جلسة الأول من إبريل سنة 1993
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية كل من: الدائرة الأولى - محمد معروف محمد، محمد عبد الغني حسن، الدائرة الثانية - محمد محمود الدكروري، محمد مجدي خليل، الدائرة الثالثة - عبد اللطيف الخطيب، علي شحاتة، علي رضا، أحمد عبد العزيز تاج الدين، الدائرة الرابعة - حنا ناشد مينا، رأفت يوسف - نواب رئيس مجلس الدولة.
----------------
(1)
الطعن رقم 3411 لسنة 31 القضائية
براءات اختراع
- اختصاص إدارة براءات الاختراع - الالتزام بالفحص.
المادتان 18 و20 من القانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية المعدل بالقانون رقم 650 لسنة 1955.
إجراءات الطعن
بتاريخ 3 من أغسطس سنة 1985 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوچيا قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3411 لسنة 31 القضائية عليا ضد سهير ميخائيل شلبي في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 4/ 6/ 1985 في الدعوى رقم 4474 لسنة 36 القضائية والذي قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً وبقبولها وإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى وإلزام المطعون ضدها المصروفات.
وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) وعينت لنظره أمامها جلسة 14/ 10/ 1989 وتداولت الدائرة نظره بجلسات المرافعة واستمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على النحو المبين بمحاضر الجلسات وبجلسة 23/ 12/ 1989 قررت إحالته إلى الدائرة الخاصة المشكلة طبقاً للمادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 حيث نظرته بجلسة 14/ 2/ 1990 وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه لأسبابه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض الدعوى وإلزام المطعون ضدها المصروفات.
وقد تداولت المحكمة نظر الطعن على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبعد أن استمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من ملاحظات ذوي الشأن على النحو المبين بمحاضر الجلسات قررت إصدار الحكم بجلسة 1/ 4/ 1993 وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن حالة هذا الطعن قد استوفت الأوضاع الشكلية المقررة لنظره أمام هذه الدائرة.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - حسبما يبين من أوراقها - تتحصل في أنه بتاريخ 8 من يوليه سنة 1982 أقامت السيدة/ سهير ميخائيل رزق الدعوى رقم 4474 لسنة 36 ق أمام محكمة القضاء الإداري ضد رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوﭽيا بصحيفة أودعتها قلم كتاب المحكمة طلبت في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء قرار إدارة براءات الاختراع برفض منح براءة اختراع عن الطلب رقم 334 لسنة 1978 مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وقالت شرحاً لدعواها إنها أودعت بتاريخ 24 من مايو سنة 1978 الطلب رقم 334 لسنة 1978 باسم السيد/ كلود باريل الفرنسي الجنسية لدى إدارة براءات الاختراع بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوچيا للحصول على براءة اختراع عن (هياكل قطع أثاث) طبقاً لأحكام القانون رقم 132 لسنة 1949 الخاص ببراءات الاختراع وبتاريخ 17 من إبريل سنة 1982 أخطرتها جهة الإدارة برفض طلبها بمقولة إن الاختراع الذي تقدمت به لا يرقى إلى مستوى الابتكارية إذ يوجد في الحدائق والنوادي من مدة طويلة وما هو إلا نموذج صناعي فبادرت بالتظلم من هذا القرار بتاريخ 25 من مايو سنة 1982 إلا أنها لم تتلق رداً على تظلمها فأقامت الدعوى بالطلبات السابقة مستندة إلى أسباب محصلها أن الاختراع تتوافر فيه كافة الشروط التي تطلبها القانون لتسجيله والحصول على براءة عنه سواء من ناحية توفر "الابتكار" أم من ناحية تحقق شرطي "الجدة، والقابلية للاستغلال" الصناعي فهو يتعلق بهياكل وتراكيب قطع الأثاث الخاصة بالأماكن المفتوحة ويتحقق ركن الابتكار فيه في كيفية تجميع أجزاء أنبوبية لمادة خاصة بلاستيكية حرارية بحيث يكون الاتصال بين المكونات بواسطة جزء لعضو معين على شكل انحناء مسطح ويمر خلالها بواسطة عضو أنبوبي ثانٍ ويمسك بالعضو الثاني بطريقة مرنة وعندما يتم تجميع الأجزاء الأنبوبية فإنه يتم إحكامها - إما بواسطة تثبيت الانحناءات السابق ذكرها بواسطة لصقها بالأنابيب التي تمر خلالها، وأن هدف الاختراع هو التغلب على هذه المصاعب بواسطة إنتاج هياكل أثاث يمكن فيها تجميع الأجزاء الأنبوبية بطريقة محكمة وفكها بطريقة سهلة وأنه يتوافر للاختراع ركن الجدية لأنه لم يعلن عنه من قبل تقديم طلب البراءة، كما تتوافر له شروط القابلية للاستغلال الصناعي إذ أنه سهل التصنيع والتنفيذ وأن التشريع المصري لم يأخذ بنظام الفحص السابق للاختراع المطلوب تسجيله للتحقق من توافر شروط الابتكار والجدة والقابلية للاستغلال الصناعي ولكنه أخذ بنظام الإبداع المقيد بشروط خاصة مع فتح باب المعارضة للغير وبالتالي فليس من سلطة الإدارة البحث في موضوع الاختراع ذاته، وليس من اختصاصها أن تقرر ما إذا كان الاختراع يتضمن أو لا يتضمن العناصر التي يتطلبها القانون لاعتباره ابتكاراً، إذ أن مناقشة ذلك لا يكون إلا عند حصول اعتراض من الغير أمام لجنة الاعتراضات أو أمام القضاء، وإنما يقتصر دورها على التأكد من استيفاء الإجراءات الشكلية في الطلب ولذلك فإنه لا يحق لها أن تدعي عن حق أو عن باطل أن الاختراع لا يرقى إلى مستوى الابتكارية.
وبجلسة رقم 4 من يونيه سنة 1985 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها الطعين على أسباب محصلها أن المشروع لم يأخذ فيما يتعلق بمنح براءات الاختراع بنظام "الفحص السابق" ومن مظاهر ذلك أنه لم يلق على عاتق الإدارة واجب التثبت من أن طلب البراءة ينصب على ابتكار جديد من الناحية الموضوعية وإنما ناط بها فقط التحقق من توافر الشروط الإجرائية التي أوردتها المادة (18) من القانون رقم 132 لسنة 1949 الخاص ببراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية والتي تتعلق بوضوح الوصف والرسم للاختراع وتعيين موضوعه فإذا ما توافرت هذه الشروط مجتمعة تعين عليها طبقاً للمادة (20) من القانون أن تقوم بالإعلان عن الطلب بالطريقة التي حددتها اللائحة التنفيذية تمكيناً لذوي الشأن من المعارضة في إصدار البراءة، وبذلك لا يكون المشرع قد تطلب في إصدار البراءة أن يكون قد سبقها فحص للوقوف على مدى توافر الشروط الموضوعية في الاختراع وعليه فإن قبول الإدارة منح البراءة لا يؤخذ في حد ذاته حجة أو دليلاً على توافر شرطي الابتكار والجدة في الاختراع موضوع البراءة ومن ثم فإنه ما كان يجوز قانوناً لإدارة براءات الاختراع أن ترفض تسجيل طلب البراءة المقدم من المدعية استناداً إلى أنه لا يرقى إلى مستوى الابتكارية، مما يتعين معه القضاء بإلغاء القرار الضمني برفض تسجيل براءة الاختراع المقدم عنها الطلب رقم 334 لسنة 1978.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة لحكم الطعين القانون والخطأ في تطبيقه وتأويله، تأسيساً على أنه ولئن كان المشرع لم يأخذ بنظام الفحص السابق في منح براءات الاختراع إلا أنه يبقى للإدارة المختصة بفحص طلب البراءة أن تتحقق من أنه مقدم عن اختراع في حد ذاته، والتفرقة بينه وبين النماذج والرسوم الصناعية التي حواها القانون، والقول بغير ذلك يتنافى وقصد الشارع في الأخذ بنظام الإبداع المقيد بشروط والذي يوجب لمنح البراءة أن يكون ثمة ابتكار أو اختراع جديد، وقابل للاستغلال الصناعي، وأن يجيز القانون منح براءة عنه وإذ كان الثابت من ملف طلب البراءة رقم 334 لسنة 1978 وأن موضوع الاختراع عبارة عن هيكل أثاث (كرسي حدائق أو نوادي) ليس فيه ابتكارية، وغير جديد، وكل ما أتى به صاحبه هو "تعديل طريقة تثبيت هذه الهياكل" بحيث يمكن تجميعها وفكها بطريقة مرنة، فلا يعدو أن يكون مجرد تنقيح أو تعديل في نطاق الصناعة مما يخرج عن نطاق الاختراع، ويدخل في نطاق الرسوم والنماذج الصناعية، وأنه أياً كان النظام الذي انتهجه المشرع المصري، فلا يجوز أن تسلب الجهة الإدارية المختصة سلطة بحث مدى توافر الاشتراطات التي تطلبها القانون رقم 132 لسنة 1949 المعدل بالقانون رقم 650 لسنة 1955 بمقولة أنه لم يأخذ بنظام الفحص السابق، إذ لا يمكن أن يقتصر دور إدارة براءات الاختراع على منح براءة لكل من يتقدم لها بأي شيء يعتقد أنه اختراع وهو في الحقيقة غير ذلك وسلب أي اختصاص لها من الناحية الفنية أو حصره في عملية مادية هي مجرد التسجيل أو منح البراءة مما يؤدي إلى إفراغ الحماية القانونية من مضمونها وانهيار نظام براءات الاختراع.
ومن حيث إن مقطع النزاع في الطعن الماثل هو في تحديد مدى اختصاص الجهة الإدارية (إدارة براءات الاختراع) ببحث توافر شروط منح البراءة من عدمه، وما إذا كان هذا الاختصاص يقتصر على بحث توافر الشروط الشكلية التي نصت عليها المادة (15) من القانون رقم 132 لسنة 1949 الخاص ببراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية المعدل بالقانون رقم 650 لسنة 1955 ولائحته التنفيذية بحيث يتعين على الجهة الإدارية المختصة أن تمنح البراءة لطالبها إذا ما استبان لها توافر الشروط الشكلية المذكورة في طلبه وتغل يدها عن بحث توافر الشروط الموضوعية التي استلزمها نص المادة الأولى من القانون في الاختراع المطلوب عنه البراءة ألا وهي أن يكون الاختراع مبتكراً، جديداً، قابلاً للاستغلال الصناعي، وألا يحظر القانون منح براءة عنه وهو الاتجاه الذي اعتنقه قضاء الحكم المطعون عليه موافقاً في ذلك قضاء المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 3/ 4/ 1965 في الطعن رقم 1596 لسنة 7 ق عليا أم أن هذا الاختصاص يمتد فيشمل - فضلاً عن بحث توافر الشروط الشكلية لمنح البراءة - بحث توافر الشروط الموضوعية المنوه عنها.
ومن حيث إن المادة (1) من القانون رقم132 لسنة 1949 المشار إليه تنص على أن (تمنح براءة اختراع وفقاً لأحكام هذا القانون عن كل ابتكار جديد قابل للاستغلال الصناعي، سواء كان متعلقاً بمنتجات صناعية جديدة أم بطرق أو وسائل صناعية مستحدثة أم بتطبيق جديد لطرق أو وسائل صناعية معروفة).
وتنص المادة (18) من هذا القانون على أنه (تفحص إدارة براءات الاختراع طلب البراءة ومرفقاته للتحقق مما يأتي: -
1) أن الطلب مقدماً وفقاً لأحكام المادة 15 من هذا القانون.
2) أن الوصف والرسم يصوران الاختراع بكيفية تسمح لأرباب الصناعة بتنفيذه.
3) أن العناصر المبتكرة التي يطلب صاحب الشأن حمايتها واردة في الطلب بطريقة واضحة محددة.
تنص المادة (20) من ذات القانون على أنه (إذا توافرت في طلب البراءة الشروط المنصوص عليها في المادة (18) من هذا القانون قامت إدارة براءات الاختراع بالإعلان عن الطلب بالطريقة التي تحددها اللائحة التنفيذية.
ومن حيث إن مفاد نص المادتين (18)، (20) من القانون رقم 132 لسنة 1949 المشار إليه أن إدارة براءات الاختراع تختص بشكل قاطع بالتحقق من أمور ثلاثة (الأول) هو أن الطلب مقدم وفقاً لأحكام المادة (15) من القانون (الثاني) هو أن الوصف والرسم يصوران الاختراع بكيفية تسمح لأرباب الصناعة بتنفيذه (الثالث) هو أن العناصر المبتكرة التي يطلب صاحب الشأن حمايتها واردة في الطلب بطريقة محددة واضحة. والأمر الأول هو ما جرت الأحكام على تسميته بالشروط الشكلية وأجمعت على اختصاص إدارة براءات الاختراع بالتحقق من توافرها والأمر الثاني إذ يتعلق بصريح النص باختصاص تلك الإدارة بالتحقق من أن الوصف والرسم يصوران الاختراع بكيفية تسمح لأرباب الصناعة بتنفيذه، فلا ريب في أن هذا الاختصاص بالفحص إنما يشتمل - بداءة - بالضرورة وبحكم اللزوم التحقق من توافر شرط قابلية الاختراع للاستغلال الصناعي، وبدونه فإنه لا يمكن - بداهة - التحقق من أن الوصف والرسم يصوران الاختراع بكيفية تسمح لأرباب الصناعة تنفيذه إذ أنه لا يمكن التحقق من وضوح هذا التصوير في الوصف والرسم إذا لم يكن الاختراع قابلاً في ذاته للاستغلال الصناعي، ومقتضى ذلك ولازمه أن يندمج الأمران معاً ويضحى كلاهما من اختصاص إدارة براءات الاختراع - بصريح نص القانون - ذلك أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وما هو مقدمة أو سبب سابق وحتمي للنتيجة بحسب طبائع الأمور، أو مقتضيات التنظيم الوضعي، يكون وفقاً للمنطق حتماً واجباً ومحققاً وموجوداً بمجرد ثبوت وجود النتيجة ذاتها التي تترتب عليه - أما عن الأمر الثالث فهو يتعلق - بصريح النص - كذلك باختصاص تلك الإدارة بالتحقق من أن العناصر المبتكرة التي يطلب صاحب الشأن حمايتها واردة في الطلب بطريقة محددة واضحة فصريح النص يعهد بتلك الإدارة اختصاص التحقق من تحديد ووضوح العناصر المبتكرة التي يطلب صاحب الشأن حمايتها وهذا يفترض بالضرورة، أن يتناول هذا الاختصاص التحقق من أن تلك العناصر مبتكرة في ذاتها إذ لا معنى للتحقق من تحديد ووضوح عناصر ليست كذلك وإلا أضحى النص لغواً والمشرع منزه عن اللغو والعبث ولا ريب كذلك في اختصاص تلك الإدارة بالتحقق من توافر شرط الجدة في الاختراع الذي تطلبه القانون والتحقق من أن القانون لا يحظر منح براءة عن هذا الاختراع إذ لا يتصور في المنطق السليم في إطار المشروعية إلزام تلك الإدارة بمنح براءة عن اختراع فقد جدته أو يحظر القانون منح براءة عنه.
ومن حيث إن حاصل ما تقدم أن صريح نص المادة (18) المشار إليه ينيط صراحة بتلك الإدارة التحقق من توافر شرطي قابلية الاختراع للاستغلال الصناعي وابتكارية العناصر التي يطلب صاحب الشأن حمايتها وهما من الشروط الموضوعية لمنح البراءة كما حددها صريح نص المادة (1) من القانون رقم 132 لسنة 1949، وليس في المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور ما يناقض ذلك أو ينفيه بل إن ما ورد بها لا يدع مجالاً للشك في اتجاه إرادة المشرع إليه حيث ورد بها أن (هناك نظامان رئيسيان فيما يتعلق ببراءات الاختراع، أحدهما النظام الفرنسي وهو يقوم على منح البراءة بمجرد "الإيداع" دون فحص أو معارضته والثاني النظام الإنجليزي وهو يقوم على منح البراءة بعد الفحص الدقيق للتحقق من توافر العناصر الموضوعية التي يستلزمها القانون في الاختراع من فتح باب المعارضة، وإذا كان من غير الملائم أن تأخذ مصر وهي في إبان نهضتها الصناعية بالنظام الفرنسي الذي بدأت الدول تعدل عنه كما أنه ليس من الميسور عملاً أن تبدأ بالأخذ بالنظام الإنجليزي وإذ كان ذلك كذلك فقد رؤى اتباع طريق وسط ولهذا أثر المشرع أن يأخذ بنظام "الإيداع المقيد" بشروط خاصة ولكنه زاد عليها ففتح باب المعارضة للغير، كما هو الشأن في قوانين المجر ويوغسلافيا وجنوب أفريقيا وبذلك يمكن تحقيق بعض نتائج الفحص الكامل وقد توخى المشرع أن يكون بالإدارة الحكومية القائمة على التنفيذ لجنة تفصل في المنازعات المتعاقبة ببراءة الاختراع مع إجازة الطعن أحياناً في قراراتها أمام القضاء، والنظام المقترح يؤدي إلى تدريب الإدارة الحكومية الجديدة (وتكوين نواة من الفنيين تمكن في المستقبل من الأخذ بالنظام الإنجليزي المعتبر في المجال الدولي نظاماً نموذجياً) وأن ما جاء بالمذكرة الإيضاحية على هذا النحو وإن صح أن يستخلص منه أن المشرع لم يأخذ فيما يتعلق بمنح براءات الاختراع بنظام الفحص السابق فلم يلق على عاتق الإدارة المختصة بهذه البراءات واجب التثبت من أن طلب البراءة ينصب على ابتكار جديد حسبما أورده قضاء المحكمة الإدارية العليا في حكمها الصادر بجلسة 3/ 4/ 1965 في الطعن رقم 1596 لسنة 7 قضائية إلا أن عدم الأخذ بنظام الفحص السابق لا يمنع الإدارة المختصة من التثبت من أن طلب البراءة تتوافر فيه شروط الابتكارية والجدة والقابلية للاستغلال الصناعي حسبما تقضي نصوص المواد 1، 18، 20 من القانون المشار إليه إذ أن قرار الجهة الإدارية يحتم ويفترض أن يشمل أسباب قيام تلك الشروط أو عدم قيامها وتحققها بل أن في عبارات المذكرة الإيضاحية ما يحتم على الإدارة المختصة التحقق والتثبت من تلك الشروط كلما أمكنها ذلك إذ ورد بها عبارتا (وبذلك يمكن تحقيق بعض نتائج الفحص الكامل) و(وتكوين نواة من الفنيين تمكن في المستقبل من الأخذ بنظام الإنجليزي المعتبر في المجال الدولي نظاماً نموذجياً) ومن ثم فإن المستفاد بوضوح من عبارات هذه المذكرة الإيضاحية أن المشروع وإن لم يلزم الإدارة المختصة بالتحقق من توافر الشروط الموضوعية في طلب البراءة إلا أنه لم يمنعها منه بل وحتم عليها أن ينبني قرارها على أساس من الفحص والبحث لتبين أساس وأسباب قرارها وهذا هو الطريق الوسط بين النظامين الفرنسي والإنجليزي الذي قررت المذكرة الإيضاحية للقانون صراحة أنه قد اختار المشرع اتباعه.
ومن حيث إنه غني عن القول أن الجهة الإدارية المختصة بمنح براءات الاختراع تمارس اختصاصاتها المشار إليها سواء بالنسبة للشروط الشكلية في الطلب أم بالنسبة للشروط الموضوعية فيه تحت رقابة المشروعية التي يختص بولايتها القضاء الإداري فليس لقرارها في هذا الشأن حصانة مانعة أو حجية قاطعة تمنع من خضوعه لرقابة المشروعية أو تحول دون الطعن عليه أمام القضاء الإداري الذي يقضي بصحة هذا القرار إذا كان مطابقاً للقانون أو بإلغائه إذا كان مخالفاً لصحيح حكم القانون إذ هو قرار إداري مثل غيره من القرارات التي تخضع في ظل سيادة القانون لرقابة الإلغاء والتعويض والتي لا يجوز النص على إخراجها من نطاق هذه الرقابة أو تحصينها وفقاً لصحيح نص أحكام المادة (68) من الدستور التي حظرت على المشرع هذا التحصين.
ومن حيث إنه على هذا المقتضى فإنه لا يسوغ القضاء بإلغاء قرار الجهة الإدارية المختصة بمنح براءات الاختراع تأسيساً على أنها جاوزت اختصاصها بتصديها لبحث توافر الشروط الموضوعية في طلب البراءة.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة باختصاص إدارة براءات الاختراع بالتحقق من توافر الشروط الموضوعية في طلب البراءة فضلاً عن الشروط الشكلية طبقاً لأحكام المواد 1 و15 و18 و20 من القانون رقم 132 لسنة 1949 الخاص ببراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية المعدل بالقانون رقم (65) لسنة 1955 ولائحته التنفيذية وأمرت بإعادة الطعن إلى الدائرة المختصة للفصل في موضوعه.