جلسة 25 مايو سنة 1968
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد صلاح الدين السعيد المستشارين.
----------------
(129)
القضية رقم 803 لسنة 11 القضائية
دعوى "صفة في الدعوى".
الدعوى التي ترفع بطلب إلغاء قرار المحافظ بمجازاة أحد العاملين في فروع الوزارات بالمحافظة، سواء تلك التي نقلت اختصاصاتها للمحافظة أو تلك التي لم تنقل اختصاصاتها - يتعين أن يختصم فيها هذا المحافظ.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن السيد الدكتور سعد غبريال صليب الطبيب بفرع الأمراض المتوطنة بمنوف أقام الدعوى رقم 1274 لسنة 17 القضائية ضد السيد الدكتور وزير الصحة بصحيفة أودعها سكرتارية محكمة القضاء الإداري" هيئة الجزاءات والفصل بغير الطريق التأديبي" في 24 من إبريل سنة 1962 طالباً الحكم بإلغاء قرار الجزاء الإداري رقم 219 الصادر في 14 من نوفمبر سنة 1962 من منطقة المنوفية الطبية التابعة للمدعى عليه مع كافة ما يترتب على هذا القرار من آثار.. وقال - شرحاً لدعواه - إنه في 20 من نوفمبر سنة 1962 فوجئ بخطاب يتضمن الأمر المشار إليه بمجازاته بخصم يومين من مرتبه للأسباب الآتية:
1 - امتناعه عن القيام بعلاج المرضى بالبلهارسيا في خلال شهري فبراير ومارس سنة 1962 بحقن الطرطير.
2 - قيامه بالعلاج بالميراسيل رغم مخالفة ذلك للتعليمات لعدم جدواه.
3 - إرسال كمية طرطير لتحليلها بالمعامل العمومية رأساً دون الرجوع في ذلك للمنطقة.
4 - تحايله على عدم إعطاء حقن الطرطير بالتغيب في إجازات عارضة في الأيام المقرر فيها ذلك.
ثم قال المدعي إنه لما كان لم يرتكب أية مخالفة من هذه المخالفات فقد تظلم للسيد الوزير في 30 من ديسمبر سنة 1962.... وفي 21 من فبراير سنة 1963 جاءه الرد بحفظ تظلمه.. وينعى المدعي على هذا القرار مجافاته للصواب لأن التحقيق الذي أجري معه في 23 من مايو سنة 1962 قد أظهر أنه أدى واجبه على الوجه الأكمل ونفذ تعليمات الوزارة بكل دقة وكان حريصاً على مصلحة المرضى وسلامتهم.... كما أن تحقيق النيابة الإدارية قد انتهى بالحفظ... ثم رد المدعي على كل مخالفة من المخالفات المنسوبة إليه وانتهى إلى أنها جميعاً غير ثابتة في حقه.
وبجلسة 5 من مايو سنة 1965 قضت محكمة القضاء الإداري بإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات... وأقامت قضاءها على أن السبب الثالث من أسباب القرار المطعون فيه - وهو إرسال المدعي كمية من الطرطير لتحليلها بالمعامل العمومية رأساً دون الرجوع للمنطقة الطبية - غير قائم في حقه، لأن الثابت من كتاب الإدارة العامة للأمراض المتوطنة المؤرخ في 17 من فبراير سنة 1962 أن المكلف بالإرسال هو الطبيب القائم بالعلاج. وأن الجهة التي ترسل إليها الكمية المشكوك في أمرها هي الإدارة العامة للمعامل وليست المنطقة، وكذلك بالنسبة للسبب الرابع - وهو تحايل الطبيب المدعي على عدم إعطاء حقن الطرطير بالتغيب في إجازات عارضة في الأيام المقرر فيها ذلك - لأن الثابت أن المدعي قام بإعطاء الحقن يوم 12 من إبريل سنة 1962، وهو اليوم التالي لتغيبه في إجازة عارضة، كما أنه استمر على إعطاء هذه الحقن عقب ذلك في الأيام المحددة وهي أيام 25 من إبريل، 2، 9، 23 من مايو سنة 1962 حيث كان يوم 16 من هذا الشهر الأخير عطلة العيد.. فضلاً عن أن الإجازات التي حصل عليها المدعي كانت بموافقة المنطقة.. وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن قرار الجزاء المطعون فيه غير قائم على كامل سببه ويتعين إلغاؤه دون حاجة لنظر باقي الأسباب التي قام عليها القرار المذكور.
وقد طعنت الوزارة المدعى عليها في الحكم بصحيفة أودعتها سكرتارية هذه المحكمة في 4 من يوليو سنة 1965 طالبة القضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة. واحتياطياً برفضها مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. وبنت طعنها بالنسبة للطلب الأصلي على أن القانون رقم 124 لسنة 1960 - بشأن نظام الإدارة المحلية - يقضي في المادة 53 منه على أن المحافظ هو الذي يمثل المحافظة أمام المحاكم وغيرها من الهيئات وفي صلاتها مع الغير.. ولما كان القرار المطعون فيه صادراً من السيد محافظ المنوفية بصفته الرئيس الأعلى لمنطقة المنوفية الطبية فقد كان حرياً بالمطعون ضده أن يختصمه في دعواه بصفته مصدراً للقرار المطعون فيه حيث لا صفة للسيد وزير الصحة في هذه الدعوى مما كان يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى قبله لانعدام الصفة.
أما عن الموضوع فقالت الوزارة إن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله حيث ذهب إلى إلغاء القرار المطعون فيه لمجرد القول بعدم ثبوت إحدى المخالفات في حق المطعون ضده دون نظر إلى المخالفات الأخرى التي بني عليها الجزاء.. ويكون الحكم، والحال كذلك، مشوباً بقصور يتعين معه نقضه حيث كان جديراً به أن يبحث باقي المخالفات للنظر فيما إذا كانت تكفي لحمل القرار من عدمه.. ولو أن الحكم قد قام ببحثها لتبين ثبوت المخالفات الأخرى المنسوبة إلى المطعون ضده.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريرين بالرأي القانوني في الطعن انتهت فيهما إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.. وقالت في تقريرها التكميلي بأنه طبقاً لقانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960، يكون توجيه الخصومة في طلب إلغاء القرار المطعون فيه إلى السيد وزير الصحة، دون السيد محافظ المنوفية، وهو توجيه لها إلى غير ذي صفة مما يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى.. ثم أردفت هيئة مفوضي الدولة قائلة إنه لما كان الثابت في خصوصية المنازعة المعروضة أن وزارة الصحة هي التي قدمت ملف خدمة المطعون ضده المودع به القرار الصادر بمجازاته وكذلك التحقيقات التي أجريت معه وتولت هي الدفاع في الدعوى فإنها ترى - اتفاقاً مع ما انتهى إليه التقرير الأصلي في هذا الشأن - إلى أنه يجوز للمدعي مخاصمة أي من المحافظ أو وزير الصحة باعتبار أن كلاهما له صفة في الدعوى.. أما عن الموضوع فقالت الهيئة إن الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق فيما قضى به من إلغاء القرار المطعون للأسباب التي استند إليها.
قدم المطعون ضده مذكرة طلب فيها ورفض الدفع المبدى من الطاعن بالنسبة للصفة.. أما بالنسبة للموضوع فقد طلب تأييد الحكم المطعون فيه مع إلزام الطاعن بصفته بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. واستند في طلب رفض الدفع إلى أن السيد الوزير يعتبر الرئيس الأعلى ولذلك فإن اختصاص السيد المحافظ بتوقيع الجزاء لم يسلب الاختصاص الأصيل الخاص بالوزير وعلى ذلك يكون توجيه الدعوى للسيد الوزير بصفته الرئيس الأعلى توجيهاً في محله ولا طعن عليه.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأنه، طبقاً للمادة السادسة من قانون الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960 المعدل بالقانونين رقم 151 لسنة 1961 ورقم 54 لسنة 1963 فإن السيد المحافظ هو الذي يمثل السلطة التنفيذية في دائرة اختصاصه وله الحق في توقيع الجزاءات التأديبية على جميع موظفي فروع الوزارات التي نقلت اختصاصاتها إلى المجالس المحلية وتلك التي لم ينقل القانون اختصاصها، في حدود اختصاص الوزير عدا رجال القضاء ومن في حكمهم.. كما أنه طبقاً للمادة 53 من القانون المذكور فإن السيد المحافظ هو الذي يقوم بتمثيل المحافظة أمام المحاكم وغيرها من الهيئات.. وأنه يستفاد من هذه النصوص أن الدعوى التي ترفع، بطلب إلغاء قرار الجزاء الذي يصدره السيد المحافظ على أحد موظفي فروع تلك الوزارة بالمحافظة يجب أن يختصم فيها السيد المحافظ.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن السيد محافظ المنوفية قد وافق في 7 من نوفمبر سنة 1962 على مجازاة المدعي بخصم يومين من مرتبه لما نسب إليه وصدر القرار التنفيذي بذلك في 14 من الشهر.. وقد رفع المدعي دعواه، بطلب إلغاء هذا القرار ضد السيد وزير الصحة فقط ولم يختصم فيها السيد محافظ المنوفية ومن ثم فإن الدعوى تكون قد رفعت على غير ذي صفة ويتعين لذلك القضاء بعدم قبولها.. ولا يغير من ذلك أن السيد محامي الإدارة المذكورة قد حضر عن السيد وزير الصحة وحده وقدم رده على الدعوى بهذه الصفة ولم يحضر عن السيد محافظ المنوفية ولم يبد أي دفاع عنه.
ومن حيث إنه لا حجة فيما ذهب إليه المدعي - من أن السيد وزير الصحة يعتبر الرئيس الأعلى لموظفي فرع الوزارة بالمحافظة - ذلك أنه، وإن كان لوزارة الصحة أو غيرها من الوزارات نوع الإشراف على المجالس المحلية في أداء الخدمات المتعلقة بأية وزارة من الوزارات إلا أنها لا تعتبر بمثابة سلطة إدارية رياسية بالنسبة إلى تلك المجالس التي تستقل بشئونها وفقاً لأحكام القانون.. فالأصل أن تمارس المجالس أو الهيئات المحلية اختصاصاتها على وجه الاستقلال وأن ما تتخذه من قرارات في نطاق هذه الاختصاصات نافذ في ذاته ما لم يخضعه المشرع لتصديق سلطة إدارية أخرى مما يندرج تحت الوصاية الإدارية.. ومع ذلك فليس لجهة الوصاية الإدارية أن تقوم مقام الهيئات المحلية في مباشرة أي من اختصاصاتها إلا إذا نص المشرع صراحة على ذلك في حالات بذاتها.
ومن حيث إنه لم يقل قائل بأنه يجوز للوزير أن يمثل المحافظ أمام جهة من جهات القضاء أو أن اختصاصه أمامها يغني عن اختصام المحافظ صاحب الصفة في ذلك بالنسبة إلى ما يصدر منه من قرارات أو تصرفات.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب فيما قضى به من إلغاء القرار المطعون فيه ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة مع إلزام المدعي بالمصروفات.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة وألزمت المدعي بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق