الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 4 يناير 2025

الطعن 8 لسنة 40 ق جلسة 3 / 12 / 1975 مكتب فني 26 ج 2 ق 288 ص 1537

جلسة 3 من ديسمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار محمد أسعد محمود، وعضوية السادة المستشارين: محمد محمد المهدي، وسعد الشاذلي، وحسن مهران حسن، ومحمد الباجوري.

----------------

(288)
الطعن رقم 8 لسنة 40 القضائية

(1، 2) دعوى "المصلحة". نقض.
(1) المصلحة التي يقرها القانون. شرط لقبول الخصومة أمام القضاء. عدم خروج الطعن بالنقض على هذا الأصل. مثال بشأن عدم المنازعة في الطلبات.
(2) المصلحة في الطعن. مناطها.
(3) استئناف "نطاق الاستئناف". حكم "استنفاد الولاية".
حكم محكمة أول درجة في موضوع الدعوى. قضاء تستنفد به ولايتها. وجوب تصدي محكمة الاستئناف للنزاع. ليس في ذلك تفويت لإحدى درجات التقاضي.
(4) إيجار "التزامات المؤجر". تعويض. دعوى. "الطلبات في الدعوى".
طلب المستأجر تمكينه من الانتفاع بباقي العين المؤجرة. القضاء بإنقاص الأجرة كبديل للتعويض النقدي لما ينطوي عليه التنفيذ العيني من إرهاق. م 203/ 2 مدني لا يعد قضاء بما لم يطلبه الخصوم.
(5) حكم "الأسباب الزائدة". قوة الأمر المقضي. نقض.
لا تحوز حجية الشيء المقضي. انتفاء المصلحة في النعي عليها.

------------------
1 - إذ كان شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التقاضي حتى تعود على المدعي منفعة من اختصام المدعى عليه للحكم عليه بطلبه مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأنه المصلحة القائمة التي يقرها القانون، وكان الطعن بالنقض لا يخرج على هذا الأصل، فإنه لا يكفي لقبوله مجرد أن يكون المطعون عليه طرفاً في الخصومة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بل يجب أيضاً أن يكون قد نازع خصمه أمامها في طلباته أو نازعه خصمه في طلباته هو (1).
2 - مناط المصلحة في الطعن أن يكون الطاعن طرفاً في الحكم وألزمه الحكم بشيء ما، وإذ حكم على الطاعن بإنقاص الأجرة فقد توافرت مصلحته في الطعن.
3 - إذ كانت محكمة أول درجة قد استنفدت ولايتها بالحكم في موضوع الدعوى، وكان من حق محكمة الاستئناف وهي تعرض للموضوع من جديد سلطة بحث الوقائع وإنزال الحكم الصحيح للقانون عليها، فإنه لا يجوز لها أن تعيد الدعوى لمحكمة أول درجة بل يتعين عليها أن تمضي في نظرها متصدية للنزاع مطبقة القاعدة القانونية التي تراها صحيحة على واقعة الدعوى دون أن يعد ذلك منها تفويتاً لدرجة من درجات التقاضي.
4 - متى كان البين من تقريرات الحكم المطعون فيه أنه بعد أن خلص إلى أن التغيير الذي أحدثه الطاعن بالطابق الثالث وهو جزء من العين المؤجرة يعد تغييراً جوهرياً في طبيعته وكيانه الأصلي، وأنه يعتبر بهذه المثابة تعرضاً مادياً من جانب المؤجر في معنى المادة 571/ 1 من القانون المدني، وأن ما طلبه المطعون عليه الأول - المستأجر - من تنفيذ عيني يتمثل في صحة عقد الإيجار المبرم بينه وبين الطاعن وتمكينه من الانتفاع بالعين المؤجرة كجزاء على الإخلال بضمان المؤجر يقتضي إعادة الحال إلى أصله وينطوي على رهق للمؤجر ويلحق به خسارة جسيمة تزيد على الفائدة التي يجنبها المستأجر، فلم يحكم بالتنفيذ العيني واقتصر على أن يقضي للمستأجر بإنقاص الأجرة، فإن هذا الذي قرره الحكم هو حق للقاضي منصوص عليه صراحة في الفقرة الثانية من المادة 203 من القانون المدني التي تنص "على أنه إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدي إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً" ويكون القضاء بإنقاص الأجرة في هذا الصدد كبديل للتعويض النقدي المنصوص عليه في تلك المادة. لما كان ذلك، وكان التعويض المشار إليه فيها ليس التزاماً تخييرياً أو بدلياً بجانب التنفيذ العيني بل محلهما واحد هو عين ما التزم به المؤجر من تنفيذ عيني، فإن طلب المطعون عليه الأول التنفيذ العيني بتمكينه من شقة الطابق الثالث يفترض معه ضمناً طلبه التعويض حال تعذر التنفيذ، ولا يعد القضاء له في هذه الحالة بإنقاص الأجرة قضاء بما لم يطلبه الخصوم (2)".
5 - إذ كان ما قرره الحكم لا يعدو أن يكون تزيداً فيما لم يطلب منه القضاء به، فلا تحوز أسبابه حجية الشيء المقضي وتنتفي المصلحة في النعي عليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه الأول أقام ضد الطاعن وباقي المطعون عليهم الدعوى رقم 321 لسنة 1966 مدني بندر سوهاج بطلب الحكم بنفاذ عقد الإيجار المؤرخ 29/ 11/ 1960 وتمكينه من الشقة الكائنة بالدور الثالث من المنزل المبين بالعريضة في مواجهة باقي المطعون عليهم، وقال شرحاً لها أنه بموجب عقد إيجار مؤرخ 29/ 11/ 1960 استأجر من الطاعن الدورين الثاني والثالث بالمنزل المشار إليه مقابل أجرة قدرها 2 ج و750 م، وأنه شغل فعلاً الدورين المؤجرين له، إلا أن الطاعن قام بهدم الدور الثالث وإعادة بنائه وإذ رفض الطاعن تمكينه من الشقة الكائنة بالدور الثالث فقد أقام الدعوى بالطلبات سالفة البيان، وبتاريخ 23/ 2/ 1967 قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة سوهاج الابتدائية قيدت بجدولها تحت رقم 157 لسنة 1967 وبتاريخ 1/ 11/ 1967 حكمت المحكمة بصحة عقد الإيجار سالف الذكر بالنسبة للشقة بالدور الأول العلوي المسمى بالثاني في العقد ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات. استأنف المطعون عليه الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 269 سنة 42 ق أسيوط طالباً إلغاءه في شطره الثاني المتعلق برفض طلبه صحة ونفاذ العقد والتمكين بالنسبة للشقة بالدور الثالث من المنزل المبين بالعريضة وتمكينه منها، وبتاريخ 3/ 6/ 1968 حكمت محكمة الاستئناف بندب خبير لبيان ما إذا كان التغيير الذي أحدثه الطاعن بالطابق الثالث يعتبر تغييراً جوهرياً أدى إلى هدمه وإعادة بنائه أم أنه مجرد ترميمات لم تغير من طبيعته، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت المحكمة بتاريخ 8/ 11/ 1969 بتعديل الحكم المستأنف والقضاء بنفاذ عقد الإيجار المؤرخ 29/ 11/ 1960 بالنسبة للطابق العلوي الأول المسمى بالعقد بالدور الثاني وبإنقاص الأجرة المتفق عليها بالعقد المذكور إلى مبلغ 135 قرشاً شهرياً ورفض ما عدا ذلك من الطلبات. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض. دفع المطعون عليه الأول بعدم قبول الطعن، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بعدم قبول الطعن بالنسبة للمطعون عليهم من الثاني إلى الأخير وبنقض الحكم المطعون فيه. وعرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر، وبالجلسة المحددة التزمت النيابة برأيها.
وحيث إن مبنى دفع النيابة بعدم قبول الطعن بالنسبة إلى المطعون عليهم من الثاني إلى الأخير أن هؤلاء ليسوا خصوماً للطاعن ولم ينازعوه في طلباته مما لا يجيز له اختصامهم أمام محكمة النقض.
وحيث إن هذا الدفع سديد، ذلك أنه لما كان شرط قبول الخصومة أمام القضاء قيام نزاع بين أطرافها على الحق موضوع التقاضي حتى تعود على المدعي منفعة من اختصام المدعى عليه للحكم عليه بطلبه مما وصفته المادة الثالثة من قانون المرافعات بأن المصلحة القائمة التي يقرها القانون، وكان الطعن بالنقض لا يخرج على هذا الأصل، فإنه لا يكفي لقبوله مجرد أن يكون المطعون عليه طرفاً في الخصومة أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، بل يجب أيضاً أن يكون قد نازع خصمه أمامها في طلباته أو نازعه خصمه في طلباته هو، ولما كان البين من وقائع الدعوى آنفة الذكر في خصوص موقف المطعون عليهم من الثاني إلى الأخير أنه لم تبد منهم منازعة للطاعن أمام محكمة الموضوع بل طلبوا رفض الدعوى لصالحه، كما لم يوجه هو - أو المطعون عليه الأول - إليهم طلبات ما، فإنه لا يكون للطاعن مصلحة في اختصامهم أمام محكمة النقض، مما يوجب الحكم بعدم قبول الطعن بالنسبة إليهم، ولا يغير من ذلك أنهم يقيمون بذات المنزل وأن الطابق الثالث مؤجر إلى المطعون عليهما الثاني والثالث بعد إعادة بنائه، إذ لم يمس الحكم المطعون فيه مركزهم القانوني في هذا الشأن.
وحيث إن مبنى دفع المطعون عليه الأول بعدم قبول الطعن هو انعدام مصلحة الطاعن في الطعن على إنقاص الأجرة طالما أنها الأجرة القانونية.
وحيث إن الدفع مردود، ذلك أن مناط المصلحة في الطعن أن يكون الطاعن طرفاً في الحكم وألزمه الحكم بشيء ما، وإذ حكم على الطاعن بإنقاص الأجرة فقد توافرت مصلحته في الطعن.
وحيث إن الطعن بالنسبة للمطعون عليه الأول قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب، ينعى الطاعن بالأسباب الأول والثاني والرابع منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون، وفي بيان ذلك يقول أن الحكم قضى بإنقاص الأجرة مع أن طلبات المطعون عليه الأول أمام محكمة الاستئناف كانت محددة بصحة ونفاذ عقد الإيجار والتمكين بالنسبة لشقة الطابق الثالث، وإذ رفض الحكم هذه الطلبات وقضى بإنقاص الأجرة مستهدياً في ذلك بالمادتين 203/ 2 و571/ 1 من القانون المدني فإنه يكون قد قضى بغير الطلبات، وفصل في أمر غير مطروح عليه، ولم يبد الخصوم دفاعهم بشأنه وهو أمر لا يملكه. وإذ كانت المادتان المشار إليهما لم تعرض لهما محكمة أول درجة فقد كان على محكمة الاستئناف أن تعيد القضية إليها وإلا فوتت على الطاعن درجة من درجات التقاضي، بالإضافة إلى أن الحكم رغم قضائه بإنقاص الأجرة على سبيل التعويض وفق المادة 203/ 2 سالفة الإشارة احتفظ للمطعون عليه الأول بالحق في المطالبة بالتعويض بدعوى على حدة، وبذلك خول له الحق في أن يتقاضى التعويض مرتين، وهو ما يعيبه بمخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه ما دامت محكمة أول درجة قد استنفدت ولايتها بالحكم في موضوع الدعوى، وكان من حق محكمة الاستئناف وهي تعرض للموضوع من جديد سلطة بحث الوقائع وإنزال الحكم الصحيح للقانون عليها، فإنه لا يجوز لها أن تعيد الدعوى لمحكمة أول درجة بل يتعين عليها أن تمضي في نظرها متصدية للنزاع مطبقة القاعدة القانونية التي تراها صحيحة على واقعة الدعوى دون أن يعد ذلك منها تفويتاً لدرجة من درجات التقاضي. ولما كان البين من تقريرات الحكم المطعون فيه أنه بعد أن خلص إلى أن التغيير الذي أحدثه الطاعن بالطابق الثالث يعد تغييراً جوهرياً في طبيعته وكيانه الأصلي وأنه يعتبر بهذه المثابة تعرضاً مادياً من جانب المؤجر في معنى المادة 571/ 1 من القانون المدني، وأن ما طلبه المطعون عليه الأول من تنفيذ عيني يتمثل في صحة عقد الإيجار المبرم بينه وبين الطاعن وتمكينه من الانتفاع بالعين المؤجرة كجزاء على الإخلال بضمان المؤجر، يقتضي إعادة الحال إلى أصله وينطوي على رهق للمؤجر ويلحق به خسارة جسيمة تزيد على الفائدة التي يجنيها المستأجر، فلم يحكم بالتنفيذ العيني واقتصر على أن يقضي للمستأجر بإنقاص الأجرة، فإن هذا الذي قرره الحكم هو حق للقاضي منصوص عليه صراحة في الفقرة الثانية من المادة 203 من القانون المدني التي تنص "على أنه إذا كان في التنفيذ العيني إرهاق للمدين جاز له أن يقتصر على دفع تعويض نقدي إذا كان ذلك لا يلحق بالدائن ضرراً جسيماً" ويكون القضاء بإنقاص الأجرة في هذا الصدد كبديل للتعويض النقدي المنصوص عليه في تلك المادة لما كان ذلك وكان التعويض المشار إليه فيها ليس التزاماً اختيارياً أو بدلياً بجانب التنفيذ العيني بل محلهما واحد هو عين ما التزم به المؤجر من تنفيذ عيني، فإن طلب المطعون عليه الأول التنفيذ العيني بتمكينه من شقة بالطابق الثالث يفترض معه ضمناً طلبه التعويض حال تعذر التنفيذ ولا يعد القضاء له في هذه الحالة بإنقاص الأجرة قضاء بما لم يطلبه الخصوم، لما كان ما تقدم وكان ما قرره الحكم بشأن أحقية المطعون عليه الأول - في رفع دعوى مبتدأة بالتعويض لا يعدو أن يكون تزيداً فيما لم يطلب منه القضاء به ولا تحوز أسبابه حجية الشيء المقضي وتنتفي المصلحة في الطعن عليها ويكون النعي بكافة وجوهه على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالسبب الثالث الإخلال بحق الدفاع وفي بيان ذلك يقول الطاعن أن الحكم المطعون فيه انتهى إلى إنقاص الأجرة استناداً إلى المقارنة بين الأجرة التي كانت مقدرة بعقد سابق مؤرخ 1/ 2/ 1958 وقت أن كان المطعون عليه الأول يستأجر الطابق الثاني وحده بالعقد موضوع التداعي المؤرخ 29/ 11/ 1960 الذي استأجر بموجبه الطابقين الثاني والثالث معاً، مع أن أول العقدين منصب على شقة واحدة فحسب بالطابق الثاني، في حين أن العقد محل النزاع خاص بالطابق الثاني بأكمله وهو مكون من شقتين لا شقة واحدة، ويكون إنقاص الحكم للأجرة بقدر الفرق بين الأجرة المحددة في العقدين دون مناقشة الطرفين إخلالاً بحق الدفاع.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان الطاعن لم يدع أمام محكمة الموضوع بأن المطعون عليه الأول يستأجر شقتين بالطابق الثاني وليس شقة واحدة، وكان مدار دفاعه في مرحلتي التقاضي يقوم على أساس أن كل طابق من طوابق المنزل الثلاث مكون من مسكن واحد وكان ما ورد بالعقد القديم من أن العين المؤجرة هي شقة بالدور الثاني لا يتنافى مع أنها الشقة الوحيدة فيه فإن نسبة الإخلال بحق الدفاع إلى الحكم تكون غير واردة.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن برمته.


(1) نقض 16/ 5/ 1972 مجموعة المكتب الفني السنة 23 ص 933.
(2) قارن نقض 1/ 2/ 1966 مجموعة المكتب الفني السنة 17 ص 221.

الطعن 1172 لسنة 25 ق جلسة 5 / 1 / 1985 إدارية عليا مكتب فني 30 ج 1 ق 56 ص 315

جلسة 5 من يناير سنة 1985

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمود عبد العزيز الشربيني - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة عبد العزيز أحمد سيد حمادة وثروت عبد الله أحمد عبد الله وجمال السيد دحروج وعادل محمود فرغلي - المستشارين.

-----------------

(56)

الطعن رقم 1172 لسنة 25 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - انتهاء الخدمة - الاستقالة الحكمية.
المادة 98 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 - انتهاء الخدمة للانقطاع لا يقع بقوة القانون بل يحكمه المبدأ الذي نصت عليه المادة 97 من ذات القانون والتي تقضي بأن خدمة العامل لا تنتهي إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة - القرينة القانونية على الاستقالة الضمنية المستفادة من انقطاع العامل دون تقديمه عذراً مقبولاً تعتبر مقررة لصالح الجهة الإدارية التي يتبعها العامل فإن شاءت أعملتها في حقه واعتبرته مستقيلاً وإن شاءت تغاضت عنها رغم توافر شروطها وتمضي في مساءلته تأديبياً للانقطاع بدون إذن - لا تثريب على الجهة الإدارية إذا لم تتخذ الإجراءات التأديبية ضد العامل المنقطع خلال الشهر التالي للانقطاع - أساس ذلك: ميعاد الشهر هو ميعاد تنظيمي - تطبيق (1).


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 29 من يوليه سنة 1979 أودع الأستاذ المستشار رئيس هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1172 لسنة 25 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بأسيوط بجلسة 5 من يونيه سنة 1979 في الدعوى رقم 229 لسنة 5 القضائية المرفوعة من النيابة الإدارية ضد..... الذي قضى بعدم قبول الدعوى التأديبية بالنسبة للمخالفة الإدارية الخاصة بالانقطاع عن العمل ومجازاة العامل المذكور بغرامة قدرها سبعة جنيهات عن المخالفة المالية الخاصة، باستيلائه على مرتبة عن مدة الانقطاع.
وقد طلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه شقه الأول من عدم قبول الدعوى التأديبية بالنسبة للمخالفة الخاصة بالانقطاع عن العمل، مع إعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية بمدينة أسيوط للفصل فيما نسب إلى المتهم مجدداً من هيئة أخرى.
وبعد أن أعلن تقرير الطعن على الوجه المبين بالأوراق أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً ارتأت فيه قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه إلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية بمدينة أسيوط للفصل في المخالفة الخاصة بالانقطاع عن العمل وتوقيع عقوبة من العقوبات المنصوص عليها في القانون لمن هم في الخدمة عن المخالفة الثانية مجدداً من هيئة أخرى.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 9 من مايو سنة 1984 فقررت إحالته لنظره أمام المحكمة الإدارية العليا بجلسة 9 من يونيه سنة 1984 وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن عناصر المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق أنه بتاريخ 16 من سبتمبر سنة 1978 أقامت النيابة الإدارية الدعوى رقم 229 لسنة 5 القضائية ضد....... المدرس بدار المعلمين بأسوان ذلك أنه بتاريخ 24 من سبتمبر سنة 1977 وحتى 18 من فبراير سنة 1978 خالف الأحكام المقررة للإجازات وانقطع عن عمله بغير إذن وفي غير الأحوال المرخص له بها، كما خالف الأحكام المالية وقام بصرف راتبه عن المدة من 24 من سبتمبر سنة 1977، 30 من سبتمبر سنة 1977 بغير حق، وطلبت مجازاته تأديبياً بالمادتين 42، 52 من القانون رقم 58 لسنة 1971 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة والمادتين 80 و82 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة والمادة 14 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية والمادتين 15، 19 من القانون رقم 47 لسنة 1972 بشأن مجلس الدولة.
وبجلسة 5 من يونيه سنة 1979 حكمت المحكمة أولاً: - بعدم قبول الدعوى التأديبية بالنسبة للمخالفة الإدارية للانقطاع عن العمل. ثانياً: - بمجازاة المتهم بغرامة مقدارها سبعة جنيهات عن المخالفة المالية الخاصة باستيلائه على مرتبه عن مدة الانقطاع، وقد استندت المحكمة في قضائها إلى أن المشرع أجاز للعامل أن يقدم استقالته صراحة أو ضمناً، ومن ثم فإن الانقطاع عن العمل المدة التي حددها المشرع يحمل معنى تقديم الاستقالة من العامل وعلى الجهة الإدارية أن تحدد موقفها من هذه الاستقالة إما بالقبول واعتبار خدمة العامل منتهية، وإما برفضها وذلك بإنذار العامل بضرورة العودة فوراً إلى العمل، فإذا لم يمتثل أو لم يقدم عذراً مقبولاً إحالته إلى التحقيق خلال الشهر التالي للانقطاع وذلك لمجازاته عن واقعة الانقطاع وللإعلان من جانبها عن تمسكها باستمرار الرابطة الوظيفية وأن قرينة الاستقالة المقررة لصالحه مرفوضة من جانبها. ولما كانت جهة الإدارة لم تحل العامل المذكور إلى التحقيق إلا بعد مرور شهر من تاريخ انقطاعه عن العمل ومن ثم تكون خدمته قد انتهت قانوناً في تاريخ سابق على محاكمته مما يتعين معه عدم قبول الدعوى بالنسبة للمخالفة الإدارية وبالنسبة للمخالفة الثانية وهي صرفه لمرتبه عن شهر سبتمبر بالكامل رغم انقطاعه من 24 من سبتمبر سنة 1977، فإن المخالفة ثابتة في حقه، ومن ثم يعاقب بإحدى العقوبات المنصوص عليها في المادة 88 من القانون رقم 48 لسنة 1978 المشار إليه بما يناسب المخالفة.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأوليه ذلك أن المستقر عليه أن قرينة الاستقالة الضمنية مقررة لصالح الإدارة فلها أن تعملها وتعتبر العامل المنقطع مستقيلاً من تاريخ انقطاعه عن العمل، ولها أن تتمسك بالرابطة الوظيفية وتتخذ الإجراءات التأديبية ضده، ومن ثم فلا تعتبر خدمة العامل منتهية بالاستقالة إلا بقرار صريح من جهة الإدارة.
ومن حيث إن المادة 98 من القانون رقم 48 لسنة 1978 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة تنص على أنه "يعتبر العامل مقدماً استقالته في الحالات الآتية: -
1 - إذا انقطع عن عمله بغير إذن أكثر من خمسة عشر يوماً متتالية ما لم يقدم خلال الخمسة عشر يوماً التالية ما يثبت أن انقطاعه كان بعذر مقبول وفي هذه الحالة يجوز للسلطة المختصة أن تقرر عدم حرمانه من أجره عن فترة الانقطاع إذا كان له رصيد من الإجازات يسمح بذلك وإلا وجب حرمانه من أجره عن هذه المدة فإذا لم يقدم العامل أسباباً تبرر الانقطاع أو قدم هذه الأسباب ورفضت اعتبرت خدمته منتهية من تاريخ انقطاعه عن العمل.
2 - إذا انقطع عن عمله بغير إذن تقبله جهة الإدارة أكثر من ثلاثين يوماً غير متصلة في السنة تعتبر خدمته في هذه الحالة منتهية من اليوم التالي لاكتمال هذه المدة.
وفي الحالتين السابقتين يتعين إنذار العامل كتابة بعد انقطاعه لمدة خمسة أيام في الحالة الأولى وعشرة أيام في الحالة الثانية.
ومن حيث إن مفاد هذا النص أن خدمة العامل تنتهي بما يعتبر استقالة ضمنية إذا انقطع عن عمله بغير إذن أكثر من خمسة عشر يوماً متتالية أو ثلاثين يوماً غير متصلة في السنة إلا أن انتهاء الخدمة في هذه الحالة على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة لا يقع بقوة القانون بل يحكمه المبدأ الذي نصت عليه المادة (97) من القانون سالف الذكر التي تنص علي أن خدمة العامل لا تنتهي إلا بالقرار الصادر بقبول الاستقالة، ومن ثم فإنه حرصاً على المصلحة العامة وحتى لا يتعطل سير العمل في المرافق العامة فإن القرينة القانونية على الاستقالة الضمنية المستفادة من انقطاع العامل المدد سالفة البيان دون تقديمه عذراً مقبولاً تعتبر مقررة لصالح الجهة الإدارية التي يتبعها العامل فإن شاءت أعملت هذه القرينة في حقه واعتبرته مستقيلاً وإن شاءت تغاضت عنها رغم توافر شروطها، ولها ألا تعمل أثرها وبالتالي لا تعتبر العامل مستقيلاً ومن ثم لا تعتبر خدمته منتهية وفي هذه الحالة تمضي في مساءلته تأديبياً لانقطاعه بدون إذن خمسة عشر يوماً متتالية أو ثلاثين يوماً غير متصلة في السنة، ولا تثريب على الجهة الإدارية إذا لم تتخذ الإجراءات التأديبية ضد العامل المنقطع خلال المدة التي حددتها المادة (98) المشار إليها وهي الشهر التالي لانقطاعه عن العمل لأن هذا الميعاد إن هو إلا ميعاد تنظيمي على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة. ومؤدى ما تقدم أنه لإعمال هذا الأثر، ينبغي أن يصدر قرار إداري من الجهة الإدارية المختصة، بما لها من سلطة تقديرية.
ومن حيث إنه تطبيقاً لما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية لم تصدر قبل اتخاذ الإجراءات التأديبية نحو العامل المحال للمحاكمة التأديبية قراراً إدارياً بإنهاء خدمته إعمالاً لقرينة الاستقالة الضمنية والمستفادة من انقطاعه عن العمل فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه، وقد قضى بعدم جواز إقامة الدعوى التأديبية على العامل المذكور تأسيساً على أن خدمته انتهت بقوة القانون، كذلك فإن الحكم عليه بعقوبة من العقوبات التي توقع على من انتهت خدمته لتقاضيه أجراً عن مدة انقطع فيها عن العمل بدون إذن يكون هذا الحكم بشقيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ويتعين والحالة هذه القضاء بإلغائه.
ومن حيث إن المحكمة التأديبية لم تسمع أقوال العامل المذكور أو تحقق دفاعه فإن الدعوى بذلك تكون غير مهيأة للفصل في موضوعها ومن ثم يتعين إعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية للفصل في موضوعه

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية بمدينة المنصورة للفصل فيها.


(1) يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا الدائرة المنصوص عليها في المادة 54 مكرراً من القانون رقم 47 لسنة 1972 معدلاً بالقانون رقم 136 لسنة 1984 بجلسة 15 من ديسمبر سنة 1985 في الطعن رقم 395 لسنة 27 القضائية حيث قضت باعتبار العامل المنقطع عن عمله المدد المنصوص عليها في المادة 98 من القانون رقم 47 لسنة 1978 مقدماً استقالته إذا لم تكن الإجراءات التأديبية قد اتخذت ضده خلال الشهر التالي لانقطاعه عن العمل.

الطعن 6717 لسنة 89 ق جلسة 17 / 3 / 2022 مكتب فني 73 ق 27 ص 247

جلسة 17 من مارس سنة 2022
برئاسة السيد القاضي / مصطفى أحمد الصادق نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / أحمد قزامل و د. أحمد عاصم عجيلة نائبي رئيس المحكمة وأيمن عبد الوهاب وأحمد جلال .
------------------
(27)
الطعن رقم 6717 لسنة 89 القضائية
(1) حكم " بيانات التسبيب " " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
بيان الحكم واقعة الدعوى وإيراده على ثبوتها في حق الطاعنين أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها . لا قصور .
عدم رسم القانون شكلاً خاصاً لصياغة الحكم . كفاية أن يكون ما أورده مؤدياً إلى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها .
مثال .
(2) رشوة .
دخول الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها في نطاق وظيفته مباشرة . غير لازم . كفاية أن يكون لها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة وأن يكون الراشي قد اتجر معه على هذا الأساس .
(3) رشوة . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير توافر القصد الجنائي " .
القصد الجنائي في جريمة الرشوة . مناط توافره ؟
استظهار الحكم القصد الجنائي في جريمة الرشوة استقلالاً . غير لازم . متى دلت الوقائع على توافره .
(4) إثبات " قرائن " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
نعي الطاعن على الحكم عدم بيان مؤدى المكالمات الهاتفية بين الطاعنين والمتهم الثالث . غير مقبول . متى استند إلى حصولها في وقت معاصر للواقعة كقرينة معززة لأدلة الثبوت الأخرى ولم يتخذ من نتيجتها دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام .
(5) إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى " " سلطتها في تقدير الدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى . موضوعي . ما دام سائغاً .
لمحكمة الموضوع أن تستمد اقتناعها بثبوت الجريمة من أي دليل تطمئن إليه . ما دام له مأخذه الصحيح من الأوراق .
تساند الأدلة في المواد الجنائية . مؤداه ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(6) رشوة .
التناسب بين قيمة الرشوة والغرض منها . غير لازم . حد ذلك ؟
(7) رشوة . إثبات " بوجه عام " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير الدليل " .
جريمة الرشـوة لم يجعل القانون لإثباتها طريقاً خاصاً . كفاية اطمئنان المحكمة لثبوتها من الأدلة السائغة التي أوردتها .
(8) إثبات " شهود " . محكمـة الموضـوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . حكـم " ما لا يعيبه في نطاق التدليل " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
وزن أقوال الشهود وتقديرها . موضوعي .
أخذ المحكمة بشهادة شاهد . مفاده ؟
تناقض رواية الشاهد في بعض تفاصيلها . لا يعيب الحكم . حد ذلك ؟
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(9) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " .
للمحكمة الأخذ بشهادة الشاهد ولو كانت بينه وبين المتهم خصومة . متى اطمأنت إليها .
(10) إثبات " شهود " . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " .
إدلاء الشاهد بشهادته في حدود ما سمحت له ذاكرته وإحالته لأقواله بالتحقيقات وتعويل المحكمة عليها . النعي بعدم تذكره للواقعة . غير مقبول .
(11) استدلالات . محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير جدية التحريات " .
للمحكمة التعويل على التحريات باعتبارها قرينة معززة لما ساقته من أدلة . حد ذلك ؟
عدم إفصاح الضابط عن مصدر تحرياته . لا ينال من جديتها .
(12) دفوع " الدفع ببطلان الإقرار " . حكم " تسبيبه . تسبيب غير معيب " .
مثال سائغ في اطراح الدفع ببطلان الإقرار .
(13) دفوع " الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة " " الدفع بتلفيق التهمة " . دفاع " الإخلال بحق الدفاع . ما لا يوفره " .
الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة وانتفائها وتلفيق الاتهام . موضوعي . لا يستوجب رداً . استفادته من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم .
(14) محكمة الموضوع " سلطتها في تقدير أقوال الشهود " . نقض " أسباب الطعن . ما لا يقبل منها " .
للمحكمة الإعراض عن قالة شهود النفي . ما دامت لا تثق فيما شهدوا به . عدم التزامها بالإشارة إلى أقوالهم . قضاؤها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها . مفاده : اطراحها .
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل . غير جائز أمام محكمة النقض .
(15) نقض " الصفة في الطعن " " المصلحة في الطعن " .
وجه الطعن . وجوب أن يكون متصلاً بشخص الطاعن وله مصلحة فيه .
(16) قانون " تفسيره " . دعوى جنائية " قيود تحريكها " . رشوة . نيابة عامة .
المادة ١٨٠ من القانون ۲۸ لسنة 1981 المعدل بالقانون 136 لسنة ٢٠١٠ . مفادها ؟
اختصاص النيابة العامة دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها دون قيد إلا استثناءً . تحقيقها واقعة الرشوة المؤثمة بالمادة 104 عقوبات وتحريك الدعوى عنها . لا يستلزم صدور طلب كتابي من وزير الطيران . النعي بمخالفة الحكم لقانون الطيران المدني . غير مقبول .
(17) غرامة . عقوبة " العقوبة التكميلية " " تطبيقها " .
الغرامة المنصوص عليها في المادة 104 عقوبات . ماهيتها ؟
إلزام الحكم كل من الطاعنين بغرامة محددة في جريمة واحدة . صحيح . أساس ذلك ؟
(18) عقوبة " تطبيقها " . نقض " حالات الطعن . الخطأ في تطبيق القانون " " عدم جواز مُضارة الطاعن بطعنه " . محكمة النقض " سلطتها " .
معاقبة الطاعنين بالحبس مع الشغل لمدة سنة عن جريمة الرشوة بعد إعمال المادة 17 عقوبات . خطأ في تطبيق القانون . لا تملك محكمة النقض تصحيحه . علة وأساس ذلك ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لما كان الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وساق على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وأورد مؤدى كل منها في بيان واف يكشف عن مدى إلمامه بتلك الأدلة . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يرسـم شكلاً خاصاً يصـوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققا لحكم القانون ، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعنين أخذا عطية من المتهم الثالث " الراشي " مقابل تسهيل سفره من مطار .... إلى خارج البلاد وبحوزته مبلغ خاص به قدره خمسمائة وعشرين ألف ريــال سعودي مستغلين في ذلك عملهما في هذا المطار - كلاهما كاتب شـئون مالية ثالث وأولهما المسئول عن المشـتريات والثاني أمين الخزينة فيه - وعدم خضـوعهما للتفتيش داخله ، وأنهما تسـلما منه ذلك المبلغ خارج المطار قبيل دخوله إليه يوم الواقعة ، ومن بعد إنهاء إجراءات سفره بصالة السفر الدولي وقبيل توجهه إلى بوابة الصعود إلى الطائرة التقى به الطاعن الأول داخل الحمام الموجود بتلك الصالة وأعاد إليه ذلك المبلغ الذي تمكن شاهد الإثبات الأول من ضـبطه بحوزته حال تفتيشـه الركاب المغادرين على الرحلة رقم .... المتجهة إلى .... قبل صعودهم إلى الطائرة ، وما أورده الحكم يتوافر به العناصر القانونية لجريمة الرشوة المعاقب عليها بالمادة 104 من قانون العقوبات على ما هي محددة به في القانون .
2- من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشـرة ، بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من طلب منه الرشوة قد اتجر معه على هذا الأسـاس ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت على نحو ما سـلف بيانه وظيفة كل من الطاعنين بذلك المطار ، واطمان إلى أن وظيفتهما تسمح لهما بالدخول إليه دون خضـوعهما للتفتيش ، وأن المتهم الثالث - الراشي - قد اتفق معهما على الرشوة على هذا الأساس ، ودانهما الحكم على هذا الاعتبار، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً ، ويكون ما ينعاه الطاعن الأول في هذا الشأن لا أساس له .
3- من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباتها وأنه ثمن لإتجاره بوظيفته واستغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسـات التي صـاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قُدمت للطاعنين تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينهما وبين المتهم الثالث - الراشي - مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي كما هو معرف به في القانون ، ولا يشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره ، ويكون النعي على الحكم في هذا الشـأن غير سـديد .
4- لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المستمد من المكالمات الهاتفية التي جرت بين الطاعنين والمتهم الثالث والتي لم يجر تسجيلها ، وإنما استندت إلى حصول تلك المكالمات بينهم في وقت معاصر للواقعة كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتهـا ، فإنه لا جناح على الحكم إن هو عول على تلك القرينـة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام لم يتخذ من نتيجة تلك المكالمات دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام قبل الطاعنين ، ويكون ما ينعياه على المحكمة في هذا الخصوص في غير محله .
5- من المقرر أن لمحكمة الموضـوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صـور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح في الأوراق ، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متسـاندة ويكمل بعضها بعضـاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشـته على حدة دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصـده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان جماع ما أورده الحكم من الأدلة والقرائن التي اطمأنت المحكمة إليها يسوغ ما رتب عليها ويصح استدلال الحكم به على ثبوت واقعة أخذ الرشوة في حق الطاعنين ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في أدلة الثبوت التي عولت عليها محكمة الموضوع وهو ما لا تسوغ إثارته أمام محكمة النقض .
6- من المقرر أنه لا يشترط في القانون شيئاً من التناسب بين قيمة مقابل الرشوة والغرض منها ما دام تقديم هذه العطية يخل بثقة جمهور الناس في نزاهة الوظيفة العامة ولم يبلغ درجة من الضـآلة تنتفي عنه صـفة المقابل في الرشـوة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا المنحى يضـحى تأويلاً غير صحيح في القانون .
7- لما كان القانون لم يجعل لإثبات جريمة الرشـوة طريقاً خاصاً ما دامت المحكمة قد اطمأنت من الأدلة السائغة التي أوردتها إلى ثبوت الجريمة ، فإن نعي الطاعنين بخلو الأوراق من تسجيلات أو عدم ضبط مبلغ الرشوة يكون على غير سند .
8- من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع بغير معقب ، ومتى أخذت بشهادة شـاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي سـاقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان لا يعيب الحكم تناقض رواية الشاهد في بعض تفاصيلها ما دام استخلص الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط شاهد الإثبات الثاني وحصلت أقواله بما لا تناقض فيه وبما تتوافر به أركان جريمة الرشوة وقيام الدلائل الكافية على مقارفة الطاعنين لها ، فإن ما يثيره الطاعنان في ذلك الخصوص إنما ينحل إلى جدل موضـوعي في تقدير الدليل ، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض .
9- من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بشهادة الشاهد ولو كان بينه وبين المتهم خصومة قائمة متى اطمأنت إليها فإن ما يثيره الطاعنان بشـأن تعويل الحكم على شهادة شاهد الإثبات الثاني يكون في غير محله .
10- لما كان البيّن من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة استعمت إلى أقوال شاهد الإثبات الثاني العقيد .... فأدلى بشهادته عن الواقعة في حدود ما سمحت له به ذاكرته ، لما قرره من مُضي مدة كبيرة على تاريخ الواقعة وأحال في بعض أقواله إلى ما قرره في التحقيقات ثم مضت مرافعة الدفاع على الطاعنين دون أن تتضمن شيئاً عن قالة الشاهد نسيانه الواقعة ، وكانت المحكمة قد استعملت حقها في التعويل علي أقوال الشاهد في التحقيقات وبالجلسـة فقد بات من غير المقبول من الطاعنين القول بأن الشاهد المذكور قرر بالجلسة بعدم تذكره للواقعة ، ويكون منعاهما في هذا الخصوص في غير محله .
11- من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشـرطة باعتبارها قرينة معززة لما سـاقته من أدلة ، ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث ، كما أنه لا محل للاستناد إلى عدم إفصـاح الضابط عن مصـدر تحرياته في القول بعدم جدية التحريات ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بعدم جدية التحريات ورد عليه بردٍ سائغ ، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الصدد يكون لا سند له .
12- لما كان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان إقرار الطاعن الأول بمحضر جمع الاستدلالات ورد عليه بقوله : ( وكانت هذه المحكمة ترى أن إقرار المتهمين الأول والثالث بمحضـر الضبط والذي تطمئن المحكمة لأقوالهما على المتهم الثاني في واقعات جريمة الرشوة المسندة إليهم قد جاءت عن إرادة حرة واختيار مطابق للحقيقة وقد ساندها في ذلك أحاديثهم الهاتفية وتواجد المتهمين بصالة السفر الدولي بمطار .... وعقب ذلك دلف المتهم الثالث للمرحاض وأعقبه المتهم الأول ، ولخلو الأوراق مما يفيد صدور ذلك الإقرار تحت وطأة أي إكراه مادي أو معنوي ولم يقدم الدفاع ما يؤيد ذلك كما خلت الأوراق من ثمة شـائبة تشـوبها ، وإذ كان ذلك وكانت هذه المحكمة تطمئن تمام الاطمئنان إلى صحة إقرار المتهمين الأول والثالث بمحضر الضبط ومطابقته للحقيقة والواقع على الرغم من إنكار المتهمين جميعاً للواقعة أمام النيابة والمحكمة ومن ثم يكون منعى الدفاع في هذا الشـأن غير سديد وتلتفت عنه المحكمة ) ، وإذ كان البين من محضر الجلسة الأخيرة للمحاكمة أن المدافع عن الطاعنين أبدى دفعه هذا بعبارة مرسـلة ولم يشـر إلى نوع الإكراه الذي وقع على الطاعن الأول ولم يسـق دليلاً على وقوعه ، ومن ثم فإنه لم يكن بالحكم حاجة في اطراحه إلى أكثر مما ذكره .
13- من المقرر أن الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة وانتفائها في حق المتهم وتلفيق الاتهام له كل ذلك إنما هو دفاع موضوعي لا يستوجب في الأصل من المحكمة رداً خاصاً أو صريحاً طالما أن الرد عليها يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم - كما هو الحال في هذه الدعوى – ، ومن ثم فلا على محكمة الموضوع إن هي لم ترد في حكمها على تلك الدفوع أو أن تكون قد اطرحتها بالرد عليها إجمالاً ، ويكون معه ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن غير سديد .
14- من المقرر أن للمحكمة أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها وأن في قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها ما يتضمن بذاته الرد على شهادة شهود النفي وأنها لم تطمئن إلى صحة أقوالهم فأطرحتها ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان من تعييب الحكم لإطراحه أقوال شـاهدي النفي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي وزن المحكمة لعناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض .
15- لما كان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً منها بشخص الطاعن ، وكان ما ينعاه الطاعنان على الحكم بشأن المحكوم عليه الثالث لا يتصل بشخصهما ولا مصلحة لهما فيه فإن ما يثيراه في هذا الصدد لا يكون مقبولاً .
16- لما كانت المادة ١٨٠ من القانون رقم ۲۸ لسنة 1981 بإصدار قانون الطيران المدني المعدل بالقانون رقم 136 لسنة ٢٠١٠ قد نصت على أنه : ( عدا الجرائم المنصوص عليها في المواد " ۱۷۰ و ۱۷۱ و ۱۷۲ و ۱۷۳ و 174 و 175 و ١٧٦ " من هذا القانون لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات التحقيق في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إلا بناءً على طلب كتابي من الوزير المختص ) ، وكانت المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بأن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقا للقانون وأن اختصاصها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا في الأحوال الاستثنائية التي نص عليها القانون ، وكانت النيابة العامة قد أقامت الدعوى قبل المتهمين ليس عن جريمة من تلك التي استلزمت المادة آنفة البيان بشـأن رفع الدعوى الجنائية عنها صدور طلب كتابي من وزير الطيران المدني ، وإنما عن جريمة الرشوة المؤثمة بالمادة 104 من قانون العقوبات ، وكان هذا القانون قد خلا من أي قيد على حرية النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها في هذه الجريمة ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الصدد يكون علي غير سند .
17- من المقرر أن عقوبة الغرامة المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات تعد عقوبة تكميلية وهي من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 منه وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن ألفي جنيه ، ولما كانت المادة 44 المذكورة قد نصت على أنه : ( إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يحكم بها على كل منهم على انفراد خلافاً للغرامات النسبية فإنهم يكونوا متضامنين في الإلزام بها ما لم ينص في الحكم على خلاف ذلك ) ، وكان إعمال هذا النص يوجب الحكم على المتهمين معاً بهذه الغرامة متضامنين ولا يستطاع التنفيذ عليهم جميعاً بأكثر من مقدارها المحدد في الحكم سـواءً في ذلك أن يلزمهم الحكم بهذا المقدار متضـــــامنين أو يخص كلاً منهم بنصيب منه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا وخص كل من الطاعنين بغرامة ألف جنيه فإنه يكون في هذا الخصـوص قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .
18- لما كان الحكم المطعون فيه قد عاقب كل من الطاعنين بالحبس مع الشغل لمدة سنة بعد أن عاملهما بالرأفة ، وكانت العقوبة السالبة للحرية المقررة للجريمة التي دانهما بها هي السجن المؤبد ، فما كان للمحكمة أن تنزل بهذه العقوبة إلا إلى السجن وفقاً لنص المادة 17 من قانون العقوبات ، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون إلا أن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحكم حتى لا يُضار الطاعنان بطعنهما .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الوقائع
اتهمت النيابة العامة كلاً من : 1- .... ( طاعن ) 2- .... ( طاعن ) 3- .... بأنهم :
المتهمان الأول والثاني :
- بصفتهما موظفين عموميين الأول .... والثاني .... أخذا رشوة للإخلال بواجب من واجبات وظيفتهما بأن أخذ كلٌ منهما من المتهم الثالث مبلغاً مالياً ( خمسة آلاف جنيه ) وذلك لتسهيل سفره من مطار .... خارج البلاد وبحوزته مبلغ مالي ( خمسمائة وعشرين ألف ريــال سعودي ) بأن تقابلا معه خارج المطار وتسلما منه مبلغاً مالياً ( خمسمائة وعشرين ألف ريـــال سعودي ) ودلفا به إلى داخل المطار مستغلين في ذلك طبيعة عملهما بمطار .... وعدم خضوعهما للتفتيش داخل المطار وتقابل المتهم الأول مع المتهم الثالث بداخل المرحاض الخاص بصالة السفر الدولي عقب إنهاء الأخير لجميع إجراءات التفتيش وسلمه مبلغاً مالياً ( خمسمائة وعشرين ألف ريال سعودي ) وذلك على النحو المبين بالتحقيقات .
المتهم الثالث :
- قدم رشوة لموظفين عموميين للإخلال بواجب من واجبات وظيفتهما بأن قدم لكل من المتهمين الأول والثاني مبلغاً مالياً ( خمسة آلاف جنيه ) وذلك لتسهيل سفره من مطار .... خارج البلاد وبحوزته مبلغ مالي ( خمسمائة وعشرين ألف ريال سعودي ) .
وأحالتهم إلى محكمة جنايات .... لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة .
والمحكمة المذكورة قضت حضورياً للأول والثاني وغيابياً للثالث عملاً بالمواد 103 ، 104 ، ۱۰۷ مكرراً /1 من قانون العقوبات ، بعد إعمال المادة 17 من ذات القانون ، أولاً : بمعاقبة كل من .... و .... بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وبتغريمه ألف جنيه عما أسند إليهما وبعزله من وظيفته لمدة سنتين وألزمتهما المصاريف الجنائية ، ثانياً : بمعاقبة .... بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه خمسة آلاف جنيه عما أُسند إليه وألزمته المصاريف الجنائية .
فطعن المحكوم عليهما الأول والثاني في هذا الحكم بطريق النقض .... إلخ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المحكمة
حيث إن مبنى الطعن - الذي تضمنته مذكرتا الأسباب المقدمة من الطاعنين – هي أن الحكم المطعون فيه إذ دانهما بجريمة الارتشاء فقد شـابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع ، وانطوى على خطأ في القانون وبطلان في الإجراءات ، ذلك بأنه لم يبين واقعة الدعوى بياناً كافياً تتحقق به أركان الجريمة التي دانهما بها ، والتفت عن دفاع الطاعن الأول القائم على انتفاء صلته بالعمل مقابل الرشوة ، ولم يستظهر توافر القصد الجنائي في حقه والطاعن الثاني ، ولم يبين مؤدى المكالمات الهاتفية التي عول عليها ، كما أن أدلة الثبوت التي ســاقها الحكم المطعون فيه لا تكفي للقول بتوافر أركان جريمة الرشوة في حق الطاعنين ويستحيل بها الوقوف على الصورة الصحيحة للواقعة محل الاتهام فضلاً عن عدم التناسب بين مبلغ الرشوة والغرض منها وخلو أوراق الدعوى من ثمة دليل على ارتكابهما لهذه الواقعة بدلالة خلوها من أية تسجيلات لذلك ، وعول على أقوال شـاهد الإثبات الثاني .... بتحقيقات النيابة رغم تناقضها فيما بينها وأقوال شاهدي النفي فضلا ًعن عداوته مع الطاعن الثاني وعدم تذكره الواقعة لدى مثوله أمام المحكمة ، كما تساند الحكم إلى التحريات رغم عدم جديتها وتجهيل مصـدرها ، كما اطرح الحكم بما لا يصـلح رداً الدفع ببطلان إقرار الطاعن الأول بمحضـر جمع الاستدلالات لكونه وليد إكراه ، والدفع بعدم معقولية الواقعة ، وبانتفاء صلة الطاعنين بها بدلالة عدم ضبطهما في حالة تلبس كما لم يُضبط مبلغ الرشوة ، وبتلفيق الاتهام وكيديته بدلالة إنكار المتهم الثالث - الراشـي – للواقعة ، والتفت عما شهد به شاهدا النفي من خضوع موظفي المطار للتفتيش ، وما دفع به المتهم الثالث بانتفاء القصد الجنائي لديه وحسن نيته وجهله بالقوانين ، وأخيراً فإن الحكم قد دان الطاعنين بالمخالفة لأحكام قانون الطيران المدني التي تستوجب لرفع الدعوى الجنائية قبلهما صـدور طلب كتابي من وزير الطيران المدني . مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بيّن واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعنين بها وساق على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ، وأورد مؤدى كل منها في بيان واف يكشف عن مدى إلمامه بتلك الأدلة . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يرسـم شكلاً خاصـاً يصـوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التي وقعت فيها ، فمتى كان مجموع ما أورده الحكم – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كافياً في تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصته المحكمة كان ذلك محققاً لحكم القانون ، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الخصوص لا يكون سديداً . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها أن الطاعنين أخذا عطية من المتهم الثالث - الراشي - مقابل تسهيل سفره من مطار .... إلى خارج البلاد وبحوزته مبلغ خاص به قدره خمسمائة وعشرون ألف ريــال سعودي مستغلين في ذلك عملهما في هذا المطار - كلاهما كاتب شـئون مالية ثالث وأولهما المسئول عن المشـتريات والثاني أمين الخزينة فيه - وعدم خضـوعهما للتفتيش داخله ، وأنهما تسـلما منه ذلك المبلغ خارج المطار قبيل دخوله إليه يوم الواقعة ، ومن بعد انهاء إجراءات سفره بصالة السفر الدولي وقبيل توجهه إلى بوابة الصعود إلى الطائرة التقى به الطاعن الأول داخل الحمام الموجود بتلك الصالة وأعاد إليه ذلك المبلغ الذي تمكن شاهد الإثبات الأول من ضـبطه بحوزته حال تفتيشـه الركاب المغادرين على الرحلة رقم .... المتجهة إلى .... قبل صعودهم إلى الطائرة ، وما أورده الحكم يتوافر به العناصر القانونية لجريمة الرشوة المعاقب عليها بالمادة 104 من قانون العقوبات على ما هي محددة به في القانون . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشـرة ، بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من طلب منه الرشوة قد اتجر معه على هذا الأسـاس ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت على نحو ما سـلف بيانه وظيفة كل من الطاعنين بذلك المطار ، واطمان إلى أن وظيفتهما تسمح لهما بالدخول إليه دون خضـوعهما للتفتيش ، وأن المتهم الثالث - الراشي - قد اتفق معهما على الرشوة على هذا الأساس ، ودانهما الحكم على هذا الاعتبار ، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً ، ويكون ما ينعاه الطاعن الأول في هذا الشأن لا أساس له . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن القصد الجنائي في الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشي عند طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل ذلك لقاء القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو الإخلال بواجباتها وأنه ثمن لإتجاره بوظيفته واستغلالها ويستنتج هذا الركن من الظروف والملابسـات التي صـاحبت العمل أو الامتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة ، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قُدمت للطاعنين تنفيذاً للاتفاق السابق الذي انعقد بينهما وبين المتهم الثالث - الراشي - مما يتحقق معه معنى الاتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي كما هو معرف به في القانون ، ولا يشترط أن يستظهر الحكم هذا الركن على استقلال ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره ويكون النعي على الحكم في هذا الشـأن غير سـديد . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة لم تبن قضاءها بصفة أصلية على فحوى الدليل المستمد من المكالمات الهاتفية التي جرت بين الطاعنين والمتهم الثالث والتي لم يجر تسجيلها ، وإنما استندت إلى حصول تلك المكالمات بينهم في وقت معاصر للواقعة كقرينة تعزز بها أدلة الثبوت التي أوردتهـا فـإنـه لا جناح على الحكم إن هو عول على تلك القرينـة تأييداً وتعزيزاً للأدلة الأخرى التي اعتمد عليها في قضائه ما دام لم يتخذ من نتيجة تلك المكالمات دليلاً أساسياً على ثبوت الاتهام قبل الطاعنين ويكون ما ينعياه على المحكمة في هذا الخصوص في غير محله . لما كان ذلك ، وكان لمحكمة الموضـوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صـور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق ، ولها كامل الحرية في أن تستمد اقتناعها بثبوت الواقعة من أي دليل تطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح في الأوراق ، ولا يشترط أن تكون الأدلة التي اعتمد عليها الحكم بحيث يُنبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى ، إذ الأدلة في المواد الجنائية متسـاندة ويكمل بعضها بعضـاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشـته على حدة دون باقي الأدلة ، بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصـده الحكم منها ومنتجة في اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه ، وكان جماع ما أورده الحكم من الأدلة والقرائن التي اطمأنت المحكمة إليها يسوغ ما رتب عليها ويصح استدلال الحكم به على ثبوت واقعة أخذ الرشوة في حق الطاعنين ، فإن النعي على الحكم في هذا الصدد ينحل إلى جدل موضوعي في أدلة الثبوت التي عولت عليها محكمة الموضوع وهو ما لا تسوغ إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يشترط في القانون شيئاً من التناسب بين قيمة مقابل الرشوة والغرض منها ما دام تقديم هذه العطية يخل بثقة جمهور الناس في نزاهة الوظيفة العامة ولم يبلغ درجة من الضـآلة تنتفي عنه صـفة المقابل في الرشـوة ، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان في هذا المنحى يضـحى تأويلاً غير صحيح في القانون . لما كان ذلك ، وكان القانون لم يجعل لإثبات جريمة الرشـوة طريقاً خاصاً ما دامت المحكمة قد اطمأنت من الأدلة السائغة التي أوردتها إلى ثبوت الجريمة ، فإن نعي الطاعنين بخلو الأوراق من تسجيلات أو عدم ضبط مبلغ الرشوة ، يكون على غير سند . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشاهد وتقدير الظروف التي يؤدي فيها الشهادة متروكاً لتقدير محكمة الموضوع بغير معقب ، ومتى أخذت بشهادة شـاهد فإن ذلك يفيد أنها اطرحت جميع الاعتبارات التي سـاقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ، وكان لا يعيب الحكم تناقض رواية الشاهد في بعض تفاصيلها ما دام استخلص الحقيقة من أقواله استخلاصاً سائغاً لا تناقض فيه ، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الضابط شاهد الإثبات الثاني وحصلت أقواله بما لا تناقض فيه وبما تتوافر به أركان جريمة الرشوة وقيام الدلائل الكافية على مقارفة الطاعنين لها ، فإن ما يثيره الطاعنان في ذلك الخصوص إنما ينحل إلى جدل موضـوعي في تقدير الدليل ، وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شانه أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تأخذ بشهادة الشاهد ولو كان بينه وبين المتهم خصومة قائمة متى اطمأنت إليها فإن ما يثيره الطاعنان بشـأن تعويل الحكم على شهادة شاهد الإثبات الثاني يكون في غير محله . لما كان ذلك ، وكان البين من محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة استعمت إلى أقوال شاهد الإثبات الثاني العقيد .... فأدلى بشهادته عن الواقعة في حدود ما سمحت له به ذاكرته ، لما قرره من مُضي مدة كبيرة على تاريخ الواقعة وأحال في بعض أقواله إلى ما قرره في التحقيقات ثم مضت مرافعة الدفاع على الطاعنين دون أن تتضمن شيئاً عن قالة الشاهد نسيانه الواقعة ، وكانت المحكمة قد استعملت حقها في التعويل على أقوال الشاهد في التحقيقات وبالجلسـة فقد بات من غير المقبول من الطاعنين القول بأن الشاهد المذكور قرر بالجلسة بعدم تذكره للواقعة ، ويكون منعاهما في هذا الخصوص في غير محله . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعول في تكوين عقيدتها على ما جاء بتحريات الشـرطة باعتبارها قرينة معززة لما سـاقته من أدلة ما دامت تلك التحريات قد عرضت على بساط البحث ، كما أنه لا محل للاستناد إلى عدم افصـاح الضابط عن مصـدر تحرياته في القول بعدم جدية التحريات ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع بعدم جدية التحريات ورد عليه بردٍ سائغ ، فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم في هذا الصدد يكون لا سند له . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض للدفع ببطلان إقرار الطاعن الأول بمحضر جمع الاستدلالات ورد عليه بقوله : ( وكانت هذه المحكمة ترى أن إقرار المتهمين الأول والثالث بمحضـر الضبط والذي تطمئن المحكمة لأقوالهما على المتهم الثاني في واقعات جريمة الرشوة المسندة إليهم قد جاءت عن إرادة حرة واختيار مطابق للحقيقة وقد ساندها في ذلك أحاديثهم الهاتفية وتواجد المتهمين بصالة السفر الدولي بمطار .... وعقب ذلك دلف المتهم الثالث للمرحاض وأعقبه المتهم الأول ، ولخلو الأوراق مما يفيد صدورذلك الإقرار تحت وطأة أي إكراه مادي أو معنوي ولم يقدم الدفاع ما يؤيد ذلك كما خلت الأوراق من ثمة شـائبة تشـوبها ، وإذ كان ذلك ، وكانت هذه المحكمة تطمئن تمام الاطمئنان إلى صحة إقرار المتهمين الأول والثالث بمحضر الضبط ومطابقته للحقيقة والواقع على الرغم من إنكار المتهمين جميعاً للواقعة أمام النيابة والمحكمة ومن ثم يكون منعى الدفاع في هذا الشـأن غير سديد وتلتفت عنه المحكمة ) ، وإذ كان البين من محضر الجلسة الأخيرة للمحاكمة أن المدافع عن الطاعنين أبدى دفعه هذا بعبارة مرسـلة ولم يشـر إلى نوع الإكراه الذي وقع على الطاعن الأول ولم يسـق دليلاً على وقوعه ، ومن ثم فإنه لم يكن بالحكم حاجة في اطراحه إلى أكثر مما ذكره . لما كان ذلك ، وكان الدفع بعدم معقولية تصوير الواقعة وانتفاءها في حق المتهم وتلفيق الاتهام له ، كل ذلك ، إنما هو دفاع موضوعي لا يستوجب في الأصل من المحكمة رداً خاصاً أو صريحاً ، طالما أن الرد عليها يستفاد ضمناً من القضاء بالإدانة استناداً إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم - كما هو الحال في هذه الدعوى - ، ومن ثم فلا على محكمة الموضوع إن هي لم ترد في حكمها على تلك الدفوع أو أن تكون قد اطرحتها بالرد عليها إجمالاً ويكون معه ما يثيره الطاعنان في هذا الشأن غير سديد . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تعرض عن قالة شهود النفي ما دامت لا تثق بما شهدوا به وهي غير ملزمة بالإشارة إلى أقوالهم ما دامت لم تستند إليها وأن في قضائها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها ما يتضمن بذاته الرد على شهادة شهود النفي وأنها لم تطمئن إلى صحة أقوالهم فأطرحتها ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان من تعييب الحكم لإطراحه أقوال شـاهدي النفي لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في تقدير الدليل وفي وزن المحكمة لعناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض . لما كان ذلك ، وكان الأصل أنه لا يقبل من أوجه الطعن على الحكم إلا ما كان متصلاً منها بشخص الطاعن ، وكان ما ينعاه الطاعنان على الحكم بشأن المحكوم عليه الثالث لا يتصل بشخصهما ولا مصلحة لهما فيه ، فإن ما يثيراه في هذا الصدد لا يكون مقبولاً . لما كان ذلك ، وكانت المادة ١٨٠ من القانون رقم ۲۸ لسنة 1981 بإصدار قانون الطيران المدني المعدل بالقانون رقم 136 لسنة ٢٠١٠ قد نصت على أنه : ( عدا الجرائم المنصوص عليها في المواد " ۱۷۰ و ۱۷۱ و ۱۷۲ و۱۷۳ و 174 و 175 و ١٧٦ " من هذا القانون لا يجوز رفع الدعوى الجنائية أو اتخاذ إجراءات التحقيق في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون إلا بناءً على طلب كتابي من الوزير المختص ) ، وكانت المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية تقضي بأن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقا للقانون وأن اختصاصها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا في الأحوال الاستثنائية التي نص عليها القانون ، وكانت النيابة العامة قد أقامت الدعوى قبل المتهمين ليس عن جريمة من تلك التي استلزمت المادة آنفة البيان بشـأن رفع الدعوى الجنائية عنها صدور طلب كتابي من وزير الطيران المدني ، وإنما عن جريمة الرشوة المؤثمة بالمادة 104 من قانون العقوبات ، وكان هذا القانون قد خلا من أي قيد على حرية النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها في هذه الجريمة ، ومن ثم فإن منعى الطاعنين في هذا الصدد يكون علي غير سند . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن عقوبة الغرامة المنصوص عليها في المادة 104 من قانون العقوبات تعد عقوبة تكميلية وهي من الغرامات النسبية التي أشارت إليها المادة 44 منه وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن ألفي جنيه ، ولما كانت المادة 44 المذكورة قد نصت على أنه : ( إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يحكم بها على كل منهم على انفراد خلافاً للغرامات النسبية فإنهم يكونوا متضامنين في الإلزام بها ما لم ينص في الحكم على خلاف ذلك ) ، وكان إعمال هذا النص يوجب الحكم على المتهمين معاً بهذه الغرامة متضامنين ولا يستطاع التنفيذ عليهم جميعاً بأكثر من مقدارها المحدد في الحكم سـواءً في ذلك أن يلزمهم الحكم بهذا المقدار متضامنين أو يخص كلاً منهم بنصيب منه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا وخص كل من الطاعنين بغرامة ألف جنيه فإنه يكون في هذا الخصـوص قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً ، إلا أنه لما كان الحكم المطعون فيه قد عاقب كل من الطاعنين بالحبس مع الشغل لمدة سنة بعد أن عاملهما بالرأفة ، وكانت العقوبة السالبة للحرية المقررة للجريمة التي دانهما بها هي السجن المؤبد ، فما كان للمحكمة أن تنزل بهذه العقوبة إلا إلى السجن وفقاً لنص المادة 17 من قانون العقوبات ، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون إلا أن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ الذي وقع فيه الحكم حتى لا يُضار الطاعنان بطعنهما . لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الطعن 425 لسنة 40 ق جلسة 3 / 12 / 1975 مكتب فني 26 ج 2 ق 287 ص 1531

جلسة 3 من ديسمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار/ محمود عباس العمراوي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: مصطفى كمال سليم، ومصطفى الفقي، ومحمد البنداري العشري، وأحمد سيف الدين سابق.

-----------------

(287)
الطعن رقم 425 لسنة 40 القضائية

(1 و2 و3 و4) نزع الملكية للمنفعة العامة. اختصاص. "اختصاص ولائي".
(1) عدم جواز الالتجاء مباشرة إلى المحكمة بطلب التعويض عن نزع الملكية. شرطه. أن تكون الجهة نازعة الملكية قد اتبعت الإجراءات التي ألزمها القانون باتباعها.
(2) القرار الصادر بتقرير المنفعة العامة. لا يترتب عليه آثاره القانونية إلا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية. سقوط مفعوله إذا لم يتم إيداع النماذج الخاصة بموافقة ذوي الشأن أو القرار الوزاري بنزع الملكية في مكتب الشهر العقاري خلال سنتين من تاريخ النشر.
(3) عدم اتباع الإدارة للإجراءات القانونية لنزع الملكية للمنفعة العامة. حق المالك في الالتجاء مباشرة للقضاء بطلب التعويض نشر القرار بتقرير المنفعة العامة بعد رفع الدعوى. لا أثر له.
(4) الاستيلاء المؤقت على العقارات التي تقرر لزومها للمنفعة العامة. ماهيته. لا يغني هذا الاستيلاء عن وجوب اتباع إجراءات نزع الملكية وتقدير التعويض المستحق عنها.

------------------
1 - إنه وإن كان لا يجوز لذوي الشأن - طبقاً لأحكام القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة. الالتجاء مباشرة إلى المحكمة بطلب التعويض المستحق عن نزع الملكية، إلا أن هذا الخطر مشروط بأن تكون الجهة نازعة الملكية قد اتبعت من جانبها الإجراءات التي أوجب القانون اتباعها فإذا لم تلتزم هذه الإجراءات كان استيلاؤها على العقار بغير حق حتى يجيز لصاحب الشأن أن يلجأ مباشرة إلى المحكمة بطلب التعويض المستحق له.
2 - يستلزم القانون رقم 577 سنة 1954 أن يكون تقرير المنفعة العامة بقرار من الوزير المختص ينشر في الجريدة الرسمية، وبمجرد حصول النشر يكون لمندوبي الجهة القائمة بنزع الملكية دخول العقارات لإجراء العمليات الفنية والمساحية ووضع علامات التحديد والحصول على البيانات اللازمة بشأن العقار على أن يكون دخول العقارات بعد إخطار ذوي الشأن، ثم تقوم الجهة نازعة الملكية بعد ذلك بإجراءات حصر العقارات وعرض البيانات وتقدير التعويض المستحق لأصحاب الشأن، فإذا وافقوا عليه وقعوا على نماذج خاصة تنتقل بمقتضاها الملكية أما إذا عارضوا أو تعذر الحصول على توقيعاتهم فيصدر بنزع الملكية قرار من الوزير المختص وتودع النماذج أو القرار الوزاري في مكتب الشهر العقاري، وإذا لم يتم الإيداع خلال سنتين من تاريخ نشر القرار المقرر للمنفعة العامة في الجريدة الرسمية سقط مفعول هذا القرار، ومؤدى ذلك أن قرار الوزير المختص بتقرير المنفعة العامة لا تترتب عليه آثاره القانونية إلا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية فإذا صدر ونشر في الجريدة الرسمية ومضت مدة سنتين من تاريخ نشره لم يتم خلالها إيداع النماذج الموقع عليها من ذوي الشأن أو القرار الوزاري بنزع الملكية في مكتب الشهر العقاري سقط مفعوله.
3 - إذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه أن القرار بتقرير المنفعة العامة صدر برقم.... ثم تلاه قرار آخر برقم...... نص في مذكرته على أن القرار الأول سقط لتعذر تنفيذ الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 577 لسنة 1954 - بشأن نزع الملكية للمنفعة العامة - وأن القرار الأخير لم ينشر في الجريدة الرسمية إلا في 3/ 12/ 1959 بعد أن كان المطعون ضدهم الأربعة الأول قد رفعوا الدعوى في 25/ 12/ 1957 بسبب نزع الملكية لا الاستيلاء المؤقت فتحددت مراكز الخصوم فيها على هذا النحو وقد خلص الحكم من ذلك إلى أن جهة الإدارة لم تسلك سبيل نزع الملكية طبقاً لما يقرره القانون ورتب على ذلك رفض الدفع بعدم قبول الدعوى وحق المطعون ضدهم في الالتجاء إلى القضاء للمطالبة بحقهم فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة سديدة في القانون، ولا يقدح في ذلك كون القرار بتقرير المنفعة العامة قد نشر بعد ذلك لأن المراكز الواقعية للخصوم قد تحددت وقت رفع الدعوى.
4 - الاستيلاء المؤقت على العقارات التي تقرر لزومها للمنفعة العامة بطريق التنفيذ المباشر عملاً بأحكام الباب الرابع من القانون رقم 577 لسنة 1954 شأن له بالتعويض المستحق عن نزع الملكية وتقدير التعويض المستحق عنها طبقاً لما ينص عليه هذا القانون في الأبواب الثلاثة الأولى منه، وإنما هو يجيز للجهة نازعة الملكية الاستيلاء مؤقتاً على العقارات التي تقرر لزومها للمنفعة العامة لحين إتمام إجراءات نزع الملكية، وينظم تبعاً لذلك طريقة تقدير التعويض المقابل لعدم الانتفاع بالعقارات المستولى عليها من تاريخ الاستيلاء الفعلي لحين دفع التعويض المستحق كما ينظم المعارضة فيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهم الأربعة الأول رفعوا الدعوى رقم 66 سنة 1958 مدني كلي قنا على الطاعن (مجلس مدينة قنا) طالبين الحكم أصلياً بتثبيت ملكيتهم إلى 842 متراً مربعاً مبينة الحدود والمعالم بالصحيفة واحتياطياً إلزامه بأن يدفع لهم ثمنها وقدره 8410 جنيهات استناداً إلى أنهم يتملكونها بالميراث وأن الطاعن استولى عليها غصباً، ودفع الطاعن بعدم قبول الدعوى لأنه نزع ملكية الأرض للمنفعة العامة وقدر مقابل التعويض عنها طبقاً لأحكام القانون رقم 577 لسنة 1954 وأن المطعون ضدهم الأربعة الأول لم يتبعوا طريق المعارضة في تقدير مقابل التعويض طبقاً للقانون، وبتاريخ 21/ 12/ 1961 ندبت محكمة أول درجة خبيراً لتحقيق النزاع، وقدم الخبير تقريره الذي انتهى فيه إلى أن 540 م و620 س من أرض النزاع تدخل في المشروع رقم 304 الخاص بتوسيع ميدان محطة قنا، وقدر قيمة هذه المساحة بمبلغ 1621 جنيهاً و860 مليماً وقت الاستيلاء عليها، وتدخل المطعون ضدهما الأخيران في الدعوى على سند أنهما يمتلكان قيراطاً من القدر المتنازع عليه وبتاريخ 30/ 4/ 1968 قضت محكمة أول درجة برفض الدفع وبعدم قبول التدخل وبإلزام الطاعن بأن يؤدي للمطعون ضدهم الأربعة الأول مبلغ 1621 جنيهاً و860 مليماً، واستأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 127 لسنة 43 ق أسيوط كما استأنفه المطعون ضدهم الأربعة الأول بالاستئناف رقم 131 لسنة 43 ق أسيوط والمحكمة قررت ضم الاستئنافين وبتاريخ 21/ 3/ 1970 برفضهما وبتأييد الحكم المستأنف. طعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وإذ عرض على المحكمة في غرفة المشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه من وجهين حاصلهما أن الحكم المطعون فيه قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون رقم 577 لسنة 1954 استناداً إلى أن من نزع عقاره للمنفعة العامة في حالة عدم الاتفاق معه على مقدار التعويض أن يلجأ للقضاء مباشرة للمطالبة بحقه طالما أن جهة الإدارة لم تتبع الإجراءات الواجبة قانوناً لتقدير التعويض وهو خطأ ومخالفة للقانون ذلك بأنه جعل لجهة الإدارة حق تقدير التعويض وجعل لأصحاب الشأن المعارضة فيه أمام لجنة الفصل في المعارضات ويكون قرارها قابلاً للطعن فيه أمام المحكمة المختصة ولا يؤثر في ذلك نشر القرار الصادر بتقرير المنفعة العامة في 3/ 12/ 1959 بعد رفع الدعوى لأن القانون لم يلزم الجهة نازعة الملكية بالانتهاء من إجراءات تقدير التعويض في ميعاد معين، فكان على المطعون ضدهم الأربعة الأول أن يتريثوا حتى تتم إجراءات تقدير التعويض وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وأجابهم إلى طلبهم فإنه يكون قد انتزع سلطة الجهة نازعة الملكية في تقدير التعويض وسلطة لجنة الفصل في المعارضات هذا إلى أن جهة الإدارة تكون قد استولت على الأرض استيلاء مؤقتاً تمهيداً لنزع ملكيتها للمنفعة العامة طبقاً لما هو منصوص عليه في الباب الرابع من القانون رقم 577 لسنة 1954 وهذا الاستيلاء الفعلي يمنع صاحب الشأن من اللجوء مباشرة إلى المحاكم ويوجب عليه اتباع الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 577 لسنة 1954 وإلا كانت دعواه غير مقبولة، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بقبول الدعوى على خلاف ذلك فإنه يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي بوجهيه غير سديد ذلك أنه وإن كان لا يجوز لذوي الشأن طبقاً لأحكام القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة الالتجاء مباشرة إلى المحكمة بطلب التعويض المستحق عن نزع الملكية إلا أن هذا الحظر مشروط بأن تكون الجهة نازعة الملكية قد اتبعت من جانبها الإجراءات التي أوجب القانون اتباعها فإذا لم تلتزم هذه الإجراءات كان استيلاؤها على العقار بغير حق يجيز لصاحب الشأن أن يلجأ مباشرة إلى المحكمة بطلب التعويض المستحق له، لما كان ذلك وكان القانون رقم 577 لسنة 1954 يستلزم أن يكون تقرير المنفعة العامة بقرار من الوزير المختص ينشر في الجريدة الرسمية، وبمجرد حصول النشر يكون لمندوب الجهة القائمة بنزع الملكية دخول العقارات لإجراء العمليات الفنية والمساحية ووضع علامات التحديد والحصول على البيانات اللازمة بشأن العقار على أن يكون دخول العقارات بعد إحضار ذوي الشأن، ثم تقوم الجهة نازعة الملكية بعد ذلك بإجراءات حصر العقارات وعرض البيانات وتقدير التعويض المستحق لأصحاب الشأن، فإذا وافقوا عليه وقعوا على نماذج خاصة تنتقل بمقتضاها الملكية، أما إذا عارضوا أو تعذر الحصول على توقيعاتهم فيصدر بنزع الملكية قرار من الوزير المختص وتودع النماذج أو القرار الوزاري في مكتب الشهر العقاري، وإذا لم يتم الإيداع خلال سنتين من تاريخ نشر القرار المقرر للمنفعة العامة في الجريدة الرسمية سقط مفعول هذا القرار، ومؤدى ذلك أن قرار الوزير المختص بتقرير المنفعة العامة لا يترتب عليه آثاره القانونية إلا من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية فإذا صدر نشر في الجريدة الرسمية ومضت مدة سنتين من تاريخ نشره لم يتم خلالها إيداع النماذج الموقع عليها من ذوي الشأن أو القرار الوزاري بنزع الملكية في مكتب الشهر العقاري سقط مفعوله، لما كان ذلك، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه والحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه أن القرار بتقرير المنفعة العامة صدر برقم 654 لسنة 1955 ثم تلاه قرار آخر برقم 1806 لسنة 1955 نص في مذكرته على أن القرار الأول سقط لتعذر تنفيذ الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 577 لسنة 1954، وأن القرار الأخير لم ينشر في الجريدة الرسمية إلا في 3/ 12/ 1959 بعد أن كان المطعون ضدهم الأربعة الأول قد رفعوا الدعوى الحالية في 25/ 12/ 1957 بسبب نزع الملكية لا الاستيلاء المؤقت فتحددت مراكز الخصوم فيها على هذا النحو وقد خلص الحكم من ذلك إلى أن جهة الإدارة لم تسلك سبيل نزع الملكية طبقاً لما يقرره القانون ورتب على ذلك رفض الدفع بعدم قبول الدعوى وحق المطعون ضدهم في الالتجاء إلى القضاء للمطالبة بحقهم فإنه يكون قد انتهى إلى نتيجة سديدة في القانون، ولا يقدح في ذلك كون القرار بتقرير المنفعة العامة قد نشر بعد ذلك لأن المراكز الواقعية للخصوم قد تحددت وقت رفع الدعوى ولا يجدي الطاعن ادعاؤه بأن استيلاءه على العقار تم بطريق التنفيذ المباشر عملاً بأحكام الباب الرابع من القانون رقم 577 لسنة 1954 ذلك أن الاستيلاء المؤقت على العقارات التي تقرر لزومها للمنفعة العامة بطريق التنفيذ المباشر لا شأن له بالتعويض المستحق عند نزع الملكية ولا يغني عن وجوب اتباع إجراءات نزع الملكية وتقدير التعويض المستحق عليها طبقاً لما نص عليه هذا القانون في الأبواب الثلاثة الأولى منه، وإنما هو يجيز للجهة نازعة الملكية الاستيلاء مؤقتاً على العقارات التي تقرر لزومها للمنفعة العامة لحين إتمام إجراءات نزع الملكية، وينظم تبعاً لذلك طريقة تقدير التعويض المقابل لعدم الانتفاع بالعقارات المستولى عليها من تاريخ الاستيلاء الفعلي لحين دفع التعويض المستحق كما ينظم المعارضة فيه وهو أمر خارج عن نطاق هذه الدعوى وهي مطالبة بتعويض عن نزع الملكية لا عن عدم الانتفاع بسبب الاستيلاء المؤقت. لما كان ذلك، فإن الطعن يكون على غير أساس ويتعين رفضه.

الطعن 1538 لسنة 28 ق جلسة 30 / 12 / 1984 إدارية عليا مكتب فني 30 ج 1 ق 55 ص 310

جلسة 30 من ديسمبر سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صالح الساكت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة محمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي ومحمد يسري زين العابدين عبد الله وصلاح الدين أبو المعاطي نصير وأحمد إبراهيم عبد العزيز تاج الدين - المستشارين.

-----------------

(55)

الطعن رقم 1538 لسنة 28 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - مؤهل دراسي - طبيعته.
مرسوم 6 أغسطس سنة 1953 وقانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 - يتعين للوقوف على طبيعة المؤهل الدراسي أن يؤخذ في الحسبان عدة أمور منها الدرجة المقررة له والمرتب ومدة الدراسة التي تقضى للحصول عليه - الشهادة الدراسية لا تعد مؤهلاً عالياً إلا إذا كانت واردة ضمن الشهادات المقرر قانوناً اعتبارها كذلك وكان صاحبها قد حصل عليها بعد حصوله على شهادة الدراسة الثانوية وبعد أن يقضي في إحدى الكليات الجامعية أو المعاهد العالية أربع سنوات دراسية على الأقل - المادة الثالثة من القانون رقم 135 لسنة 1980 بعلاج الآثار المترتبة على تطبيق القانون رقم 83 لسنة 1973 معدلاً بالقانون رقم 112 لسنة 1981 عرفت المؤهلات العليا بأنها التي يتم الحصول عليها بعد دارسة مدتها أربع سنوات على الأقل بعد شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها - دبلوم المعهد العالي للتجارة والذي كان يتم الحصول عليه بعد دراسة مدتها سنتان بعد شهادة الثقافة العامة نظام قديم ومقيم مالياً بقرارات مجلس الوزراء بالدرجة السادسة المخفضة 10.500 جنيهاً يخرج عن عداد المؤهلات العليا - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 29 من يوليه سنة 1982 أودعت هيئة مفوضي الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1538 لسنة 28 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 31 من مايو سنة 1982 في الدعوى رقم 1870 لسنة 34 القضائية المقامة من السيد محمد يوسف محمد ضد السيد رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة والسيد وزير المالية بصفتهما والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة في 23/ 3/ 1980 فيما تضمنه من اعتبار دبلوم المعهد العالي للتجارة الحاصل عليه المدعي عام 1942 من المؤهلات فوق المتوسطة، وبأحقية المدعي في تسوية حالته على أساس أن هذا الدبلوم من المؤهلات العالية على الوجه المبين بالأسباب مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الحكومة المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 10 من أكتوبر سنة 1983.
وبجلسة 14 من نوفمبر سنة 1983 قررت المحكمة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثانية حيث حدد لنظره أمامها جلسة أول يناير سنة 1984. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت بجلسة 21 من أكتوبر سنة 1984 إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يستفاد من الأوراق - في أن السيد محمود يوسف محمد أقام الدعوى رقم 1870 لسنة 34 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالباً الحكم بإلغاء قرار رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة المؤرخ 23/ 3/ 1980 الخاص باعتبار دبلوم المعهد العالي للتجارة من المؤهلات فوق المتوسطة مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقال المدعي شرحاً لدعواه أن رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة اعتمد في 23/ 3/ 1980 ما ورد بمذكرة الإدارة المركزية للخدمة المدنية من اعتبار دبلوم المعهد العالي للتجارة من المؤهلات فوق المتوسطة عند اتخاذ إجراءات تنفيذ قرار إعادة التنظيم وتسكين جميع العاملين بمصلحة الضرائب على جداول ترتيب وتوصيف الوظائف. وأضاف المدعي أن هذا القرار يخالف قرارات مجلس الوزراء بتاريخ 30 يناير و12 و29 أغسطس سنة 1944 فيما تضمنه من تقييم دبلوم المعهد العالي للتجارة باعتباره مؤهلاً عالياً والمادة 21 من القانون رقم 47 لسنة 1978 والمادة الثانية من مواد إصدار القانون رقم 11 لسنة 1975.
وردت الجهة الإدارية على الدعوى بأن دبلوم المعهد العالي للتجارة يعتبر وفقاً للقواعد الواردة في مرسوم 6 أغسطس سنة 1953 مؤهلاً فوق المتوسط.
وبجلسة 31/ 5/ 1982 حكمت المحكمة بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من اعتبار دبلوم المعهد العالي للتجارة من المؤهلات فوق المتوسطة وبأحقية المدعي في تسوية حالته على أساس أن هذا الدبلوم من المؤهلات العالية.
وأسست المحكمة قضاءها على أن المحكمة العليا انتهت إلى اعتبار دبلوم التجارة التكميلية العالية من المؤهلات العالية، فمن باب أولى يكون دبلوم المعهد العالي للتجارة المقيس عليه الدبلوم موضوع حكم التفسير.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن قانون المعادلات الدراسية فرق في المعاملة بين حاملي الشهادات العالية والمؤهلات الجامعية المقرر تعيينهم ابتداء في الدرجة السادسة بالكادر الفني العالي أو الإداري وبين حملة المؤهلات المقرر لها عند التعيين أو بعد فترة محددة منه الدرجة السادسة المخفضة فضلاً عن أن مرسوم 6 أغسطس سنة 1953 عرف المؤهل العالي بأن تكون مدة الدراسة اللازمة للحصول عليه أربع سنوات على الأقل للحاصلين على شهادة الثانوية القسم الخاص أو ما يعادلها يضاف إلى ذلك أن التفسير الصادر من المحكمة العليا باعتبار دبلوم التجارة التكميلية العليا من المؤهلات العالية وإن خرج عن المعيار المعمول به في تقييم المؤهلات الدراسية والذي كان يوجب اعتبار ذلك المؤهل من المؤهلات فوق المتوسطة، إلا أن هذا القضاء الملزم يكون مقصوراً على هذا المؤهل وحده دون غيره ولا يجوز القياس عليه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه عند الوقوف على طبيعة المؤهل الدراسي يتعين أن يؤخذ في الحسبان عدة أمور كالدرجة المقررة له، والمرتب الذي يتقرر له ومدة الدارسة التي تقضى للحصول عليه. فالشهادات الدراسية لا تعد - كقاعدة عامة - مؤهلات عالية إلا إذا كانت واردة ضمن الشهادات المقرر قانوناً اعتبارها كذلك وكان صاحبها قد حصل عليها بعد حصوله على شهادة الدراسة الثانوية (التوجيهية أو الثانوية العامة حالياً) وبعد أن يقضي في إحدى الكليات الجامعية أو في معهد عال معادل لها أربع سنوات دراسية كاملة على الأقل. ولا يكفي في هذا المجال أن يكون المؤهل قد قيم مالياً بقرارات مجلس الوزراء أو بقانون المعادلات الدراسية بالدرجة السادسة بماهية 10.500 جنيه ذلك لأن البند 64 من الجدول المرافق لقانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 قيم الدبلومات العالية المصرية والدرجات الجامعية المصرية بالدرجة السادسة بماهية 12 جنيهاً من بدء التعيين. ونصت المادة 6 من هذا القانون على أن أصحاب المؤهلات المقدر لها عند التعيين أو بعد فترة محددة منه الدرجة السادسة بماهية 10.500 جنيه شهرياً وفقاً للجدول المرافق لهذا القانون أو وفقاً لقرارات مجلس الوزراء الصادرة قبل أول يوليه سنة 1953 لا يجوز النظر في ترقيتهم إلى الدرجة الخامسة بالكادر الفني العالي والإداري بالأقدمية إلا بعد مضي ثلاث سنوات على الأقل من تاريخ اعتبارهم في الدرجة السادسة بالماهية المذكورة.
وعلى العموم تعتبر لحاملي الشهادة العالية أو المؤهل الجامعي من شاغلي الدرجة السادسة بالكادر الفني العالي والإداري أقدمية نسبية مقدارها ثلاث سنوات على أصحاب المؤهلات المقرر لها عند التعيين أو بعد فترة محددة منه الدرجة السادسة بماهية 10.500 جنيه.
كما عرفت المادة 3 من مرسوم 6 أغسطس سنة 1953 المؤهلات العليا - وهي بصدد تحديد الشهادات التي يرشح أصحابها لوظائف الكادرين الإداري والفني العالي - بأنها الدرجات الجامعية المصرية والدبلومات العالية المصرية أثر النجاح في معهد دراسي عال تكون مدة الدارسة فيه أربع سنوات على الأقل للحاصلين على شهادة الدارسة الثانوية (القسم الخاص) أو ما يعادلها من الوجهة العلمية.
يضاف إلى ذلك أن المادة الثالثة من القانون رقم 135 لسنة 1980 لعلاج الآثار المترتبة على تطبيق القانون رقم 83 لسنة 1973 معدلاً بالقانون رقم 112 لسنة 1981 - عرفت هذه المؤهلات بأنها ".... والتي يتم الحصول عليها بعد دراسة مدتها أربع سنوات على الأقل بعد شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها....".
ومؤدى ما تقدم أنه يتعين لاعتبار المؤهل الدراسي مؤهلاً عالياً أن يتم الحصول عليه بعد دراسة مدتها أربع سنوات على الأقل بعد الثانوية العامة أو ما يعادلها من إحدى الكليات الجامعية أو من معهد عال، ومثل هذه المؤهلات هي التي كانت تؤهل أصحابها للتعيين في الدرجة السادسة بماهية قدرها 12 جنيهاً شهرياً من بدء التعيين طبقاً لأحكام قانون المعادلات الدراسية.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن دبلوم المعهد العالي للتجارة - الحاصل عليه المدعي - كان يتم الحصول عليه بعد دراسة مدتها سنتان بعد شهادة الثقافة العامة نظام قديم وقيم مالياً بقرارات مجلس الوزراء بالدرجة السادسة المخفضة 10.500 جنيه، فمن ثم فإنه يخرج من عداد المؤهلات العالية. وتبعاً لذلك يكون القرار الصادر باعتبار هذا المؤهل من المؤهلات فوق المتوسطة، قد صدر صحيحاً ومتفقاً مع أحكام القانون، ويكون الحكم المطعون فيه وقد قضى بإلغاء هذا القرار وبأحقية المدعي في تسوية حالته على أساس أن هذا الدبلوم من المؤهلات العالية قد خالف حكم القانون مما يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات.

الطعن 392 لسنة 41 ق جلسة 1 / 12 / 1975 مكتب فني 26 ج 2 ق 286 ص 1528

جلسة أول ديسمبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار أحمد فتحي مرسي، وعضوية السادة المستشارين: محمد صالح أبو راس، وحافظ رفقي، وعبد اللطيف المراغي، وجمال الزيني.

----------------

(286)
الطعن رقم 392 لسنة 41 القضائية

جمارك "رسوم جمركية". أدوية. قانون.
التنظيم الذي استحدثه المشرع للرسوم الجمركية على الأدوية المستوردة. قرار رئيس الجمهورية رقم 1953 لسنة 1961. اعتباره إلغاء ضمنياً للتنظيم السابق في المادة 225 من لائحة الجمارك الصادرة سنة 1884.

-------------------
يبين من مقارنة نص المادة 225 من اللائحة الجمركية الصادرة سنة 1884 والبند 30/ 3 من الفصل الثلاثين من قرار رئيس الجمهورية رقم 1953 سنة 1961 أن المشرع بعد أن كان يفرض تعريفة جمركية موحدة قدرها 10% على الأدوية التي ترد بغرض البيع وتلك التي ترد كنماذج مع جواز منح تخفيض قدره 30% من قيمة هذه الأخيرة بشرط أن تكون في غير الحجم التجاري، عدل في المادة 30/ 3 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1953 سنة 1961 عن فكرة التعريفة الموحدة وفرض على الأدوية المهيأة للبيع رسماً قدره 10% كما فرض رسماً مخفضاً قدره 5% على الأدوية المستوردة بغير هذا الغرض، ومفاد ذلك أن المشرع قد استحدث تنظيماً جديداً مختلفاً عن التنظيم القديم فيما يتصل بهذه الرسوم حيث استعاض عن خصم 30% من قيمة الأدوية التي ترد كنماذج قبل تقدير الرسم، بفرض رسم جديد مخفض على تلك الأدوية قدره 5% في جميع الحالات. وإذ كان ذلك فإن هذا التنظيم الجديد من شأنه أن يلغي التنظيم السابق الوارد في المادة 225 من لائحة الجمارك الصادرة سنة 1884 تطبيقاً لنص المادة الثانية من التقنين المدني.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن الطاعن بصفته مدير مكتب سيبا العلمي أقام الدعوى رقم 1000 لسنة 1964 مدني كلي القاهرة على المطعون ضدهم طالباً الحكم بإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا مبلغ 3478 جنيهاً و659 مليماً وقال شرحاً لدعواه أنه استورد رسالتين من الأدوية مكونتين من عينات غير معدة للبيع، وقد حصل جمركا المحمودية والإسكندرية رسوماً على هاتين الرسالتين تزيد عن المقرر وفقاً لأحكام القانون رقم 1953 سنة 1961 مما دعاه إلى رفع الدعوى لاسترداد ما سدد دون وجه حق. وبتاريخ 26/ 11/ 1964 قضت محكمة أول درجة بندب خبير لتحديد الأدوية موضوع الرسالتين محل النزاع واحتساب رسم الوارد على أساس 5% في حالة التحقق من أنها مجرد عينات ليست معدة للبيع وبعد أن قدم الخبير تقريره، قضت محكمة القاهرة الابتدائية في 30/ 5/ 1968 بإلزام المطعون ضدهم بصفتهم بأن يدفعوا للطاعن بصفته مبلغ 561 جنيهاً و460 مليماً، استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 1619 سنة 85 ق طالباً القضاء له بطلباته، وبتاريخ 20/ 2/ 1971 - قضت محكمة استئناف القاهرة بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن وعرض على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد مبناه الخطأ في تطبيق القانون. وفي بيان ذلك يقول الطاعن أن الحكم المطعون فيه إذ استبعد تطبيق نسبة الخصم الوارد في المادة 225 من اللائحة الجمركية الصادرة في 2/ 4/ 1884 وقدرها 30% على رسالتي عينات الأدوية موضوع الدعوى بمقولة أن هذه اللائحة قد أبطل العمل بها بصدور قرار رئيس الجمهورية رقم 1953 لسنة 1961 بشأن التعريفة الجمركية قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك أن قرار رئيس الجمهورية المشار إليه لم يتناول سوى فئة الرسم فقط دون أن يتناول الخصم الوارد في المادة 225 من لائحة الجمارك القديمة التي ظلت سارية حتى نفاذ قانون الجمارك الجديد في 26/ 6/ 1963 وهو تاريخ لاحق لورود الرسالتين موضوع الدعوى.
وحيث إن هذا النعي غير سديد. ذلك أنه يبين من مقارنة نص المادة 225 من اللائحة الجمركية الصادرة سنة 1884 والبند 30/ 3 من الفصل الثلاثين من قرار رئيس الجمهورية رقم 1953 سنة 1961 أن المشرع بعد أن كان يفرض تعريفة جمركية موحدة قدرها 10% على الأدوية التي ترد بغرض البيع وتلك التي ترد كنماذج مع جواز منح تخفيض قدره 30% من قيمة هذه الأخيرة بشرط أن تكون في غير الحجم التجاري. عدل في المادة 30/ 3 من قرار رئيس الجمهورية رقم 1953 سنة 1961 عن فكرة التعريفة الموحدة وفرض على الأدوية المهيأة للبيع رسماً قدره 10% كما فرض رسماً مخفضاً قدره 5% على الأدوية المستوردة بغير هذا الغرض ومفاد ذلك أن المشرع قد استحدث تنظيماً جديداً مختلفاً عن التنظيم القديم فيما يتصل بهذه الرسوم حيث استعاض عن خصم 30% من قيمة الأدوية التي ترد كنماذج قبل تقدير الرسم، بفرض رسم جديد مخفض على تلك الأدوية قدره 5% في جميع الحالات. وإذ كان ذلك فإن هذا التنظيم الجديد من شأنه أن يلغي التنظيم السابق الوارد في المادة 225 من لائحة الجمارك الصادرة سنة 1884 تطبيقاً لنص المادة الثانية من التقنين المدني. وإذ التزم الحكم المطعون هذا النظر فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ في تطبيقه ويكون النعي عليه على غير أساس.

الطعن 1197 لسنة 28 ق جلسة 30 / 12 / 1984 إدارية عليا مكتب فني 30 ج 1 ق 54 ص 303

جلسة 30 من ديسمبر سنة 1984

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد صالح الساكت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة يوسف شلبي يوسف ومحمد فؤاد عبد الرازق الشعراوي ومحمد يسري زين العابدين عبد الله والدكتور محمد عبد السلام مخلص - المستشارين.

----------------

(54)

الطعن رقم 1197 لسنة 28 القضائية

(أ) مجلس الدولة - أعضاؤه - إعارة - مدة الإعارة.
المادة 89 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 - المشرع حدد مدة إعارة عضو مجلس الدولة إلى الخارج وحصرها كأصل عام في مدة أربع سنوات وأجاز زيادة تلك المدة إن كانت ثمة مصلحة قويمة تستدعي ذلك - تقدير المصلحة القومية أمر متروك لتقدير رئيس الجمهورية أو من يفوضه في ضوء الاعتبارات التي تعرضها الجهة المستعيرة - أثر ذلك: إذا صدر القرار بتجديد الإعارة بعد المدة الأصلية أنتج التجديد أثره سواء لمدة واحدة أو لأكثر من مدة وأصبح امتداداً للمدة الأصلية ويسري في شأنه ما يسري على المدة الأولى طالما أن المشرع لم يضع حداً أقصى لتلك الزيادة - تطبيق.
(ب) مجلس الدولة - أعضاؤه - إعارة - آثارها.
المعار لا تنقطع صلته خلال مدة إعارته بجهة عمله الأصلية - مدة الإعارة تحسب ضمن مدة الخدمة غير منفصلة عنها وتحسب في تدرج المرتب بالعلاوات عند حلول مواعيد استحقاقها - الأثر المترتب على ذلك لا يجوز أن تؤدي الإعارة إلى غمط حق المعار في الترشيح للترقية إذا ما حل عليه الدور - أساس ذلك: 1 - قانون مجلس الدولة لم يتضمن أية أحكام خاصة بأعضائه المعارين من شأنه إرجاء أو وقف ترقياتهم عند حلول دورهم في الترقية لحين عودتهم من الإعارة 2 - أن مجلس الدولة لم يضع في إطار نصوص القانون من القواعد التنظيمية العامة التي يلتزم بها أعضاؤه ويكونون على بينة من أمرها ما يعالج وضع المعارين - تطبيق.
(جـ) مجلس الدولة - أعضاؤه - ترقية.
متى ثبتت الأهلية للترقية إلى درجات قضائية معينة رقي إليها من كان يلي صاحب الشأن في الأقدمية فإن أهليته تعتبر باقية على وضعها بالنسبة لأهلية زملائه الذين كانوا يلونه في الأقدمية وتمت ترقيتهم ما لم يقم الدليل على وجود مسوغ طارئ يحول دون الترقية إلى الدرجات القضائية العليا أسوة بزملائه الذين كانوا تالين له في الترقية - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 7 من يونيه 1982 أودع الأستاذان محمد فهي طاهر وغبريال إبراهيم غبريال المحاميان بصفتيهما وكيلين عن الأستاذ......... المستشار المساعد ( أ ) بمجلس الدولة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1197 لسنة 28 القضائية ضد رئيس الجمهورية ووزير العدل ورئيس مجلس الدولة طالباً الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الجمهوري رقم 123 لسنة 1982 الصادر في 29 من مارس 1982 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلي وظيفة مستشار بمجلس الدولة مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم أولاً: بقبول الطعن شكلاً. وثانياً: وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 123 لسنة 1982 فيما تضمنه من تخطي الطاعن في وظيفة مستشار بمجلس الدولة وإرجاع أقدميته فيها اعتباراً من 28 من فبراير سنة 1982 بحيث تكون لاحقة للمستشار...... وسابقة على المستشار........ مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وعين لنظر الطعن أمام هذه المحكمة جلسة 14 من أكتوبر 1984، وبجلسة 4 من فبراير 1984 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
من حيث إن عناصر هذه المنازعة تحصل - حسبما بين من الأوراق - في أنه بتاريخ 26 من يناير 1982 أرسل رئيس مجلس الدولة كتاباً إلى الطاعن يخطره فيه أن اللجنة الخماسية بمجلس الدولة رأت بجلستها المنعقدة في 24 من يناير 1982 تخطيه في الترقية إلى وظيفة مستشار، وأنها استندت في ذلك إلى أن ملف خدمته خلا من تقرير لكفايته بسبب استطالة مدة إعارته للعمل بالمملكة العربية السعودية اعتباراً من 19 من ديسمبر 1972 وأنه لم يمارس خلال هذه المدة أعمالاً بالمجلس حتى يكون أهلاً للترقية. وقد تظلم الطاعن لأعضاء هذه اللجنة بالتظلم المؤرخ 3 من مارس سنة 1982 ولكن صدر مع ذلك القرار الجمهوري رقم 123 لسنة 1982 في 29 من مارس سنة 1982 (صحته 9 من مارس سنة 1982) غير متضمن ترقيته، ولهذا تظلم من القرار لرئيس الجمهورية بمقتضى الكتاب المسجل بالبريد برقم 215 (صحته رقم 295) بتاريخ 4 من إبريل سنة 1982 ناعياً على القرار مخالفته القانون لما يأتي:
أولاً: استطالة مدة إعارة الطاعن لا تحول دون ترقيته: فقد أوضح الطاعن أنه وإن كانت مدة إعارته قد استطالت إلا أن مرد ذلك أسباب اقتضتها المصلحة القومية التي قدرها رئيس الجمهورية أو من فوضه في ذلك وهي مصلحة ارتآها في ضوء الاعتبارات التي عرضتها الجهة المعار إليها وهي أمور خارجة عن إرادته ومن ثم لا تصح مؤاخذته عنها وتخطيه في الترقية، وأن عدم ممارسته العمل بالمجلس أثناء مدة إعارته للخارج وبالتالي تعذر إعداد تقرير عن درجة كفايته لا يصح أن يكون سبباً يحول دون النظر في ترقيته، فقانون مجلس الدولة لم ينظم وضع أعضائه المعارين للعمل خارج البلاد أو يهمل حقهم في الترقية إذ خلت مواده من النص على وقف ترقيتهم حتى يعودوا من الإعارة، ومن المقرر أن الإعارة مهما استطالت مدتها لا تقطع صلة المعار بجهة عمله الأصلية طالما أنها تمت بالأداة القانونية الصحيحة وصدرت من الجهة التي تملك إصدارها في حدود السلطة المخولة لها قانوناً، وقد وازنت بين صالح العمل في المجلس وبين اعتبارات المصلحة القومية ورجحت كفة هذه الاعتبارات وأصدرت قرارها بتجديد الإعارة، وهذا القرار يحدث آثاره القانونية وأخصها احتفاظ الطاعن بحقوقه كاملة بمجلس الدولة شأنه في ذلك شأن باقي زملائه المعارين، وبالتالي ما كان يجوز لمجلس الدولة أن يتربص بالطاعن حتى يحل عليه الدور في الترقية إلى وظيفة مستشار ويتخطاه.
ثانياً: إعارة الطاعن أياً كانت مدتها لا تفقده الأهلية للترقية: إذ أشار الطاعن إلى أنه لا يترتب على إعارته وبالتالي عدم ممارسة العمل داخل مجلس الدولة أن يكون قد فقد صلاحيته أو أهليته للترقية وهو نفسه الذي سبقت ترقيته إلى وظيفتي مستشار مساعد (ب) و( أ ) وهو معار، وأنه طبقاً للمادة 84 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 يكون الاختيار للترقية لوظيفة مستشار مساعد أو مستشار على أساس الأهلية، وعند التساوي تراعى الأقدمية، وأنه يمكن الاستدلال على هذه الأهلية بأعمال أخرى خلاف عمله بالمجلس، وعلى هذا فعضو مجلس الدولة الذي رقي إلى وظيفة مستشار مساعد يظل محتفظاً بأهليته للترقية إلى وظيفة مستشار.
ثالثاً: كيفية الاستدلال على مدى كفاية المعار ودرجة أهليته للترقية:
وأضاف الطاعن أن المادة 88 من قانون مجلس الدولة تقضي بأن تكون الإعارة للقيام بأعمال قضائية أو قانونية للحكومات الأجنبية أو للهيئات الدولية وبالتالي لا تتم الإعارة إذا كان المعار سيقوم بأعمال أخرى غير تلك الأعمال، فعضو مجلس الدولة المعار لا تنقطع صلته بتلك الأعمال، وأنه يمكن الوقوف على مدى كفايته بما أثبته من جدارة في القيام بالأعمال المنوطة به وبما يعده أو يكتبه عنه المسئولون في الجهة المعار إليها، وقد أثبت الطاعن - حسبما جاء بمحافظة المستندات المقدمة منه - كفاءته في الجهات التي عمل بها حيث أشادت بخبرته في مجال العمل القانوني وما بذله من جهد متميز فيما أسند إليه من مهام.
وبموجب عريضة طعن مودعة قلم كتاب هذه المحكمة في 19 من أكتوبر 1982 ومعلنة إلى المطعون ضدهم المذكورين في 23 من أكتوبر 1982 أضاف الطاعن طلباً احتياطياً إلى الطعن رقم 1197 لسنة 28 القضائية أبان فيه أنه بعد إيداع تقرير هذا الطعن صدر القرار الجمهوري رقم 258 لسنة 1982 في 3 من يونيه 1982 متضمناً تخطيه كذلك في الترقية إلى وظيفة مستشار، وقد تظلم من هذا القرار بمجرد علمه به إذ أرسل تظلماً مؤرخاً 21 من سبتمبر سنة 1982 إلى رئيس الجمهورية، وطلب في ختام العريضة إضافة طلب احتياطي هو إلغاء القرار الجمهوري رقم 258 لسنة 1982 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة مستشار بمجلس الدولة مع ما يترتب على ذلك من آثار وذلك لذات الأسباب السابقة إبداؤها.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الطلب الأصلي فإن الطاعن يطلب الحكم بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 123 لسنة 1982 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى وظيفة مستشار بمجلس الدولة ومن ثم لزم مراعاة الإجراءات والمواعيد التي نص عليها قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، والثابت أن هذا القرار صدر بتاريخ 9 من مارس 1982 وقد تظلم منه الطاعن إلى رئيس الجمهورية بصفته مصدر القرار المطعون فيه وذلك بكتاب مسجل بالبريد بتاريخ 4 من ابريل 1982 برقم 295، وإذ لم يتلق الطاعن رداً على تظلمه بادر بإقامة طعنه فأودع تقريره قلم كتاب هذه المحكمة في 7 من يونيه 1982 ومن ثم يكون الطعن مقاماً في الموعد القانوني، وإذ استوفى باقي أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إنه عن الموضوع فإن المادة 88 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 تنص في فقرتها الثالثة على أنه "........ كما تجوز إعارة أعضاء مجلس الدولة للقيام بأعمال قضائية أو قانونية للحكومات الأجنبية أو الهيئات الدولية وذلك بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية.." كما تنص المادة 89 على أنه "لا يجوز أن تزيد مدة إعارة عضو مجلس الدولة إلى الخارج على أربع سنوات متصلة.. ومع ذلك يجوز أن تزيد المدة على هذا القدر إذا اقتضت مصلحة قومية يقدرها رئيس الجمهورية". ومفاد ذلك أن المشرع حدد مدة إعارة عضو مجلس الدولة إلى الخارج وحصرها - كأصل عام - في مدة أربع سنوات، غير أنه لم يقف عند هذا الأصل بل أجاز في ذات الوقت زيادة تلك المدة إن كانت ثمة مصلحة قومية تستدعي ذلك وجعل أمرها متروكاً لتقدير رئيس الجمهورية (أو من يفوضه) في ضوء الاعتبارات التي تعرضها الجهة المستعيرة. فإذا ما صدر القرار بتجديد الإعارة بعد المدة الأصلية أنتج التجديد سواء لمرة واحدة أو أكثر أثره وأصبح امتداداً للمدة الأصلية يسري في شأنه ما يسري على المدة الأولى من آثار ما دام أن المشرع لم يضع حداً أقصى لتلك الزيادة. حيث ورد النص بشأنها مطلقاً دون تحديد وبالتالي يؤخذ على إطلاقه. ومن ناحية أخرى فإنه من المقرر أن المعار لا تنقطع صلته البتة خلال مدة إعارته بجهة عمله الأصلية إذ تبقى ظلال من الوظيفة عاكسة آثارها عليه، فإذا عاد فإنه يعود لشغل وظيفته إن كانت شاغرة بقوة القانون ودون حاجة إلى اتخاذ أي إجراء، فإن لم تكن خالية فإنه شغل درجته الأصلية بصفة شخصية على أن تسوي حالته على أول وظيفة تخلو من درجته (مادة 90 من قانون مجلس الدولة) وينبني على ذلك أن مدة الإعارة تحسب ضمن مدة الخدمة غير منفصلة عنها كما تحسب ضمن المدة المحسوبة في المعاش وتدفع عنها أقساط المعاش عند عودة المعار من الإعارة، فضلاً عن حسابها في تدرج مرتبه بالعلاوات عند حلول مواعيد استحقاقها، فالإعارة إذن وقد أضفى عليها المشرع تلك السمات لا يجوز أن تؤدي - في حد ذاتها - إلى غمط حق المعار في الترشيح للترقية إذا ما حل عليه الدور إذ في هذه الحالة يكون قد استعمل رخصة خولها إياه القانون ما دامت الإعارة قد تمت بالأداة القانونية الصحيحة من الجهة المختصة التي تملك سلطة إصدارها والتي لا معقب عليها في هذا السبيل.
ومن حيث إنه قد جاء بكتاب رئيس مجلس الدولة المؤرخ 26 من يناير 1982 وهو في معرض تبيان أسباب تخطي الطاعن بأن مرد ذلك يرجع إلى استطالة مدة إعارته للعمل بالمملكة العربية السعودية وأن الطاعن لم يمارس أعماله بالمجلس أثناء إعارته وبالتالي خلا ملفه من أي تقرير للكفاية منذ تعيينه مندوباً ذلك أن قانون مجلس الدولة لم يتضمن أية أحكام خاصة بأعضائه المعارين من شأنها إرجاء أو وقف ترقياتهم حين يحل عليهم الدور في الترقية ولحين عودتهم من الإعارة أو غير ذلك من القواعد، كما أن مجلس الدولة أن المجلس الأعلى للهيئات القضائية (وقتذاك) لم يضع في إطار نصوص القانون ودون ما خروج عليها من القواعد التنظيمية العامة، التي يلتزم بها أعضاؤه ويكونون على بينة من أمرها، ما يعالج وضع المعارين كإخطارهم بالعودة بعد انتهاء مدة إعارتهم وأثر عدم الاستجابة لذلك ومن ثم لزم اتباع الأصل وهو الترقية ما دامت قد توافرت سائر شروطها وما دام لم يوجد الحظر الصريح بشأنها - ويضاف إلى ذلك أن إعارة أعضاء مجلس الدولة لا تكون وفقاً لنص المادة 88 سالفة الذكر إلا للقيام بأعمال قضائية أو قانونية للحكومات الأجنبية أو الهيئات الدولية وهي أعمال تكاد تكون شبيهة بتلك التي يتولون أعباءها بالمجلس وكلها تدور في فلك القانون وليس بسائغ ولا مقبول أن تعير الهيئات القضائية أعضاءها - أياً كانت مدة الإعارة - إلى ما يبعدهم عن عملهم مآلاً أو يمس كفاءتهم في المستقبل، فالإعارة والحالة هذه هي في واقع أمرها كامتداد للعمل الأصيل غير بعيد عنه أو مجاف له.
ومن حيث إنه وإن كانت المادة 84 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 تقضي بأن تكون الترقية إلى وظيفة مستشار مساعد وما يعلوها بالاختيار على أساس الأهلية وعند التساوي تراعى الأقدمية إلا أنه لا يترتب على إعارة الطاعن أن تهبط درجة كفايته أو أن يفقد الصلاحية أو الأهلية للترقية وهو نفسه الذي سبقت ترقيته وهو معار إلى وظيفة مستشار مساعد (ب) في 9 من أغسطس سنة 1977 وإلى وظيفة مستشار مساعد ( أ ) في 18 من يوليو 1978، وهاتان الترقيتان تمتا - ولا ريب - استناداً إلى توافر عناصر الأهلية في شأنه، وقد درجت أحكام القضاء على أنه متى ثبتت الأهلية للترقية إلى درجات قضائية معينة رقي إليها من كان يلي صاحب الشأن في الأقدمية فإن أهليته تعتبر باقية على وضعها بالنسبة لأهلية زملائه الذين كانوا يلونه في الأقدمية وتمت ترقيتهم ما لم يقم الدليل على وجود مسوغ طارئ يحول دون الترقية على الدرجات القضائية العليا أسوة بزملائه الذين كانوا تالين له في الترقية. هذا فضلاً عن أن الثابت من الأوراق أن الطاعن بعد إذ عاد من الإعارة من الخارج سنة 1982 وهو في وظيفة مستشار مساعد ( أ ) وضع عنه تقرير كفاية بدرجة "فوق المتوسط" ورقي استناداً إليه في وظيفة مستشار بمقتضى القرار الجمهوري رقم 164 لسنة 1984، وقد سبق أن قضت هذه المحكمة بأن تقرير التفتيش الذي أعد عن أعمال صاحب الشأن بعد صدور القرار المطعون فيه وترقيته بعد ذلك من شأنه أن يكشف عن أهليته للترقية بالقرار المطعون فيه (الطعن رقم 1130 لسنة 19 والطعن رقم 3 لسنة 20 ق بجلسة 30/ 4/ 1973).
ومن حيث إنه تأسيساً على ما تقدم تغدو الأسباب التي ارتكنت إليها الجهة الإدارية لتخطي الطاعن في الترقية إلى وظيفة مستشار غير قائمة على سند صحيح من القانون ويكون تخطيه في الترقية إلى هذه الوظيفة بمقتضى القرار الجمهوري رقم 123 لسنة 1982 قد جانب القانون في صحيحه بما يتعين معه الحكم بإلغاء هذا القرار فيما تضمنه من ذلك التخطي، وإزاء هذا لا يكون ثمة محل بعد ذلك للتعرض للطلب الاحتياطي بعد إذ أجيب الطاعن إلى الطلب الأصلي كما أنه وقد رقي الطاعن بعد ذلك إلى وظيفة مستشار بمقتضى القرار الجمهوري رقم 164 لسنة 1984 ومن ثم يتعين الحكم بإرجاع أقدميته في هذه الوظيفة إلى 28 من فبراير 1982 وهو تاريخ موافقة المجلس الأعلى للهيئات القضائية الصادر بها القرار الجمهوري رقم 123 لسنة 1982 المشار إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً، وبأحقية المدعي في إرجاع أقدميته في وظيفة مستشار إلى 28 من فبراير 1982 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.