عودة إلى صفحة : اَلْأَعْمَال اَلتَّحْضِيرِيَّةِ لِلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ
الرضـاء (1)
المذكرة
الإيضاحية :
أولا وجود الرضاء : (نظرة عامة) : (2)
1 – التعبير عن الإرادة : ترتكز نظرية العمل القانوني في المشروع على
الإرادة الظاهرة أي على التعبير عن الإرادة لا على الإرادة الباطنة كما هو الشأن
في التقنين الحالي . فالعقد لا يتم بمجرد توافق الإرادتين ولكن عند تبادل التعبير
عن إرادتين متطابقتين (المادة 91) . على أن التعبير عن الإرادة قد يكون ضمنياً
(المادة 92) وهو على أية حال لا يشترط فيه شكل خاص ما لم يقرر القانون أوضاعاً
معينة لانعقاد العقد ( المادة 91) .
ومن نتائج الأخذ بهذه النزعة المادية الجديدة أن يكون للتعبير اثره حتى بعد
موت من صدر منه التعبير أو فقده الأهلية (المادة 94) ولا ينتج هذا الأثر إلا إذا
وصل التعبير إلى علم من وجه إليه ( المادة 92) ، وفي هذا كله ما يجعل للمعاملات
نصيباً أوفر من الاستقرار .
2 – الإيجاب والقبول : يتم العقد بالإيجاب والقبول ولابد أن يكونا متطابقين
(المادة 98) على أنه في حالة الاتفاق على المسائل الجوهرية فإن العقد يتم ويتولى
القاضي أمر البت في المسائل التفصيلية التي أرجئ الاتفاق عليها . وهذا من شأنه أن يوسع
من سلطة القاضي ، فلا تكون مهمته مقصورة على تفسير إرادة المتعاقدين بل هو قد
يستكمل ما نقص منها (المادة 157) .
ثم إن المشروع قد جعل الإيجاب ملزما للموجب ، فلا يجوز العدول عنه إلا
استثناء ، كما إذا كان خيار العدول مستفاداً من عبارة الإيجاب أو من طبيعة التعامل
أو من ظروف الحال . وقد اتبع المشروع هذا المذهب لأنه ادعى إلى استقرار الروابط
القانونية ولم ير متابعة القضاء المصري في مسايرة المذهب التقليدي . ومع ذلك فقد
اقتبس المشروع عن الشريعة الإسلامية نظرية " مجلس العقد" وجعل للموجب أن
يتحلل من إيجابه إذا كان الإيجاب صادراً لحاضر ولم يصدر من هذا الحاضر قبول قبل أن
ينفض مجلس العقد (المادة 96) . أما فيما بين الغائبين ، فقد اختار المشروع مذهب
" العلم بالقبول" ولم يجعل من وصول القبول سوى قرينة بسيطة على حصول
العلم به . ومذهب العلم هو الذي يستقيم دون غيره مع المبدأ القاضي بأن التعبير عن
الإرادة لا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى من وجه إليه على نحو يتوفر معه إمكان العلم
بمضمونه .
أما القبول فقد عرض المشروع لبعض صوره ، فاعتبر السكوت قبولاً في بعض
الفروض وجعل لهذه الفروض ضابطاً مرناً ينطبق على الحالات التي ذكرها وعلى غيرها
(المادة 100) وعلق القبول في العقد الذي يتم من طريق المزايدة على رسو المزاد أو
على إقفال المزاد دون أن يرسو على احد (المادة
101) وهو بذلك يحسم خلافا طال عهد الفقه به . وأخيراً عرض المشروع لعقد الإذعان
حيث يكون القبول مقصورا على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل
مناقشة فيها (المادة 102) وبهذا النص يكون المشروع قد اعتبر تسليم العاقد ضرباً من
ضروب القبول ، ومع ذلك فقد وضع المشروع قاعدة خاصة لتفسير هذه العقود افرد لها
نصاً خاصاً روعي فيه ما هو ملحوظ في إذعان العاقد من معنى التسليم (المادة 153).
3 – حالات خاصة في إبرام العقود : وضع المشروع أحكاماً للوعد بالتعاقد
وجعله صحيحاً متى تعينت المسائل الأساسية في التعاقد والمدة التي يتم فيها (المادة
103) وللقاضي أن يصدر حكماً يقوم مقام العقد الموعود به عند عدم الوفاء بالوعد
(المادة 104) . وإذا كان هناك عربون قد دفع عند إبرام العقد فانه لا يكون لاحد
الطرفين أن يستقل بنقض العقد إلا إذا اتفق صراحة على أن يكون له خيار العدول فلا
يعتبر العربون إذن قرينة على ثبوت الخيار ، والمشروع قد جارى في هذا أحكام المحاكم
المصرية (المادتان 105 و 106).
4 – نظرية
النيابة : رسم المشروع القواعد الأساسية لنظرية عامة في النيابة في التعاقد لا
نظير لها في التقنينات الراهنة . وقد رؤي الاكتفاء في هذا الشأن بإيراد نصوص يتسع
عمومها لضروب النيابة جميعاً ، اتفاقية كانت أو قانونية . أما القواعد الخاصة
بالنيابة الاتفاقية وحدها ، فقد وردت بصدد عقد الوكالة . وقد اختص المشروع هذا
العقد بطائفة من القواعد لها دون شك منزلتها من النظرية العامة في النيابة ، ولكنه
اثر أن يجمعها في صعيد واحد ، تجنباً للتكرار . وعلى ذلك ، اقتصر الأمر في الأحكام
العامة : على (3)
التفرقة بين النيابة الاتفاقية والقانونية وبيان آثار النيابة على وجه
الإجمال . وإيراد القاعدة الخاصة بتعاقد الشخص مع نفسه . ويكمل هذه الأحكام ما ورد
في عقد الوكالة من نصوص .
ويراعى أن الأحكام التي تضمنها المشروع في شأن النيابة ، تعتبر مثالا فريدا
لما يمكن استخلاصه من مقارنة الشرائع . فقد أتيح إحكام التوفيق بين المذهب
اللاتيني والمذهب الجرماني ، رغم اقتباس نصوص مختلفة من تقنينات كل من المذهبين .
بل ولم تعن الحاجة إلى تهذيب هذه النصوص تهذيباً قد يقتضيه اختلاف المصادر في بعض
الأحيان .
على أن المشروع لم يوفق إلى بلوغ هذه الغاية ـ من طريق العناية باختيار
النصوص التي نقلها ، بقدر ما تيسر له ذلك من طريق استبعاد النصوص التي رؤي الإعراض
عنها . وعلى هذا النحو تم التناسق بين أحكام متباينة المصادر بصورة تكاد تخفى معها
حقيقة هذا التباين .