جلسة 7 من مارس سنة 1972
برياسة السيد المستشار/
بطرس زغلول نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عباس حلمي عبد الجواد،
وإبراهيم علام، وعدلي مصطفى بغدادي، ومحمود السيد عمر المصري.
---------------
(47)
الطعن رقم 89 لسنة 37
القضائية
(أ) محكمة الموضوع.
"سلطة محكمة الموضوع في تقدير أقوال الشهود. في رفض طلب التحقيق".
إثبات. "طرق الإثبات. الإثبات بشهادة الشهود. تقدير أقوال الشهود". بيع.
"أركان عقد البيع". عقد. "أركان العقد". صورية.
لمحكمة الموضوع رفض طلب
التحقيق متى رأت أنها ليست في حاجة إليه، بعد أن انتهت إلى رأي في النزاع أخذاً
بأقوال الشهود. التي يدخل في سلطتها تقدير أقوالهم. مثال.
(ب) ملكية. "أسباب
كسب الملكية. العقد". الوصية. القرينة المنصوص عليها في المادة 917 مدني.
قيام القرينة المنصوص
عليها في المادة 917 مدني إذا كان المتصرف لأحد ورثته قد احتفظ لنفسه بحيازته
للعين المتصرف فيها، وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته لحساب نفسه، استناداً إلى حق
لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه.
(ج) حكم. "تسبيب
الحكم. عيوب التدليل. القصور، ما لا يعد كذلك. الفساد في الاستدلال. ما لا يعد
كذلك".
نفي الحكم بأسباب سائغة
احتفاظ المورث بحيازته للعين المتصرف فيها، وأن قيامه بتحصيل أجرتها بعد التصرف
إنما كان لحساب أولاده القصر المتصرف إليهم، وبصفته ولياً طبيعياً، لا لحساب نفسه
لعدم استناده إلى مركز قانوني يخوله حق الانتفاع بتلك العين. اعتبار التصرف منجزاً
استناداً إلى أسباب سائغة تكفي لحمل قضائه. لا قصور ولا فساد في الاستدلال.
(د) إرث. مواريث. نظام
عام.
التحايل الممنوع على
أحكام الإرث لتعلقه بالنظام العام. ماهيته.
(هـ) إرث. تركة.
قيام التوريث على ما
يخلفه المورث وقت وفاته. لا حق للورثة فيما يكون قد خرج من ماله حال حياته.
(و) بطلان. "البطلان
في التصرفات". بيع. "البيع المنجز". وصية. إرث. مرض الموت.
حسب الحكم للرد على طلب
بطلان العقد لمخالفته لقواعد الإرث أنه انتهى إلى أنه لم يقصد به الإيصاء، ولم
يصدر في مرض الموت، وأنه بيع منجز استوفى أركانه القانونية ومن بينها الثمن.
--------------
1 - لمحكمة الموضوع أن
ترفض طلب التحقيق الذي يطلب منها كلما رأت أنها ليست في حاجة إليه، فإذا كانت
محكمة الاستئناف قد انتهت إلى أن العقد محل النزاع هو عقد بيع حقيقي استوفى أركانه
القانونية ومن بينها الثمن، أخذاً بأقوال الشهود الذين سمعوا في التحقيق الذي
أجرته محكمة أول درجة، وهو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع في تقدير أقوال الشهود،
فإنها بذلك تكون قد رفضت ضمناً طلب الإحالة إلى التحقيق لإثبات صورية الثمن، لما
تبينته من عدم الحاجة إليه اكتفاءً بما هو بين يديها من عناصر الدعوى والتحقيقات
التي تمت فيها، وهو حقها الذي لا معقب عليها فيه.
2 - لا تقوم القرينة
القانونية المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء
محكمة النقض - إلا إذا كان المتصرف لأحد ورثته قد احتفظ لنفسه بحيازته للعين
المتصرف فيها، وبحقه في الانتفاع بها على أن يكون الاحتفاظ بالأمرين مدى حياته
لحساب نفسه ومستنداً إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه.
3 - إذا كان الحكم
المطعون فيه قد نفى بأسباب سائغة احتفاظ المورث بحيازته للعين المتصرف فيها -
واعتبر قيامه بتحصيل أجرتها بعد التصرف فيها إنما كان لحساب أولاده القصر -
المتصرف إليهم - بصفته ولياً طبيعياً عليهم، ولم يكن لحساب نفسه لعدم استناده في
ذلك إلى مركز قانوني يخوله حق الانتفاع بتلك العين، فإن الحكم المطعون فيه، وقد
قضى باعتبار البيع منجزاً مستوفياً أركانه القانونية ومنها الثمن، وأنه صدر من
المورث في حال صحته، ولا يقصد به الوصية، مستنداً في ذلك إلى أسباب سائغة تكفي
لحمل قضائه، ولا فساد فيها، فإن النعي عليه بالقصور في التسبيب والفساد في
الاستدلال يكون على غير أساس.
4 - التحايل الممنوع على
أحكام الإرث، لتعلق الإرث بالنظام العام، هو - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض -
ما كان متصلاً بقواعد التوريث، وأحكامه المعتبرة شرعاً، كاعتبار شخص وارثاً، وهو
في الحقيقة غير وارث، أو العكس، وكذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل في
التركات المستقبلة، كإيجاد ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعاً أو
الزيادة أو النقص في حصصهم الشرعية، ويترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة
من المورث في حالة صحته لأحد ورثته أو لغيرهم تكون صحيحة، ولو كان يترتب عليها
حرمان بعض ورثته أو التقليل من أنصبتهم في الميراث.
5 - التوريث لا يقوم إلا
على ما يخلفه المورث وقت وفاته، أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته فلا حق
للورثة فيه.
6 - إذا كان الحكم قد
انتهى إلى أن التصرف المطعون فيه لم يقصد به الإيصاء، ولم يصدر من المورث في مرض
الموت، وإنما هو بيع منجز استوفى أركانه القانونية ومن بينها الثمن فهذا حسبه،
للرد على طلب بطلان العقد لمخالفته لقواعد الإرث.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق
وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن قد استوفى
أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما
يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعنين أقاموا على
المطعون ضدهم الدعوى رقم 3132 سنة 1963 مدني كلي القاهرة، وقالوا بياناً لها إن
مورث الطرفين كان متزوجاً من والدتهم ولما توفيت تزوج من إحدى بنات المطعون ضدها
الأولى، ومن بعد وفاة هذه الزوجة تزوج من أختها "المطعون ضدها الثانية"
ثم توفي في أول مارس سنة 1963 وانحصر ميراثه في أولاده من زوجته الأولى
"الطاعنين" وفي أولاده القصر من زوجتيه الأخيرتين، وقد تبين للطاعنين
بعد وفاة والدهم أنه تصرف للمطعون ضدها الأولى، وهي والدة زوجتيه المذكورتين في
العقار المبين بصحيفة الدعوى لقاء ثمن قدره 3000 ج بمقتضى عقد بيع تاريخه 17/ 2/
1962 قررت فيه المشترية أنها تشتري لحساب أولاد ابنتيها القصر، وأنها دفعت الثمن
من مالها الخاص تبرعاً منها لهم، وأنه إذ كان الباعث على هذا التصرف هو إيثار
المورث لأولاده القصر على باقي أولاده "الطاعنين" علاوة على أنه قد صدر
منه وهو في مرض موته ولم يدفع فيه ثمن، فقد أقام الطاعنون دعواهم وطلبوا الحكم
أصلياً ببطلان عقد البيع المشار إليه لأنه يقوم على سبب غير مشروع وهو الاحتيال
على قواعد الإرث، واحتياطياً باعتباره وصية لصدوره في مرض الموت وبطريق التبرع،
وبتاريخ 8 نوفمبر سنة 1964 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنون
أن البيع صدر من مورثهم في مرض الموت وبطريق التبرع، وبعد أن سمعت المحكمة شهود
الطرفين قضت في 22 مارس سنة 1965 برفض الدعوى، استأنف الطاعنون هذا الحكم
بالاستئناف رقم 822 سنة 82 ق، ومحكمة استئناف القاهرة حكمت في 17 ديسمبر سنة 1966
بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة
العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة
رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على
سببين ينعى الطاعنون بالثاني منهما على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب
والفساد في الاستدلال ويقولون في بيان ذلك إنهم تمسكوا أمام محكمة الاستئناف
بصورية الثمن مما يجعل البيع باطلاً لانعدام أحد أركانه، وأن العقار محل التصرف لم
يخرج من ملك مورثهم فقد استمر واضعاً اليد عليه إلى أن توفي في أول مارس سنة 1963،
وأنه كان يقوم بتحصيل أجرته حتى ذلك التاريخ، وطلبوا إحالة الدعوى إلى التحقيق
لإثبات صورية الثمن، غير أن المحكمة التفتت عن هذا الطلب واكتفت في الرد على
القرينة المستفادة من تحصيل الأجرة بمجرد القول بأن للبائع مباشرة شئون أولاده
نيابة عنهم، في حين أن الثابت أن المورث كان يوقع على إيصالات الأجرة بصفته
الشخصية لا بصفته نائباً عن أولاده، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه بالقصور في
التسبيب والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه
أنه بعد أن ناقش أقوال شهود الطرفين الذين شهدوا في التحقيق الذي أمرت به المحكمة
الابتدائية لإثبات أن البيع صدر من المورث في مرض الموت وبطريق التبرع وأنه يخفي
وصية، انتهى إلى القول "بأن المدعين" "الطاعنين" لم يثبتوا أن
التصرف حصل من مورثهم وهو في مرض الموت، وكذلك أخفقوا في إثبات أنه حصل منه تبرعاً
للمتصرف إليهم وبالعكس من ذلك شهد شهود المدعين "الطاعنين" بما يشعر أن
التصرف تم بمقابل وقطع بذلك شاهداً المدعى عليهما "المطعون ضدهما" ورد
الحكم المطعون فيه على الادعاء بأن العين ظلت في وضع يد البائع حتى وفاته بقوله
"إنه ثبت من عقد الإيجار المؤرخ أول مارس سنة 1959 الصادر من المورث لأحد
مستأجري منزله أن المورث قد حول هذا العقد ابتداءً من أول يناير سنة 1963 إلى
المستأنف عليها الأولى "المطعون ضدها الأولى" بصفتها بما يفيد انتقال
وضع اليد من المورث "البائع" إلى المشترية بصفتها ولا يؤثر بعد ذلك صدور
بعض الإيصالات باسمه فإن له مباشرة شئون أولاده نيابة عنهم" ويبين من ذلك أن
الحكم المطعون فيه خلص إلى أن التصرف المطعون ببطلانه هو بيع دفع فيه الثمن كاملاً
من المطعون ضدها الأولى إلى البائع "المورث" وأن البيع استوفى أركانه
القانونية وقد صدر منجزاً من المورث في حال صحته إلى بعض ورثته ولم يقصد به
الوصية، وإذ كان لمحكمة الموضوع أن ترفض طلب التحقيق الذي يطلب منها كلما رأت أنها
ليست في حاجة إليه، وكانت محكمة الاستئناف قد انتهت إلى أن العقد محل النزاع هو
عقد بيع حقيقي استوفى أركانه القانونية ومن بينها الثمن أخذاً بأقوال الشهود الذين
سمعوا في التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة وهو مما يدخل في سلطة محكمة الموضوع
في تقدير أقوال الشهود، فإنها بذلك تكون قد رفضت ضمناً طلب الطاعنين الإحالة إلى
التحقيق لإثبات صورية الثمن لما تبينته من عدم الحاجة إليه اكتفاء بما هو بين
يديها من عناصر الدعوى والتحقيقات التي تمت فيها، وهو حقها الذي لا معقب عليها
فيه، ولما كانت القرينة القانونية المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني
لا تقوم - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إلا إذا كان المتصرف لأحد ورثته قد
احتفظ لنفسه بحيازته للعين المتصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها على أن يكون
الاحتفاظ بالأمرين مدى حياته لحساب نفسه، ومستنداً إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه
حرمانه منه، وكان الحكم المطعون فيه قد نفى بأسباب سائغة احتفاظ المورث بحيازته
للعين المتصرف فيها، واعتبر أن قيامه بتحصيل أجرتها بعد التصرف فيها إنما كان
لحساب أولاده القصر - المتصرف إليهم - بصفته ولياً طبيعياً عليهم ولم يكن لحساب
نفسه لعدم استناده في ذلك إلى مركز قانوني يخوله حق الانتفاع بتلك العين. لما كان
ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه وقد قضى باعتبار العقد بيعاً منجزاً مستوفياً
أركانه القانونية ومنها الثمن وأنه صدر من المورث في حال صحته ولا يقصد به الوصية
مستنداً في ذلك - وعلى ما سلف البيان - إلى أسباب سائغة تكفي لحمل قضائه ولا فساد
فيها، فإن النعي عليه بهذا السبب يكون على غير أساس.
وحيث إن السبب الأول
يتحصل في النعي على الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون، ويقول الطاعنون في
بيان ذلك إنهم طلبوا أمام المحكمة الابتدائية القضاء أصلياً ببطلان التصرف الصادر
من المورث لأنه قصد به إيثار بعض الورثة مخالفاً بذلك قواعد الإرث، واحتياطياً
باعتباره وصية لصدوره في مرض الموت وبطريق التبرع، إلا أن المحكمة اقتصرت على بحث
الطلب الاحتياطي ثم قضت برفض الدعوى، ولما استأنفوا هذا الحكم تمسكوا أمام محكمة
الاستئناف بالطلب الأصلي، وهو بطلان التصرف لصورية الثمن ولأنه قصد به التحايل على
قوانين الميراث، غير أن المحكمة أطرحت بحث هذا الطلب قولاً منها بأن الطلبين
الأصلي والاحتياطي بمعنى واحد، وأن بحث الطلب الاحتياطي يستغرق بحث الطلب الأصلي،
وهذا من الحكم خطأ في تطبيق القانون ذلك أن الطلبين يختلفان في أساسهما القانوني،
إذ بينما يستند الطلب الأصلي إلى عدم مشروعية السبب لمخالفته لأحكام الميراث، فإن
الطلب الاحتياطي يقوم على اعتبار التصرف وصية لصدوره بطريق التبرع في مرض الموت،
ومن ثم فلا يغني بحث أحد الطلبين عن بحث الآخر، وإذ التفت الحكم المطعون فيه عن
النظر في الطلب الأصلي فإنه يكون مخطئاً في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود،
ذلك أن التحايل الممنوع على أحكام الإرث لتعلق الإرث بالنظام العام هو - وعلى ما
جرى به قضاء هذه المحكمة - ما كان متصلاً بقواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعاً
كاعتبار شخص وارثاً وهو في الحقيقة غير وارث أو العكس، كذلك ما يتفرع عن هذا الأصل
من التعامل في التركات المستقبلة كإيجاد ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق
الميراث شرعاً أو الزيادة أو النقص في حصصهم الشرعية، ويترتب على ذلك أن التصرفات
المنجزة الصادرة من المورث في حالة صحته لأحد ورثته أو لغيرهم تكون صحيحة ولو كان
يترتب عليها حرمان بعض ورثته أو التقليل من أنصبتهم في الميراث، لأن التوريث لا
يقوم إلا على ما يخلفه المورث وقت وفاته، أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته
فلا حق للورثة فيه. لما كان ذلك، وكان الحكم قد انتهى إلى أن التصرف المطعون فيه
لم يقصد به الإيصاء ولم يصدر من المورث في مرض الموت، وإنما هو بيع منجز استوفى
أركانه القانونية ومن بينها الثمن فهذا حسبه للرد على طلب بطلان العقد لمخالفته
لقواعد الإرث، ويكون النعي عليه بهذا السبب على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين
رفض الطعن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق