جلسة 23 من مايو سنة 1978
برياسة السيد المستشار صلاح الدين حبيب نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: محمد صدقي العصار، زكي الصاوي صالح، عبد الحميد المرصفاوي ومحمد طه سنجر.
---------------
(254)
الطعن رقم 130 لسنة 45 القضائية
(1) مسئولية "المسئولية الشيئية".
ثبوت أن الشبكة الكهربائية مملوكة لمجلس المدينة وله السيطرة الفعلية عليها. وجوب اعتباره الحارس المسئول عما تحدثه من ضرر. لا يغير من ذلك قيام مؤسسة الكهرباء بتشغيل وصيانة الشبكة بمقتضى القرار الجمهوري 2094 لسنة 1969.
(2) مسئولية "مسئولية تقصيرية". تعويض "الضرر المادي".
طلب التعويض عن الضرر المادي نتيجة وفاة شخص آخر. شرطه. ثبوت أن المتوفى كان يعوله فعلاً وقت وفاته على نحو مستمر ودائم وأن فرصة الاستمرار كانت محققة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون عليه عن نفسه وبصفته ولياً طبيعياً على أولاده القصر أقام الدعوى أمام محكمة القاهرة الابتدائية ضد رئيس مدينة حوش عيسى بصفته - الطاعن - طلب فيها الحكم بإلزامه بأن بدفع له مبلغ 10000 جنيهاً، وقال شرحاً للدعوى إنه في يوم 16/ 9/ 1971 بمدينة حوش عيسى سقط أحد الأسلاك الكهربائية على زوجته المرحومة..... فصعقها التيار الكهربائي وضبط عن الحادث المحضر رقم 46 سنة 1971 عوارض حوش عيسى؛ وقد أصاب مورثته من هذا الحادث ضرر مادي يمتثل في موتها وحرمانها من الحياة ويقدر التعويض عنه بمبلغ 3000 جنيه علاوة على الضرر المادي والأدبي الذي لحق به وبأولاده المشمولين بولايته من جراء الحادث ويقدر التعويض عن ذلك بمبلغ 7000 جنيه، ولما كان الطاعن هو المسئول عن الحادث باعتباره حارساً طبقاً لنص المادة 178 من القانون المدني فقد أقام الدعوى للحكم بطلباته وفي 9/ 12/ 1971 حكمت المحكمة بعدم اختصاصها محلياً بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة دمنهور الابتدائية وقيدت بجدولها برقم 58 لسنة 1973 وبتاريخ 28/ 11/ 1973 حكمت المحكمة بإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون عليه مبلغ 600 جنيهاً. استأنف الطاعن هذا الحكم كما استأنفه المطعون عليه وقيد الاستئنافان على التوالي برقمي 344 سنة 29 ق و3 سنة 30 ق الإسكندرية "مأمورية دمنهور" وبعد أن قررت المحكمة ضم الاستئناف الثاني إلى الأول حكمت في 17/ 12/ 1974 في الاستئناف الأول برفضه وفي الاستئناف الثاني بتعديل الحكم المستأنف وزيادة مبلغ التعويض المقضى به إلى 1200 جنيهاً طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم في خصوص السبب الثاني، وعرض الطعن على هذه الدائرة في غرفة مشورة فرأت أنه جدير بالنظر وحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعن الأول منهما على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال وفي بيان ذلك يقول إنه دفع أمام محكمة الموضوع بانتفاء مسئوليته عن الحادث لأنه وإن كان مالكاً للشبكة الكهربائية داخل مدينة حوش عيسى إلى أن حراسة تلك الشبكة انتقلت منه إلى المؤسسة المصرية العامة للكهرباء بمقتضى القرار الجمهوري رقم 2094 لسنة 1969 الذي ناط بها مهمة توريد الطاقة الكهربائية والقيام بأعباء صيانة وتشغيل الشبكات الكهربائية داخل مجالس المدن فأصبحت صاحبة السيطرة الفعلية على تلك الشبكات ومسئولة بالتالي عما ينشأ عنها من ضرر للغير عملاً بالمادة 178 من القانون المدني، غير أن الحكم المطعون فيه رفض هذا الدفاع وألزمه بالتعويض على أساس أنه يعتبر حارساً للسلك الكهربائي الذي أحدث الضرر ومسئول مسئولية مقترضة عن جبر هذا الضرر، واستدل الحكم على قيام هذه الحراسة من كون الطاعن مالكاً للشبكة الكهربائية ومما أدلى به.... في محضر العوارض من أنه رفع السلك بعد سقوطه ويقوم بإصلاحه وأنه يعمل بمحطة الإنارة التابعة للطاعن، مع أن هذا العامل ليس تابعاً للطاعن وإنما هو تابع للمؤسسة المصرية العامة للكهرباء نفاذاً لقرار محافظ البحيرة رقم 746 لسنة 1970، كما أن حراسة الشيء لا ترتبط حتماً بملكيته بل تنعقد لصاحب السيطرة الفعلية عليه بغض النظر عن كونه مالكاً، وهو ما يعيب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك أن النص في المادة 178 من القانون المدني على أن "كل من تولى حراسة أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة آلات ميكانيكية يكون مسئولاً عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر، ما لم يثبت أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه"، يدل على أن الحارس الذي يفترض الخطأ في جانبه هو ذلك الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي تكون له السلطة الفعلية على الشيء قصداً واستغلالاً، ولما كان الثابت في الدعوى أن الشبكة الكهربائية داخل حوش عيسى مملوكة لمجلس المدينة - الطاعن - وهو الذي يسيطر عليها سيطرة فعلية ويتولى استعمالها واستغلالها لحساب نفسه، وكان قيام المؤسسة المصرية العامة للكهرباء طبقاً للمادتين الأولى والثانية من القرار الجمهوري رقم 2094 لسنة 1969 بتوريد الطاقة الكهربائية لمجلس المدينة وصيانة تشغيل الشبكة الكهربائية داخل هذا المجلس مقابل جعل مادي تتقاضاه منه شهرياً، ليس من شأنه أن يخرج تلك الشبكة الكهربائية من السلطة الفعلية للمجلس، فإن هذا المجلس يكون هو الحارس لها وبالتالي مسئولاً عن الضرر الذي تحدثه مسئولية أساسها خطأ مفترض طبقاً لنص المادة 178 سالفة الذكر ولا تنتفي عنه هذه المسئولية إلا إذا أثبت أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي لا يد له فيه، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ولا يؤثر في ذلك ما قرره بشأن علاقة التبعية بين الطاعن...... لأنه تزيد يستقيم الحكم بدونه.
وحيث إن الطاعن ينعى بالسبب الثاني على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب وفي بيان ذلك يقول، إنه تمسك في دفاعه أمام محكمة الموضوع بأن المطعون عليه عن نفسه وبصفته لم يصبه ضرر مادي نتيجة وفاة زوجته لأنها لم تكن تعوله شخصياً ولا تجب له عليها نفقة، كما أنه لم يثبت أنها كانت تعول أولاده القصر المشمولين بولايته على نحو مستمر دائم، غير أن الحكم المطعون فيه أغفل الرد على هذا الدفاع وقضى للمطعون عليه عن نفسه وبصفته عن الضرر المادي وهو ما يعيبه بالقصور في التسبيب.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أنه يشترط في التعويض عن الضرر المادي الإخلال بمصلحة مالية للمضرور، وأن يكون الضرر محققاً بأن يكون وقع بالفعل أو يكون وقوعه في المستقبل فإن أصاب الضرر شخصاً بالتبعية عن طريق ضرر أصاب آخر فلا بد أن يتوفر لهذا الأخير حق أو مصلحة مالية مشروعة ترتب على الإخلال بها ضرر أصابه، والعبرة في تحقق الضرر المادي الذي يدعيه نتيجة وفاة آخر هي ثبوت أن المتوفى كان يعوله وقت وفاته على نحو مستمر ودائم وأن فرصة الاستمرار على ذلك كانت محققة وعندئذ يقدر القاضي ما ضاع على المضرور من فرصة بفقد عائله ويقضي له بالتعويض على هذا الأساس، أما احتمال وقوع الضرر في المستقبل فلا يكفي للحكم بالتعويض، لما كان ذلك وكان الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بدفاعه الوارد بسبب النعي فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل الرد على هذا الدفاع وقضى للمطعون عليه عن نفسه وبصفته بالتعويض عن الضرر المادي ولم يوضح سنده في ذلك فإنه يكون معيباً بالقصور في التسبيب، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بالتعويض عن الأضرار الأدبية والمادية جملة دون تحديد لقيمة كل منهما فإنه يتعين نقضه في هذا الخصوص.