جلسة 2 من يونيه سنة 1968
برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي ومحمد فتح الله بركات وإبراهيم الشربيني. المستشارين.
----------------
(138)
القضية رقم 571 لسنة 9 القضائية
(أ) موظف "أقدمية".
منازعة المدعي في أقدمية بعض أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي السابقة على القرار الجمهوري رقم 485 لسنة 1959 بإعادة تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي، الصادر تطبيقاً للقانون رقم 74 لسنة 1959 بتنظيم خاص بوزارة الخارجية للجمهورية العربية المتحدة، غير جائزة في ظل هذا القانون - انسحاب الحصانة من الطعن التي أسبغها القانون المشار إليه على ترتيب الأقدمية الذي تضمنه القرار الجمهوري آنف الذكر بحكم اللزوم على الأقدمية السابقة عليه.
(ب) اختصاص. "اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري"
- يحدده القانون سواء بالزيادة أو النقصان - نقص المادة الخامسة من القانون رقم 74 لسنة 1959 بتنظيم خاص بوزارة خارجية الجمهورية العربية المتحدة على عدم جواز الطعن بأي وجه من الوجوه في ترتيب الأقدمية الذي يتضمنه القرار الجمهوري الذي يصدر في شأن إعادة تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي إنما تقرر حكماً جديداً معدلاً لاختصاص مجلس الدولة في هذا الخصوص - سريان حكمها بأثر حال على الدعاوى التي لم يكن قد قفل فيها باب المرافعة حتى تاريخ صدور القانون رقم 74 لسنة 1959 المشار إليه.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 6492 لسنة 8 القضائية ضد وزارة الخارجية بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 13 من إبريل سنة 1954 طلب فيها "الحكم بإلغاء الأوامر الجمهورية رقم 4، 5، 6 وما سبقها من أوامر ملكية لم تبلغ إليه ولم يعلم بها، وعلى الأخص الأوامر الملكية رقم 25، 26، 27 لسنة 1953 بتعيين وزراء مفوضين وممثلين سياسيين وقناصل، فيما تضمنته من تخطي المدعي في الترقية أصلياً إلى وظيفة سكرتير أول بالوزارة أسوة بزميليه الأستاذين عبد اللطيف فهمي العيسى وأحمد طلعت اعتباراً من أول مارس سنة 1954، واحتياطياً إلى وظيفة سكرتير ثان بالوزارة اعتباراً من 2 من إبريل سنة 1953 (تاريخ صدور الأوامر الملكية 25، 26، 27 لسنة 1953) مع ترتيب كافة الآثار على الإلغاء المذكور، وإلزام الوزارة المصروفات وأتعاب المحاماة" وقال بياناً لدعواه إنه التحق بخدمة وزارة الخارجية في الدرجة الثامنة اعتباراً من 17 من أغسطس سنة 1935، وأخذ يتدرج في وظائفها إلى أن عين سكرتير ثالثاً في 14 من نوفمبر سنة 1949، ورقي إلى الدرجة الرابعة المقررة لهذه الوظيفة في أول ديسمبر سنة 1950. وقد طالب بتعديل أقدميته طبقاً لأحكام القانون رقم 8 لسنة 1949 ووافق السيد مستشار الدولة لوزارة الخارجية على تعديل أقدميته في الدرجات من السابعة إلى الرابعة حيث تعتبر أقدميته في الدرجة الرابعة راجعة إلى 30 من مارس سنة 1950، إلا أن الوزارة لم تستجب لذلك، وفي 15 من فبراير سنة 1954 صدرت ثلاثة أوامر جمهورية بتعيينات وترقيات وتنقلات بين رجال السلك السياسي والقنصلي متضمنة ندب السيد عبد اللطيف فهمي العيسى إلى وظيفة سكرتير أول والسيد أحمد طلعت إلى وظيفة قنصل مصر العام بلندن في الدرجة الثانية، والسيد عبد الحميد عبد الغني إلى وظيفة سكرتير ثان، ثم تحول هذا الندب إلى تعيين لهم في هذه الوظائف اعتباراً من أول إبريل سنة 1954. ولما كان الأولان يماثلانه في الأقدمية علماً بأن الثالث يليه في الأقدمية فقد أقام دعواه الراهنة طالباً فيها الحكم بالطلبات سالفة البيان. وقد أجابت وزارة الخارجية عن الدعوى بأنها عدلت أقدمية المدعي في الدرجات من السابعة إلى الرابعة على نحو ما أفتى به السيد مستشار الدولة لوزارة الخارجية بحيث أصبحت أقدميته في الدرجة الرابعة راجعة إلى 30 من مارس سنة 1950 ودفعت بعدم قبول الدعوى شكلاً بالنسبة للأوامر الصادرة في سنة 1953 لفوات مواعيد الطعن فيها، أما بالنسبة للأوامر الصادرة في سنة 1954 فقالت إن تخطيه فيها يرجع إلى أن لجنة شئون الموظفين قد قدرت كفايته بدرجة ضعيف، وطلبت بناء على هذا رفض الدعوى ثم عادت بعد ذلك وقررت أنه تنفيذاً لأحكام القانون رقم 74 لسنة 1959 بتنظيم خاص بوزارة الخارجية للجمهورية العربية المتحدة صدر القرار الجمهوري رقم 485 لسنة 1959 بترتيب أقدمية أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي ومن بينهم المدعي. وإذ قضى القانون المذكور بأن هذا الترتيب يكون نهائياً وغير قابل لأي طعن فإن دعوى المدعي تكون والحالة هذه غير مقبولة ومن ثم دفعت أصلياً بعدم جواز نظر الدعوى واحتياطياً باعتبار الخصومة منتهية. وبجلسة 21 من يناير سنة 1963 حكمت محكمة القضاء الإداري "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها، وبرفض الدفعين بعدم جواز نظر الدعوى وبانتهاء الخصومة، وبإرجاع أقدمية المدعي في وظيفة سكرتير أول إلى 10 من إبريل سنة 1954، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات، وألزمت الحكومة المصروفات". وأقامت قضاءها بالنسبة إلى رفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى على أن القانون رقم 74 لسنة 1959 - إذ نص في المادة الخامسة منه على إعادة تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي وترتيب أقدميتهم بحيث يعتبر ذلك نهائياً وغير قابل للطعن بأي وجه من الوجوه - لا ينسحب حكمه على القرارات والدعاوى السابقة على تاريخ العمل به، ومن بينها الدعوى الراهنة التي أقامها المدعي للطعن في قرارات صادرة في سنتي 1953، 1954.
ومن حيث إن الطعن يأخذ على الحكم - بصفة أصلية - رفضه للدفع بعدم جواز نظر الدعوى ناعياً عليه مخالفته أحكام القانون رقم 74 لسنة 1959 ذلك أن المشرع إذ نص على نهائية القرار رقم 485 لسنة 1958 الخاص بإعادة ترتيب أقدمية أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي، وعلى عدم جواز الطعن في هذا القرار بأي وجه من الوجوه، يكون قد أغلق سبيل الطعن القضائي والإداري في ترتيب هذه الأقدميات ومنع المنازعة بأية وسيلة من الوسائل، سواء كان ذلك بطريق مباشر بالطعن على القرار الجمهوري ذاته أو بطريق غير مباشر بالطعن على القرارات السابقة عليه.
ومن حيث إن القانون رقم 74 لسنة 1959 بتنظيم خاص بوزارة الخارجية للجمهورية العربية المتحدة ينص في مادته الأولى على أن "يصدر قرار جمهوري بناء على عرض وزير الخارجية بإعادة تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي الحاليين السوريين والمصريين.. ويرفق بجدول إعادة التعيين كشف بأسماء من يرى إحالتهم إلى الاستيداع ويحتفظون بدرجاتهم ومرتباتهم الحالية بصفة شخصية لمدة أقصاها شهر واحد يصدر خلاله قرار من رئيس الجمهورية بتعيينهم في أية وظيفة أخرى... فإذا انقضت هذه المدة ولم يعين أحدهم في وظيفة أخرى اعتبر محالاً على الاستيداع...." وينص في مادته الرابعة على أنه "لا يجوز الطعن بإلغاء أو وقف تنفيذ القرار الجمهوري الصادر بإعادة تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي والقرار الجمهوري بالتعيين في الوظائف الأخرى" كما ينص في مادته الخامسة على أن "يتضمن القرار الجمهوري بإعادة تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي ترتيب أقدميتهم، ويعتبر هذا الترتيب نهائياً وغير قابل للطعن بأي وجه من الوجوه، ويكون تحديد أقدمية أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي وفقاً لتاريخ القرار الجمهوري الصادر بتعيينهم أو ترقيتهم، وإذا عين عضوان أو أكثر في وقت واحد وفي نفس الدرجة أو رقوا إليها حسبت أقدميتهم وفقاً لترتيب تعيينهم أو ترقياتهم في القرار الجمهوري. وتحدد أقدمية من يعينون من الموظفين من خارج السلكين الدبلوماسي والقنصلي من تاريخ تعيينهم في السلك الدبلوماسي أو القنصلي بعد تأدية امتحان مسابقة تثبت فيه صلاحيتهم. ويحدد شروطه قرار يصدره وزير الخارجية".
ومن حيث إن يبين من استقراء نصوص القانون رقم 74 لسنة 1959 آنف الذكر أن المشرع قد استهدف من إصداره إعادة تنظيم وزارة الخارجية سالكاً في ذلك طرقاً ثلاثة أولها إعادة تعيين بعض أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي، وثانيها نقل البعض الآخر منهم إلى وظائف عامة أخرى، وثالثها إحالة من لم تشمله إعادة التعيين أو النقل إلى الاستيداع أو التقاعد. ورغبة من المشرع في إضفاء الاستقرار على المراكز القانونية التي ترتبت على هذا التنظيم الجديد، نص في المادة الرابعة من القانون المذكور على عدم جواز الطعن بالإلغاء أو وقف التنفيذ في القرارات الجمهورية الصادرة بإعادة التعيين أو بالنقل وتحقيقاً للهدف ذاته أعاد النص في المادة الخامسة من القانون المشار إليه على أن ترتيب الأقدمية الذي يتضمنه القرار الجمهوري الخاص بإعادة تعيين أعضاء السلكين يعتبر نهائياً وغير قابل للطعن فيه بأي وجه من الوجوه. وإذ صدر القرار الجمهوري رقم 485 لسنة 1959 متضمناً إعادة تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي - ومن بينهم المدعي - ومحدداً أقدميتهم فإن هذه الأقدمية تكون نهائية وباتة أي بمنجاة من أي طعن يهدف إلى المساس بها بطريق مباشر أو غير مباشر.
ومن حيث إنه ولئن كانت الحصانة من الطعن قد انصبت على ترتيب الأقدمية الذي تضمنه القرار الجمهوري رقم 485 لسنة 1959 السالف ذكره ولم تنسحب صراحة على الأقدمية التي تضمنتها القرارات السابقة عليه، إلا أنه لما كان البادي من استظهار نص المادة الخامسة من القانون رقم 74 لسنة 1959 المشار إليه أن الأقدمية التي يرتبها القرار الجمهوري الخاص بإعادة التعيين إنما تكون على أساس الأوضاع السابقة للأعضاء المعاد تعيينهم وبمراعاة الأقدمية التي رتبتها لهم قرارات التعيين أو الترقية أو النقل السابقة على صدوره، فإن مفاد ذلك أن الأقدمية السابقة بكل ما كان يثور حولها من منازعات أو طعون كانت الأساس في تحديد الأقدمية الحالية، بحيث يعتبر أن المشرع قد حسمها نهائياً بالأقدمية الجديدة التي رتبها في القرار الجمهوري رقم 485 لسنة 1959، ومن ثم فإن الحصانة من الطعن التي أسبغها المشرع على ترتيب الأقدمية الذي تضمنه القرار المذكور تنسحب بحكم اللزوم على الأقدمية السابقة، وذلك أن أي مساس بها يؤدي حتماً إلى المساس بالأقدمية الحالية، الأمر الذي يجعل النص على نهائية هذا الترتيب وعلى عدم جواز الطعن فيه لغواً لا طائل منه وهو ما يتنافى مع نصوص القانون الصريحة ومع الهدف الذي تغياه المشرع منها.
ومن حيث إن القانون رقم 74 لسنة 1959 المتقدم ذكره إذ نص في المادة الخامسة منه على عدم جواز الطعن بأي وجه من الوجوه في ترتيب الأقدمية الذي يتضمنه القرار الجمهوري الصادر بإعادة تعيين أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي، إنما قرر حكماً جديداً معدلاً لاختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري في هذا الخصوص، وذلك باستبعاد نظر الدعاوى المتعلقة بالمنازعة في الأقدمية المذكورة من اختصاصه، وغني عن البيان أن هذا الاختصاص يحدده القانون سواء بالزيادة أو بالنقصان، فالقانون هو الأداة التي أنشأت المجلس كهيئة والتي حددت اختصاصه، وهو الأداة التي قد تقيد هذا الاختصاص، أو توسعه أو تضيقه، وقد رددت المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية في صدرها أصلاً مسلماً، هو أن قوانين المرافعات تسري بأثر حال على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها، ثم استثنت تلك المادة من هذا الأصل القوانين التي نصت عليها في فقراتها الثلاث، بالقيود والشروط التي ذكرتها، للحكمة التشريعية التي كشفت عنها المذكرة الإيضاحية للقانون، ومن بينها ما أشارت إليه الفقرة الأولى من أن القوانين المعدلة للاختصاص لا تسري متى كان تاريخ العمل بها بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه، إذ ذهب غير هذا المذهب، وقضى باختصاصه بنظر الدعوى الراهنة، يكون أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه، وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، مع إلزام وزارة الخارجية بالمصروفات ما دام العزل عن الاختصاص قد جاء بعد رفع الدعوى نزولاً على حكم جديد معدل لهذا الاختصاص. وقد كان القضاء الإداري غير ممنوع من نظر الدعوى وقت رفعها في ظل القانون القديم.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، وألزمت الحكومة بالمصروفات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق