جلسة 29 من نوفمبر سنة 1979
برئاسة السيد المستشار حافظ رفقي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ يوسف أبو زيد، مصطفى كمال سليم، درويش عبد المجيد وعزت حنورة.
----------------
(358)
الطعن رقم 626 لسنة 46 القضائية
(1) عقد "تكييف العقد" محكمة الموضوع. نقض.
تكييف العقد. لمحكمة النقض مراقبة محكمة الموضوع في ذلك.
(2) التزام "سبب الالتزام". بطلان. تركة. نظام عام. هبة.
الهبة الصادرة من والد لولده. تضمنها تعاملا مسبقا في تركته. أثره. بطلان التصرف بطلانا متعلقا بالنظام العام. اعتباره سببا غير مشروع هو الباعث الدافع إلى التبرع في العقد.
(3) التزام. "السبب غير المشروع". عقد.
السبب غير المشروع المبطل للعقد. وجوب أن يكون معلوماً للمتعاقد الآخر أو في استطاعته أن يعلمه. م 136 مدني.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 399 سنة 1973 مدني كلي بني سويف مختصماً الطاعن وشارحاً دعواه بقوله أنه بمقتضى اتفاق مؤرخ فى 15 من إبريل سنة 1966 سلم ابنه أرضاً زراعية يمتلكها مساحتها ثمانية أفدنة لكى يستغلها وينتفع بريعها ووعد إياه فى هذا الاتفاق بأن يبيعه هذه الأرض التي تسلمها شريطة إلا يكون له نصيب بالإرث الشرعي فيما يخلفه من أرض زراعية ولا يحق له طلب شيء من الميراث من بعد وفاته، وأنه إذ كان هذا الاتفاق باطلاً لمخالفته النظام العام فقد أنذر ولده الطاعن أن يرد له الأرض التى تسلمها تنفيذاً له فأبى، الأمر الذى ألجأه لرفع دعواه ابتغاء الحكم بطرده من هذه الأرض وتسليمها إليه. وبتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1975 قضت المحكمة برفض الدعوى . فاستأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف بنى سويف طالباً إلغاءه والقضاء بطلباته وقيد الاستئناف برقم 103 لسنة 13 ق، وبتاريخ 2 من مايو سنة 1976 قضت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف وبطرد الطاعن من الأطيان الموضحة الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى والاتفاق المؤرخ فى 15 من أبريل سنة 1966 وتسليمها للمطعون ضده. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، وعرض الطعن على المحكمة فى غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بنى على أسباب ثلاثة حاصل أولها النعى على الحكم المطعون فيه بالقصور والفساد فى الاستدلال والخطأ فى الإسناد والتناقض، وفى بيان ذلك يقول الطاعن أن الحكم المطعون فيه جاء قاصراً عن إيراد الأسباب التى تسوغ قضاءه وتفسير الاتفاق محل النزاع وتكييفه بأنه عقد هبة لحق الانتفاع بالأرض الزراعية فى حين أن عبارات الاتفاق تكشف عن قيام بيع حال ومنجز لمنفعة هذه الأرض، وشاب الحكم فساد فى استدلاله بأن الهبة باطلة لعدم مشروعية سببها بعلة انصراف الاتفاق إلى تصرف فى تركة مستقبلة، والحكم أيضاً على الرغم من أنه أسبغ على الاتفاق وصف الهبة فقد ألحقه ببيع حقوق فى تركة إنسان على قيد الحياة مع أنه من غير الجائز أن يجتمع للتصرف وضعان وصف الهبة ووصف البيع مما يصم الحكم بالتناقض فضلاً عن القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى مردود ذلك بأنه لما كان البين من الاتفاق المحرر فى 15 من أبريل سنة 1966 أنه تضمن النص على أن المطعون ضده سلم ابنه الطاعن ثمانية أفدنة من الأرض الزراعية التى يمتلكها كى يستغلها لنفسه على وجه الاستمرار مع التزام الأب بسداد جميع الديون العالقة بها ومن بعد سداده الديون يتعهد أن يبيع لولده الطاعن هذه الأرض على ألا يكون لهذا الأخير ثمت نصيب فى ميراث أبيه المطعون ضده المخلف من أرض زراعية، وأعقبت ذلك فى الاتفاق إثبات عبارة "وحيث إن ما تسلم إليه بموجب هذه الشروط هو مقدار نصيبه فى الميراث....... وفقط يكون له الحق فى الميراث فى النخيل......"، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد عرض فى قضائه لتكييف هذا الاتفاق فأورد بأسبابه أن تصرف المطعون ضده فى حق الانتفاع بالأطيان التى تسلمها ابنه الطاعن بغير عوض فيكون التصرف عقد هبة وهذا العقد كسائر العقود ينبغى أن يقوم على سبب مشروع وهذا السبب هو الباعث الدافع للواهب إلى التبرع، ومضى الحكم فى تقريراته قائلاً "وحيث إن العقود يجب أن تفسر حسب مقصود العاقدين منها وكان المستخلص من العقد موضوع الدعوى أن المستأنف لم يهب ابنه المستأنف ضده حق الانتفاع بالأطيان موضوع النزاع لمجرد أنها هبة صادرة من والد لولده بل أن الباعث الدافع على هذا التبرع هو ما أفصح عنه من أن هذا التسليم أساسه أن ما سلم هو مقدار نصيب المستأنف ضده فى الميراث وأنه لا يحق لهذا الأخير المطالبة بميراث أرض أخرى بعد وفاة والده، ولما كان هذا الباعث الذى دفع المستأنف إلى هبة حق الانتفاع بالأطيان إلى ابنه المستأنف باعثاً باطلاً لمخالفته للنظام العام إذ هو ينصرف إلى التصرف فى تركة مستقبلة فإن هذا العقد يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً...... "لما كان ذلك وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة فى تفسير العقد وتفهم نية المتعاقدين لاستنباط حقيقة الواقع منه دون رقابة لمحكمة النقض عليها ما دام قضاؤها فى ذلك يقوم على أسباب سائغة وطالما لم تخرج فى تفسيرها للعقد واستظهار نية المتعاقدين عن المعنى الظاهر لعباراته وكانت العبرة فى تكييف العقد والتعرف على حقيقة مرماه هو بما حواه من نصوص ولمحكمة النقض مراقبة محكمة الموضوع فى هذا التكييف وكان الحكم المطعون فيه قد نهج فى تكييف العقد محل التداعى تكييفاً صحيحاً ولم يخرج فى تفسيره عما تحتمله نصوصه فلقد استخلص من عباراته الظاهرة أن تصرف الأب المطعون ضده لابنه الطاعن فى حق الانتفاع بالأرض الزراعية التى سلمها إياه كان بغير عوض مما يعتبر من التصرف تبرعاً أى هبة وقد وقعت الهبة باطلة لعدم مشروعية سببها المخالف للنظام العام بانصرافه إلى تعامل فى تركة مستقبلة، وكان من المقرر أن تعيين الورثة وأنصبتهم وانتقال الحقوق فى التركات بطريق التوريث لمن لهم الحق فيها شرعاً مما يتعلق بالنظام العام وتحريم التعامل فى التركات المستقبلة يأتى نتيجة لهذا الأصل فلا يجوز قبل وفاة إنسان الاتفاق على شيء يمس بحق الإرث وإلا كان الاتفاق باطلاً، وكان الحكم قد استدل على قيام ذلك السبب غير المشروع - وهو الباعث الدافع إلى التبرع - بما ورد فى الاتفاق من بيان صريح يفصح عن أن ما تسلمه الابن الطاعن أرض زراعية يمثل مقدار نصيبه ميراثاً عن أبيه الذى لم يزل على قيد الحياة ومن اشتراط على هذا الابن بعدم المطالبة بميراث أرض أخرى من بعد وفاة الأب، وهو ما يعد استدلالاً سائغاً له مأخذه الصحيح من واقع ما أثبت بالاتفاق الذى انعقد بين الطرفين، فإن الحكم يكون قد التزم صحيح القانون فى تفسير الاتفاق وتكييف التصرف الثابت به الذى لحقه البطلان وقام قضاءه على أسباب سائغة تكفى لحمله ولها أصلها الثابت بالأوراق. أما ما ينعاه الطاعن على الحكم من تناقض بقوله أنه بعد أن كيف الاتفاق بأنه عقد هبة خلع عليه وصف البيع فهو غير صحيح ذلك بأن الحكم لم يورد فى تقريراته سوى أن الاتفاق يتضمن تصرفا تبرعياً هو عقد هبة لحق الانتفاع بالأرض الزراعية التى سلمت للطاعن ولم يسبغ على هذا التصرف وصف البيع بل أبان فى مقام الحديث عن البطلان الذى أصاب عقد الهبة أن الباعث الذى دفع الواهب إلى تبرعه ينصرف إلى تعامل فى تركة مستقبلة لما كان ذلك فإن نعى الطاعن بالسبب الأول يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني أن الحكم المطعون فيه اعتراه قصور آخر في التسبيب ومخالفة للقانون ذلك أن من المقرر فى القانون أنه إذا كان الباعث الذي دفع أحد المتعاقدين إلى التعاقد غير مشروع ولم يكن المتعاقد الأخير يعلم بهذا الباعث وليس في استطاعته أن يعلم به فلا يعتد به يكون العقد صحيحاً قائماً على الإرادة الظاهرة، وإذ كان الحكم قد أغفل بيان علم الطاعن بسبب التعاقد الذى وصفه بعدم المشروعية فإنه يكون معيباً بالقصور ومخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعى غير سديد ذلك أنه وإن كان السبب غير المشروع الذى من شأنه أن يبطل العقد وفقاً لحكم المادة 136 من القانون المدنى يجب أن يكون معلوماً للمتعاقد الآخر فإذا لم يكن على علم به أو ليس فى استطاعته أن يعلمه فلا يعتد بعدم المشروعية، إلا أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد استقى بيان السبب غير المشروع من واقع الاتفاق الذى أبرم بين الطرفين بما انطوى عليه من إثبات عبارة ظاهرة تكشف بوضوح فى دلالتها على ما اتفق عليه الطرفان من مساس بحق الإرث التى تتصل قواعده بالنظام العام لما ورد به من نص على أن الاطيان المسلمة إلى الطاعن هى مقدار نصيبه فى ميراث الأرض الزراعية التى سيخلفها الأب المطعون ضده ومن اشتراط على الابن الطاعن بعدم المطالبة بحقه فى إرث الأرض خلاف ما تسلمه، لما كان ذلك فإن ما أورده الحكم فى هذا الصدد يعد بياناً كافياً لدليل كاشف عن أن السبب غير المشروع كان معلوماً من الطرفين متفقاً عليه فيما بينهما مما يكون معه النعى على الحكم المطعون فيه بهذا السبب فى غير محله.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثالث على الحكم المطعون فيه البطلان لإخلاله بحق الدفاع قائلاً فى بيان ذلك أنه تمسك فى دفاعه لدى محكمة الموضوع بأن التكييف الصحيح للاتفاق محل النزاع أنه عقد بيع متكامل الأركان وأن الثمن يتمثل فى التزامه أى الطاعن - بسداد جميع الديون المستحقة على الأطيان من ماله وأن بطلان شرط عدم المطالبة بالميراث مستقبلاً لا يؤثر فى صحة ونفاذ الالتزامات الأخرى وليدة عقد البيع ولكن الحكم المطعون فيه أغفل إيراد هذا الدفاع ولم يعن ببحثه وتمحيصه فأصابه عوار البطلان بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي مردود ذلك بأنه متى أقامت محكمة الموضوع قضاءها على أسباب تسوغه فلا تكون بعد ملزمة بأن تورد كل الحجج التى يدلى بها الخصوم وتفصيلات دفاعهم وترد عليها استقلالاً لأن فى قيام الحقيقة التى اقتنعت بها وأوردت دليلها التعليل الضمنى المسقط لكل حجة تخالفها، ولما كان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى تكييف الاتفاق مثار الخلاف بأنه عقد هبة وقعت باطلة لعدم مشروعية سببها وكان تكييفه لهذا الاتفاق صحيحا محمولا على أسباب سائغة على نحو ما سلف بيانه فى مقام الرد على السبب الأول، فإن فى ذلك ما يتضمن رداً على ما أثاره الطاعن فى دفاعه من تكييف العقد بأنه بيع، هذا إلى أن قول الطاعن فى دفاعه بأن الثمن يتمثل فى التزامه هو بسداد الديون المستحقة على الأرض المسلمة إليه يتجافى مع الثابت بالاتفاق من أن هذا الالتزام يقع على عاتق الأب المطعون ضده الذى سلمه هذه الأرض فلا تثريب إذن على محكمة الموضوع إن هى التفتت عن ذلك الدفاع الذى يناقض حقيقة ثابتة بالأوراق ويكون النعى على الحكم المطعون فيه بهذا السبب على غير اساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين القضاء برفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق