قضية رقم 21 لسنة 30 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث عشر منديسمبر سنـة 2014م، الموافـق الحادى والعشرين من صفر سنة 1436 هـ .
برئاسة السيد المستشار/ عدلى محمود منصور رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين/ أنور رشاد العاصى والدكتور حنفى على جبالى والسيد عبد المنعــــــم حشيش وسعيد مرعى عمـــــــــرو وبولس فهمى اسكندر والدكتور
حمدان حسن فهمى نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار/ محمود محمد غنيم رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى القضية المقيدة بجـدول المحكمـة الدستورية العليـا برقـم 21 لسنة 30 قضائية " دستورية " .
المقامة من
السيد / حسن عباس حلمى
بصفته رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات فاركو للأدويةبالإسكندرية وهى :
1 - الشركة الإسلامية للأدوية والكيماويات والمستلزماتالطبية
2 - شركة العامرية للصناعات الدوائية
3 - الشركة الأوروبية المصرية للصناعات الدوائية
4 - شركة آر بى شيرر مصر للكبسولات الجيلاتينية
5 - شركة تكنوفارما إيجيبت للأدوية
ضــــد
1 - السيد رئيس الجمهورية
2 ـ السيد رئيس مجلس الوزراء
3 ـ السيد وزير القوى العاملة والهجرة
4 ـ السيد وكيل وزارة القوى العاملة بالإسكندرية
الإجــراءات
بتاريخالسابع عشر من يناير سنة 2008، أودع المدعى بصفته صحيفة هذه الدعوى قلم كتابالمحكمة، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص المادة (223) من قانون العمل الصادربالقانون رقم 12 لسنة 2003، وكذا نص المادة السابعة من قرار وزير القوى العاملةوالهجرة رقم 216 لسنة 2003 بشأن اللائحة المالية والإدارية لصندوق الخدماتالاجتماعية والصحية والثقافية .
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة طلبت فى ختامها الحكمبرفض الدعوى.
وبعدتحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها .
ونُظرتالدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسةاليوم .
المحكمــة
بعدالاطلاع على الأوراق ، والمداولة .
حيث إنالوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل فى أن المدعى بصفتهكان قد أقام الدعوى رقم 3481 لسنة 2005 مدنى أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية ضدالمدعى عليهما الثالث والرابع، طالبًا الحكم ببراءة ذمة مجموعة الشركات التىيمثلها من سداد المبالغ المطالب بها استنادًا إلى نص الفقرتين الأولى والثانية منالمادة (223) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، والمادة السابعةمن قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 216 لسنة 2003، والتى تلزم كل منشأة يبلغعدد عمالها عشرين عاملاً فأكثر بدفع مبلغ لا يقل عن خمسة جنيهات سنويًّا عن كلعامل لتمويل صندوق الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية المنشأ على المستوىالقومى، وبجلسة 28/6/2006 قضت تلك المحكمة بعدم اختصاصها محليًّا بنظر الدعوى،وأحالتها إلى محكمة شمال القاهرة الابتدائية حيث قيدت بجدولها برقم 2955 لسنة2006مدنى، وأثناء نظر الدعوى دفع المدعى بعدم دستورية نص المادة (223) من قانونالعمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003، ونص المادة السابعة من قرار وزير القوىالعاملة والهجرة رقم 216 لسنة 2003 وبعد تقدير المحكمة لجدية دفعه والتصريح لهبإقامة دعواه الدستورية، أقام الدعوى الماثلة .
وحيث إنالمادة (223) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 تنص على أن "ينشأ بالوزارة المختصة صندوق للخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية على المستوىالقومى .
وتلتزمكل منشأة يبلغ عدد عمالها عشرين عاملاً فأكثر بدفع مبلغ لا يقل عن خمسة جنيهاتسنويًّا عن كل عامل لتمويل هذا الصندوق .
ويصدرالوزير المختص قرارًا بتحديد الخدمات المشار إليها والمبلغ الذى تلتزم كل منشأةبأدائه بما لا يقل عن الحد الأدنى المذكور، وذلك كله بالاتفاق مع الاتحاد العاملنقابات عمال مصر ومنظمات أصحاب الأعمال .
كمايصدر الوزير المختص قرارًا بتشكيل مجلس إدارة الصندوق مراعيًا فى هذا التشكيلالتمثيل الثلاثى وبناء على ترشيح كل جهة لمن يمثلها .
كمايصدر الوزير المختص قرارًا باللائحة المالية والإدارية للصندوق متضمنة على وجهالخصوص كيفية التصرف فى حصيلة المبالغ المشار إليها، والإجراءات الخاصة بذلك" .
وتنصالمادة الثانية من قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 216 لسنة 2003 بشأناللائحة المالية والإدارية لصندوق الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية على أن" تتكون موارد الصندوق من :
1 - ما يقررهمجلس إدارة الصندوق من اشتراك عن كل عامل من العاملين بالمنشآت الخاضعة لأحكام هذاالقانون والتى يعمل بها عشرون عاملاً فأكثر، وذلك بحد أدنى ثمانية جنيهات سنويًّا.
2 - ...............................
3 - ............................." .
كما تنصالمادة السابعة من القرار ذاته على أن " تسدد المنشآت الخاضعة لأحكام البابالرابع من الكتاب الخامس من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 ماتلتزم به من مبالغ وفقًا لما هو منصوص عليه بالبند (1) من المادة الثانية من هذاالقرار بموجب شيكات باسم صندوق الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية لأمين عامالصندوق، وذلك على دفعات ربع سنوية فى نهاية كل ثلاثة أشهر من كل عام مرفقًا بهنموذج يوضح عدد العمال بالمنشأة " .
وحيث إنقضاء هذه المحكمة قد جرى على أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يتغيا أن تفصلالمحكمة الدستورية العليا فى الخصومة الدستورية من جوانبها العملية وليس منمعطياتها النظرية، وهو كذلك يقيد تدخلها فى هذه الخصومة فلا تفصل فى غير المسائلالدستورية التى يؤثر الحكم فيها على النزاع الموضوعى، ومن ثم يتحدد مفهوم هذاالشرط باجتماع عنصرين : أولهما : أن يقيم المدعى الدليل على أن ضررًا واقعيًا –اقتصاديًا أو غيره – قد لحق به، ويتعين دومًا أن يكون الضرر المدعى به مباشرًا،منفصلاً عن مجرد مخالفة النص المطعون فيه للدستور، مستقلاً بالعناصر التى يقومعليها، ممكنًا تصوره، ومواجهته بالترضية القضائية تسوية لآثاره . ثانيهما : أنيكون هذا الضرر عائدًا إلى النص المطعون فيه، وليس ضررًا متوهمًا أو منتحلاً أومجهلاً، فإذا لم يكن هذا النص قد طبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور، أو كانمن غير المخاطبين بأحكامه، ِأو كان الإخلال بالحقوق التى يدعيها لا يعود إليه، دلذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك أن إبطال النص التشريعى فى هذهالصور جميعها لن يحقق للمدعى أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانونى بعدالفصل فى الدعوى الدستورية عما كان عليه قبلها .
لما كانما تقدم، وكان المدعى يبتغى بدعواه الموضوعية إبراء ذمته من أداء الفريضة الماليةالمقررة بمقتضى الفقرتين الثانية والثالثة من المادة (223) من قانون العمل الصادربالقانون رقم 12 لسنة 2003، وما قررته المادة السابعة من قرار وزير القوى العاملةوالهجرة رقم 216 لسنة 2003 من إلزام المنشآت الخاضعة لأحكام الباب الرابع منالكتاب الخامس من قانون العمل من سداد المبالغ المنصوص عليها بالبند (1) من المادةالثانية من القرار ذاته، فإن مصلحة المدعى تتحقق بالفصل فى دستورية نص الفقرتينالثانية والثالثة من المادة (223) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة2003، وكذا نص البند (1) من المادة الثانية والمادة السابعة من قرار وزير القوىالعاملة والهجرة رقم 216 لسنة 2003 بشأن اللائحة المالية والإدارية لصندوق الخدماتالاجتماعية والصحية والثقافية .
وحيث إنمن المقرر – فى قضاء هذه المحكمة – أن الرقابة الدستورية على القوانين من حيثمطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، تخضع لأحكام الدستور القائم دونغيره، إذ إن هذه الرقابة تستهدف أصلاً صون الدستور القائم وحمايته من الخروج علىأحكامه، باعتبار أن نصوص هذا الدستور تمثل القواعد والأصول التى يقوم عليها نظامالحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتهاوإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة .
وحيثإنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليهامن خلال أحكام الدستور المعدَّل الصادر فى سنة 2014 .
وحيث إنالمدعى ينعى على النصوص المطعون عليها إخلالها بالعدالة الاجتماعية والمساواة، ذلكأن إلزام المنشآت الخاضعة لأحكام الباب الرابع من الكتاب الخامس من قانون العملالصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 بتحمل هذه الفريضة المالية بالنسبة للخدماتالصحية يؤدى إلى زيادة أعبائها المالية دون مبرر مشروع إذ أنها تلتزم بسداداشتراكات التأمين الصحى على عمالها وفقًا لأحكام قانون التأمين الاجتماعى الصادربالقانون رقم 79 لسنة 1975، كما أنها تلتزم وفقًا لأحكام قانون العمل ذاته بتقديمالخدمات الاجتماعية والثقافية للعاملين بالمؤسسات الخاصة التى يزيد عدد العاملينبها على خمسين عاملاً، فضلاً عن أن تحميل المنشآت الخاصة التى يبلغ عدد عمالهاعشرين عاملاً فأكثر بهذه الفريضة دون غيرها من المنشآت الخاصة والحكومية رغم أنالخدمات الصحية والاجتماعية والثقافية يقدمها الصندوق على المستوى القومى، من شأنهالإخلال بقاعدتى العدالة الاجتماعية والمساواة، الأمر الذى يشكل مخالفة لأحكامالمواد (4) و(7) و(40) من دستور 1971، التى تقابل المواد (4) و(8) و(18) و(27)و(53) من الدستور القائم .
وحيث إنمن المقرر فى قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الدستور وإن قرن العدل بكثير منالنصوص التى تضمنها، وخلا فى الوقت ذاته من كل تحديد لمعناه، إلا أن مفهوم العدل –سواء بمبناه أو أبعاده - يتعين أن يكون محددًا من منظور اجتماعى، باعتبــــار أنالعـــــدل يتغيا التعبير عن تلك القيم الاجتماعية التى لا تنفصل عن الجماعة فىحركتها عنها، والتى تبلور مقاييسها فى شأن ما يعتبر حقًا لديها، فلا يكون العدلمفهومًا مطلقًا باطراد، بل مرنًا ومتغيرًا وفقًا لمعايير الضمير الاجتماعىومستوياتها، وهو بذلك لا يعدو أن يكون نهجًا متواصلاً منبسطًا على أشكال من الحياةتتعدد ألوانها، وازنًا بالقسط تلك الأعباء التى يفرضها المشرع على المواطنين، فلاتكون وطأتها على بعضهم عدوانًا، بل تطبيقها فيما بينهم إنصافًا، وإلا كان القانونمنهيًا للتوافق فى مجال تنفيذه، وغدا إلغاؤه لازمًا .
وحيث إنمن المقرر أن الإخلال بالمساواة أمام القانون يتحقق بأى عمل يهدر الحمايةالقانونية المتكافئة تتخذه الدولة سواء من خلال سلطتها التشريعية أو عن طريقسلطتها التنفيذية، بما مؤداه أن أيًّا من هاتين السلطتين لا يجوز أن تفرض تغايرًافى المعاملة ما لم يكن مبررًا بفروق منطقية يمكن ربطها عقلاً بالأغراض التىيتوخاها العمل التشريعى الصادر عنها، وليس بصحيح أن كل تقسيم تشريعى يعتبر تصنيفًامنافيًا لمبدأ المساواة، بل يتعين دومًا أن ينظر إلى النصوص القانونية باعتبارهاوسائل حددها المشرع لتحقيق أغراض يبتغيها، فلا يستقيم إعمال مبدأ المساواة أمامالقانون إلا على ضوء مشروعيتها، واتصال هذه الوسائل منطقيًا بها، ولا يتصوربالتالى أن يكون تقييم التقسيم التشريعى منفصلاً عن الأغراض التى يتغياها المشرع،بل يرتبط جواز هذا التقسيم بالقيود التى يفرضها الدستور على هذه الأغراض، وبوجودحد أدنى من التوافق بينها وبين طرائق تحقيقها، ويستحيل بالتالى أن يكون التقديرالموضوعى لمعقولية التقسيم التشريعى منفصلاً كليًّا عن الأغراض النهائية للتشريع .
متى كانما تقدم، وكان المشرع قد توخى بالنصوص المطعون عليها، تدبير موارد لصندوق الخدماتالاجتماعية والصحية والثقافية المنشأ على المستوى القومى، من خلال الاشتراكاتالمؤداة من قبل المنشآت الخاضعة لأحكام الباب الرابع من الكتاب الخامس من قانونالعمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 ليضطلع هذا الصندوق بالمهام الموكلة إليهعلى المستوى القومى، وقضى بأن يكون تمويل هذا الصندوق باشتراكات تؤديها المنشآتالتى يزيد عدد العاملين بها على عشرين عاملاً، معفيًا بذلك المنشآت الأخرى التىيقل عدد العاملين بها عن هذا القدر تقديرًا منه أن هذه الأخيرة ليس لديها المقدرةالتكليفية اللازمة لتحمل هذه الاشتراكات، وكان هذا التنظيم يندرج فى إطار السلطةالتقديرية للمشرع الذى أقام تقديراته على أسس موضوعية راعت فى الأساس التكافلالاجتماعى فى مغزاه الحقيقى، وكانت قيمة هذا الاشتراك – فى حده الأدنى – بواقعخمسة جنيهات عن كل عامل سنويًا، قد جاءت فى حدودها المعقولة دون شطط فى تقديرها،ومن ثم فلا مخالفة فى هذا التنظيم لمبدأى التكافل الاجتماعى والمساواة المنصوصعليهما فى المادتين (8) و(53) من الدستور .
وحيثإنه لا وجه للقول بأن ثمة تعارضًا بين الالتزامات المقررة فى قانون التأمينالاجتماعى والالتزامات المقررة فى قانون العمل، إذ تهدف الأولى إلى تغطية المخاطرالتأمينية ومنها خدمات الرعاية الصحية، بينما تهدف النصوص الطعينة إلى كفالةالخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية لجميع العاملين الخاضعين لأحكام قانون العمل– أيًّا كان عدد العمال بالمنشأة التى يعملون بها – والتى تختلف فى طبيعتها ومداهاعما ورد بقانون التأمين الاجتماعى، كما أن الخدمات الصحية ذاتها والتى يقدمهاصندوق الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية تفارق قدر الخدمات التى يقدمها قانونالتأمين الاجتماعى، فدائرة كل منهما تختلف عن الأخرى، غير أن ذلك لا يحول دون أنتكمل إحداهما الأخرى، وهو ما يسهم بدوره فى كفالة تلك الخدمات التى تلتزم بهاالدولة وفقًا للالتزام الملقى على عاتقها بمقتضى المادة (16) من دستور 1971المقابلة لنص المادتين (17) و(18) من الدستور القائم، وذلك تدعيمًا للقيم الخلقيةوالاجتماعية التى يقتضيها مبدأ التضامن الاجتماعى المنصوص عليها بالمادة (7) مندستور 1971 المقابلة لنص المادة (8) من الدستور الحالى .
وحيث إنمن المقرر فى قضاء هذه المحكمة – أن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصًا مابتنظيم شئ مما يمس الحقوق التى كفلها الدستور، وأن هذا التنظيم يتعين أن تتولاهالسلطة التشريعية بما تصدره من قوانين، كما أنه إذا ما أسند الدستور تنظيم حق منالحقوق إلى السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تتسلب من اختصاصها، وتحيل الأمربرمته إلى السلطة التنفيذية دون أن تقيدها فى ذلك بضوابط عامة وأسس رئيسية تلتزمبالعمل فى إطارها، فإذا ما خرج المشرع عن ذلك وناط بالسلطة التنفيذية، تنظيم الحقمن أساسه، كان متخليًا عن اختصاصه الأصيل المقرر بالمادة (86) من دستور 1971،المقابلة لنص المادة (101) من الدستور القائم، ساقطًا بالتالى فى حمأة المخالفةالدستورية، لما كان ذلك وكان المشرع قد توخى بنص المادة (223) من قانون العمل المطعونعليها، تحقيق نظام تكافلى إلزامى ترنو الدولة به – من خلال مساهمات أرباب الأعمال– لتغطية موارد صندوق الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية الذى أنشأه المشرع علىالمستوى القومى لكفالة تلك الخدمات لعمال المنشآت المخاطبين بأحكام الباب الرابعمن الكتاب الخامس من قانون العمل، ومن ثم كان لزامًا على المشرع أن يرسم حدود هذاالتنظيم، فى ضوء تدخل الدولة لتلبية وتحقيق تلك الخدمات التى يقدمها الصندوق، وألايكون تدخله قاصرًا على تحديد الحد الأدنى للاشتراك عن كل عامل .
متى كانما تقدم، وكان نص الفقرة الثالثة من المادة (223) المطعون عليها قد خلا من تحديدالحد الأقصى للاشتراك السنوى التى تلزم المنشأة بسداده عن كل عامل لتمويل صندوقالخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية المنشأ على المستوى القومى، كما ناطت الفقرةذاتها بوزير القوى العاملة والهجرة إصدار قرار لتحديد أنواع الخدمات التى يقدمهاالصندوق متسلبًا بذلك من اختصاصه الأصيل ببيان هذه الخدمات تفصيلاً، كما خلتالفقرة الخامسة من المادة ذاتها من تنظيم كيفية التصرف فى الموارد المالية لهذاالصندوق تاركًا هذا الاختصاص لوزير القوى العاملة متخليًا عن اختصاصه الأصيل فىهذا الشأن، ومن ثم فإنه يكون قد وقع فى حمأة المخالفة لنص المادة (101) منالدستور، ويتعين من ثم القضاء بعدم دستورية الفقرتين الثالثة والخامسة من نصالمادة (223) المطعون عليها فيما لم تتضمنه أولاهما من وضع حد أقصى للاشتراكالسنوى التى تلتزم كل منشأة بسداده عن كل عامل، ومن تحديد لتعداد الخدمات التىيلزم بتقديمها الصندوق، وما لم تتضمنه ثانيتهما من بيان كيفية التصرف فى المواردالمالية لهذا الصندوق .
وحيث إنالبند (1) من المادة الثانية، والمادة السابعة من قرار وزير القوى العاملة والهجرةرقم 216 لسنة 2003 ترتبطان بنص الفقرة الثالثة من المادة (223) ذاتها، إذ تحددأولاهما الحد الأدنى للاشتراك الذى تلتزم المنشأة بسداده عن كل عامل، كما توضحثانيتهما كيفية سداد هذا الاشتراك بأن يكون على دفعات ربع سنوية فى نهاية كل ثلاثةأشهر، كما أن المادة الثانية من قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 217 لسنة2003 التى تعدد الخدمات الصحية والاجتماعية والثقافية التى يقوم على تقديمها ذلكالصندوق ترتبط بنص الفقرة الخامسة من المادة ذاتها، فإن القضاء بسقوط هذه النصوصيكون متعينًا .
وحيث إنالمادة (256) من قانون العمل ذاته ترتب جزاءً جنائيًا على كل من يخالف أيًّا منأحكام الكتاب الخامس من قانون العمل بشأن السلامة والصحة المهنية، الأمر الذىينعكس على الأحكام التى نظمتها الفقرتين الثالثة والخامسة من المادة (223) ذاتها،فإن القضاء بسقوط أحكامها فى مجال إعمال كل من الفقرتين المذكورتين يكون لازمًا .
وحيث إن مقتضى حكم المــادة (49) من قانون المحكمةالدستورية العليا – بعد تعديلها بالقانون رقم 168 لسنة 1998 – هو عدم تطبيق النص المقضى بعدم دستوريته علىالوقائع اللاحقة لليوم التالى لتاريخ نشر الحكم بذلك، وكذلك على الوقائع السابقةعلى هذا النشر، إلا إذا حدد الحكم الصادر بعدم الدستورية تاريخًا آخر لسريانه، لماكان ذلك وكان إعمال الأثر الرجعى للحكم بعدم دستورية نص الفقرتين الثالثة والخامسةمن المادة (223) من قانون العمل، رد المبالغ السابق تحصيلها من ذوى الشأن – فيمايجاوز الحد الأدنى – كاشتراك فى صندوق الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية، ومايؤدى إليه ذلك من تحميل الدولة بأعباء مالية فى ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التىتمر بها البلاد بعد ثورتى الخامس والعشرين من يناير سنة 2011، والثلاثين من يونيوسنة 2013، فإن المحكمة ترى إعمال الرخصة المخولة لها بمقتضى الفقرة الثالثة منالمادة (49) من قانونها، وتحدد اليوم التالى لنشر هذا الحكم تاريخًا لإنفاذ آثاره،دون إخلال باستفادة المدعى منه
فلهـــذه الأسبـــاب
حكمت المحكمة :
أولاً : برفض الدعوى بالنسبة للفقرة الثانية من المادة (223) من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 2003 .
ثانيًا : بعدم دستورية نص الفقرة الثالثة من المادة (223) ذاتها فيما لم يتضمنه من وضع حد أقصى للاشتراكالسنوى الذى تلتزم المنشأة بسداده عن كل عامل، ومن تحديد لتعداد الخدمات التىيقدمها صندوق الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية على المستوى القومى .
ثالثًا : بعدم دستورية نص الفقرة الخامسة من المادة (223) ذاتها فيما لم يتضمنه من بيان كيفية التصرف فى الموارد المالية لهذا الصندوق .
رابعًا : بسقوط البند رقم (1) من المادة الثانية ، والمادة السابعة من قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 216 لسنة 2003، وبسقوط المادة الثانية من قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم217 لسنة 2003 .
خامسًا : بسقوط نص المادة (256) من قانون العمل المشار إليه فى مجال إعماله بالنسبة للفقرتين الثالثة والخامسة من المادة (223) من القانون ذاته .
سادسًا : تحديد اليوم التالى لنشر هذا الحكم تاريخًا لإنفاذ آثاره دون إخلال باستفادة المدعى منه .
سابعًا : بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة