الصفحات

بحث هذه المدونة الإلكترونية

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

الأحد، 20 أبريل 2025

الطعن 15215 لسنة 79 ق جلسة 21 / 1 / 2021 مكتب فني 72 ق 12 ص 72

جلسة 21 من يناير سنة 2021
برئاسة السيـد القاضي/ محمد عبد الراضي عياد الشيمي "نائب رئيس المحكمة"، وعضوية السادة القضاة/ ناصـر السعيد مشالي، أحمد شكري عبد الحليم، خالد إبراهيم طنطاوي "نواب رئيس المحكمة" وهشام محمد العوجي.
-----------------
(12)
الطعن رقم 15215 لسنة 79 القضائية
(1) وكالة " التوكيل في الخصومة " .
حق التقاضي . مكفول للكافة بجانب حق الدفاع عن النفس أو عن الذات أصالةً أو بالوكالة . المادتان 68 ، 69 دستور .
(2) حق " حق التقاضي " .
حق التقاضي . مصون ومكفول للكافة أمام قاضيهم الطبيعي .
(3) دسـتور " من المبادئ الدستورية : حق التقاضي للكافة " .
عدم التناقض بين حق التقاضي كحقٍ دستوريٍّ وبين تنظيمه تشريعيًّا . شرطه . عدم اتخاذ المشرع هذا التنظيمَ وسيلةً لحظر أو إهدار حق التقاضي .
(4) قضاة " رد القضاة " " ارتباطه بحق التقاضي " .
رد قاضٍ بعينه عن نظر نزاع محدد . ارتباطه بحق التقاضي المنصوص عليه بالمادة 68 من الدستور . التزام الدولة بأن توفر للخصومة في نهايتها حلًا منصفًا يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها ويعكس بمضمونه التسوية التي يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التي يطلبها .
(5) تشريع " سلطة المشرع في تنظيم حق رد القضاة " .
موازنة المشرع بالنصوص التي نظم بها رد القضاة بين أمرَيْنِ أولهما : جواز رد القضاة وفق أسباب محددة لئلا يفصل في الدعوى قضاة غير محايدين . ثانيهما : عدم اتخاذ رد القضاة مدخلًا إلى التشهير بهم دون حقٍ وإيذاء مشاعرهم أو التهوين من قدرهم أو منعهم من نظر قضايا بعينها . التوفيق بين هذين الاعتبارَيْنِ . سبيله . تنظيم المشرع لحق الرد بما لا يجاوز الحدود التي ينبغي أن يباشر في نطاقها ولا يكون موطئًا إلى تعطيل الفصل في النزاع الأصلي .
(6) حكم " الطعن في الحكم : الأحكام التي لا يجوز الطعن فيها استقلالًا : الحكم الصادر برفض طلب رد القضاة " .
رد القضاة . شروطه . وجوب تقديم طلب الرد قبل أيِّ دفع أو دفاع وقبل إقفال باب المرافعة في الدعوى وإلا سقط الحق فيه . عدم جواز تقديمه ممن سبق له طلب رد نفس القاضي في الدعوى ذاتها . عدم تعلقه بقضاة المحكمة أو مستشاريها جميعًا أو ببعضهم بحيث لا يبقى من عددهم ما يكفي للحكم في الدعوى الأصلية أو طلب الرد . عدم جواز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلَّا مع الحكم الصادر في الدعوى الأصلية . وجوب الرجوع إلى الأحكام التي انتظمها قانون المرافعات في شأن رد القضاة منظورًا إليها في مجموعها . م 157/فقرة أخيرة مرافعات .
(7) حق " سلطة المشرع في تنظيم الحقوق " .
الأصل . سلطة المشرع في تنظيم حق التقاضي تقديرية . جوهرها . المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم . لا قيد على المشرع في مباشرة هذه السـلطة . الاستثناء . أن يكون الدستور قد فرض ضوابط محددة في شأن ممارستها .
(8) دعوى " أنواع من الدعاوى : دعوى رد القضاة : علاقتها بالخصومة الأصلية " .
الأصل . اعتصام خصومة رد القضاة بذاتيتها واستقلالها عن الخصومة الأصلية المرددة بين أطرافها وعن المسائل المتفرعة عنها أو العارضة عليها وعن الحقوق المُتَداعَى في شأنها . أثره . جواز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد ولو كان الطعن بطريق النقض غير جائزٍ في الخصومة الأصلية . علة ذلك . الاستثناء . ربط المشرع بين الحكم الصادر في الخصومة الأصلية والحكم الصادر برفض طلب الرد في مجال الطعن . مؤداه . عدم إجازة الطعن فيه إلَّا مع الطعن في الحكم الصادر في الخـــصومة الأصلية . علة ذلك . ولاية الفصل في خصومة الرد . قصرها على دوائر المحكمة الاستئنافية سواءً أكان القاضي المطلوب رده من مستشاريها أم كان قاضيًا جزئيًّا أم ابتدائيًّا ولو كان الطعن استئنافيًا في الحكم الصادر في الخصومة الأصلية ممتنعـًا . المادتان 153 ، 157/ فقرة أخيرة مرافعات وحكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى 38 لسنة 16 ق دستورية .
(9) أحوال شخصية " دعوى الأحوال الشخصية : الطعن في الحكم " .
حظر الطعن بالنقض على أحكام الاستئناف في جميع مسائل الأحوال الشخصية المنصوص عليها في المادة الثالثة ق 10 لسنة 2004 بشأن محاكم الأسرة دون الإخلال بأحكام المادة 250 مرافعات . م 14 ق 10 لسنة 2004 .
(10) حكم " الطعن في الحكم : الأحكام التي لا يجوز الطعن فيها استقلالًا : الحكم الصادر برفض طلب رد القضاة " .
عدم تقديم الطاعن رفق طعنه في الحكم الصادر برفض طلبه برد القاضي رئيس دائرة الأسرة ما يفيد صدور حكم الخلع الصادر لمطلقته في الدعوى الأصلية . أثره . عدم قبول الطعن . علة ذلك .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- المقرر-في قضاء محكمة النقض- أن مفاد النص في المادتين 68، 69 من الدستور أن لكل شخص طبيعي أو اعتباري حق التقاضي، وذلك بجانب حقه في الدفاع عن نفسه أو عن ذاته أصالةً أو بالوكالة.
2- المقرر-في قضاء محكمة النقض- أن من المبادئ الدستورية أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافةً ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي.
3- المقرر -في قضاء محكمة النقض- أنه ليس هناك ثمة تناقض بين حق التقاضي كحق دستوري وبين تنظيمه تشريعيًّا بشرط ألَّا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة إلى حظر حق التقاضي أو إهداره.
4- إنَّ الحق في رد قاضٍ بعينه عن نظر نزاع محدد وثيق الصلة بحق التقاضي المنصوص عليه في المادة (68) من الدستور؛ ذلك أن مجرد النفاذ إلى القضاء لا يعتبر كافيًا لصون الحقـوق التي تستمد وجودها من النصوص القانونية، بل يتعين دومًا أن يقترن هذا النفاذ بإزالة العوائق التي تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة من العدوان عليها، وبوجهٍ خاصٍ ما يتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة؛ كي توفر الدولة للخصومة في نهاية مطافها حلًا منصفًا يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها، ويعكس بمضمونه التسوية التي يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التي يطلبها.
5- إنَّ المشرع تدخل بالنصوص التي نظم بها رد القضاة؛ ليوازن بين أمرين أولهما: ألا يفصل في الدعوى- وأيًا كان موضوعها- قضاة داخلتهم شبهة تقوم بها مظنة ممالأة أحد أطرافها، والتأثير بالتالي في حيدتهم، فلا يكون عملهم انصرافًا لتطبيق حكم القانون في شأنها، بل تحريفًا لمحتواه، ومن ثم أجاز المشرع ردهم وفق أسباب حددها، ليحول دونهم ومـوالاة نظــر الدعوى التي قام سـبب ردهم بمناسبتها، ثانيهما: ألَّا يكون رد القضاة مدخلًا إلى التشهير بهم دون حق، وإيذاء مشاعرهم إعناتًا، أو التهوين من قدرهم عدوانًا، أو لمنعهم من نظر قضايا بذواتها توقيًا للفصل فيها كيدًا ولددًا، وكان ضروريًّا بالتالي أن يكفل المشرع- في إطار التوفيق بين هذين الاعتبارين وبما يوازن بينهما- تنظيمًا لحق الرد لا يجاوز الحدود التي ينبغي أن يباشر في نطاقها، ولا يكــون موطئًا إلى تعطيــل الفصـل في النزاع الأصلي.
6- إنَّ الفقرة الأولى من المادة (157) من قانون المرافعات بعد أن بينت الإجراءات التي يتعين اتخاذها في شأن طلب الرد (رد القضاة) نصت في فقرتها الأخيرة على أنه "وفي جميع الأحوال لا يجوز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية"، وحيث إن قانون المرافعات حرص على تنظيم الحق في رد القضاة من زوايا متعددة غايتها ألا يكون اللجوء إليه إسرافًا أو نزقًا، بل اعتدالًا وتبصرًا، ومن ذلك أن يقدم طلب الرد قبل تقديم أيِّ دفع أو دفاع وإلا سقط الحق فيه، فإذا أُقفل باب المرافعة في الدعوى، غدا طلب الرد ممتنعًا، ولا يجوز كذلك أن يقدم هذا الطلب ممن سبق له طلب رد نفس القاضي في الدعوى ذاتها، ولا أن يكون متعلقًا بقضاة المحكمة أو مستشاريها جميعًا أو ببعضهم؛ بحيث لا يبقى من عددهم ما يكفي للحكم في الدعوى الأصلية أو طلب الرد، بل إن المشرع في إطار هذا الاتجاه لم يجز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلَّا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية، وحيث إن بيان المقصود بنص الفقرة الأخيرة من المادة (157) من قانون المرافعات يقتضي الرجوع إلى الأحكام التي انتظمها هذا القانون في شأن رد القضاة، منظورًا إليها في مجموعها.
7- إنَّ الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق- ومن بينها حق التقاضي- أنها سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم؛ لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها.
8- إنَّ المحكمة الدستورية قد انتهت في قضائها في الدعوى رقم 38 لسنة 16 "قضائية دستورية" إلى أن البين من تقرير لجنة الشئون الدستورية والقانونية في شأن مشروع القانون المعروض عليها بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات -وعلى ضوء مناقشاتها التي تضمنتها مضبطة الجلسة التاسعة والأربعين للفصل التشريعي السادس لمجلس الشعب- أن النص على عدم جواز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية لم يكن واردًا أصلًا في مشروع الحكومة، ولكنَّ اللجنة هي التي انتهت إلى تعديـل المـادة (157) من هذا القانون بإدخال هذه الفقرة عليها كنص جديد، وكان سندها في ذلك أن خصومة الرد تتفرع عن الخصومة الأصلية التي لا يعتبر الفصل في طلب الرد منهيًا لها، ويتعين بالتالي- وفي إطار الاتساق التشريعي- حملها على القاعدة العامة التي تضمنها قانون المرافعات، والتي تقضي بعدم جواز الطعن في الأحكام غير المُنهية للخصومة إلا مع الحكم الصادر في موضوع الخصومة الأصلية المُنهي لها، وأن خصومة الرد تثير ادعاءً في شأن الخصومة الأصلية مداره أن قاضييها أو بعض قضاتها الذين يتولون الفصل فيها قد زايلتهم الحيدة التي يقتضيها العمل القضائي، ومن ثم كان لخصومة الرد خطرها ودقتها سواءً بالنظر إلى موضوعها أو الآثار التي تنجم عنها، ولا شأن لها بالتالي بنطاق الخصومة الأصلية المرددة بين أطرافها، ولا بالحقوق التي يطلبونها فيها، ولا بإثباتها أو نفيها، بل تستقل تمامًا عن موضوعها، فلا يكون لها من صلةٍ بما هو مطروح فيها، ولا بشق من جوانبها، ولا بالمسائل المتفرعة عنها أو العارضة عليها، بل تعتصم خصومة الرد بذاتيتها، لتكون لها مقوماتها الخاصة بها، وأن الأهمية التي بلغتها خصومة الرد، وانعكاسها على الخصومة الأصلية التي لا يجوز أن يكون الفصل فيها معلقًا أو متراخيًا إلى غير حد، واتصالها المباشر بولاية الفصل فيها، هي التي تمثلها المشرع حين عدل عما كان قائمًا من قبل من نظرها على درجتين، ليعهد بولاية الفصل فيها -وعلى ما تنص عليه المادة (153) من قانون المرافعات- إلى إحدى الدوائر بالمحكمة الاستئنافية، سواءً أكان القاضي المطلوب رده من مستشاريها أم كان قاضيًا جزئيًّا أم ابتدائيًّا، ليكون اختصاصها بالفصل في خصومة الرد مقصورًا عليهـا، محيطًا بجوانبها، وازنًا بالقسط المطاعن المثارة فيها، ويظل هذا الاختصاص ثابتًا لهذه الدائرة، ولو كان الطعن استئنافيًا في الحكم الصادر في الخصومـــة الأصليـــة ممتنعـًـا، بـل إن قانون المرافعات أجاز بالفقرة الأخيـرة من المادة (157)-المطعــــون عليهـا- الطعن في الحكم الصادر عن تلك الدائرة برفض طلب الرد، ولو كان الطعن بطريق النقض غير جائز في الخصومة الأصلية- احترامًا للقاعدة الشرعية أنه لا تكليف بمستحيل- وما ذلك إلا توكيدًا لاستقلال خصومة الرد عن الخصومة الأصلية، وإن جاز القول بتعلق أولاهما بثانيتهما، ورفعها بمناسبتها، وحيث إن قانون المرافعات، وإن كفل -على هذا النحو- استقلال خصومة الرد عن الخصومة الأصلية، إلَّا أن هذا القانون ربط بينهما في مجال الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد، إذ لم يجزْ هذا الطعن إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الخصومة الأصلية، لتقوم بذلك بين هاتين الدعويين صلةٌ محدودة أنشأتها الفقرة الأخيرة من المادة (157) -المطعون عليها- وهي بعدُ صلةٌ مردُها أن الحكم الصادر في الخصومة الأصلية مُنهيًا لها قـد يكـون كافلًا للمدعي في خصومة الرد الحقوق التي طلبها في الخصـومة الأصليــة، ونافيًا بالتالي مصلحته الشخصية والمباشرة في تعييب الحكم الصادر برفض طلب الرد، وكان لازمًا بالتالي ألَّا يُطعن فيه استقلالًا، وأن يتربص الحكم المُنهي للخصومة الأصلية، لُيقدِّرَ على ضوء الحقوق التي أثبتها أو حجبها ما إذا كان الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد لا زال منتجًا.
9- المقرر -في قضاء محكمة النقض- أن النص في المادة الرابعة عشرة من القانون رقم 10 لسنة 2004 بإصدار قانون إنشاء محاكم الأسرة على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام المادة 250 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تكون الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية غير قابلة للطعن فيها بطريق النقض"، ومن ثم فإن المشرع قد حظر الطعن بالنقض على الأحكام الصادرة من الدوائر الاستئنافية لمحاكم الأسرة في شأن جميع مسائل الأحوال الشخصية المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون المشار إليه.
10- إذ كان الحكم المطعون فيه صادرًا في طلب رد رئيس دائرة أسرة مركز طنطا التي أُقيمت أمامها الدعوى بطلب تطليق زوجة الطاعن عليه خلعًا، وكان الثابت بالأوراق أنه لم يقدم رفق طعنه المطروح ما يفيد صدور حكم في الدعوى الأصلية؛ فإن الطعن في الحكم الصادر في طلب الرد يكون غير جائز، ومن ثم غير مقبول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمــة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع التقرير الذي تلاه السيد القاضي المقرر، والمرافعة، وبعد المداولة.
حيثُ إنَّ الوقائع -على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق- تتحصل في أن الطاعن تقدم بطلب رد المطعون ضده بصفته رئيس دائرة أسرة مركز طنطا عن نظر الدعوى رقم ... لسنة 2008 أسرة مركز طنطا للأسباب التي بينها بتقرير الرد رقم ... لسنة 59 ق استئناف طنطا، التي قضت بتاريخ 30/7/2009 برفض الطلب مع تغريم الطاعن أربعة آلاف جنيه ومصادرة الكفالة. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بعدم جواز الطعن. عُرض الطعنُ على المحكمة -في غرفة مشورة- فحددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيثُ إنَّ النص في المادة 68 من الدستور على أن "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ..."، وفي المادة 69 منه على أن" حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول"، مفاده أن لكل شخص طبيعي أو اعتباري حق التقاضي، وذلك بجانب حقه في الدفاع عن نفسه أو عن ذاته أصالة أو بالوكالة. وحيثُ إنَّ المقرر-في قضاء هذه المحكمة- أن من المبادئ الدستورية أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافةً ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، والمقرر كذلك أنه ليس هناك ثمة تناقض بين حق التقاضي كحق دستوري وبين تنظيمه تشريعيًّا بشرط ألا يتخذَ المشرع هذا التنظيم وسيلة إلى حظر حق التقاضي أو إهداره. وحيثُ إنَّ الحق في رد قاضٍ بعينه عن نظر نزاع محدد وثيق الصلة بحق التقاضي المنصوص عليه في المادة (68) من الدستور؛ ذلك أن مجرد النفاذ إلى القضاء لا يعتبر كافيًا لصون الحقوق التي تستمد وجودها من النصوص القانونية، بل يتعين دومًا أن يقترن هذا النفاذ بإزالة العوائق التي تحول دون تسوية الأوضاع الناشئة من العدوان عليها، وبوجهٍ خاصٍ ما يتخذ منها صورة الأشكال الإجرائية المعقدة؛ كي توفر الدولة للخصومة في نهاية مطافها حلًا منصفًا يقوم على حيدة المحكمة واستقلالها، ويعكس بمضمونه التسوية التي يعمد الخصم إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التي يطلبها. وحيثُ إنَّ المشرع تدخل بالنصوص التي نظم بها رد القضاة؛ ليوازن بين أمرين أولهما: ألَّا يفصل في الدعوى- وأيًا كان موضوعها- قضاة داخلتهم شبهة تقوم بها مظنة ممالأة أحد أطرافها، والتأثير بالتالي في حيدتهم، فلا يكون عملهم انصرافًا لتطبيق حكم القانون في شأنها، بل تحريفًا لمحتواه، ومن ثم أجاز المشرع ردهم وفق أسباب حددها، ليحول دونهم وموالاة نظر الدعوى التي قام سبب ردهم بمناسبتها، ثانيهما: ألَّا يكون رد القضاة مدخلًا إلى التشهير بهم دون حق، وإيذاء مشاعرهم إعناتًا، أو التهوين من قدرهم عدوانًا، أو لمنعهم من نظر قضايا بذواتها توقيًا للفصل فيها كيدًا ولددًا، وكان ضروريًّا بالتالي أن يكفل المشرع - في إطار التوفيق بين هذين الاعتبارين وبما يوازن بينهما- تنظيمًا لحق الرد لا يجاوز الحدود التي ينبغي أن يُباشَر في نطاقها، ولا يكون موطئًا إلى تعطيل الفصل في النزاع الأصلي. وحيثُ إنَّ الفقرة الأولى من المادة (157) من قانون المرافعات بعد أن بينت الإجراءات التي يتعين اتخاذها في شأن طلب الرد نصت في فقرتها الأخيرة على أنه" وفي جميع الأحوال لا يجوز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية". وحيثُ إنَّ قانون المرافعات حرص على تنظيم الحق في رد القضاة من زوايا متعددة غايتها ألَّا يكون اللجوء إليه إسرافًا أو نزقًا، بل اعتدالًا وتبصرًا، ومن ذلك أن يقدم طلب الرد قبل تقديم أيِّ دفع أو دفاع وإلا سقط الحق فيه، فإذا أُقفل باب المرافعة في الدعوى، غدا طلب الرد ممتنعًا، ولا يجوز كذلك أن يقدم هذا الطلب ممن سبق له طلب رد نفس القاضي في الدعوى ذاتها، ولا أن يكون متعلقًا بقضاة المحكمة أو مستشاريها جميعًا أو ببعضهم، بحيث لا يبقى من عددهم ما يكفي للحكم في الدعوى الأصلية أو طلب الرد، بل إن المشرع في إطار هذا الاتجاه لم يجز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلَّا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية، وحيثُ إنَّ بيان المقصود بنص الفقرة الأخيرة من المادة (157) من قانون المرافعات يقتضي الرجوع إلى الأحكام التي انتظمها هذا القانون في شأن رد القضاة، منظورًا إليها في مجموعها. وحيثُ إنَّ الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق- ومن بينها حق التقاضي- أنها سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم؛ لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس ثمة قيد على مباشرة المشرع لسلطته هذه، إلَّا أن يكون الدستور قد فرض في شأن ممارستها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها. وحيثُ إنَّ المحكمة الدستورية قد انتهت في قضائها في الدعوى رقم 38 لسنة 16 "قضائية دستورية" إلى أن البين من تقرير لجنة الشئون الدستورية والقانونية في شأن مشروع القانون المعروض عليها بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات-وعلى ضوء مناقشاتها التي تضمنتها مضبطة الجلسة التاسعة والأربعين للفصل التشريعي السادس لمجلس الشعب- أن النص على عدم جواز الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الدعوى الأصلية لم يكن واردًا أصلًا في مشروع الحكومة، ولكن اللجنة هي التي انتهت إلى تعديل المادة (157) من هذا القانون بإدخال هذه الفقرة عليها كنص جديد، وكان سندها في ذلك أن خصومة الرد تتفرع عن الخصومة الأصلية التي لا يعتبر الفصل في طلب الرد منهيًا لها، ويتعين بالتالي- وفي إطار الاتساق التشريعي- حملها على القاعدة العامة التي تضمنها قانون المرافعات والتي تقضي بعدم جواز الطعن في الأحكام غير المُنهية للخصومة إلَّا مع الحكم الصادر في موضوع الخصومة الأصلية المُنهي لها، وأن خصومة الرد تثير ادعاءً في شأن الخصومة الأصلية مداره أن قاضيها أو بعض قضاتها الذين يتولون الفصل فيها، قد زايلتهم الحيدة التي يقتضيها العمل القضائي، ومن ثم كان لخصومة الرد خطرُها ودقتُها سواءً بالنظر إلى موضوعها أو الآثار التي تنجم عنها، ولا شأن لها بالتالي بنطاق الخصومة الأصلية المرددة بين أطرافها، ولا بالحقوق التي يطلبونها فيها، ولا بإثباتها أو نفيها، بل تستقل تمامًا عن موضوعها، فلا يكون لها من صلة بما هو مطروح فيها، ولا بشق من جوانبها، ولا بالمسائل المتفرعة عنها أو العارضة عليها، بل تعتصم خصومة الرد بذاتيتها، لتكون لها مقوماتها الخاصة بها، وأن الأهمية التي بلغتها خصومة الرد، وانعكاسها على الخصومة الأصلية التي لا يجوز أن يكون الفصل فيها معلقًا أو متراخيًا إلى غير حد، واتصالها المباشر بولاية الفصل فيها هي التي تَمثَّلَها المشرع حين عدَلَ عما كان قائمًا من قبلُ من نظرها على درجتين؛ ليعهد بولاية الفصل فيها-وعلى ما تنص عليه المادة (153) من قانون المرافعات- إلى إحدى الدوائر بالمحكمة الاستئنافية، سواءً أكان القاضي المطلوب رده من مستشاريها أم كان قاضيًّا جزئيًّا أم ابتدائيًّا، ليكون اختصاصها بالفصل في خصومة الرد مقصورًا عليها، محيطًا بجوانبها، وازنًا بالقسط المطاعن المثارة فيها، ويظل هذا الاختصاص ثابتًا لهذه الدائرة، ولو كان الطعن استئنافيًا في الحكم الصادر في الخصومة الأصلية ممتنعًا، بل إن قانون المرافعات أجاز بالفقرة الأخيرة من المادة (157)-المطعون عليها- الطعن في الحكم الصادر عن تلك الدائرة برفض طلب الرد، ولو كان الطعن بطريق النقض غير جائز في الخصومة الأصلية- احترامًا للقاعدة الشرعية أنه لا تكليف بمستحيل- وما ذلك إلا توكيدًا لاستقلال خصومة الرد عن الخصومة الأصلية، وإن جاز القول بتعلق أولاهما بثانيتهما، ورفعها بمناسبتها، وحيثُ إنَّ قانون المرافعات، وإن كفل -على هذا النحو- استقلال خصومة الرد عن الخصومة الأصلية، إلَّا أن هذا القانون ربط بينهما في مجال الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد؛ إذ لم يجز هذا الطعن إلَّا مع الطعن في الحكم الصادر في الخصومة الأصلية؛ لتقوم بذلك بين هاتين الدعويين صلة محدودة أنشأتها الفقرة الأخيرة من المادة (157)-المطعون عليها- وهي بعدُ صلةٌ مردها أن الحكم الصادر في الخصومة الأصلية مُنهيًا لها، قد يكون كافلًا للمدعي في خصومة الرد الحقوق التي طلبها في الخصومة الأصلية، ونافيًا بالتالي مصلحته الشخصية والمباشرة في تعييب الحكم الصادر برفض طلب الرد، وكان لازمًا بالتالي ألَّا يُطْعَنَ فيه استقلالًا، وأن يتربص الحكمَ المُنهيَّ للخصومة الأصلية، ليُقدِّرَ على ضوء الحقوق التي أثبتها أو حجبها ما إذا كان الطعن في الحكم الصادر برفض طلب الرد لا زال منتجًا. وحيثُ إنَّ النص في المادة الرابعة عشرة من القانون رقم 10 لسنة 2004 بإصدار قانون إنشاء محاكم الأسرة على أنه" مع عدم الإخلال بأحكام المادة 250 من قانون المرافعات المدنية والتجارية تكون الأحكام والقرارات الصادرة من الدوائر الاستئنافية غير قابلة للطعن فيها بطريق النقض"، ومن ثم فإن المشرع قد حظر الطعن بالنقض على الأحكام الصادرة من الدوائر الاستئنافية لمحاكم الأسرة في شأن جميع مسائل الأحوال الشخصية المنصوص عليها في المادة الثالثة من القانون المشار إليه. وكان الحكم المطعون فيه صادرًا في طلب رد رئيس دائرة أسرة مركز طنطا التي أُقيمت أمامها الدعوى بطلب تطليق زوجة الطاعن عليه خلعًا، وكان الثابت بالأوراق أنه لم يقدم رفق طعنه المطروح ما يفيد صدور حكم في الدعوى الأصلية؛ فإن الطعن في الحكم الصادر في طلب الرد يكون غير جائز، ومن ثم غير مقبول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق