جلسة 18 من أكتوبر سنة 2020
برئاسة السيد القاضي / حمد عبد اللطيف نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / خالد مقلد ، محمد قنديل ومحمد غنيم نواب رئيس المحكمة ومحمد محمد يوسف .
----------------
(95)
الطعن رقم 2721 لسنة 89 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان بها الطاعن وإيراده على ثبوتها في حقه أدلة سائغة . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً لتفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
(2) قانون " تفسيره " . احتكار . جريمة " أركانها " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
حظر إساءة استخدام المركز المسيطر في السوق التنافسية . أساس ذلك ؟
المواد 2 و3 و ٤ من القانون 3 لسنة 2005 المعدَّل بشأن حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية . مفادها ؟
عنصر السيطرة على السوق المعنية أو المركز المسيطر . ماهيته : وضع ذو قوة اقتصادية يحوزها مسيطر بحيازته سلطة التركيز المؤثر في السوق على مشروعات بحيث يقيده ويؤثر على الأسعار أو حجم المعروض بها دون أن يضع في اعتباره منافسيه . شروطه؟
تحديد حالات السيطرة وفقاً للإجراءات التي تبينها اللائحة التنفيذية للقانون 3 لسنة 2005 منوط بجهاز حماية المنافسة وحده .
إثبات الحكم في بيان كاف أن قنوات تقوم ببث بطولات رياضية بصورة حصرية في منطقة الشرق الأوسط وفي نطاق جمهورية مصر العربية مع عدم وجود منتج بديل وتحديدها سعر المنتج أو حجم المعروض منه مع عدم وجود منافسين آخرين . يوفر عناصر السيطرة الفعلية على الأسواق المعنية . تقدير توافر تلك العناصر . موضوعي . ما دام سائغاً . نعي الطاعن في هذا الشأن . غير مقبول.
(3) احتكار . قصد جنائي . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
تعليق الشخص المتمتع بالمركز المسيطر إبرام عقد شراء أو بيع منتج على شرط قبول التزامات أو منتجات أخرى غير مرتبطة بمحل التعامل الأصلي . من صور الممارسة الاحتكارية المحظورة . أساس ذلك ؟
تقدير توافر القصد الجنائي في جرائم الممارسات الاحتكارية . موضوعي . تحدث الحكم عنه استقلالاً . غير لازم . حد ذلك ؟
انصراف إرادة الطاعن إلى إساءة استخدام وضع مجموعته المسيطر في سوق البث المشفر وعلمه بأن هذا الفعل من شأنه أن يؤدي إلى ربط بعض منتجاته بشرط قبول منتجات أخرى غير مرتبطة بالمنتج محل الاتفاق أو التعاقد أو التعامل الأصلي واتجاه إرادته إلى تحقيق هذه النتيجة . يوفر القصد الجنائي في حقه . نعيه في هذا الشأن . غير مقبول .
(4) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير آراء الخبراء " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء والمفاضلة بينها . موضوعي .
عدم التزام المحكمة بندب خبير آخر في الدعوى أو الرد على الطعون الموجهة لتقارير الخبراء التي أخذت بها . علة ذلك ؟
إقامة المحكمة قضاءها على ما اقتنعت به من تقرير جهاز حماية المنافسة واطراحها التقارير المقدمة من الطاعن . المجادلة في ذلك أمام محكمة النقض . غير جائزة .
(5) إجراءات " إجراءات التحقيق " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
تعييب التحقيق السابق على المحاكمة . لا يصح سبباً للطعن في الحكم .
مثال .
(6) حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
إقامة المحكمة قضاءها على أدلة لها أصل صحيح بالأوراق وعقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين . النعي بهذا الشأن . جدل موضوعي غير جائز أمام محكمة النقض .
(7) أمر الإحالة . دستور . نقض " المصلحة في الطعن " . احتكار . مسئولية جنائية . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره ".
نعي الطاعن بأن إحالته للمحاكمة منفرداً تخالف الدستور والقانون الدولي والمعاهدات الدولية لتماثل الشركة التي يمثلها مع غيرها من الشركات العاملة في مجال البث التلفزيوني . غير مجد . ما دام أن إدخال تلك الشركات لا يحول دون مساءلته عن جريمة الممارسة الاحتكارية التي دين بها .
أمر الإحالة . من أعمال التحقيق . مخالفته للدستور والقانون الدولي والمعاهدات الدولية . لا يبطل المحاكمة أو يؤثر على صحة إجراءاتها . التفات المحكمة عن الرد على هذا الدفع ظاهر البطلان . صحيح . علة ذلك ؟
(8) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير العقوبة " .
تقدير العقوبة وقيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها . موضوعي .
نعي الطاعن بعدم معاقبته بالحد الأدنى لعقوبة الجريمة التي دين بها . غير مقبول .
(9) عقوبة " تطبيقها " . غرامة . احتكار .
نعي الطاعن على الحكم تغريمه بما يزيد عن الحد الأقصى المقرر لجريمة الممارسة الاحتكارية التي دين بها . غير مقبول . أساس وعلة ذلك ؟
مثال .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أحاط بواقعة الدعوى وبين مضمون الأدلة - خلافاً لقول الطاعن - وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً تصوغ فيه المحكمة بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها ، وأنه متي كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يحقق حكم القانون ، ويضحى منعى الطاعن على الحكم المطعون فيه بالقصور في غير محله .
2- من المقرر أن القانون رقم 3 لسنة ۲۰۰5 بشأن حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لم يمنع الاحتكار في حد ذاته ، ذلك لأن المنافسة الحرة قد تؤدي إليه ، لذا فإن الذي حظره المشرع المصري هو إساءة استخدام المركز المسيطر في السوق التنافسية . لما كان ذلك ، وكانت المادة الثانية من القانون سالف البيان تنص على أنه " في تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بالكلمات الآتية المعنى المبين قرين كل منها : (أ) الأشخاص : الأشخاص الطبيعيون والأشخاص الاعتبارية ، والكيانات الاقتصادية ، والاتحادات ، والروابط والتجمعات المالية وتجمعات الأشخاص على اختلاف طرق تأسيسها ، وغيرها من الأطراف المرتبطة على النحو الذي تحدده اللائحة التنفيذية بما يتفق مع أهداف وأحكام هذا القانون . (ب) المنتجات : السلع والخدمات . (ج) الجهاز: جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية المنشأ طبقا لأحكام هذا القانون . (د) المجلس : مجلس إدارة جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية . (ه) الكفاءة الاقتصادية : خفض متوسط التكلفة المتغيرة للمنتجات ، أو تحسين جودتها ، أو زيادة حجم إنتاجها أو توزيعها ، أو إنتاج أو توزيع منتجات جديدة أو التعجيل بإنتاجها أو توزيعها . (و) الأجهزة القطاعية : الأجهزة المعنية بالإشراف والرقابة على الأنشطة الاقتصادية في قطاع معين . " ، كما تنص المادة الثالثة من ذات القانون على أنه " السوق المعنية في تطبيق أحكام هذا القانون هي السوق التي تقوم على عنصرين هما المنتجات المعنية والنطاق الجغرافي . وتكون المنتجات المعنية تلك التي يعد كل منها بديلاً عملياً وموضوعياً عن الآخر ، ويعني النطاق الجغرافي منطقة جغرافية معينة تتجانس فيها ظروف التنافس مع أخذ فرص التنافس المحتملة في الاعتبار، وذلك كله وفقاً للمعايير التي تبينها اللائحة التنفيذية بما يتفق مع أهداف وأحكام هذا القانون . " ، كما نصت المادة الرابعة من ذات القانون على أنه " السيطرة على سوق معنية في تطبيق أحكام هذا القانون هي قدرة الشخص الذي تزيد حصته على (25./.) من تلك السوق على إحداث تأثير فعال على الأسعار أو حجم المعروض بها دون أن تكون لمنافسيه القدرة على الحد من ذلك ، ويحدد الجهاز حالات السيطرة وفقاً للإجراءات التي تبينها اللائحة التنفيذية لهذا القانون . " ، وكانت جرائم إساءة المركز المسيطر في السوق التنافسية التي دین الطاعن بإحداها لا تتحقق إلا بتوافر عنصر السيطرة على السوق المعنية وهو ما يسمى بالمركز المسيطر - Dominant Position - ويعرف أيضاً بالشرط أو الركن المفترض ، وهو وضع ذو قوة اقتصادية يحوزها مسيطر بحيازته سلطة التركيز المؤثر في السوق على مشروعات بحيث يقيد السوق ويؤثر على الأسعار أو حجم المعروض بها دون أن يضع في اعتباره منافسيه ، ودون أن تكون لمنافسيه القدرة على الحد من ذلك ، ويحدث ذاك الوضع متى توافرت لدى الشخص ثلاثة شروط أولها : أن يكون ذو الوضع المسيطر من الأشخاص المتنافسة حسبما تم تعريفه في المادة الثانية آنفة البيان والمادتين الخامسة والتاسعة من اللائحة التنفيذية لذات القانون ، ثانيها : أن تكون الحصة السوقية للشخص المتمتع بوضع مسيطر أكثر من 25./. حتى يمكن اعتباره بأنه حائزاً لوضع مسيطر وذلك وفقاً للمادتين الرابعة من القانون آنف البيان والسابعة من لائحته التنفيذية ، ثالثها : السوق المعنية ، والتي عرفها المشرع المصري في المادة الثالثة من ذات القانون والمادة السادسة من لائحته التنفيذية بأنها تقوم على عنصرين هما (أ) المنتجات المعنية : ويقصد بها بأنها المنتجات التي يعد كل منها من وجهة نظر المستهلك بديلاً عملياً وموضوعياً للآخر . (ب) النطاق الجغرافي : ويقصد به أنها هي المنطقة الجغرافية التي تتجانس فيها ظروف التنافس ، وفي جميع الأحوال فإن جهاز حماية المنافسة وحده دون غيره هو المنوط به تحدید حالات السيطرة وفقاً للإجراءات التي تبينها اللائحة التنفيذية لهذا القانون . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في بيان كاف أن قنوات .... تتبع مؤسسة " .... الإعلامية " والتي أنشئت بالقرار الأميري رقم .... لسنة .... بموجب القانون القطري رقم ۲۱ لسنة 2006 والخاص بإنشاء المؤسسات ذات النفع العام وتقوم شركة .... ببث البطولات الرياضية لكرة القدم بصورة حصرية في منطقة الشرق الأوسط ، وفي نطاق جمهورية مصر العربية مع عدم وجود منتج بديل ، وأنها تتمكن بما لها من تأثیر فعال من تحديد سعر المنتج أو حجم المعروض منه مع عدم وجود منافسين آخرين وتتوافر لها عناصر السيطرة الفعلية على الأسواق المعنية لتملكها ۱۰۰./. من هذا السوق من حيث المنتج المعني أو النطاق الجغرافي ، كما أن مؤسسة .... تمتلك نسبة ۹۹./. من مجموعة .... " وتمتلك شركة .... نسبة 1./. من ذات الشركة بما يعني أنها تعد من قبيل الأطراف المرتبطة أي أنها بمثابة الشخص الواحد والتي يمثلها الطاعن . لما كان ذلك ، فإن الحكم يكون قد استظهر بذلك عنصر السيطرة على السوق المعنية - المركز المسيطر أو الركن المفترض - كما هو معرف به في نصوص المواد ۲، ۳، 4 من القانون رقم 3 لسنة 2005 بشأن قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ، وإذ كان تقدير هذا العنصر أو الركن مرجعه إلى محكمة الموضوع تستخلصه من عناصر الدعوى المطروحة أمامها بغير معقب عليها في ذلك ما دام استخلاصها سائغاً ومستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كالحال في الدعوى - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس .
3- من المقرر أن المشرع حظر في الفقرة (د) من المادة الثامنة من القانون 3 لسنة 2005 على الشخص الذي يتمتع بمركز مسيطر في السوق أن يعلق إبرام عقد أو اتفاق خاص لشراء أو بيع منتج على شرط قبول التزامات أو منتجات أخرى تكون بطبيعتها أو بموجب الاستخدام التجاري غير مرتبطة به أو محل التعامل الأصلي أو الاتفاق ، فإن فعل ذلك فإنه يكون قد آتى صورة من صور البيوع المرتبطة التي تعتبر صورة من صور الممارسات الاحتكارية ، وكان القصد الجنائي في جريمة الممارسات الاحتكارية من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها ، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكان الحكم قد أثبت أخذاً بما جاء بالدراسة الواردة بتقرير جهاز حماية المنافسة وأقوال الشهود انصراف إرادة الطاعن إلى إساءة استخدام وضع مجموعته المسيطر في سوق البث المشفر وعلمه بأن هذا الفعل من شأنه أن يؤدي إلى ربط بعض منتجاته بشرط قبول منتجات أخرى غير مرتبطة بالمنتج محل الاتفاق أو التعاقد أو التعامل الأصلي ، واتجاه إرادته رغم هذا العلم إلى تحقيق هذه النتيجة ، ومن ثم فإنه لا يكون للنعي على الحكم في هذا الشأن وجه .
4- من المقرر أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة إليها - دون أن تلتزم بندب خبير آخر في الدعوى – ما دام استنادها في الرأي إلى ما انتهى إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون ، ولها أن تفاضل بين هذه التقارير وتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه ، إذ إن ذلك الأمر يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها في ذلك ، وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها ؛ لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليها ، وكانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أسانيد حواها تقرير حماية المنافسة ، واطرحت في حدود سلطتها التقديرية التقارير المقدمة من الطاعن ، فإنه لا يجوز مجادلتها في ذلك أمام محكمة النقض ، وهي غير ملزمة من بعد أن ترد استقلالاً على التقارير التي لم تأخذ بها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
5- لما كان ما يثيره الطاعن في خصوص التفات النيابة العامة عن طلبه ندب لجنة من الخبراء الاقتصاديين لفحص ما ورد بتقرير جهاز حماية المنافسة ، لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم .
6- لما كانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق - وهو ما لا ينازع فيه الطاعن - واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم يكن حكمها مؤسساً على الفرض والاحتمال حسبما يذهب إليه الطاعن ، فإن ما يثيره في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
7- لما كان لا يجدي الطاعن ما يثيره بشأن دفعه بعدم قبول الدعوى لإحالته من قبل النيابة العامة للمحاكمة - وحده دون غيره - رغم تماثل الشركة التي يمثلها مع غيرها من الشركات العاملة في مجال البث التلفزيوني بالمخالفة لدستور جمهورية مصر العربية الذي جرم كافة صور التمييز، وللقانون الدولي والمعاهدات الدولية ، طالما أن إدخال تلك الشركات لم يكن ليحول دون مساءلته عن الجريمة التي دين بها ، كما أنه من المقرر أن أمر الإحالة عمل من أعمال التحقيق فلا محل لإخضاعه لما يجري على الأحكام من قواعد البطلان ، ومن ثم فإن مخالفته للدستور والقانون الدولي والمعاهدات الدولية - بفرض حصوله - لا يبطل المحاكمة ولا يؤثر على صحة إجراءاتها ، كما أن إبطال أمر الإحالة إلى محكمة الموضوع بعد اتصالها بها يقتضي إعادتها إلى مرحلة الإحالة وهو أمر غير جائز باعتبار تلك المرحلة لا تخرج عن كونها جهة تحقيق فلا يجوز إعادة الدعوى إليها بعد دخولها في حوزة المحكمة ، ومن ثم فلا لوم على المحكمة إن هي التفتت عن الرد على الشق الأول من هذا الدفع وردت برد قاصر على شقه الثاني لكون هذا الدفاع ظاهر البطلان .
8- من المقرر أن العقوبة وتقدير قيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها هو من إطلاقات محكمة الموضوع دون معقب ودون أن تُسأل حساباً عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم استجابة المحكمة لطلبه بالحكم عليه بالحد الأدنى لعقوبة الجريمة التي دانته بها لانتفاء الضرر يكون في غير محله .
9- من المقرر أن الفقرة ثانياً من المادة ۲۲ من القانون 3 لسنة 2005 قد نصت على " معاقبة كل من خالف أحكام المادتين (۷، ۸) بغرامة لا تقل عن واحد في المائة من إجمالي إيرادات المنتج محل المخالفة ولا تجاوز عشرة في المائة من إجمالي الإيرادات المشار إليه وذلك خلال فترة المخالفة ، وفي حالة تعذر حساب إجمالي الإيرادات المشار إليه تكون العقوبة الغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة مليون جنيه " ، كما نصت الفقرة الأخيرة من ذات المادة على أنه " وتضاعف الغرامة بحديها في حالة العود على كل من خالف حكم أي من المواد (6، 7، 8) من هذا القانون ، وفي حالة عدم التزام المخالف بتنفيذ قرارات الجهاز الصادرة تطبيقاً لنص المادة (۲۰) من هذا القانون " ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه بعد أن خلص إلى التدليل على ثبوت الاتهام قبل الطاعن انتهى إلى أنه أُخطر من قبل جهاز حماية المنافسة بضرورة إزالة المخالفات الواردة بتقرير الجهاز وفقاً لنص المادة ۲۰ من القانون سالف البيان ولم يستجب ، كما لم يتم تحديد إجمالي إيرادات المنتجات محل المخالفة ، ومن ثم فقد آخذه بالفقرتين آنفتي البيان ، ومن ثم يكون نعيه على الحكم بالخطأ في تطبيق العقوبة لتلك الجريمة التي دانه بها على غير أساس .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بوصف أنه في غضون الفترة من .... إلى .... :
- بصفته " الممثل القانوني والرئيس التنفيذي لشركة مجموعة .... الإعلامية " وحال كون الشركة في وضع مسيطر لأسواق البث الحي المباشر لبطولات كرة القدم المشفرة التي تمتلك مجموعـــة .... الإعلامية الحق الحصري لبثها داخل جمهورية مصر العربية وهي بطولة كأس .... ، وبطولة الدوري .... ، بطولة الدوري .... ، بطولة الدوري .... ، بطولة دوري .... ، بطولة كأس .... ، بطولة .... ، بطولة .... ، بطولة .... ، بطولة .... ، بطولة .... :-
1- علق إبرام التعاقد مع المشتركين على بيع حقوق مشاهدة البطولات الدورية سالفة البيان على شرط شرائها مجمعة رغم أن كل بطولة تمثل منتج منفصل وغیر مرتبط بأي شكل من الأشكال بالآخر ويمكن بيع حق مشاهدتها والحصول عليها بصورة منفصلة على النحو الثابت بالتحقيقات .
2- علق إبرام التعاقد مع المشتركين على بيع حقوق مشاهدة البطولات الموسمية " بطولة .... " على شرط الاشتراك في أي من الباقات الأساسية لمجموعة .... الإعلامية والتي تبث البطولات الدورية رغم أن كل بطولة تمثل منتج منفصل وغير مرتبط بأي شكل من الأشكال بالآخر ويمكن بيع حق مشاهدتها والحصول عليها بصورة منفصلة على النحو الثابت بالتحقيقات .
وطلبت عقابه بالمواد ۱ ، ۲/أ ، ب ، ج ، د ، 3 ، 4 ، 8 /فقرة (1) بند د ، 20 ، 21 /1، 22/ فقرة (1) بند ثانياً ، فقرة (2) ، 24 ، 25 من القانون رقم 3 لسنة 2005 والمعدل بالقانونين رقمي ۱۹۰ لسنة ۲۰۰۸ ، 56 لسنة 2014 ، والمواد ۱ ، ۲ ، 5 ، 6 ، ۷ ، ۸ ، 13/ فقرة (1) بند د ، 3۳ ، 34 ، 35 ، 38 من اللائحة التنفيذية للقانون الصادر بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1316 لسنة ۲۰۰5 .
وقدمته للمحاكمة أمام محكمة جنح .... الاقتصادية ، وادعى الممثل القانوني لشركة .... مدنياً قبل المتهم بمبلغ أربعين ألف وواحد جنيه على سبيل التعويض المدني المؤقت .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً بتوكيل بتغريمه مبلغ أربعمائة مليون جنيه وبنشر الحكم في الجريدة الرسمية وجريدتي الأخبار والأهرام على نفقة المحكوم عليه وألزمته المصاريف الجنائية وبإحالة الدعوى المدنية للمحكمة المدنية المختصة وأبقت الفصل في مصاريفها .
فاستأنف المتهم (الطاعن) هذا القضاء وقيد الاستئناف برقم .... جنح مستأنف .... الاقتصادية .
ومحكمة .... الاقتصادية – الدائرة الاستئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وألزمت المستأنف بالمصاريف الجنائية .
فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمـة
حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة تعليق إبرام تعاقد خاص بمنتج على شرط قبول منتجات غير مرتبطة بالمنتج محل التعاقد الأصلي حال كونه ذو وضع مسيطر على سوق معنية ، وعدم التزامه بتنفيذ قرارات جهاز حماية المنافسة ، قد شابة قصور في التسبيب ، وفساد في التدليل ، وإخلال بحق الدفاع ، وخطأ في تطبيق القانون ؛ ذلك أنه صيغ في عبارات غامضة عامة معماه لا يبين منها الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة التي دانه بها ، ولم يورد مؤدى الأدلة التي استند إليها في الإدانة ، ورد بما لا يصلح رداً على دفعيه بانتفاء الركن المفترض المتمثل في السيطرة على السوق ، وبانتفاء القصد الجنائي لديه ، وعول في الإدانة على تقرير جهاز حماية المنافسة رغم عدم حياديته وكونه لا يصلح دليلاً في الإدانة ، ملتفتاً عن تقارير الخبراء التي قدمها الطاعن تأييداً لدفاعه ، وعن طلبه ندب خبراء لفحص ما ورد بذلك التقرير سيما وأن النيابة العامة لم تجبه لهذا الطلب ، بما ينبئ عن أن المحكمة أقامت قضاءها على الظن والاحتمال ، كما أن المدافع عن الطاعن دفع بعدم قبول الدعوى لإحالته للمحاكمة - وحده دون غيره - رغم تماثل الشركة التي يمثلها مع غيرها من الشركات العاملة في مجال البث التلفزيوني بالمخالفة لدستور جمهورية مصر العربية الذي جرم كافة صور التمييز ، وللقانون الدولي والمعاهدات الدولية بيد أن الحكم لم يعرض للشق الأول من هذا الدفع ورد برد قاصر على شقه الثاني ، وأخيراً فإن المدافع عن الطاعن طلب استعمال الرأفة لانتفاء ركن الضرر بيد أن المحكمة لم تكتف برفض هذا الطلب بل قضت بتغريمه بمبلغ يزيد عن الحد الأقصى المقرر لعقوبة الجريمة التي دانه بها ، كل أولئك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أحاط بواقعة الدعوى وبين مضمون الأدلة - خلافاً لقول الطاعن - وكان القانون لم يرسم شكلاً خاصاً تصوغ فيه المحكمة بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها ، وأنه متي كان مجموع ما أورده الحكم - كما هو الحال في الدعوى - كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة ، فإن ذلك يحقق حكم القانون ، ويضحى منعى الطاعن على الحكم المطعون فيه بالقصور في غير محله . لما كان ذلك ، وكان القانون رقم 3 لسنة ۲۰۰5 بشأن حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لم يمنع الاحتكار في حد ذاته ، ذلك لأن المنافسة الحرة قد تؤدي إليه ، لذا فإن الذي حظره المشرع المصري هو إساءة استخدام المركز المسيطر في السوق التنافسية . لما كان ذلك ، وكانت المادة الثانية من القانون سالف البيان تنص على أنه " في تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بالكلمات الآتية المعنى المبين قرين كل منها : (أ) الأشخاص : الأشخاص الطبيعيون والأشخاص الاعتبارية ، والكيانات الاقتصادية ، والاتحادات ، والروابط والتجمعات المالية وتجمعات الأشخاص على اختلاف طرق تأسيسها ، وغيرها من الأطراف المرتبطة على النحو الذي تحدده اللائحة التنفيذية بما يتفق مع أهداف وأحكام هذا القانون . (ب) المنتجات : السلع والخدمات . (ج) الجهاز: جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية المنشأ طبقا لأحكام هذا القانون . (د) المجلس : مجلس إدارة جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية . (ه) الكفاءة الاقتصادية : خفض متوسط التكلفة المتغيرة للمنتجات ، أو تحسين جودتها ، أو زيادة حجم إنتاجها أو توزيعها ، أو إنتاج أو توزيع منتجات جديدة أو التعجيل بإنتاجها أو توزيعها . (و) الأجهزة القطاعية : الأجهزة المعنية بالإشراف والرقابة على الأنشطة الاقتصادية في قطاع معين . " ، كما تنص المادة الثالثة من ذات القانون على أنه " السوق المعنية في تطبيق أحكام هذا القانون هي السوق التي تقوم على عنصرين هما المنتجات المعنية والنطاق الجغرافي . وتكون المنتجات المعنية تلك التي يعد كل منها بديلاً عملياً وموضوعياً عن الآخر ، ويعني النطاق الجغرافي منطقة جغرافية معينة تتجانس فيها ظروف التنافس مع أخذ فرص التنافس المحتملة في الاعتبار، وذلك كله وفقاً للمعايير التي تبينها اللائحة التنفيذية بما يتفق مع أهداف وأحكام هذا القانون . " ، كما نصت المادة الرابعة من ذات القانون على أنه " السيطرة على سوق معنية في تطبيق أحكام هذا القانون هي قدرة الشخص الذي تزيد حصته على (25./.) من تلك السوق على إحداث تأثير فعال على الأسعار أو حجم المعروض بها دون أن تكون لمنافسيه القدرة على الحد من ذلك ، ويحدد الجهاز حالات السيطرة وفقاً للإجراءات التي تبينها اللائحة التنفيذية لهذا القانون . " ، وكانت جرائم إساءة المركز المسيطر في السوق التنافسية التي دین الطاعن بإحداها لا تتحقق إلا بتوافر عنصر السيطرة على السوق المعنية وهو ما يسمى بالمركز المسيطر - Dominant Position - ويعرف أيضاً بالشرط أو الركن المفترض ، وهو وضع ذو قوة اقتصادية يحوزها مسيطر بحيازته سلطة التركيز المؤثر في السوق على مشروعات بحيث يقيد السوق ويؤثر على الأسعار أو حجم المعروض بها دون أن يضع في اعتباره منافسيه ، ودون أن تكون لمنافسيه القدرة على الحد من ذلك ، ويحدث ذاك الوضع متى توافرت لدى الشخص ثلاثة شروط أولها : أن يكون ذو الوضع المسيطر من الأشخاص المتنافسة حسبما تم تعريفه في المادة الثانية آنفة البيان والمادتين الخامسة والتاسعة من اللائحة التنفيذية لذات القانون ، ثانيها : أن تكون الحصة السوقية للشخص المتمتع بوضع مسيطر أكثر من 25./. حتى يمكن اعتباره بأنه حائزاً لوضع مسيطر وذلك وفقاً للمادتين الرابعة من القانون آنف البيان والسابعة من لائحته التنفيذية ، ثالثها : السوق المعنية ، والتي عرفها المشرع المصري في المادة الثالثة من ذات القانون والمادة السادسة من لائحته التنفيذية بأنها تقوم على عنصرين هما (أ) المنتجات المعنية : ويقصد بها بأنها المنتجات التي يعد كل منها من وجهة نظر المستهلك بديلاً عملياً وموضوعياً للآخر. (ب) النطاق الجغرافي : ويقصد به أنها هي المنطقة الجغرافية التي تتجانس فيها ظروف التنافس ، وفي جميع الأحوال فإن جهاز حماية المنافسة وحده دون غيره هو المنوط به تحدید حالات السيطرة وفقاً للإجراءات التي تبينها اللائحة التنفيذية لهذا القانون . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في بيان كاف أن قنوات .... تتبع مؤسسة " .... الإعلامية " والتي أنشئت بالقرار الأميري رقم .... لسنة .... بموجب القانون القطري رقم ۲۱ لسنة 2006 والخاص بإنشاء المؤسسات ذات النفع العام وتقوم شركة .... ببث البطولات الرياضية لكرة القدم بصورة حصرية في منطقة الشرق الأوسط ، وفي نطاق جمهورية مصر العربية مع عدم وجود منتج بديل ، وأنها تتمكن بما لها من تأثیر فعال من تحديد سعر المنتج أو حجم المعروض منه مع عدم وجود منافسين آخرين وتتوافر لها عناصر السيطرة الفعلية على الأسواق المعنية لتملكها ۱۰۰./. من هذا السوق من حيث المنتج المعني أو النطاق الجغرافي ، كما أن مؤسسة .... تمتلك نسبة ۹۹./. من مجموعة .... وتمتلك شركة .... نسبة 1./. من ذات الشركة بما يعني أنها تعد من قبيل الأطراف المرتبطة أي أنها بمثابة الشخص الواحد والتي يمثلها الطاعن . لما كان ذلك ، فإن الحكم يكون قد استظهر بذلك عنصر السيطرة على السوق المعنية - المركز المسيطر أو الركن المفترض - كما هو معرف به في نصوص المواد ۲، ۳، 4 من القانون رقم 3 لسنة ۲۰۰5 بشأن قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ، وإذ كان تقدير هذا العنصر أو الركن مرجعه إلى محكمة الموضوع تستخلصه من عناصر الدعوى المطروحة أمامها بغير معقب عليها في ذلك ما دام استخلاصها سائغاً ومستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كالحال في الدعوى - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد يكون على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان المشرع حظر في الفقرة (د) من المادة الثامنة من القانون 3 لسنة 2005 على الشخص الذي يتمتع بمركز مسيطر في السوق أن يعلق إبرام عقد أو اتفاق خاص لشراء أو بيع منتج على شرط قبول التزامات أو منتجات أخرى تكون بطبيعتها أو بموجب الاستخدام التجاري غير مرتبطة به أو محل التعامل الأصلي أو الاتفاق ، فإن فعل ذلك فإنه يكون قد آتى صورة من صور البيوع المرتبطة التي تعتبر صورة من صور الممارسات الاحتكارية ، وكان القصد الجنائي في جريمة الممارسات الاحتكارية من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التي تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها ، وليس بلازم أن يتحدث الحكم عنه صراحة وعلى استقلال ما دام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه ، وكان الحكم قد أثبت أخذاً بما جاء بالدراسة الواردة بتقرير جهاز حماية المنافسة وأقوال الشهود انصراف إرادة الطاعن إلى إساءة استخدام وضع مجموعته المسيطر في سوق البث المشفر وعلمه بأن هذا الفعل من شأنه أن يؤدي إلى ربط بعض منتجاته بشرط قبول منتجات أخرى غير مرتبطة بالمنتج محل الاتفاق أو التعاقد أو التعامل الأصلي ، واتجاه إرادته رغم هذا العلم إلى تحقيق هذه النتيجة ، ومن ثم فإنه لا يكون للنعي على الحكم في هذا الشأن وجه . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضوع كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة إليها - دون أن تلتزم بندب خبير آخر في الدعوى – ما دام استنادها في الرأي إلى ما انتهى إليه هو استناد سليم لا يجافي المنطق والقانون ، ولها أن تفاضل بين هذه التقارير وتأخذ منها بما تراه وتطرح ما عداه ، إذ إن ذلك الأمر يتعلق بسلطتها في تقدير الدليل ولا معقب عليها في ذلك ، وأنها لا تلتزم بالرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها ؛ لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليها ، وكانت المحكمة قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أسانيد حواها تقرير حماية المنافسة ، واطرحت في حدود سلطتها التقديرية التقارير المقدمة من الطاعن ، فإنه لا يجوز مجادلتها في ذلك أمام محكمة النقض ، وهي غير ملزمة من بعد أن ترد استقلالاً على التقارير التي لم تأخذ بها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً في واقعة الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان ما يثيره الطاعن في خصوص التفات النيابة العامة عن طلبه ندب لجنة من الخبراء الاقتصاديين لفحص ما ورد بتقرير جهاز حماية المنافسة ، لا يعدو أن يكون تعييباً للتحقيق الذي جرى في المرحلة السابقة على المحاكمة مما لا يصح أن يكون سبباً للطعن على الحكم . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الموضوع قد أقامت قضاءها على ما اقتنعت به من أدلة ترتد إلى أصل صحيح في الأوراق - وهو ما لا ينازع فيه الطاعن - واستخلصت في منطق سائغ صحة إسناد التهمة إلى الطاعن ، وكان قضاؤها في هذا الشأن مبنياً على عقيدة استقرت في وجدانها عن جزم ويقين ولم يكن حكمها مؤسساً على الفرض والاحتمال حسبما يذهب إليه الطاعن ، فإن ما يثيره في هذا الخصوص لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان لا يجدي الطاعن ما يثيره بشأن دفعه بعدم قبول الدعوى لإحالته من قبل النيابة العامة للمحاكمة - وحده دون غيره - رغم تماثل الشركة التي يمثلها مع غيرها من الشركات العاملة في مجال البث التلفزيوني بالمخالفة لدستور جمهورية مصر العربية الذي جرم كافة صور التمييز، وللقانون الدولي والمعاهدات الدولية ، طالما أن إدخال تلك الشركات لم يكن ليحول دون مساءلته عن الجريمة التي دين بها ، كما أنه من المقرر أن أمر الإحالة عمل من أعمال التحقيق فلا محل لإخضاعه لما يجري على الأحكام من قواعد البطلان ، ومن ثم فإن مخالفته للدستور والقانون الدولي والمعاهدات الدولية - بفرض حصوله - لا يبطل المحاكمة ولا يؤثر على صحة إجراءاتها ، كما أن إبطال أمر الإحالة إلى محكمة الموضوع بعد اتصالها بها يقتضي إعادتها إلى مرحلة الإحالة وهو أمر غير جائز باعتبار تلك المرحلة لا تخرج عن كونها جهة تحقيق فلا يجوز إعادة الدعوى إليها بعد دخولها في حوزة المحكمة ، ومن ثم فلا لوم على المحكمة إن هي التفتت عن الرد على الشق الأول من هذا الدفع وردت برد قاصر على شقه الثاني لكون هذا الدفاع ظاهر البطلان . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن العقوبة وتقدير قيام موجبات الرأفة أو عدم قيامها هو من إطلاقات محكمة الموضوع دون معقب ودون أن تُسأل حساباً عن الأسباب التي من أجلها أوقعت العقوبة بالقدر الذي ارتأته ، فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم استجابة المحكمة لطلبه بالحكم عليه بالحد الأدنى لعقوبة الجريمة التي دانته بها لانتفاء الضرر يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكانت الفقرة ثانياً من المادة ۲۲ من القانون 3 لسنة 2005 قد نصت على " معاقبة كل من خالف أحكام المادتين (۷، ۸) بغرامة لا تقل عن واحد في المائة من إجمالي إيرادات المنتج محل المخالفة ولا تجاوز عشرة في المائة من إجمالي الإيرادات المشار إليه وذلك خلال فترة المخالفة ، وفي حالة تعذر حساب إجمالي الإيرادات المشار إليه تكون العقوبة الغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز ثلاثمائة مليون جنيه " ، كما نصت الفقرة الأخيرة من ذات المادة على أنه " وتضاعف الغرامة بحديها في حالة العود على كل من خالف حكم أي من المواد (6، 7، 8) من هذا القانون ، وفي حالة عدم التزام المخالف بتنفيذ قرارات الجهاز الصادرة تطبيقاً لنص المادة (۲۰) من هذا القانون " ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه بعد أن خلص إلى التدليل على ثبوت الاتهام قبل الطاعن انتهى إلى أنه أُخطر من قبل جهاز حماية المنافسة بضرورة إزالة المخالفات الواردة بتقرير الجهاز وفقاً لنص المادة ۲۰ من القانون سالف البيان ولم يستجب ، كما لم يتم تحديد إجمالي إیرادات المنتجات محل المخالفة ، ومن ثم فقد آخذه بالفقرتين آنفتي البيان ، ومن ثم يكون نعيه على الحكم بالخطأ في تطبيق العقوبة لتلك الجريمة التي دانه بها على غير أساس . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعیناً رفضه موضوعاً ومصادرة الكفالة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق