جلسة 28 من ديسمبر سنة 1971
برياسة السيد المستشار/ بطرس زغلول نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: عباس حلمي عبد الجواد، وإبراهيم علام، وأحمد ضياء الدين حنفي، وأحمد فتحي مرسي.
----------------
(189)
الطعن رقم 107 لسنة 37 القضائية
(أ) نقض. "تقرير الطعن". "الخصوم في الطعن". شركات. "شركات التضامن". حكم. "الطعن في الحكم".
عدم تعيين مدير لشركة التضامن سواء في عقد التأسيس أو بمقتضى اتفاق لاحق. أثره. حق كل شريك متضامن في إدارة الشركة وتمثيلها أمام القضاء. الطعن الموجه من الشريك بهذه الصفة يكون موجهاً من الشركة كشخصية مستقلة عن شخصية مديرها.
(ب) حكم. "إصدار الحكم". "التوقيع على مسودة الحكم". نقض. "أسباب الطعن". بطلان.
وجوب توقيع الرئيس والقضاة على مسودة الحكم المشتملة على أسبابه. تعدد توقيعاتهم بتعدد أوراق المسودة لا يلزم. كفاية التوقيع على الورقة الأخيرة المشتملة على جزء من الأسباب اتصل بالمنطوق.
(ج) حكم. "بطلان الحكم". بطلان.
الأصل في الإجراءات أنها روعيت. عدم تقديم الطاعن ما يدل على عدم حصول مداولة قبل صدور الحكم. النعي على الحكم بالبطلان في هذه الحالة غير سديد.
(د) إيجار. "بعض أنواع الإيجار". "إيجار الأماكن".
ثبوت أن الغرض الأساسي من الإجارة ليس هو المبنى ذاته، وإنما ما اشتمل عليه من أدوات وآلات. وأن المبنى ليس إلا عنصراً ثانوياً. عدم انطباق القانون 121 لسنة 1947.
(هـ) عقد. "تكييف العقد". محكمة الموضوع. "سلطتها في تكييف العقد".
العبرة في تكييف العقود هي بحقيقة ما عناه العاقدون منها. تعرف قصد المتعاقدين من سلطة محكمة الموضوع.
(و) إعلان. "إعلان الشركات التجارية". شركات.
جواز تسليم صورة الإعلان - في الحالات المبينة بالمادة 14 مرافعات سابق - إلى من ينوب عن أحد الشركاء المتضامنين أو رئيس مجلس الإدارة أو المدير فيما يتعلق بإعلان الشركات التجارية.
(ز) إيجار. "التحديد الضمني للإيجار". محكمة الموضوع. "سلطتها في مسائل الواقع". نقض. "سلطة محكمة النقض".
تجديد الإجارة تجديداً ضمنياً برضاء الطرفين من المسائل الموضوعية التي يترك الفصل فيها لقاضي الموضوع دون رقابة من محكمة النقض.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 743 سنة 1964 مدني كلي القاهرة على "نقولا كريا كوكريازي والطاعن الثاني بصفتهما ممثلين لشركة أولاد كريا كوكريازي بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 8/ 8/ 1951 وتسليم المدبغة المؤجرة بمشتملاتها المبينة بالعقد وبالقائمة المرفقة به وبالحالة التي كانت عليها وقت التأجير، وقال في بيان دعواه إن المدعى عليهما استأجرا منه ومن والده - المرحوم عبد الحافظ إبراهيم - بمقتضى العقد المؤرخ 8/ 8/ 1951 - المدبغة المبينة به بأجرة شهرية قدرها 140 ج، و نص فيه على أن مدته ثلاث سنوات تبدأ من 1/ 10/ 1951 وأنه يتجدد لمدة أخرى وهكذا ما لم يخطر أحد الطرفين الآخر قبل انتهاء مدته بشهرين، وبعد أن تجدد العقد عدة مرات، نبه المطعون ضده الذي انفرد بملكية المدبغة بشرائه حصة والده فيها على المستأجرين بموجب إنذارين أعلنا إليهما في 15/ 19 يوليه سنة 1963 برغبته في عدم تجديد العقد لمدة أخرى وبإخلاء المدبغة وتسليمها إليه، وإذ لم يستجيبا لذلك فقد أقام عليهما الدعوى الحالية بطلباته السابقة. أجاب المدعى عليهما على الدعوى بأن عقد الإيجار ينطبق عليه القانون رقم 121 لسنة 1947 الخاص بإيجار الأماكن، وأن هذا العقد يعتبر ممتداً بقوة القانون رغم انتهاء مدته، وأنه بفرض أن القانون المشار إليه لا ينطبق فإن العقد قد تجدد ضمناً باستلام المطعون ضده الأجرة عند عرضها عليه، وبتاريخ 1/ 11/ 1964 قضت المحكمة للمطعون ضده بطلباته. استأنف المحكوم ضدهما هذا الحكم بالاستئناف رقم 1864 سنة 81 ق القاهرة، ومحكمة الاستئناف حكمت في 25/ 12/ 1966 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنان في هذا الحكم بطريق النقض. ودفع المطعون ضده بعدم قبول الطعن بالنسبة إلى الطاعن الأول تأسيساً على أنه لم يكن خصماً في الحكم المطعون فيه، ومن ثم فلا يجوز رفع الطعن منه وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وبالجلسة المحددة لنظره أصرت فيها على رأيها.
وحيث إن هذا الدفع بعدم قبول الطعن بالنسبة إلى الطاعن الأول مردود، ذلك أنه يبين من الأوراق أن الدعوى الابتدائية أقيمت من المطعون ضده على كل من نقولا كريا كوكريازي وقسطندي كريا كوكريازي بصفتهما ممثلين لشركة أولاد كريا كوكريازي ورفع الاستئناف منهما بهذه الصفة، وأن إعلان تقرير الطعن وجه من استافرو وقسطندي كريا كوكريازي بصفتهما ممثلين للشركة المشار إليها، وإذ كان الثابت من ملخص عقد تلك الشركة أنها شركة تضامن، ولم ينص فيه على تعيين مدير لها، فإن الطعن إذا ما وجه من الطاعنين "الشريكين المتضامنين" بصفتهما ممثلين لهذه الشركة" يكون مقبولاً، ذلك أنه إذا لم يعين مدير لشركة التضامن سواء في عقد تأسيسها أو بمقتضي اتفاق لاحق كان لكل شريك متضامن حق إدارتها وتمثيلها أمام القضاء، هذا إلى أن الطعن المرفوع منهما بهذه الصفة يكون موجهاً من الشركة باعتبارها شركة تضامن لها شخصية مستقلة عن شخصية مديريها، وما دامت الشركة هي الأصلية والمقصود بذاتها في الخصومة دون ممثليها، وقد ذكر اسمها المميز لها في التقرير بالطعن، فإن الطعن على هذه الصورة يكون - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - صحيحاً ومن ثم فإنه يتعين رفض الدفع.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالسبب الأول على الحكم المطعون فيه البطلان من وجهين يتحصل أولهما في أن منطوق الحكم حرر على ورقة مستقلة عن أسبابه ولم يوقع على مسودة أسباب الحكم من الهيئة التي أصدرته سوى أحد أعضائها وإذ يشترط القانون أن يصدر الحكم نتيجة مداولة في أسبابه قبل النطق به، ولا يدل على حصول هذه المداولة سوى توقيع جميع أعضاء الهيئة التي أصدرته على مسودته المشتملة على أسبابه فإن الحكم المطعون فيه يكون باطلاً وإن اشتملت الورقة المنضمة على توقيعات أعضاء الهيئة جميعهم ما دامت هذه الورقة منفصلة عن مسودة أسباب الحكم.
وحيث إن هذا النعي بهذا الوجه مردود، ذلك أن المادة 346 من قانون المرافعات السابق المعدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1962 - الذي صدر الحكم المطعون فيه في ظله - تنص على أنه "يجب في جميع الأحوال أن تودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابه موقعاً عليها من الرئيس والقضاة عند النطق بالحكم وإلا كان الحكم باطلاً " ومفاد هذا النص أن المشرع أوجب أن تودع مسودة الحكم المشتملة على أسبابة موقعاً عليها ما جميع أعضاء الهيئة التي أصدرته وإلا كان الحكم باطلاً، ولا يغني عن هذا الإجراء توقيعهم جميعاً على الورقة المتضمنة منطوق الحكم وحده متى كانت هذه الورقة منفصلة عن الأوراق المشتملة على أسبابه، أما إذا حررت الأسباب على أوراق منفصلة اشتملت الأخيرة منها على جزء من هذه الأسباب اتصل بها منطوق الحكم ثم وقع عليه جميع القضاة الذين أصدروه، فإن التوقيع على هذه الورقة إنما هو توقيع على المنطوق والأسباب معاً يتحقق به غرض الشارع فيما استوجبه من توقيع القضاة الذين أصدروا الحكم على مسودته المشتملة على أسبابه فلا يكون الحكم باطلاً، ولئن أفادت الشهادة الرسمية التي قدمها الطاعنان والمودعة ملف الطعن، أن أسباب الحكم حررت على أوراق منفصلة وأن جميع أعضاء الهيئة التي أصدرت الحكم قد وقعوا على الورقة الأخيرة منها التي تحمل المنطوق، إلا أن هذه الشهادة لا تدل على أن الورقة الأخيرة منها لا تتضمن غير منطوق الحكم وحده بما تكون معه هذه الشهادة قاصرة عن إثبات ما يدعيه الطاعنان من أن أعضاء الهيئة التي أصدرت الحكم لم يوقعوا على مسودته المشتملة على أسبابه بالمعنى المتقدم، ومن ثم فإن نعيهما يكون عارياً عن الدليل.
وحيث إن حاصل الوجه الثاني أن الحكم المطعون فيه صدر بغير مداولة وهي إجراء جوهري يترتب على إغفاله بطلان الحكم إذ أن الثابت من الأوراق أن محكمة الاستئناف حجزت الدعوى للحكم لجلسة 18/ 12/ 1966، وأنه في تلك الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة 25/ 12/ 1966 بسبب تغيير الهيئة لغياب رئيسها، ورتب الطاعنان على ذلك أن المداولة لم تجر في ذلك اليوم بين أعضاء الهيئة الذين سمعوا المرافعة، وإذ صدر الحكم يوم 25/ 12/ 1966 وأثبت في مسودته التي تحمل توقيع أعضاء الهيئة المشار إليها أن المداولة تمت بينهم في يوم 18/ 12/ 1966 الذي ثبت عدم حصولها فيه، فإن الحكم يكون قد صدر دون أن تسبقه مداولة، وهو ما يعيبه بالبطلان.
وحيث إنه يبين من الرجوع إلى الصور الرسمية لمحاضر الجلسات في الدعوى أمام محكمة الاستئناف ومن الشهادة الرسمية الصادرة من قلم كتاب تلك المحكمة والمودعة من الطاعنين ملف الطعن أن الدعوى نظرت أمامها بجلسة 13/ 11/ 1966 فقررت حجزها للحكم لجلسة 18/ 12/ 1966، وفيها صدر قرار بمد أجل النطق بالحكم لجلسة 25/ 12/ 1966 لتعذر المداولة بسبب تغيير الهيئة، وفي تلك الجلسة صدر الحكم وأثبت في مسودته حصول المداولة يوم 18/ 12/ 1966، ولئن كان المستفاد من الأوراق المشار إليها أن المداولة لم تكن قد تمت حتى ساعة النطق بالقرار الصادر في يوم 18/ 12/ 1966 إلا أن ذلك لا ينفي حصولها بعد صدور القرار المشار إليه وفي ذات اليوم، لما كان ذلك وكان الأصل في الإجراءات أن تكون قد روعيت، وكانت الأوراق المقدمة من الطاعنين وعلى ما سلف البيان لا تدل على عدم حصول مداولة بين أعضاء الهيئة يوم 18/ 12/ 1966 على النحو الذي أثبته الحكم المطعون فيه، فإن النعي عليه بالبطلان بهذا الوجه يكون غير سديد.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالوجه الأول من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، ويقولان في بيان ذلك إن الحكم أقام قضاءه بعدم انطباق القانون رقم 121 لسنة 1947 الخاص بإيجار الأماكن على المدبغة محل النزاع استناداً إلى القول بأن إدارة المتعاقدين اتجهت بصفة جوهرية لا إلى المباني، ولكن إلى ما اشتملت عليه من أدوات وآلات، هذا في حين أن دفاع الطاعنين بصفتهما كان يقوم أمام محكمة الموضوع على أن العين المؤجرة تخضع لأحكام قانون إيجار الأماكن المشار إليه واستدلا على ذلك بأن عقد الإيجار لم ينصب على منشأة تجارية بما لها من سمعة تجارية وعملاء، لأن المبنى مستحدث، والشركة التي يمثلها الطاعنان هي أول من شغله ومارس نشاط الدباغة فيه، وإنما ينصب العقد على المبنى الذي يخضع لقانون إيجار الأماكن وعلى الآلات التي لا تخضع له، وأنه وإن كانت الأجرة قد حددت في العقد بمبلغ إجمالي قدره 140 ج، إلا أنه كان ملحوظاً وقت التعاقد بين الطرفين أن هذه الأجرة مناصفة بين المبنى والآلات - وقد أقر الطرفان بأن العين المؤجرة تخضع للتشريع الاستثنائي فخفض المؤجر أجرة المبنى من 70 جنيهاً إلى 59 ج و500 م تطبيقاً للمادة الخامسة مكررة من القانون رقم 121 لسنة 1947 المضافة بالقانون رقم 199 لسنة 1952 بحيث أصبحت الأجرة جميعها 129 ج و500 م، وأن جهة الإدارة اقتضت الضريبة عن المبنى على أساس أن أجرتها 70 جنيهاً شهرياً وذلك بناء على إبلاغ المالك وفق ما يقضي به القانون رقم 56 لسنة 1954، كما أن عقد الإيجار نص فيه على منع المستأجر من تأجير المبنى من الباطن، بينما أجاز ذلك بالنسبة للآلات بعد الحصول على إذن كتابي من المالك، غير أن الحكم المطعون فيه أغفل الرد على هذا الدفاع الجوهري، وقضى بعدم انطباق القانون رقم 121 لسنة 1947 وهو ما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، ويضيف الطاعنان أن الحكم المطعون فيه وإن كانت أسبابه قد جرت على إخضاع الأجرة لأحكام القانون رقم 121 لسنة 1947 المشار إليه، إلا أنه في الوقت نفسه لم يطبق هذا القانون على طلب الإخلاء مما يعيبه بالتناقض علاوة على الخطأ في تطبيق القانون.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أنه يبين من الحكم الابتدائي والذي أخذ بأسبابه الحكم المطعون فيه أنه أقام قضاءه في هذا الخصوص على قوله "إن الثابت من العقد موضوع التداعي أن المكان المؤجر عبارة عن مدبغة بما تشتمل عليه من أحواض وآلات ميكانيكية وكهربائية، وتحمل المؤجر فيه باستخراج ترخيص للإدارة باسمه وعلى نفقته، وترى المحكمة من ظروف التعاقد وملابساته أن الغرض الأول من الإجازة لم يكن المكان المبنى في حد ذاته، بل كان الغرض الأول منه استغلال تجاري، وأن ما به من آلات تفوق في أهميتها المكان المبني، كما أن المؤجر ملزم باستخراج ترخيص الإدارة واستمرار إدارة المدبغة مما ترى معه المحكمة أن عقد الإيجار يخرج عن نطاق القواعد المنصوص عليها في القانون رقم 121 لسنة 1947 وبذلك يتعين تطبيق القواعد العامة" وأضاف الحكم المطعون فيه إلى ذلك "أن عقد الإيجار صريح في أن العين المؤجرة هي مدبغة كائنة بالمدابغ عبارة عن البناء بأوصافه وحدوده وكذا البنوك والأحواض المختلفة العديدة كما تشمل الأدوات والماكينات المبينة بالقائمة التي هي جزء من التعاقد وعددها سبع ماكينات وغير ذلك من مقومات تلك المدبغة باعتبارها منشأة صناعية وتجارية، بمعنى أن نصوص عقد الإيجار واضحة في أن الغرض الأول من الإجارة هو استغلال المدبغة ورواج عملها وما تحققه من أرباح مما تخلص معه المحكمة في اطمئنان إلى أن الإيجار وارد بصفة أصلية على أدوات المدبغة وآلاتها التي لا يعتبر العقد بدونها منصباً على المدبغة التي هي الغرض الأول من الإجارة ويؤكد هذا النظر أن البند الثالث من عقد الإيجار حدد أجرة المدبغة السنوية بمبلغ 1980 ج بواقع الشهر الواحد 140 جنيهاً دون أن يقرر أجرة خاصة عن المبنى أو عن الأدوات، الأمر الذي يدل في وضوح على أن نية الطرفين قد انصرفت وقت التعاقد إلى اعتبار المكان عنصراً ثانوياً وتبعياً للمنشأة - المدبغة - ومن ثم فلا يغير من ذلك ما ورد بكشف التكليف عن وجود تقدير للمباني بمبلغ 70 جنيهاً لعدم وجود هذا التحديد بذات عقد الإيجار، كما لا يغير من هذا النظر إجراء التخفيض القانوني على المبنى لأن ذلك لا يؤثر على طبيعة العلاقة بين الطرفين المحكومة بعقد الإيجار الذي تعهد فيه المؤجر باستخراج الرخصة وتحمل نفقاتها وإلا فسخ العقد تلقائياً مما يقطع بأن المبنى عنصر ثانوي" ولما كان يبين من هذا الذي قرره الحكم أن محكمة الموضوع ردت رداً سائغاً على دفاع الطاعنين المؤسس على أن عقد الإيجار يشتمل على المبنى الذي يخضع لقانون إيجار الأماكن وعلى أن الآلات لا تخضع له، واستخلصت في حدود سلطتها التقديرية من إرادة المتعاقدين ومن ظروف التعاقد وملابساته أن الغرض الأصلي من الإجارة لم يكن المبنى في حد ذاته، وإنما ما اشتمل عليه من الأدوات والآلات التي بالمدبغة فإن الحكم إذ انتهى إلى أن القانون رقم 121 لسنة 1947 لا ينطبق على المدبغة فإنه لا يكون مخالفاً للقانون، ذلك أنه متى ثبت أن الغرض الأساسي من الإجارة ليس هو المبنى ذاته، وإنما ما اشتمل عليه من أدوات وآلات المدبغة وأن المبنى يعتبر عنصراً ثانوياً بالنسبة لهذه الأدوات والآلات فإن هذه الإجارة لا يسري عليها القانون رقم 121 سنة 1947، لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أقامت الحقيقة الواقعة التي استخلصتها على ما يقيمها، فإنها لا تكون بعد ملزمة بأن تتعقب كل حجة للخصم تخالفها وترد عليها استقلالاً، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم من قصور لإغفاله الرد على بعض أوجه دفاعهما يكون على غير أساس - أما النعي على الحكم بالتناقض، فمردود بما يبين من الحكم المطعون فيه من أنه لم يضمن أسبابه أن قانون إيجار الأماكن ينطبق على أجرة المبنى، وإنما مؤدى ما جاء بهذه الأسباب هو أن اتفاق الطرفين على تخفيض الأجرة توهماً منهما بأن قانون إيجار الأماكن ينطبق عليها لا يؤثر على طبيعة العلاقة بينهما والتي يحكمها عقد الإيجار، وهذا الذي قرره الحكم صحيح في القانون ولا تناقض فيه، ذلك أن العبرة في تكييف العقود هي بحقيقة ما عناه العاقدون منها وتعرف هذا القصد من سلطة محكمة الموضوع ومتى تبينت تلك المحكمة إدارة العاقدين على حقيقتها، فإن عليها أن تكيفها بعد ذلك التكييف القانوني الصحيح غير متقيدة في ذلك بتكييف العاقدين. لما كان ذلك، فإن ما يعيبه الطاعنان على الحكم بهذا الوجه يكون غير سديد.
وحيث إن الطاعنين ينعيان بالوجه الثاني من السبب الثاني على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون ومخالفة الثابت في الأوراق والفساد في الاستدلال، ويقولان في بيان ذلك إنهما تمسكا أمام محكمة النقض بأنه على فرض أن عقد الإيجار يخرج عن نطاق القانون رقم 121 لسنة 1947 فإنه طبقاً للقواعد العامة قد تجد لمدة ثلاث سنوات اعتباراً من 1/ 10/ 1963 واستند في ذلك إلى أمرين (الأول) أن المؤجر لم يخطرهما برغبته في إنهاء العقد قبل انتهاء مدته بشهرين إعمالاً لنص البند الخامس منه إذ أن الإنذارين اللذين يرتكن إليهما المؤجر لم يعلنا إعلاناً صحيحاً لأن المستأجرة شركة تجارية يجب أن تسلم صور الإعلانات الخاصة بها في مركز إدارتها لأحد الشركاء المتضامنين أو لرئيس مجلس الإدارة أو للمدير، وذلك وفقاً لنص المادة 14 من قانون المرافعات السابق، وإذ كان الإنذار الأول وجه بتاريخ 1/ 7/ 1963 للشريكين المتضامنين نيقولا وقسطندي كريا كوكريازي في مسكنهما لا في مركز إدارة الشركة، وكان الإنذار الثاني وإن وجه بتاريخ 29/ 7/ 1963 إلى الشريكين المتضامنين في مركز إدارة الشركة إلا أنه سلم إلى موظف بها، فإن الإعلان في كل من الحالتين يكون قد وقع باطلاً، والأمر الثاني أن المؤجر قبض الأجرة التي عرضتها عليه الشركة المستأجرة بعد انتهاء الإيجار بموجب محضري العرض المعلنين في 12/ 11/ 1964، و9/ 12/ 1964 سنة 1964 وذلك دون تحفظ بما يدل على تجديد العقد تجديداً ضمنياً إلا أن الحكم المطعون فيه اكتفى في الرد على هذا الدفاع بما أورده الحكم الابتدائي الذي أحال إلى أسبابه في هذا الخصوص من أن المؤجر قبل الأجرة المعروضة عليه على يد محضر محتفظاً لنفسه بالحق في اتخاذ إجراءات فسخ العقد لانتهاء مدته، وهذا من الحكم يخالف الثابت في الأوراق، إذ الثابت من محضري العرض المشار إليهما أن عرض الأجرة كان مشروطاً بإعطاء مخالصة عنها، وأن قبول المؤجر لها جاء طليقاً من أي قيد أو شرط بما يترتب عليه تجديد العقد، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وخالف الثابت في الأوراق وشابه الفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي في شقه الأول مردود بأن المشرع - وعلى ما جرة به قضاء هذه المحكمة - وإن كان قد نص في البند 4 من المادة 14 من قانون المرافعات السابق على أنه "فيما يتعلق بالشركات التجارية تسلم صور الإعلان في مركز إدارة الشركة لأحد الشركاء المتضامنين أو لرئيس مجلس الإدارة أو المدير فإن لم يكن للشركة مركز تسلم لواحد من هؤلاء لشخصه أو في موطنه" إلا أنه أردف ذلك بما نص عليه في الفقرة الأخيرة من أنه "إذ امتنع من أعلنت له الورقة عن تسلم صورتها هو أو من ينوب عنه أو امتنع عن التوقيع عن التوقيع على أصلها بالاستلام أثبت المحضر ذلك في الأصل والصورة وسلم الصورة للنيابة" فدل بذلك على جواز تسليم صورة الإعلان في الحالات المبينة بهذه المادة إلى من ينوب عن أحد من الأشخاص الوارد ذكرهم فيها، ولما كان الثابت من الإنذار الثاني أنه وجه في 29/ 7/ 1963 إلى شريكين متضامنين بصفتهما ممثلين للشركة وسلمت صورة الإنذار في مركز الشركة إلى الموظف المختص "مدير المصنع" الذي لم ينكر نيابة عنهما في استلام صور الأوراق المعلنة إلى الشركة، فإن الإنذار المشار إليه إذ تم على هذا النحو يكون قد وقع صحيحاً منتجاً لآثاره القانونية ويكون الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى أن المطعون ضده قد أخطر الشركة المستأجرة في الميعاد القانوني برغبته في إنهاء العقد ابتداء من أول أكتوبر سنة 1963 قد أصاب أياً كان وجه الخطأ فيما قرره بشأن الإنذار الآخر، لأن هذا التقرير غير ذي أثر في النتيجة التي انتهى إليها الحكم ومن ثم فإن النعي عليه بهذا الشق يكون غير سديد، والنعي في شقه الثاني مردود أيضاً ذلك أنه لما كان تجديد الإجارة تجديداً ضمنياً برضاء الطرفين من المسائل الموضوعية التي يترك الفصل فيها لقاضي الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك ما دام قد أقام قضاءه على دليل مستمد من وقائع الدعوى وأوراقها، وكان الحكم الابتدائي الذي أخذ الحكم المطعون فيه بأسبابه في هذا الخصوص قد قرر أن عقد الإيجار لم يتجدد تجديداً ضمنياً إلى القول "أما ما ذهب إليه المدعى عليهما من أنهما عرضا الأجرة على المدعي في تواريخ لاحقة لسبتمبر سنة 1963 وقبلها فإنه بالرجوع لأوراق الدعوى يتضح أن المدعي أقام دعواه بعريضة قدمها لقلم الكتاب بتاريخ 21/ 1/ 1964، وعرض المدعى عليهما على المدعي الأجرة بعد ذلك عن المدة من أغسطس سنة 1963 حتى نهاية فبراير سنة 1964، وقد قبلها المدعي محتفظاً لنفسه بحق اتخاذ إجراءات فسخ العقد لانتهاء مدته، وأن قبول المؤجر لأجرة عرضت عليه بموجب إنذار عرض عن مدة سابقة ولاحقة وقبوله لها مصمماً على الفسخ لانتهاء عقد الإيجار لا يعتبر قبولاً ضمنياً منه بالتجديد، لأنه أفصح عن رغبته في عدم التجديد، وقبوله الأجرة قد يكون احتياطاً منه في أن يستأدي مقابل انتفاع المستأجر بالعين طيلة التقاضي، وكان يبين من الرجوع إلى محضري العرض المشار إليهما صحة تما قرره الحكم من أن المؤجر قبل الأجرة المعروضة عليه مع الاحتفاظ بحقه في فسخ عقد الإيجار لانتهاء مدته، فإن تعيب الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق يكون غير صحيح. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه وعلى ما سلف البيان - قد استخلص في نطاق سلطته الموضوعية أن الإجارة لم تجدد تجديداً ضمنياً، ودلل على ذلك بأسباب سائغة تتفق والثابت في محضري العرض ومن شأنها أن تؤدي إلى ما انتهى إليه الحكم، فإن النعي عليه بالخطأ في القانون ومخالفة الثابت في الأوراق والفساد في الاستدلال يكون على غير أساس.
(1) نقض 8/ 12/ 1966 مجموعة المكتب الفني. س 17 ص 183.
ونقض 10/ 12/ 1970 مجموعة المكتب الفني. س 21 ص 1216.
(2) نقض 23/ 5/ 1968 مجموعة المكتب الفني. س 19 ص 1002.