برياسة السيد المستشار/ جمال صادق المرصفاوي نائب رئيس المحكمة،
وعضوية السادة المستشارين: محمد صلاح الدين الرشيدي، وإسماعيل محمود حفيظ، والسيد
محمد شرعان، ومحمد علي بليغ.
-----------
- 1 أسباب الاباحة وموانع العقاب "
الدفاع الشرعي". نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل من الأسباب".
الدفاع الشرعي عن المال لا يبيح القوة إلا لرد فعل يكون جريمة من
الجرائم الواردة حصرا بالمادة 246 عقوبات . النزاع علي الري ليس من هذه الجرائم .
الدفاع الشرعي عن المال وفقاً للفقرة الثانية من المادة 246 من قانون
العقوبات لا يبيح استعمال القوة إلا لرد فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها
في الأبواب الثاني "الحريق عمداً" والثامن "السرقة والاغتصاب"
والثالث عشر "التخريب والتعييب والإتلاف" والرابع عشر "انتهاك حرمة
ملك الغير"، من الكتاب الثالث - الجنايات والجنح التي تحصل لآحاد الناس - من
هذا القانون وفي المادة 387 فقرة أولى "الدخول أو المرور بغير حق في أرض
مهيئة للزراعة أو مبذور فيها زرع أو محصول" والمادة 389 فقرة أولى
"التسبيب عمداً في إتلاف منقول للغير" وثالثة - رعى بغير حق مواشي أو
تركها ترعى في أرض بها محصول أو في بستان - والنزاع على الري ليس من بين هذه الأفعال.
- 2 أسباب الاباحة وموانع العقاب " الدفاع
الشرعي". نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل من الأسباب".
الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء. الوقائع التي
يستنتج منها قيام هذه الحالة أو انتفاؤها. موضوعي.
من المقرر أن الدفاع الشرعي هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء،
وتقدير الوقائع المؤدية إلى قيام حالة الدفاع الشرعي أو نفيها من الأمور الموضوعية
التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها. ما دام استدلالها سائغاً.
- 3 أسباب الاباحة وموانع العقاب " الدفاع
الشرعي".
تقدير المتهم ظروف الاعتداء الذي يبرر لديه قيام حالة الدفاع الشرعي .
موضوعي .
يجب لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون تقدير المتهم لفعل الاعتداء
الذي استوجب ضده هذا الدفاع مبنياً على أسباب معقولة من شأنها أن تبرر ما وقع منه
- ومن حق المحكمة أن تراقب هذا التقدير لترى ما إذا كان مقبولاً تسوغه البداهة
بالنظر إلى ظروف الحادث وعناصره المختلفة.
- 4 إثبات "خبرة". محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير
الدليل".
كفاية أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضا
يستعصي علي الملاءمة والتوفيق .
الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني في كل
جزئية، بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني تناقضاً
يستعصى على الملاءمة والتوفيق - وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في بيان كيفية
إصابة المجني عليه الثاني ..... أخذاً من أقوال شهود الإثبات أن الطاعن عاجله
بعيار ناري عندما هرع لمساندة والده ... .. الذي ترنح فور إصابته. بالعيارين
اللذين أطلقهما عليه الطاعن لا يتعارض مع ما نقله التقرير الطبي الشرعي من أن إصابة
المجني عليه الثاني ... نارية رشية بجبهته اليسرى من جسمه بالجانب الأيسر للجزع
وبوحشية يسار مقدم البطن ووحشية أعلا الفخذ الأيسر، باتجاه في أمام ويسار ومن
مسافة تقدر بنحو ستة أمتار فيما لو كان السلاح المستعمل طويل الماسورة - وأنها
حدثت في وقت معاصر لتاريخ الحادث. وكان لو صح قول الطاعن بأن التقرير الطبي الشرعي
وردت به عبارة أن المجني عليهما كانا في امتدادهما الطبيعي حال إطلاق النار عليهما
- لا يشكل تعارضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق مع ما حصله الحكم من أن أقوال
شهود الإثبات من أن المجني عليه الثاني ..... بادر لمساندة أبيه أو هم برفعه فور
إصابته ولا يعني - ما يجنح إليه الطاعن - من أن هذا المجني عليه أنحنى أو مال
فعلاً مغيراً بذلك من امتداده الطبيعي حال إطلاق النار عليه. ومن ثم فلا تثريب على
الحكم المطعون فيه إن هو عول على هذين الدليلين القولي والفني بغير أن يشوبهما
تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق - مما يغدو معه النعي على الحكم في هذا
الشأن على غير أساس سليم.
- 5 قتل "قتل عمد ". قصد جنائي
قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر. إنما بالظروف المحيطة
بالدعوى والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره.
إن قصد القتل أمر خفي لا يدرك بالحس الظاهر. وإنما يدرك بالظروف
المحيطة بالدعوي والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره
في نفسه. واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية -
لما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل وأثبت توافرها في حق الطاعن
"من استعماله سلاح ناري قاتل بطبيعته ومن توجيهه إلى أماكن قاتلة من جسدي
المجني عليهما، وهي مناطق الرأس والبطن على مرمى قريب قدره التقرير الطبي الشرعي
بأمتار ستة مما يسهل من إحكام الرمي ومن تثنية الإطلاق على المجني عليه الأول ثم
في سقوطه من الإطلاق على المجني عليه الثاني علي ذات البعد القريب ومن ذات السلاح
القاتل بإحكام التوجيه إلى مقتل من جسم المجني عليه، كل ذلك تتوافر به لدي المحكمة
اطمئنانا يقينياً بأن المتهم كان يبغي من الإطلاق علي المجني عليهما قتلاً، وقد
تحقق بالنسبة لأولهما، وخاب مبتغاه بالنسبة لثانيهما لمداركته بالعلاج
وشفائه". فإن هذا حسبه للتدليل على توافر نية القتل كما هي معرفة به في
القانون.
---------
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدائرة مركز فوه محافظة كفر الشيخ:
قتل عمدا .... بأن أطلق عليه عيارين ناريين من بندقية قاصدا قتله فأحدث به
الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه
الجناية بجناية أخرى هي أنه في الزمان والمكان سالفي الذكر. شرع في قتل ..... بأن
أطلق عليه عيارا ناريا قاصدا قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي
الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج .
وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 45 و46
و234/1-2 من قانون العقوبات. فقرر ذلك وادعى مدنيا كل من ..... بمبلغ خمسة آلاف
جنيه و.... - زوجه - و.... و.... و..... و... .... أولاد المجني عليه -
بمبلغ خمسة عشر ألف جنيه قبل المتهم. ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت حضوريا عملا
بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال
الشاقة المؤبدة وألزمته بأن يدفع للمدعي بالحق المدني .... مبلغ ألفي جنيه وبأن
يدفع لباقي المدعين بالحقوق المدنية مبلغ خمسة آلاف جنيه وألزمته بالمصاريف
المدنية المناسبة وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ومصادرة البندقية الخاصة
بالمتهم المضبوطة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.
-----------
المحكمة
من حيث إن الطعن قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجناية قتل
عمد تلتها جناية شروع فيه قد خالف القانون, وشابه قصور وفساد في الاستدلال - ذلك
بأن قوام دفاع الطاعن أنه كان في حالة دفاع شرعي عن المال, إذ أن المجني عليهما
واتباعهما عمدوا إلى تنفيذ قرار النيابة الجزئية بتطهير المجرى مثار النزاع جبراً
- رغم التظلم منه إلى رئيس النيابة - وذلك بالدخول عنوة إلى أرض الطاعن ومباشرة
الأعمال التي تستلزمها إعادة تطهيرها وضمان تشغيلها لري أرض المجني عليه الأول -
القتيل - وهو أمر لا يملكه الخصم, وإنما تملكه السلطة العامة وحدها, وأنه إذ رأى
الطاعن المجني عليهما وعمالهما يحملون الفؤوس وأمثالها في موقع النزاع, طلب إليهم
الانصراف دفعاً للشر إلا أن المجني عليهما لم يأبها باعتراضه, وأمر المجني عليه
الأول اتباعه بالتقدم واقتحام أرض الطاعن. ولم يرتب الحكم المطعون فيه على هذه الوقائع
نتائجها القانونية - من أن المجني عليهما وأتباعهما شهروا صولة القوة والعنف ضد
المال والنفس معاً في وجه الطاعن وتابعه, اللذين كانا في أرض الطاعن بما يجعله
يعتقد أن خطراً على النفس أحدق به بما يرخص له القانون حق الدفاع عنه بحيث يصبح ما
وقع منه فعلاً مباحاً - وأطرح دفاعه هذا وبرر دخول المجني عليهما إلى موقع النزاع
بقول غير سائغ يخالف صحيح القانون - كما شابه القصور إذ لم يعرض لما أثاره الدفاع
عن الطاعن بشأن التعارض بين أقوال المجني عليه الثاني ...... عن كيفية حصول إصابته
وبين ما أورده التقرير الطبي الشرعي بشأنها دون أن يعمل على المواءمة والتوفيق
بينهما, بل ابتسر ما نقله عن التقرير الطبي وانتقص منه عبارة "أن إصابات
المجني عليه ......... حدثت وهو في حالة الوضع الطبيعي القائم المعتدل
للجسم". فمسخه وشوه فحواه. وقد جره إلى ذلك اهتزاز صورة الواقعة التي ارتسمت
في عقيدته عن كيفية حدوث إصابته. فصورها تارة بأنها حدثت عندما سارع لمساندة والده
المجني عليه الأول الذي ترنح فور إصابته بالعيارين الذي أطلقهما عليه الطاعن,
وصورها تارة أخرى بأنها حدثت أثناء محاولته رفع والده الذي سقط على الأرض فور
إطلاق الأعيرة عليه وإصابته. وهو أمر لا يتأتى فعله بحسب هذا التصوير الأخير إلا
إذا كان جالساً أو منحنياً نحو أبيه الجاثم على الأرض - وهو أمر يتعارض مع ما جاء
بالتقرير الطبي الشرعي - كما أن ما أورده الحكم للتدليل به على توافر نية القتل
لدى الطاعن جاء قاصراً وغير سائغ.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بين واقعة الدعوى بما
تتوافر به كافة العناصر القانونية للجنايتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على
ثبوتهما في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليه خلص إلى قوله إن واقعات
الدعوى حسبما اطمأنت إليه المحكمة تحصيلاً من أقوال شهود الإثبات الذين اطمأن
وجدانها إلى صدق روايتهم لوقائع الحادث, وما أرفق في الدعوى من مدونات تخلص منها
المحكمة إلى أن النزاع الذي احتدم بين المجني عليها والمتهم - الطاعن - هو في
جوهره نزاع على ري. ذلك أن أمر تطهير المسقاة إنما هو في الواقع الواجهة الظاهرة لحقيقة
واقعة هي أن الأمر لا يعدو أن المتهم أهدر قرار الري الصادر بتاريخ 2/2/1966 وعمد
إلى إعاقة وصول مياه الري إلى أرض المجني عليهما بما فعله بنفسه أو بواسطة غيره.
من هدمه لجزء من مجرى القناة بما جعله يضيق عن القيام بالغرض المخصص من أجله. وهو
توصيل مياه الري إلى الأرض التي تنتفع بهذه المسقاة, ومنها أرض المجني عليها -
فإذا ما طالب المجني عليهما بحقهما في إعداد هذه القناة لأداء الغرض منها, فليس في
ذلك ثمة افتئات على حق يدعيه المتهم لنفسه وليس في ذلك ما يجعلهما مرتكبين لأية
جريمة مما عنتها المادة 236 عقوبات في فقرتها الثانية. ذلك أن توجه المجني عليهما
ومن صحبهما إلى موقع القناة في المكان الذي به هدمها بما يجعلها مفتقرة إلى
صلاحيتها للغرض الذي أنشأت من أجله, لا يمكن أن يوصف بحال أنه دخول عقار بقصد منع
حيازته بالقوة أو بقصد ارتكاب جريمة فيدخلا الغاية المبتغاة هو منع حيازة المتهم
لعقار له وحده حق الانتفاع به. ذلك أن قرار الري الصادر بتاريخ 2 من فبراير سنة
1966 والذي كان ساري المفعول وقت وقوع الحادث يعطي المجني عليهما الحق في ري
أرضهما من المسقاة محل النزاع وقيامهما بإجراء التطهير لهذا المجرى مع ما لهما
بمقتضى القرار سالف الذكر من حق فيه ينفي عنهما صفة الجريمة حالة ما إذا قاما برفع
الحوائل بين الماء ووصوله إلى أرضهما, وبالتالي فليس هناك ثمة اغتصاب لحيازة
المتهم, وليس هناك ثمة جريمة ينبغي ارتكابها في عقار مملوك له, وبالتالي فلا
يتوافر للمتهم في واقع الدعوى حالة الدفاع الشرعي عن المال التي تبيح له استعمال
القوة اللازمة لرد ما وقع من عدوان ذلك النزاع على الري لا تصح المدافعة عنه
قانوناً باستعمال القوة" ثم عرض الحكم بعد ذلك بالرد على ما أثاره الدفاع من
أن المتهم كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه تبيح له استعمال القوة للازمة لرد
العدوان الذي كان وشك الوقوع بقوله: "آية ما اطمأنت إليه المحكمة من رواية
شهود الحادث يفيد أن المجني عليهما قصدا محل النزاع ومعهما عمال لهما يحملون
الآلات المناسبة لإجراء تطهير القناة, وأن مجرى القناة كان مائلاً بين الفريقين
وأن ..... - المجني عليه الأول - أمر عماله بمباشرة التطهير وإذ هم العمال بالنزول
لمجرى القناة لإجراء التطهير أطلق المتهم - الطاعن - الأعيرة النارية التي أصابت
من .... مقتلاً, ومن ابنه - المجني عليه الآخر - جراحاً. ولم يثبت للمحكمة بدليل
تطمئن إليه أن هناك ثمة اعتداء وشيك الوقوع كان بصدد أن ينال المتهم. فبإجماع شهود
الواقعة على أن شيئاً من ذلك لم يحدث كما أن المتهم لا يزعم أن المجني عليهما كان
مع أي منهما آلة للاعتداء عليه أو حاولا الاعتداء عليه بها - إذ يشترط في حق
الدفاع الشرعي عن النفس أن يكون استعماله موجهاً إلى مصدر الخطر لمنع وقوعه. ومتى
كان المتهم لا يدعي أن عدواناً حالاً بادره به أي من المجني عليهما أو كان وشيك
الوقوع عليه منهما حتى يباح له رده عنه فإنه لا يكون له ثمة حق في مدعاة بأنه كان
في حالة دفاع شرعي خاصة وقد اطمأنت المحكمة إلى أن عدوانا ما من المجني عليهما أو
رجالها لم يكن مبيناً, ولم يشرع فيه, ولم تظهر له بوادر على مسرح الأحداث وإنما في
زعم المتهم وتطرحه المحكمة ولا تعول عليه لافتقاره إلى الدليل الذي تطمئن إلى صحته
- لما كان ما تقدم, وكان الدفاع الشرعي عن المال وفقاً للفقرة الثانية من المادة
246 من قانون العقوبات لا يبيح استعمال القوة إلا لرد فعل يعتبر جريمة من الجرائم
المنصوص عليها في الأبواب الثاني "الحريق عمداً" والثامن "السرقة
والاغتصاب" والثالث عشر "التخريب والتعييب والإتلاف" والرابع عشر
"انتهاك حرمة ملك الغير" من الكتاب الثالث - الجنايات والجنح التي تحصل
لآحاد الناس - من هذا القانون وفي المادة 387 فقرة أولى "الدخول أو المرور
بغير حق في أرض مهيئة للزراعة أو بذور فيها زرع أو محصول" والمادة 389 فقرة
أولى "التسبيب عمداً في إتلاف منقول للغير" وثالثة "رعي بغير حق
مواشي أو تركها ترعى في أرض بها محصول أو في بستان" وكان النزاع على الري ليس
من بين هذه الأفعال والذي رد الحكم المطعون فيه بمنطق سليم وتدليل سائغ صورة
الحادث وسبب العدوان إليه. فإن ما يثيره الطاعن على الحكم المطعون في هذا الشأن
يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الدفاع الشرعي هو استعمال القوة
اللازمة لرد الاعتداء, وتقدير الوقائع المؤدية إلى قيام حالة الدفاع الشرعي أو
نفيها من الأمور الموضوعية التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها - ما دام
استدلالها سائغاً - وأنه يجب لقيام حالة الدفاع الشرعي أن يكون تقدير المتهم لفعل
الاعتداء الذي استوجب عنده الدفاع مبنياً على أسباب معقولة من شأنها أن تبرر ما
دفع منه - ومن حق المحكمة أن تراقب هذا التقدير لترى ما إذا كان مقبولاً تسوغه
البداهة بالنظر إلى ظروف الحادث وعناصره المختلفة - لما كان ذلك, وكان ما أثبته
الحكم من ذلك الوقائع مؤدياً إلى النتيجة التي خلص إليها من أن الطاعن لم يكن في
حالة دفاع شرعي, فإن ما يعنيه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون في غير محله.
لما كان ذلك, وكان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفني
في كل جزئية, بل يكفي أن يكون جماع الدليل القولي غير متناقض مع الدليل الفني
تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق - وكان ما أورده الحكم المطعون فيه في بيانه
كيفية إصابة المجني عليه الثاني ...... أخذاً من أقوال شهود الإثبات أن الطاعن
عاجله بعيار ناري عندما هرع لمساندة والده ........ الذي ترنح فور إصابته
بالعيارين الذي أطلقهما عليه الطاعن لا يتعارض مع ما نقله التقرير الطبي الشرعي من
أن إصابة المجني عليه ....... نارية رشية بجبهته اليسرى من جسمه بالجانب الأيسر
للجزع وبوحشية يسار مقدم البطن ووحشية أعلا الفخذ الأيسر. باتجاه في أمام ويسار
ومن مسافة تقدر بنحو ستة أمتار فيما لو كان السلاح المستعمل طويل الماسورة - وأنها
حدثت في وقت معاصر لتاريخ الحادث. وكان لو صح قول الطاعن بأن التقرير الطبي الشرعي
وردت به عبارة أن المجني عليهما كانا في امتدادهما الطبيعي حال إطلاق النار عليهما
- لا يشكل تعارضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق مع ما حصله الحكم من أقوال شهود
الإثبات من أن المجني عليه الثاني .......... بادر لمساندة أبيه أو هم برفعه فور
إصابته, لا يعني - ما يحتج إليه الطاعن - من أن هذا المجني عليه انحنى أو مال
فعلاً مغيراً بذلك من امتداده الطبيعي حال إطلاق النار عليه ومن ثم فلا تثريب على
الحكم المطعون فيه إن هو عول على هذين الدليلين القولي والفني بغير أن يشوبهما
تناقضاً يستعصى على الملاءمة والتوفيق - مما يغدو معه النعي على الحكم في هذا
الشأن على غير أساس سليم. لما كان ذلك, وكان قصد القتل أمراً خفياً لا يدرك بالحس
الظاهر, وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي
يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضي الموضوع
في حدود سلطته التقديرية - ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل وأثبت
توافرها في حق الطاعن "من استعماله سلاح ناري قاتل بطبيعته ومن توجيهه إلى
أماكن قاتلة من جسدي المجني عليهما, وهي مناطق الرأس والبطن على مرمى قريب قدوة
التقرير الطبي الشرعي بأمتار ستة مما يسهل من أحكام الرمي ومن تثنية الإطلاق على
المجني عليه الأول ثم في سقوطه من الإطلاق على المجني عليه الثاني على ذات البعد
القريب ومن ذات السلاح القاتل بإحكام التوجيه إلى مقتل من جسم المجني عليه, كل ذلك
تتوافر به لدى المحكمة اطمئناناً يقيناً بأن المتهم كان يبغى من الإطلاق على
المجني عليهما قتلاً, وقد تحقق بالنسبة لأولهما, وخاب مبتغاة بالنسبة لثانيهما
لمداركته بالعلاج وشفائه "فإن هذا حسبه للتدليل على توافر نية القتل كما هي
معرفة به في القانون. لما كان ما تقدم, فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً
رفضه موضوعاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق