جلسة 9 من مايو سنة 1993
برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد معروف محمد وعبد القادر هاشم النشار وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمد ربيع - نواب رئيس مجلس الدولة.
-----------------------
(112)
الطعن رقم 3586 لسنة 32 القضائية
أموال الدولة العامة والخاصة - التعدي على أملاك الدولة - إزالة التعدي بالطريق الإداري.
مناط حصانة الملكية الخاصة للأفراد التي كفلها الدستور - حجية الأحكام الجنائية في الإثبات في مجال المنازعات الإدارية.
المادة 970 من التقنين المدني - المواد 32، 34، 65، 66، 67، 69، 70، 172 من الدستور.
أسبغ المشرع حمايته على أملاك الدولة ومنع التعدي عليها وأوجب على الجهات الإدارية المختصة إزالة هذا التعدي بالطريق الإداري - حظر المشرع على الإدارة المختصة إزالة التعدي بالطريق الإداري في الحالات التي لا يتوافر لواضع اليد سند ظاهر من القانون يكون معه ادعاء الإدارة بملكية الدولة للأرض أو العقار محل نزاع جدي يستلزم الفصل فيه بمعرفة السلطة القضائية والمحاكم المختصة تأكيداً وحماية لحقوق الأفراد التي كفلها الدستور - يتعين على المشرع أن لا يمس الحصانة التي كفلها الدستور للمالك الفرد في ملكه الخاص في حالة وضع قيود على حق الملكية الخاصة لصالح المجتمع تكفل حماية الاقتصاد القومي والخير العام للشعب - يتعين على الإدارة أن تلجأ إلى السلطة القضائية لحسم أي نزاع جدي حول ملكية العقار موضوع المنازعة ما دام حقها في ملكية العقار ليست ثابتة وظاهرة في مواجهة الأفراد إعمالاً لمبدأ سيادة الدستور والقانون الذي تخضع له الدولة - لا يتصور قانوناً وعقلاً أن يهدر أمام القضاء الإداري ما تم التحقق من وجوده بمقتضى التحقيق الجنائي من وقائع (وما انتهى إليه تقرير الخبراء الذين يكون قد انتدبهم المحكمة) على يد القاضي الجنائي من إثبات لما قام الدليل القانوني على حدوثه من الوقائع في الزمان والمكان على النحو الذي انتهى إليه الحكم الجنائي وما أثبته من إدانة للمتهمين بشأنها بالتحديد الذي أورده أو في التحقيق عن عدم وقوعه من أفعال أو عدم صحة نسبته من أفعال حدثت إلى أشخاص بذواتهم - الأثر المترتب على ذلك: حجية الحكم الجنائي فيما يفصل فيه في مجال المنازعات الإدارية التي تختص بنظرها محاكم مجلس الدولة - تطبيق.
إجراءات الطعن
في يوم السبت الموافق 13/ 9/ 1986، أودع الأستاذ/ عيسى رمضان المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقرير طعن قيد بجدلها تحت رقم 3586 لسنة 32 ق. عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري دائرة منازعات الأفراد والهيئات بجلسة 17/ 7/ 1986 في الدعوى رقم 585 لسنة 6 ق إداري المنصورة والذي قضى، بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار محل الطعن، وإلزام الإدارة المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب المشار إليها في تقرير طعنه - الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه واستمرار سريان قرار رئيس مجلس إدارة هيئة الآثار الصادر بإزالة تعدي المطعون ضده على الأراضي الأثرية بناحية تل شطا.
وقد تم إعلان الطعن إلى المطعون ضده على النحو الثابت بالأوراق وقدم الأستاذ المستشار/ علي رضا، مفوض الدولة، تقرير هيئة مفوضي الدولة بالرأي القانوني في الطعن والذي انتهى فيه - للأسباب الواردة به - إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه، وإلزام الإدارة المصروفات.
وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون على النحو الثابت بمحاضر جلساتها حيث قررت بجلسة 7/ 12/ 1992 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة والتي نظرته على النحو الثابت بمحاضر جلساتها حيث قررت بجلسة 31/ 1/ 1993 إصدار الحكم فيه بجلسة 7/ 3/ 1993 وفيها قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة 11/ 4/ 1993 ثم إلى جلسة 9/ 5/ 1993 لإتمام المداولة، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاع قبوله شكلاً.
ومن حيث إن موضوع هذا النزاع يتلخص - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي - المطعون ضده - قد أقام دعواه بداءة بصحيفة أودعها سكرتارية محكمة دمياط الابتدائية دائرة الأمور المستعجلة، بتاريخ 5/ 3/ 1983 مختصماً رئيس هيئة الآثار، ومأمور مركز شرطة دمياط وطلب الحكم بوقف تنفيذ القرار رقم 282 لسنة 1980، الصادر من رئيس هيئة الآثار، فيما تضمنه من إزالة منزله الكائن بناحية شطا مركز دمياط مع عدم الاعتداد به واعتباره كأن لم يكن وإلزام الإدارة المصروفات.
وأورد المدعي شرحاً لدعواه، أنه يمتلك منزلاً بناحية شطا مركز دمياط آلت إليه ملكية أرضه عن طريق الميراث، وقد فوجئ بصدور قرار مدير عام هيئة الآثار رقم 282 لسنة 1981 متضمناً إزالته، استناداً إلى أنه شيد على أرض مملوكه لهيئة الآثار ونعى المدعى على القرار صدوره باطلاً ومخالفاً للقانون لمساسه بحقه في ملكية الأرض وبجلسة 7/ 6/ 1983، اختصم المدعي رئيس هيئة آثار شمال الدلتا.
وقد ردت الجهة الإدارية على الدعوى بحافظة مستندات اشتملت على خريطة مساحية وصورة القرار المطعون عليه.
وبجلسة 1/ 11/ 1983 قضت محكمة دمياط الابتدائية بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة للاختصاص.
وقد وردت الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة وقيدت أمامها بالرقم المشار إليه حيث نظرتها على النحو الثابت بمحاضرها حيث قدم المدعي صورة من الحكم الصادر في الجنحة رقم 330 لسنة 1983 جنح مركز دمياط والتي اتهم فيها بأنه تعدى على أرض أثرية وقضي فيها ببراءته مما نسب إليه بجلسة 12/ 12/ 1985 تأسيساً على أن الأرض موضوع الاتهام - حسبما جاء بتقرير الخبير المنتدب في الدعوى - تابعة لمصلحة الأملاك الأميرية وليس لها علاقة بمصلحة الآثار لعدم وجود آثار بها وفق ما أوضحته الأوراق.
وبجلسة 17/ 7/ 1986 أصدرت المحكمة حكمها المطعون عليه بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون عليه وشيدت حكمها على سند من أن الحكم الجنائي، وفق ما استقر عليه قضاء مجلس الدولة يحوز حجيته فيما قضي به من نفي الاتهام الموجه إلى المدعي بالاعتداء على ارض تابعة لهيئة الآثار مصدرة القرار ومن ثم يغدو القرار المطعون عليه قد قام فاقداً لصحيح سنده من القانون أو الواقع حرياً بالإلغاء ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون تأويله وقضى في تحصيل الوقائع لثبوت ملكية هيئة الآثار موضوع القرار المطعون عليه بموجب الخرائط المساحية المقدمة في هذا الشأن وأن رئيس هيئة الآثار هو المخول قانوناً بإزالة ما يقع عليها من تعديات وفقاً لأحكام القانون رقم 55 لسنة 1970 والقرار الجمهوري رقم 2828 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الآثار المصرية والقرار الوزاري رقم 349 لسنة 1972 بتاريخ 16/ 5/ 1972 بتفويض رئيس هيئة الآثار في مباشرة الاختصاصات الممنوحة لوزير الثقافة بالقانون رقم 55 لسنة 1970 المشار إليه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه يتعين لمباشرة سلطة جهة الإدارة في إزالة - التعدي على أملاكها بالطريق الإداري المخول لها بمقتضى المادة (970) من القانون المدني أن تتحقق مناط مشروعية هذه السلطة وهو ثبوت وقوع اعتداء ظاهر على ملك الدولة أو محاولة غصبه ولا يتأتى ذلك إلا إذا تجرد التعدي الواقع من واضع اليد من أي سند قانوني يبرر وضع يده، أما إذا استند واضع اليد بحسب الظاهر من الأوراق والمستندات إلى ما يفيد وجود حق له على هذا العقار أو أبدى ما يعد دفعاً جدياً بما يدعيه لنفسه من حق أو مركز قانوني بالنسبة للعقار، فإنه تنتفي حالة الغصب أو التعدي والاستيلاء غير المشروع على أموال الدولة بطريق التعدي المادي الغصب السافر للعقار، أو بطريق التحايل الموجب لأداء الإدارة لواجبها واستعمال جهة الإدارة لسلطتها التي خولها لها القانون في إزالة هذا الغصب والتعدي غير المشروع بإرادتها المنفردة وبوسائلها المتوافرة لديه بالطريق الإداري، فالأصل أنه لا يحق لجهة الإدارة أن تلجأ إلى الإزالة للتعدي بالطريق الإداري إلا عندما تكون بصدد دفاع اعتداء مادي سافر أو إزالة غصب غير مشروع لأملاك الدولة فإذا كان الثابت وجود سند من الحق لواضع اليد يبرر بحسب الظاهر وضع يده أو تصرفه أو مسلكه بشأن العقار، فإنه لا يجوز للإدارة الإزالة بالطريق الإداري لأنها تكون في معرض انتزاع ما تدعيه هي منفردة من حق في موضوع النزاع بطريق التنفيذ المباشر وهو أمر غير جائز قانوناً بحسب الأصل حيث أناط الدستور والقانون ولاية الفصل في هذه المنازعات للسلطة القضائية المسئولة بحكم ولايتها الدستورية والقانونية عن حماية الحريات والحقوق العامة والخاصة للمواطنين وإقامة العدالة وتأكيد سيادة القانون وفقاً لصريح أحكام الدستور (المواد 65، 66، 172).
وحيث إنه تبين مما تقدم أن المشرع قد أسبغ حمايته على أملاك الدولة ومنع التعدي عليها وأوجب على الجهات الإدارية المختصة إزالة هذا التعدي بالطريق الإداري، وذلك في الحالات التي لا يتوافر لوضع اليد سند ظاهر من القانون يكون معه ادعاء الإدارة بملكية الدولة للأرض أو العقار محل النزاع جدي يستلزم الفصل فيه بمعرفة السلطة القضائية المحاكم المختص، تأكيداً وحماية لحقوق الأفراد التي كفلها الدستور.
وقد حدد الدستور مناط هذه الحصانة التي قررها للملكية الخاصة للأفراد عندما عنى في المادة (32) بالنص على أن الملكية الخاصة تتمثل في رأس المال غير المستغل، وينظم القانون أداء وظيفتها الاجتماعية في خدمة الاقتصاد القومي، في إطار خطة التنمية دون انحراف أو استغلال، ولا يجوز أن تتعارض طرق استخدامها مع الخير العام للشعب، كما نصت المادة (34) على أن الملكية الخاصة مصونة، ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة وقابل تعويض وفقاً للقانون.
ومن حيث إنه وإن كان - وفقاً لهذه النصوص - يجوز للمشرع أن يضع قيوداً على حق الملكية الخاصة لصالح المجتمع تكفل حماية الاقتصاد القومي والخير العام للشعب إلا أن ذلك يتعين أن لا يمس الحصانة التي كفلها الدستور للمالك الفرد في ملكه الخاص فإنه لا يجوز للإدارة العامة عندما يخولها القانون سلطة التنفيذ الإداري المباشر لأعمال أو إجراءات إدارية تتعلق بالترخيص بالإزالة - حسبما سبق البيان إن تجاوز حد الشرعية في استخدام ما خولها المشرع من سلطات لتحقيق حماية النظام العام والصالح العام أو حسن سير وانتظام المرافق العامة وذلك باعتبار أن الأصل الدستوري المقرر هو حصانة الملكية الخاصة وحرية المالك في ملكيته وفي إدارته والانتفاع به واستغلاله في إطار الشرعية التي حددها الدستور والقانون، بما يكفل أداء الملكية لوظيفتها الاجتماعية.
ومن حيث إن الأصل العام الدستوري الذي تقوم عليه أركان الدولة هو مبدأ سيادة الدستور والقانون الذي تخضع له الدولة وفقاً لصريح نص المادتين (65، 66) من الدستور، المشار إليهما، ويتعين وفقاً لهذا المبدأ أن تلجأ الإدارة للسلطة القضائية لحسم أي نزاع جرى حول ملكية العقار موضوع المنازعة ما دام حقها في ملكية العقار ليست ثابتة وظاهرة في مواجهة الأفراد.
ومن حيث إنه من المبادئ العامة التي استقر عليها قضاء هذه المحكمة بالنسبة لحجية الأحكام الجنائية في الإثبات في مجال المنازعات الإدارية، أنه كما أن الحكم الجنائي حجة فيما يفصل فيه في المنازعات المدنية - من حيث حدوث الوقائع محل الاتهام ونسبتها إلى المتهم. فإن ذات هذه الحجية تكون للأحكام الجنائية في مجال المنازعات الإدارية التي تختص بنظرها محاكم مجلس الدولة، فالقضاء الجنائي يعتني أصلاً وأساساً بالوقائع التي يتكون منها الاتهام والبحث والتحقيق فيما إذا كانت حدثت وتحديد المتهم المسئول عن ارتكابها على أساس المبادئ العامة التي قررها الدستور والقانون والتي تتضمن أن العقوبة شخصية وهي تقوم على صحة وقوع الفعل ونسبته إلى من يحكم عليه بالعقوبة وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وإن حق الدفاع أصالة أو وكالة مكفول، ولا تقام الدعوى الجنائية إلا بأمر من جهة قضائية (المواد 66، 67، 69، 70) من الدستور.
ولا يتصور قانوناً وعقلاً أن يهدر أمام القضاء الإداري ما تم التحقق من وجوده بمقتضى التحقيق الجنائي من وقائع (وما انتهى إليه تقرير الخبراء الذين يكون قد انتدبتهم المحكمة) على يد القاضي الجنائي من إثبات لما قام الدليل القانوني على حدوثه من الوقائع في الزمان والمكان، على النحو الذي انتهى إليه الحكم الجنائي، وما أثبته من إدانة للمتهمين بشأنها بالتحديد الذي أورده في التحقيق عن عدم وقوعه من أفعال أو عدم صحة نسبته من أفعال حدثت إلى أشخاص بذواتهم.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه قد تحرر ضد المطعون ضده - الجنحة رقم 330 لسنة 1983 جنح مركز دمياط وقضي فيها ببراءته مما اسند إليه من اتهام بالتعدي على أملاك الدولة وأضحى هذا الحكم نهائياً حائزاً لقوة الأمر المقضي فيه فمن ثم يكون القرار المطعون فيه قد قام على أسباب ينفي الحكم الجنائي حدوثها وهي حجة فيما قضي به ومن ثم تكون الأسباب التي قام علها القرار المطعون فيه غير ثابتة الأمر الذي يجعله فاقداً لسنده القانوني ويكون الطعن عليه بالإلغاء قد قام على سنده من القانون والواقع حرياً بقبوله.
حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب لهذا المذهب فإنه يكون قد أصاب وجه الحق متفقاً وصحيح حكم القانون.
وحيث إن من خسر دعواه يلزم مصروفاتها وفقاً لأحكام المادة (184) من قانون المرافعات.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.