات الاستثنائية التي سبق أن استصدرتها المصلحة في حالات خاصة ومنها قرار 16 من مارس سنة 1938. ولما كانت الغاية من هذا القرار لا تزال قائمة وحكمته مطردة، كما أن الاستثناء الذي تضمنه أملته الظروف الخاصة لهذه المصلحة والتي لا مثيل لها في المصالح الأخرى، فقد اقتضى الأمر، لإعادة العمل به بعد إذ ألغى بصدور كادر سنة 1939، استصدار قرار بذلك من مجلس الوزراء. ومن أجل هذا اختتم مدير عام المصلحة مذكرته بقوله "لذلك أتقدم بطلب الموافقة على إعادة العمل بما سبق أن قرره المجلس بالمذكرة رقم 25 المشار إليها، تمهيداً للحصول على تصديق مجلس الوزراء". وإذا كان ما طلب إلى مجلس الوزراء وما وافق عليه بقراره الصادر في 13 من يناير سنة 1943 قد اقتصر في خلاصته على إعادة العمل بالقرار السابق صدوره في 16 من مارس سنة 1938، فإنه يتعين الرجوع إلى هذا القرار الأخير لتعرف ما إذا كان حكمه عاماً مطلقاً ينصرف إلى جميع الإصابات والأمراض ما دام من شأنها أن تجعل المستخدم أو العامل غير لائق طبياً للعمل في وظيفته الأصلية، أم وارداً على سبيل التحديد والحصر بالنسبة إلى أمراض معينة دون سواها مهما كان للأمراض الأخرى من تأثير في اللياقة الطبية للعمل المسند إلي المستخدم أو العامل.
ومن حيث إن قرار 16 من مارس سنة 1938 صدر بالموافقة على ما اقترحته المصلحة بمذكرتها رقم 25 في شأن تعيين سائقي ووقادي القطارات وبعض عمال الحركة عندما تتضح عدم لياقتهم الطبية في وظائف أخرى أخف عملاً بمرتباتهم وبالشروط المقترحة. وقد ورد في هذه المذكرة ما يأتي: "يعلم مجلسكم الموقر أن الموظفين والعمال الذين لأعمالهم صلة بسلامة سير القطارات يكشف عليهم طبياً كل ثلاث سنوات. روقبت حالة السواقين والوقادين فاتضح أن البعض يقال من الخدمة وهو بعيد عن سن الإقالة (الستين)، ورؤى أن السبب الذي من أجله يخرجون من الخدمة هو قلة درجة إبصارهم وأمراض الصدر وبعض أمراض أخرى. تنبهت المصلحة إلى هذا الحال واستصدرت قراراً من مجلسكم الموقر ومن مجلس الوزراء ليعوض على السائقين خروجهم من الخدمة لهذين السببين قبل سن الخامسة والخمسين، بل جعلت لهم فوق المكافأة العادية مكافأة خاصة تصرف لهم بقدر السنين الباقية حتى يصل إلى الخامسة والخمسين، واشترط في القرار أن من يعين منهم أو ينقل في وظيفة أخرى بنفس مرتبه لا يتمتع بالمكافأة الخاصة. والواقع أن عدد من يخرج منهم بهذين السببين قليل، وبالرغم من استيلائه على مكافأته العادية والمكافأة الخاصة يعود إلينا وقد ساءت حالته المالية مطالباً بأي عمل أو إحسان يقتات منه. من أجل هذا أعدت فحص الموضوع بكل دقة ووجدت أن مثل هؤلاء يمكن استخدامهم في وظائف تتطلب درجة إبصار وصحة أقل مما تتطلبه وظائفهم الأصلية. وهذه الوظائف هي على سبيل المثال دون الحصر... على أن يؤذن لي أن أنقل من يرسب في الكشف الطبي بسبب الإبصار والصدر والقلب إلى إحدى هذه الوظائف الخالية أو ما يماثلها بنفس مرتبه ولو زاد عن آخر مربوط الدرجة فيكون بصفة شخصية تسوى بمجرد وجود وظيفة خالية تتناسب درجتها مع مرتبه بشرط أن تتضح لياقته طبياً للعمل الجديد وأن يوضع أيضاً في الوظيفة التي تليق بمقدرته الفنية والإدارية. ولكي أطمئن المجلس إلى أن ما أطلبه لن يكون من نوع الاستثناء المخيف أبين فيما بعد الدرجات الخاصة بالسائقين والوقادين.. وهناك طائفة أخرى لا تقل حالتها عن حالة السواقين والوقادين وهم ملاحظو وعمال البلوك والمناورة والمحولجية وهؤلاء أطلب لهم أيضاً نفس المعاملة..". ويخلص مما جاء بهذه المذكرة أن ما طلبه مدير عام المصلحة وما وافق عليه مجلس إدارتها هو الإذن للمدير العام في أن ينقل من يرسب في الكشف الطبي من طوائف المستخدمين والعمال الذين تناولتهم "بسبب الإبصار والصدر والقلب" دون غيرها من الأمراض الأخرى إلى إحدى الوظائف الخالية مع تطمين المجلس إلى أن ما يطلبه "لن يكون من نوع الاستثناء المخيف" أي لا ينطوي على التعميم أو التوسع، وفي هذا تحديد على وجه الحصر لأنواع الأمراض التي تبيح لمدير عام المصلحة استعمال الرخصة التي خوله إياها القرار المشار إليه. ولما كان ما تضمنه هذا القرار هو استثناء من أحكام كادر سنة 1931 الذي كان قائماً وقتذاك، وظل بعد صدور قرار مجلس الوزراء في 13 من يناير سنة 1943 بإعادة العمل بالقرار المشار إليه استثناء كذلك من أحكام كادر سنة 1939، فإن هذا الاستثناء يقدر بقدره فلا يتوسع في تفسيره وتطبيقه ولا يجرى فيه إعمال القياس.
ومن حيث إنه ثابت بملف خدمة المطعون عليه أنه - وهو عامل مناورة ببولاق الدكرور بأجر يومي قدره 225 م - كشف عليه طبياً في 18 من مارس سنة 1947 فتقرر إسناد عمل خفيف إليه لمدة ثلاثة أشهر لإجراء عملية جراحية ثم أعيد الكشف عليه طبياً بواسطة مجلس طبي مصلحة السكك الحديدية في 17 من يونيه سنة 1947 فتبين أنه مصاب بفتق أوريى مرتجع أيمن ثلاث مرات ولا يمكن إجراء عملية جراحية له مما يجعله غير لائق طبياً بصفة نهائية للخدمة كعامل مناورة، فضلاً عن إصابته بنزلة شعبية مزمنة، وبناء على هذا قررت المصلحة فصله من الخدمة اعتباراً من 18 من يونيه سنة 1947 لعدم لياقته الطبية، وصرف مكافأته عن مدة خدمته السابقة، ثم أصدرت قرارها في 5 من أغسطس سنة 1947 بتعيينه تعيناً جديداً في وظيفة فراش لاستراحة خدمة القطارات بفرز مصر بأجر يومي قدره 140 م اعتباراً من تاريخ تسلمه العمل في 9 من أغسطس سنة 1947، وهي الوظيفة الخالية التي أمكن إسنادها إليه والتي وجد صالحاً لها ومنح أجرها.
ومن حيث إنه لما كان المرض الذي بسببه تقرر فصل المطعون عليه من الخدمة لعدم لياقته طبياً لوظيفة عامل مناورة، ليس من أمراض الإبصار أو الصدر أو القلب المنصوص عليها على وجه الحصر في قرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من يناير سنة 1943 كما سلف بيانه، فلا يكون له أصل حق متعلق بالاستثناء الذي نص عليه هذا القرار، ويكون تعيين المصلحة إياه في وظيفة فراش استراحة بأجر يومي أدنى من أجره السابق الذي كان يتقاضاه قبل فصله من الخدمة إنما هو تعيين جديد منبت الصلة بماضي خدمته وغير مقيد بوضعه القديم. ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه - إذ قضى بتأييد ما ذهبت إليه اللجنة القضائية من أحقية المتظلم في الإفادة من قرار مجلس الوزراء الصادر في 13 من يناير سنة 1943 وفي العودة للخدمة بأجره الذي كان يتقاضاه قبل فصله مع ما يترتب على ذلك من آثار - قد خالف القانون وقام على خطأ في تأويله وتطبيقه، فيتعين الحكم بإلغائه وبرفض طلبات المطعون عليه.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المطعون عليه بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق