جلسة 11 من مايو سنة 1968
برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين السعيد ومحمد بهجت عتيبة المستشارين.
----------------
(117)
القضيتين رقمي 1562 لسنة 10 القضائية و67 لسنة 11 القضائية
(أ) عقد إداري "تنفيذه". "نظرية فعل الأمير".
تدخل القضاء الإداري لتحقيق التوازن المالي للعقد الإداري تطبيقاً لنظرية فعل الأمير مناطه توافر شروطها ومن بينها أن يكون الفعل الضار صادراً من جهة الإدارة المتعاقدة.
(ب) عقد إداري "تنفيذه". "نظرية الحوادث الطارئة".
مناط إعمالها أن تطرأ خلال تنفيذ العقد الإداري حوادث أو ظروف طبيعية أو اقتصادية أو من عمل جهة إدارية غير الجهة الإدارية المتعاقدة أو من عمل إنسان آخر لم تكن في حسبان المتعاقد عند إبرام العقد ولا يملك لها دفعاً وأن يكون من شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالاً جسيماً - أثر ذلك، إلزام الجهة الإدارية المتعاقدة بمشاركة المتعاقد معها في احتمال نصيب من الخسارة التي لحقت به طوال فترة قيام الظرف الطارئ.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية باعتبار أن الحكم المطعون فيه صدر في 21 من يونيه سنة 1964 وأقامت الجهة الإدارية طعنها عليه في 19 من أغسطس سنة 1964، وقدم المدعي في 20 من أغسطس سنة 1964 طلباً إلى لجنة المساعدة القضائية قيد برقم 359 لسنة 10 القضائية لإعفائه من الرسوم المقررة ليقيم طعنه في الحكم المشار إليه وبعد أن تقرر رفضه في 28 من سبتمبر سنة 1964 أودع تقرير الطعن أمام هذه المحكمة في 17 من نوفمبر سنة 1964 ملتزماً المواعيد المقررة قانوناً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل في أن السيد/ عبد الرازق محمد عبد المنعم أقام الدعوى رقم 249 لسنة 17 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد الهيئة العامة للنقل المائي الداخلي ومحافظة الجيزة طالباً الحكم - أولاً: بإلغاء القرار الخاص بتقدير الإتاوة السنوية المستحقة عليه مقابل استغلال الخط النهري بين مصر القديمة والخرمان ثانياً: بإلزام المدعى عليهما بأن يدفعا له قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت عن الأضرار التي أصابته من جراء منح ترخيص لسير سيارات منافسه للخط فضلاً عن أسطول بحري إلى حلوان ينافس الخط أيضاً. مع إلزام جهة الإدارة بمصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال شرحاً لدعواه إن الهيئة العامة لشئون النقل المائي الداخلي منحته حق استغلال خط الركاب المنتظم بالنيل بين مصر القديمة والخرمان بمبلغ 4300 جنيهاً سنوياً لمدة عشر سنوات بدأت في أول أغسطس سنة 1960 ومن مقتضى عقد الالتزام المذكور أن يكون له هو وحده دون غيره من الناس والهيئات حق استغلال الخط المذكور في حدود شروط الالتزام واللوائح المعمول بها في هذا الصدد. وقد قام بإعداد اللنشات اللازمة وبدأ في تنفيذ التزامه إلا أنه فوجئ في غضون شهر يونيو سنة 1961 بأن هيئة النقل العام سيرت أتوبيساً منتظماً بين القاهرة والخرمان مما أدى إلى هبوط إيرادات الخط الملاحي وعاد عليه بأفدح الخسائر فتوقف عن دفع الإتاوة اعتباراً من أول أغسطس سنة 1961 وناشد المسئولين سرعة تكوين لجنة فنية لتجديد مدى الخسائر التي عادت عليه من تسيير هذا الخط البري. ثم فوجئ بتسيير خط نهري من القاهرة إلى حلوان قضى على جميع الرحلات والعمليات والسفريات التي كان يقوم بها. وبالرغم من إخلال الهيئة بالتزامها على هذا النحو فقد أوقعت ضده حجوزاً فاضطر إلى إنذارها في 20 من نوفمبر سنة 1961 بناء على ذلك شكلت لجنة لحصر إيرادات الخط الملاحي وقدمت تقريرها في هذا الشأن. وقد ناقش المدعي هذا التقرير وانتهى إلى أن صافي الربح الذي يعود عليه بعد تسيير الأتوبيس النهري هو مبلغ 64 جنيهاً فقط بينما صافي الإيراد الذي قدرته الهيئة قبل منحه حق استغلال الخط الملاحي وقبل تسيير الأتوبيس النهري كان 4400 جنيهاً. وخلص المدعي إلى أن تسيير الأتوبيس البري المنتظم بين القاهرة والخرمان وتسيير خط أتوبيس نهري من القاهرة إلى حلوان نتج عنهما انهيار إيرادات الخط النهري الذي التزم به ولحقته خسارة فادحة من جراء ذلك الأمر الذي أقام بسببه دعواه.
ودفعت الجهة الإدارية الدعوى قائلة إن المدعي رسا عليه ترخيص تسيير خط نقل الركاب بطريق النيل بين مصر القديمة والخرمان بشروط معينة وما أن حل موعد تسيير الخط حتى توالى ورود شكاوى الجمهور بارتباك مصالحهم من جراء تعطيل جريان الخط وبالرغم من التنبيه على المرخص له باستيفاء أوجه النقص إلا أنه لم يمتتل ودأب على التأخر في أداء الإتاوة المستحقة. وأضافت أن دعوى المدعي لا سند لها من الواقع أو القانون ذلك أن تسيير خط أتوبيس بين القاهرة والخرمان في شهر يونيه سنة 1961 واقعة غير صحيحة وأن الصحيح أنه خط الأتوبيس البري كان يعمل قبل صدور الترخيص للمدعي من القاهرة إلى حلوان ثم من حلوان إلى الصف ثم عدل بجعله من القاهرة إلى الصف مباشرة وفضلاً عن ذلك فإن طبيعة النقل البري تختلف عن طبيعة النقل النهري مما لا يسوغ معه التذرع بنظرية الظروف الطارئة لعدم توافر أركانها، أما تسيير محافظة القاهرة أوتوبيسين نهريين للتنزه إلى بلدان معينة في النيل فإنه يختلف في طبيعته عن نشاط المدعي إذ أن المحافظة تنقل الراغبين في التنزه في أيام معينة من كل شهر ويتولى المدعي تسيير خط منتظم ابتغاء قضاء مصالح وسعياً لجلب الرزق مما لا يقبل معه القول بأن رحلات النزهة تزاحم المدعي وتنافسه في أرباحه ومكاسبه أو أنها تؤدي إلى تخفيض الإتاوة وخلصت الجهة الإدارية إلى طلب رفض الدعوى.
وبجلسة 21 من يونيه سنة 1964 حكمت محكمة القضاء الإداري بأحقية المدعي في تعديل قيمة الإتاوة المستحقة عن تسيير الخط النهري بين مصر القديمة والخرمان من 4300 جنيه سنوياً إلى 2504 جنيهاً سنوياً وذلك اعتباراً من أول يناير سنة 1961 والمصاريف المناسبة ورفضت كل ما عدا ذلك من الطلبات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن الهيئة العامة للنقل البري وافقت بتاريخ أول يناير سنة 1961 على تسيير خط أتوبيس من القاهرة إلى الصف كما أن محافظة القاهرة أفادت في 10 من إبريل سنة 1962 بأنها تسير أوتوبيسين نهريين وقد قاما برحلات نهرية إلى بلدان على الخط المرخص للمدعي بالتسيير عليه واستطردت قائلة إن إضافة خطوط برية أو بحرية منتظمة أو غير منتظمة تسير إلى بلدان على ذات الخط المرخص باستغلاله وتنتزع بعض العملاء الذين كان يعول عليهم المستغل وقت التعاقد، هي إحدى صور تعديل الترخيص الممنوح للمدعي بتسيير الخط النهري المنتظم وقد ترتب على هذا التعديل انتزاع بعض غلات المرفق لمقتضيات الصالح العام والإخلال بالتوازن المالي للمستغل ومن ثم فيكون من حقه أن يعوض التعويض العادل الذي يعيد التوازن المالي للعقد إلى ما كان عليه قبل تغيير الظروف ومن ثم يتعين الحكم بتعديل قيمة الإتاوة المتفق عليها وتخفيضها بمبلغ 1796 جنيهاً وهو ما يمثل الفرق بين صافي الربح الذي قدرته هيئة النقل المائي الداخلي للخط النهري قبل التعاقد وبعد تعديل العقد وسير الأتوبيس البري واللنشات النهرية. ورفضت المحكمة طلب التعويض المؤقت استناداً إلى أن ممارسة جهة الإدارة لسلطتها في تعديل العقد بما يوائم ضرورة الوفاء بحاجة المرفق وتحقيق المصلحة العامة ليس فيها خروج على العقد ولا تكون خطأ في جانبها لأنها تستعمل حقها.
وبتاريخ 19 من أغسطس سنة 1964 طعن السيد/ وزير النقل بصفته الرئيس الأعلى للهيئة العامة للنقل المائي الداخلي والسيد/ محافظ الجيزة في الحكم المذكور طالبين إلغاءه فيما قضى به من تخفيض الإتاوة السنوية المشار إليها والحكم برفض الدعوى. واستند الطعن إلى أن الخط البري - القاهرة إلى الصف - كان موجوداً قبل الترخيص وقد أدخله المطعون ضده في اعتباره عند التقدم بعطائه وكل ما طرأ عليه هو جعله مرحلة واحدة بدلاً من مرحلتين كما أن تسيير لنشات غير منتظمة بين القاهرة وحلوان لا تعتبر سبباً في تخفيض الإتاوة لأن ركاب الأتوبيس النهري لهم طابعهم الخاص ويقومون برحلات للتنزه أما الخط المرخص به فهو نقل الركاب والبضائع، ومن ثم فلا يعد ذلك تعديلاً للعقد أو إخلالاً بالتوازن المالي له يبيح تخفيض الإتاوة على ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه.
وبتاريخ 17 من نوفمبر سنة 1964 طعن السيد/ عبد الرازق محمد عبد المنعم في ذات الحكم طالباً تعديله فيما قضى به من تخفيض الإتاوة السنوية المستحقة عن تسيير الخط النهري وجعلها 64 جنيهاً وإلغاء الحكم المطعون فيه فيما يختص برفض طلب التعويض المؤقت والحكم بإلزام المطعون ضدهم بأن يدفعوا له مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت نتيجة للأضرار الجسيمة المادية والأدبية التي لحقته. واستند في طعنه إلى أنه كان من الواجب تخفيض الإتاوة إلى 64 جنيهاً طبقاً لقرار اللجنة التي شكلت بمعرفة جهة الإدارة، كما أنه ترتب على استعمال الإدارة لسلطتها في تعديل العقد ضرر من الواجب تعويضه عنه وإذ قضى الحكم بغير ذلك فإنه يكون قد خالف القانون.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً في كل من الطعنين انتهت فيهما إلى أنها ترى إلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى واستندت في ذلك إلى أن تسيير الأتوبيس البري والأتوبيس النهري لم يؤد أيهما إلى المساس بإيرادات الخط المرخص للمدعي بتشغيله لاختلاف طبيعة عمليات النقل في هذا الخط عنه في وحدات الأتوبيس البري والنهري ومن ثم فلا محل للحكم بتخفيض الإتاوة أو المطالبة بتعويض عن تسيير وحدات الأتوبيس البري والنهري المشار إليهما.
وعقب السيد/ عبد الرازق محمد عبد المنعم الطاعن في الطعن رقم 67 لسنة 11 القضائية بمذكرة لم تخرج في مضمونها عن دفاعه السابق.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أن الهيئة العامة لشئون النقل المائي الداخلي أعلنت عن إجراء مزاد عام عن الترخيص في تسيير خط نقل الركاب المنتظم بالنيل بين مصر القديمة والخرمان بالتطبيق لأحكام قرار وزارة الأشغال العمومية رقم 9100 لسنة 1957 في شأن تسيير مراكب لنقل الركاب في خطوط منتظمة المعدل بالقرار رقم 9379 لسنة 1958 والاشتراطات التي أعلنتها وبجلسة 22 من نوفمبر سنة 1959 رسا المزاد على السيد/ عبد الرازق محمد عبد المنعم لمدة عشر سنوات مقابل إتاوة سنوية قدرها 4300 جنيه وكانت القيمة الأساسية التي قدرتها الهيئة 1000 جنيه وبدأ في تسيير الخط اعتباراً من أول أغسطس سنة 1960. وفي 28 من أكتوبر و6 من ديسمبر سنة 1961 تظلم المرخص له من أن هيئة النقل البري سيرت في شهر يوليه سنة 1961 خط أتوبيس بري بين القاهرة والخرمان أدى إلى هبوط إيرادات الخط الملاحي المرخص به كما سيرت الحكومة في 20 من أكتوبر سنة 1961 أتوبيساً نهرياً من القاهرة إلى حلوان قضى على جميع الرحلات التي كان يقوم بها، وطالب بإيقاف هذين الخطين وتحديد خسائره وتقدير الإتاوة على أساس الوضع الجديد، وبناء على ذلك رأى السيد مدير الهيئة الاتصال بمحافظة القاهرة وهيئة النقل البري لفحص هذه الشكوى كما شكلت لجان في هيئة النقل المائي الداخلي لحصر إيرادات الخط الملاحي المرخص به، وقامت هذه اللجان بعملها إلا أنها لم تتعرض لبيان وتحديد مدى تأثير الأتوبيس النهري والأتوبيس البري على إيرادات الخط المرخص به الأمر الذي حدا بالسيد مدير الهيئة إلى التأشير في 16 من يونيه سنة 1962 للإجابة على السؤال والاتصال بمحافظة القاهرة وهيئة النقل البري في هذا الشأن. وقد رفع السيد مدير الإدارة العامة للملاحة في 18 من يونيه سنة 1962 كتاباً إلى السيد/ مدير الهيئة ضمنه أن الأتوبيس البري كان يعمل قبل الترخيص من القاهرة إلى حلوان ثم من حلوان إلى الصف ثم أصبح مواصلة واحدة بدلاً من مواصلتين وبالإضافة إلى ذلك فإن ركاب الأتوبيس البري والنهري لهم طابعهم الخاص عن ركاب الخط المرخص به وقد وافق عليه السيد/ مدير الهيئة على ذلك.
ومن حيث إن الترخيص للمدعي في تسيير خط نقل ركاب منتظم بالنيل وإن سمي ترخيصاً إلا أنه في الواقع من الأمر عقد إداري توافقت فيه إرادتا طرفيه جهة الإدارة والمدعي بإيجاب وقبول لإنشاء التزامات تعاقدية قامت على التراضي بينهما. فقد طرحت جهة الإدارة تسيير الخط الملاحي المذكور في مزاد عام طبقاً لأحكام قرار وزارة الأشغال العمومية رقم 9100 لسنة 1957 في شأن تسيير مراكب نقل الركاب في خطوط منتظمة والقرار المعدل له رقم 9379 لسنة 1958 وعلى أساس اشتراطات معينة تتعلق بعدد اللنشات وسعتها وما إليها وقبل عطاء المدعي لانطوائه على أعلى إتاوة تقدم بها المتزايدون فضلاً عن صلاحية اللنشات التي عرضها من حيث السرعة وقوة الآلات المسيرة لها. ولما كان الأمر كذلك وكانت جهة الإدارة أحد طرفي هذا العقد وقد استهدفت منه تسيير مرفق النقل النهري واتبعت فيه وسائل القانون العام إذ ضمنته شروط استثنائية غير مألوفة في نطاق القانون الخاص ومن ذلك سلطتها في تعديل الخطوط والتعريفة ونظام السير والمواعيد وتوقيع الغرامات عن عدم تسيير اللنشات وما إلى ذلك فإن الاتفاق يكتسب من ثم وصف العقد الإداري الذي يختص القضاء الإداري بنظر ما ينشأ عنه من منازعات.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه على ما يبين من أسبابه قد أقام قضاءه على نظرية فعل الأمير وأعمل أحكامها وإن كان لم يفصح عن ذلك صراحة فقد أشار إلى أن الجهة الإدارية قامت بتعديل الترخيص للوفاء بحاجة المرفق وتحقيق المصلحة العامة دون خطأ من جانبها وبناء على ذلك خفضت المحكمة الإتاوة المتعاقد عليها تحقيقاً للتوازن المالي للعقد ورفضت طلب التعويض.
ومن حيث إن تدخل القضاء الإداري لتحقيق التوازن المالي للعقد الإداري تطبيقاً لنظرية فعل الأمير مناطه توافر شروط هذه النظرية ومن بينها شرط أن يكون الفعل الضار صادراً من جهة الإدارة المتعاقدة، فإذا ما صدر هذا الفعل عن شخص معنوي عام غير الذي أبرم العقد تخلف أحد شروط نظرية فعل الأمير وامتنع بذلك تطبيق أحكامها، ولكن ذلك الامتناع لا يحول دون تطبيق نظرية الحوادث الطارئة إذا ما توافرت شروطها.
ومن حيث إنه إذا كانت الهيئة العامة لشئون النقل المائي الداخلي طبقاً لحكم المادة الأولى من قانون إنشائها رقم 231 لسنة 1958 ذات شخصية اعتبارية مستقلة شأنها في ذلك شأن الهيئة العامة لشئون النقل البري وفقاً لقانونها رقم 96 لسنة 1960 وكانت المحافظات طبقاً للمادة الأولى من قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960 ذات شخصية معنوية، فإن تسيير الهيئة العامة لشئون النقل البري سيارات ركاب وتسيير محافظة القاهرة أتوبيسات نهرية في منطقة الترخيص الممنوح من الهيئة العامة لشئون النقل المائي الداخلي للمدعي ودون تدخل من جانب الهيئة الأخيرة أو موافقتها ينهار معه شرط انطباق نظرية فعل الأمير. ولا ينال من ذلك أن كلتا الهيئتين المذكورتين ملحق بوزارة المواصلات (النقل حالياً) إذ ليس من شأن هذا الإلحاق إهدار الشخصية المعنوية لكل منهما أو اندماجهما واعتبارهما شخصاً معنوياً واحداً. ومؤدى ذلك أن إقامة مسئولية هيئة النقل المائي الداخلي على نظرية فعل الأمير لا يقوم على سند صحيح في القانون كما أنه لا يجوز مساءلتها على أساس الخطأ لعدم ثبوت وقوع خطأ منها يستوجب مسئوليتها العقدية.
ومن حيث إن تطبيق نظرية الحوادث الطارئة في الفقه والقضاء الإداري رهين بأن تطرأ خلال تنفيذ العقد الإداري حوادث أو ظروف طبيعية كانت أو اقتصادية أو من عمل جهة إدارية غير الجهة الإدارية المتعاقدة أو من عمل إنسان آخر، لم تكن في حسبان المتعاقد عند إبرام العقد ولا يملك لها دفعاً، ومن شأنها أن تنزل به خسائر فادحة تختل معها اقتصاديات العقد اختلالاً جسيماً ومؤدى تطبيق هذه النظرية بعد توافر شروطها إلزام جهة الإدارة المتعاقدة بمشاركة المتعاقد معها في احتمال نصيب من الخسارة التي أحاقت به طوال فترة قيام الظرف الطارئ وذلك ضماناً لتنفيذ العقد الإداري واستدامة لسير المرفق العام الذي يخدمه ومرضاته للصالح العام. ويقتصر دور القاضي الإداري على الحكم بالتعويض المناسب دون أن يكون له تعديل الالتزامات العقدية.
ومن حيث إن خط الأتوبيس البري على ما أوضحه السيد/ مدير الإدارة العامة للملاحة في كتابه المؤرخ في 28 من يونيه سنة 1962 سالف البيان كان منتظماً من تاريخ سابق على إسناد تسيير الخط الملاحي المشار إليه إلى المدعي من القاهرة إلى الصف على مرحلتين الأولى من القاهرة إلى حلوان والثانية من حلوان إلى الصف وكل ما جد بعد منح الترخيص للمدعي هو أن أصبح الخط المذكور على مرحلة واحدة وليس من شأن كتاب الهيئة العامة لشئون النقل البري الصادر في 29 من مارس سنة 1963 أن يدحض ذلك لأن هذا الكتاب يتعرض وينصرف إلى طريقة تسيير الخط المذكور بعد أن أصبح مواصلة واحدة من القاهرة إلى الصف اعتباراً من 20 من يوليه سنة 1961 ولم يتعرض لنفي سير هذا الخط على مواصلتين في تاريخ سابق ولما كان الأمر كذلك فإن مجرد تحسين خدمة النقل بسيارات الركاب العامة في هذا الخط على هذا النحو من الأمور المتوقعة التي قد تدعو إليها حاجة المنتفعين بهذا المرفق ومن ثم فإن نظرية الحوادث الطارئة لا تجد موضعاً لانطباقها لتخلف أحد شروطها.
ومن حيث إن الترخيص الممنوح للمدعي لتسيير خط نقل الركاب بطريق النيل بين مصر القديمة - الواسطى - الخرمان ينطوي على تسيير لنشات للنزهة وقد أدخل هذا النشاط في الحسبان عند تقدير الهيئة العامة لشئون النقل المائي الداخلي للإتاوة الأساسية السنوية لهذا الخط على ما يبين من تقريريها المؤرخين في 30 من ديسمبر سنة 1958 و17 من مارس سنة 1959 فقد قدرت إيراداً للرحلات السنوية مقداره 648 جنيهاً على أساس ثلاث رحلات شهرية إلى حلوان متوسط إيراد كل منها ثمانية عشر جنيهاً. وإذ قامت محافظة القاهرة بتسيير لنشات للنزهة في النيل من القاهرة إلى حلوان والحوامدية ومركز الصف في نطاق الخط الملاحي المذكور فإن ذلك يعد حادثاً طارئاً لم يكن في حسبان المدعي عند التعاقد ولا يملك له دفعاً ومن شأن هذا الحادث أن يقلب اقتصاديات العقد، ذلك أن الهيئة في تقريريها السابقين قدرت القيمة الأساسية للإتاوة السنوية عن الترخيص المذكور 1000 جنيه على أساس أن صافي إيراداته بعد خصم المصروفات تبلغ 4400 جنيه يخصم منها مبلغ 1700 جنيه مقابل استهلاك رأس المال في السنة و1700 جنيه ربح رأس المال في السنة والباقي بمثل الإتاوة المقدرة. وقد رسا مزاد تسيير الخط المذكور على المدعي بإتاوة سنوية قدرها 4300 جنيه سنوياً ولما كان الربح الذي قدرته الهيئة للمرخص له 1700 جنيه على أساس أن الإتاوة تبلغ ألفاً من الجنيهات فإن مؤدى ذلك أن تحيق بالمدعي خسارة سنوية مقدارها ألف وستمائة جنيه. ولما كان المدعي قد قرر أن تسيير المحافظة لأتوبيسات النزهة النهرية قد قضى على نشاطها في هذا الشأن ولم تدحض هيئة النقل المائي الداخلي هذا الادعاء إلا بمقولة إن ركاب كل من اللنشات التابعة لمحافظة القاهرة واللنشات التابعة للمدعي لهم طابعهم الخاص وهو ما لا يتأتى منطقياً ومن ثم فلا عناء فيه.
وفضلاً عن ذلك فإن اللجان التي شكلتها الهيئة في إبريل سنة 1962 لحصر إيرادات الخط المرخص به للمدعي في هذه السنة لم تشر إلى أن المدعي قد سير لنشات للنزهة في هذه الفترة وإذا كانت المذكرة التي أعدتها الهيئة في 12 من أغسطس سنة 1962 في شأن تقدير إيرادات هذا الخط قد ضمنتها مبلغ 648 جنيهاً سنوياً إيراداً لهذه الرحلات إلا أنها لم تستق ذلك من واقع تقارير اللجان وإنما اعتمدت في هذا الشأن على ما جاء في تقرير الهيئة الأول في عام 1958 بمناسبة تقدير الإتاوة الأساسية السنوية وهو ما لا يجوز الاعتداد به. ومقتضى ذلك أن المدعي فقد خلال السنة التالية لتاريخ تسيير المحافظة أتوبيساتها النهرية في 20 من أكتوبر سنة 1961 إيراداً قدرته الهيئة في عام 1958 بمبلغ 648 جنيهاً وبلغ طبقاً للمستندات التي تقدم بها المدعي والتي لم تنقضها هيئة النقل البري بمبلغ 1013 و500 مليم خلال الفترة السابقة والتي امتدت أقل من سنة من 5 من أغسطس سنة 1960 إلى 14 من يوليو سنة 1961 وترى هذه المحكمة الأخذ بالرقم الأخير لتحديد ما فقده المدعي من إيراد خلال السنة التالية لتسيير المحافظة للأتوبيسات النهرية، خاصة وأن اللجان التي شكلت لتقدير إيرادات الخط الملاحي في 1962 لم تبين أسباب خفض الإيراد ومدى مسئولية المدعي عنها كلها أو بعضها ومن ثم فلا يجدي الاستناد إليها شيئاً. ومما لا جدال فيه أن هذا الرقم كبير تتفاقم به خسارة المدعي وتزداد فداحة باعتبار أن المنافسة دفعته بادئ الأمر إلى الالتزام بإتاوة مبالغ فيها يتحقق معها خسارته وفقاً لتقدير الهيئة في سنة 1958 ومن شأن ما طرأ من ظروف أن تقلب اقتصاديات العقد رأساً على عقب خلال السنة التالية لتسيير محافظة القاهرة أتوبيساتها النهرية. وبناء عليه يتحقق مبدأ تعويض المدعي عن هذه السنة طبقاً لأحكام نظرية الحوادث الطارئة وهو القدر اللازم للاستجابة إلى الطلب الثاني للمدعي الخاص بإلزام المدعى عليهما بأن يدفعا له قرشاً صاغاً واحداً على سبيل التعويض المؤقت عن الأضرار التي أصابته من جراء المنافسة المذكورة. أما عن السنوات التالية فإن الأوراق لم تتطرق إلى بحث استمرار هذا الحادث الطارئ ومدى أثره على اقتصاديات العقد وهو ما يتعين بحثه عند تحديد التعويض النهائي.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم فإن الطلب الأول للمدعي بإلغاء القرار الخاص بتقدير الإتاوة السنوية المستحقة عليه مقابل استغلال الخط النهري ينطوي على تعديل لشروط العقد بسبب حادث طارئ أثناء تنفيذه وهو ما لا يملكه القاضي الإداري أما عن الطلب الثاني فإنه حقيق بالإجابة على ما سلف بيانه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون جديراً بالإلغاء ويتعين من ثم تعديله على مقتضى ما تقدم.
"فلهذه الأسباب"
حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي موضوعهما بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المدعى عليهما بأن يدفعا مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المناسبة ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق