الصفحات

تحميل وطباعة هذه الصفحة

Print Friendly and PDF

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 24 أكتوبر 2023

اَلْمُذَكِّرَة اَلْإِيضَاحِيَّةِ لِمَشْرُوعِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ اَلْمِصْرِيِّ / نَظْرَةٌ فِي مَشْرُوعِ تَنْقِيحِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ

عودة الى صفحة المذكرة الايضاحية للقانون المدني المصري 1948

راجع : مشروع تنقيح القانون المدني ، وزارة العدل المصرية ، المطبعة الاميرية ، 1948 ، ج 1 ، ص 1 - 13 .


نَظْرَةٌ فِي مَشْرُوعِ تَنْقِيحِ اَلْقَانُونِ اَلْمَدَنِيِّ

تنقيح القانون المدني المصري تنقيحاً شاملاً ضرورة تفرضها الظروف التي وضع فيها هذا القانون ويقتضيها تقدم القوانين الحديثة.

وقد يعترض بأن القانون المدني المصري ليس في حاجة إلى تنقيح بل يكفي أن يُكمل ببعض النصوص حتى يصبح صالحاً صلاحية تامة للتطبيق في عصرنا الحاضر، وقد يُعترض من جهة أخرى بأنه حتى لو سلم أن القانون المدني في حاجة إلى تنقيح شامل إلا أنه يُخشى أن تكون أحداث الحرب الأخيرة من شأنها أن تغير معالم الحضارة الإنسانية بما لا نحسه في الوقت الحاضر، فإذا تكشفت الأمور بعد ذلك ، تبين أن مشروع التنقيح هو نفسه في حاجة إلى التنقيح .

أما الاعتراض الأول فيكفي في الرد عليه استعراض عيوب التقنين المدني الحالي وقد سبق تلخيص هذه العيوب في مقال نشر بمناسبة العيد الخمسيني للمحاكم الوطنية في العبارات الآتية : " يمكن القول أن تقنيننا المدني فيه نقص ثم فيه فضول. وهو غامض حيث يجب البيان، مقتضب حيث تجب الإفاضة ثم هو يسترسل في التافه من الأمر فيعنى به عناية لا تنفق مع أهميته المحدودة. يقلد التقنين الفرنسي تقليداً أعمى فينقل كثيراً من عيوبه وهو بعد متناقض في نواح مختلفة ويضم إلى هذا التناقض أخطاء معيبة. أما النقص فيرجع معظمه إلى قصور تقنيننا عن مجاراة التقدم العظيم الذي قطع مراحله علم القانون في العصر الحاضر فهو منقول عن التقنين الفرنسي ، والتقنين الفرنسي وضع في أول القرن التاسع عشر فلا يزال أمام تقنيننا حتى يصبح متمشياً مع عصره أن يقطع هذه المرحلة الطويلة التي قطعها علم القانون في قرن وثلث قرن وهذه أجيال طويلة ارتقى فيها القانون ارتقاء لم يكن أحد يتوقعه . وهناك مسائل كثيرة نحن في حاجة إلى أن نأخذها لا من التقنين الفرنسي العتيق بل من التقنينات الحديثة حيث تشهد أحدث النظريات القانونية مطبقة تطبيقاً تشريعياً محكماً . فهناك نظريات عامة قد استقرت في القانون وأصبحت تراثا لجميع الأمم لا نجد لها أثراً عندنا أو نجد أثرها ناقصاً مقتضباً ؛ فنظرية سوء استعمال الحق ، ونظرية عامة للغبن تتناول كل نواحي القانون ؛ وقانون للجمعيات والمنشآت والأشخاص المعنوية بوجه عام ، وتشريع للعمل ؛ ونظام لعقد التأمين وعقود الاحتكار والمنافع العامة ونظرية للنيابة في التعاقد ، وتنظيم الملكية على الشيوع ، والاعتراف بحوالة الدين أسوة بحوالة الحق ، وإقرار الإرادة المنفردة مصدرا للالتزام ، والاعتراف بالعقود المجردة وبعقود الإذعان .... كل هذه نظريات لا حظ لتقنيننا منها ، وهي لازمة لا يجوز إغفالها في تشريع حديث ..... هذا إلى أن تقنيننا في موضوع من أهم موضوعات القانون هو موضوع العقد ، وفي مسألة من أدق مسائل هذا الموضوع هي مسألة تكوين العقد نراه صامتاً صمتاً مدهشاً لا يفسره إلا تقليد أعمى للتقنين الفرنسي ، وترسم دقيق في مشروعنا لخطى المشرع الفرنسي، حتى في المزالق التي وقع فيها .

يقي الرد على الاعتراض الآخر ، وهو يرمى إلى تأخير التنقيح حتى يتبين أثر الحرب الأخيرة في تطور مدنية البشر . وليس هناك محل للتخوف من هذه الناحية ، فإن الحرب مهما عظم أثرها لا تغير تغييراً جوهرياً في المبادئ الفنية للقانون المدني. قد تغير الحرب من نظم الحكم ومن النظم الاقتصادية والاجتماعية ، ولكنها لا تغير من أصول الصياغة القانونية . وإذا كان القانون كما يقول جنى Gény الفقيه الفرنسي المعروف ، علماً وصياغة ، وكانت الصياغة هي العنصر الأساسي الذي يكسب القانون ذاتيته ، أمكن الاطمئنان إلى استقرار النظم القانونية . وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أن العالم في تاريخه الحديث قد شهد ثورتين من أشد الثورات عنفاً وأبعدها أثراً . الثورة الأولى هي الثورة الفرنسية في آخر القرن الثامن عشر ، وقد قلبت نظم الحكم رأسا على عقب ، ومع ذلك فان التقنين الفرنسي الذي أعقب هذه الثورة لم يكن إلا رجوعاً إلى قانون الماضي، قانون ما قبل الثورة ، وبقي هذا التقنين طوال القرن التاسع عشر ولا يزال باقياً إلى اليوم ، لم يستقر الرأي بعد على تنقيحه . والثورة الأخرى هي الثورة الروسية ، شبت في القرن العشرين ، ولم تكن أقل تأثيراً في النظم العالمية من الثورة الفرنسية، ومع ذلك نرى التقنين المدني السوفيتي محتفظاً بالصياغة المدنية المعروفة . وهناك التقنين الألماني ، وهو آية من آيات الفن والعلم ، والتقنين السويسري وهو مثل عال من مثل التشريع الدمقراطي قد كانا سابقين للحرب الكبرى التي نشبت في أوائل هذا القرن ، وبقيا بعد هذه الحرب دون تغيير وقد شهدا حربا ثانية أشد هولاً من الأولى ، وسيبقيان بعدها كما هما ، دون أن يلحقهما تغيير جوهري . وكل ما يمكن أن

يحسب حسابه في هذا الصدد هو ما يتوقع من تغلب النزعة التي تفرض على العالم قسطاً أوفر من العدالة الاجتماعية . على أن المشروع في هذه النزعة يماشي عصره، غير مقصر ولا متخلف فتنقيح التقنين المدني تنقيحاً شاملاً جامعاً هو إذن ضرورة تنبه لها المسئولون من رجال القانون في مصر منذ زمن طويل . (1)

ويكفي في هذه النظرة العامة أن تستعرض المصادر التي استند إليها المشروع ، ثم يبين كيف رتبت أحكامه . وما وجوه التنقيح التي حققها . وما هي اتجاهاته العامة .

-----------------

(۱) صدر قرار من مجلس الوزراء في شهر يونيه سنة ۱۹۳۸ باختيار الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري بك [ باشا ] لوضع مشروع تمهيدي لتنقيح القانون المدني بالاشتراك مع الأستاذ إدوار لامبير رئيس معهد القانون المقارن بجامعة ليون .

وعاون اللجنة في أداء مهمتها طائفة من رجال القانون - منهم الأستاذ استنويت والدكتور محمد صادق فهمى بك والدكتور حلمي بهجت بدوي [بك ] والأستاذ عبده محرم | بك] والدكتور سليمان مرقص والأستاذ محمد عزمي والدكتور محمد زهير جرانه .

وعندما تم وضع المشروع التمهيدي ألفت لجنة برئاسة الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري بك [باشا] وعضوية الدكتور محمد كامل مرمى بك [ باشا] والأستاذ مصطفى الشوربجي بك والأستاذ علي السيد أيوب بك والأستاذ سليمان حافظ [ بك] وبمعاونة هيئة فنية من الأستاذ عبده محرم بك والدكتور حسن أحمد بغدادي والدكتور سليمان مرقص والدكتور شفيق شحاتة والأستاذ نصيف زكي لمراجعة هذا المشروع مراجعة نهائية في ضوء ما تقدم عنه من استفتاءات وبخاصة الاستفتاء الشامل الذي تفضل به حضرة صاحب المعالي الأستاذ عبد العزيز فهمي باشا ، فقد عني بمراجعة المشروع وقدم ما عن له من ملاحظات على جميع النصوص .

 

أما عن المصادر التي استند إليها المشروع ، فلم يكن هناك مجال للتردد ، إذ ينبغي أن يرجع في تنقيح التقنين المدني المصري إلى مصادر ثلاثة : إلى القانون المقارن ، والى القضاء المصري ، والى الشريعة الإسلامية .

فالقانون المقارن يمثل التقدم الحديث لعلم القانون والتشريع ، وتتراءى في ثناياه أحدث التطورات القانونية ، فيجب إذن أن يكون هو المصدر الأول بين المصادر التي يستمد منها التنقيح وتستخلص حالة التشريع المقارن من حركة التقنينات العالمية التي أعقبت التقنين الفرنسي ، مقاربة له تارة ومجافية له تارة أخرى. وهي حركة بقيت في نشاط طوال القرن التاسع عشر واستمرت في نشاطها منذ فجر القرن العشرين إلى اليوم . فقد ظهر التقنين النمساوي في سنة ۱۸۱٢ عقب التقنين الفرنسي . ثم ظهرت سلسلة طويلة من التقنينات اللاتينية خلال القرن التاسع عشر ، نسجت جميعها على منوال التقنين الفرنسي . من ذلك التقنين الإيطالي ، والتقنين الإسباني ، والتقنين البرتغالي ، والتقنين الهولندي ، وتقنينات دول أمريكا الجنوبية ، وتقنين كندا الجنوبية ، واستمرت حركة التقنين اللاتيني في القرن العشرين في شيء من الجدة والتطور . فظهر التقنين التونسي ؛ والتقنين المراكشي ، والتقنين اللبناني ، وظهر فيما بين ذلك المشروع الفرنسي الإيطالي في الالتزامات والعقود وهو خلاصة التقنينات اللاتينية ، وقد أدمج أخيرا في التقنين المدني الإيطالي الحديث وصار جزءا منه . والمطلع على هذا المشروع لا يسعه إلا أن يعجب بالجهود الكبيرة التي قام بها واضعوه ، فقد أكسب التقنينات اللاتينية العتيقة جدة لم تكن لها . ونفخ فيها روح العصر الذي نعيش فيه وجمع بين البساطة والوضوح مع شيء كثير من الدقة والتحديد على أن المشروع يكاد يكون محافظاً اذا قيس إلى التقنينات العالمية الأخرى ، فقد احتفظ بالروح اللاتينية إلى حد جعله يضحى في بعض النواحي التمشي مع روح التقدم الحديثة .

إزاء هذه التقنينات اللاتينية يجب أن توضع التقنينات الجرمانية، وأهمها ثلاثة : التقنين الألماني، والتقنين النمساوي ، والتقنين السويسري .

أما التقنين الألماني فيعد أفخم تقنين صدر في العصر الحديث ، وهو خلاصة النظريات العلمية الألمانية مدى قرن كامل . تم تحضير مشروعه الأول سنة ۱۸۸٧ ، ونُشر هذا المشروع رسمياً للاستفتاء ، ثم عُرض على الهيئة التشريعية ، واتفقت الحكومة مع الأحزاب السياسية على أن تقتصر الأحزاب على النظر في المسائل السياسية والاجتماعية والدينية، تاركة مسائل الصياغة القانونية كما هي دون تعديل ، حتى لا يختل تماسكها ، فكان ذلك سبباً في السهولة والسرعة اللتين اقترنتا بالموافقة على المشروع ، فأصدر في سنة ١٨٩٦ على أن يُعمل به من أول يناير سنة ١٩٠٠، والتقنين الألماني يبز من الناحية الفقهية أي تقنين آخر، فقد اتبع طريقة تُعد من أدق الطرق العلمية ، وأقربها إلى المنطق القانوني . ولكن هذا كان عائقا له عن الانتشار فإن تعقيده الفني ودقته العلمية أقصياه بعض الشيء عن منحى الحياة العملية وجعلاه مغلق التركيب عسر الفهم .

والتقنين النمساوي يرجع عهده إلى أوائل القرن الـتاسع عشر ، فقد ظهر في سنة ۱۸١٢ عقب التقنين الفرنسي ، ولكنه لم يتح له من النجاح ما أتيح لهذا التقنين لذلك بقي محدود الانتشار في أوروبا حتى غمره التقنين الألماني وقد قام النمساويون بتنقيح تقنينهم في أول سني الحرب العالمية الأولى وظهر التنقيح في سنة ١٩١٦ ، فأعاد بهذا التقنين العتيق شيئا من الجدة المسايرة لروح العصر . ولكنه لم يكن تنقيحاً شاملاً ، بل استبقى التقنين القديم بعد إدخال بعض تعديلات جزئية تناثرت متفرقة بين نصوصه المختلفة ، فلم يكن للتنقيح أثر كبير في انتشاره .

يقي من التقنينات الجرمانية التقنين السويسري وهو تقنينان لا تقنين واحد ، أحدهما في الالتزامات والعقود ، والآخر فيما بقي بعد ذلك من أقسام القانون المدني . والسبب في هذا الازدواج اعتبارات دستورية يضيق المقام عن ذكرها . ويمتاز التقنين السويسري بالوضوح والبساطة. فيتغاير بهذا مع التقنين الألماني المغلق . وهو يجمع إلى الوضوح والبساطة الدقة والتعمق ، ثم يضم إلى ذلك الجدة والتمشي مع أحدث النظريات العلمية . ففيه تجتمع مزايا التقنين الألماني من حيث القيمة الفنية، ومزايا التقنين الفرنسي من حيث السلاسة والوضوح . على أن هذا الوضوح خداع في بعض الأحيان ، فإن كثيرا من النصوص في التقنين السويسري يبدو لأول وهلة سهل الفهم قريب المأخذ ، فإذا ما محص النص وأنعم النظر فيه بدا الإبهام والنقص وظهرت الحاجة إلى الدقة والتحديد، وتبين أن الوضوح في صياغة النصوص التشريعية قد ينقلب غموضاً عند تطبيق هذه النصوص. إلى جانب التقنينات اللاتينية والتقنينات الجرمانية ظهر في خلال القرن العشرين طائفة من التقنينات المتخيرة ، لا تنحاز إلى إحدى المدرستين انحيازاً مطلقاً ، بل تتخير ، فتأخذ من كل مدرسة بالذي هو أحسن ، وعلى رأس هذه التقنينات التقنين البولوني في الالتزامات والعقود ، وقد جمع هذا التقنين بين مزايا التقنينات اللاتينية في الوضوح والسلاسة ومزايا التقنينات الجرمانية في الدقة والتعمق ، ويمكن أن يذكر مع التقنين البولوني من التقنينات المتخيرة التقنين الياباني وقد صدر في سنة ١٨٩٦ ، والتقنين البرازيلي وقد صدر في سنة ١٩١٦ وتقنين السوفييت وقد صدر في سنة ١٩٢٣ والتقنين الصيني وقد صدر في سنتي ۱۹۲۹ و ۱۹۳۰ .

من كل هذه التقنينات المختلفة النزعة المتباينة المناحي ، ويبلغ عددها نحو عشرين تقنيناً استمد المشروع ما اشتمل عليه من النصوص، ولم يوضع نص إلا بعد أن فحصت النصوص المقابلة في كل هذه التقنينات المختلفة ودقق النظر فيها ، واختير منها أكثرها صلاحية ، حتى ليجوز القول بأن المشروع يمثل من ناحية حركة التقنين العالمية نموذجاً دولياً يصح أن يكون نواة لتوحيد كثير من التقنينات المدنية .

أما القضاء المصري فقد استغل إلى حد كبير فيما تم من عمل التنقيح لأنه لا يكفي أن يكون المشروع نموذجاً دولياً ، بل يجب أيضا أن يكون متفقا مع حاجات البلد ، والقضاء هو خير معبر عن هذه الحاجات وقد كانت مهمة القضاء المصري بنوع خاص شاقة عسيرة ، إذ كان مطلوباً منه أن يمصر قانوناً أجنبياً دخل في البلاد من يوم وليلة ، فقام بعمله في كثير من اللباقة والمهارة ، لذلك كان في الاستطاعة أن يستخلص منه كثير من الدروس النافعة ويكفي أن يذكر هنا على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر بعض الأحكام التي استمدها المشروع من الفضاء المصري، واقتصر فيها على تقنين هذا القضاء وتسجيله .

فهناك موضوعات كاملة أخذت فيها أحكام القضاء. من ذلك الملكية الشائعة ، ولا يكاد يوجد في التقنين الحالي نص تشريعي في هذا النوع من الملكية ، على أهميته وانتشاره في مصر ، وقد تكفل القضاء المصري بتفصيل أحكامه وقتن المشروع المبادئ التي قررها القضاء في هذا الشأن ومن ذلك قسمة المهايأة ، تولى القضاء بيان أحكامها وعن القضاء أخذ المشروع هـذه الأحكام ، ودعمها بنصوص استوحاها من عادات البيئة المصرية ، ومن ذلك الحراسة ، والحكر وحقوق الارتفاق ، والتزامات الجوار ، تولاها القضاء جميعا بالتنظيم المفصل ، وقنن المشروع ما قرره القضاء بشأنها من أحكام ومبادئ .

وإلى جانب تقنين المشروع للقضاء المصري في موضوعات كاملة، قنن أيضا هذا القضاء في كثير من المسائل التفصيلية الهامة ، ويضيق المقام عن إيراد ما كان يصح إيراده من الأمثلة المتنوعة في هذا الصدد ، فيكفي الإشارة إلى قليل من هذه المسائل .

قنن المشروع القضاء المصري في التعاقد بالمراسلة ، وفي الحالات التي يعتبر فيها سكوت المتعاقد قبولاً ، وفي تحديد الأجل إذا اشترط أن يكون الدفع عند المقدرة أو عند الميسرة ، وفي جواز تخفيض الشرط الجزائي وفي عدم جواز تخفيض أجر الوكيل إذا دفع هذا الأجر طوعا بعد تنفيذ الوكالة وفي ضمان العيوب الخفية في الإيجار ، وفي جعل الربع المستحق في ذمة الحائز سيء النية والديون الثابتة في ذمة ناظر الوقف للمستحقين تتقادم بخمس عشرة سنة لا بخمس سنوات ، وفي الهبات والوصايا التي تصدر من المورث لورثته مخفية تحت ستار البيع ، وفي بدء سريان التقادم في دعوى ضمان الاستحقاق ، وفي اعتبار رهن الحيازة في يد الدائن قاطعاً للتقادم ، وفي رجوع حائز العقار المرهون إذا وفى كل الدين على الحائزين الآخرين، وفي انتقال حق الشفعة بالميراث، وفي غير ذلك من المسائل الكثيرة التي توجد متناثرة في جميع نواحي المشروع .

بقيت الشريعة الإسلامية كمصدر من المصادر التي استند إليها المشروع وقد استمد منها كثيرا من نظرياتها العامة وكثيراً من أحكامها التفصيلية .

وقبل هذا وذاك أدخل المشروع في شأن الشريعة الإسلامية تجديداً خطيراً ، فقد جعلها من بين المصادر الرسمية للقانون المصري إذا لم يجد القاضي نصاً تشريعياً يمكن تطبيقه ، والفروض التي لا يعثر فيها القاضي على نص في التشريع ليست قليلة ، فسيرجع القضاء إذن للشريعة الإسلامية يستلهم مبادئها في كثير من الأقضية ، وفي هذا فتح عظيم للشريعة الغراء، لا سيما إذا لوحظ أن ما

ورد في المشروع من نصوص هو أيضا يمكن تخريجه على أحكام الشريعة الإسلامية دون كبير مشقة . فسواء وجد النص أو لم يوجد ، فإن القاضي في أحكامه بين اثنتين ، إما أنه يطبق أحكاماً لا تتناقض مع مبادئ الشريعة الإسلامية ، وإما أنه يطبق أحكام الشريعة ذاتها .

ولم يقتصر الأمر على ذلك ، بل أخذ المشروع كما سبق القول بنظريات عامة في الشريعة الإسلامية وأحكام تفصيلية .

وأهم ما اقتبسه من النظريات العامة هو هذه النزعة المادية أو الموضوعية التي تميز الفقه الإسلامي. كما أخذ بنظرية التعسف في استعمال الحق ، وبمسئولية عديم التمييز ، وبحوالة الدين ، وبمبدأ الحوادث غير المتوقعة . ويكفي إيراد كلمة موجزة عن كل من هذه المسائل .

أما من النزعة المادية ، فإنه يمكن تقسيم الشرائع إلى قوانين تتغلب فيها النزعة النفسية أو الشخصية tendance subjective وهذه هي الشرائع اللاتينية بوجه عام ، وأخرى تتغلب فيها النزعة المادية أو الموضوعية tendance objective وهذه هي الشرائع الجرمانية. ويختلف هذان النوعان من الشرائع، أحدهما عن الآخر، في نظرته إلى النظم القانونية. 

فالشرائع ذات النزعة النفسية تغلب في الالتزام عنصره الشخصي دون موضوعه المادي، وتنظر في العقد إلى الإرادة الباطنة النفسية دون الإرادة الظاهرة المادية، وتضع معايير نفسية تعتبر فيها النية المستترة لا معايير مادية يعتبر فيها العرف وما ألفته الناس في التعامل. وتجري الشرائع ذات النزعة المادية على العكس من ذلك فتغلب في الالتزام موضوعه المادي، وتنظر في العقد إلى الإرادة الظاهرة، وتضع معايير مادية تقف فيها عند العرف المألوف. والنزعة المادية في القانون دليل على تقدمه، إذ يكشف بهذه النزعة عن شدة حرصه على ثبات المعاملات واستقرارها. فإذا أردنا تحديد نزعة للشريعة الإسلامية، فهذه النزعة لا شك مادية. وإذا كانت العبرة في هذه الشريعة بالمعاني دون الألفاظ، إلا أن المعاني التي تقف عندها هي التي تستخلص من الألفاظ، لا من النيات المستكنة في الضمير. فالعبرة فيها بالإرادة الظاهرة لا بالإرادة الباطنة. ومن هنا يدقق الفقهاء في كثير من المواطن في تحديد معاني الألفاظ، ويرتبون على اختلافها اختلافاً في الحكم. وهم ليسوا متنطعين يضحون المعنى للفظ كما قد يتوهم البعض، بل هم يقفون عند الإرادة الظاهرة التي يكشف عنها اللفظ المستعمل حفظا لثبات التعامل واستقراره. كذلك معايير الشريعة الإسلامية فهي معايير مادية، تنزل عند المألوف في التعامل والمتعارف بين الناس والمشروع يقتفي أثر الشريعة الإسلامية في كل ذك، فيتميز بنزعة مادية واضحة، يظهر هذا في كثير من المعايير التي يأخذ بها، وفى نظرته للالتزام حيث يراه عنصراً ماليا أكثر منه رابطة شخصية، وفي نظرته للعقد حيث يأخذ في كثير من الفروض بالإرادة الظاهرة دون الإرادة الباطنة.
وقد أخذ المشروع أيضاً عن الشريعة الإسلامية نظرية التعسف في استعمال الحق، وهي نظرية تقررها الشريعة في أوسع مدى ولا تقتصر فيها على المعيار النفسي الذي اقتصرت عليه أكثر القوانين، بل تضم إليه معيارا ماديا، إذ تقيد كل حق بالأغراض الاجتماعية 

والاقتصادية التي قرر من أجلها. وقد أخذ المشروع بهذه الأحكام . فقرر المبدأ بمعياريه النفسي والمادي، وأورد له تطبيقات كثيرة اقتبسها هو أيضاً من الشريعة الإسلامية. ومسئولية عديم التمييز تأخذ بها التقنينات الجرمانية دون التقنينات اللاتينية، فأخذ المشروع بما ذهبت إليه التقنينات الجرمانية لأنها هي التي تتفق مع الشريعة الإسلامية. وكذلك الأمر في حوالة الدين، تغفلها التقنينات اللاتينية وتنظمها التقنينات الجرمانية متفقة في ذلك مع الشريعة الإسلامية، وقد أخذ المشروع بها إتباعا للشريعة، ومبدأ الحوادث غير المتوقعة Principe de I’imprévision أخذ به القضاء الإداري في فرنسا دون القضاء المدني، فرجح المشروع الأخذ به استناداً إلي نظرية الضرورة في الشريعة الإسلامية.

وهناك أحكام تفصيلية كثيرة اقتبسها المشروع من الفقه الإسلامي، يكفي هنا مجرد الإشارة إلى بعضها. من ذلك الأحكام الخاصة بمجلس العقد، وإيجار الوقف، والحكر، وإيجار الأراضي الزراعية، وهلاك الزرع في العين المؤجرة، وانقضاء الإيجار بموت المستأجر، وفسخه بالعذر، ووقوع الإبراء من الدين بإرادة منفردة، هذا إلى مسائل أخرى كثيرة سبق أن اقتبسها التقنين الحالي من الشريعة الإسلامية وجاراه المشروع في ذلك، كبيع المريض مرض الموت، والغبن، وخيار الرؤية، وتبعة الهلاك في المبيع، وغرس الأشجار في العين المؤجرة، والأحكام المتعلقة بالعلو والسفل، وبالحائط المشترك، ومدة التقادم. أما الأهلية والهبة والشفعة، وأما المبدأ القاضي بألا تركة إلا بعد سداد الدين، فهذه كلها موضوعات على جانب كبير من الأهمية، وقد أخذت برمتها من الشريعة الإسلامية.

*               *                 *

ولم يكن ترتيب المشروع بالأمر الهين، إذ كان ينبغي التفكير في ترتيب يماشي الحركة العلمية، ولا يتجافى مع الحقائق العملية، ويستنير في الوقت ذاته بترتيب التقنينات الحديثة التي صدرت في خلال القرن العشرين، مع المحافظة بقدر الإمكان على الترتيب الذي اتبعه التقنين الحالي. وقد توخى المشروع أن يرتب المسائل ترتيباً منطقياً تتسلسل الفكرة فيه، فيسهل على الباحث أن يدرك ما بين المسائل المختلفة من ارتباط، وما ينتظمها جميعاً من تناسق، وهذا هو سبب ما اتبع في ترتيب الأحكام من تقسيم وتبويب وتفريغ، ولم يكن المشروع مبتدعاً في ذلك، بل كان مقتفياً أثر أحدث التقنينات وأكثرها ذيوعا وانتشاراً.

أما عن وجوه التنقيح فيكفي القول إجمالاً أن المشروع قد أدخل موضوعات جديدة، واستوفى موضوعات ناقصة، وعالج عيوباً متفشية ومن ذلك:

1 - تجنب المشروع ما وقع فيه التقنين الألماني من التعقيد والغموض بأن تحاشى الفصل ما بين موضوع العقد وموضوع العمل القانوني. وبذلك دلل على نزعة عملية تفضل النزعة التجريدية الفقهية التي اصطبغ بها التقنين الألماني. وخصص بابا لآثار الالتزام تجنب فيه كثيراً من أسباب التشويش والخلط مما وقعت فيه التقنينات الأخرى.

2 - استوفى المشروع موضوعات هي في التقنين الحالي شديدة الاقتضاب على أهميتها، وأصلح كثيراً من عيوب التقنين الحالي فيها. وذلك كالقواعد المتعلقة بتكوين العقد، والدعوى البوليصية والاشتراط لمصلحة الغير، والمسئولية التعاقدية، والمسئولية التقصيرية، والحراسة والملكية الشائعة، وملكية الطبقات، ورهن الحيازة، وحق الاختصاص.

3 - رسم المشروع الخطوط الرئيسية لموضوعات هي في التقنين الحالي متناثرة في جميع نواحيه دون ترتيب أو تنسيق، فجمع المشروع بين أطرافها وعرضها جملة واحدة، بحيث يتكشف ما بين أجزائها من صلات، وما يربطها جميعا من وحدة في النظر، من ذلك موضوع الحيازة، وحقوق الارتفاق، وحقوق الامتياز، والحق في الحبس، والدفع بعدم تنفيذ العقد، والنيابة في التعاقد.

4 - أوجد المشروع من الموضوعات الجديدة ما كان ينقص التقنين الحالي أشد النقص. من ذلك القواعد المتعلقة بتنازع القوانين، والشخصية المعنوية، وحوالة الدين، وعقود المنفعة العامة، وعقد العمل، وعقد التأمين، وعقد الهبة، والحكر، وإيجار الوقف. والموضوعان الجديدان الجديران بأن ينوه بهما تنويها خاصاً هما تنظيم الإعسار وتصفية التركات.

أما الاتجاهات العامة التي رسمت للمشروع فأهمها ثلاثة:

أولها أن المشروع من ناحية صياغته الفنية ذو نزعة مادية متخيرة. ومعنى ذلك أنه كما سبق القول يتخير بين النزعتين المادية والنفسية مع ميل إلى النزعة المادية، إيثاراً لاستقرار التعامل. فهو من هذه الناحية يصطبغ بصبغة عملية واضحة.

والاتجاه الرئيسي الثاني أن المشروع من ناحية سياسته التشريعية يترك للقاضي حرية واسعة في التقدير يواجه بها تباين الظروف فيما يعرض له من الأقضية. وهذا أدنى إلى تحقيق العدالة. فلا يحسبن أحد أن القاضي الذي يحد من تقديره قواعد جامدة والذي تغل يده نصوص ضيقة بمستطيع أن يكيف الأحكام القانونية بحيث تصلح للتطبيق العادل في الظروف المتغايرة فهو بين أن يؤدي العدالة الحقة فيكسر من أغلال القانون أو يلتزم حدود القانون فلا يؤدي إلا عدالة حسابية شكلية. وقد أصبح الآن ثابتاً أن القواعد القانونية الجامدة لا تلبث أن تنكسر تحت ضغط الحاجيات العملية وخير منها المعايير المرنة التي تتسع لما يجد من الحوادث وما تتكشف عنه حركة التطور المستمر.

والاتجاه الرئيسي الأخير أن المشروع من ناحية ما يقوم عليه من أسس اجتماعية واقتصادية إنما يجاري نزعات عصره فلا يقف من الديمقراطية عند معناها القديم بل يماشي ما لحق بها من تطورات عميقة ستكون الآن بعد أن وضعت الحرب أوزارها أبعد مدى وأبلغ أثراً. فالمشروع لا يقدس حرية الفرد إلى حد أن يضحي من أجلها بمصلحة الجماعة ولا يجعل من سلطان الإرادة المحور الذي تدور عليه الروابط القانونية بل هو يوفق ما بين حرية الفرد ومصلحة الجماعة. ثم هو بين الفرد والفرد لا يترك القوي يصرع الضعيف بدعوى وجوب احترام الحرية الشخصية فليس الفرد حراً في أن يتخذ مما هيأته له النظم الاجتماعية والاقتصادية من قوة تكئة ليتعسف ويتحكم لذلك يقف المشروع إلى جانب الضعيف فيحميه كما فعل في عقود الإذعان عندما جعل تفسير ما تشتمل عليه من شروط تعسفية محلاً لتقدير القاضي وكما فعل في النصوص الخاصة بالاستغلال عندما أوجب على القاضي أن يتدخل لنصرة المتعاقد إذا استغلت حاجته أو طيشه أو عدم خبرته أو ضعف إدراكه وكما فعل في حماية العامل عندما أحاط عقد العمل بسلسلة قوية من الضمانات تدرأ عنه تعسف رب العمل. وهو إلى كل هذا وقبل كل هذا يضع مبدأ عاماً ينهى فيه عن التعسف في استعمال الحق. ويبدو المشروع كذلك ظاهر الرفق بالمدين فهو يقيد من حق الدائن في التنفيذ ويلزمه أن يبدأ بالمال الذي يكون بيعه أقل كلفة على المدين ويعالج عيوب حق الاختصاص فلا يجعل هذا الحق غلا في يد المدين لا يستطيع فكاكه بل يرسم طريقة لإنقاصه إما بقصره على جزء من العقار الذي سبق أن وقع عليه أو بنقله إلى عقار آخر تكون قيمته كافية لضمان الدين. ويوجب على القاضي أن يتدخل لحماية المدين المرهق إذا طرأت حوادث استثنائية لا يمكن توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة فواجب القاضي إذ ذاك أن يوازن بين مصلحة المتعاقدين وأن ينقص الالتزام المرهق إلى الحد المعقول.

هذا إلى نصوص أخرى كثيرة متناثرة في نواحي المشروع تحمي المدين وتقيه شر تعسف الدائن. ويقيد المشروع أخيراً من حق الملكية فيجعل لهذا الحق وظيفة اجتماعية لا يجوز أن ينحرف عنها المالك. فهو في أول نص يعرف فيه الملكية يقرر أن لمالك الشيء ما دام ملتزماً حدود القانون أن يستعمله وأن ينتفع به وأن يتصرف فيه دون أي تدخل من جانب الغير بشرط أن يكون ذلك متفقاً مع ما لحق الملكية من وظيفة اجتماعية. ثم يورد بعد ذلك من التطبيقات ما يؤكد هذا المعنى ويقويه فالمالك لا يجوز له أن يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار. بل يجيز المشروع أن يتدخل الغير في انتفاع المالك بملكه إذا كان هذا التدخل ضرورياً لتوقي ضرر هو أشد كثيراً من الضرر الذي يصيب المالك ما دام هذا يحصل على التعويض الكافي. فحيث يتعارض حق المالك مع مصلحة عامة بل ومع مصلحة خاصة هي أولى بالحماية فالمشروع يقيد من حق الملكية رعاية للمصالح المشروعة وتحقيقاً لمبدأ التضامن الاجتماعي.

كل هذا دون غلو ولا إسراف. فلا تزال حرية الفرد وسلطان الإرادة وحقوق الدائنين واحترام الملكية محلاً لنصوص كثيرة في المشروع تلمح فيها أثراً ظاهراً للتوفيق ما بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة. وبذلك يكون المشروع قد سجل بأمانة ما تمخض عنه القرن العشرون من مبادئ مقررة في العدل الاجتماعي، فهو يحمل طابعاً قوياً من حضارة العصر ومدنية الجيل.

----------------

الاثنين، 23 أكتوبر 2023

الطعن 10814 لسنة 91 ق جلسة 15 / 3 / 2022

باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة المدنية
دائرة الثلاثاء ( هـ ) المدنية
برئاسة السيد المستشار / معتز أحمد محمد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ صلاح الدين جلال ، محمد فاروق
إيهاب طنطاوى و سامح حجازى نواب رئيس المحكمة
بحضور رئيس النيابة السيد / أمين المغازى.
وأمين السر السيد / إسلام محمد أحمد.
فى الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالى بمدينة القاهرة.
في يوم الثلاثاء 12 من شعبان سنة 1443ه الموافق 15 من مارس سنة 2022 م.
أصدرت الحكم الآتى:
فى الطعن المقيد فى جدول المحكمة برقم 10814 لسنة 91 ق.
------------

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر/ محمد فاروق عبد الحميد " نائب رئيس المحكمة " والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع – على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق تتحصل في أن المطعون ضده أقام على الطاعن الدعوى رقم 698 لسنة 2019 محكمة الجيزة الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدى له التعويض الجابر للأضرار المادية والأدبية على سند من أنه يمتلك قطعة الأرض المبينة بالأوراق بالميراث عن والده وفوجئ بالمطعون ضده يستولى عليها بموجب ترخيص بناء ثبت تزويره بموجب حكم جنائى بات وإذ أصيب بأضرار مادية وأدبية من جراء ذلك فأقام الدعوى، حكمت المحكمة بإلزام الطاعن بالتعويض الذى قدرته بحكم استأنفه المطعون ضده برقم 7569 لسنة 135 ق القاهرة "مأمورية الجيزة" وفيه قضت المحكمة بزيادة مبلغ التعويض، طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، عُرض الطعن على المحكمة في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه البطلان لأنه أُعلن بصحيفة الاستئناف على محل اقامته في حين إنه كان ينفذ حكم جنائى صادر بإدانته ولم يعلن في السجن المودع فيه فيكون الحكم المطعون فيه قد صدر في خصومة لم تنعقد في الاستئناف مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى سديد، ذلك أنه من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل في انعقاد الخصومة أن يكون طرفاها أهلاً للتقاضى وإلا قام مقامهم من يمثلهم قانوناً، وأن واجب الخصم أن يراقب ما يطرأ على خصمه من تغيير في الأهلية أو الحالة أو الصفة ليعلن بالطعن من يجب إعلانه به قانوناً، وأنه يترتب على صدور حكم من المحكمة الدستورية بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة تطبقه جميع المحاكم باختلاف أنواعها ودرجاتها باعتباره أمراً متعلقاً بالنظام العام ويمتنع تطبيق النص المحكوم بعدم دستوريته من اليوم التالى لنشر الحكم بعدم الدستورية ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخاً آخر – وفقاً لنص الفقرة الثالثة من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر برقم 48 لسنة 1979 المعدلة بالقانون 168 لسنة 1998 والمعمول به اعتباراً من 12/7/1998 – ليس فقط على المستقبل بل على سائر الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم الدستورية على أن يستثنى من هذا الأثر الرجعى الحقوق والمراكز القانونية التى تكون قد استقرت بحكم بات أو بانقضاء مدة التقادم قبل صدور الحكم بعدم الدستورية، وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت في القضية رقم 49 لسنة 30 ق دستورية الصادر بتاريخ 3/3/2018 المنشور في الجريدة الرسمية العدد 10 مكرر ب بتاريخ 13/3/2018 بعدم دستورية نص البند رقم 7 من المادة 13 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968 ونص المادة 81 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون فيما لم يتضمناه من وجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون نفسه، وقضى في بنده الثانى بتحديد اليوم التالى لنشر هذا الحكم تاريخًا لإعمال أثره، لما كان ذلك، وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن وقت إقامة الاستئناف الصادر فيه الحكم المطعون فيه وحتى تاريخ الفصل فيه كان مقيد الحرية على ذمة القضية رقم 12564 لسنة 2020 جنح النزهة وقدم إثباتاً لذلك شهادة صادرة من سجن المرج العمومى تفيد الحكم عليه حضورياً بتاريخ 27/10/2020 بالحبس لمدة سنتين مع الشغل والنفاذ في تلك الجنحة وتاريخ بداية حبسه هو 16/7/2020 ونهايته 16/7/2022 وإذ رُفع الاستئناف بتاريخ 5/9/2020 وأعلنت صحيفة الاستئناف للطاعن على محل إقامته مخاطباً مع جهة الإدارة بتاريخ 21/9/2020 وأخطر بالمسجل بتاريخ 22/9/2020 فإن الإعلان يكون قد وقع باطلاً، وإذ اعتد الحكم المطعون فيه بهذا الإعلان الباطل وتصدى للفصل في موضوع الاستئناف بالمخالفة لحكم المحكمة الدستورية السالف بيانه التى توجب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون نفسه فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون مما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن.
لذلك
نقضت المحكمة: الحكم المطعون فيه، وأحالت القضية الى محكمة استئناف القاهرة "مأمورية الجيزة" وألزمت المطعون ضده المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة

الأحد، 22 أكتوبر 2023

الطعن 266 لسنة 37 ق جلسة 25 / 3 / 1972 مكتب فني 23 ج 1 ق 83 ص 528

جلسة 25 من مارس سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ محمد صادق الرشيدي، وعضوية السادة المستشارين: محمد شبل عبد المقصود، وأحمد سميح طلعت، وأديب قصبجي، ومحمد فاضل المرجوشي.

-----------------

(83)
الطعن رقم 266 لسنة 37 القضائية

عقد. "آثار العقد". حكم. "تسبيب الحكم". "ما يعد فساداً في الاستدلال". بيع.
عقد البيع النهائي دون العقد الابتدائي هو قانون المتعاقدين. خلوه من النص على شرط ورد بالعقد الابتدائي. مفاده. تخلي المتعاقدين عن هذا الشرط.

---------------
العقد النهائي دون العقد الابتدائي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة (1) - هو الذي تستقر به العلاقة بين الطرفين ويصبح قانون المتعاقدين. وإذ كان يبين من عقد البيع النهائي المشهر وفق ما أثبته الحكم المطعون فيه أنه خلا من النص على الشرط السابع الذي كان منصوصاً عليه في العقد الابتدائي أو الإحالة إليه، فإن مفاد ذلك أن الطرفين قد تخليا عن هذا الشرط وانصرفت نيتهما إلى عدم التمسك به أو تطبيقه، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه لا يكون قد شابه فساد في الاستدلال.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 336 سنة 64 مدني كلي المنيا ضد الطاعن طالباً فيها إلزامه بأن يدفع له مبلغ 495 ج، وقال شرحاً لدعواه إنه يملك خمسة أفدنة مبينة الحدود والمعالم بالصحيفة بموجب عقد بيع ابتدائي مؤرخ 26/ 10/ 1953 مسجل في 26/ 11/ 1955، وأن الطاعن اغتصب هذا القدر ومضى في استغلاله منذ 1/ 10/ 1953، ومن ثم فإن المطعون ضده يستحق ريع تلك الأطيان منذ ذلك التاريخ حتى تسليمها إليه، إلا أنه يقصره على ثلاث سنوات، دفع الطاعن الدعوى بأنه يضع يده على هذه الأطيان بصفته وكيلاً عن دائرة البائع وعن ورثته بعد وفاته، وأن البند السابع من عقد شراء المطعون ضده لا يبيح له وضع يده واستلامه الأطيان المبيعة إليه إلا بعد سداد كامل الثمن الذي قسط على آجال آخرها سنة 1970. حكمت محكمة المنيا الابتدائية بندب خبير زراعي بمكتب خبراء وزارة العدل لتحقيق وضع اليد ومدته وسببه وتقدير ريع هذه الأطيان في المدة موضوع المطالبة وصاحب الحق فيه، وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت المحكمة بتاريخ 30/ 4/ 1966 برفض الدعوى. استأنف المطعون ضده هذا الحكم لدى محكمة استئناف بني سويف "مأمورية استئناف المنيا" بالاستئناف رقم 112 سنة 2 ق، وفي 7 مارس سنة 1967 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبإلزام الطاعن بأن يدفع للمطعون ضده مبلغ 408 ج و177 م. طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم. وبالجلسة المحددة لنظر الطعن تمسكت النيابة بهذا الرأي.
وحيث إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب يتحصل أولها في أن الحكم المطعون فيه خالف القانون، وفي بيان ذلك يقول الطاعن إن الحكم استند في قضائه برفض الاعتداد بالعقد الابتدائي على أن البند السابع منه والمتضمن أن المشتري لا يجوز له أن يضع يده على الأرض التي اشتراها إلا بعد دفعه كامل الثمن يخالف أحكام قانون الإصلاح الزراعي، مع أن تقييم هذا العقد من جهة صحته أو بطلانه لم يكن مطروحاً في الدعوى، ولما كان العقد قانون المتعاقدين وواجب الاحترام طالما أنه لا يخالف النظام العام، وكانت جهة الإصلاح الزراعي لم تتدخل لطلب بطلان العقد، فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يعتد بهذا العقد الابتدائي يكون قد خالف القانون.
وحيث إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه لما كان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أن البند السابع من عقد البيع الابتدائي المؤرخ 26/ 10/ 1953 كان موضوع الخلاف الرئيسي الذي دار حوله الجدل بين الخصوم فقد تمسك الطاعن بأن هذا البند ينص على حرمان المطعون ضده من وضع يده على الأرض واستغلالها إلى أن يقوم بأداء كامل الثمن وقبل ذلك لا يكون له أي حق في ثمراتها، ودفع المطعون ضده بأن هذا البند وقع باطلاً لمجافاته لأحكام قانون الإصلاح الزراعي وتم العدول عنه بالعقد النهائي المسجل الذي خلا منه هذا البند، ومن ثم يكون له الحق في ريع الأرض من تاريخ شرائها، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص بعد استعراض دفاع الطرفين في هذا الخصوص إلى أنه يتعين الاعتداد بالعقد النهائي دون العقد الابتدائي لأن العقد النهائي هو الذي يحدد التزامات كل من الطرفين ويعتبر شريعة المتعاقدين، وإذ خلت شروطه من البند السابع المنصوص عليه بالعقد الابتدائي فلا مناص من إطراح هذا البند، وكان ذلك من الحكم المطعون فيه فضلاً في مسألة مطروحة عليه هي أساس الدعوى، فإن النعي عليه بمخالفة القانون إذ لم يعتد بالعقد الابتدائي يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب الثاني من أسباب الطعن أن الحكم المطعون فيه أعمل قاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين بالنسبة للعقد النهائي، وقال إنه هو الواجب الأخذ به وتنفيذه، ولم يعمل هذه القاعدة بالنسبة للعقد الابتدائي ولم يعتد به، مع أنه كان من المتعين قانوناً تطبيق هذه القاعدة بالنسبة للعقدين فتطبق أحكام العقد الابتدائي إلى تاريخ العدول عنها بالعقد النهائي، وإذ لم يلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون مشوباً بالفساد في الاستدلال.
وحيث إن هذا النعي مردود، ذلك لأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - فإن العقد النهائي دون العقد الابتدائي هو الذي تستقر به العلاقة بين الطرفين ويصبح قانون المتعاقدين، ولما كان يبين من عقد البيع النهائي المشهر بتاريخ 26/ 11/ 1955 - وفق ما أثبته الحكم المطعون فيه - أنه خلا من النص على الشرط السابع الذي كان منصوصاً عليه في العقد الابتدائي أو الإحالة إليه فإن مفاد ذلك أن الطرفين قد تخليا عن هذا الشرط وانصرفت نيتهما إلى عدم التمسك به أو تطبيقه. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر فإنه لا يكون قد شابه فساد في الاستدلال.
وحيث إن مبنى السبب الثالث أن الحكم المطعون فيه أخل بحق الدفاع وشابه قصور في التسبيب، ذلك لأن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بأن وضع يده على الأطيان لم يكن بطريق الغصب وإنما بصفته وكيلاً عن دائرة البائع وأن الخبير انتهى في تقريره إلى ثبوت هذه الحقيقة التي استقاها مما قام به لدى فحصه المهمة التي نيطت به، إلا أن الحكم التفت عن هذا الدفاع بقوله إنه فضلاً عن عدم ثبوت ذلك رسمياً فإن في إقامة دعوى الحراسة من ورثة البائع ما يقوض من هذا الادعاء، ويقول الطاعن إنه أبدى استعداده في مذكرته الختامية لإثبات وكالته عن دائرة البائع إلا أن المحكمة لم تستجب إليه ولم تأمر بتحقيق دفاعه.
وحيث إن هذا النعي صحيح، ذلك أنه لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أن الطاعن تمسك أمام محكمة الاستئناف بأنه كان يضع يده على أرض النزاع بصفته وكيلاً عن دائرة البائع واستند في ذلك إلى ما جاء بتقرير الخبير الذي ندبته محكمة أول درجة من أن الطاعن يضع يده على أرض النزاع بهذه الصفة أخذاً بأقوال الشهود وأقوال رجال الحفظ الذين سمعهم الخبير، وكان الحكم المطعون قد رد على هذا الدفاع بقوله "إن المحكمة تلتفت عما أشار إليه المستأنف عليه - الطاعن - من أنه كان واضعاً يده بصفته وكيلاً عن دائرة البائع، إذ فضلاً عن عدم ثبوت ذلك رسمياً فإن في إقامة دعوى الحراسة من ورثة البائع ما يقوض زعم المستأنف عليه في هذا الصدد...."، وكان يبين من الحكم على النحو السابق أنه لم يرد على تقرير الخبير وما احتواه من أقوال رجال الحفظ من أن الطاعن كان يضع يده في فترة النزاع بصفته وكيلاً عن دائرة البائع وما جاء بالتقرير من أن المطعون ضده نفسه أقر للطاعن بهذه الصفة أمام الخبير، ورغم ذلك لم يبين الحكم سبباً لطرح ما جاء بهذا التقرير إلا بقوله "إن ذلك لم يثبت رسمياً" كما لا يكتفي من الحكم قوله "إن في إقامة دعوى الحراسة من ورثة البائع ما يقوض زعم المستأنف عليه في هذا الصدد" رداً على تمسك به الطاعن بأنه كان يضع يده بصفته وكيلاً عن دائرة البائع، لأن هذا القول من الحكم يشوبه التجهيل، إذ لم يبين الحكم ما هو الدليل الذي استخلصه من دعوى الحراسة في هذا النزاع، لما كان ذلك وكان ما قرره الحكم في هذا الشأن لا يعتبر رداً سائغاً على ما تمسك به الطاعن في هذا الصدد فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور مما يستوجب نقضه في هذا الخصوص.


[(1)] نقض 26/ 3/ 1970 مجموعة المكتب الفني س 21. ص 513.

السبت، 21 أكتوبر 2023

الطعن رقم 53 لسنة 39 ق دستورية عليا "دستورية " جلسة 3 / 10 / 2023

باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم الثلاثاء الثالث من أكتوبر سنة 2023م، الموافق الثامن عشر من ربيع الأول سنة 1445 هـ.
برئاسة السيد المستشار / بولس فهمي إسكندر رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين: رجب عبد الحكيم سليم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل وخالد أحمد رأفت دسوقي والدكتورة فاطمة محمد أحمد الرزاز ومحمد أيمن سعد الدين عباس نواب رئيس المحكمة

وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشري رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ محمـد ناجي عبد السميع أمين السر

أصدرت الحكم الآتي
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 53 لسنة 39 قضائية دستورية، بعد أن أحالت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، بحكمها الصادر بجلسة 22/11/2016، ملف الدعوى رقم 18855 لسنة 68 قضائية

المقامة من
نادر فؤاد سليمان البلتاجي
ضد
1- وزير المالية
2- رئيس مصلحة الضرائب
3- رئيس مجلس إدارة صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة

------------------
" الإجـراءات "
بتاريخ الثلاثين من أبريل سنة 2017، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الدعوى رقم 18855 لسنة 68 قضائية، بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، بجلسة 22/11/2016، بوقف الدعوى وإحالة الأوراق إلى المحكمة الدستورية العليا، للفصل في دستورية نص البند (د) من المادة (24) من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة، المعدل بقرار وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003.
وقدم المدعي في الدعـــوى الموضوعية مذكـــرة، طلب فيها الحكم بعـــدم دستورية النص المحال.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم.

--------------

" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – في أن المدعي في الدعوى الموضوعية، أقام أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية الدعوى رقم 18855 لسنة 68 قضائية، ضد المدعى عليهم، طالبًا الحكم بإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن صرف المبالغ المستحقة له، وإلزام المدعى عليهم بأن يؤدوا إليه مبلغًا مقداره مائة وستون ألف جنيه، والفوائد القانونية، من تاريخ المطالبة وحتى تمام السداد؛ وذلك على سند من أنه يشغل وظيفة كبير باحثين بمصلحة الضرائب العامة، ويتمتع بعضوية صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بالمصلحة المذكورة، ويحق له ولأسرته المكونة من زوجته وأولاده الانتفاع بجميع خدماته، وفقًا لأحكام نظامه الأساسي، وأن نجله أصيب بجلطة وانسداد تام في الشرايين التاجية الأمامية، فاستقر رأي الأطباء على ضرورة إجراء جراحة قلب مفتوح، فتقدم المدعي بطلب إلى الصندوق لتحويل نجله إلى إحدى المستشفيات المتعاقد معها، إلا أنه إزاء ما بدا له خلال إجراء الفحوص الطبية، من صعوبة إجراء تلك الجراحة، وانخفاض نسب نجاحها، اضطر إلى عــلاج نجله بالخارج، وإجراء الجراحة بمستشفى بألمانيا الاتحادية، وعلى إثر ذلك تقدم بطلب إلى صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية - فرع الإسكندرية - لاسترداد مبلغ 118300 جنيه، قيمة تكاليف العملية الجراحية، وأرفق المستندات الدالة على ذلك، فأعاد الصندوق تقييم تلك التكاليف طبقًا لأسعار المؤسسة العلاجية، وقدّرها بمبلغ 105110 جنيهات، يتحمل العضو منها نسبة 5%، فيكون المبلغ المستحق له 99854 جنيهًا، إلا أن الصندوق امتنع عن الصرف، على سند من عدم تحمله تكاليف العلاج بالخارج، فأقام المدعي تلك الدعوى. وإذ تراءى لمحكمة الموضوع عدم دستورية نص البند (د) من المادة (24) من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة، المرافق لقرار وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003، فيما تضمنه من عدم تحمل الصندوق تكاليف حالات العلاج خارج الدولة، بذات النسب والتكاليف التي يتحملها بالنسبة للعمليات الجراحية التي تجرى داخل البلاد، فقررت وقف الدعوى، وإحالة أوراقها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريته، ناعية على النص المحال التمييز غير المبرر في مجال تقديم الخدمات الصحية لأعضاء الصندوق، ومناقضة الغاية التي أنشئ الصندوق من أجلها، إذ قصر عن تحمل تكاليف حالات العلاج بالخارج، على حين تكفل بتحمل تلك التكاليف بالنسب المنصوص عليها حال العلاج داخل البلاد، رغم تماثل المراكز القانونية في كلتا الحالتين واتحاد المعطيات التي كانت تستلزم وحـدة القاعـدة المطبقة بشأنهما، لاسيما وأن العـلاج بالخـارج لا يكون – في الأعم الأغلب - إلا في الحالات الحرجة، الأمر الذي يجافي مبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (53) من الدستور.
وحيث إن المادة الثانية والخمسين من القانون رقم 46 لسنة 1978 بشأن تحقيق العدالة الضريبية، قبل إلغائه بالقانون رقم 157 لسنة 1981، قد نصت على أن تؤول حصيلة الغرامات والتعويضات المحكوم بها نهائيًّا طبقًا لأحكام القانون رقم 14 لسنة 1939 والقانون رقم 99 لسنة 1949 المشار إليهما إلى صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحــة الضرائب.
ويصدر قرار من وزير المالية بتحديد نظام هذا الصندوق وموارده الأخرى وأغراضه وكيفية إدارته، وعلى الجهات المختصة بتحصيل المبالغ المشار إليها في الفقرة السابقة أن تقوم بتوريدها إلى الصندوق في المواعيد التي يحددها وزير المالية بقرار منه.
وحيث إن قرار وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003 في شأن تعديل النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة، ينص في المادة (4) من النظام الأساسي المرافق له على أن تقتصر عضوية الصندوق على العاملين بمصلحة الضرائب، والمحالين منها إلى التقاعد؛ شريطة سداد الاشتراكات المقررة كاملة، ويستفيدون هم وأسرهم (الزوجة والأولاد) من جميع خدمات الصندوق، وعلى النحو الوارد بهذا القرار.
وتكون شروط استفادة أُسر أعضاء الصندوق العاملين بالمصلحة من خدماته على النحو الذي يضعه مجلس إدارة الصندوق ويعتمده وزير المالية.
وتنص المادة (23) من النظام ذاته على أن تشمل الخدمات الصحية التي يُقدمها الصندوق الآتي:
( أ) العمليات الجراحية، ما عدا عمليات التجميل والأسنان، إلا إذا كانت ناتجة عن حوادث، وعمليات العقم والطهارة .
(ب) معالجة الحالات الطارئة بالمستشفيات. (ج) معالجة الأمراض المزمنة.
( د) الأشعات والتحاليل. (هـ) الأجهزة التعويضية. (و) حالات الولادة.
وتستبعد أية خدمة صحية للحالات الناتجة عن الإدمان.
وتنص المادة (24) من النظام الأساسي المشار إليه على أن تقدم الخدمات الصحية المنصوص عليها بالمادة (23) لأعضاء الصندوق والمحالين للتقاعد وفقًا للضوابط الآتية :
(أ) بالنسبة لأسر الأعضاء، فينطبق بشأنهم الشروط المنصوص عليها، والتي يطبق بشأنها حكم المادتين (4 و5) من هذا النظام، وفي كل الأحوال يتعين ضرورة تقديم الأوراق، أو المستندات، أو التقارير التي يطلبها الصندوق.
(ب) لا يتحمل الصندوق تكاليف وجود مرافق مع المريض.
(ج) يعفى الصندوق من أية التزامات مالية قبل العضو إذا وفرت له اللجنة الصحية بالصندوق العلاج على نفقة الدولة.
( د) لا يتحمل الصندوق تكاليف العلاج خارج الدولة.
(هـ) بالنسبة للعمليات الجراحية يتحمل الصندوق التكاليف الآتية:
(90%) للعاملين الموجودين بالخدمة.
(75%) لباقي أسر العاملين الموجودين بالخدمة (الزوجة والأولاد، مع الالتزام بالشروط المنصوص عليها في هذا النظام).
(50%) للعضو المحال للتقاعد ولأفراد أسرته، طبقًا للتحديد الوارد بهذا النظام.
(و) بالنسبة للحالات الطارئة تعامل كالعمليات الجراحية، مع ضرورة إخطار الصندوق عن طريق المستشفى، أو عن طريق العضو .
(ز) تحدد مستويات الإقامة بالمستشفيات، على النحو الآتي: ......
(ح) بالنسبة للأمراض المزمنة :
حالات الفشل الكلوي والأورام الخبيثة، يكون العلاج بالمستشفيات المتعاقد معها الصندوق، وإذا لم يتيسر العلاج في مثل هذه المستشفيات يمنح المريض مبلغًا سنويًّا، بحيث لا يجاوز خمسة وعشرين ألف جنيه . ..... .
(ط) يتحمل الصندوق نسبة لا تجاوز خمسين في المائة من ثمن الأجهزة التعويضية، طبقًا لمتوسط الأسعار السائدة، ولا يتحمل الصندوق أي مقابل لوسائل الانتقال الميكانيكية المعدة لذوي الاحتياجات الخاصة .
(ى) يتحمل الصندوق تكاليف الولادة، بحيث لا تجاوز ألف جنيه، ولمرتين فقط طوال مدة العضوية .
(ك) يتحمل الصندوق (50%) من قيمة الأشعة والتحاليل، بحيث لا تجاوز خمسمائة جنيه سنويًّا.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهي شرط لقبولها، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها، والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوي في شأن توافر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع، أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية، للتثبت من شروط قبولها، بما مؤداه أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل يتعين أن يكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في النزاع المثار أمام محكمة الموضوع. إذ كان ذلك، وكان المدعي في الدعوى الموضوعية عضوًا بصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة، وامتنع الصندوق المذكور عن تحمل تكاليف علاج نجله خارج الدولة، استنادًا إلى النص المحال؛ ومن ثم فإن الفصل في دستوريته يكون له انعكاسه الأكيد على الدعوى الموضوعية، والطلبات المطروحة بها، وقضاء محكمة الموضوع فيها، ويتحدد نطاق الخصومة الدستورية الراهنة فيما تضمنه نص البند (د) من المادة (24) من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة، المرافق لقرار وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003، من إطلاق حكمه ليشمل عدم تحمل الصندوق تكاليف حالات العلاج خارج الدولة، وإن تماثلت مع الخدمات الطبية التي يقدمها في الداخل وفق الضوابط التي يقررها النظام الأساسي السالف البيان.
وحيث إن البيـن مـن تقصي أحكام النظـام الأساسي لصندوق الرعايـة الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة أنه يُعد أداة من أدوات الدولة في توفير الرعاية الصحية المتكاملة لأعضائه ولأسرهم، كفل المشرع من خلاله شكلًا من أشكال التضامن والتكافل بين أعضائه، بما يدنيهم من التغلب على الصعاب التي تتصل بعوارض الحياة من مرض، أو تقاعد، أو وفاة، وأقام إطارًا لهذا التعاون من خلال موارد الصندوق، التي ينميها ويسهم أعضاؤه فيها، وتدعمها الدولة – كذلك- من ميزانيتها، ليؤمّن الصندوق لأعضائه وأُسرهم قدرًا من الاستقرار يُعينهم وقت العثرة، ويعوضهم عن مضار أصابتهم، إعمالاً لقواعد التكافل الاجتماعي التي تهيمن على أغراض الصندوق جميعها، بقصد مواجهة مخاطر تتجانس في طبيعتها، ولا يندر وقوعهـــا. وبهذه المثابـــة، فإن عضو الصندوق، متى قام بســـداد اشتراكاته المقـــررة، بات مع غيره من الأعضاء سواءً بسواء، تجمعهم مراكز قانونية متكافئة.
وحيث إن الدستور الحالي قد اعتمد بمقتضى نص المادة (4) منه، مبدأ المساواة، باعتباره -إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص- أساسًا لبناء المجتمع، وصيانة وحدته الوطنية، وتأكيدًا لذلك حرص الدستور في المادة (53) منه، على كفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، في الحقوق والواجبات العامة، دون تمييز بينهم لأي سبب، إلا أن ذلك لا يعني – على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تُعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها؛ ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ذلك الذي يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة، التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيم، فإذا كان النص المطعون فيه – بما ينطوي عليه من تمييز– مصادمًا لهذه الأغراض، بحيث يستحيل منطقًا ربطه بها، أو اعتباره مدخلًا إليها، فإن التمييز يكون تحكميًّا، وغير مستند بالتالي إلى أسس موضوعية، ومن ثم مجافيًا لمبدأ المساواة.
وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن صور التمييز المجافية للدستور وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة، أو تقييد، أو تفضيل، أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق، أو الحريات التي كفلها الدستور، أو القانون، وذلك بإنكار أصل وجودها، أو تعطيل أو انتقاص آثارها، بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة بين المؤهلين للانتفاع بها. كما أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، المنصوص عليه في المادة (53) من دستور سنة 2014، والذى رددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساسًا للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهـة صـور التمييز، التي تنـال منها وتقيد ممارستها، باعتبـاره وسيلة لتبرير الحماية القانونية المتكافئة، التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، وقيدًا على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، والتي لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية، التي تتحدد وفق شروط موضوعية، يتكافأ المواطنون من خلالها أمام القانون، فإن خرج المشرع على ذلك، سقط في حمأة المخالفة الدستورية.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن تكافؤ المتماثلين في الحماية القانونية، مؤداه: أنها ينبغي أن تسعهم جميعًا، فلا يقصر مداها عن بعضهم، ولا يمتد لغير فئاتهم، ولا يجوز بالتالي أن تكون هذه الحماية تعميمًا مجاوزًا نطاقها الطبيعي، ولا أن يقلص المشرع من دائرتها بحجبها عن نفر ممن يستحقونها. وأن مناط دستورية أي تنظيم تشريعي ألا تنفصل نصوصه، أو تتخلف عن أهدافها، ومن ثم فإذا قام التماثل في المراكز القانونية التي تنتظم بعض فئات المواطنين وتساووا بالتالي في العناصر التي تكونها، استلزم ذلك وحدة القاعدة القانونية التي ينبغي أن تنتظمهم، ولازم ذلك: أن المشرع عليه أن يتدخل دومًا بأدواته لتحقيق المساواة بين ذوي المراكز القانونية المتماثلة، أو لمعالجة ما فاته في هذا الشأن.
وحيث إن ما نص عليه الدستور في مادته الثامنة، من قيام المجتمع على أساس من التضامن الاجتماعي، والتزام الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتوفير سبل التكافل الاجتماعي، بما يضمن الحياة الكريمة لجميع المواطنين، على النحو الذي ينظمه القانون، إنما يعني وحدة الجماعة في بنيانها، وتداخل مصالحها لا تصادمها، وإمكان التوفيق بينها، ومزاوجتها ببعض عند تزاحمها، واتصال أفرادها وترابطهم فيما بينهم، فلا يكون بعضهم لبعض إلا ظهيرًا، ومن ثم لا يتفرقون بددًا، أو يتناحرون طمعًا، أو يتنابذون بغيًا، وهم بذلك شركاء في مسئوليتهم قبلها، ولا يملكون التنصل منها، أو التخلي عنها، وليس لفريق منهم أن يتقدم على غيره انتهازًا، ولا أن ينال قدرًا من الحقوق يكون بها - عدوانا - أكثر علوًّا، وإنما تتضافر جهودهم، وتتوافق توجهاتهم، لتكون لهم الفرص ذاتها التي تقيم لمجتمعاتهم بنيانها الحق، وتتهيأ معها تلك الحماية التي ينبغي أن يلوذ بها ضعفاؤهم، ليجدوا في كنفها الأمن والاستقرار.
وحيث إن الحماية الخاصة التي كفلها الدستور لحق الملكية الخاصة، تمتد إلى كل حق ذي قيمة مالية، سواء أكان حقًّا شخصيًّا أم عينيًّا، أم كان من حقوق الملكية الفنية، أو الأدبية، أو الصناعية، وهو ما يعني اتساعها للأموال بوجه عام.
متى كان ما تقدم، وكان ما نعاه حكم الإحالة على النص التشريعي المحال سديدًا في جملته، إذ إن ذلك النص فيما تضمنه من عدم تحمل صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة تكاليف حالات العلاج خارج الدولة؛ يكون قد انسلخ عن أغراض الصندوق السالف بيانها، التي يتوخاها في مجال الخدمات الصحية التي يقدمها لأعضائه، نائيًا بها عمن يستحقونها، مخلًّا بمقتضيات التكافل الاجتماعي بينهم، حال اشتراكهم في عضوية الصندوق ذاته، ومواجهة أخطار من طبيعة واحدة توجب تضاممهم، مهدرًا فرصة الحصول على خدمات الصندوق الطبية لمن يُعالج منهم خارج الدولة، وإن تماثلت حالته الطبية مع مستحق يُعالج داخلها، ممايزًا – دون مبرر موضوعي – بين طائفتين من مستحقي الخدمات الصحية الذين تتكافأ عناصر المركز القانوني لكلتيهما، دون أن يقدح في تكافئها قالة إن موارد الصندوق تنوء عن أداء تكاليف العلاج خارج الدولة، مما يعجزه عن تحقيق أهدافه في مجال الخدمات الصحية، ما دام تحمُّل تلك النفقات تحكمه – في مواجهة كلتا الطائفتين – أحكام مشتركة، أبانتها لائحة النظام الأساسي للصندوق السالف البيان، مما يشكل إخلالًا بمبادئ المساواة والعدل والتضامن الاجتماعي. كما أن النص المحال بحجبه حصول من يُعالج من أعضائه خارج الدولة، في الحالات التي تتماثل مع الخدمات الطبية التي يقدمها في الداخل، عن استئداء نفقات علاجه، وفق الضوابط التي يقررها النظام الأساسي للصندوق، إنما يُشكل عدوانًا على الملكية الخاصة لأولئك؛ بحسبان الوفاء بتكاليف علاجهم -وفقًا لما تقدم- ينهض التزامًا على الصندوق، يضحى الإخلال به انتقاصًا من العناصر الإيجابية للذمة المالية لعضو الصندوق، وإهدارًا لحقه في الملكية الخاصة.
وحيث إنه لما تقدم، فإن النص المحال – في نطاقه السالف التحديد- يكون قد خالف المواد (4 و8 و9 و35 و53) من الدستور، مما لزامه القضاء بعدم دستوريته.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية ما تضمنه نص البند (د) من المادة (24) من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة، المرافق لقرار وزير المالية رقم 1522 لسنة 2003، من إطلاق حكمه ليشمل عدم تحمل الصندوق تكاليف حالات العلاج خارج الدولة، وإن تماثلت مع الخدمات الطبية التي يقدمها في الداخل، وفق الضوابط التي يقررها النظام الأساسي للصندوق.

الجمعة، 20 أكتوبر 2023

الطعن 550 لسنة 82 ق جلسة 22 / 2 / 2023

محكمـة الـنقــض
دائرة الأربعاء ب العمالية
محضر جلسة
برئاسة السيد القاضي / حسام قرني حسن نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / محمد سمير عبد الظاهر، محمد إبراهيم الإتربي ، طارق علي صديق نواب رئيس المحكمة ومحمد توفيق كامل

والسيد أمين السر / صابر محمود .

في الجلسة المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالي بمدينة القاهرة.
في يوم الأربعاء 2 من شعبان سنة 1444 هـ الموافق 22 من فبراير سنة 2023 م.
في الطعن المقيد في جدول المحكمة برقم 550 لسنة 82 القضائية.

المـرفــــــــوع مــــن
السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بصفته.
موطنه القانوني- 3 شارع الألفي -قسم الازبكية- محافظة القاهرة.
ضـــــــــــــــــد
...........المقيمان / ..... - الطليمات- محافظة سوهاج.
3-السيد / ..... صاحب شركة .... للمقاولات والأعمال الهندسية. المقيم/ ..... -مساكن شيرتون - النزهة-محافظة القاهرة.

---------------------
" المــحكـــمة "
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة
لما كان المقرر - في قضاء هذه المحكمة- أن النص في المادة 157 من قانون التأمين الاجتماعي رقم 79 لسنة 1975 تنص على أنه تنشأ بالهيئة المختصة لجان لفحص المنازعات الناشئة عن تطبيق أحكام هذا القانون يصدر بتشكيلها وإجراءات عملها ومكافآت أعضائها قرار من الوزير المختص، وعلى أصحاب الأعمال والمؤمن عليهم وأصحاب المعاشات والمستحقين وغيرهم من المستفيدين قبل اللجوء إلى القضاء تقديم طلب إلى الهيئة المختصة لعرض النزاع على اللجان المشار إليها لتسويته بالطرق الودية، ومع عدم الإخلال بأحكــام المـادة 128 لا يجوز رفع الدعوى قبل مضى ستين يومًا من تاريخ تقديم الطلب المشار إليه، ولم يشترط القانون شكلًا معينًا لطلب عرض النزاع على لجــان فحص المنازعات ولم يتطلب طريقًا معينًا لإثباته. لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم الابتدائي أن المطعون ضدهما الأول والثانية قدما أمامها الطلب المقدم للجنة فحص المنازعات وهو ما يتحقق به مقصود المشرع من المادة 157 من القانون رقم 79 لسنة 1975 فإن الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه إذ اعتد بالطلب المشار إليه وقضى على أساسه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، يكون قد وافق صحيح القانون ويضحى النعي على غير أساس. ولما كان المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن الطعن بالنقض إنما يعني محاكمة الحكم المطعون فيه بما يتعين معه أن ينصب على عيب قام عليه الحكم، فإذا خلا من ذلك العيب الموجه إليه كان واردًا على غير محل، ومن ثم غير مقبول. ولما كان الحكم المطعون فيه قضى بإلزام الطاعنة بصرف المعاش الشهري عن معاش مورث المطعون ضدهما الأول والثانية من تاريخ الوفاة الحاصل في 27/ 8/ 2006 ولم يقضِ بثمة زيادة، ومن ثم فإن ما تثيره الطاعنة بهذا السبب - وأيًا كان وجه الرأي فيه - يكون واردًا على غير محل من قضاء الحكم المطعون فيه، ويضحى بالتالي غير مقبول، وكان الحكم الابتدائي المُؤيد لأسـبـابه بالحكم المطعون فيه قد أورد بمدوناته اطمئنان المحكمة إلى ما شـهد به شـاهدي المطعون ضدهما أولًا وثانيًا أمامها من أن مورث كل منهما كان يعمل لدى المطعون ضده ثالثًا، وأنه يقضي بثبوت علاقة العمل على هذا الأساس، ورتب على ذلك القضـاء بإلزام الطاعنة بالمعاش والمستحقات الـتأمينية دون أن يتخذ من الأجر الفعلي الذي قضى به في نطاق ثبوت علاقة العمل أسـاسـًا لاحتسابها، وكان ما استخلصه الحكم في هذا الخصوص سائغًا وله سنده من الأوراق، فإن ما تُثيره الطاعنة بهذا النعي لا يعدو أن يكون جدلًا موضـوعيًا في تقدير المحكمة لأدلة الدعوى مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض، ويضحى هذا النعي على غير أساس.
لذلــــــــــك
قررت المحكمة - في غرفة مشورة - عدم قبول الطعن، وألزمت الطاعنة بالمصروفات، وأعفتها من الرسوم القضائية.

الطعن 18542 لسنة 85 ق جلسة 25 / 5 / 2021

محكمة النقض
الدائرة التجارية والاقتصادية
محضر جلسة
برئاسة السيد القاضي/ نبيل عمران نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة/ د. مصطفى سالمان ، صلاح عصمت ، د. محمد رجاء نواب رئيس المحكمة

ومحمد على سلامة

والسيد أمين السر/ خالد وجيه.

فى الجلسة المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالى بالقاهرة.
فى يوم الثلاثاء 13 من شوال سنة 1442ه الموافق 25 من مايو سنة 2021م.
أصدرت القرار الآتى
فى الطعن المقيد فى جدول المحكمة برقم 18542 لسنة 85 قضائية.
عُرض الطعن على المحكمة فى غرفة مشورة وبعد المداولة، صدر القرار الآتى:

-----------------

" المحكمة "
بعد الاطلاع على الأوراق والمداولة.
لما كان المقرر وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن التحكيم طريق استثنائى لفض الخصومات قوامه الخروج على طرق التقاضى العادية فهو مقصور على ما تنصرف إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم، من الحقوق التى يجوز التصالح عليها طبقًا للقانون المصرى، يستوى فى ذلك أن يكون الاتفاق على التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التى نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية. وأنه لا يخضع لدعوى البطلان التى ينظمها قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 إلا ما يُعد من قبيل أحكام التحكيم مما يصدر من هيئة تحكيم تم تشكيلها وفقًا للقانون، وأن المحكمة التى تنظر دعوى بطلان حكم التحكيم لا تتقيد بالوصف الذى يطلقه الخصوم على اتفاقاتهم ومحرراتهم وأن العبرة بحقيقة ما اتجهت إليه إرادتهم لا بما استخدموه من ألفاظ أو عبارات، كما وأن العبرة فى وصف ما يصدر عن المحكمين بأنه حكم هو بمضمون القرار الذى يصدرونه وليس بالوصف الذى يخلعونه عليه. وكان ما يصدر عما يسمى "لجنة تحكيم" فى نزاع تقوم بفضه "بطريق التحكيم العرفى" بتحديد التزامات على عاتق الطرفين وتحديد مبلغ من النقود كشرط جزائى يتحمله من يخل بالتزامه قبل الآخر لا يعتبر - فى نظر القانون - حكم تحكيم وإنما هو نوع من الصلح، فحكم التحكيم هو الذى تكتمل فيه العناصر الجوهرية للأحكام بصفة عامة ويتضمن فصلًا فى خصومة محددة يحسم النزاع بشأنها بصفة نهائية ويحوز حجية الأمر المقضى ويكون قابلًا للتنفيذ مباشرة بعد الأمر بتنفيذه طبقًا لأحكام قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994. ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى فى قضائه بعدم قبول دعوى الطاعن على ما استخلصه من عبارات المحرر المؤرخ 20/ 9/ 2014 والمعنون "محضر صلح وقبول تحكيم" من أن هذا المحرر لا يعتبر حكمًا صادرًا فى تحكيم بالمعنى القانونى على سند من أنه لا يخرج عن كونه عقد صلح، وأن ما ورد بالمحرر المؤرخ 19/ 9/ 2014 هو اتفاق الخصوم على إنهاء النزاع القائم بطريق التحكيم العرفى ولم يرد به ما يفيد لجوء الخصوم للتحكيم وفقًا لأحكام القانون المنظم له رقم 27 لسنة 1994، وكان هذا الذى خلص إليه الحكم وساقه سندًا لقضائه سائغًا وله أصل ثابت بالأوراق ويتفق مع صحيح القانون ويكفى لحمل قضائه، لا سيما وأن الطاعن ذيل المحرر المؤرخ 20/ 9/ 2014 بالعلم والقبول، ويكون النعى عليه فى هذا الخصوص بأنه حكم صادر من هيئة تحكيم وليس صلحًا، على غير أساس. ومن ثم يكون الطعن قد أقيم على غير الأسباب المبينة بالمادتين 248 و249 من قانون المرافعات، متعينًا الأمر بعدم قبوله عملًا بالمادة 263(3) من ذات القانون.
لذلك
أمرت المحكمة - فى غرفة المشورة - بعدم قبول الطعن وألزمت الطاعن المصروفات مع مصادرة الكفالة.

الطعن رقم 17673 لسنة 83 ق جلسة 27 / 11 / 2022

باسم الشعب
محكمة النقض
الدائرة المدنية
دائرة " الأحد " (أ) المدنية
برئاسة السيد القاضى / فراج عباس نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة القضاة / فيصل حرحش ، مصطفى الأسود ، د/ محمود عبد الفتاح محمد و خالد عادل عبداللطيف " نواب رئيس المحكمة "
بحضور السيد رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض / أحمد عيد.
وأمين السر السيد / محمد أحمد عبدالله.
فى الجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة بدار القضاء العالى بمحافظة القاهرة.
فى يوم الأحد 3 من جمادى الأولى سنة 1443 ه الموافق 27 من نوفمبر سنة 2022 م.
أصدرت الحكم الآتى :
فى الطعن المقيد فى جدول المحكمة برقم 17673 لسنة 83 ق.
------------
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق ، وسماع التقرير الذى تلاه السيد القاضى المقرر / خالد عادل محمود " نائب رئيس المحكمة " والمرافعة ، وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
تتحصل الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - فى أن الهيئة الطاعنة كانت قد أقامت على مورث المطعون ضدهم الدعوى رقم 25 لسنة 2008 مدنى محكمة كفر الشيخ الابتدائية " مأمورية بيلا " بطلب فسخ العلاقة الإيجارية مع الطرد والتسليم والإلزام بالأجرة المتأخرة والفوائد القانونية ، على سند من أن مورث المطعون ضدهم يستأجر منها بموجب مستند ربط مؤرخ 1/2/1982 قطعة أرض فضاء مملوكه لها إلا أنه أقام بناء على جزء منها دون موافقتها كما امتنع عن سداد الأجرة . ندبت المحكمة خبيراً وبعد أن أودع تقريره حكمت بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفه . استأنفت الهيئة الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 1721 لسنة 43 ق لدى محكمة استئناف طنطا "مأمورية كفر الشيخ " والتى قضت بتأييد الحكم المستأنف ، وبتاريخ 31/10/2013 طعنت الهيئة فى هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكره أبدت فيها الرأى بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة فى غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما تنعاه الهيئة الطاعنة على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه، وفى بيان ذلك قالت إن الحكم أقام قضاءه بتأييد الحكم الابتدائى القاضى بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة على سند من أن الخبير انتهى فى تقريره إلى أن عين التداعى مقيدة فى السجل العينى بإسم الهيئة العامة للإصلاح الزراعى حال أنه وبفرض عدم ملكيتها لها فإن العلاقة الإيجارية المبرمة مع مورث المطعون ضدهم تخولها الصفة فى الدعوى بما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعى فى محله ، ذلك أن المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - أن مؤدى نص المادة 558 من القانون المدنى أن الإيجار عقد يلتزم المؤجر بمقتضاه أن يمكن المستأجر من الانتفاع بشىء معين مدة معينة لقاء أجر معلوم ولا يُشترط أن يكون المؤجر مالكاً بما يعنى أن إيجار ملك الغير صحيح فى حدود العلاقة بين المؤجر والمستأجر ، وأنه ليس لهذا الأخير التنصل من آثاره طالما مُكِّن من الانتفاع بالشىء المؤجَّر ولم يدَّعِ تعرض المالك له فيه وحق لأى من طرفيه التقاضى بشأن المنازعات الناشئة عنه . لما كان ذلك ، وكان البين من الأوراق أنه لا خلاف بين طرفي التداعى على أن مورث المطعون ضدهم ينتفع بالعين محل التداعى من الهيئة الطاعنة ، وإذ قضى الحكم الابتدائى المؤيَّد بالحكم المطعون فيه بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة على سند من أن الخبير انتهى فى تقريره إلى أن تلك العين مقيدة في السجل العيني بإسم الهيئة العامة للإصلاح الزراعى حال أنه وبفرض عدم ملكية الهيئة الطاعنة لها فإن العلاقة الإيجارية تخولها الصفة فى الدعوى ولا يُقبَل من المستأجر التنصل من آثار تلك العلاقة استناداً لعدم ملكية المؤجر للعين المؤجرة طالما مُكِّن من الانتفاع بها وحال أن أياً من المطعون ضدهم ومورثهم من قبلهم لم يدَّعِ تعرض الهيئة العامة للإصلاح الزراعى لهم فى ذلك ، بما يعيبه ويوجب نقضه لهذا السبب دون حاجه لبحث السبب الثانى من سببى الطعن على أن يكون مع النقض الإحالة.
لذلك
نقضت المحكمة الحكم المطعون فيه ، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف طنطا " مأمورية كفر الشيخ " وألزمت المطعون ضدهم المصروفات.