عودة إلى صفحة : المجلة وشرحها لعلي حيدر
(الْمَادَّةُ 21) : الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ.
الضَّرُورَةُ هِيَ الْعُذْرُ الَّذِي يَجُوزُ بِسَبَبِهِ إجْرَاءُ الشَّيْءِ الْمَمْنُوعِ. الْمُبَاحُ: وَالْمُبَاحُ شَرْعًا هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يَجُوزُ تَرْكُهُ وَفِعْلُهُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمُبَاحِ هُنَا مَا لَيْسَ بِهِ مُؤَاخَذَةٌ، وَأَنَّ إبَاحَةَ الضَّرُورَةِ لِلْمَحْظُورَاتِ تُسَمَّى فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ رُخْصَةً، وَقَدْ اتَّضَحَ ذَلِكَ فِي الْمَادَّةِ (17) وَالرُّخْصَةُ هِيَ الشَّيْءُ الَّذِي يُشْرَعُ ثَابِتًا بِنَاءً عَلَى الْإِعْذَارِ، وَهِيَ الشَّيْءُ
الْمُبَاحُ مَعَ بَقَاءِ الْمُحَرِّمِ وَالْحُرْمَةِ، أَيْ كَمَا أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ فَاعِلُ الشَّيْءِ الْمُبَاحِ لَا يُؤَاخَذُ فَاعِلُ الشَّيْءِ الْمُرَخَّصِ أَيْضًا. مِثَالٌ: لَوْ أَنَّ شَخْصًا أَكْرَهَ آخَرَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ فَبِوُقُوعِ الْإِكْرَاهِ أَيْ الضَّرُورَةِ لَا تَزُولُ الْحُرْمَةُ النَّاشِئَةُ عَنْ إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ، إلَّا أَنَّ الْمُكْرَهَ لَا يُؤَاخَذُ لِلْإِتْلَافِ الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالرُّخْصَةِ ثَابِتٌ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ عَائِدٌ لِأُصُولِ عِلْمِ الْفِقْهِ وَوَرَدَ هُنَا بَعْضُ الْأَمْثِلَةِ تَوْضِيحًا لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ. مِثَالٌ: إنَّ التَّعَرُّضَ لِمَالِ الْغَيْرِ وَإِتْلَافَهُ مَمْنُوعٌ، كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْمَادَّتَيْنِ (96 وَ 97) إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَصْبَحَ شَخْصٌ فِي حَالٍ الْهَلَاكِ مِنْ الْجُوعِ فَلَهُ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ، وَلَوْ بِالْجَبْرِ عَلَى شَرْطِ أَدَاءِ ثَمَنِهِ فِيمَا بَعْدُ أَوْ اسْتِحْصَالُ رِضَاءِ صَاحِبِ الْمَالِ، كَمَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَقْتُلَ الْجَمَلَ الَّذِي يَصُولُ عَلَيْهِ تَخْلِيصًا لِحَيَاتِهِ، فَفِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ أَصْبَحَ مِنْ الْجَائِزِ إتْلَافُ وَأَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِصُورَةِ الْجَبْرِ. مِثَالٌ آخَرُ: إذَا أَكْرَهَ شَخْصٌ آخَرَ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ بِقَوْلِهِ: أَقْتُلُكَ أَوْ اقْطَعْ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِك، فَيُصْبِحُ إتْلَافُ الْمَالِ مُبَاحًا لِذَلِكَ الشَّخْصِ، وَالضَّمَانُ يَلْزَمُ الْمُجْبِرَ. إنَّ الضَّرُورَاتِ لَا تُبِيحُ كُلَّ الْمَحْظُورَاتِ، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمَحْظُورَاتُ دُونَ الضَّرُورَاتِ.
أَمَّا إذَا كَانَتْ الْمَمْنُوعَاتُ أَوْ الْمَحْظُورَاتُ أَكْثَرُ مِنْ الضَّرُورَاتِ، فَلَا يَجُوزُ إجْرَاؤُهَا وَلَا تُصْبِحُ مُبَاحَةً. مِثَالٌ: لَوْ أَنَّ شَخْصًا هَدَّدَ آخَرَ بِالْقَتْلِ أَوْ بِقَطْعِ الْعُضْوِ وَأَجْبَرَهُ عَلَى قَتْلِ شَخْصٍ، فَلَا يَحِقُّ لِلْمُكْرَهِ أَنْ يُوقِعَ الْقَتْلَ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ هُنَا مُسَاوِيَةٌ لِلْمَحْظُورِ، بَلْ إنَّ قَتْلَ الْمُكْرَهِ أَخَفُّ ضَرَرًا مِنْ أَنْ يَقْتُلَ شَخْصًا آخَرَ، فَوَالْحَالَةُ هَذِهِ إذَا أَوْقَعَ ذَلِكَ الْمُكْرَهُ الْقَتْلَ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْقَاتِلِ بِلَا إكْرَاهٍ، أَمَّا مِنْ جِهَةِ الْقِصَاصِ فَيَنْفُذُ فِي حَقِّ كُلٍّ مَنْ الْمُجْبِرِ وَالْمُكْرَهِ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق